المذاهب المنتسبه للاسلام نشئتهم ومصيرهم وهل تقبل توبتهم

الملتقى العام



السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

أسأل الله جل وعلا أن يرينا الحق حقاً ويرزقنا اتباعه، ويرينا الباطل باطلاً ويرزقنا اجتنابه، وأن يحبب إلينا الإيمان ويزينه في قلوبنا، وأن يكرّه إلينا الكفر والفسوق والعصيان ويجعلنا من الراشدين، وأن يهدينا فيمن هدى وأن يعيذنا من مضلات الفتن ما ظهر منها وما بطن.

وفي حديث معاذ مرفوعًا "إذا حدث في أمتي البدع، وشُتم أصحابي فَلْيُظْهِرِ العَالِمُ علمه، فمن لم يفعل فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين" ذكره الآجري من طريق الوليد بن مسلم في كتاب السنة.



فاعلم أيها القارئ أن هذه الفرق المبتدعة على كثرتها واختلاف مشاربها لا ترجع بحمد الله في أصل نشأتها لأحد من الصحابة، ولا تستند في بدعها لقول واحد منهم وإن كان بعض هذه الفرق تدعى الانتساب لبعضهم، كانتساب الرافضة لعلي وأبنائه إلا أن هذا غير صحيح فعلي وأبناؤه بريئون منهم ومن عقيدتهم ومن فساد ملتهم ونحلهم ومذاهبهم

وفي الحقيقة إن عامة هذه الفرق المبتدعة، إنما أحدثها أول من أحدثها، إما كفار أصليون أو منافقون ظاهروا النفاق في الأمة.

فالخوارج يرجعون في أصل عقيدتهم ونسبهم إلى ذي الخويصرة الذي اعترض على النبي في قسم الغنائم يوم حنين فقال: (يارسول الله اعدل، قال: رسول الله r ويلك ومن يعدل إن لم أعدل؟ قد خبت وخسرت، فقال عمر بن الخطاب -t-: يارسول الله أئذن لي فيه أضرب عنقه، قال رسول الله دعه فإن له أصحاباً يحقر أحدكم صلاته مع صلاتهم، وصيامه من صيامهم، يقرأون القرآن لايجاوز تراقيهم يمرقون من الإسلام كما يمرق السهم من الرّمية..).‎(

والرافضة ترجع في أصل نشأتها إلى عبد الله بن سبأ اليهودي ال****ي الذي هو أول من ابتدع الرفض.

يقول شيخ الإسلام: «إن الذي ابتدع الرفض كان يهودياً، أظهر الإسلام نفاقاً، ودس إلى الجهال دسائس، يقدح بها في أصل الإيمان، ولهذا كان الرفض أعظم أبواب النفاق والزندقة».

وهذا أمر مقرر مشهور عند علماء الإسلام، متواتر عنهم في كتبهــم.

وقد اعترف بهذا كبار مؤرخي الرافضة ومحققيهم.

يقول الكشي عن عبد الله بن سبأ: «وكان أول من أشهر القول بفرض إمامة علي، وأظهر البراءة من أعدائه، وكاشف مخالفيه، وأكفرهم فمن هناك قال من خالف الشيعة، أصل التشيع والرفض مأخوذ من اليهودية».رجال الكشي ص71.

وقد نقل هذا النص كبار علمائهم المشهورين: كالأشعري القمي(المقالات والفرق ص21-22. )، والنوبختي(فرق الشيعة ص22. ، والمامقاني تنقيح المقال 2/184.

وأما القدرية: فأول من أظهر مقالتهم وتكلم في القدر: رجل نصراني يسمى: (سوسن) روى الآجري واللالكائي عن الأوزاعي قال: «أول من نطق في القدر: رجل من أهل العراق يقال له: سوسن كان نصرانياً فأسلم ثم تنصر، فأخذ عنه معبد الجهني وأخذ غيلان


وأما الجهمية: فمنسوبة للجهم بن صفوان، أول من أشهر القول بتعطيل الصفات، والجهم أخذ مقالته عن الجعد بن درهم، وأخذها الجعد عن طالوت ابن أخت لبيد بن الأعصم، وأخذها طالوت من لبيد بن الأعصم اليهودي الساحر، الذي سحر النبي rوابن كثير البداية والنهاية لابن كثير 9/364.

-.
وأما الفلاسفة: فأخذوا الفلسفة عن فلاسفة اليونان، بل عن شرهم وهو أرسطو.

قال ابن القيم: «الفلاسفة لا تختص بأمة من الأمم، بل هم موجودون في سائر الأمم، وإن كان المعروف عند الناس، الذي اعتنوا بحكاية مقالاتهم: هم فلاسفة اليونان».إغاثة اللهفان 2/260.


ويقول في التعريف بمصطلح الفلسفة: «وقد صار هذا الاسم في عرف كثير من الناس مختصاً بمن خرج عن ديانات الأنبياء، ولم يذهب إلا إلى ما يقتضيه العقل في زعمه، وأخص من ذلك أنه في عرف المتأخرين اسم لأتباع أرسطو، وهم المشاؤن خاصة، وهم الذين هذب ابن سينا طريقتهم وبسطها وقررها، وهي التي يعرفها بل لا يعرف سواها، المتأخرون من المتكلمين، وهؤلاء فرقة شاذة من فرق الفلاسفة، ومقالتهم واحدة من مقالات القوم حتى قيل: إنه ليس فيهم من يقول بقدم الأفلاك غير أرسطو وشيعته».‎(

)

وأما الباطنية: فبذرة يهودية بذرها عبدالله بن ميمون القداح اليهــودي.

يقول محمد بن مالك بن أبي الفضائل عن الباطنية: «وأصل هذه الدعوة الملعونة، التي استهوى بها الشيطان أهل الكفر والشقوة، ظهور عبد الله بن ميمون القداح في الكوفة، وما كان له من الأخبار المعروفة... وكان ظهوره في سنة ست وسبعين ومائتين من التاريخ للهجرة النبوية، فنصب للمسلمين الحبائل، وبغي لهم في الغوائل، ولبس الحق بالباطل: {ومكر أولئك هو يبور

فاطر 10. وجعل لكل آية من كتاب الله تفسيراً، ولكل حديث عن رسول الله r تأويلاً... وكان هذا الملعون يعتقد اليهودية، ويظهر الإسلام، وهو من اليهود من ولد الشلعلع من مدينة بالشام يقال لها سلمية».كشف أسرار الباطنية لمحمد بن مالك بن أبي الفضائل ص31-33


فهذه أصول الفرق المبتدعة في الإسلام، وأول من دعا لها وبثها في الأمة من أولئك الكفرة، والزنادقة الحاقدين على هذا الدين.

فانظر أيها المسلم كيف أن الرافضة الخبثاء يبرئون الكفرة والملحدين مما أحدثوه من البدع العظيمة، وما نتج عنها من شر عظيم، وتفريق لوحدة المسلمين، ويلصق هذه التهم بصحابة رسول الله r زاعماً أن هذه الفرق، إنما نشأت بسبب اختلافهم، وأنها ترجع إليهم. فعليهم من الله ما يستحقون

يقول شيخ الإسلام ابن تيميــة مبينا أهمية هذا الموضوع : (ولما كان أَتْبَاعُ الأنبياء هم أهل العلم والعدل، كان كلام أهل الإسلام والسنة، مع الكفار وأهل البدع، بالعلم والعدل لا بالظن وما تهوى الأنفس)


وهنا تربى هذه الأمة على ضبط اللسان في التعامل مع المخالف ، لتصدر بعد تحر وتثبت، وصيانتها من الانسياق مع جواذب الأهواء، وسلامتها من الجهل على الناس وبخسهم حقوقهم..


تفاديًا لما ينشأ عن الجهل بها من مفاسد وعظائم لا تخفى.‏

ومن يراجع كتب شيخ الإسلام ابن تيمية ورسائله، يصل إلى نتيجة واضحة، هي تمكُّنه من تحديد هذه الأصول، التي كثيرًا ما كان يشير إليها بحسب ما يقتضي المقام، عند حواره ومناقشته ورده على مقالات المبتدعة وأعمالهم، والتي ساعدته على وحدة أسلوبه واستواء أحكامه..



وقد أبان رحمه الله، أهميتها، فقال : (لابد أن يكون مع الإنسان أصول كلية يرد إليها الجزئيات، ليتكلم بعلم وعدل، ثم يعرف الجزئيات كيف وقعت، وإلا فيبقى في كذب وجهل في الجزئيات، وجهل وظلم في الكليات، فيتولد فساد عظيم)

إن أهمية هذه الأصول تتلخص في أمرين : ‏

الأول : أنهامبنية على العلم والعدل، وملتزمة بالمنهج الحق في التعامل مع المخالف بإنصاف على قدر المخالفة .‏

الثاني : أنها سبيل الوقاية من التخبط في الأحكام والحكم على الناس على غير هدى، وما يتولد عنه من أضرار كبيرة ومفاسد عظيمة، تلحق بالأفراد والجماعات.‏





ويكفي صاحب البدعة أن لايقبل الله منه توبة يدع البدعه وأن أهل البدع كلهم في النار
والحديث صحيح وله أكثر من رواية
منها
إن الله احتجز التوبة عن صاحب كل بدعة
وفي رواية أخرى
إن الله احتجر التوبة على كل صاحب بدعة
والحديث موجود في السلسلة الصحيحة المجلد الرابع برقم 1620 وفي صحيح الترغيب (1/45)وفي صحيح الجامع المجلد الأول برقم 1699برقم والحديث أخرجه أبو الشيخ في تاريخ أصبهان ص 259 والطبراني في الأوسط رقم 4360 وأبو بكر الملحمي في مجلسين من الأمالي (ق 148/1-2)والهروي في ذم الكلام (6/101/1)والبيهقي في شعب الإيمان (2/380/2)ويوسف بن عبد الهادي في جمع الجيوش والدساكر لابن عساكر (ق 33/1)


ومعناه إن الله لا يقبل توبة صاحب بدعة حتى يدعها

وروى أحمد أيضا ومسلم والنسائي وابن ماجة والدارمي عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم اذا خطب يقول
أما بعد
فإن خير الحديث وفي رواية ( أصدق الحديث ) كتاب الله وخير الهدي وفي رواية (أحسن الهدي )هدي محمد صلى الله عليه وسلم وشر الأمور محدثاتها وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار


و أن البدعة لا يقبل الله معها عبادة، من صلاة وصيام وحج وزكاة وغير ذلك، ويخرج صاحبها من الدين كما تخرج الشعرة من العجين خاصة إذا كانت بدعه مكفرة ،

وروي عن الأوزاعي أنه قال: كان بعض أهل العلم يقول: لا يقبل الله من ذي بدعة صلاة ولا صيامًا ولا حجًّا ولا عمرة ولا صدقة ولا صرفًا ولا عدلاً.

وقد رواى ابن ماجه عن النبي صلّى الله عليه وسلّم فروى عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: "أبى الله أن يقبل عمل صاحب بدعة حتى يدع بدعته"

وكان أيوب السختياني يقول: ما ازداد صاحب بدعة اجتهادًا إلا ازداد بعدًا من الله.


وفي صحيح مسلم عن ابن مسعود رضي الله عنه "ولو تركتم سنة نبيكم لضللتم – الحديث".

فتأملوا كيف جعل ترك السنة ضلالة. وفي رواية "لو تركتم سنة نبيكم صلّى الله عليه وسلّم لكفرتم"
وهو أشدّ في التّحذير. وفي رواية أن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال: "إنّي تارك فيكم ثقلين، أولهما كتاب الله، فيه الهدى والنور من استمسك به وأخذ به كان على الهدى، ومن أخطأه ضل"
وفي رواية "من اتبعه كان على الهدى ومن تركه كان على ضلالة".


وقال أبو هريرة رضي الله عنه: إن الرسول صلّى الله عليه وسلّم قال: "سيكون في أمتي دجالون كذّابون، يأتونكم ببدع من الحديث لم تسمعوه أنتم ولا آباؤكم، فإياكم وإياهم، لا يفتنونكم"


وفي الترمذي: أنه عليه الصلاة والسلام قال: "من أحيا سنة من سنتي قد أميتت بعدي فإن له من الأجر مثل أجر من عمل بها، من غير أن ينقص ذلك من أجورهم شيئًا، ومن ابتدع بدعة ضلالة لا ترضي الله ولا رسوله كان عليه مثل وزر من عمل بها، لا ينقص ذلك من أوزارهم شيئًا" قال الترمذي حديث حسن.





وعن الحسن قال: صاحب البدعة لا يزداد اجتهادًا – صيامًا وصلاة – إلا ازداد من الله بعدًا.
وقال الفضيل بن عياض: اتبع طريق الهدى، ولا يضرك قلة السالكين، وإياك وطرق الضلالة ولا تغتر بكثرة الهالكين.
وعن أبي قلابة: ما ابتدع رجل بدعة إلا استحل السيف. أي استحل دماء الناس بغير حق
وخَرَّجَ ابن وهب عن سفيان قال: كان رجل فقيه، يقول ما أحب أني هديت الناس كلهم وأضللت رجلاً واحدًا.
وقال ابن سيرين: أسرع الناس ردّة أهل الأهواء.
وقال الفضيل بن عياض: من جلس مع صاحب بدعة لم يعط الحكمة.


كذا ذكر الشاطبي في كتابه "الاعتصام" عنهم.
والبدعة: هي السبب في إلقاء العداوة والبغضاء بين الناس، لأن كل فريق يرى أن طريقته خير من طريقة صاحبه، ويبغض بعضهم بعضًا


والفرقة من أخسّ أوصاف المبتدعة ولوازمها. لأنه خروج عن حكم الله، و تفريق لجماعة أهل الإسلام.


والنبي صلّى الله عليه وسلّم بريء من صاحب البدعة وملعون وممنوع من الشفاعة المحمدية

، لما روي أنه صلّى الله عليه وسلّم قال: "حلّت شفاعتي لأمتي، إلا صاحب بدعة" ذكره الشاطبي في الاعتصام.


والبدعة رافعة للسنن التي تقابلها، ليس لصاحبها توبة. لقول النبي صلّى الله عليه وسلّم: "إن الله حجر التوبة عن كل صاحب بدعة" كذا في الشاطبي.


وهو ملعون شرعًا، لقوله صلّى الله عليه وسلّم: "من أحدث حدثًا أو آوى مُحدثًا فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين" ذكره الشاطبي عن مالك.


ومعلوم لكل ذي لب: أن البدع كلها محدثة لأن ما لم يكن في زمن النبي صلّى الله عليه وسلّم دينًا فهو بدعة باتفاق السلف والخلف، ويبعد صاحبها عن حوض النبي صلّى الله عليه وسلّم لحديث رواه مالك في الموطأ ولفظه "فليذادن رجال عن حوضي كما يذاد البعير الضال، أناديهم: ألا هلمّ هلم، فيقال: إنهم قد بدّلوا بعدك. فأقول: فسحقًا، فسحقًا فسحقًا".


وقد تبرأ الله ورسوله من أصحاب البدعة، قال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُواْ دِينَهُمْ وَكَانُواْ شِيَعًا لَّسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ} وفي الحديث "أنا بريء منهم، هم براء مني" ذكره الشاطبي في الاعتصام.
وعن يحيى بن أبي عمر الشيباني قال: كان يقال: يأبى الله لصاحب بدعة بتوبة، وما انتقل صاحب بدعة إلا إلى شر منها .
و قال عمر بن عبد العزيز: "سنّ رسول الله صلّى الله عليه و سلّم سننًا، و سنّ ولاة الأمر من بعده سننًا، الأخذ بها تصديق لكتاب الله و استكمال لطاعة الله وقوة على دين الله. ليس لأحد تغييرها ولا تبديلها، ولا النظر في شيء خالفها. من عمل بها مهتد، ومن انتصر بها منصور، ومن خالفها اتبع غير سبيل المؤمنين، وولاه الله ما تولى وأصلاه جهنم وساءت مصيرًا".


ومما يعزى لأبي إلياس الألباني: "ثلاث لو كتبن في ظفر لوسعهن. وفيهن خير الدنيا والآخرة: اتبع لا تبتدع: اتضع لا ترتفع. و من ورع لا يتسع". كذا في الشاطبي عنهم و الآثار هنا كثيرة جدًّا.


و حاصله: أن صاحب البدعة محجور عن توبة الله عليه . لأنه إذا خرج عنها إنما يخرج إلى ما هو شرّ منها، كما في حديث أبي ذر رضي الله عنه : أن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال: "سيكون من أمتي قوم يقرءون القرآن لا يجاوز حلاقيمهم، يخرجون من الدين كما يخرج السهم من الرمية ثم لا يعودون فيه هم شرّ الخلق والخليقة".


وسبب بعده عن التوبة: أن الدخول تحت أوامر الشريعة صعب على النفس: لأنه أمر يخالف الهوى، ويصد عن سبيل الشهوات فيثقل عليها جدًّا، لأنّ الحق ثقيل، والنفس إنما تنشط بما يوافق هواها لا بما يخالفه.


وكل بدعة فللهوى فيها مدخل، لأنها راجعة إلى نظر مخترعها، لا إلى نظر الشارع. فكيف يمكنه الخروج عن ذلك، ودواعي الهوى تُحَسِّنُ له ما تمسك به، فتراه منهمكًا في أوراده ليلاً ونهارًا، لا يفتر عن ذلك، ومع ذلك فمثواه النار.
قال تعالى : { وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ خَاشِعَةٌ ، عَامِلَةٌ نَّاصِبَة ٌ، تَصْلَى نَارًا حَامِيَةً }
وقال: {قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُم بِالأَخْسَرِينَ أَعْمَالاً، الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا}


وما ذاك إلا لخليقة يجدونها في ذلك الالتزام، ويرى أن أعماله أفضل من أعمال غيره، أفيفيد البرهان مطلبًا؟ { كَذَلِكَ يُضِلُّ اللَّهُ مَن يَشَاءُ وَيَهْدِي مَن يَشَاءُ } .
قال تعالى: {إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُواْ مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُواْ وَرَأَوُاْ الْعَذَابَ وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الأَسْبَابُ} معناه: تبرأ الذين كانوا يزعمون أنهم يتبعونهم في الدنيا لما رأوا العذاب، وتقطعت بهم الأسباب، يعني المحبة التي كانت بينهم في الدنيا – كذا قاله ابن عباس. فلما رأوا ذلك قالوا: {لَوْ أَنَّ لَنَا كَرَّةً} أي رجعة في الدنيا {فَنَتَبَرَّأَ مِنْهُمْ كَمَا تَبَرَّؤُواْ مِنَّا}.
لأن كل من اتبع أحدًا في شيء ما أنزل الله به من سلطان – أي من حجة – تبرأ المتبوع منه يوم القيامة، وأنى لهم الكَرَّة ؟ هيهات هيهات.


أخبر الله سبحانه وتعالى عن قوم، يوم القيامة {وَقَالُوا رَبَّنَا إِنَّا أَطَعْنَا سَادَتَنَا وَكُبَرَاءَنَا فَأَضَلُّونَا السَّبِيلاْ، رَبَّنَا آتِهِمْ ضِعْفَيْنِ مِنَ الْعَذَابِ وَالْعَنْهُمْ لَعْنًا كَبِيرًا} قال الشوكاني في تفسيره: المراد بالسادة والكبراء، هم الرؤساء والقادة الذين كانوا يمتثلون أمرهم في الدنيا ويقتدون بهم. اهـ. وفيه وعيد صريح لكل من يتبع أحدًا في البدع والضلالات، لأن قولهم هذا لا ينفعهم يوم القيامة.



قال ابن كثير، عند تفسير هذه الآية: قال طاوس: سادتنا يعني أمراءنا، وكبراءنا يعني علماءنا. رواه ابن أبي حاتم، أي اتبعنا السادة، وهم الأمراء والكبراء من المشيخة، وخالفنا الرسول واعتقدنا أن عندهم شيئًا وأنهم على شيء، فإذا هم ليسوا على شيء {رَبَّنَا آتِهِمْ ضِعْفَيْنِ مِنَ الْعَذَابِ} أي بكفرهم وإغوائهم إيانا {وَالْعَنْهُمْ لَعْنًا كَبِيرًا}.
الامتثال للعلماء في غير أمر الله ! عبادة لهم
قال الله تعالى: {اتَّخَذُواْ أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِّن دُونِ اللَّهِ} قاله ردًّا على اليهود والنصارى، وكل من فعل فعلهم. فالآية حجة عليهم.
وجاء في تفسيرها في الحديث عن عدي بن حاتم رضي الله عنه "أنه سمع النبي صلّى الله عليه وسلّم يقرأ هذه الآية، فقال للنبي صلّى الله عليه وسلّم: إنا لسنا نعبدهم. قال عليه الصلاة والسلام: أليس يحرمون ما أحل الله فتحرمونه ويحلون ما حرم الله فتحلونه ؟ فقلت: بلى. قال: فتلك عبادتهم" رواه أحمد والترمذي والحديث في السلسلة الصحيحة .


بيّن ابن تيمية أن (البدعة التي يعد بها الرجل من أهـل الأهواء، ما اشتهر عند أهل العلم مخالفتها للكتاب والسنة، كبدعة الخوارج والروافض والقدرية() والمرجئة) وغلظت أقوال أصحابها فيها حتى أخرجتهم من عداد أهل السنة، وفي هذا يقول عند عرضه لأقوال هؤلاء انتهاءً ببدعة المرجئة : (أما المرجئة فليسوا من هذه البدع المغظلة)، بل قد دخل في قولهم طوائــف من أهل الفقــه والعبــادة، وما كانوا يعدون إلا من أهل السنة، حتى تغلظ أمرهم بما زادوه من الأقوال المغلظة)
ويلحق بهؤلاء، بل هم أشد بدعة، (الحجاج إلى القبور، والمتخذون لها أوثانًا ومساجد وأعيادًا، فهؤلاء لم يكن على عهد الصحابة والتابعين وتابعيهم منهم طائفة تُعرف، ولا كان في الإسلام قبر ولا مشهد يُحج إليه، بل هذا إنما ظهر بعد القرون الثلاثة.. والبدعة كلما كانت أظهر مخالفة للرسول صلى الله عليه و سلم يتأخر ظهورها، وإنما يحدث أولاً ما كان أخفى مخالفة للكتاب والسنة، كبدعة الخوارج) )، وهكذا فإن غلظ البدعة ليس مقصورًا على بدع القرون الأولى، فإن بدع الشرك ظهرت بعد ذلك، وهي أشد وأغلظ وأعظم خطرًا.‏

ويرى شيخ الإسلام ابن تيمية أن الذين يعدون من أهل الأهواء والبدع، هم من اتصفوا بما يلي : ‏

أ ـ أنهم يجعلون ما ابتدعوه، قولاً يفارقون به جماعة المسلمين، يوالون عليه ويعادون(.‏

ب ـ أنهم ينازعون فيما تواترت به السنة.‏

وبهذا يتميز أهل السنة عن أهل البدعة، فإن الذين وقعوا في البدعة (إذا لم يجعلوا ما ابتدعوه قولاً يفارقون به جماعة المسلمين، يوالون عليه ويعادون، كان من نوع الخطأ، والله سبحانه وتعالى يغفر للمؤمنين خطأهم في مثل ذلك، ولهذا وقع في مثل هذا كثير من سلف الأمة وأئمتهـــا، لهــم مقــالات قالـوها باجتهــاد، وهي تخــالف ما ثبت في الكتاب والسنة، بخلاف من والى مُوَافِقَهُ، وعادى مُخَالِفَهُ، وفرّق بين جماعة المسلمين، وكفّر وفسّق مُخَالِفَه دون مُوَافِقَه في مسائل الآراء والاجتهادات، واستحل قتال مخالفه دون موافقه، فهؤلاء من أهل التفرق والاختلافات)
وكذلك فإن أئمة المسلمين متفقون على تبديع مَن خالف في الأمور المعلومة بالاضطرار، عند أهل العلم بسنة رسول الله صلى الله عليه و سلم كالأحاديث المتواترة عندهم في شفاعته وحوضه، وخروج أهل الكبائر من النار، والأحاديث المتواترة عندهم في الصفات والقَدَر والعلو والرؤية، وغير ذلك من الأصول التي اتفق عليها أهل العلم بسنته، كما تواترت عندهم عنه، بخــلاف من نــازع في مســائل الاجتهــاد، التي لم تبلغ هذا المبلغ في تواتر السنن عنه، كالتنازع بينهم في الحكم بشاهد ويمين، وفي القَسَامة والقُرْعَة وغير ذلك


فمن كانت بدعته غليظة، ظاهرة المخالفة للسنة عند أهل العلم، وجبت عداوته بقدر بدعته، بل يرى شيخ الإسلام عقوبة مَن والاه، فيقول في معرض رده على الاتحادية، وينتظم معهم مَن كان مثلهم : (ويجب عقوبة كل من انتسب إليهم، أو ذبّ عنهم، أو أثنى عليهم، أو عظّم كتبهم، أو عُرِف بمساعدتهم ومعاونتهم، أو كره الكلام فيهم، أو أخذ يعتذر لهم بأن هذا الكلام لا يدري ما هو؟ أو مَن قال إنه صنف هذا الكتاب؟ وأمثال هذه المعاذير التي لا يقولها إلا جاهل أو منافق، بل تجب عقوبة كل من عرف حالهم، ولم يعاون على القيام عليهم، فإن القيام على هؤلاء من أعظم الواجبات، لأنهم أفسدوا العقول والأديان على خَلْقٍ من المشايخ والعلماء والملوك والأمراء، وهم يسعون في الأرض فسادًا، ويصدون عن سبيل الله)

أما ما كان دون ذلك من المسائل التي وقع فيها خلاف، فإنه لا يستوجب الفرقة والمعاداة، والحكم على المخالف من أهل البدعة والهوى، فقد ذكر ابن تيمية أن من مسائل الاعتقاد التي وقع فيها خلاف بين أهل السنة والاتباع، مسألة رؤية الكفار ربهم في الآخرة، فجمهور أهل السنة يرون أن الكفار محجوبون عنها على الإطلاق، ومن العلماء مَن يرى أنه يراه مَنْ أَظْهَرَ التوحيدَ من منافقي هذه الأمة والكفار، في عَرَصات يوم القيامة، ثم يحتجب عنهم( عقوبة لهم.‏



أصول الحكم على المبتدعة عند شيخ الإسلام ابن تيمية » الأصل الثاني عشر : قبول توبة الداعي إلى البدعة »
يذهب شيخ الإسلام ابن تيمية إلى أن البدعة مهما غلظت، ذنب من الـذنــوب، ومــا مــن ذنب إلا ويغفـــره الله تعـالـى، مستــدلاً بقولـه تعالـى : (قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعًا) (الزمر : 53)،
قائلاً : هي (آية عظيمة جامعة، من أعظم الآيات نفعًا، وفيها رد على طوائف، رد على من يقول : إن الداعي إلى البدعة لا تقبل توبته، ويحتجون بحديث إسرائيلي، فيه (أنه قيل لذلك الداعية : فكيف بمن أضللت)
، وهذا يقوله طائفة ممن ينتسب إلى السنة والحديث، وليسوا من العلماء بذلك، كأبي علي الأهوازي
وأمثاله، ممن لا يميزون بين الأحاديث الصحيحة والموضوعة، وما يحتج به وما لا يحتـــج به، بل يـروون كل ما في الباب محتجين به، وقد حكى هذا طائفةٌ قولاً في مذهب أحمد أو رواية عنه، وظاهر مذهبه مع مذاهب سائر أئمة المسلمين، أنه تُقبل توبته كما تُقبل توبة الداعي إلى الكفر، وتوبة من فتن الناس عن دينهم، وقد تاب قادة الأحزاب، مثل أبي سفيان بن ، والحارث بن هشام، وسُهيل بن عمرو، وصفوان بن أمية، وعكرمة بن أبي جهل، وغيرهم بعد أن قُتل على الكفر بدعائهم من قُتل، وكانوا من أحسن الناس إسلامًا، وغفر الله لهم،
قال تعالــى : (قل للذين كفروا إن ينتهوا يُغفر لهم ما قد سلف) (الأنفال : 3.. وعمرو بن العاص كان من أعظم الدعاة إلى الكفر والإيذاء للمسلمين، وقد قال له النبي صلى الله عليه و سلم لما أسلم : (يا عمرو، أما علمت أن الإسلام يَجُبُّ ما كان قبله؟) ومن البدع الغليظة التي نص شيخ الإسلام ابن تيمية على قبول توبة التائب منها، بدعة سب الصحابة رضي الله عنهم، وبدعة الاتحادية ووحدة الوجود

وقد بيّن شيخ الإسلام رحمه الله غلط مَن ذهب إلى أن توبة الداعي إلى البدعة لا تُقبل، من جهة الدليل من الكتاب والسنة، فإن الله بيّن في كتابه أنه يتوب على أئمة الكفر، الذين أهم أعظم من أئمــة البــدع، فـقال تعالــى : (إن الذين فتنوا المؤمنين والمؤمنات ثم لم يتوبوا فلهم عذاب جهنم ولهم عذاب الحريق) (البروج : 10). قال الحسن : (انظروا إلى هذا الكلام، عذّبوا أولياءه وفتنوهم، ثم هو يدعوهم إلى التوبة)
وقال تعالى عن المشركين : (فإذا انسلخ الأشهر الحُرم فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم وخذوهم واحصروهم واقعدوا لهم كل مرصد، فإن تابوا وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة فخلوا سبيلهم إن الله غفور رحيم ) (التــوبــــة : 5)..
وقال تعالى : (قد كفر الذين قالوا إن الله ثالث ثلاثة وما من إله إلا إله واحد وإن لم ينتهوا عما يقولون ليمسن الذين كفروا منهم عذاب أليم أفلا يتوبون إلى الله ويستغفرونه والله غفور رحيم ) (المائدة : 73-74)..
وأما السنة فإنها دلت على قبول توبة القاتل، كما في حديث (الذي قتل تسعة وتسعين نفسًا، فسأل هل له من توبة، فدُلّ على رجل عالم، فقال : نعم، ومن يحول بينه وبين التوبة) (256).. والقتل من الذنوب الكبيرة، ثم إنه ليس في الكتـاب والسنــة ما ينـافـي ذلك ولا نصوص الوعيد، بل علم يقينًا أن كل ذنب فيه وعيد، فإن لحوق الوعيد به مشروط بعدم التوبة، إذ نصوص التوبة مبينة لتلك النصوص، كالوعيد في الشرك وأكل الربا.‏
ووجّه رحمه الله أقوال القائلين بعدم قبول توبة الداعي إلى البدعة بما يلي : ‏

أ ـ مَن قال : توبة الداعي غير مقبولة، فيعني : أن التوبة المجردة تُسْقط حق الله في العقاب، دون حق المظلومين(.‏
ب ـ ومَن قال : البدعة لا يُتاب منها، فيقصد بذلك : (أن المبتدع الذي يتخذ دينًا لم يشرعه الله ولا رسـوله، قد زُين له ســوء عملـه فـرآه حسنًا، فهـو لا يتوب مادام يراه حسنًا، لأن أول التوبة العلم بأن فعله سيء ليتوب منه، أو بأنه ترك حسنًا مأمورًا به أمر إيجاب أو استحباب، ليتوب ويفعله، فمادام يرى فعله حسنًا، وهو سيء في نفس الأمر، فإنه لايتوب) ‏
جـ ـ ومَن قال : إن الله حجر التوبة على كل صاحب بدعة، فإنه يقصد : إنه الذي (لا يتوب منها، لأنه يحسب أنه على هدى، ولو تاب لتاب عليه، كما يتوب على الكافر)

وهكذا فما ورد مما يدل على عدم قبول التوبة، فمحمول على تلك المعاني أي أنه مازال خارج عن التوبة ،
وعُلم بتلك الآيات القرآنية والأحاديث النبوية: أن المسلم لا يكون مسلمًا ولا مؤمنًا إلا إذا اعتصم بالكتاب والسنة، في العقائد والفرائض والسنن والأقوال والأعمال والأفعال والأذكار، على وجه التسليم والرضا والإخلاص، ظاهرًا وباطنًا، خاصة عند المعارضة والمقابلة يقدم قول النبي صلّى الله عليه وسلّم على أقوال جميع أهل الأرض كائنًا من كان،





والله أسأل أن يلهمنا رشدنا ، وأن يرزقنا صوابًا في القول والعمل، والله وحده الهادي إلى سواء السبيل.‏



__________________
2
598

يلزم عليك تسجيل الدخول أولًا لكتابة تعليق.

تسجيل دخول

@زهور الريف@
@زهور الريف@
موضوع رائع وقيم
بارك الله فيك