المتدينون الجدد وفقه القص واللصق
لا شك أن التيسير مطلب فقهي أساسي ينادي به المجددون الإسلاميون، ويحاولون قدر إمكانهم تطبيقه؛ تخفيفا على المتدينين، ومحاولة لجذب فريق أكبر منهم، خاصة في ظل انتشار مد متشدد، سواء من المفتين أو الجماهير، وهذا المد ينزع إلى التشدد بغض النظر عن تطبيقه لهذه الآراء.
ويستشهد فريق التيسير بعدد من الأدلة القوية: "ما خُير الرسول بين أمرين إلا اختار أيسرهما"، وكذلك قوله تعالى: "يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر"، وقوله: "وما جعل عليكم في الدين من حرج"، وكذلك إلى بعض أقوال الأئمة الأعلام مثل سفيان الثوري الذي قال: "إنما الفقه الرخصة من ثقة، أما التشديد فيحسنه كل أحد".. وكثير من الأدلة التي تساق في هذا الصدد.
لكن السؤال الذي أحب أن أثيره في ظل موجة جديدة من موجات الصحوة الإسلامية -ربما هي الأعتى والأكثر جماهيرية، والأثرى مظهرا في موجات الصحوة المتتابعة منذ الأربعينيات تقريبا- هو: هل جمهور هذه الموجة من التدين الذين يطلق عليهم "المتدينون الجدد" -توازيا مع التسمية الشائعة "الدعاة الجدد"- في حاجة لمثل هذا "التيسير"؟ وهو ما يفرض علينا سؤالا هو: هل التيسير هو الصبغة المرتبطة بالفتوى على الدوام، أم أن هذا الأمر متغير من وقت لوقت ومن جمهور لآخر؟ وهل يُعد التعسير والتيسير للمستفتي كالدواء بالنسبة للمريض، وأن التساهل في غير موضعه يمكن أن يضر الإنسان كالتشدد والتنطع في غير موضعه أيضا؟
وهذا ما يؤدي بنا إلى التساؤل: هل إذا ما وجد المفتون في جمهور نوعا من التشدد داووه بالتيسير؟ وهل إذا ما وجدوا في جمهور آخر نوعا من التساهل فإن دواءه التشدد؟
صحوة السبعينيات وترشيد الغلو
نستطيع أن نقول: إن الصحوة الإسلامية في السبعينيات والثمانينيات كانت موجهة لجمهور نزاع للتشدد؛ مما حدا بعلماء وموجهي هذه الصحوة إلى محاولة مقاومة هذا التشدد وضبط الإيقاع؛ فنجد الدكتور القرضاوي حين يصنف ما ألف؛ فإن ثمة تصنيفا أساسيا يندرج تحته عدد كبير من المؤلفات عنوانه: "ترشيد الصحوة والحركة الإسلامية"، وبوضوح حين يضع بابا باسم "منهج معاصر للفتوى"؛ فإنه يضع أحد ملامح هذا المنهج "تغليب روح التيسير والتخفيف على التشديد والتعسير".
تعامل المتدينين الجدد مع الفقه
وإذا اتفقنا أنه لا يمكن للملاحظة الشخصية أن تكون حَكَما على هذا التعامل؛ فإنها كانت مهمة لي على الأقل- في التنبه إلى فكرة هذا المقال. أعتقد أنني تعاملت كثيرا مع المتدينين الجدد فتيانا وفتيات، سواء في العمل أو الدراسة أو العمل الخيري وغير ذلك من مناشط، وفي كثير من هذه الاحتكاكات تولدت عندي بعض الملاحظات التي أثارت دهشتي؛ فهذه الشريحة التي ترى نفسها ملتزمة بالإسلام، وبعضهم يمارس بعض الواجبات الدعوية، وكثيرا ما يحدثك عن قصة التزامه، وعن روعة التدين الذي وجد نفسه من خلاله، ومع كل هذه المظاهر؛ فإن ثمة ترخصا تلاحظه على سلوكياتهم، وسأحاول وضع هذه المظاهر بين قوسين دون ترتيب (فتيات يضعن الماكياج الخفيف - يتساهلن في التعطر والنمص - ملابس ضيقة أحيانا - مزاح وضحكات عالية بين الجنسين - حديث بين فتى وفتاة بعيدا عن المجموع، لا مانع أن يكون استشارة أو شكوى - متابعة أحدث الأفلام في السينما العربية والغربية - سماع الموسيقى الغربية ومتابعة أخبار الفنانين - عدم ظهور الاهتمام بغض البصر... إلخ).
هذه المظاهر يمكن التأكيد عليها من خلال متابعة جمهور الدعاة الجدد من خلال الفضائيات، أو حتى من خلال التجمعات الشبابية في صلاة القيام أو الاعتكاف في رمضان.
الشكل يمكن أن يكذب
وسأحاول النفاذ من الجانب الشكلي والسلوك إلى جانب المفاهيم، في محاولة لرسم صورة لتعامل هؤلاء المتدينين مع الفقه من خلال آرائهم وفتاواهم التي يطرحونها واستفساراتهم.
وإذ ألج إلى هذا الموضوع فإنني لا أتخذ موقفا تجاه هذه التصرفات والسلوكيات، وما أحاول رصده هو: هل اتخذت هذه المواقف المتساهلة -على الأقل من وجهة النظر التقليدية- بناء على اجتهادات أو اتباع اجتهادات أم وفق عملية قص ولصق من الفتاوى المنتشرة؛ لتؤدي إلى نتائج أكثر إيغالا في اتجاه التيسير، والذي يؤدي إلى تشكيلة جديدة من السلوكيات لا أتصور أن الإفتاء مهما بلغت درجة تيسيره يرضاها؟
إنني ألمح خلف هذه السلوكيات ثقة غير محدودة بالنفس، كما أشعر بتجاوز شديد للمرجعيات الفقهية، بالإضافة إلى عملية انتقاء مخلة، سواء بالنسبة لمصادر التلقي (الدعاة غالبا)، أو في الفتاوى التي تُختار، ولا شك أن تنامي معارف هؤلاء المتدينين الحياتية وقدرتهم المبهرة على التوصل للمعلومات (لا العلم)، والثقة الشديدة بالنفس تشعرهم بالقدرة -ولو الزائفة- على الاجتهاد.. فتكون المعادلة:
اجتهاد العلماء الميسر + اجتهاد شبابي واثق بلا حدود ودون ثقافة شرعية = حالات تساهل وترخص.
الأمثلة تختصر المسافات
يحضرني مثال تعجبت له، وهو أن إحدى رموز المتدينات الجديدات وهي مذيعة شهيرة لبرنامج ديني؛ هو المصدر الأكثر شهرة وأهمية بالنسبة لمصادر التلقي للتدين الجديد -سأغفل دور هذه المذيعة في توجيه الظاهرة، لكنني سأعتبرها إحدى أفراد الظاهرة في التعريف بها- سردت بموقع برامجها على الإنترنت قائمة طويلة من المغنين والممثلين العرب والهوليوديين والأفلام والأغاني الأمريكية، ورغم أنها تقول في نهاية حوارها: "إن الحشمة تعطي للمرأة الجمال الحقيقي وهو جمال الأخلاق"، فإنها في بداية الحوار وصفت بـ"الجمال المبتسم" -لاحظ الدلالة-، وأخيرا فإنها تحلم للإسلام، يقول الحوار: "أما أكثر حلم تتشوق لتحقيقه فهو تغيير شكل البرامج التي تقدم الإسلام..."، وتقول: "أريد أن أعرض الإسلام بصورة تجعل كل فرد في العالم يفهم المعنى الصحيح لهذا الدين القويم".
ويلخص النموذج السابق حالة تسيطر على الكثير من هؤلاء المتدينين؛ فالهم الإسلامي موجود، لكن التعاطي ونمط المعيشة والتصورات تتم وفقا لنمط الحياة الغربية بصورة طاغية ولافتة، وأعتقد أن الرجوع للأحكام الفقهية يمكن أن يدين نموذجا هذا توجهه، كما أن هذه الفترة التي نحياها كفيلة من الناحية الحضارية أن تُوجه نحو أنماط أخرى من الحياة مختلفة عن هذا النموذج، كما أتصور أن التعاطي مع الأغاني والسينما -الغربية خاصة- وغير ذلك لا يُرضَى عنه فقهيا بجملته.
ولنلتقط الخيط من بدايته لنجد أن الأمر يبدأ بفتاوى تيسر على الناس وترخص لهم السماع بشروط، هذه الشروط في السائد صعبة التحقيق، وبالتالي ينطلق الشاب في مد خط الفتوى على استقامته ليخرج بتصور حِل الموسيقى والأغاني على الإطلاق.
وتتضح المفارقة في مثالنا حين يخلو التعريف بالمذيعة تماما من أي إشارة إلى مصادر تلق إسلامية، أو قراءات دينية، أو تخصص، أو دراسة، أو ما شابه من مصادر تكوين الشخصية.. التي من المفترض أن يحرص -بل يفخر- من يتدين بها!!
وقد ذكرني هذا بأحد الشباب من المتدينين الجدد، وهو ابن داعية شهير، كان يحدثني عن أحد الأفلام السينمائية الأمريكية، وكيف أننا لا بد أن نقود حملة ضده حتى يقاطعه الشباب لاحتوائه على مشاهد جنسية وشذوذ، فسألته وهو ابن الثامنة عشرة: وهل شاهدت بنفسك الفيلم؟ فأجابني: "نعم، بعد أن عرفت باحتوائه على هذه النوعية من المشاهد"!!
ولما سألته عن السبب قال: "لأنني داعية، وعلي أن أعرف الشر، وعلى الداعية أن يكون منفتحا ليقترب من لغة خطاب الشباب، وليمكن أن أحذر منه الشباب الذين أدعوهم"(!!).
فالشاب لديه منطقه الذي يشاهد به أفلاما تحتوي على مشاهد جنس وشذوذ؛ فهو هضم -بشكل متسرع- القيم الدعوية التي يسمعها عبر المناخ المحيط بوالده (انفتاح.. دعوة...)، لكنه أخرج نتيجة أخرى.. وليست هذه هي القضية بالنسبة لي، بل القضية أن هذا الشاب الصغير قد أسس اجتهاده بنفسه الذي يمكن بالطبع أن يكون قد استقاه من هنا أو هناك، لكن الثابت في رأيي أن أحدا من الفقهاء لم يحلل -له على الأقل- مشاهدة هذا الفيلم المعروف بتطرفه القيمي.
التدين الشبابي.. ثقة بالنفس ورضا عن الذات
وأنا أكتب هذا المقال وأجمع مادته كنت حذرا تماما أن تكون لدي فكرة مسبقة أحاول التدليل عليها؛ لذا فقد حرصت بالغ الحرص على تجميع أكبر قدر من حديث هذه الشريحة عن نفسها من خلال تجاربهم واستشاراتهم التي يعرضونها على مشاكل وحلول للشباب في "إسلام أون لاين.نت"، فهذه فتاة مصرية في العشرين من عمرها تقول: تعرفت على شاب في الجامعة على مستوى عالٍ من "التربية" و"الأدب"، وقامت بيننا علاقة حب لكن في إطار "الاحترام" و"المحافظة" على "تقاليد ديننا". ولكن بعد "ارتباطنا" بعام ونصف تطورت العلاقة بيننا بدأت بلمسة ثم قُبل.
وهذا حصل 3 مرات، والآن أنا وهو ندمنا على ما حصل وقررنا أن نتوب إلى الله، والحمد الله أننا الآن "محترمان"، لكن المشكلة أنني أخاف عقاب الله، وأريد أن أرضي ربي بأية طريقة، وقلت "لحبيبي": إنني أريد الانفصال عنه لكي نرضي ربنا، ملحوظة: أخلاقي أنا وحبيبي محترمة جدا، وكان من المستحيل أن نفكر في أن نفعل هذا الخطأ، ولكن كان غصبا عنا. والله العظيم ده مش من طبعنا أبدا.
فالكلمات التي بين التنصيص -والتنصيص من عندي- يمكن أن تعطي مؤشرا واضحا على الارتباك في إدراك مدلولات هذه الكلمات، فالتربية والأدب والمحافظة وتقاليد الدين لا تتنافى تماما مع القبل واللمسات!! كما أن الاحترام لا يمنعها من إطلاق كلمة حبيبي عليه!! والمسوغ طبعا واضح؛ فهي ترى في علاقتهما المحرمة تلك "ارتباطا"، وهي كذلك تخلي مسئوليتهما عما حدث؛ فالأمر كان غصبا عنهما!!
وشاب "ملتزم" آخر يقول: "أنا شاب ولله الحمد ملتزم دينيا، أحببت فتاة منذ 3 سنوات، وهي تصغرني بعامين، ووعدتها بالخِطبة هذا العام، والكل وافق: والداها وأبي.. لكن أمي عارضت، وأنا أحاول إقناعها منذ عامين، ولم ترضَ، وأنا لا أرغب بالخروج عن رضا أمي خوفا من الله عز وجل. ولكن للأسف حدث بيني وبين هذه الفتاة عدد من الخلوات في منزلهم، تخللها عدد من القبلات، بالإضافة إلى رؤيتي لصدرها مرتين، وقد أقلعنا عن هذا خوفا من الله، والحمد لله أنه لم يتطور الأمر أكثر من ذلك، وبعد صراعات مع أمي قررت ترك هذه الفتاة رغم حبي الشديد لها إرضاء لوالدتي، وأنا عازم على خطبة غيرها لأنساها وأبدأ حياتي من جديد بمباركة من والدتي"..
وهذا مثال آخر صارخ؛ فالفتى تختلط عنده المفاهيم الدينية والأخلاقية ليخرج لنا خليطا من الالتزام الديني برائحة القبل وطعم اللمسات المحرمة، وهو يستدعي الدين في بر الوالدين وعدم الرغبة في الخروج عن رأي أمه، لكنه لا يتورع أن يركل أحكامه إذا رأى صدر فتاته، وهو دائما يشعر برضا طاغٍ عن نفسه؛ فهو -كما يصف نفسه- والحمد لله ملتزم دينيا، وإذا اقترف المحرمات فهو يحمد الله عن أن الأمر لم يتطور للزنى!!
ونموذج آخر هو شاب يرى أنه داعية ويعمل مع عدد من "الإخوة"، لكن هذه الدعوة لا يجد فيها أدنى مشكلة أن يمارسها مع بنتي عمته اللتين في مثل عمره تقريبا -المرحلة الجامعية- ويقول: "طوال خمس سنوات مضت، وأنا أزور عمتي تلك، وأجلس مع ابنتها وأخواتها وإخوتها الرجال كصلة رحم، وبعد فترة أحسست أن الفتاتين تكبران، ودخلتا الجامعة فخفت عليهما من الفتن، وعزمت أن آخذ بيدهما إلى طريق الله -عز وجل- فبدأت أولى تلك المراحل، وهي كما تعلمنا: الحب في الله، فكنت أجتمع بهما وأحدثهما عن صلة الرحم، وأسأل عن علاقاتهما في الكلية وأنصحهما، ولكن كنت أركز على إحداهما أكثر؛ لما أجده فيها من استجابة وحسن فهم"، فالداعية الصغير يحب ابنة عمته في الله وينصحها.. وهو لا ينكر أنهما تعلقتا به، وهو نفسه يعترف أن هناك بعض التجاوزات..
"كانتا دائما تنتظران مجيئي لنتحدث، ولكن كان هناك تجاوز أحيانا في مسألة الضحك معهما، وأنهما كانتا تجلسان بلا غطاء رأس، وكنا أحيانا نختلي أنا وهي، ولكن في نفس البيت، والكل يمر علينا طلوعا ونزولا"... لكن الداعية الهمام يتحمل كل هذه التجاوزات في سبيل الله!! فيقول: "لكن كنت أجاهد(!!) حتى لا أنفرهما مني، وكنت أعمل على كسب ودهما وحبهما حتى يصل كل ما أقوله بسهولة".
لقد درس الداعية الشاب مفاهيم الدعوة: الحب في الله والجهاد وعدم تنفير المدعوين وكسب ود المدعوين، لكنه في النهاية خرج من ذلك بنتيجة غاية في الغرابة.
يمكن أن نريح أنفسنا ونقول: إن هذه الحوادث فردية ولا يمكن تعميمها، لكن الأمر الذي أشير إليه أجده جديرا بالدراسة والتمحيص، خاصة أن الفتاوى التي تنزع إلى التساهل تذهب إلى متدينين يرون في أنفسهم "الخيرية" كما وضح من حديثهم عن أنفسهم، وكما نرى في حياتنا العملية، وأنا أرى أن ظاهرة القص واللصق من الفتاوى والاجتهادات تجري على أشدها لإكساب المشروعية لكثير من الأفعال التي درج الشباب عليها؛ فبدلا من أن يتنازل عن عادات ما قبل التدين إذا به يحاول أن يجد لها مبررا شرعيا محترما.
يحتاجون للعلاج النفسي!
إن ما أود الإشارة إليه، والذي أرى أن على العلماء مراعاته هنا هو البعد النفسي المتمثل في حالة الرضا عن النفس التي تتلبس هؤلاء الشباب، وعبروا عنها في أكثر من موضع.. ومرد ذلك في رأيي أنهم وجدوا براحا في مساحتين:
الأولى: إلحاح الدعاة الجدد على الرجاء ورحمة الله وغفران الذنوب مهما كانت، وهذه المساحة لا شك فيها ولا إنكار لها، لكن الإلحاح عليها كأنها المسار الوحيد، والخيار الفذ أوجد خللا لدى المتعرضين لهذا الخطاب، وجههم إلى مزيد من الجرأة على الحرام مع التأكد من مغفرة الله لهم، وكذلك من تركيز بعض الدعاة الجدد على مسألة أعمال القلوب وأهميتها والتقليل من شأن أعمال الجوارح والسلوكيات والأخلاق.
الثانية: البراح في المساحات الفقهية للعلماء الذين ينتهجون التيسير والتسهيل على المسلمين؛ فوجد هؤلاء المتدينون رأيا متساهلا في كل قضية فقهية، ولا جناح عليهم في انتهاجه؛ فهو رأي فقهي معتبر من عالم معتبر.
ومن خلال فتاوى المرأة على موقع "إسلام أون لاين.نت" نستطيع أن نرسم صورة لحركة المرأة في المجتمع؛ فهي تصافح ابن عمها أو ابن عمتها عند الضرورة (فتوى: مصافحـة الرجل للمرأة.. الحكم والضوابط، د. القرضاوي)، وهي تقابل مطلقها لأغراض شريفة (هل يجوز للمرأة المطلقة أن تتقابل مع من طلقها بعد الطلاق لأغراض شريفة؟ د.القرضاوي)، وتستطيع أن تتابع رياضيين يرتدون الشورت (فتوى: ضوابط النظر بين الرجل والمرأة، د.القرضاوي)، كما أنه لا بأس أن ترقق المرأة حاجبيها (فتوى: ترقيق المرأة حواجبها، الشيخ عطية صقر)، وتستطيع أن تخطب لنفسها من أرادت (فتوى: ما حكم أن تخطب المرأة الرجل؟ د.علي جمعة)، ويجوز أن تضع العطر الخفيف (فتوى: حكم وضع المرأة للعطر، الشيخ عطية صقر)، وهي تخدم الضيوف (فتوى: خدمة الزوجة للضيوف، عطية صقر)، كما يجوز لها ركوب الدراجة (فتوى بدون اسم مفت)، كما يجوز لها العدو في الشارع (فيصل مولوي)، كما يجوز لها قراءة القرآن أمام الرجال (فتوى: د. نصر فريد واصل)... إلخ.
وبالطبع فإن كل فتوى من هذه الفتاوى هي فتوى مؤسسة على دليل شرعي قوي، وصادرة عن علماء لا نشك في أنهم حُجة عدول، لكن ملاحظتي تدور على أمرين:
أولا- عدم مراعاة الواقع أحيانا خاصة في التحوط والاشتراطات:
فالواقع أن الفتاة التي تركب دراجة أو تعدو في الشارع -في مجتمعاتنا العربية على الأقل- عرضة للقيل والقال وعرضة للمعاكسات، كما أنه من المتعذر على راكبة الدراجة أو المتريضة بالعدو أن تحافظ على جسدها من الاهتزاز والتمايل أو الاحتياط لحالة لباسها، بما يبدو أن الشرط الموضوع -التحوط للباس وعدم إظهار العورات- شرط غير قابل للتحقق تقريبا.
ثانيا - وهو إغفال هذه الفتاوى طبيعة الجمهور:
فهذا الجمهور يمكن أن يأخذ كل جزئية من هذه الجزئيات المباحة في الأصل ليشكل بها صورة مختلفة تماما، وللتوضيح قد يكون المشهد الذي رأيته في أحد الشوارع القاهرية معبرا جدا: فتاة ترتدي حجابا سابغا، تقود سيارة حديثة، والمسجل عالي الصوت يبث أغنية عالية تقول فيها المغنية الشابة: "محتاجة لك.. محتاجة لك". فهذه اللوحة يبدو كل عنصر من عناصرها مباحا في حد ذاته -حسب بعض الفتاوى والاجتهادات- فسماعها أغنية لمغنية لا شيء فيه، وقيادتها للسيارة ليس محرما، لكنني أشك أن هذه اللوحة في مجملها من المباح في فقهنا، خاصة في ظل اشمئزاز المشاهدين لها منها واستنكارهم لها.
المفتي بحاجة لإدراك متغيرات الجمهور
حين أطرح على الفقهاء ضرورة معرفة الجمهور الجديد الذي يتلقف فتاواهم واجتهاداتهم؛ فإنني لا أقدم جديدا، لكنني أعيد التذكير بالمستقر، ربما تبدو خطوة بالغة الإرهاق بالنسبة لفقهائنا، لكن هذا قدرهم، ويزداد إرهاقهم إذا أدركوا أن عجلة التغير أصبحت أسرع كثيرا، والقرضاوي حين يتبنى منهج التيسير في كتابه: "الفتوى بين الانضباط والتسيب" والذي يُعَد مقدمة لكتابه "فتاوى معاصرة"، وقد جعل بابا خاصا سماه: "مزالق المتصدين للفتوى في عصرنا"، ومن بين هذه المزالق التي عرضها: "عدم فهم الواقع على حقيقته"، وجعل أحد تلك المزالق أيضا: "الجمود على الفتاوى القديمة دون مراعاة الأحوال المتغيرة".. وما ينطبق على العصر الذي يتحدث عنه القرضاوي ينطبق تماما على العصر الذي نعيشه الآن من حيث النظرية لا من حيث النتيجة.
وأخيرا.. فلا بد من توضيح أنني لا أدعو للتشدد بطبيعة الحال، ولكن أدعو إلى مراعاة الواقع وممارسات المستفتين وسلوكياتهم، وطريقة تعاملهم مع الاجتهادات، واتجاهاتهم عند تطبيق الفتاوى، والله أعلى وأعلم.
sara92 @sara92
محررة برونزية
يلزم عليك تسجيل الدخول أولًا لكتابة تعليق.
sara92
•
انتظر ارائكن
أختي الفاضلة سارة
نعم لقد خالطت المرأة الرجال، وظهر الفساد في البر والبحر، ولم يجنوا سوى الثمار المريرة !.
وما ذلك إلا لجهلهم بحقيقة واقع الغرب ـ وما أظنهم يجهلون ـ .
أو جهلهم بأحكام الشريعة، وأدلتها الأثرية والنظرية، وما تنطوي عليه من حكم وأسرار تتضمن مصالح الخلق في معاشهم، ومعادهم، ودفع المفاسد عنهم ظاهرا وباطنا علمها من علمها، وجهلها من جهلها … ـ ولا أشك أنهم يجهلون ـ !.
وأما دعاة الصحوة الجدد فكم من أمر يجيزونه تحت عنوان الحرية ثم بعد ذلك يظهر لهم خطؤهم وظلمهم فينقضونه ويمنعونه .. وكذلك كم من أمر يحرمونه ويمنعونه ثم يظهر لهم نفعه .. فيجيزونه ويبيحونه .. وهذا كله يقلل من قيمة الحرية التي يدعونها!
بينما الحرية في الإسلام .. تحارب وتنكر الشر الذي حكم الله تعالى عليه بأنه شر .. الذي ما بعده إلا الخير .. لأن الله تعالى منزه عن الخطأ أو الزلل .. فهو لا يجيز إلا الخير والنافع، كما أنه لا يحرم إلا كل شر وقبيح!
ومن المؤسف أن نجد من يدعي الصلاح والإصلاح قد تصدر مجالس التدريس والوعظ بلحية محلوقة مجزوزة .. ضاوية من شدة الحف .. وبطقم إفرنجي وكرافيتة .. وهذا فيه من التشبه بالكفار ما فيه .. وهو لا يليق بداعية يستشرف الدعوة إلى الله .. وإلى الاقتداء بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم .. وبخاصة أن جل مجالسه الدعوية يتخللها وجود النساء والصبايا .. المحجبات منهن والمتبرجات ..!!
باختصار يجب أن تكون قاعدتنا في التلقي أن هذا الدين عظيم ،، عظيم جدا
فلينظر كل منا عمن يأخذ دينه
بدلا من الوقوع في الشبهات وتتبع الفتاوى الرخيصة اتباعا للهوى
فتكون المحصلة ضياع الدين والدنيا ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم،،،،
نعم لقد خالطت المرأة الرجال، وظهر الفساد في البر والبحر، ولم يجنوا سوى الثمار المريرة !.
وما ذلك إلا لجهلهم بحقيقة واقع الغرب ـ وما أظنهم يجهلون ـ .
أو جهلهم بأحكام الشريعة، وأدلتها الأثرية والنظرية، وما تنطوي عليه من حكم وأسرار تتضمن مصالح الخلق في معاشهم، ومعادهم، ودفع المفاسد عنهم ظاهرا وباطنا علمها من علمها، وجهلها من جهلها … ـ ولا أشك أنهم يجهلون ـ !.
وأما دعاة الصحوة الجدد فكم من أمر يجيزونه تحت عنوان الحرية ثم بعد ذلك يظهر لهم خطؤهم وظلمهم فينقضونه ويمنعونه .. وكذلك كم من أمر يحرمونه ويمنعونه ثم يظهر لهم نفعه .. فيجيزونه ويبيحونه .. وهذا كله يقلل من قيمة الحرية التي يدعونها!
بينما الحرية في الإسلام .. تحارب وتنكر الشر الذي حكم الله تعالى عليه بأنه شر .. الذي ما بعده إلا الخير .. لأن الله تعالى منزه عن الخطأ أو الزلل .. فهو لا يجيز إلا الخير والنافع، كما أنه لا يحرم إلا كل شر وقبيح!
ومن المؤسف أن نجد من يدعي الصلاح والإصلاح قد تصدر مجالس التدريس والوعظ بلحية محلوقة مجزوزة .. ضاوية من شدة الحف .. وبطقم إفرنجي وكرافيتة .. وهذا فيه من التشبه بالكفار ما فيه .. وهو لا يليق بداعية يستشرف الدعوة إلى الله .. وإلى الاقتداء بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم .. وبخاصة أن جل مجالسه الدعوية يتخللها وجود النساء والصبايا .. المحجبات منهن والمتبرجات ..!!
باختصار يجب أن تكون قاعدتنا في التلقي أن هذا الدين عظيم ،، عظيم جدا
فلينظر كل منا عمن يأخذ دينه
بدلا من الوقوع في الشبهات وتتبع الفتاوى الرخيصة اتباعا للهوى
فتكون المحصلة ضياع الدين والدنيا ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم،،،،
الصفحة الأخيرة