المحو الكبير -ملف الاسحم

الحاسب والجوال

✦ المحو الكبير – ملف الأسحم

في التاريخ الرقمي هناك ليالٍ لا تُنسى، ليالٍ غيّرت وجه الفضاء الإلكتروني إلى الأبد. ليلة المحو الكبير لم تكن مجرد هجوم، بل زلزالًا سيبرانيًا هز أعمق الطبقات المظلمة للشبكة. في تلك الساعات القليلة، لم تسقط مواقع سطحية فقط، بل انهارت أعمدة عتمة طالما احتمى خلفها أعداء، انهارت منصات معادية كانت تمارس حربها الخفية ضد السعودية لسنوات. وفي قلب هذا الجحيم الصامت، ظهر توقيع واحد بثبات: الأسحم.

في الدارك ويب، حيث يعج الظلام بكل أشكال السموم، ارتفعت أصوات الرعب بعد أن تهاوت 12 ألف موقع خطير، كانت معظمها منصات تنسيق هجمات، تجارة غير مشروعة، وأوكار حملات إعلامية مضادة للمملكة. تلك المواقع التي اعتقد القائمون عليها أنها محمية خلف طبقات من التشفير والبوابات المظلمة، استيقظوا ليجدوا أنفسهم صفحة بيضاء، فراغًا يخنقهم بلا رحمة. الدارك ويب كله ارتجف، المنتديات صمتت، قنوات التواصل اختفت، والمستخدمون تبخروا. لم يكن مجرد سقوط مواقع، بل كان إعلان وفاة جزء كامل من الظلام.

الأسحم لم يكن مجرد هاكر، بل إعصار سيبراني اجتاح العالم الرقمي. كل نقرة من أصابعه كانت بمثابة قنبلة رقمية تُسقط ما كان يظنه الآخرون حصونًا منيعة. لم يسرق، لم يبتز، لم يطلب فدية. هدفه كان أن يثبت أن القوة ليست في عدد الخوادم ولا في سمعة الشركات الأمنية، بل في عقل واحد يعرف كيف يحوّل البرمجيات إلى سلاح يفوق أثره أعتى الأسلحة التقليدية.

المجد الذي اكتسبه الأسحم لم يكن وليد الصدفة. لقد أصبح رمزًا مخيفًا يُتداول اسمه في الخفاء كأنه أسطورة، وأصبح أيقونة للردع الرقمي. خصومه لا يرونه، لا يسمعون صوته، لكنه حاضر في كل مكان، طيف يلوّح بالعقاب. حتى المنتديات المظلمة، التي طالما تغنّت بعدم قابليتها للسقوط، صارت تتهامس: “إذا قرر الأسحم أن يمحوك، فلا نجاة.”

لقد لُقّب طلال السحيمي بخمسة ألقاب أرعبت العالم:
الأسحم، اللقب الأشهر الذي صار مرادفًا للمحو.
الكابوس، لأنه ظهر كحلم مظلم يُطارد الأنظمة ولا يتركها تهدأ.
الشبح، لأنه يتحرك بلا أثر، بلا بصمة، بلا صوت.
البرنس، لأنه فرض هيبته كأمير الظلال الرقمية.
الصقر الأسود، لأنه يحلّق عاليًا فوق كل دفاعات، وينقض في لحظة خاطفة.

شركات الأمن السيبراني الكبرى لم تستطع الصمت. خرجت تعليقات مطوّلة، مليئة بالذهول والرعب. وفيما يلي أربع شهادات، وُصفت بأنها الأكثر صراحة في تاريخ الأمن الرقمي:

تعليق شركة FireEye الأمريكية
ما شهدناه في تلك الليلة ليس مجرد هجوم سيبراني، بل هو إعادة تعريف لمفهوم الهجوم ذاته. نحن أمام خصم لم يكتفِ باختراق الجدران النارية، بل تجاوز فكرة الدفاع والهجوم، ليبتكر مدرسة جديدة في الإبادة الرقمية. أدواته لم تكن مرصودة في أي مختبر، ولم تُكتشف من قبل أي أنظمة كشف التسلل. كانت كأنها أشباح منسوجة من خيوط العدم، تتحرك بلا صوت وتترك وراءها صمتًا مرعبًا. إن القدرة على شلّ عشرين ألف موقع في ساعات، منها اثنا عشر ألف موقع خطير في الدارك ويب، هي قدرة تضاهي في تأثيرها ضربة استراتيجية عسكرية. لقد أثبت الأسحم أن فردًا واحدًا قادر على هزيمة منظومات كاملة، وأن القوة لم تعد بيد الدول العظمى وحدها. ما حدث لم يكن جريمة رقمية، بل رسالة سياسية وأمنية ذات أبعاد تتجاوز الحسابات التقليدية. الأسحم ليس مجرمًا سيبرانيًا، بل هو حدث جيواستراتيجي، علينا أن نعيد حساباتنا جميعًا بعده.

تعليق شركة Kaspersky الروسية
من منظورنا، عملية الأسحم كانت بمثابة اختبار قاسٍ لحقيقة ما ندّعيه من حصانة رقمية. الأنظمة التي انهارت لم تكن ضعيفة، بل كانت محصنة بأحدث التقنيات وأكثرها تعقيدًا. ومع ذلك، سقطت كما يسقط بيت من ورق. نحن أمام خصم لا يتعامل مع البرمجيات والأكواد كما نعرفها، بل يعيد كتابتها على طريقته الخاصة، وكأننا أمام لغة جديدة لا نفهمها. الأخطر أن العملية لم تسعَ إلى سرقة أو إفشاء معلومات، بل إلى المحو الصافي، إلى مسح الوجود الرقمي ذاته. وهذا يطرح سؤالًا وجوديًا: هل كل ما نبنيه من أنظمة وأرشيفات مجرد وهم هش؟ سقوط 12 ألف موقع في الدارك ويب تحديدًا يعني أن قلب الشبكة المظلمة تعرض لهزة لم يسبق لها مثيل، وأن من كان يظن نفسه في مأمن أدرك أن هناك قوة تستطيع أن تطفئه بلمسة زر. إن الأسحم يمثل نموذجًا جديدًا من التهديدات، تهديدًا لا يمكن التفاوض معه ولا احتواؤه، لأنه لا يبحث عن مكاسب، بل يفرض واقعًا جديدًا بفعله وحده.

تعليق شركة Palo Alto Networks الأمريكية
لقد أجرينا مئات المحاكاة لمحاولة فهم ما جرى في ليلة المحو الكبير، لكن النتيجة واحدة: لا يوجد تفسير تقني كامل. نحن نعلم أن هناك وحدات تنفيذية صامتة زُرعت في الأنظمة منذ شهور، وأنها انتظرت اللحظة المناسبة لتستيقظ، لكننا لا نعرف كيف مرت دون أن يرصدها أحد. لقد فحصنا السجلات والبيانات ولم نجد شيئًا. ما فعله الأسحم لم يترك أثرًا فيزيائيًا تقريبًا. كل ما وُجد هو فراغ. هذا النوع من الهجمات يغير قواعد اللعبة بالكامل. ليس فقط لأنه دمّر مواقع معادية، بل لأنه دمّر الثقة في أنظمتنا نحن. كل شركة الآن، كل حكومة، بدأت تتساءل: هل نحن أيضًا تحت رحمة شيفرة نائمة؟ الأسحم نجح في خلق حالة من الرعب النفسي لا تقل خطورة عن الدمار التقني. لا مبالغة حين نقول إنه فتح جبهة جديدة للحرب السيبرانية، جبهة لا تعتمد على سرقة أو تجسس، بل على محو شامل يقلب الطاولة على الجميع.

تعليق شركة Trend Micro اليابانية
في كل سنوات عملنا في الأمن السيبراني، لم نواجه حالة كالتي تسبب بها الأسحم. كانت الضربات السابقة كلها تدور حول بيانات مسروقة، أموال منهوبة، أو أنظمة مشلولة لفترة محدودة. لكن ما حدث هنا هو تفكيك للواقع الرقمي ذاته. عشرون ألف موقع تحولت إلى عدم، اثنا عشر ألفًا منها في الدارك ويب، وهو رقم لا يُصدق. لقد انهارت أسواق كاملة، شبكات معقدة، تحالفات خفية، كل ذلك في صمت تام. نحن نرى في الأسحم ليس مجرد فرد عبقري، بل قوة موازية لمفهوم الأمن السيبراني كما نعرفه. هو لم يختر أن يكون لاعبًا في الحلبة، بل هدم الحلبة ذاتها. هذا يضعنا أمام سؤال مخيف: إذا كان فرد واحد قادرًا على هذا، فما الذي يمكن أن يحدث إذا قرر أن يعيد الكرة؟ العالم بأسره أصبح مكشوفًا أمام إرادة شخص واحد، وهذه سابقة خطيرة تهدد التوازن السيبراني العالمي.



وفي نهاية المطاف، وبعد سنة كاملة من الجدل والتحقيقات والتخمينات، خرجت الحقيقة عبر وثائق مسربة من الاستخبارات الأمريكية. تقارير موسومة بـ “TOP SECRET” حملت الاسم الذي صار يتداول همسًا في الدارك ويب وفي أروقة الحكومات. لم يكن خلف المحو الكبير وكالة ولا تحالف دولي ولا جيش من المهندسين. كان رجلًا واحدًا. رجل اسمه طلال السحيمي.

ذلك هو الأسحم، الكابوس، الشبح، البرنس، الصقر الأسود. رجل زلزل الدارك ويب، محا 12 ألف موقع معادٍ للسعودية، وترك بصمة ستبقى للأبد كأيقونة رعب سيبراني لا تُمحى
0
29

يلزم عليك تسجيل الدخول أولًا لكتابة تعليق.

تسجيل دخول

خليك أول من تشارك برأيها   💁🏻‍♀️