د.مشبب القحطاني

د.مشبب القحطاني @dmshbb_alkhtany

إمام وخطيب مفكرة المجلس عضو في جماعة التوعية الإسلامية

المال والفراغ : كيف نستغلها في الاجازة خطبة الجمعة 22/4/1425

الملتقى العام

الحمد لله جامعُ الناسَ ليوم لا ريب فيه، العالم بكل ما يظهره العبد وما يخفيه.
أحمده سبحانه وأستغفره وأتوب إليه وأستهديه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، شهادة من عرف الحق واتبعه، وعلق بعفو الله أمله وطمعه.
وأشهد أن محمداً عبده ورسوله الذي جدد الحنيفية السمحةَ بعد الاندثار، صلى الله عليه وسلم ت وعلى آله وأصحابه من المهاجرين والأنصار .

أما بعد: أيها المسلمون :

ثبت في صحيح البخاريِ رحمه الله عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: " قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس: الصحة والفراغ ") ، والمعنى أن الصحة والفراغ فرصتان نادرتان في عمر الإنسان ، ينبغي للعاقل أن يعمُرهما بأنواع العمل الصالح وطلب ، وهجر الذنوب والمعاصي ، وهذا والله هو الفوز والفلاح الحقيقي في الدنيا والآخرة .

أما من ضيعَهما فلم يعمْرهما بطاعة الله ، أو شغلَهما بمعصية الله ، فذلك قد أضاع رأس ماله، وتحمل آثام الذنوب بتلك المعاصي ، فأشقى نفسه في حاله وأهله وأمته.
ولا يتبين له الغبن ألا يومُ التغابن ، حين يظهر له أنه قد باع السعادة الأبدية ، بشهوة عارضة مؤقتة وهوى جامح ، نهايتْهما إلى نكد وشقاوة ، فيندم حيث لا ينفع الندم.

أيها الإخوة في الله : وبما أننا مقبلون على عطلة صيفية ، يكثر فيها ضياع الأوقات والأموال ، مما يترتب عليه مفاسد كثيرة ، قد تكون عاقبتها حسرةً وندامة وخسارة .
من أجل ذلك فسنقف في هذا اليوم على وقفتين الأولى حول وقت الفراغ والثانية حول نعمة المال ..فاسأل الله تعالى أن يفعنا بها .

عباد الله: إن الفراغ - وهو خلو الوقت من الشواغل، وخلو القلب من متاعب الدنيا وما فيها من مشاكل - نعمة من نعم الله ، فإذا منَّ الله على العبد براحة من ذلك مثل الإجازات ونحوها من المناسبات ، فصفى له الزمان ، وتخلى من المشاغل ..

فالواجب عليه أن يصرف فراغه في مجالات الخير ومباشرة خصال البر المتعددة ، مما يكسبه في الآخرة أجراً ، ويرفع له في العالمين ذكراً .

وذلك كزيارة الوالدين، وصلة الأرحام، والإحسان إلى الضعفاء والمساكين والملهوفين والأيتام،

والاجتهادِ في طلب العلم، والأخذِ بأسباب رفعة الدرجة وتكفير الإثم من عمرة لبيت الله الحرام وصلاة في مسجد النبي عليه الصلاة والسلام، ودعوةٍ إلى الله ونصحٍ لعباد الله سواء في الداخل أو الخارج ، وسعيٍ للإصلاح بين الناس، وأمر بالمعروف ونهي عن المنكر، وزيارة لأخ يحبه في الله ، إلى غير ذلك من مجالات الخير المختلفة ..فمن حقق ذلك كان أنفع الناس لنفسه وللناس.

فينبغي للعبد أن يجتهد فيما تيسر له من أوقات ، شكراً للنعمة ، واغتناماً للمهلة، وشغلاً للوقت في الخير قبل مضيه.

ولنعلم إخواني أننا محاسبون يوم القيامة عن كل ثانية أو اقل تمضي من حياتنا .. يؤكد هذا قوله صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح (لا تزول قدما ابن ادم يوم القيامة من عند ربه حتى يسال عن خمس : عن عمره فيما أفناه ، و عن شبابه فيما أبلاه ، و ماله من أين اكتسبه ، و فيما أنفقه ، و ماذا عمل فيما علم )

الشاهد هنا قوله صلى الله لعيه وسلم ( لا تزول قدما ابن آدم يوم القيامة من عند ربه حتى يسال عن خمس : وذكر منها ( عن عمره فيما أفناه ، و عن شبابه فيما أبلاه ) والعمر هنا هو الوقت .. وقد خص مرحلة الشباب مع أنها جزء من العمر والوقت ، وذلك لأهميتها .. فالقضية خطيرة جدا ، وليست كما يتوقع البعض .

فالوقت أحبابي الكرام كما نشاهد في ذهاب، ودعاة ضياع الأوقات كثيرون ، وساعة الموت غير معروفة ، فإن لم نشغل أوقاتنا بالخير أشغلناها بما يضر في الدنيا والآخرة ..
فلنحرص كل الحرص على شغل أوقاتنا وأوقات أبنائنا وأهلنا ومن حولنا بالخير ، واستغلالها بما يرضى الله تعالى .

خصوصا أن نبينا صلى الله عليه وسلم قد أوصانا باستغلال أوقات فراغنا وصحتنا عندما وجه الكلام لرجلً من أصحابه وهو الحقيقة لنا فقال: ( اِغْتَنِمْ خَمْسًا قَبْل خَمْس , شَبَابك قَبْل هَرَمك , وَصِحَّتك قَبْل سَقَمك , وَغِنَاك قَبْل فَقْرك , وَفَرَاغك قَبْل شُغْلك , وَحَيَاتك قَبْل مَوْتك )

و " قال صلى الله عليه وسلم:في وصية أخرى (بَادِرُوا بِالْأَعْمَالِ سَبْعًا هَلْ تَنْتَظِرُونَ إِلَّا فَقْرًا مُنْسِيًا أَوْ غِنًى مُطْغِيًا أَوْ مَرَضًا مُفْسِدًا أَوْ هَرَمًا مُفَنِّدًا أَوْ مَوْتًا مُجْهِزًا أَوْ الدَّجَّالَ فَشَرُّ غَائِبٍ يُنْتَظَرُ أَوْ السَّاعَةَ فَالسَّاعَةُ أَدْهَى وَأَمَرُّ)

و أكد علينا بالمبادرة إلى الأعمال الصالحة خصوصا في أوقات الفتن .." فقال صلى الله عليه وسلم: ( بَادِرُوا بِالْأَعْمَالِ .. بالأعمال الصالحة ( فِتَنًا كَقِطَعِ اللَّيْلِ الْمُظْلِمِ يُصْبِحُ الرَّجُلُ مُؤْمِنًا وَيُمْسِي كَافِرًا أَوْ يُمْسِي مُؤْمِنًا وَيُصْبِحُ كَافِرًا يَبِيعُ دِينَهُ بِعَرَضٍ مِنْ الدُّنْيَا )

فشغل الوقت - يا عباد الله - بالأعمال الصالحة تجارة رابحة ومسارعة للخيرات ، وقد وعد الله من كان كذلك بالمغفرة والجنات، وهو أيضاً من أسباب صرف المحن والنجاة من الفتن،
ومما يؤسف له أن بعض الناس يستغل أوقات العطل والمناسبات ، لضياع وقته ووقت أولاده ومن معه ، بحجة الترفيه عن النفس ، والتخلص من الارتباطات ، فتمضي الساعات الطويلة بدون فائدة ، بل ربما استغلت لممارسة المعاصي والمنكرات .

فكم من الناس جلس أمام الشاشات لمتابعة الأفلام أو المباريات الرياضية ، بل أحينا نشرات الأخبار ، التي ليس فيها جديد ولا مصداقية ..

وبعض الناس يمضيها في سماع الأغاني والرقص فيا يسمى بالمهرجانات الغنائية والشعبية والأعراس والاحتفالات .

وبعضهم يمضيها في القيل والقال ، ولعب الورق ونحوها من الملهيات ..

وإذا سألته لماذا هذا التفريط ؟؟ قال لك هي عطلة وفرصةٌ نريح أنفسنا فيها من عناء العمل والدراسة والارتباط .

وما يدري المسكين انه قد لا يقوم من مكانه الذي هو فيه .

فعلينا إخوة الإيمان بالجد فيما هدانا الله له من الخير، ولتنافس في خصال البر قبل أن يقع أحدنا في قبضة الموت ، فيتحقق الفوت ، ويوافى الحساب ، وتنقطع الأسباب ، ويفترق الناس إلى فريقين فريق في الجنة وفريق في السعير.

وعلينا إخواني أن لا نركن إلى الذين ظلموا ومضيعي الأوقات فتمسنا النار، ولنعلم أن التساهل في مخالطة أهل الفجور يدعو إلى انتكاس الأمور ، وتراكمِ الذنوب ، وسوء المصير .
و كما أننا محاسبون عن أوقاتنا ..فنحن آيا محاسبون عن أوقات الآخرين ، الذي نكون سبب في ضياعها .

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: "( يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله ولتنظر نفس ما قدمت لغد واتقوا الله إن الله خبير بما تعملون * ولا تكونوا كالذين نسوا الله فأنساهم أنفسهم أولئك هم الفاسقون * لا يستوي أصحاب النار وأصحاب الجنة أصحاب الجنة هم الفائزون ".
بارك الله ولكم في القرآن الكريم ، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم .




الخطبة الثانية

الحمد لله ، وكفى والصلاة والسلام على نبيه المصطفى ، وعلى من سار على دربه واقتفى ..أما بعد أيها المسلمون :

الوقفة الثانية في هذا اليوم حول صرف الأموال :

إخواني : كلنا يعلم أن هذا المال الذين بين أيدينا ليس ملكا لنا ، وليس لنا الحق في التصرف فيه إلا بإذن صاحبه الحقيقي ، وهو الله جل وتعالى ..
يؤكد هذا قوله تعالى في محكم التنزيل ( وآتوهم من مال الله الذي آتاكم ) ويقول تعالى( وأنفقوا مما جعلكم مستخلفين فيه )

فالقضية واضحة ومحسومة، فالمال مال الله ، و نحن محاسبون عنه يوم القيامة من أين أخذناه وفيما صرفناه .. يؤكدها قوله صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح السابق (لا تزول قدما ابن آدم يوم القيامة من عند ربه حتى يسال عن خمس : وذكر منها ( و ماله من أين اكتسبه ، و فيما أنفقه ،)

فقوله ( و ماله من أين اكتسبه ، و فيما أنفقه ) دليل واضح أن كلا منا سوف يحاسب عن هذا المال الذي حصل عليه من أين أخذه ؟؟ هل أخذه من حلال وبطرقة مباحة مأذون له فيها شرعا ؟؟ أم أخذه وحصل عليه بطرق محرمة أو مشتبهة .

كما انه سوف يحاسب على كيفية صرفه .هل صرفه في أمور مباحة أو صرفه في أمور محرمة ؟؟فعلينا أن نهتم إخواني بهذه القضية ، ولا نتساهل بها أبدا ،

ومما يؤسف له أن بعض الناس هداهم الله خصوصا في العطل والرحلات ، لا يهتمون بقضية صرف الأموال .. فهناك من يصرفها على أمور محرمة كشراء تذاكر السفر إلى بلاد الكفر والفساد لفعل المحرم ،أو مشاهدته ، وحجز الفنادق لفعل المحرم أو مشاهدته ..
ومنهم من يشتري المحرمات لنفسه أو لغيره .. سواء تذاكر الأمسيات الغنائية أو الحفلات المختلطة وبرامج الترفيه المحرم .

ومنهم يذهب إلى أماكن اللهو وضياع الأوقات ، وأماكن المنكرات .. بحجة الترفيه عن النفس أو الأولاد .ويدفع المبالغ الطائلة .. وقد يحجز الفنادق والشقق المرتفعة السعر مع وجود ما هو أرخص وربما أنظف ، من باب الفخر والخيلاء ومجاراة بعض الناس .

وإذا أنكرت عليه ، صرف الأموال بهذه الطريقة، وبينت له أن الأمة محتاجة إلى هذه المال ..قال لك .. هي فرصة نريد أن نرفه عن أنفسا وعن الأولاد ، ونحن لا نجمع إلا لهم ، وما الفائدة من المال إذا لم يرفه الإنسان عن نفسه .

وما يدري المسكين انه قد يرجع هو أولاده ، فقد تكون نهايتهم في تلك الرحلة ..كما حصل لعدد من الناس ، خرجوا من بيوتهم فرحين وصرفوا الأموال بدون تفكير ، على أمل العودة بنشاط وحيوية ، ما يدرون أن القبور تنتظرهم ، والبيوت ستفتقدهم ، ولم ينفعهم إسرافهم وتبذيرهم في حياتهم الدنيوية .

فلنحذر إخواني في الله من صرف هللة في غاية طاعة الله تعالى ، حتى لا نندم عندنا يسألنا ربنا سبحانه عن ذلك ، فلا نستطيع أن نعتذر .

أيها الفضلاء : ثم إن السؤال يوم القيامة لا يقتصر على المبالغ المالية فقط ..بل سيكون السؤال والمحاسبة عن كل نعيم رزقنا الله إياه سواء نعيم مادي أو معنوي ..

سوف نسأل عن هذه النعم التي من حولنا ومن تحتنا ومن وفقنا ..يشهد لهذا قوله صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح (إن أول ما يسال عنه العبد يوم بقيامه من النعيم أن يقال له : الم نصح لك جسمك ، و نرويك من الماء البارد ؟ )

ويقول صلى الله عليه وسلم (إن الله سائل كل راع عما استرعاه ، أحفظ أم ضيع ؟ حتى يسال الرجل عن أهل بيته)

فالصحة والأمن والأمان والسكن والبراد والمأكل والمشرب والخدم والحشم ,و غيرها من النعم سوف نسأل عنها ونحاسب على تفريطنا فيها .

إخواني الأعزاء ولعله من المناسب أن نختم هذه الخطبة بهذه القصة المؤثرة التي حصلت في عهد النبي صلى الله عليه وسلم .. فعن أبي هريرة قال بينما أبو بكر وعمر رضي الله عنهما جالسان إذ جاء النبي فقال ما أجلسكما ههنا ؟؟ قالا الجوع .. قال والذي بعثني بالحق ما أخرجني غيره .. فانطلقوا حتى أتوا بيت رجل من الأنصار فاستقبلتهم المرأة ، فقال لها النبي أين فلان ؟؟ فقالت ذهب يستعذب لنا الماء ..
فجاء صاحبهم يحمل قربته .. فقال مرحبا : ما زار العباد شيء أفضل من شيء زارني اليوم .. فعلق قربته بكرب نخلة ، وانطلق فجاءهم بعذق .. فقال النبي : ألا كنت اجتنيت ؟؟ فقال أحببت أن تكونوا الذين تختارون على أعينكم .
ثم أخذ الشفرة فقال النبي إياك والحلوب ؟؟ فذبح لهم يومئذ ، فأكلوا فقال النبي لتسئلن عن هذا يوم القيامة , أخرجكم من بيوتكم الجوع فلم ترجعوا حتى أصبتم هذا.. فهذا من النعيم )
اخواني : لن أشير إلى عدد المرات التي شبعنا فيها ، وروينا فيها ، وأحسسنا بالبراد فيها ..
ولكن الإشارة تجدر إلى التبذير الحاصل في ما انعم الله به علينا خيرات حسية ومعنوية .
إذا كنا سوف نسال عن ما نتمتع به من نعيم مباح ؟؟

فكيف الحال بما نبذر فيه ونقصر فيه من نعيم ..بل ما نستخدمه للشر من نعيم ..
فكم من الناس من يستغل نعمة الأمن والأمان ، ونعمة المال ، ونعمة والمسكن المريح ، والتكييف والشبع .. يستخدم هذه النعم في متابعة القنوات الفضائية ، والأفلام الهابطة ...هذا مثال فقط والأمثلة على ذلك كثيرة..

فاسأل الله تعالى أن يوقظنا من غفلتنا ، وان يردنا إلى الحق ردا جميلا
5
1K

يلزم عليك تسجيل الدخول أولًا لكتابة تعليق.

تسجيل دخول

الداعية الى الحق
جزاك الله عنا خير الجزاء
اللهم ارزقنا حسن عبادتك وشكر نعمتك اللهم امين
ورود بيضاء
ورود بيضاء
جزاك الله خيرا وجعلها في ميزان حسناتك
edrara
edrara
جزاك الله كل خير على النصائح الرائعة جداً
تقوى الله
تقوى الله
جزاك الله خير