مقاهي شارع قابل تدوّن الماضي
التاريخ الموزع بين حوش ابوزيد وعمارة البوقرية
كان شارع قابل ملكا للشريف علي قبل ان يبيعه لسليمان قابل, تحولت ملكية الشارع وتحولت معها تسميته تعبيرا عن الطبقة الوسطى من اهالي جدة والازاحة لا تتوقف عند حدود التسمية بل تذهب الى اعمق من ذلك فهي تعبير عن انهيار طبقة وصعود طبقة جديدة من بين الناس, وبقي للأشراف مسمى موقع اخر في شارع قابل هو (حوش الاشراف) الذي لم يلبث ان استبدل اسمه هو كذلك ليصبح حوش ابو زيد في اشارة الى اسرة ابو زيد التي كانت تقطن الموقع, والحوش هنا ليس مجرد فناء وانما هو مجمع سكني تقطنه عدة اسر وله العديد من المداخل وعادة ما يكون الدور الاول عبارة عن دكاكين ومكاتب بينما الدور الثاني مساكن للاسر وتستخدم احيانا لاسكان الحجاج اثناء المواسم.
كان حوش ابو زيد موجودا في الموقع الذي توجد فيه الان عمارة الشربتلي على يسار المتجه غربا من شارع قابل, وكانت توجد تحت هذا (الحوش) عدة مقاه اضافة الى بعض المتاجر.
من الناحية الشمالية كان يوجد فرن حسن مغربي وكان يمتاز بصناعة الخبز الفرنجيله (الصامولي الحجري) وهو شبيه بالخبز الفرنسي الذي تبيعه المتاجر اليوم.
ومن الجهة الشمالية لحوش ابو زيد تأسست اول صيدلية في جدة هي صيدلية سعيد تمر وكان سعيد تمر رجلا سوريا يقوم بتركيب الدواء بنفسه, وكانت هناك صيدلية اخرى لرجل سوري كذلك اسمه فهمي.
مجمع تجاري
وتحت حوش ابو زيد من الجهة الشمالية كذلك عرفت جدة اول مجمع تجاري متكامل للملابس الرجالية والنسائية وملابس الاطفال وهو اول محل من دورين يشبه الى حد كبير محلات شوكوريل وعمر افندي في مصر وكان ذلك المحل لبيت شمس (وهي اسرة اخرى ليست اسرة عمر شمس) وكان يدير المحل محمد جار وهو من اهالي جدة, وكان لشمس عدد من الابناء هم احمد المعروف بملك العيون وذلك لجمال عيونه ومكي ومصطفى, وهم ارحام عبداللطيف جميل الذي كان متزوجا من بيت شمس.
ومن اهم ما كان موجودا في الناحية الشمالية من حوش ابو زيد (ثلاث قهاوي) هي قهوة محمد الزبيدي وقهوة احمد طيره وقهوة علي يني.
ومن الناحية الشرقية لحوش ابو زيد كانت توجد قهوة الجمالة ثم مكتب الشيخ عبدالله رفيع لنجاوي.
عمارة البوقرية
وفي مقابل الجهة الشرقية من حوش ابو زيد توجد عمارة البوقرية تفصل بين حوش ابو زيد والخاسكية ولا تزال عمارة البوقرية قائمة في موقعها في مواجهة مسجد عكاش وكان في الموقع دكان لحلاق اسمه حسن قنفدي والى جواره كانت البنقلة وكانت هي الموقع الذي يباع فيه السمك والى جوار البنقلة كان هناك دكان كبير لرجل سوري اسمه احمد بابا كان مختصا في بيع البطاطس والبصل والثوم واذا اقبل رمضان احضر الى دكانه التين والفستق والكُلاّج.
وفي الواجهة الشمالية من موقع عمارة البوقرية كان هناك محل ابو عوف المطبقاني الذي انتقل بعد ذلك الى موقعه في حارة البحر وكان في هذا الموقع قهوة يرتادها الحمارة حيث كانوا يربطون حميرهم في جانب من الحوش ويستريحون قليلا ريثما تأكل طعامها والى جوار ابو عوف في الجانب الشمالي من موقع عمارة البوقرية كان هناك دكان صغير وبعده عطفة الخاسكية حيث الواجهة الشرقية لعمارة البوقرية.
وفي هذه الواجهة كان هناك دكان محمد جار الملقب بالغزال وكان يبيع الجبنة والشريك والزيتون ثم دكان صغير لعبداللطيف جميل وكان مخصصا لبيع قطع الدراجات وكان عبداللطيف جميل واسمه الكامل عبداللطيف حسين افندي جميل يبيع فيه بنفسه قبل ان تتوسع تجارته. ثم دكان السيد محمد وهاشم ثلاب وكان مختصا في تجارة السكر.وفي ركن عمارة البوقرية كان هناك دكان عبدالرحمن بخاري وكان يبيع الاواني الزجاجية كالكاسات والبراريد والفناجين ثم البيت الذي كان يسكنه احمد بابا صاحب بقالة البطاطس.
وكان حوش ابو زيد له عدة مطالع من مختلف الجهات وكان كل مطلع يفضي الى عدة بيوت يقطنها آل ابو زيد الذي كان وكيلا للحجاج وقد انجب ولدا واحدا هو صالح وانجب صالح عددا من الابناء هم محمد وجميل واحمد وكانت والدتهم من آل ابو زيد اما محمود واسعد وفاروق فقد كانت والدتهم سورية.
(3) بنوك
وفي شارع قابل من الجهة الشمالية عرفت اشهر ثلاث بقالات في جدة وكانت البقالة ذات البابين تسمى البنك وكانت هذه الثلاث البقالات او البنوك هي بنك ينّى وكان مختصا ببيع الزيون وانواع الاجبان ويقابله بنك عبدالله حسين خضري اما البنك الثالث فهو بنك محمد وصادق الدخيل الى جوار القبوة شمالي بنك ينّى وكانت هذه البنوك جميعها مختصة في بيع الاغذية والحمضيات.
مقاهي الشارع
عرفت في شارع قابل عدة (مقاهي) منها قهوة احمد طيرة وقهوة محمد ابراهيم الزبيدي وكانتا كبيرتين وروّادها من الموظفين والحرفيين والصناع وكبار رجال البحر الميسورين كالربابنة.
اما القهوة الثالثة فهي قهوة علي ينّى وكان مرتادوها العمال والبحارة.
وكانت هذه القهاوي, كبقية المقاهي تقدم الشاي والقهوة والشيشة الحُمّي ولم يكن الجراك آنذاك منتشراً.
ومن المقاهي الشهيرة في شارع قابل قهوة الجمالة في موقع بيت البوقرية وكان روادها من المخرجين و(المخرّج) بتشديد الدال كان هو الرجل الذي يتولى التنسيق بين التاجر والجمال فيتسلم البضاعة من الميناء ويسلمها للجمال الذي يقوم بنقلها لأصحابها في أي مدينة كانوا, وكان من المخرجين يحيى زيني وبيت العجمي وبيت السيد وبيت الشيخ وبيت ابن جميل وبيت المغربي وكذلك مصطفى باعشن وعبدالرحمن باعشن وكان شيخ المخرجين الشيخ عبدالله رفيع لنجاوي.
وفي الخاسكية كانت هناك قهوة سعيد حاتم وكان يجتمع فيها اصحاب الحرف كالخبازين والنجارين والجزارين ويتداولون فيها شؤون حرفهم.وكانت جدة معروفة بمقاهيها وقد ذكر الحضراوي ان في جدة نحو مائة مقهى في عهده أي قبل نحو مائة وعشرين عاما. وقد توقف الرحالة عند هذه المقاهي وقد ذكر بركهاردت أنه وجد في جدة عندما زارها سبعاً وعشرين قهوة واشار الى ان الحجازيين يكثرون من شرب القهوة وقال: ليس غريبا ان يحتسي الفرد الواحد من عشرين الى ثلاثين فنجان قهوة في اليوم. وأشار بعض الرحالة الى الزينة التي كانت تزين بها المقاهي حيث كانت جدرانها تنقش بصور السفن الراسية في الميناء وكذلك تعلق على جدرانها مجسمات للسفن وشِباك الصيد.
دوائر الحكومة
ولم يكن شارع قابل موقعا للمتاجر والمقاهي فحسب بل كان مقرا لاهم الدوائر الحكومية آنذاك والتي كانت مبانيها تقع عند نهايته الغربية قريبا من باب البنط حيث كانت توجد المحكمة ومن اشهر قضاتها الشيخ محمد محمد محمد المرزوقي والشيخ البيز وتوجد كذلك ادارة البريد وادارة الاطفاء.
برحة الاعدام
وفي نهاية شارع قابل كانت تتم عمليات القصاص قريباً من المحكمة الكبرى وكان من اشهر العمليات التي تمت في بداية الحكم السعودي اعدام منصور النشمي الذي قتل قصاصا لقتله احمد موسى قادري, وكانت قد بذلت محاولات كثيرة لاقناع اسرة قادري بقبول الدية والتنازل عن القصاص الا ان اصرار والدة القادري على حق القصاص حال دون ذلك, وكان لموت النشمي أثر كبير في اوساط جدة لأن صالح النشمي كان من فتوات جدة المعروفين.ويحتفظ شارع قابل بذكرى مرور جثمان محمد جلال بعد اعدامه في تهمة ظلت حديث اهل جدة ودهشتهم لعقود طويلة ولم يكن أحد يصدقها لولا توارد الشهود عليها.
عودة الى الرقام
هل كانت هذه الرحلة رحلة في تاريخ جدة أم رحلة في شارع قابل أم تراها رحلة في ذاكرة رجل من طراز نادر اسمه محمد الرقام?
شعرت وأنا أجلس أمامه انه يقرأ من كتاب, ثم شعرت أنني اقرأ من كتاب, واستشعرت غير قليل من الاثم ان يحيا هذا الرجل بيننا ثم لا ندوّن من ذاكرته تاريخاً يتهدده النسيان, هو تاريخ لمواقع ورجال ولأحوال اجتماعية لابد لنا من الوقوف عليها لا لنتعرف على تاريخنا فحسب وانما لكي نعرف راهننا ونتفهمه كذلك.
( منقول )
alhaim @alhaim
عضوة جديدة
يلزم عليك تسجيل الدخول أولًا لكتابة تعليق.
خليك أول من تشارك برأيها 💁🏻♀️