ياابن آدم
لايشغلنك التفكير..
مادام الله في التدبير
لاتحمل هم الآتي ..
فإن الذي كفاك يومك يكفيك غدك لأنه تعالى مدبر أمور الخلق جميعاً
وضع تخطيطاً محكماً لجميع مفردات الحياة
صغيرها وكبيرها ..خفيها وظاهرها .
يصرف شأن الكائنات ، ويقضي فيه ويقدره
بنظام دقيق على ماجرت حكمته وسبقت مشيئته.
💢♦️💢
فالتدبير هو التوفيق من الله تعالى
بين أوائل الأمور ومبادئها وأدبارها وعواقبها
إن الطفل في بطن أمِّه مُعَرَّض إلى أخطار كبيرة وكثيرة،
فإذا به يولد سليماً ومعافىً، فمن دبَّر أمره ؟
هو الله جل جلاله حيث جعل المقدّمات
تؤدي ما يجب من الغايات
💢♦️💢
ومن تدبير الله تعالى لجميع مخلوقاته ..
هدايتهم بالفطرة لمعرفة مايضرهم وما ينفعهم
وهذا مايسمى دليل العناية ..
ويطلق عليه أيضاً : دليل النظام أو التناسق..
لأنه يفتح للعبد آفاق النظر والتأمل في الكون
وما فيه من مخلوقات..
وما تدل عليه بأحوالها وشواهدها على عناية الله
بأمر هذا الكون، وتدبيره لخلقه..
وما يدل عليه ذلك من علمه وحكمته وقدرته
ورحمته بهم جميعاً.
💢♦️💢
وفي حسن تدبير الخالق لخلقه أعرض عليكن هذه القصة
التي قرأتها ،والتي تدعو إلى التأمل والاعتبار :
في أحراش غابات أمريكا الجنوبية يتجول الصيادون
في مواسم الصيد..
حيث تمتلئ حياتهم بالمواقف المثيرة
وقد روى أحدهم القصة التالية بعد أن عاش فصولها..
فقال :
بعد جولة نهارية مرهقة بين الأحراش..
جلست على جذع شجرة لأستريح..
وفيما أنا جالس.. شد انتباهي صرخات عصفورة صغيرة..
كانت ترف وتحوم فوق عشها في جزع شديد..
وقد بدى واضحاً أنها تواجه موقفاً عصيباً... !!
اقتربت من مصدر الصوت في أعلى الشجرة المجاورة..
فتبين لي سر انزعاجها..!
لقد كانت هناك حية كبيرة تزحف صاعدة للأعلى ..
وعيناها شاخصتان إلى العش حيث يرقد أفراخ العصفورة الأم..
وبينما كانت الأم تصرخ جزعاً وخوفاً على صغارها..
رأيت العصفور الأب يطير بعيداً..
ويجول في الهواء هنا وهناك وكأنه يبحث عن شيء ما..
وبعد لحظات عاد وهو يحمل في منقاره
غصناً صغيراً مُغطى بالورق..
ثم مالبث أن اقترب من العش ..
فوضع الغصن الصغير فوق الأفراخ ،
فغطاهم الورق المعلق بالغصن ..ثم ابتعد عنهم
لبثت أراقب الموقف لأرى ماسيحصل ..
واستخففت بفعل العصفور الذي كان يراقب هو الآخر
وحدثت نفسي :
كم هو ساذج هذا العصفور.. !
أيحسب أن الحية الماكرة سوف تنطلي عليها هذه الخدعة ؟!
ومرت لحظات من التوتر قبل أن تصل الحية إلى الموقع..
والتفت حول غصن قريب..
وعندما اقتربت من العش رفعت رأسها الكبير
استعداداً لاقتحامه..!
كان واضحاً أن كل شيء قد انتهى تماماً..
غير أن ما حدث بعد ذلك كان مثيراً جداً..!
ففي اللحظة التي همت الحية باقتحام العش..
توقفت وتسمرت في مكانها ..
ثم فجاة استدارت وتحولت عن وجهتها
وهي في شدة الذعر ..
وأسرعت مبتعدة عن العش ثم مالبثت أن اختفت ...
ولم أفهم أبداً ما حدث .. !!!
لكني رأيت العصفوران يعودان إلى العش
لترتفع الصوصوات .. فرحاً بالنجاة..
♦️💢♦️
وأسقط الغصن من فوق الأفراخ فوقع إلى الأرض..
فالتقطته واحتفظت به لأمر ..
وعندما عدت من مهمتي التقيت صديقاً لي ذاخبرة
بالحياة البيولوجية في الأحراش اللاتينية وأخبرته بما حدث..
وعرضت عليه الغصن ..
ففك شفرة اللغز الذي حيرني وأخبرني
أن تلك الأوراق تحتوي على مادة شديدة السمية قاتلة للحيات.
حتى أنها تخاف من مجرد رؤيتها.. وترتعب من رائحتها..
وتهرب من ملامستها ففيها هلاكها !!
وتعجبت من تلك القوانين المنضبطة ..
التي تحكم الحياة بدقائقها المثيرة..
فتساند الضعيف.. وتتصدى للقوي..
وتمنح العصفور الصغير معرفة وعلماً
وحسن تصرف وشجاعة وحباً ليقتحم هذا الخطر !
♦️💢♦️
ترى من وضع تلك القوانين .. وأحكم التدابير..
وهيأ لكل مخلوق
أسباب الحياة ، وسبل النجاة ، والمعرفة الفطرية
التي تقوده وتهديه ..؟
هو الله سبحانه مدبر الأمور ..!
♦️💢♦️
إن من علم العصفور الضعيف
كيف يتصدى للحية الماكرة القوية
معك في كل وقت يدبر إمورك عند الشدائد
ويلهمك التصرف السليم لتخرج من محنتك معافى ..
فلا تقلق على حياتك ، ولا على عملك ، ولا على رزقك..
واعلم أن ما أصابك لم يكن ليخطئك
و ما أخطأك لم يكن ليصيبك...
وتيقن أن وخزات الأحداث التي تصيبك
قد تكون إيقاظاً من سبات الإيمان
ورجعة بك إلى الله ..
♦️💢♦️
يقول الرسول صلى الله عليه وسلم :
( من سعادة ابن آدم رضاه بما قضى الله له ،
ومن شقاوة ابن آدم تركه استخارة الله ،
ومن شقاوة ابن آدم سخطه بما قضى الله له ).
♦️💢♦️
والإيمان بأن الله مدبر الأمور يدخل الإنسان
في دائرة التسليم والطمأنينة بما قدر الله ..
ولكن يكون ذلك مرافقاً لبذل الجهد إلى آخر مدى الإرادة
فما يكون بعدها فهو قدر من تدبير الخالق
لايد لنا فيه ..
فنكون قد أدينا ماعلينا من عمل ، تاركين الأمر لله
مستريحين لما يصنع الله بنا
ولن يريد الله بنا إلا الخير ..
♦️💢♦️
انظر إلى الطير كيف تغدو في بكرة الصباح باحثة عن رزقها ..
ثم تعود وهي ممتلئة البطون ..
هي بذلت جهدها ..
والله دبر أمرها ..!
فما بالك بابن آدم ذو العقل والإرادة ؟!
رفعت الأقلام وجفت الصحف ..!
رفعت الأقلام وجفت الصحف .
