المؤمن وأيام العيد

نزهة المتفائلين

المؤمن وأيام العيد!
لِمَ يفرح المؤمن بأيام العيد؟
يفرح المؤمن لأجل ما يتيسّر له مِن أسباب زيادة الإيمان في هذه الأيام الفاضلة المباركة، فإنّ بلوغ الأيام الفاضلة التي هي سبب زيادة الإيمان ليس أمْرًا تملكه، وإن الانتفاع بالأيام الفاضلة أيضًا ليس أمرًا تملكه، وكما أن موت الأبدان وحياتها بيد الله، فكذلك موت القلوب وحياتها بيد الله.
فالفرح هنا يكون فرحًا ببلوغ هذه الأيام، ويكون فرحًا بتوفيق الله -عزّ و جلّ- للعبد لطاعته وذكره فيها، فهي أيام ذِكر وشُكر.
العمر كله حقّ الله فيه أن يُذكر ويُشكر، لكن يتأكّد في هذه الأيام المباركة، كما أخرج مسلم:
((أَيَّامُ التَّشْرِيقِ أَيَّامُ أَكْلٍ وَشُرْبٍ وَذِكْرٍ لِلَّهِ)).
وهي الأيام المعدودات التي قال الله فيها: {وَاذْكُرُوا اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَعْدُودَاتٍ}.
فهذه الأيام هي آخر أيام الموسم الفاضل -موسم الحجّ-، فالحجّاج فيها يُكملون حجّهم، وغير الحجّاج يختمونها بالتقرّب إلى الله تعالى بالضحايا بعد عمل صالح فعلوه في أيام العشر.
وقد استُحبّ للعباد أن يختموا هذا الموسم بذكر الله تعالى، سواء الحجاج أو غيرهم، وهذه سنة الله -عزّ وجلّ-، فقد جعل عقب العبادات الذكر، فعقب الصلاة أتى الأمر في القرآن بذكر الله، قال تعالى: {فَإِذَا قَضَيْتُمُ الصَّلَاةَ فَاذْكُرُوا اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِكُمْ}.
وفي صلاة الجمعة قال تعالى: {فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ}.
وبعد الحج أيضا أتى الأمر بالذكر : {فَإِذَا قَضَيْتُمْ مَنَاسِكَكُمْ فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَذِكْرِكُمْ آبَاءَكُمْ أَوْ أَشَدَّ ذِكْرًا}.
وينبغي للذاكر أن يتدبّر الذكر الذي يقوله، وينبغي له أن يفهم معناه، فهذا أدعى للخشوع والتأثّر، ومن ثمّ صلاح القلب؛ لأن أول مردود للذكر هو (صلاح القلب).
لذلك كان الحاج منذ الإحرام لا يسكت عن التلبية: ((لَبَّيْكَ اللَّهُمَّ لَبَّيْكَ، لَبَّيْكَ لاَ شَرِيكَ لَكَ لَبَّيْكَ، إِنَّ الْحَمْدَ وَالنِّعْمَةَ لَكَ وَالْمُلْكَ، لاَ شَرِيكَ لَكَ)).
وفي هذه الأيام -أيام التشريق- لا يسكت الحاج وغير الحاج عن التكبير: ((اللَّهُ أَكْبَرُ، اللَّهُ أَكْبَرُ، لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ، وَاللَّهُ أَكْبَرُ، اللَّهُ أَكْبَرُ، وَلِلَّهِ الْحَمْدُ)).
وفي هذه الأيام أيضا يأتي التكبير المقيّد بعد صلوات الفريضة مباشرة، بأحد هذه الصّيغ:
-الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، ولله الحمد.
-الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، الله أكبر، الله أكبر، ولله الحمد.
-الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، الله أكبر، الله أكبر، ولله الحمد.
وقد قال جمع من أهل العلم أن من نسي فخرج؛ فإنه يقضي التكبير، إلا إذا طال عليه الزمن.
هذه العبادة ( بقاء الذكر) هي العبادة التي تُبقي العبد مُتّصلًا بربّه، بل عدّها معاذ بن جبل -رضي الله عنه- أفضل عبادة على الإطلاق، إذ قال: "ما عمل آدمي عملًا أنجى له من عذاب الله من ذكر الله تعالى". قالوا: يا أبا عبد الرحمن، ولا الجهاد في سبيل الله؟ قال: "ولا، إلا أن يضرب بسيفه حتى ينقطع؛ لأن الله تعالى يقول في كتابه: {وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ}".
ونحن نعلم أن ذكر الله حياة القلوب وطمأنينتها وسكينتها: {أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ}.
ومَن ذكر الله -عزّ وجلّ- في كل تقلّباته لا يشقى بالدنيا ولا بهمومها؛ لأنه يعلم أن ما عنده -سبحانه وتعالى- خير وأبقى.
الذاكر لربه لا يرهب من مخلوق؛ ولهذا تجد قلب الذاكر مِقدامًا شُجاعًا متوكّلًا على الله -عزّ وجلّ-، وترى المجاهدين في سبيل الله شجعانًا، وترى العلماء والمصلحين يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويخضعون للحق، لا يخافون.
وعلى هذا؛ فأهم أمر نبقى مذكّرين به هو: أن تبقى هذه الأيام أيام ذكر.
لا تنسَ مع الالتهاء والانشغال أنك في أيام عظيمة عند الله، يشترك المسلمون فيها جميعًا بذكر الله وتكبيره، ويشتركون فيها جميعًا بالفرح والسرور، والمسلمون يأتي فرحهم وسرورهم بعد طاعة مولاهم: {قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ}.
فإن استطعتَ أن تكون في هذه الأيام ممن لا يفتر لسانه عن ذكر الله، فالحمد لله قد وُفّقت، وإن نقص هذا الأمر فعليك بكثرة التوبة، وعليك بالاستغفار ليُزال عنك المانع الذي يمنعك من كثرة الذكر.
من لقاء يوم العيد.
الاستاذ اناهيد السميري .
3
266

يلزم عليك تسجيل الدخول أولًا لكتابة تعليق.

تسجيل دخول

Nadine Abdulaziz
Nadine Abdulaziz
بارك الله فيكِ
وشكرًا عالنقل
عمره عبد العزيز
بارك الله فيكِ وشكرًا عالنقل
بارك الله فيكِ وشكرًا عالنقل
واياك💓
fatoommh
fatoommh
بارك الله فيك ونفع بك 🌹