المرأة هي أثمن شيء في هذه الحياة بالنسبة للرجل خلا دين الله ، ولئن قال أبو العتاهية : روائح الجنة في الشباب ، فإنني أقول ونعيم الجنة إذا بحثت عنه في هذه الحياة فإنك لن تصيبه إلا في امرأة مؤمنة صابرة محتسبة تبني حياتها وأنوار حياتها من يقين قلبها ومن شعور قلبها وتهب نفسها راضية مطمئنة لزوجها وأبنائها وتعلم أن ما ينقص في الحياة من وجه عند بعض الناس يزيد من وجوه كثيرة عند الله ، وليس ما يراه الناس من لذات وأفراح تتمشى في الدماء سوى ظل انبسط على الأرض يغري السائرين بالجلوس حتى إذا جلسوا نسخته شمس الحقيقة وبقي من جلس يتلذع بحرها .
إن أكبر ما في الحياة من متع لا يكبر في نفس المرأة المؤمنة وليس له مكان في زوايا نفسها لأنها في شغل بحقائقها وتربية حقائقها عن التلاعب بالشكوك والظنون الخادعة السافرة عن قلب محطم وعرض ذبيح .
هذه المرأة بحق هي الواحة الفريدة في صحراء الحياة وهي الربيع الناضر في أيام الرجل الصادق وهي البسمة العذبة على ثغر الحياة الرضية لتكون لزوجها اثمن هدية ، هذه المرأة التي قصرت أجمل ما فيها من عواطف رقيقة مهذبة لزوجها فلم تسفر بعاطفتها بين الناس ولم تبدد ما يهتز في قلبها من حنان بين من لا يعرفون الحنان واعطف إلا انهما عربون لبقية ما يغطيه الثوب من جسمها .
هذه المرأة الطاهرة الجميلة تحب زوجها وتنسى أن في الكون رجالا غيره مهما كان شكله ولونه ولسانه ما دام أن هذا الرباط المقدس رباط الزواج قد جمع بينهما ، وتعلم أن ولعها بزوجها وحبها إياه لا يكون جزاؤه إلا النعيم المقيم في الجنان والسعادة الغامرة في الدنيا مع ما تكسبه من عظيم هدايا قلب زوجها وهي بذلك تكذب علقمة الفحل وتكذب حكم أبي العلاء فيه في رسالة الغفران ، فقد قال علقمة :
فإن تسألوني بالنساء فإنــــــني === بصير بأدواء النساء طبيـــب
إذا شاب شعر المرء أو قل ماله === فليس له في ودهن نصيـــــب
يردن ثراء المال حيث وجدنه === وشرخ الشباب عندهن عجيب
وهي المرأة العفيفة الطيبة النشر التي ارتفعت عن مثل قول العقاد في فئات من النساء لاتبصر نفسها إلا في مسارح اللهو ومراقصه وترضى أن يخونها الرجل إذا كان ذلك سبيل إلى نيل ما تريده من متاع :
خل الملام فليس يثنــــيها === حب الخداع طبيعة فيها
هو سترها وطلاء زينتها === ورياضة للنفس تحييها
وسلاحها فيما تكيد بــــه === من يصطفيها أو يعاديها
وهو انتقام الضعف ينقذها === من طول ذل بات يشقيها
خنها ولا تخلص لها أبدا === تخلص إلى أغلى غواليها
وهي المرأة المجاهدة في سبيل الله ولكنه جهاد يختلف عما عند الرجل كما يبينه لنا الريحاني في ريحانياته فيقول :
ليست المجاهدة تلك التي تجندها الدولة للحرب مثل الرجال دفاعا عن الوطن ، ولا هي العالمة المثقفة العاملة مع الرجال في سبيل العلم والتهذيب ، ولا هي العصرية المجدة في ميدان الحياة تباري الرجال في شتى الأعمال ، ولا هي ملك الرحمة التي تواسي المرضى وتضمد جروح البؤس والشقاء .
إنما المجاهدة في نظري هي المرأة التي لا تكاد تعرف من العالم غير بيتها ، ولا تبتغي من الحياة غير ما فرض عليها ، فتحمل حملها بعيدة عن كل ما يغري من زخرف الشهرة ولألأة المجد وتعمل على الدوام في سبيل ما تراه من الواجب الأكبر واجب العائلة والبيت ، واجب الحب والحياة .
هي الزوجة الصالحة ، الأم الحنون ، الأخت المؤاسية ، ومع أن نصيبها من الحب الصافي قد يقل في الحياة فهي تشع من ذلك حبا صافيا لكل من حولها، لأهلها ، لصحبها ، لجيرانها ، وتعمل في شتى الأحوال لتساعد ذويها أو لتربي أولادها ، ولترضي في كل حال رب بيتها .
هي المرأة الراضية القانعة الصابرة المخلصة المحبة ، المجاهدة في ما تعمل ليسلم شرفها ويستقيم أمر أسرتها، تهز بيد ثابتة وبقلب غذاؤه الإيمان مهدا هو الحياة وحياة هي الكون .
هي تعطي على الدوام ، يخونها زوجها ، يهجرها بنوها ، ينساها اخوتها ، وتظل مع ذلك في ميدان الجهاد لا تنسى ، لا تهجر ، لا تخون ، حياتها بذل دائم ، بذل للحب وبذل للواجب .
هذه هي المرأة المجاهدة ، وإن كانت لا تخرج من بيتها ، إنما بيتها خندق من الخنادق في خطوط النار، وإذا كانت الجنة للمجاهدين ، فينبغي أن يكون للمجاهدات نعيم أعلى وأسمى .
أي والله هذه هي المرأة المجاهدة الحقيقة برضى الله وبرضى زوجها وهي المرأة التي تهب أنفاسها طيبا يرجع أطياب باريس منزوعة النفحة بائسة الشذى .
إنها رفيقة الحياة وصانعة المجد ومفتقة العبقرية في رأس زوجها وبنيها ، الهادئة الرزينة القوية الشديدة ، إنها المرأة المجاهدة أي المرأة الحية المشعة بنورها .
منقول

ام -نورة @am_nor_5
عضوة شرف في عالم حواء
يلزم عليك تسجيل الدخول أولًا لكتابة تعليق.
خليك أول من تشارك برأيها 💁🏻♀️