يقول صاحب الظلال (رحمه الله) :
“الله – سبحانه – هو الذي يتكفل بهذا لدعوته..
فحيثما أراد لها حركة صحيحة ، عرض طلائعها للمحنة الطويلة، وأبطأ عليهم النصر ، وقللهم، وبطأ الناس عنهم، حتى يعلم منهم أن قد صبروا وثبتوا وتهيأوا وصلحوا لأن يكونوا هم القاعدة الصلبة الخالصة الواعية الأمينة..
ثم نقل خطاهم بعد ذلك بيده – سبحانه – (وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ) .. ولابد من البلاء كذلك ليصلب عود أصحاب العقيدة ويقوى..
فالشدائد تستجيش مكنون القوى ومذخور الطاقة ، وتفتح في القلب منافذ ومسارب ما كان ليعلمها المؤمن في نفسه إلا تحت مطارق الشدائد .
والقيم والموازين والتصورات ما كانت لتصح وتدق وتستقيم إلا في جو المحنة التي تزيل الغبش عن العيون ، والران عن القلوب.
وأهم من هذا كله ، أو القاعدة لهذا كله ، الالتجاء إلى الله وحده حين تهتز الأسناد كلها ، وتتوارى الأوهام وهي شتى ، ويخلو القلب إلى الله وحده ، لا يجد سنداً إلا سنده .. وفي هذه اللحظة فقط تنجلي الغشاوات، وتتفتح البصيرة، وينجلي الأفق على مد البصر.. لا قوة إلا قوة الله لا حول إلا حوله.. لا ملجأ إلا إليه..
والنص القرآني هنا يصل بالنفس إلى هذه النقطة على الأفق : (قُلْ لَنْ يُصِيبَنَا إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا)”.
قد يبطئ النصر عن الذين ظُلِموا وأخرِجوا من ديارهم بغير حق إلا أن يقولوا ربنا الله، فيكون هذا الإبطاء لحكمة يريدها الله:
1- قد يبطئ النصر لأن بنية الأمة المؤمنة لم تنضج بعد نضجها، لم يتم بعد تمامها، لم تحشذْ بعد كل طاقاتها، لم تتحفز كل خلية وتتجمع لتعرف أقصى المذخور فيها من قوة واستعدادات، فلو نالت النصر حينها لفقدته وشيكا لعدم قدرتها على حمايته طويلا.
2- قد يبطئ النصر حتى تبذل الأمة المؤمنة آخر ما في طاقاتها من قوة، وآخر ما تملكه من رصيد، فلا تستبقي عزيزا ولا غاليا لا تبذله هيّنا رخيصا في سبيل الله: {حَتَّى إذَا اسْتيْأسَ الرُّسُلُ وَظنُّوا أنَّهُمْ قدْ كُذّبُوا جَاءَهُمْ نَصْرُنَا} يوسف-آية110.
3- قد يبطئ النصر حتى تجرب الأمة المؤمنة آخر قواها، فتدرك أن هذه القوى وحدها دون سند من الله لا تكفل النصر، إنما يتنزل النصر من عند الله عندما تبذل آخر ما في طوقها، ثم تكِل الأمر بعد ذلك إلى الله.
4- قد يبطئ النصر لتزيد الأمة المؤمنة صلتها بالله، وهي تعاني وتتألم، وتبذل، ولا تجد لها سندا إلا الله، ولا متوجَّها إلا إليه وحده في الضراء.
وهذه الصلة هي الضمانة الأولى لاستقامتها على النهج بعد النصر عندما يأذن الله به، فلا تطغى، ولا تنحرف عن الحق والعدل والخير الذي نصرها به الله.
5- قد يبطئ النصر لأن الأمة المؤمنة لم تتجرد بعد في كفاحها وبذلها وتضحيتها لله ولدعوته، فقد تكون الأمة تريد القتال لمغنم تريد تحقيقه، قد تقاتل الأمة حميّة لذاتها، قد تقاتل الأمة شجاعة أمام أعدائها.. والله يريد أن يكون الجهاد له وحده بريئا من المشاعر الأخرى التي تلابسه.
قال أعرابي للنبي صلى الله عليه وسلم: "الرجل يقاتل للمغنم، والرجل يقاتل ليذكَر، والرجل يقاتل ليرى مكانه، من في سبيل الله؟" فقال: "من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا فهو في سبيل الله" متفق عليه.
6- قد يبطئ النصر لأن الشر الذي تكافحه الأمة المؤمنة فيه بقية من خير. يريد الله أن يجرد الشر، فيتمحض وحده شرا خالصا، فيذهب وحده هالكا لا تتلبس به ذرة خير.
7- قد يبطئ النصر لأن الباطل الذي تحاربه الأمة المؤمنة لم ينكشف زيفه للناس تماما، فلو غلبه المؤمنون حينئذ قد يجد أنصارا من المخدوعين فيه لم يقتنعوا بعد بفساده وضرورة زواله، فتظل له جذور في نفوس أبرياء لم تنكشف لهم الحقيقة، فيشاء الله أن يبقى الباطل حتى ينكشف عاريا أمام الناس، فيذهب غير مأسوف عليه من ذي بقية.
8- قد يبطئ النصر لأن البيئة لا تصلح بعد لاستقبال الحق والخير والعدل الذي تمثله الأمة المؤمنة. فلو انتصرت الأمة حينئذ للقيت معارضة من البيئة، فلا يستقر لها معها قرار، ويستمر الصراع قائما حتى تتهيأ النفوس من حوله لاستقبال الحق الظافر واستبقائه.
من أجل هذا كله، ومن أجل غيره مما يعلمه الله ، قد يبطئ النصر ، فتتضاعف التضحيات ، وتتضاعف الآلام . مع دفاع الله عن الذين آمنوا وتحقيق النصر لهم في النهاية.
الشهيد سيد قطب رحمه الله
so simple @so_simple
عضوة فعالة
يلزم عليك تسجيل الدخول أولًا لكتابة تعليق.
زائرة
•
سبحان الله
سيد قطب قتله النظام لانه رفض تغريب التربية و التعليم و أراد تنفيذ مشروع اسلمة المنظومة التربوية و التعليمية و لكنه اعدم و اتهم بوابل من التهم ....
هههههه بعثوا به الى أمريكا ليأتي لهم بالخبرات الغربية في أساليب التربية و التعليم ،،،، فعاد لهم محملا ببرنامج إصلاح إسلامي هههههه لا حول ولا قوة الا بالله
هههههه بعثوا به الى أمريكا ليأتي لهم بالخبرات الغربية في أساليب التربية و التعليم ،،،، فعاد لهم محملا ببرنامج إصلاح إسلامي هههههه لا حول ولا قوة الا بالله
الصفحة الأخيرة