المرأة فى حياة والدى
شغلت المرأة جانبا كبيرا من فكر والدى أديب مصر الكبير الراحل محمود البدوى الذى كرمته الدولة المصرية فى حياته وبعد موته :
* منح اسمه بعد وفاته وسام العلوم والفنون من الطبقة الأولى 1988
* جائزة الدولة التقديرية فى الآداب 1986
* جائزة الدولة للجدارة فى الفنون 1978
وحظيت ابداعاته بالنصيب الوافر منها ، فقدم نمـاذج عديدة عن المرأة فى كل بلد طاف وجال فيها فى أوربا وآسيا .
فالمرأة الجميلة " كما كان يقول " تهز مشاعره وتزلزل كيانه ، ويحب أن يرى الجمال فى الطبيعة وفى الإنسان . وان دورالمرأة هو دور آدم من حواء .. دور الفنان الذى يشعر دوما بالحرمان ، وان كان قد عاش مع نساء الأرض جميعا ، ومن منبع الحرمان يكتب الأديب ، ولو ارتوى ما كتب سطرا واحدا .
وقد انعكس أثر ذلك فى قصصه واستخدم صورا رسمها بقلمه ، يستفز فيها الحواس البشرية خلال صور بصرية وسمعية وشمية صور فيها أوضاع شخصياته ، مما أكسبها متعة وجمالا ، منذ أن كتب قصته الطويلة الأولى " الرحيل " فى عام 1935
:39: * ففى قصتة " عودة الابن الضال "
يقول فى وصف بطلة القصة وهى غجرية مجرية تقيم لدى ، أحد الفنانين التشكيليين فى موسكو ويتخذها كموديل :
" أطلت علينا من الطرقة الجانبية فتاة بوجه نافر فيه كل سمات الغجر .. وسددت إلىّ نظرة طويلة من عينين صافيتين شديدتى البريق ..
وجه فيه ملامح الأنثى الغجرية بكل ما فى جسم الأنثى من نعومة وفتنة وشهوة .. وما فى عينيها من بريق وعاطفة وسحر .. وما فى شعرها من سواد ، وطول ولمعان .. وما فى الملامح المتوهجة من تحد ونعومة ووحشية واستجابة ورفض ..
كانت تلبس ثوبا منسوج من خيوط من نار .. ثوبا أحمر ضيقا من الصوف يبرز تقاطيع الجسم كله بثنياته وطياته ونعومته .. وجعلته مفتوحا من الصدر .. فنفر النهدان مكتنزين وبرز العنق ورديا فى صفاء المرمر ..
وانسدل الشعر متموجا طويلا مرسلا يلامس الوجنتين ويغطى الأذنين ويسترسل كذيل الحصان على الظهر أملس ".
:39: *وفى روايتة " الرحيل "المنشورة عام 1935 :
يصف السيدة التركية التى وقعت عليها عينيه فى رحلته إلى تركيا وكانت جالسة على ظهر السفينة.. فيقول :
"كانت مرتدية جلبابا أبيض شد على جسمها فأبرز مفاتنه ، وحول خصرها نطاق أحمر يكاد معه الخصر ينقصف .. وعلى رأسها قبعة صغيرة زرقاء مالت على الجبين واستراحت على الشعر الأسود الناعم .. الذى أخذ منه المقص بمقدار ، فبان الجيد الأتلع وظهر العنق اللين .. وأطلت العيون السود النجل يجول فيها البريق الفائض بسحر الأنوثة من بين الأهداب الوطف .. وفاض الخد الأسيل بالحمرة الخفيفة التى كان لهواء البحر وشمس الصيف أثر فيها .. على أن الشفة وإن كانت مكتنزة باللحم بيد أنه كان يعوزها جريان الدم لتحمر ووفرة العافية لتلمع .. فشحبت لهذا قليلا .. والثوب الذى تدلى على السـاقين انحسر عـن الذراعـين فبـانا فى بياض العـاج ونعومة الحرير ..
وقد ارتفقت بذراع على مسند المقعد والقت الآخر على جسمهـا " .
ويقول عنها بعد أن شاهدها وهى غارقة فى بكاها سابحة فى دموعها :
" ورفعت وجهها الباكى فجأة والدمع يسيل على الخد المحترق ويتساقط لامعا فى غيابات الليل تساقط حبات الدرارى من عقد ".
:39: *وفى قصتة " ليلة فى طوكيو " :
يقول الطبيب حينما دخل ليكشف عن مريضة فى اليابان :
" وكشفت الفتاة عن صدر زميلتها .. وشعرت بالخجل وأنا أرى هذا الجمال الآسر .. سبحان من أعطى المرأة اليابانية كل هذه النعومة وهذه الأنوثة وهذه الفتنة وسلبها من الرجل .
وقفت خجلا مبهورا والفتاة تكشف فتنة الأنثى فى منبع الأمومة والرضاعة والحنان ".
:39: *وفى قصتة " الفـارس " :
يصف الملاحة الصينية التى ركب معها القارب فى هونج كونج .. فيقول :
" رغم أن الصينيات يغلب عليهن قصر القامة ، ولكن هذه كانت طويلة ملساء العود ، وفى فتحة عينيها الجانبية الجمال الصينى الآسر .... كانت تحرك زورقها بالمدراة من الخلف وهى واقفة منتصبة القامة وقد غطت شعرها الأسود الطويل بقبعة كبيرة تقيها المطر والريح ، وغطت صدرها بصدار ضم كل عظمها ولحمها بإحكام ، ولكنه أبرز نهديها واستدارة كتفيها فكأنما كشف الصدار عن المحاسن بدلا من أن يغطيها .
وتحت هذا الصدار سروال طويل يصل إلى قدميها مما اعتادت الملاحات لبسه فى هذه الزوارق .
ولكنهن إذا خرجن من الماء إلى الأرض لبسن الجونلة المفتوحة من الجانبين ككل الصينيات فى هونج كونج ، وأحكمن دثار الصدر ".
:39: *وفى قصتة " المرأة التى أحببتها " :
يصف زوجة عمه وكانت من أصل تركى أثناء إقامته ببيته فى صعيد مصر :
" وكانت ساعة العشاء أحب الساعات إلى نفسى .. لأنها كانت تجلس قبالتى على الطبلية .. وقد ارتدت رداء سابغا أسود وعلى رأسها طرحة فى لون الثوب .. وكنت لا أرى إلا يدها البيضاء الصغيرة وهى تمتد إلى الصحاف .. ووجهها المنير .. والابتسامة العذبة على شفتيها الرقيقتين .. وكانت تتحدث فى صوت عذب .. " وفى الصباح كان يراها :
" وقد بدت فى أبدع زينة مضفرة شعرها .. فى ضفائر طويلة مرسلة وراء ظهرها ولابسة ثوبا طويلا .. لايكشف شيئا من جسمها ولكنه يبرزها فى أجمل صورة ، وكنت مفتونا بصباحة وجهها وحلاوة صوتها .... وهكذا كنت معها مفتونا بسحر وجهها وسحر حديثها وأنظر إليها كشىء فاتن ولكنه محرم علىّ إلى الأبد " .
:39: *وفى قصتة " ليلة فى الحان " :
وفيها يصف المرأة التى قابلها فى الحان وكان تعس النفس ، ضيق الصدر ، مشتت الخاطر :
" نظرت إلى وجهها الأبيض المشرب بالحمرة الخفيفة الذاهبة ، وأحسست بجسمى يهتز ، وبقلبى يرتجف بشدة .. وتلاقت أعيننا مرة ثانية .. .. إنهما تغايران العيون التى شاهدتها وألفتها ، قرأت فى أعماقهما شيئا غريبا غامضا لم أقرأه فى عينين بشريتين من قبل .. وأجالت طرفها فى جوانب الحان ، وأخذت فى خلال ذلك أتفرس فى جسمها الفائض سحرا على ثوبها السنجابى الصوفى المزرقش ، وشعرها الأسود المرسل وراء جيدها الطويل الأتلع ، وقبعتها الرمادية المائلة على جبينها المستوى المشرق ، وهدبها المسبل على عينيها ، وشعرت بعد ذلك بشعور لذيذ ، انتشت له جوارحى ، وتفتحت نفسى ، وانزاحت الغشاوة عن بصرى ، وذاب الهم فى صدرى .. نسيت الوجود بمشاغله وأحزانه ، وفكرت فيها وهى جالسة على قرب منى ، وعليها ذل الفقر وعناء الشقاء الشديد ...
وكانت رغم بياضها مصرية الدم والنظرات والبسمات ، تنفرد بوجه انسانى تعبر ملامحه عن أسمى النفوس البشرية وأنقاها ، وهذا ما جذبنى إليها ، ورفعنى عن مستوى الناس وتقاليدهم وتفكيرهم ، وجعلنى أفكر فيها بقلبى ".
" بقيت صورتها ماثلة أمام نظرى أينما رحت وغدوت وحللت ، بقيت كما شاهدتها أول مرة ، والابتسامة الخفيفة الشاحبة تخطف على شفتيها كما يخطف البرق فى ظلام وليل ".
*وفى قصتة " طريق الفناء " :
وقعت عين الراوى على امرأة من أولئك التعساء المناكيد الذين يقضون الليل على الرصيف .. فيقول :
" كان لباسها الأسود يكسيها جمالا فوق جمالها وحسنها .. فعلى الرغم من تعب الحياة ونكد العيش ، فإن جسمها ووجهها احتفظا بشبابهما ونضارتهما وعافيتهما ، كل ما يغيرها عن الأخريات من لداتها اللاتى فى مثل سنها ، ولكنهن لسن فى مثل بؤسها ، إن وجههاالجميل كان دائما حزينا باكيا ، على أن جسمها بقى بضا لينا ناضرا ، وإذا أمعنت النظر فى نحرها رأيت الحد الفاصل بين الجسم الأبيض الناعم والنحر الأسمر الملفوح بشمس الصيف ، وإذا مدت ساقيها لتستدفىء بحرارة الشمس ، رأيت ساقين خدلتين فى بياض ونعومة وفتنة ، تشوبهما حمرة خفيفة تأخذ فى الزيادة كلما قرب الساق من القدم المشقق الباطن من تعب السير فى الطريق ..
كانت تجلس فى صمت وسكون ، ورأسها مطأطأ وغلامها فى حجرها ، ويدها على فخذها ، فإذا نظرت إليها ، وأخذتك الشفقة عليها ، ووضعت فى يدها شيئا .. رفعت طرفها الضارع إليك ، فتذهل أمام نظراتها الذليلة وتفتن .. إنك لاتستطيع أن تواجه هاتين العينين السوداوين اللتين تديمان النظر إليك فى سكون ولكنك لاتقرأ فيهما شيئا مطلقا ، لاتعابير الشكر ولا دلائل الثناء .. تثبت العينان فى محاجرهما مدة ولاتطرفان ، فإذا انسحبت من أمامها ، تنطبق الأهداب الوطف على العينين الساجيتين ، وينطفىء السحر العجيب لحظات ، ثم تعود العينان لتستقرا على الأرض ".
وفى قصتة " امرأة أحلامى " :
كان الراوى يقيم فى بنسيون بمدينة الإسكندرية تديره سيدة أجنبية ، وسمع حركة أقدام تقترب من غرفته ووجه عينه ناحية الباب .. ويقول :
" ومر الظل أمام الباب أكثر من مرة .. كانت ذاهبة إلى المطبخ وعائدة منه ، وكانت تغنى فى رواحها ومجيئها بصوت أخذ بمجامع قلبى ، وأسر لبى .. لم أسمع صوتا أحلى من هذا الصوت .. لم تكن تغنى بلغة أعرفها ، ولكن الصوت كان موسيقيا ، واضح النبرات ، لين المخارج ، حلو الرنين .... يهفو إلىّ حلوا قويا .. وبعد الصوت عن سمعى ثم انقطع "
وخرج من حجرته فرأى صاحبة الصوت جالسة على أريكة بالقرب من الباب الخارجى .. ويقول :
" فتحول نظرى إليها وهى مطرقة .. وأخذ قلبى يزداد وجيبه .. ورفعت رأسها .. ورأيت وجهها الصبوح الفاتن لأول مرة ، وتشربت روحى من حسنه .. وتبادلت معها كلمات قليلة ، ووجهها فى خلال ذلك يحمر ، ويرف لونه ، ويزداد سحره " .
وأخذ يحادثها مرة أخرى .. ويقول :
" فتوردت وجنتاها .. وظهر عليها الحياء الذى بدا منها عندما قابلتها أول مرة .. وعاد إلى عينيها ذلك البريق الفاتن الذى يشاهد فى عينى العذراء قبــل أن تنخرط فى البكاء ، أو تنخرط فى الضحك ".
*وفى قصة " حياة رجل " :
وعن امرأة أجنبية واعدت شاعرا شابا للحضور إليها فى الفندق الذى تقيم فيه لقراءة الشعر .. ويقول :
" وكانت فى انتظارى بغرفتها .. وكانت فى أبدع زينة .. وفى ثوب من المخمل الأزرق ، وقد زادها فتنة ، وأكسب وجهها سحرا فوق سحره .
وجلست على الأريكة ، وأجلستنى بجوارها .. وأخذنا نتحدث عن بيتهوفن ، وفاجنر ، وموزار .. ونقرأ شعر شيلى .. وكان صوتها رقيقا ، وحديثها عذبا ، وكنت مأخوذا بسحر جديد ، وجو غريب لم آلفه .. وشعرت بروحى تتشرب من رحيقها ، وبنشوة لذيذة تسرى فى كيانى كله ! ....
ونهضت .. وفتحت حقيبتها .. وأخرجت الديوان .. ووضعته على المائدة .. ثم وقفت أمام المرآة لحظات ، ومرت بيدها على جبينها وحلت شعرها .. فانسدل طويلا على ظهرها .. وكان أسود كالليل ، ومتموجا براقا كصفحة الغدير .. وكان أبدع شىء فيها ، وكانت تعرف تأثيره وسحره على صبى فى مثل سنى "
*وفى قصة " فى القطار " :
يصف رفيقته فى القطار وهو فى طريقه إلى كونستنزا .. فيقول :
" كانت السيدة التى ترافقنى فى السفر ، مضطجعة فى ركن من الديوان وقد فتحت كتابا .. ورفعت بصرى إليها ، ورأيت وجهها الدقيق وملامحها الساكنة ، والسواد الشديد الذى يبدو من عينيها ، وأدركت أنها رومانية أو بلغارية أو تركية ، فهذا الوجه بملامحه وسماته الشرقية ، لاتراه إلا فى هاتيك البلاد .....
كانت قد استراحت فى ركن من العربة ، وأغلقت عينيها .. رأيت هذه الأهداب الوطف ، تسبل على هاتين العينين الساجيتين .. وهذا الأنف الدقيق ، يتنفس فى هدوء .. وهذا الشعر الغزير الفاحم ينسدل على الجبين .. وهذا الجسم الممشوق يسترخى ، ويستقبل نسمات المساء اللينة فى كسل ظاهر .. كانت قد تركت جسمها يتمدد على حريته ، وحد طاقته .. دون أن تقيد نفسها بوجودى .. وكان القمر كلما تخلص من السحاب ، أراق ضوءه الفضى على وجهها ، فضرج وجناته ، وعلى شعرها فذهب حواشيه ! "
*وفى قصتة " العذراء والليل ":
يصف فتاة ركبت قطار الصعيد ، وبعد أن ودعت مودعيها من النافذة ، عادت وجلست مكانها :
" ونظرت إليها وهى جالسة وقد غضت من طرفها ، وعلت وجهها السحابة التى تعترى من يفارق عزيزا .. .. ووجدت شيئا فى الفتاة يجذبنى اليها .. فأخذت أنظر إليها وهى مستغرقة فى المطالعة .. كانت فى سن العشرين ، أو أكثر قليلا .. طويلة القامة ، رشيقة الجسم ، بيضاء اللون .. وقد أثرت فيها شمس الصعيد قليلا فأكسبتها سمرة خفيفة .. وكانت ترتدى جونلة رمادية ، وقميصا أبيض أبرز تقاطيع جسمها كله .. وتلبس جوربا ورديا خفيفا ، وحذاء فى لونه .. وكانت وهى جالسة مستريحة بكتفيها على ظهر المقعد ، قد ضمت ساقيها قليلا فظهر انسجامهما وفتنتهما ..
وكان وجهها الأبيض مستطيلا ، وفى شفتها السفلى اكتناز ظاهر وانثناء بارز فى الذقن الصغيرة .. وكانت أهدابها تلقى الظلال الخفيفة على خديها الموردين .. وقد ابتدأ يعلوهما غبار السفر ..
وكانت تزيح خصلات شعرها الأسود الناعم عن جبينها وتقلب صفحات المجلة بأناملها الجميلة .. وشعرت وأنا أنظر إليها وهى مستغرقة فى المطالعة بالارتياح .. ونسيت كل مالقيته من متاعب .. ونسيت الحرارة والغبار ، وازدحام القطار .. ووقوفى أكثر من ثلاث ساعات على قدمى فى الطرقة .. وقد أقف مثلها حتى يبلغ القطار القاهرة ..
وكنت أود أن أرى عينى هذه الفتاة فى مواجهتى ، ولكنها كانت تنكس رأسها .. ورغم مظاهر العافية والانسجام فى الملبس ، فقد كان وجهها يعلوه شىء من السهوم .. أو الحزن .. كمن مسه شىء من الحياة ".
*وفى قصة " لاتباع " :
وتحكى عن رسام كان جالسا فى الفراندة والظلام مخيم ورأى فى البيت الملاصق له امرأة .. ويقول :
" تتحرك فى غرفتها .. وكان المصراع الأيسر من النافذة هو المفتوح .. وكانت ترتدى ملابس سوداء وعلى رأسها طرحة قد أدارتها حول جيدها وأسدلتها على صدرها .. وبدا وجهها فى هذا السواد متألقا كالمصباح .. وكانت كأنها عائدة من حفلة حداد أو تعزية .. فى ميت .. وأخذت تروح وتجىء فى الغرفة وهى بكامل ثيابها .. ثم أخذت تتجرد من ملابسها قطعة قطعة .. ولعلها كانت مطمئنة تماما إلى أنه لا أحد يراها .. لأنها تمهلت وهى تفعل ذلك .. وبقيت مدة طويلة وهى بملابسها الداخلية .. ثم جلست على حافة السرير وأخذت تخلع الجورب .. وكان " سعيد " يرى أناملها وهى تتحرك فى لين .. على ساقيها .. وأعجبه قوامها الممشوق وفتنة جسدها .. واحتفاظها بنضارتها وشبابها مع أنها تجاوزت الثلاثين .
وتأملها فى محاسنها .. وكانت طويلة القامة ممشوقة الجسم .. سوداء الشعر .. ملفوفة الساقين والفخذين .. صغيرة القدمين .. وكان وجهها طويلا وأسنانها بيضاء جميلة .. وكانت عيناها سوداوين ناعستين .. فيهما كل مفاتن المرأة المصرية . وسر لهذا الوجه الأبيض الجميل الذى يلبس الطرحة ويرتدى السواد .. وتمنى لو تكـون موديلا له .. ونام وصــورة هـــذه المرأة فى مخيلته ..".
* قصة " فى المتجر" :
كانت تمر أمامه فى صباح كل يوم وهى ذاهبة إلى العمل ، وتجلس أحيانا بجانب دكانه منتظرة افتتاح متجرها وهو مؤتنس ، بجلستها هذه يستقبل رزق اليوم من وجهها الصبيح .. ويقول :
"كانت فى سن العشرين .. بيضاء سوداء الشعر فى نعومة .. جميلة تقاطيع الوجه .. لها عينان براقتان .. وأنف دقيق وشفتان رقيقتان حالمتان وكانت قامتها رشيقة وفى صوتها نعومة الريفيات وخجلهن .. وان لم تبرح القاهرة قط وتجيد إلى حد البراعة انتقاء ملابسها فى بساطة العاملة التى تحسن اختيار الأشياء بأرخص الأسعار .. " .
قام صاحب المحل بعمل حساب الإيراد اليومى ، اكتشف نقصه بعشرة جنيهات ، فقامت بسدادهم من جيبها وخرجت من المحل وهى ترتعش وعيناها تفوران بالدمع .. ويقول :
" أصبحت تبغض صاحب المحل ، وكلما اقترب منها .. تحس بأصابعها ترتعش على الآلة الأتوماتيكية كانت عيناها تحدثانها بما فى أعماق نفسه من خساسة .. وكان قد طلب منها ذات مرة أن يوفر عليها مشقة ركوب الأتوبيس فى المساء ويوصلها بسيارته إلى بيتها .. ولكنها رفضت بأدب ....
ومن وقتها بدت الكراهية فى عينيه وأخذ يشيع الاضطراب والذعر فى نفسها ليحطمها ويجعلها تخضع لرغباته ..".
*وفى قصتة " القطار الأزرق " :
ذهب يركب القطار المتجه إلى ليننجراد ووصل قبل موعد السفر بمدة طويلة ووقف على الرصيف يرتعش من البرد ، فأشفقت عليه موظفة مسنة فى المحطة فأدخلته قاعة انتظار الضيوف ومعه فتاة فنلندية ، وهى غرفة فسيحة مكيفة ، وشعرا بالدفء والراحة .. ويقول :
" وخلعت معطفى وغطاء الرأس والكوفية الصوفية ، وخلعت نادية معطفها وقبعتها وقفازها ، وبدا شعرها الأسود مرسلا متموجا شديد اللمعان ، وتألقت عيناها بعد أن خلعت القبعة وزاد ما فيهما من صفاء ورقة ، وأسفرت عن فستان كحلى من الصوف جيد النسيج ، محكم التفصيل ، أضفى سحرا جديدا على بشرة فى لون المرمر ونعومته ، وزاد على الوجه نضارة وحسنا .
وقدرت سنها بما لايزيد على الثلاثين ، فقد بدت فى الجمال الآسر للمرأة عندما يكتمل عقلها وجسمها معا .. ويزداد بريق عينيها ، وتنفجر أنوثة وحيوية وهى تأخذ من الحياة قبل أن تولى عنها ".
*وفى قصتة " المفتاح " :
وقد ذهب فى ليلة شتوية إلى بيت صاحبة ليقدم العزاء فى وفاته وجلس فى الصالة وكان باب غرفتها مفتوحا .. ويقول :
" وأحس بها وهى رائحة وغادية فى الغرفة فى ثوبها الأسود محلولة الشعر ، مهدلة الثوب ، غير عابئة بزينتها كأنثى فى رونق شبابها ..
ثم رآها تجلس منحنية على الكرسى الوحيد فى الغرفة ، وهى تنشج ، وسمع بكاءها ونشيجها ، وشاهد وهو جالس تقلصات جسمها وتشنجه ، ولكنه لم يستطع أن يدخل عليها الغرفة ويفعل شيئا لاسكاتها ..
وأدرك أن " الشغالة " أخبرتها بحضوره فأثار هذا ذكرياتها وشجنها ، أثار عواطفها وأطلق أحاسيس قوية كانت محبوسه ..
كان الباب الموارب يسمح له بأن يراها بكل جسمها ، وهى منثنية على الكرسى ، طاوية جزعها ، ودائرة برأسها نصف دورة حتى لاتراه ..
ولكنها فى غفلة منه وضعت على رأسها شالها .. فعرف أنها نهضت وتناولت الشال ثم رجعت إلى مكانها دون أن يشعر بها ..
ورغم الجلسة المنثنية والتى تبدو غير مريحة على الاطلاق .. فقد بدت قامتها الطويلة وبدت رشاقة جسمها ، ودوران كتفيها ، وامتلاء صدرها الذى كان الثوب الصوفى يغطيه بقوة ويضمه ولكنه لايخفى تقاطيعه ومفاتنه .
وظهر الجيد أبيض ناعما ، فقد انحسر الشال الأسود عن شعرها الفاحم ، وعن عنقها فى لحظة غير واعية من لحظات الانفجار الحسى ..
وأبصر أنها تلفتت تجاهه ورأته ثم حولت رأسها على عجل بحركة انثوية عفوية تفعلها الأنثى بالغريزة فى ساعات الحزن العصيبة ..
وانتصبت تتمشى فى الغرفة تروح جيئة وذهابا ..
وفى أثناء هذه الحركة الرتيبة التى كررتها دون ملل عشرات المرات ، غطت بالشال شعر رأسها الأسمر المتموج كله وأذنيها الصغيرتين ، وجيدها ونصف خديها ..
ولمح فى ساقها جوربا أسود طويل العنق ، يصل إلى الفخذين ، وينثنى هناك طيتين ثم يترك لون المرمر ونعومته فى نصف دائرة كاملة .. ويتيه بعدها البصر فى سواد الحرير المنحنى ونسجه ..
ووضعت فى القدمين حذاء أسود مطفى اللمعان .. وكانت قد خلعت فردة من الحذاء أثناء مشيها فى داخل الغرفة .. ثم جلست لتلبسها .. وواجهته هذه المرة بوجهها الشاحب وعينيها المخضلتين بالدمع ..
ومسحت عينيها بمنديل صغير طوته كثيرا حتى تكرمش وخطفت نظرة فى المرآة ثم خرجت إليه متثاقلة تمسك رأسها وعبراتها .. "
*وفى قصتة " الرسالة " :
يصف فيها حال الزوجة التى جلست فى البيت فى انتظار عودة زوجها الذى ذهب إلى ميدان القتــال فى حرب اكتوبر 1973 ويقول :
" وبعد ساعة دخلت الحمام .. وخرجت معطرة ، محلولة الشعر ، بادية النضارة .. وجلست فى غرفتها أمام المرآة تتزين وتمشط شعرها ..
ثم انتقت أجمل ثيابها .. ثوبا مخمليا يبرز تقاطيع جسدها ، وكل ما فيه من فتنة .. وجلست على حافة السرير ، ترتدى جوربا من النيلون فى لون بشرتها .. ومدت قدمها الصغيرة وساقها الجميلة .. وبدت الساق عارية وملتفة وفى لون اللبن الممزوج بالعسل المصفى .. وغطت هذه النعومة حتى الفخذ بجورب ثم تناولت الثانى .. وعندما دق جرس الباب توقفت تتسمع وأصابعها ضاغطة على الفخذ الدافىء .. ثم واصلت رفع الجورب بعد أن أدركت أن الصوت لايعنيها وأن الشغالة تحادث الجارة ..
ثم لبست حذاءها ووقفت أمام المرآة .. وكانت النافذة مفتوحة على نهار جميل .. فحركت أنفاس الهواء شعرها .. ونضرت وجهها ، وأجرت الدم فى شفتيها .. والبريق فى عينيها ورأت الثوب المخملى قد حدد خطوط جسمها .. الوركين .. والخصر .. وبروز الصدر ..
وتنفست الصعداء .. وجلست فى الشرفة تتطلع إلى الطريق ..
*وفى قصتة " الغزال " :
يصف ريح الخريف وما تفعله فى النساء .. فيقول :
" أخذت ريح الخريف تهب خفيفة ندية ، تداعب غصون الأشجار الصغيرة التى تحيط بالمحطة وترفع أطراف الفساتين الحريرية لكواعب من الحسان تناثرن كالورود الجميلة على رصيف محطة " سيدى جابر " فى انتظار القطار ....
وكانت الشمس مصفرة وضوؤها الغارب ينعكس فى نعومة على زجاج النوافذ .. والهواء الرقيق يداعب وجه " ثريا " الوردى فيفتح ثغرها قليلا ويحرك خصلات شعرها بمثل الرقة التى فيها .. ".
وغادرا المحطة وركبا الترام ، ويصفها بعد أن جلست على المقعد .. فيقول :
" كانت ترتدى فستانا بنيا من قطعة واحدة ، يحتضن قوامها الرشيق ، ويبرز فى جلستها المستقيمة جمال ساقيها ، وامتلاء فخذيها ورقة خصرها واستدارة كتفيها ..
وكان وجهها الطويل أبيض خالص البياض ، فى نعومة كأنه ما وقعت عليه الشمس ولا غطس فى ماء البحر ..
وكان ظل ابتسامة يزحف على وجهها بين لحظة وأخرى ، ويكسر من فتحة عينيها المتألقتين فى سواد ممزوج بالاخضرار الخفيف ، الذى يذهب ويجىء كلمــا تفتحت النفس وجاشـت العاطفة ..
وأخذ يتأملها فى سكون ويملأ عينيه من كل مافيها من حسن .. وكأنه يلامس بيده جبينها وعينيها وخديها وشفتيها .. .. وكانت أشعة الشمس قد سقطت من النافذة القريبة على عينيها ، فأغمضتهما وأبعدت وجهها بحركة خفيفة ، وأزاحت خصلة شعرها وامتلأ وجهها بالسكون ..
ومن خلال هزة للترام تحركت فيها أكتاف الركاب ، أشرق وجهها فى ابتسامة عذبة وظلت الابتسامة ترف حتى دخل الترام محطة الرمل ".
ويصف أم ثريا عندما ذهب لزيارتهما فى البيت .. فيقول :
" وجاءت الأم وهى سيدة نحيلة فوق الخمسين ، وكانت ترتدى أسود وعلى وجهها الاكتئاب وسلمت عليه بيد ناعمة .. وعيناها الخضراوان تحدقان فيه جيدا كأنها تقارن بين الصورة التى كونتها عنه من حديثها مع ثريا وبين الحقيقة التى أمامها ..
وبدت فى فستانها الأسود عصرية مع وقار سنها ، فقد كانت مقصوصة الشعر متأنقة الزى فى انسجام رائع والحذاء فى لون الفستان .. والزينة خفيفة ولكنها بادية على الشفتين الحمراوين والخدين الأسيلين ..
وكانت عيناها لازالتا تتألقان بالبريق والسواد المائل إلى الاخضرار .. والعدسة الفاحصة فى استرخاء يطل منهما الحنان كله ..
وقد رأى أنها كانت جميلة فى شبابها بل فتنة بين النساء ".
ويصف ثريا وهى تسمع منه كلمات الاطراء .. فيقول :
" واحمر وجهها قليلا وبدت فى عينيها رقة ساحرة .. وحنان دافق .. ونكست رأسها .. لتخفى كل الانفعالات التى تبدو على وجه العذراء وهى تسمع كلمات الاطراء الخفيفة ..
ويصف أحاسيسه ومشاعره حينما التقيا فى مكان على البحر .. فيقول :
" وجاءت مع غروب الشمس فى جوف البحر .. وكأنها شمس أخرى تطل على الكون .. أو كأنها القمر الذى يطلع بعد غروب الشمس .. ولم تكن الليلة مقمرة ولكن قمرها كان يشع على البحر الهائج والجمال المحيط ".
* قصة " الجعران " :
يقول عن فتاة صغيرة قابلها فى فندق ليننجراد وجلست بجانبه :
" كانت ترتدى جونلة وبلوزة من الصوف الغامق من لونين مختلفين ، ولكن فى انسجام .. وكانت الجونلة قصيرة ، كزى كل الفتيات الأوربيات فى سن الثامنة عشرة .. فبدت بجانبى نصف عارية بفخذيها الممتلئتين .. وفى بياض اللبن الخالص ونعومة الديباج .. كانت ملتهبة الوجنتين محلولة الشعر .. والشعر أسود .. والعينان واسعتان جميلتان فى بريق أخاذ ولون سنجابى مشع .
وكانت شفتاها الرقيقتان ترسمان حلم فتاة تنعم بالحياة البهيجة والسعة فى الرزق "
ويقول عن أم الفتاة :
" كانت طويلة مثل طولى وأطول من زوجها الطيب وأطول من ابنتها .. وجسمها الرشيق بكل ما فيه من جمال وفتنة قد طواه رداء عنابى من قطعة واحدة .. وكان الجورب ورديا خفيفا ارتفع إلى نصف الفخذ وأبرز ساقين مخروطيتين .. كأنما صنعهما ميكائيل انجلو وهو فى ساعة تجل وفى قمة براعته .. ثم قطعت بعدها ذراعه ـ كما قطعت يد سنمار ـ حتى لايصنع بعد هذا الجمال شيئا مثله أبدا .. وعندما خلعت قبعتها الزرقاء ومعطفها شممت رائحة البنفسج من شعر طويل متموج وفى سواد الأبنوس النقى وبريقه ..
ونظرت إلى يديها وأصابعها الطويلة الدقيقة وأنا من فرط الصفاء أرى الدم يجرى فى الشرايين الصغيرة ".
* قصة " الرجل الأعزل " :
يصف سميرة هانم وهى جالسة تحت أشعة الشمس الغاربة فى حديقة منزلها بضاحية مصر الجديدة .. فيقول :
" وكان الشعاع يتجمع عند خط الأفق ويكون لونا أرجوانيا أخاذا ، وكانت الصحراء ساكنة وهواء الصيف الرضى فى تلك الساعة من النهار يبعث السرور إلى النفس ، فأخذت سميرة هانم تستمتع بما حولها من جمال وفتنة .. وكانت ترتدى فستانا بنى اللون قصير الأكمام مفتوح العروة .. وتضع فى رجليها حذاء مكشوفا برزت منه أصابع قدميها .. وقد طليت أظافرها بالأحمر .. وكانت لاتلبس جوربا فظهرت الساق العبلى فى كامل فتنتها كأنما صبها مثال قادر .
وكانت عارية الرأس فانسدل شعرها على كتفيها وغطى جيدها .. وكانت وهى جالسة على كرسيها الطويل قد مدت ساقيها .. واضطجعت إلى الوراء قليلا .. وأغمضت عينيها نصف إغماضة كأنها تحلم " .
ويصف حال المدرس حينما كان يأتى إلى البيت لإعطاء صغيرها الدرس :
" كان كلما وقع نظره عليها يحس برجفة شديدة تسرى فى بدنه ، فيجلس على كرسيه فى غرفة المكتب وأمامه ابنها وهو شارد صامت ، فإذا شرب القهوة رجع إلى نفسه ويبدأ الدرس .. وكان يراها دائما فى ثياب بسيطة تكشف عن الذراعين والنحر ، وتنحسر عن الساقين ، فيحس بسياط حادة تلهب ظهره .. ويشعر بقلبه يضطرب وبحلقه يجف ....
كانت قصيرة القامة ، ريانة العود فى الثالثة والأربعين من عمرها ، خمرية لون البشرة ، سوداء العينين يتألق فيهما بريق آسر وهو بريق الرغبة المنطلقة من الجسم الممتلىء حيوية وفتنة .
وكان شعرها أسود غزيرا .. ووجهها مستديرا .. وأنفها دقيقا وفمها بارز الثنايا .. وهنا تجتمع كل فتنتها " .
====================================
المراجع :
1 ـ قصة عودة الابن الضال ـــ م . روز اليوسف 29|4|1974
2 ـ رواية الرحيل ــــــــــــــــــــــــ نشرت عام 1935
3 ـ قصة ليلة فى طوكيو ــــ ص . أخبار اليوم 30|6|1984
4 ـ قصة الفارس ــــــــــــ ص . مايو 28|12|1981
5 ـ قصة المرأة التى أحببتها ــــــــــــ م . الجيل 30|5|1955
6 ـ قصة ليلة فى الحان ـــــــــ مجموعة فندق الدانوب 1941
7 ـ قصة طريق الفناء ــــــــــــــ م . العصور 19|11|1938
8 ـ قصة امرأة أحلامى ـــــــــــ مجموعة فندق الدانوب 1941
9 ـ قصة حياة رجل ـــــــــ مجموعة الذئاب الجائعة 1944
10 ـ قصة فى القطار ــــــــ مجموعة الذئاب الجائعة 1944
11 ـ قصة العذراء والليل ـــــ م . الجيل الجديدة 6|9|1954
12 ـ قصة لا تباع ـــــــــ م . الجيل الجديدة 20|12|1954
13 ـ قصة فى المتجر ــــــــ م . المجلة عدد يولية 1968
14 ـ قصة القطار الأزرق ـــ م . الثقافة اكتوبر 1973
15 ـ قصة المفتاح ــــــــــــــــــ ص . المساء 18|2|1965
16 ـ قصة الرسالة ـــــــــــ م . الثقافة عدد يناير 1974
17 ـ قصة الغزال ـــــــــــــــــــ م . المصور 7|7|1972
18 ـ قصة الجعران ـــــــــ م . الثقافة عدد يونيو 1974
19 ـ قصة الرجل الاعزل ـــ م . قصص للجميع عدد يونيو 1950
يلزم عليك تسجيل الدخول أولًا لكتابة تعليق.
خليك أول من تشارك برأيها 💁🏻♀️