
د.ديمة طارق طهبوب
كانت جميع المواعظ التي ألقاها كبار الأساقفة البريطانيين في حفل زفاف ولي العهد البريطاني وليم مضحكة وخارج السياق، ويكاد المشاهد يقرأ فيها تذكيرا وربما شيئا من التبكيت للعروسين، فما معنى وما المغزى من أن يتحدثوا عن مشروعية الزواج في الدين وحرمته وأهمية الفضيلة وتربية الأولاد تربية دينية والمحتفى بهم كانا يعيشان حياة الخطيئة لمدة عشر سنين، ولكنها لم تعرف باسمها الصريح، ففي بريطانيا يطلق عليها اسم المعاشرة والمساكنة والصداقة، ثم لا ندري لماذا قررا الزواج فجأة بعد هذه المدة! والسبب ربما لأن جدته الملكة اليزابيث قاربت على التسعين ويجب أن يكون ولي العهد جاهزا لاستلام السلطة، ومن تمام الجاهزية أن يكون متزوجا ليكون قدوة لشعبه!
ولتمام المشهد الكوميدي كان الأشبين الأمير هاري الذي يعيش حياة لهو جانحة وكثيرا ما سبب إحراجات للعائلة المالكة للتغطية على تصرفاته، أما من طرف العروس فألقى من الانجيل اقتباسات أخلاقية أخوها جيمس ميدلتون بالرغم مما يشاع أنه شاذ، وكذلك كان من كبار الحضور المغني الشاذ التون جون وشريكه وهو الذي يحمل لقب الفارس!!
ولي عهد بريطانيا يأخذ عشر سنين ليقرر الزواج من فتاة يعيش معها!! هل كان يجمع المهر مثلا أم تكاليف العرس التي بلغت أكثر من 25 مليون $؟! وكيف قبلت المرأة البريطانية المتعلمة المتحررة كيت ميدلتون أن لا تكون شيئا معترفا به وله مكانة في حياة رجل عاشت معه لأكثر من عشر سنين وكانت تحت الطلب standby عندما يريد أن يصادقها وعندما يريد أن يبتعد عنها!
في قصة الزواج هذه تعود إلى البال قصة تحول بريطانيا من الكاثوليكية الى المذهب الانجليكاني أو كنيسة انجلترا church of England والتي كان السبب الأساسي من وراءها رغبة الملك هنري الثامن تطليق زوجته للزواج بأخرى ولما كان المذهب الكاثوليكي لا يحل ذلك فقد انشق عن الكنيسة وأسس طائفة دينية أخرى!
هكذا يكون حال الدين عندما يصبح دين مراسم واحتفلات، زي يُلبس بكل المقاسات، دين للزواج والطلاق والموت وتعميد المواليد وحتى هذه لا يطبقها الجميع فبعضها مكلف جدا! هذا حال الدين عندما يُزال من واقع حياة الإنسان وتتلبس الغرائز بثوب الفضيلة ويصبح الحرام ممكنا ومقبولا، بل ويجتمع العالم بما يقارب 2 بليون مشاهد لمتابعة انتهاء مرحلة الخطيئة بعرس أسطوري.
اختار العروسان يوم الجمعة بالرغم أنه ليس عطلة رسمية ولا دينية في بريطانيا ليتلهى العالم في يوم تشتعل فيه بلادنا بالثورات ويتقاطر الضحايا ويزداد الشهداء! فهل أراد عرسه فترة استراحة أو ملهاة ليخفف عنا أم أنها اللامبالاة بأوجاع الأغيار المتوقع منهم أن يفرحوا لفرح العروسين الملكيين؟!
في ظل سرقات الزعماء والحكام العرب، بدا الأمر شيئا من العدالة النسبية أن يكلف الزواج 20 مليون دولار في الوقت الذي بلغت عائداته على الاقتصاد البريطاني 2 بليون دولار من القطاع السياحي لوحده، أما عندنا فلا اقتسام بين الحكام والرعية وفي الوقت الذي يصنف حكام العرب من أثرياء العالم لا يجد الشعب ما يأكله وكلما زادت سرقات الحكام زاد انهيار القطاعات الحيوية في المجتمع!
كان غريبا أيضا أن تنشغل البي بي سي وهي من أيقونات الإعلام عالميا، كما يُراد لنا أن نصدق، بطول وعرض فستان العروس ومن صممه ونوعية قماشه ومن أين سيخرج العروسان ولائحة المدعوين وأزيائهم وقبعات النساء ومجوهراتهن! شيء في منتهى السطحية والسخافة المراد منه صناعة قصة خرافية fairy tale كقصة السندريلا التي خرجت من عامة الناس لتتزوج الأمير، ولتبقى الأسطورة تراود أحلام النساء بالنهايات السعيدة والثبات والنبات! ولكن ماذا عن الفقر والمجاعة والأمراض التي تباهي بريطانيا والأسرة المالكة دون غيرهم بدعمها والاهتمام بها؟! كل هذه كان حضورها ضيئلا في المناسبة، واكتفى العروسان بالطلب إلى ضيوفهم إرسال هداياهم إلى الجمعيات الخيرية وهم في ذلك أيضا أفضل من أعرابنا الذي يكنزون ويسمنون ثم ينكشفون عن مال قارون!
الطامة الكبرى كانت ترديد نشيد أورشليم Jerusalem، وهو النشيد الوطني البريطاني الذي يؤكد الحلم بأرض الميعاد والحنين للقدس، بينما أعراس الحكام عندنا تباهي بالمغنيين والراقصات الذين تدفع لهم الملايين لإحياء الأعراس والحفلات الشخصية!
كان جزءا من البرتوكول وتقاليد الأعراس الملكية أن يخرج العروسان بعد عقد القران من شرفة القصر ليحييا الجمهور ويقبلا بعضهما أمامه لترتفع صيحات الفرح والإشادة! بدا الحب عندها ممتهنا كعرض أمام طلبات الجمهور، كل ما نعرفه عن جمال الرومانسية والاختلاء بالحبيب بدا غريبا أما طغيان القبلة الملكية! هل إرضاء الجمهور والتقاليد يستحق هذا التفريط؟!
ونحن الذين اعتقدنا أن الحب كلما زاد زاد الحرص وزادت الغيرة وصدق من قال:
أغار عليك من نفسي ومني ...... ومنك ومن زمانك والمكان
ولو أني خبأتك في عيوني ........ وفي الأحداق عمري ما كفاني
أسئلة أخيرة: كيف اختلفت حياة وليم وكيت يوم العرس وصباحه عن أي يوم آخر في العشر سنين التي قضياها سويا؟ هل كان لمعنى علاقة الزواج وكلمة الحب أي معنى مختلف بعد عشر سنوات؟ وهل أحسا بفرح العرس وقدسية الزواج؟ وهل أجرت الملكة فحص العذرية للعروس الجديدة royal virginity test وهذا ما تنص عليه قوانين الزواج الملكي وماذا كانت النتائج أم أن هذه تقاليد يمكن التغاضي عنها؟!
من أعماق القلب: الحمد لله على نعمة الاسلام والهداية وكفى بهما نعمة.