لماذا تعثر صنع "لعبة عربية"؟!
تجارة لعب الأطفال.. أحد أنشط أنواع التجارة وأشهرها وأشدها خطورة فى نفس الوقت؛ لقدرتها على ترسيخ قيم ثقافية لمجتمع ما في أذهان أطفال في مجتمع آخر؛ وهو ما يبرر المبالغ الطائلة التي ينفقها الغرب على صناعة لعب الأطفال وخاصة العرائس، لكنه لا يبرر في الوقت نفسه المبالغ الطائلة التي تنفقها الدول العربية على استيراد هذه اللعب من الخارج.
وحتى عندما حاولت الدول العربية أن تتفق على إنتاج عروسة عربية اسمها "ليلى" فشلت التجربة، كما فشلت أيضا التجربة المصرية لإنتاج العروسة "نوسة".. فلماذا تعثر حلم صناعة لعبة عربية؟.
من باربي إلى أمينة
عرف العالم لعب الأطفال منذ آلاف السنين، حيث كانت صناعة العرائس تجسيدا للأرواح من أجل العبادة، أو كانت تعتبر أشياء لها قوة سحرية تستخدم تعاويذ أو تمائم تقي الإنسان من الشرور أو تجلب له الحظ، وفي اليابان يرجع تاريخ صناعة العرائس لحوالي 3 آلاف عام قبل الميلاد، ويقام بها مهرجانان للعرائس كل عام، وهما: مهرجان "جوش نوسيلو" يوم 3 مارس، ومهرجان "تانجو نوسيسكو" يوم 5 مايو.
ثم بدأت معظم دول العالم خاصة الغربي تتجه نحو إنتاج لعب الأطفال والإنفاق عليها ببذخ شديد، خاصة أنها حققت من وراء ذلك أرباحا خيالية، بخلاف نشر الثقافة الخاصة لها في كل أنحاء العالم، ويكفي أن نعلم أن العروسة الأمريكية الشهيرة "باربي" تباع منها عروستان كل ثانية على مستوى العالم، وعروسة واحدة تباع منها كل 6 ثوان في فرنسا بمعدل 50 مليون عروسة سنويا، كما تمتلك كل فتاة أمريكية حوالي 10 عرائس باربي (إحصاءات نقلا عن جهاز التمثيل التجاري المصري عام 2000).
كما أن إيران أيضا صنعت لنفسها عروسة اسمها "يارة" التي لاقت رواجا كبيرا وربح منتجوها ملايين الدولارات، واتسمت هذه العروسة الإيرانية بأن لها مواصفات مختلفة تتقارب مع الثقافة الإيرانية، حتى البوسنة أنتجت دمية خاصة بها وأسمتها "أمينة".
العرب.. الاستيراد فقط
وفي الوقت الذي أنتجت فيه بعض الدول تجارب خاصة في إنتاج لعب الأطفال، فما زالت الدول العربية تجري وراء استيراد كل ما ينتج في عالم لعب الأطفال. وكشفت دراسة صادرة عن جامعة الدول العربية عام 2000 أن العرب يستوردون 95% من لعب الأطفال التي يستهلكونها. كما يؤكد مسئولون بشركة عربية متخصصة في ألعاب الأطفال لـ"إسلام أون لاين.نت" أن تجارة الألعاب تشهد نموا متزايدا في منطقة الشرق الأوسط والعالم العربي، حيث يبلغ حجم هذه السوق مليار دولار أمريكي سنويا، وأن معدل الإنفاق على العرائس أو الدمى وألعاب الفيديو لكل طفل في منطقة الشرق الأوسط يبلغ 263 دولارا سنويا.
وذكر أيضا تقرير للمركز التجاري الدولي بدبي أن إجمالي ما صرف على منتجات لعب الأطفال في دول مجلس التعاون لدول الخليج العربي خلال عام 95 -أي منذ 10 سنوات تقريبا- وصل إلى ما يقرب من 100 مليون دولار أمريكي، وبكل تأكيد فإن هذا الرقم تضاعف ما يقرب من 5 مرات خلال السنوات الماضية.
وخسارة الدول العربية ليست مادية فقط، فيضاف إليها السيطرة الثقافية، والدليل أن لعبة "البوكيمون" الشهيرة حققت شهرة واسعة على الرغم مما شاع عن أن هذا الاسم معناه أنا يهودي؛ ولذلك قررت المملكة العربية السعودية عام 2001 سحب جميع ألعاب "البوكيمون" -التي كانت منتشرة في هذا التوقيت- من الأسواق.
ويؤكد الدكتور عزت الطويلة أستاذ علم النفس بكلية الآداب بجامعة الزقازيق (شمال مصر) أن فترات اللعب للطفل تحقق له التوافق الانفعالي وتجعله أكثر ثقة بالنفس، هذا بخلاف التأثير الثقافي والنفسي للعبة على الطفل، فهو يختلف من لعبة لأخرى.
في البدء كانت "ليلى"
وفي محاولة لإصلاح الأوضاع المغلوطة، قررت إدارة جامعة الدول العربية وكان ذلك عام 1999 تصنيع أول عروسة عربية -على غرار باربي الأمريكية- واختارت لها اسم "ليلى"، وتم وضع مواصفات لها، فهي طفلة بين العاشرة والثانية عشر من عمرها.. طولها ثلاثون سنتيمترا.. خمرية اللون، عيناها سوداوان واسعتان وبأهداب طويلة، لها وجنتان ورديتان وشفتان ممتلئتان وشعرها أسود، على أن يتم تصنيعها من مادة الكاوتشوك المرن وترتدي ملابس عصرية بسيطة، يمكن استبدالها بملابس شعبية عربية من المحيط للخليج.
وبالفعل قامت الدكتورة عبلة إبراهيم مديرة إدارة الطفولة آنذاك بجامعة الدول العربية بالاتصال والتنسيق مع الدكتور عبد المنعم سعودي رئيس اتحاد الصناعات المصرية للتعرف على إمكانيات مصانع لعب الأطفال في مصر.. وكانت المفاجأة أنه يوجد 53 مصنعا لإنتاج البلاستيك، ونشاطها الأساسي صناعة قطع غيار السيارات وتقوم في المواسم والأعياد فقط بتصنيع فوانيس رمضان وأقنعة عيد الميلاد، وكان هناك ثلاثة مصانع فقط في مدينة العاشر من رمضان تعمل في مجال لعب الأطفال، ولكنها متخصصة في الألعاب التعليمية ووسائل الإيضاح.
والصعوبة الكبرى هي ارتفاع الجمارك التي تفرضها الدولة على مستلزمات لعب الأطفال والذي يؤدي بدوره إلى ارتفاع سعر السلعة ويجعلها لا تستطيع المنافسة مع ما هو مستورد، وسيزداد الوضع سواء مع تطبيق الجات، حيث سيصعب من وجود صناعة وطنية عربية في لعب الأطفال.
ورغم هذه الصعوبات انتهت إدارة الطفولة بالجامعة العربية من إعداد مشروع متكامل لإنتاج وتصنيع أول عروسة عربية -كما تقول سامية الجمل الرئيسة الحالية لقسم الطفولة بالجامعة العربية- ولكن المشروع وضع على الرف أو في أرشيف الجامعة لعدم وجود تمويل وعدم تحديد الجهة المسئولة عن التنفيذ وذهب المشروع أدراج الرياح.
نوسة.. عروسة مصرية
لم يكن مشروع العروسة العربية هو الوحيد الذي تم وضعه على الرف، ففي عام 2001 أجرت كلية لرياض الأطفال في مصر دراسة على 578 طالبة من الفرقة الثالثة بالكلية، وانتهت الدراسة إلى ضرورة تصنيع عروسة مصرية تنتمي "للطبقة المتوسطة"، وأن تكون جميلة وخمرية اللون وشعرها أسود على هيئة ضفائر، والاسم المقترح لها هو "نوسة" وهو اسم مصري جاء من مصطلح الأنس أو الصحبة.. ولكن لم يكتب لهذا المشروع النجاح أيضا لأسباب لا تختلف عن الأسباب التي كانت وراء توقف مشروع العروسة العربية "ليلى".
وكانت هناك محاولة مصرية ثانية من الدكتور هاني سرور رئيس جمعية مستثمري مدينة 6 أكتوبر عندما أجرى في عام 2002 دراسة على السوق المصرية كشفت أن واردات مصر من لعب الأطفال الإلكترونية وولاعات السجائر البلاستيكية تصل إلى حوالي 35 مليون جنيه سنويا (الدولار = 6.20 جنيهات)، فقام بإجراء مباحثات مع 12 مستثمرا صينيا لإنتاج هذه السلع فى 6 أكتوبر بدلا من استيرادها؛ ولكن لم يكتمل المشروع كما كان يخطط له الجميع.
الصين كلمة السر
السبب الرئيسي لعدم اكتمال المشروع المصري يمكن أن يكتشفه البسطاء بمجرد النظر لأي لعبة أطفال والتعرف على الجهة المنتجة لها، وسيكتشف الجميع أن الصين هي كلمة السر التى لا تخفى على أحد.
فالسوق المصرية الآن بها حوالي 3 ملايين لعبة أطفال -كما يقول دكتور حمدي عبد العظيم رئيس أكاديمية السادات للعلوم الإدارية- نصفها ألعاب ذكاء، و30% ألعاب تقليدية و20% تمثل الألعاب الجماعية وألعاب الفيديو جيم وأسطوانات "السي دي"، وليس غريبا أن يكون 90% من هذه الألعاب مستوردة من الصين والباقي من الدول الأوربية.
كان طبيعيا أن يؤثر اكتساح اللعب الصينية على باعة ومصنعي لعب الأطفال الصغار فى مصر، فصابر عبد العزيز يملك محلا لبيع لعب الأطفال فى شارع عماد الدين بوسط القاهرة يقول: أعمل في تجارة لعب الأطفال منذ 45 عاما ولدي ورشة صغيرة وقد ورثت الورشة والمحل عن والدي الذي كان يقوم في البداية بتصنيع العرائس الجلدية البسيطة، وكان يحقق مبيعات ممتازة، ولكن خلال السنوات الأخيرة لم يَعُد للمنتجات القديمة مكان، خاصة في مجال لعب الأطفال، وأصبحت سوق اللعب تمتلئ بالألعاب المتطورة التي تحتاج لميكنة ضخمة وقدرة على الابتكار؛ ولذلك بدأنا نكتفي باستيراد اللعب من الخارج وبالتحديد من الصين التي تسيطر على سوق لعب الأطفال فى مصر إن لم يكن في العالم كله حاليا.
ويتابع عبد العزيز حديثه قائلا: إن الصين تسيطر على سوق العرائس على وجه التحديد، وأنتجت أشكالا مختلفة من العرائس التي تغني وترقص وتسبح في المياه، وأصبحت المنتجات الصينية هي الأكثر رواجا ويقبل عليها الجميع؛ لأنها تتناسب مع جميع المستويات، فأسعار اللعب تتراوح بين 50 قرشا و400 جنيه.
الباعة.. صناعة مكلفة
إبراهيم محمد.. تاجر لعب أطفال بشارع 26 يوليو يتفق مع الرأي السابق ويضيف قائلا: لقد توقف تصنيع العرائس البلدي تماما، ومن يريد منافسة المستورد فعليه أن يوفر مبالغ طائلة؛ لأن صناعة لعب الأطفال صناعة مكلفة للغاية والقدرات المالية لمن يعملون بهذه التجارة في مصر محدودة والمستورد متاح وبأسعار رخيصة.. بل إن الصينيين يأتون بأنفسهم إلينا ليبيعوا لنا إنتاجهم.. ويشير إلى أنه هناك حوالي 20 مستوردا في مصر يتحكمون في سوق اللعب التي تتراوح أسعارها ما بين 100 و300 جنيه.
ويقترح أن تقوم الدولة في مصر ممثلة في وزارة الصناعة وبالتعاون مع عدد من رجال الأعمال بإنتاج عرائس ولعب أطفال مصرية، وتكون صالحة للتصدير أيضا؛ لأنه بدون التصدير لن تنجح صناعة اللعب في أي دولة، أو تقوم الدولة بتخفيض الجمارك على مستلزمات لعب الأطفال فتشجع رجال الأعمال والتجار الكبار على دخول مجال صناعة لعب الأطفال.
وتؤكد أمينة سيد (دبلوم تجارة) وتعمل بائعة في محل للعب الأطفال أن هذا المجال مربح جدا لكل من يعمل فيه، وتقول: لقد انتهى عصر تصنيع اللعب المحلية منذ زمن طويل، والغريب أن اللعب المستوردة تتكلم لغتنا وتغني أغانينا، رغم أنها تصنع في بلاد أجنبية، ونحن نكتفي بالاستيراد فقط ونترك أطفالنا لتشكل ألعاب أمريكا وأوربا وآسيا عقولهم، وبعد ذلك نتحدث عن عقدة الخواجة، وبعد تطبيق اتفاقية الجات ستزداد المأساة ولن يكون هناك أي تواجد لأي إنتاج محلي.
غير أن التعثر العربي في صناعة لعب ذات هوية محلية لا يغلق الباب أمام الراغبين سواء من الأفراد أو رجال الأعمال في إحياء هذه النوعية من الصناعة، خاصة إذا استطاعوا ابتكار أنماط جديدة من اللعب تعتمد على خامات وأذواق ثقافية محلية، وتنافس في الوقت نفسه اللعب الصينية خاصة في السعر.
منقول
sara92 @sara92
محررة برونزية
يلزم عليك تسجيل الدخول أولًا لكتابة تعليق.
sara92
•
وينكن يا بنات اضن ان الموضوع ما عجبكم
الصفحة الأخيرة