الله الحيي

ملتقى الإيمان

وَهُو الْحَييُ فَلَيْسَ يَفْضَحُ عَبْدَهُ
عِنْدَ التَّجَاهُرِ مِنْهُ بِالْعِصْيَانِ
لَكِنَّهُ يُلْقِي عَلَيهِ سِتْرَهُ
فَهُو السَّتِير وَصَاحِبُ الغُفْرَانِ
«الحيي»: من الحياء, والحياء خلق يبعث على اجتناب القبيح والتقصير في حق ذي الحق.
وقال الجنيد: الحياء رؤية الآلاء -أي النعم- ورؤية التقصير فيتولد بينهما حاله تسمى الحياء.
وبالجملة فالحياء هو انحصار النفس عن ارتكاب القبائح شرعية أو عقلية أو عرفية.
وهذا الاسم الكريم لم يرد في القرآن وإنما ورد في السنة المطهرة.
فعَنْ يَعْلَى أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم رَأَى رَجُلاً يَغْتَسِلُ بِالْبَرَازِ بِلاَ إِزَارٍ فَصَعِدَ الْمِنْبَرَ فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ ثُمَّ قَالَ صلى الله عليه وسلم « إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ حَيِىٌّ سِتِّيرٌ يُحِبُّ الْحَيَاءَ وَالسَّتْرَ فَإِذَا اغْتَسَلَ أَحَدُكُمْ فَلْيَسْتَتِرْ » رواه أبو داود والنسائي والبيهقي.
وعَنْ سَلْمَانَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم« إِنَّ رَبَّكُمْ تَبَارَكَ وَتَعَالَى حَيِىٌّ كَرِيمٌ يَسْتَحْيِى مِنْ عَبْدِهِ إِذَا رَفَعَ يَدَيْهِ إِلَيْهِ أَنْ يَرُدَّهُمَا صِفْراً » رواه أبو داود والترمذي وابن ماجه.
وعَنْ أَبِى وَاقِدٍ اللَّيْثِىِّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بَيْنَمَا هُوَ جَالِسٌ فِى الْمَسْجِدِ وَالنَّاسُ مَعَهُ ، إِذْ أَقْبَلَ ثَلاَثَةُ نَفَرٍ ، فَأَقْبَلَ اثْنَانِ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَذَهَبَ وَاحِدٌ ، قَالَ فَوَقَفَا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَأَمَّا أَحَدُهُمَا فَرَأَى فُرْجَةً فِى الْحَلْقَةِ فَجَلَسَ فِيهَا ، وَأَمَّا الآخَرُ فَجَلَسَ خَلْفَهُمْ ، وَأَمَّا الثَّالِثُ فَأَدْبَرَ ذَاهِباً ، فَلَمَّا فَرَغَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ « أَلاَ أُخْبِرُكُمْ عَنِ النَّفَرِ الثَّلاَثَةِ أَمَّا أَحَدُهُمْ فَأَوَى إِلَى اللَّهِ ، فَآوَاهُ اللَّهُ ، وَأَمَّا الآخَرُ فَاسْتَحْيَا ، فَاسْتَحْيَا اللَّهُ مِنْهُ ، وَأَمَّا الآخَرُ فَأَعْرَضَ ، فَأَعْرَضَ اللَّهُ عَنْهُ » وهو عند البخاري ومسلم .
وفي حديث أُمِّ سَلَمَةَ : ( إِنَّ اللَّهَ لاَ يَسْتَحْيِى مِنَ الْحَقِّ ) كما في الصحيحين
ووصف الله عز وجل بالحياء هو وصف يُمرُّ كما جاء, ويحمل على ما يليق به سبحانه كسائر صفاته نؤمن بها ولا نكيفها.
وهو سبحانه الحيي فلا يفضح عبده عند التجاهر منه بالعصيان, لكنه يلقي عليه ستره فهو الستير وصاحب الغفران؛ فحياؤه سبحانه ليس كحياء المخلوق الذي هو تغير وانكسار من خوف ما يعاب بل هو ترك ما ليس مناسبًا مع عفوه ورحمته وجوده وبره وظن عباده الحسن به.
فسبحانه يستحيي أن يرد يدي عبده صفرا.
وقد وصف نفسه بالحياء من العبد , ووصف نفسه بأنه لا يستحي من الحق.
وإذا استشعر العبد صفة الحياء من الله كان مردود ذلك خيرًا في كل أموره سرًا وعلانية قال بعض السلف: «علمت أن الله مطلع علي فاستحييت أن يراني على معصيته».

وَإِذا خَلَوتَ بِرِيبَةٍ في ظُلمَةٍ وَالنَفسُ داعيَةٌ إِلى الطُغيانِ
فاِستَحي مِن نَظَرِ الإِلَهِ وَقُل لَها إِنَّ الَّذي خَلَقَ الظَلامَ يَراني

إن الاستحياء من الله حق الحياء، أن تحفظ الرأس وما وعى، والبطن وما حوى، وأن تذكر الآخرة، فلا تنخدع بزينة الحياة الدنيا.
حفظ الرأس، حفظ العقل والفكر والفهم، من الواردات الفاسدة والشبهات المضلة.
وحفظ البطن، حفظ النفس من الشهوات، شهوات المأكل والمنكح مما لا يحل.
ولا يتم ذلك إلا لمن آمن بالآخرة وآثرها على الدنيا ((وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى)) .



د سلمان العودة
0
253

يلزم عليك تسجيل الدخول أولًا لكتابة تعليق.

تسجيل دخول

خليك أول من تشارك برأيها   💁🏻‍♀️