الانسان..اماللجنة اماللنار

معالجة الإسلام لمشاكل أمراض اللسان
لمّـا كان اللسان آلة الصدق والكذب ، فقد ورد في اللسان من الآثار ما يغني ذوي العقول السليمة عن الوقوع في آفاته والانجراف معه في انحرافاته .
واللسان من نعم الله العظيمة
، ولطائف صنعه الغريبة العجيبة ، فإنه صغير الجرم ولكنه عظيم الخطر كثير النفع والضرر ، ولا يستبين الكفر والإيمان ، إلا بشهادة اللسان . وهما غاية الطاعة والعصيان ثم أنه
– كما يقول الإمام الغزالي رحمه الله
– ما من موجود أو معدوم ، ولا متخيل أو مصروم ، مظنون أو موهوم . إلا واللسان يتناوله ويتعرض له بإثبات أو نفي . ومن أطلق عذبة اللسان ، وأهمله مرض العنان سلك به الشيطان فيكل ميدان ، وساقه إلى شفا جرف هار ، واضطره إلى البوار ولا ينجو من شر اللسان إلا من قيده بلجام الشرع فلا يطلقه إلا فيما ينفعه في الدنيا والآخرة ويكفه عن كل ما يخشى غائلته في عاجله أو آجله .

ورد عن سعيد بن جبير مرفوعاً إلى النبي صلى الله عليه وسلم قال : إذا أصبح ابن آدم أصبحت الأعضاء كلها تذكر اللسان أي تقول : اتق الله فينا فإنك إن استقمت استقمنا وإن اعوججت اعوججنا .
وهذا أروع تمثيل لبيان خطر اللسان ، وأشر اللسان في حياة الإنسان ، يصوره لنا الرسول الأمين صلى الله عليه وسلم الذي كان صمته فكرا ، ونطقه ذكراً ، ونظره عبراً .

وروي عن ابن مسعود رضي الله عنه أنه كان على الصفا يلبي ويقول :
يا لسان ، قل خيراً تغنم ، واسكت عن شر تسلم من قبل أن تندم فقيل له : يا أبا عبد الرحمن . أهذا شيء تقوله أو شيء سمعته ؟ فقال : لا بل سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : أن أكثر خطايا ابن آدم في لسانه

.
وورد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : لسان المؤمن وراء قلبه فإذا أراد أن يتكلم بشيء تدبره بقلبه ثم أمضاه بلسانه .
وأن لسان المنافق أمام قلبه فإذا همّ بشيء أمضاه بلسانه ولم يتدبَّره قلبه .
وقال النبي الكريم صلوات الله وسلامه عليه : من كثر كلامه كثر سقطه ومن كثر سقطه كثرت ذنوبه ، ومن كثرت ذنوبه كانت النار أولى به .

رجل من أهل الجنة
جاء عن محمد بن كعب قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
أن أول من يدخل من هذا الباب رجل من أهل الجنة . فدخل عبد الله بن سلام فقام إليه أناس من أصحاب رسول الله فأخبروه بذلك وقالوا : أخبرنا بأوثق عمل في نفسك ترجو به فقال : اني لضعيف ، وأن أوثق ما أرجو به الله سلامة الصدر وترك ما لا يعنيني .
وقد قسم الإمام الغزالي رحمه الله في كتابه الاحياء . قسم الكلام إلى أربعة أقسام
قسم هو ضرر محض
، وقسم هو نفع محض
وقسم فيه ضرر ومنفع
ة ، وقسم ليس فيه ضرر ولا منفعة .
أما الذي هو ضرر محض فلابد من السكوت عنه ، وكذلك ما فيه ضرر ومنفعة لا تفي بالضرر .
وأما ما لا منفعة فيه ولا ضرر فهو فضول والاشتغال به تضييع زمان وهو عين الخسران .
فلا يبقى إلا القسم الرابع فقد سقط ثلاثة أرباع الكلام ، وبقي ربع وهذا الربع فيه خطر ، إذ يمتزج بما فيه أثم من دقائق الرياء ، والتصنع ، والغيبة ، وتزكية النفس .
قال تعالى :
" لا خير في كثيرٍ من نجواهم إلا من أمر بصدقة أو معروف أو إصلاح بين الناس " .
هذا قليل من كثير مما ورد في اللسان وخطر اللسان وآثار اللسان فهل يسوغ لمسلم أن يطلق لسانه ويدعه يلوك الكلام في أعراض الناس ، ولا يتقي الله فيهم ؟ ويأكل لحومهم وهم غائبون ، ويطعن فيهم وهم لا يعلمون . إنه الوباء والمرض يصيب بعض الألسنة فيرديها قتيلة هالكة .

أمراض اللسان
واللسان في الإنسان يمرض كما تمرض بقية الأعضاء . فالقلب يمرض كما قال تعالى في المنافقين: " في قلوبهم مرض فزادهم الله مرضاً ، ولهم عذاب أليم بما كانوا يكذبون " .
والعقل يمرض والعين تمرض . ولعل مرض اللسان من أخطر هذه الأمراض القاتلة التي تصيب هذا الإنسان الضعيف والله تبارك وتعالى حذرنا من كل الأمراض التي يصاب بها اللسان كما أن الإسلام العظيم قد وضع الدواء الناجع لكل نوع من أنواع المراض التي يصاب بها اللسان
. وليس هنا محل تفصيلها وحسبي أن أشير إليها وأسميها بأسمائها والدواء لكل مرض في كتاب الله عز وجل وفي سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم
ومن أمراض اللسان :

الكذب ، والغيبة ، والنميمة ، والفحش ، والسب ، وبذاءة اللسان ، والمراء والجدال والكلام فيما يعني ، وفضول الكلام ، والخوض في الباطل ، والخصومة والتقعر في الكلام ، واللعن والطعن والتشدق والتصنع في الكلام ، والمزاح والسخرية ، والاستهزاء وإفشاء السر ، والوعد الكاذب ، واليمين الكاذب ، والمدح الكاذب وأصحاب اللسانين الخ .
كل هذه الأمراض إنما هي من أمراض هذا اللسان الذي يحمله كل إنسان وهو الذي يحدد شخصية هذا الإنسان ويرسم ملامحه
. فالإنسان مخبوء تحت لسانه
، فإذا تكلم فقد انكشف وظهر للعيان بصدقه أو كذبه بعلمه أو بجهله ، بخيره أو بشره . بشجاعته أو جبنه
. وجبن الوليد بن عقبة وخوفه أظهر على لسانه تلك الكذبة التي نزلت الآية بسببها وسماه الله عز وجل فاسقاً : " يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبإ فتبينوا أن تصيبوا قوماً بجهالة فتصبحوا على ما فعلتم نادمين " .
وهنا ناحية في أخلاقنا الاجتماعية تكاد تكون عامة في كثير من الطبقات
وهي الكذب في الحديث والرواية والعمل لا لشيء سوى التخلص من عتاب صديق . أو عناء زيارة واجبة ، أو دفع تبعة محتملة فاعتذارك عن تلبية دعوة ، بداعي المرض مع أنك لم تكن مريضاً . أو كقولك لأهلك عند زيارة أحد تكره مقابلته أو عند نداء تلفوني من إنسان لا تحب مكالمته . قولوا له أني لست في الدار . مع أنك موجود فيها فقد كذبت بهذا التصرف ، وجعلت أهلك يكذبون معك ، أو تجاهلك لأمر تعرفه أو التغاضي عن شيء تكره إفشاءه . والتمارض الذي يظهر به بعض الناس كل ذلك من هذا القبيل .
والمصانعة ، والمداهنة والرياء والتقية وإن اختلفت أسماؤها ، فهي في الحقيقة لا تخرج عن هذا الميدان وهو ميدان الكذب ، ما دام الكذب هو الأخبار بشيء على خلاف ما هو عليه مع العلم به
، فليحذر الناس هذه المزالق الخطرة وليحاربوا كل أصناف هذا المرض الذي هو الكذب وهو رذيلة شنعاء خطيرة مقتها ونهت عنها جميع الشرائع السماوية وأنكرتها جميع العقول السليمة .
