بسم الله الرحمنالرحيم
لقد عاشت المرأة المسلمة في البيت النبوي عيشة كريمة ، مرتاحة الضمير، متمتعة ً بقدر كبير من الحرية والاحترام.
عاشت عزيزة ، كريمة ، مصانة ، غيرمهانة ، ولا محتقرة ، ولا مستخف بها ، ولا تزدري ، ولا تكلّف بما لا تطيق ، ولاتحرم من إبداء رأيها والإفصاح عما يجول في خاطرها .
قال ابن كثير رحمهالله : " وكان من أخلاقه صلى الله عليه وسلم أنه جميل العشرة ، دائم البـِـشر يداعبأهله ، ويتلطف بهم ، ويوسعهم نفقته ، ويضاحك نساءه ، حتى أنه كان يسابق عائشة أمّالمؤمنين رضي الله عنها ، يتودّد إليها بذلك . قالت : "هذه بتلك "
ويجتمعنساؤه كل ليلة في بيت التي يبيت عندها رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فيأكل معهنالعشاء في بعض الأحيان ؛ ثم تنصرف كل واحدة إلى منزلها .
وكان ينام معالمرأة من نسائه في شعار واحد ، يضع عن كتفيه الرداء ، وينام بالإزار .
وكان إذاصلى العشاء يدخل منزله ، يسمر مع أهله قليلاً قبل أن ينام ، يؤانسهم بذلك صلى اللهعليه وسلم .
وقد قال الله تعالى

فما أحسن عشرة النبي صلى الله عليه وسلم لأزواجه، وما ألطفه بهن وأحلمه عليهن وأكرمهن لهن صلى الله عليه وسلم .
وانظرإلى هذا الموقف العظيم الذي يبين مكانه المرأة في بيت النبوة ، ويبين أيضاً لطفالنبي صلى الله عليه وسلم بنسائه وحبّ نسائه له عليه الصلاة والسلام .
فقدروت عائشة رضي الله عنها أن رسول الله عليه صلى الله عليه وسلم قال لها : " إنيلأعلم إذا كنت راضية ، وإذا كنت عليّ غضبى" قالت : من أين تعرف ذلك ؟ فقال : " أماإذا كنت عني راضية ، فإنك تقولين : لا وربّ محمد ، وإذا كنت غضبي قلت : لا وربّإبراهيم " قالت : أجل والله يا رسول الله ، ما أهجر إلا اسمك "
(متفق عليه)
إن هذه الكلمات الدافئة و المشاعر الفياضة ، والحنان التام حق من حقوقالمرأة على زوجها ، فلماذا لا تطالب بعض النساء بهذا الحق الذي لهن ، بينما تطالببأمور أخرى لا يقرها الشرع ؛ كالتبرج والاختلاط والنزول إلى مجتمعات الرجالومجاورتهم في مكاتبهم و مصانعهم ومعاملهم مدعية ً مشورتها ورغبتها في كثير ٍ منالأمور .
فعن جابر رضي الله عنه ، أن عائشة رضي الله عنها في حجة النبيصلى الله عليه وسلم – وساق حديثا ً قال فيه - :" وكان رسول الله صلى الله عليه وسلمرجلا ً سهلا ً ، إذا هويت الشيء تابعها عليها"
(رواه مسلم(
وكانصلى الله عليه وسلم يعلم رقة النساء ، وصدق مشاعرهن ، ورهافة حسهن ، ولذلك كان يرفقبهن ويحترم رغباتهن .
فعن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم قالت : دخل الحبشةالمسجد يلعبون ، فقال لي :" أتحبين أن تنظري إليهم ؟" فقلت : نعم ، فأسندت وجهي علىخده .
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "حسبك"
فقلت : يا رسول الله لاتعجل .
فقام لي . ثم قال لي : " حسبك "
فقلت : لا تعجل يا رسول الله .
قالت : وما لي حبّ النظر إليهم ، ولكني أحببت أن يبلغ النساء مقامه لي "
إنه رسول الله صلى الله عليه وسلم ، أعظم إنسان عامل امرأة ً تلكالمكانة من رسول الله صلى الله عليه وسلم .
فإذا لم تكن هذه المرأة سعيدةفمن السعيدة إذن ؟
وإذا لم تكن حرة فمن الحرة إذن ؟
هل الحرية في التمرد علىالدين والأخلاق و المبادئ ؟
هل الحرية في التهتك ، والتبرج ، و التعري ، والفجور ؟
هل الحرية في ذبح العفاف ، ووأد الفضيلة ، وقتل الغيرة ؟
إنالحرية الحقيقة هي ما كانت تعيشه زوجات النبي صلى الله عليه وسلم في ظل هذا الزوجالعظيم .
قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه : والله إن كنّا في الجاهلية مانعدُّ النساء أمرًا – أي لا نرى لهن شأنّا – حتى أنزل الله فيهن ما أنزل ، وقسم،
فبينما أنا في أمر أئتمره
إذ قالت لي امرأتي : لو صنعت كذا وكذا
فقلتلها : ومالك ِ أنت ولما ها هنا ؟ وما تكلُّف في أمر ٍ أريده ؟
فقالت لي : عجبا ًلك يا ابن الخطاب ! ما تريد أن تراجع أنت ، وإن ابنتك لتراجع رسول الله صلى اللهعليه وسلم ، حتى يظل يومه غضبان !!
فلما سمع عمر ذلك ، أخذ رداءه وخرج حتىدخل على حفصه ابنته فقال لها : يا بنية ! إنك لتراجعين رسول الله صلى الله عليهوسلم حتى يظل يومه غضبان ؟
فقالت : والله إنا لنراجعه .
قال : تعلمين أنيأحذرك عقوبة الله و غضب رسوله . يا بنية ! لا يغرنك هذه التي قد أعجبها حسنها ،وحبُّ رسول الله صلى الله عليه وسلم إيِّاها – يعني عائشة- رضي الله عنها-
ثمدخل عمر على أمًّ سلمة رضي الله عنها : عجباً لك يا ابن الخطاب ! قد دخلت في كل شيءحتى تبتغي أن تدخل بين رسول الله صلى الله عليه وسلم وبين أزواجه .
قال : فأخذتني أخذا ً ، كسرتني عن بعض ما كنت أجد ، فخرجت من عندها .."
هكذا كانيعامل النبي (صلى الله عليه وسلم) أزواجه ويصبر عليهن ويحتمل أذاهن ، حتى إن إحداهنلتراجعه حتى يظل يومه غضبان .
إن ميثاق تحرير المرأة عقد يوم نزل الوحيعلى رسول الله صلى الله عليه وسلم في مكة ، فنشأ بذلك عهد جديد حصلت فيه المرأة علىكافة حقوقها ..
إن ميثاق تحرير المرأة نشأ يوم قال عليه الصلاة والسلام : " حبب إلي من دنياكم النساء..."
ويوم قال عليه الصلاة والسلام : " اللهمإني أحرّجُ حقّ الضعيفين : اليتيم و المرأة "
ويوم قال صلى الله عليه وسلم : " لا يجلد أحدكم امرأته جلد العبد ، ثم يجامعها في آخر النهار " .
ويوم قالصلى الله عليه وسلم : " خيركم خيركم لأهله ، وأنا خيركم لأهلي "
ويوم قالعليه الصلاة والسلام : " الدنيا متاع ، وخير متاعها المرأة الصالحة "
ويومقال عليه الصلاة والسلام خطيباً في حجة الوداع وسط أكثر من مائة ألف حاج قائلاًَ : " ...فاتقوا الله في النساء ، فإنكم أخذتموهن بأمان الله ، واستحللتم فروجهن بكلمةالله"
ويوم قال عليه الصلاة والسلام : " من كانت له امرأتان فمال إلىإحداهما جاء يوم القيامة وشقّه مائل "
ويوم قال عليه الصلاة والسلام : " لاتضربوا إماء الله"
ويوم قال عليه الصلاة والسلام : " إنك مهما أنفقت عل أهلك؛ فإنك تؤجر عليها ، حتى اللقمة ترفعها إلى في امرأتك "
ويوم قال عليهالصلاة والسلام : " استوصوا بالنساء خيراً "
ويوم قال عليه الصلاة والسلام : "إن الرجل إذا سقى امرأته من الماء أُجر"
هذا هو التحرير الحقيقي للمرأة؛زوج يحب زوجته ، ويلطف بها ، ويعطف عليها ، ويرحمها ، ويقوم بنفقتها ، ويقدرمشاعرها، ويطعمها مما يطعم ، ويكسوها إذا اكتسى ، لا يشتم ولا يلعن ولا يقبح ولايذم ؛ بل يرفع اللقمة إلى فيها فيطعمها ، ويناولها كأس الماء فيرويها، ويقومبحاجتها النفسية والثقافية والاجتماعية والصحية ، كل ذلك في بيتها درة مصونة ،ولؤلؤة مكنونة لا تطمع في النظر إليها الأعين ، ولا تتخيل ملامستها الأيدي ، ولاتجرؤ على النيل منها الألسن .
هذا هو التحرير الحقيقي للمرأة لا ما يدعوهاإليه ضعاف النفوس الذين لا يريدون الخير للمرأة وإنما يريدونها أن تكون كالمرأةالغربية جسداً بلا روح ، ودمية تتداولها الأيدي فترة من الزمان ثم ما تلبث أن يلقىبها في غياهب النسيان تصارع من أجل البقاء فلا تجد يداً حانية تمتد إليها في وقتضعفها وكبرها ، ولا تجد يداً تستمع لشكواها وتتألم لآلامها وتهتم لهمومها ، ولا تجدعيناً تنظر إليها نظرة عطف وحنان وتقدير بعدما فقدت شبابها الذي كانوا يتهافتونعليها من أجله.