خلق الله سبحانه آدم ـ عليه السلام ـ على هيئة تحفظ عليه عورته من التكشف، وخلق له زوجة حواء ليسكن إليها في الجنة· فلما عصى آدم ربه أمره أن يهبط هو وزوجه إلى الأرض، وبدت لهما سوءاتهما...
فكان ـ رحمة من الله ـ أن أنزل على آدم وذريتة لباساً يواري سوءاتهم، قال عزو جل مذكراً بني آدم بنعمته عليهم : <يا بني آدم قد أنزلنا عليكم لباساً يُواري سوآتكم وريشاً ولباسُ التقوى ذلك خيرٌ ذلك من آيات الله لعلهم يذَّكَّرون> <الأعراف/ 62>... فإذا كان اللباس يواري عورة الجسد، فإن التقوى تواري المعاصي والآثام، وتقي المسلم عن الزلل والشطط عن منهاج الله تعالى، وصراطة المستقيم·
تعريف اللباس والحكمة منه
يُعرَّف الَّلباس بأنه كل ما يلبسه الإنسان من الثياب الساترة للبدن، من صوف وقطن وكتَّان، وما إلى ذلك مما يلبسه الناس· والحكمة منه كما ورد في التعريف ستر البدن وبخاصة مناطق العورة في الرجل أو المرأة، حفاظاً على الحياء والقيم الإنسانية النبيلة بين الناس، ودرءاً للمفاسد المترتبة على كشف العورات، ومنعاً لتهييج الشهوات وتحريك الغرائز وانتهاك الحُُُرمات·
آداب اللباس في الإسلام
وللباس آداب في الإسلام تحقق الحكمة من اللباس، منها:
1ـ أنه يجب أن يكون اللباس ساتراً لعورة الرجل والمرأة، وتصح به الصلاة، ويقيهما من الحر والبرد· فعن حكيم بن حزام عن أبيه قال: قلت : يارسول الله، عوراتنا ما نأتي منها وما نذر؟ قال:<احفظ عورتك إلا من زوجتك أو ما ملكت يمينُك>·
قلتُ: يا رسول الله، فإذا كان القوم بعضُهم في بعض؟ قال: <إن استطعتَ أن لا يراها أحدُ فلا يرينَّها>· فقلت: فإن كان أحدنا خالياً؟ قال: <فاللهُ ـ تبارك وتعالى ـ أحقُ أن يُسْتحْيا منه>· <رواه أبو داود والترمذي وابن ماجه وأحمد>
2ـ ويُستحب التجمُّل في الثياب، فيلبس المسلم الثياب النظيفة الحسنة، لإظهار نعمة الله على عبده، لكن دون تبذير· ويُستحب ذلك خصوصاً عند الذهاب إلى المسجد للصلاة ولأداء الجمعة والعيدين، وفي التجمعات العامة· فعن أبي الدرداء ـ رضي الله عنه ـ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: <إنكم قادمون على إخوانكم، فأصلحوا رحالكم، وأصلحوا لباسَكم حتى تكونوا كأنكم شامة في الناس، فإن الله لا يحبُّ الفُحْش ولا التفحش> <رواه أبو داود>· وقال صلى الله عليه وسلم: <إن الله يحبُّ أن يرى أثر نعمته على عبده> <رواه الترمذي والحاكم>·
وكان الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ يتخذ الثياب الحسنة في المناسبات الدينية وعند مقابلة الوفود·
3ـ ويُشترط في الثياب ألا يكون فيها رياء أو خُيلاء، فهذا حرام لقوله صلى الله عليه وسلم: <من لبس ثوب شهرة في الدنيا ألبسه الله ثوب مذلة يوم القيامة> (رواه أبو داود والنسائي وابن ماجة وأحمد)، وقال صلى الله عليه وسلم: <لا يدخل الجنةَ مَنْ كان في قلبه مثقالُ ذرة من كبر>· فقال رجل: إن الرجل يحب أن يكون ثوبه حسناً ونعله حسناً؟ قال: <إن الله جميلُ يحبُّ الجمال· الكبْر بَطَرُ وغمْط الناس> <رواه مسلم>· <بطر الحق: رده وإنكاره· غمط الناس: احتقارهم والاستهزاء بهم>·
فإذا خاف المسلم علي نفسه من الغرور والكبر في ملبسه، وجب عليه أن يتواضع فيه ليبعد نفسه عن الحرام· قال صلى الله عليه وسلم مبيناَ فضل التواضع في الثياب: <مَنْ ترك اللباس تواضعاَ لله وهو يقدر عليه، دعاه الله يوم القيامة على رؤوس الخلائق حتىُ يخَيَّره من أي حُلل الإيمان شاء يلبسها> <رواه الترمذي>·
موقف الإسلام من العادات الغربية الوافدة في اللباس
وقد تعرض العالم العربي والإسلامي لتيار من العادات الغربية الوافدة إلى حياته الاجتماعية، ومنها اللباس· وهذه العادات ليست إلا غزواً فكرياً واستعمارياً نفسياً والتي منها:
1ـ ارتداء النساء ثياباً تظهر مفاتنهن، حيث تسير المرأة حاسرة الرأس والذراعين والساقين ويرتدي الشباب والفتيات ثياباً ضيقة تجسَّم العورة، فهذا ونحوه لا يقره الإسلام، بل يحرِّمه، فلا يباح للمرأة إلا إظهار الوجه والكفين، أما ما عدا ذلك فيجب ستره بثياب واسعة فضفاضة سميكة لكي لا تشفّ البدن وتجسَّمه· فقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم : <صنفان من أهل النار لم أرهما: قومُ معهم سياط كأذناب البقر يضربون بها الناس، ونساءُ كاسيات عاريات مميلات مائلات، رؤوسهن كأسنمةالبُخْت المائلة، لا يدخُلْنَ الجنة ولا يجدْنَ ريحها، وإن ريحها ليوجد من مسيرة كذا وكذا> <رواه مسلم وأحمد>·
<كاسيات عاريات: أي يلبسن ملابس شفافة تظهر ما تحتها، أو ثياب قصيرة لا تستر العورة، فتبدو المرأة كاسية في شكلها عارية في محتواها آنٍ واحد· مائلات: يمشين متبخترات يتمايلن عُجْباَ وخُيلاء· مميلات: يلفتْنَ أنظار الرجال إليهن· رؤوسهن كأسنمة البخت: أي أن رؤوسهن كأسنمة الإبل لما يفعلنْه في شعورهن من اللف والتدوير ولبس الباروكة ونحوها>·
وقد تأثرت بعض النساء المسلمات بهذه العادات الغربية الوافدة، وأخذن يتتبعن كل صرعة جديدة في عالم الأزياء الغربية، ويحضرْنَ عروض الأزياء العالمية، ويقلدن عارضات الأزياء، فيلبسن الملابس التي تهتك ستار الحياء وتهيج الغرائز، مما لا يرضاه الله تعالى، ومن ثم وجب عليهن في هذا الزمن بخاصة أن يراجعن أنفسهن ويرجعن عن كل عادة وافدة تخالف تعاليم الإسلام، حتى لا يجلبن سخط الله عليهن·
2ـ تشبه الرجال بالنساء في الملبس، وتشبه النساء بالرجال فيه أيضاً، فهذا حرام في الإسلام؛ لأنه يُخرج كل نوع طبعه· فعن ابن عباس ـ رضي الله عنهماـ قال: <لعن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ المُتَّشبهات من النساء بالرجال، والمتشبَّهين من الرجال بالنساء>· <رواه البخاري والترمذي وأبو داود>·
ولا يخفى أن هذا التشبه نيجة الجري وراء ما يُسمَّى <بالموضة> الغربية التي لا تمت إلى تعاليم ديننا الحنيف بصلة، والتي يرفضها كل طبع سويّ وخُلُق قويم، حتى صار يروّج لهذه الموضة بعض ضعاف القلوب من المسلمين أنفسهم، وذلك تحت تأثير ما يسمى <بالاستعمار النفسي الحديث>·
3ـ ارتداء الرجال الحرير، وهذا حرام في الإسلام، إذ يحرم على الرجال لبس الحرير وافتراشة، لقوله صلى الله عليه وسلم: <إنما يلبس الحرير في الدنيا مَنْ لا خَلاق <نصيب> له في الآخرة>· <رواه الشيخان>·
وحذر الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ من ارتداء الرجال ثياب الحرير ، لما له من عقوبة مغلظة في الآخرة، فقال: مَنْ لبس ثوب حرير في الدنيا، ألبسه اللهُ يومَ القيامة ثوباً من نار> <رواه أحمد والطبراني>·
ويُعفى من الحرير الشيء اليسير يكف به الثوب، أو يُصنع منه جيب للقميص ونحوه· فعن عمر بن الخطاب ـ رضي الله عنه ـ أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ نهى عن لبس الحرير إلا موضع إصبعين أو ثلاثة أو أربعة> <رواه مسلم>·
والجدير ذكره في هذا المقام أنه يباح لبس الحرير عند الضرورة، كأن لم يكن لدى المرء غيره، أو كان به حكمة أي: جرب، ولا يُشفى منه إلا بلبس الحرير· فقد روي عن أنس بن مالك ـ رضى الله عنه ـ أن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ رَخَّص لعبد الرحمن بن عوف والزبير بن العوام في القُمُص الحرير في السفر، من حكة كانت بهما أو وجع كان بهما· <رواه مسلم>·
كما أنه يجوز ـ عند بعض الفقهاء ـ لبس الحرير للصبيان، وذلك إذا كان قبل سن التمييز، فإذا وصل الصبي إلى سن التمييز حُرَّم ذلك عليه·
دعوة لمواجة هذه العادات الغربية الوافدة
هذه بعض العادات الوافدة في الثياب، والتي تتعارض مع الآداب التي رسمها الإسلام للباس، وقد تمكَّنت هذه العادات في كثير من المجتمعات الإسلامية، بفعل الغزو الفكري الغربي عن طريق الإعلام الحديث بشتى صوره· ولاشك أن التخلص من هذه العادات الغربية الوافدة مسؤولية جميع أجهزة المجتمعات الإسلامية، وبخاصة أجهزة الإعلام ووزارات الأوقاف، ثم إن للأسرة دوراً مهماً في هذا الصدد؛ فالتنشئة الصالحة على أسس إسلامية سليمة كفيلة بأن تعصم الشباب والفتيات من الوقوع في براثن هذه العادات الوافدة التي تهدد كيان المجتمعات الإسلامية ، وتضرب جذور الهوية الإسلامية بهدف أن تنمحي المقومات الأساسية للشخصية الإسلامية فيسهل القضاء عليها أو تطويعها للفكر الغربي والصهيوني، فالمجتمعات التي يشيع فيها العُري تكثر فيها أوجه الانحراف الخلقي والسلوكي الشاذ، فتتفسخ عُرى الأسرة ومن ثَمّ عُرى المجتمع الإسلامي برمته·
تغريب الأسرة المسلمة
إن الغرب يريد تغريب الأسرة المسلمة، وهدم كيان المجتمعات الإسلامية، ومن ثمَّ يحاول بكل ما أوتي من تقنيات حديثة، وخطط استراتيجية ما كرة خبيثة، ووسائل إعلامية جبارة، وإمكانات مادية هائلة، وضغوط اقتصادية قاتلة، أن يروِّج لقبول هذه العادات الغربية الوافدة، حيث تستسيغها المجتمعات الإسلامية، فيُلبسها قناع تحرير المرأة تارة، والمدنية ثانية، والحضارة الحديثة ثالثة، وغيرها من الأقنعة الزائفة، ومن وقف لدعواته هذه بالمرصاد، ورفض قبولها، كانت التهم اللاذعة من نصيبه، كالاتهام بالأصولية والرجعية والتخلف، والإرهاب· ولا مانع عنده من استخدام العقوبات الاقتصادية، وسن القوانين الجائرة لمحاربة هذا الإرهاب ومحاصرة الأصولية في رأيه·
فما أشد الحاجة إلى تكاتف المجتمعات الإسلامية، وتعاون الأجهزة المعنية بمواجهة حملات التغريب هذه في الملبس والعادات الاجتماعية!! ولتكن التوعية في المدارس والجامعات ووسائل الإعلام السبيل إلى تحصين الشباب والنساء من هذه التيارات الهدامة· فصراعنا مع الغرب صراع فكري وعقدي، صراع بين البقاء والفناء، ولاسبيل إلى الانتصار فيه إلا بالتمسك بمبادئ ديننا الحنيف، والمحافظة على أصالة عروبتنا وإسلامنا، حتى يكتب لنا الله النصر والثبات، وتخطوا خطوات جادة وثابتة نحو الحضارة العالمية في القرن الحادي والعشرين·
بقلم: أ·د·ماهر عباس جلال
الوعي الإسلامي
رقم العدد: 451
الشهر: 5
السنة : 3
أم شماء @am_shmaaa
رحيق الصحة
يلزم عليك تسجيل الدخول أولًا لكتابة تعليق.
الريمه
•
بورك فيك اختاه
الصفحة الأخيرة