بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
انا أول مرة أطلب منكم طلب لكنه في غاية الاهمية أريد من اهل الخير المساعدة في أعداد بحث عن الزواج وأحكامه وهو من عدة فروع:
( الرجل والمرأة في الاسلام)
(الزواج في الاسلام)
(موانع الزواج)
( اسس أختيار الزوجين)
( الخطبة)
(عقد الزواج)
(تعدد الزوجات)
ويمكن البحث في فرع واحد منهم فقط أو أكثر يعني نقطتين أو أكثر لا مشكلة
ويراعى صحة المعلومات والدقة في الافكار
وحسن توظيف الادلة والشواهد مثل الآيات والأحاديث
وكتابة المراجع والمؤلف
ويحبذ ان تكون من 12 الى 15 صفحة
هذا الطلب للضرورة القصوى لأنني مشغووووووووووووووولة جدا
وأريد هذا البحث ضروري
فمدوا يد العون والمساعدة جزاكم الله كل الخير
وفي هذا المنتدى لاأحد يضيع
النجمة الحائرة @alngm_alhayr
عضوة جديدة
يلزم عليك تسجيل الدخول أولًا لكتابة تعليق.
توتة الرياض
•
اختى في الله انا ممكن اساعدك باللي تبيه لوجه الله تعالى بس اكتب لكي بالورد وبعد كذا انتي ترتبي المواضيع مثل ماتبي مع ذكر المصدر باذن الله تعالى ابدأ ولا تريدي مني اي شي اخر ارجو الارسال لي ومشكورة
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
اختي العزيزة ام ماجد مشكورة على الرد واحب أخبرك بأني طالبة
اختي العزيزة توتة الرياض مشكووووووووووورة على الأهتمام والرعاية وأحب اقولج بس هذا الي بغيته وأهم شيء ذكر المصدر لأنه مطلوب في البحث والله يجزيك كل خير.
اختي العزيزة ام ماجد مشكورة على الرد واحب أخبرك بأني طالبة
اختي العزيزة توتة الرياض مشكووووووووووورة على الأهتمام والرعاية وأحب اقولج بس هذا الي بغيته وأهم شيء ذكر المصدر لأنه مطلوب في البحث والله يجزيك كل خير.
اختى في الله انا سوف اساعدك .. ولكن ليس في كل المواضيع .. لاني اريد لك الاجر باذن الله وهذا العمل مطلوب منك فعلاً .. ولاني وعدتك فسأفي بوعدي
وفي البداية هذا البحث عن تعدد الزوجات مؤلف الكتاب واسم الكتاب
الزواج
مثنى وثلاث ورباع:
الأسباب والضوابط
الدكتور مازن صلاح مطبقاني
وهذا البحث
الزواج مثنى وثلاث ورباع
مقدمة :
إن بناء الأسرة يستغرق جهوداً عظيمة ابتداء بالبناء العقدي والأخلاقي ، ومن المعروف أن موقف الإسلام من المرأة يعد رائداً متميزاً مقارنة بالأمم الأخرى قديماً وحديثاً ، ومن الواضح أن الأسرة المسلمة يتربى أفرادها أولاً تربية عقدية أخلاقية ، ثم لا يكون تأسيسها لأسرة جديدة عشوائياً بل يخض لاختبارات من قبل أهل الفتاة ، وكذلك عند أهل الزوج حتى إذا تكونت الأسرة واكبها الإسلام بالتوجيهات والنصح وأحاطها بالأهداف السامية العظيمة .
لهذا كله لما جاء الإسلام ووجد أن التعدد موجد ولكن لاينتظمه نظام ولا حدود ولا قيود ما كان منه إلا أن وضع له نظاماً تشريعياً . ونود أن نشير هنا إلى أن الكتابة عن التعدد لم تكن تحتل مستحة كبيرة في تراثنا الإسلامي أيام عظمة المسلمين وحضاراتهم ، فما كان الأمر يتعدى كتاب النكاح والعدل بين الزوجات دون إطالة زائدة أو حديث حول الأصل في الزواج هل هو التعدد أو الزوج الواحدة ، وما أجمل ما قاله سيد قطب رحمه الله : (أن الإسلام لم ينشئ التعدد بل حدده ، ولم يامر بالتعدد بل رخص فيه وقيده وأنه رخص فيه لمواجهة واقعيات الحياة البشرية ، وضرورات الفطر الإنسانية … فالحكمة والمصلحة مفترضتان وواقعتنا في ك لتشريع إلهي سواء أدركها البشر أم لم يدركوها في فترة من فترات التاريخ الإنساني القصير عن طريق الإدراك البشري المحدود) ( ).
وفي هذا الفصل نتناول الزواج بأكثر من زوجة بالحديث أولاً عن التعدد عند اليهود وعند النصارى وفي الواقع الأليم ثم نتناول حكمة الزواج بأكثر من زوجة في الإسلام ونحاول بعد ذلك التعرف على حكم هذا الزواج ، هل هو للضرورة أو للحاجة أو هل هو مباح وغير ذلك من المصطلحات الفقهية ، ويكون خاتمة البحث الحديث عن ضوابط الزواج بأكثر من زوجة .
1) : التعدد عند اليهود :
هل تعدد الزوجات نظام جديد على البشرية ؟! الحقيقة أنه نظام قديم جداً لكنه لم يعرف التنظيم والضوابط إلا في التشريع الإسلامي ؛ فاليهود عرفوا تعدد الزوجات وكان لهم أمراً طبيعياً فقد كثر ذكر زوجات الأنبياء من بني إسرائيل كما وردت عبارات في كتابهم (المحرف) حول مسائل التعدد من مثل "إذا كان لرجل امرأتان إحداهما محبوبة والأخرى مكروهة فولدتا له بنين المحبوبة والمكروهة الخ"( ).
ومن الدواعي للتعدد عند اليهود دعوة كتابهم (المقدس) لهم أن يكثروا من التناسل ليملؤا الأرض "خلق الله الإنسان ذكراً وأنثى وخلقهم وباركهم الله وقال لهم أثمروا وأكثروا واملؤا الأرض واخضعوها" ( )، وقد دعا هذا علماء اليهود أن يسنوا القوانين الداعية للزواج كما جاء في كتاب الأحكام العبرية :
"النكاح بنية التناسل ودوام حفظ النوع الإنساني فرض على كل يهودي ، ومن تأخر عن أداء هذا الفرض وعاش عزباً بدون زواج كان سبباً في غضب الله على بني إسرائيل" ( ).
ولما كان دأب اليهود والنصارى أن يخضعوا لأحبارهم ورهبانهم فيما يشرعون من دون الله فقد رأى هؤلاء الزعماء الدينيين أن يحدثوا تغييرات في شرع تعدد الزوجات ، فقد ذكر عبدالناصر العطار بعد استقرائه لتشريعات اليهود أن "أحبارهم كرهوا تعدد الزوجات فحاولوا التضييق منه وذلك لتحديد عدد الزوجات بأربع واشتراط وجود مبرر شرعي عند الزواج بأخرى واشتراط قدرة الرجل على الإنفاق على زوجاته واستطاعته العدل بينهن" ( ).
2) التعدد عند النصارى :
من المعلوم أن عيسى عليه السلام صرح لأتباعه وفقاً لما جاء في الإنجيل أنه لم يأت بتشريع جديد "لا تظنوا أني جئت لأنقص الناموس أو الأنبياء ، ما جئت لأنقص بل لأكمل" ( ).
ومن أبرز النصوص التي زعم النصارى أنها تمنع تعدد الزوجات ما جاء على لسان المسيح عند سؤاله عن الطلاق قوله : "من بدأ الخليقة ذكراً وأنثى خلقهما الله ، من أجل هذا يترك الرجل أباه وأمه ويلتصق (ويلزم) بامرأته ويكون الاثنان جسداً واحداً إذ ليسا بعد اثنين بل جسد واحد ، فالذي جمعه الله لايفرقه الإنسان" ( ).
وقد وردت تفسيرات عديدة لهذه العبارة أبرزها أنه لمنع الطلاق منعاً باتاً وليس لمنع التعدد ، ذلك أ، التعدد كان شائعاً عند اليهود ولم يأت المسيح عليه السلام إلا مكملاً وليس ناقضاً ، وفي ذلك يقول أحمد عبدالوهاب : (إن الحديث عن الرجل والمرأة كجسد واحد ليس إذن حديثاً عن نظام الزوجة الوحدة لكنه حديث عن استمرارية العلاقة بينهما ومن ثم فهو حديث يتعلق بالطلاق وليس بتعدد الزوجات) ( ).
لكن هذا الموقف لم يتبناه جميع النصارى فقد ظهر منهم رجال دين يبيحون الزواج مرة ثانية وثالثة ورابعة ، بل ويبيحون الجمع بين أكثر من زوجة ، ومن هؤلاء فرقة الان نابتست Ananabaptistes، والمورمون Mormons ، وهؤلاء الأخيرون ظلوا يمارسون التعدد حتى أوائل القرن التاسع عشر ( )، بل ظهرت دعوات من مفكرين وعلمائهم تدعو إلى إباحة التعدد الزوجات وبخاصة بعد أن عانت أوروبا من نقص شديد في عدد الرجال نتيجة للحربين العالميتين التي قتل فيهما أكثر من ثمانية وأربعين مليون رجل ( )، وكذلك لانتشار الفواحش والزنا وزيادة عدد اللقطاء ومن هؤلاء بول بيرو Boul Bureou ، وفردينا ند دريفوس Ferdinand Dryfus ، و بن لندسي Ben Lindsey ، وغيرهم .
3) التعدد الأثيم في الواقع الأليم :
ظن اليهود والنصارى أنهم بإصرارهم على منع التعدد وإجبار الرجل على الزواج بزوجة واحدة قد بلغوا قمة العقل والرشد في التشريع . مع أن حقيقة دينهم وكتبهم ـ مهما دخلها من تحريف ـ لا تمنع التعدد مطلقاً وإلا كيف ينظرون إلى أنبيائهم الذين تزوجوا العديد من النساء وكان لبعضهم السراري الكثر ؟ أليس النبي قدوة لمن آمن به ، لكنهم قوم يجهلون .
ظل الطلاق محرماً في ظل الكنيسة زمناً طويلاً حتى حدث الانفصام بين الكنيسة والدولة فأباحت التشريعات الوضعية الطلاق ثم تبعتها بعض الطوائف المسيحية ، أما تعدد النساء فإنه مازال محرماً وإن نظرت إليه طائفة أو طائفتان على أنه مباح وما زالوا يمارسونه بشكل سري في بعض الولايات الإمريكية .
هل انتهى التعدد بمجرد وجود هذه التشريعات الجاهلة ؟ الحق أنه موجود لكنه تعدد إباحي فاسق فاجر ، وإليك صورة موجزة عن أحوال المرأة في المجتمعات الغربية وغيرها من المجتمعات التي أخذت بقانون منع الزواج بأكثر من زوجة .
قد تبدو الأرقام التي سنوردها عن الخيانة الزوجية مبالغاً فيها ، ولكن المصدر الذي أورد هذه الإحصائية وهي جريدة عربية يومية تصدر في لندن وليس بقصد انتقاد الغرب أو إظهار محاسن الإسلام بل لكونها مجرد خبر صحفي ، فقد جاء في هذه الإحصائية (29/5/1980) أن 75% من الأزواج يخونون زوجاتهم في أوروبا ، وأن نسبة أقل من المتزوجات يفعلن الشئ ذاته ( ).
وينقل المودودي رحمه الله تعالى عن بول بيورد عن انتشار الزنى بين المتزوجين والمتزوجات قوله: "وإن زنا المحصنين والمحصنات لا يعد من العيب أو اللوم في فرنسا ، فإذا كان أحد من المحصنين متخذاً خليلة دون زوجته فلا يرى لإخفاء الأمر لزوم ويعد المجتمع فعله ذلك شيئاً عادياً طبيعياً في الرجال" ( ).
أما عن نتائج هذه الإباحية ومنع التعدد فمنها ازدياد الأطفال غير الشرعيين زيادة كبيرة جداً ، ففي إحدى الإحصائيات أن عدد هؤلاء الأطفال يفوق المليون سنوياً في أمريكا وحدها وقد كان هذا عام 1979م ، أما الآن فقد يكون الرقم أكثر من هذا ( ).
ولن تكون هذه النتائج السيئة قاصرة على المجتمعات الغربية ، فإن البلاد الإسلامية التي تأثرت بالغرب ابتداء من إخراج المرأة وسفورها ، واختلاطها بالرجال بالإضافة إلى دفعها للعمل تحت شتى المبررات ومن التشريعات المختلفة للحد من الزواج بأكثر من زوجة أو تحريمه مطلقاً ، فلا بد أن تكون قد جنت الثمار الخبيثة لذلك كله .
4) الزواج مثنى وثلاث ورباع :
لا شك أن الذين كتبوا عن المرأة وأفردوا فصولاً للحديث عن تعدد الزوجات قد تناولوا أسباب الزواج بأكثر من واحدة ، ولكن هل يحتاج الأمر حقاً إلى إجهاد الفكر للبحث عن أسباب التعدد وحكمته؟ هل التعدد قضية ينبغي أن تنفرد بالكتابة حولها ؟ يبدو أن احتكاك العالم الإسلامي بالغرب الأوروبي النصراني واليهودي والملحد زمناً طويلاً وتحول المسلمون من وضع الأمة الغالبة إلى وضع المغلوب (المولع دائماً بتقليد الغالب) قد فرض على الكتاب الإسلاميين والكتاب المتغربين أن يتناولوا هذه المسألة كل من وجهة النظر التي يعتنقها .
فالإسلاميون يرون أن الإسلام وحده هو الذي أعطى المرأة حريتها وكرامتها واعترف بها إنساناً كامل الإنسانية ونظر إلى طبيعتها وطبيعة الرجل فحدد نظاماً اجتماعياً يكفل مشاركة الجميع مشاركة فعالة، بينما يرى المتغربون ـ المغلوبون حقاً ـ أن الإسلام لم يعترف للمرأة بكيان مستقل وأنها في وضع أدنى من الرجل وحرمها من المساواة التي يتطلع إليها هؤلاء .
ومن اللافت للانتباه أن الدراسات الغربية (باللغات الأوروبية المختلفة) حول المرأة في العالم الإسلامي تفوق بوضوح حجم الكتابات التي كتبها الإسلاميون ، كما تفوقها في الانتشار ، ولعل من أبرز الدلائل على هذا العدد الكبير من المجلات الأسوعية النسائية وغير النسائية المنتشرة بلغات المسلمين وهي تحمل الفكر المتغرب بصراحة ( ).
وما زالت الكتب الداعية إلى خروج المرأة وسفورها تصدر تباعاً منذ كتاب قاسم أمين "تحرير المرأة" وكتاب الطاهر الحداد "امرأتنا في المجتمع والشريعة" حيث دعا كلاهما إلى خروج المرأة وسفورها وحارب الزواج بأكثر من زوجة . وبين يدي كتاب تولت اليونسكو نشره باللغة الإنجليزية أولاً ثم مولت ترجمته ونشره إلى اللغة العربية بعنوان "الدراسات الاجتماعية عن المرأة في العالم العربي" وفي هذا الكتاب تكرار لدعوة قاسم أمين ولكن بأسلوب أكثر تطوراً باستخدام معطيات عن الاجتماع ومصطلحاته .
لهذا يبدوا أن لابد من الاستمرار في الكتابة في هذا الموضوع وإجراء البحوث والدراسات الاجتماعية حول قضايا الأمة المختلفة وبخاصة موضوع المرأة ، ولابد من أخذ زمام المبادرة من دعاة التغريب ، ولقد أصبح القارئ من كثرة ما يجد من هذه الدراسات التي تزعم لنفسها العلمية والمنهجية أن يقع فريسة لطروحاتها .
أما الحكمة من إباحة الإسلام لتعدد الزوجات فيمكن أن نجدها في معرفة البناء العقدي والأخلاقي للإسلام ، فهل يرضى أحد من المسلمين لأمه أو أخته أو ابنته أو عمته أو خالته أن تكون زانية ؟ هل يرضى مسلم أن تصبح مهنة الخنا والفجورمهنة رسمية تصرح بها الحكومات وتفرض عليها الضرائب؟ هل يرضى مسلم لابنه أن يكون من رواد مثل هذه الأماكن القذرة؟ هل ترضى مسلمة أن تعيش هانئة سعيدة وترى حولها نساء لا يجدن فرصة لدخول أبواب الحياة الزوجية؟ ألا يخالف موقف المرأة الرافضة لمشاركة أخرى لها حديث الرسول صلى الله عليه وسلم ( لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه)( )
لا شك أن التربية العقدية والأخلاقية للمسلم تجعله ينفر من الزنا والخنا والفجور لأنه يسأل ربه دائماً أن يرزقه العفاف والغنى، كما أن التربية العقدية في الإسلام لا تركز على الجانب الفردي على حساب الجماعة بل المسلم بطبيعته صاحب نظرة شاملة يهمه دائماً أمر الإسلام والمسلمين. بالرغم من هذا الوضوح في تشريعات الإسلام العقدية والأخلاقية إلاّ أنه ظهر من المسلمين وغير المسلمين من أثار الشبهات حول إباحة التعدد ، وفيما يأتي بعض هذه ان تلك الأحكام التي أمر بعض البشر أن تكون كلمتهم هي النافذة فيها ، وهي مسألة إن لم تكن أخطر المسائل فإنها من أخطرها. وليس الزواج بأكثر من واحدة مسألة جديدة فقد حاربته أوروبا في عصر "النهضة الحديثة" حينما اتفق رجال الدين عندهم مع رجال القانون المدني الوضعي على إلغاء حق الرجل في الزواج بأكثر من واحدة مهما كانت الأسباب والدوافع خرجت أوروبا من نطاق حدودها الجغرافية لتهيمن رجاء العالم الإسلامي مبتدئة بالسيطرة العسكرية والسياسية والاقتصادية ، حيث سلبت الشعوب الإسلامية قدرتها على حكم نفسها واستغلال ثرواتها . وتحول الاستعمار فيما بعد إلى سيطرة على شؤون الحياة حينما استسلم العالم الإسلامي لحالة التبعية المطلقة ورضي أن يكون في وضع ((المغلوب المغرم دائماً بتقليد الغالب)) . وهذه هي المرحلة التي تكون فيها الأمة مغزوة في عقيدتها وفكرها .وكان مما تأثرنا به أن أصبحنا نستهجن تعدد الزوجات كم يستهجنونه ، وأن نأكل الربا كما يأكلونه ، وأن نستخف بالزنى والخنا كما يفعلون إلا من رحم الله . اعلم أن موضوع تعدد الزوجات ليس جديداً في تناوله من وجهة النظر الإسلامية ، فثمة عشرات الكتب التي تناولته ، لمنها اختلفت مس بالإنفاق على العديد من أولاده وزوجاته في الوقت الذي ازدادت فيه مطالب كل فرد وقلت الموارد المالية ( ).
5) الرد على هذه الشبهات :
إن معرفة الإسلام صحيحة كفيلة بالرد على هذه الشبهات فالزعم بأن التعدد كان في بداية الإسلام منتشر في العالم حيث كان ينظر إلى المرأة نظرة دونية . فإذا كان الإسلام قد جاء في القرن السادس الميلادي فلماذا استمر نظام التعدد معمولاً به في جميع أنحاء العالم حتى القرن السادس عشر ؟ فأي مغالطة هذه ؟ أما المغالطة الثانية فهي ربط التعدد باحتقار المرأة ، ألا يكفيه أن يعرف حديث المصطفى صلى الله عليه وسلم (النساء شقائق الرجال) ( )، وحديث (إن الله يوصيكم بأمهاتكم ثلاثاً …) ( )، أو حديث (من كان عنده ثلاث بنات أو ثلاث أخوات أو ابنتان أو أختان فأحسن صحبتهن واتقى الله فيهن فله الجنة) ( )، بالإضافة إلى التشريعات الإسلامية كلها التي تساوي بين المرأة والرجل في التكاليف والأجر والثواب إلا ما كان من اختلاف في الخلقة والتكوين بين المرأة والرجل لا شك أن إباحة الزواج بأكثر من زوجة سيعطي الفرصة للكثير من النساء للنجاة من براثن العنوسة بل ولعله يعطيهن الفرصة ليصبحن أمهات ويجدن من يبرهن حين نعلم توجيه رسولنا صلى الله عليه وسلم لمن سأله : أي الناس أحق بحسن صحابتي ؟ فقال له : (أمك ثم أمك ثم أمك ثم أباك ..) ( ).
أما الإدعاء بالمحافظة على شعور المرأة من أن تشاركها زوجة أخرى في زوجها فأمر نرد عليه بأن نسأل هؤلاء : هل الأولى أن تشاركها امرأة أخرى شريفة عفيفة ذات خلق إسلامي أو ترضى لنفسها أن تستقبل زوجاً يعاشر الساقطات ؟ إن المرأة تقبل راضية أو كارهة أن ينشغل عنها زوجها بأعماله الكثيرة وسفره المتواصل والتقائه مع النساء سواء في محيط عمله أو خارجه ولا ترضى أن يكون لها ضرة . ويبدو لي أن كثيراً من النساء يفضلن زوجة أخرى على مثل هذا العمل الذي يساوي أكثر من عشرات النساء ! .
وحين يزعمون بوجود الخصومة والشقاق بين أبناء الرجل من زوجات مختلفات ، فنذكر هؤلاء بأن الإسلام حريص جداً على تماسك المجتمع الإسلامي الأباعد منهم والأقارب ، وفيما ياتي بعض التوجيهات القرآنية التي تؤكد ذلك إنما المؤمنون اخوة ( ) ، وقوله تعالى واعتصموا بحبل الله جميعاً ولاتفرقوا ( )، ويقول الرسول صلى الله عليه وسلم (لايؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه ( )وقوله صلى الله عليه وسلم (المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده) ( )، هذا بين من تجمعهم كذلك أخوة النسب بانتمائهم إلى أب واحد . إن المغالاة في تصوير النزاعات المتوهمة بين أبناء العلات قد سيقت للتشكيك في إباحة تعدد الزوجات ، بل جعلهم ذلك يركبون الصعب للعبث بالشريعة الإسلامية . فماذا عليهم لو حكموا عقولهم ونظروا في أحوال البلاد التي قيدت الزواج وقيدت الطلاق كيف أصبح حال شبابها ونسائها ، إن الدعاة قد أصبحت في هذه البلاد مؤسسة ضخمة تدر مئات الملايين من الدولارات شهرياً أو سنوياً ، وأصبح عدد اللقطاء قريباً من عدد الأبناء الشرعيين ، بل إن الأبناء الشرعيين توشك شرعيتهم أن تضيع لما أصاب النساء والرجال من الانحراف والفساد .
ويمكن أن نضيف التساؤل حول الأرامل والمطلقات ولا سيما ذوات الأبناء هل يحرمون من الزواج من رجل متزوج من أجل هذه النزاعات والشقاقات المتوهمة أو المتوقعة ؟ أما التاريخ فيقول عن أبناء الرجال الذين تزوجوا زوجتين وأكثر هؤلاء هم الذين فتحوا الدنيا وأناروها بالإسلام فلو كانوا حقاً في شقاق ونزاع لما خرجوا من جزيرة العرب بل هم لم يخرجوا من الجزيرة حينما كانوا يعددون الزوجات بلا حدود ولا قيود وكانوا لايقيمون للمرأة وزنا .
وللرد على مسألة الاحتياجات الاقتصادية فنقول بأن الأرض لم تضق يوماً برزق من عليها والله عز وجل يقول : وفي السماء رزقكم وما توعدون ( ) ويقول سبحانه وما من دابة إلا على الله رزقها( ) وقد قسمت الكرة الأرضية بعد سيطرة الغرب وهيمنته إلى قسمين ؛ مجتمعات الوفرة والفائض التي تحارب التعدد ، ومجتمعات الجوع والفقر ، وليس سبب هذا التقسيم أن الفقراء لا يملكون بل هم يملكون ولا يعرفون كيف يستغلون ما عندهم فيقعون ضحية لقوة الغرب الذي يأخذ ما عندهم، ألا ترى الدول الصناعية تأخذ الخامات من الدول الفقيرة لتصنيعها فإذا ما صنعتها أعدتها منتجات (أوهموا العالم بأنها ضرورية) وبيعت بأسعار تفوق قيمتها الحقيقة عشرات المرات بل بلغ من جشع هذه الدول أنها تلقي بفائض إنتاجها في البحر أو تحرقه أو تتلفه بأي وسيلة حتى لايتدنى سعره في الأسواق فأي حضارة هذه تموت فيها الملايين من أجل ترف المترفين . ولابد أن نذكر أن المرأة حين تتزوج بصفتها ثانية أو ثالثة فهي تأتي برزقها ذلك أن كل مولود يكتب رزقه وأجله وشقي أو سعيد قبل أن يولد . فهي من مخلوقات الله التي تكفل برزقها كما أن هذه المرأة قد تكون صاحبة فكر وتدبير أو صنعة أو مهن قد تعين الرجل في عمله فينتقل من حالة الفقر والعوز إلى الغنى .
ويزعمون أيضاً أن التعدد برهان على تمكن الغريزة البهيمية من الرجل ، فهل يقولون هذا من علم وبينة ؟ قل هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين ( )، هل الدين الذي يأمر بالعفة وغض البصر وحفظ الفرج ويعاقب على الزنا ـ متى توفرت شروط العقوبة ـ بالجلد أو الرجم هل مثل هذا الدين يسمح بالبهيمية ؟ أم أن البهيمية تتمثل في الاختلاط والتبرج والسفور ووسائل الفن الداعية إلى الرذيلة بما تعرضه من مفاتن المرأة ؟ .
ولكن لنرد بأسلوب آخر فالمسلم يتحمل أضخم مسؤولية عرفها الإنسان لأن أمته هي الأمة الوسط وهو المسؤول عن دعوة البشرية جمعا إلى الدين الحق وإقامة شرع الله فيها فالرسل قبل سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم كانوا يبعثون إلى أقوامهم خاصة وهم يتحملون مسؤولية الدعوة جميعها ، أما أتباع سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم فقد أمروا أن يبلغوا فيشاركوا الرسول في مهمته قل هذه سبيلي أدعو إلى الله على بصيرة أنا ومن اتبعني ( )، وجاء عن سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم قوله (نضر الله امرءاً سمع مقالتي فوعاها فأداها كما وعاها فرب مبلغ أوعى من سامع ورب حامل فقه إلى من هو أفقه منه) ( )، فكيف لمن حمل هذه الدعوة والمسؤولية أن يكون بهيمياً ؟ كيف لمن حثه الإسلام على قيام الليل والغزو في سبيل الله ، ولمن دعاه الإسلام إلى التقلل من متع الدنيا (كن في الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل)( ) أن يكون بهيميناً ؟ كيف لمن يؤمن بالإسلام الذي جاء من عند الله عز وجل القائل في كتابه زين للناس حب الشهوات من النساء والبنين والقناطير المقنطرة من الذهب والفضة والخيل المسومة والأنعام والحرث ذلك متاع الحياة الدنيا والله عنده حسن المآب ( ) كيف لهذا أن يكون بهيميناً ؟ المسلم الحق لا تسيطر عليه الشهوانية والبهيمية إن سيطرت على غيره ، فهذه الصفة لو لم تكن حقاً مسيطرة على المجتمعات الغربية لما امتهنت المرأة هناك امتهاناً مزرياً بها وأصبحت تمتهن البغاء أو تمارسه دون أن تمتهن غيره من عشرات المجالات . ثم متى كانت المرأة محترمة إذا أوقفت في شباك زجاجي لتتلوى كالثعبان تعرض الأزياء ؟ أو تظهر في شتى الصور المثيرة التي تعرض فيها منتجات هذه الحضارة من الأحذية إلى الإطارات إلى الخطوط الجوية إلى أغلفة المجلات والكتب وغيرها .
وثمة جانب آخر فالإسلام حين أباح التعدد راعى أن للمرأة غريزة مثل الرجل ، وفي ذلك يقول محمد قطب : "ولكن حاجتها الطبيعية كيف تقضيها ؟ ومالم تكن معصومة فهل أمامها سبيل إلا الارتماء في أحضان الرجال لحظات خاطفة في ليل أو نهار ؟ ثم حاجتها إلى الأولاد … كيف تشبعها ؟ والنسل رغبة لا ينجو منها أحد" ( )، ولكنها لدى المرأة أعمق بكثير من الرجل ، إلى أن يقول : "فهل من سبيل إلى قضاء تلك الحاجات بالنسبة للمرأة بصرف النظر عن حاجة المجتمع إلى أخلاق نظيفة تحفظه من التحلل الذي أصاب دولاً كثيرة فأزالها من قائمة الدول التي كان لها دور في التاريخ ـ هل من سبيل إلى ذلك غير اشتراك أكثر من امرأة في رجل واحد علانية وبتصريح من الشرع) ( ).
إن شرع الله لا يسأل فيه البشر أيرضونه أ/ لا ؟ أيحبونه أم لا ؟ ولكن متى كان دعاة ما يسمى بتحرير المرأة والنساء القاصرات النظر اللاتي تطغى عليهن غريزة حب التملك أو المتغربون الذين باعوا عقولهم للغرب يسألون عن شرع الله ؟ إن الغرب نفسه كما ذكرنا يشكو من مشكلة اللقطاء والبغا وبيع الأطفال وقتل الأطفال المتسكعين بلا مأوى ، هذا الغرب لا يمكن أن ينظر إلى رأيه ، ثم هل درسنا التاريخ الإسلامي دراسة اجتماعية ؟ هل سألنا النساء اللاتي شاركن غيرهن في رجل يلتزم بقيم الإسلام وأخلاق ؟ لا شك أننا لو استقرأنا التاريخ استقراء صادقا ولو التزم المسلمون بالاسلام لما ظهرت مشكلة يطلق عليها تعدد الزوجات .
6) زواج الرسول صلى الله عليه وسلم ( ):
وإن من أبلغ ما يمكن الرد به على من يثير قضية تعدد الزوجات أن نعرض موجزاً حول تعدد زوجات الرسول صلى الله عليه وسلم فإن فيها النور والهداية والحكمة والعقل .
عرف الرسول صلى الله عليه وسلم في مكة قبل البعثة بالصدق والأمانة والعفة واستقامة الخلق فلم يعرف عنه مطلقاً أن شارك في أي
الزواج بها كبار أشراف قريش وكانت قد بلغت الأربعين من العمر ، تزوجها محمد صلى الله عليه وسلم وعاش معها في وئام زوجي وتفاهم وود حتى توفاها الله بعد ان بلغ الخمسين من العمر .
وظل يتذكر هذه الزوجة بكل الوفاء والمحبة لأنها ىمنت برسالته وكانت قد جعلت مالها في سبيل الدعوة إلى الله ، وأنجبت له الذرية التي حرمها من غيرها من زوجاته . وكان زواج النبي صلى الله عليه وسلم بعد خديجة من امرأة أرملة مسنة هي سودة بنت زمعة رضي الله عنها ، مات عنها زوجها وهي في الحبشة التي هاجرت إليها فراراً بدينها ، فما كان من النبي إلا أن تزوجها إكراما لها على تضحيتها في سبيل هذا الدين وخوفاً عليها من العودة إلى والدها المشرك ، ولكونها امرأة كبيرة في السن تستطيع أن ترعى شؤون أبنائه من خديجة رضي الله عنها التي توفيت منذ وقت قصير .
وبعد سودة بنت زمعة التي شرفها الرسول صلى الله عليه وسلم بزواجه منها ولم تكن تملك مؤهلات الزوجة من الجمال والشباب تزوج الرسول صلى الله عليه وسلم من عائشة بنت أبي بكر الصديق رضي الله عنها وعن أبيها رفيق دعوته وخليله . إن زواجه صلى الله عليه وسلم من عائشة الشابة الجميلة كان زيادة في القربى من أبي بكر الصديق ، ولأن الصديقة رضي الله عنها كانت ذات ذكاء وفهم وفطنة فهي التي ستنقل عن رسول الله صلى الله عليه وسلم كثيراً من العلم لهذه الأمة ، ولو كان تزوجها للمتعة لما تزوج بعدها ، ولكن عائشة رضي الله عنها قد جاء بعدها نساء ينافسها في الجمال والشباب . أما زواج الرسول صلى الله عليه وسلم الرابع فكان من حفصة بنت عمر بن الخطاب رضي الله عنهما ، تلك المرأة التي بدأت تتخطى سن الشباب فقد كانت من الذين هاجروا إلى الحبشة وكانت متزوجة وتوفي زوجها بعد أن شهد بدراً وأحداً فتأيمت فما كان من أبيها إلا أن عرض تزويجها على أبي بكر وعثمان رضي الله عنهما ، ولكن رسول الله صلى الله عليه وسلم تزوجها إكراماً لها ولأبيها .
وتزوج الرسول صلى الله عليه وسلم بعد ذلك زينب بنت خزيمة (أم المساكين) وكانت متزوجة قبله ولم تمكث طويلاً حيث عاشت معه عدة أشهر وتوفاها الله .
وكان زواج رسول الله صلى الله عليه وسلم من أم سلمة هند بنت أمية التي هاجرت مع زوجها إلى الحبشة ولما هاجرت مرة أخرى مع زوجها إلى المدينة استشهد زوجها يوم أحد كانت قد كبرت في السن ولها أطفال ولكن الرسول صلى الله عليه وسلم يريد أن يعلم أمته الرحمة والرأفة فضمها إلى زوجاته .
وتزوج الرسول صلى الله عليه وسلم زينب بنت جحش بعد أن طلقها زيد بن حارثة وكان زيد رضي الله عنه يدعى في الناس بيزد بن محمد ولكن الله عز وجل أراد أن يبطل التبني فلا يدعي أحد نسباً لأحد ما هو شرعي وكذلك أن المولى أو من كان في حكم المتبنى يحق للولي أن يتزوج امرأته إذا طلقها . إنه درس عظيم أراد الله عز وجل أن يتعلمه المسلمون فاختار رسول الله صلى الله عليه وسلم ليكون القدوة . والرسول صلى الله عليه وسلم هو الذي زوج زيداً بزينب ولم تكن زينب بعيدة عنه لا يعرفها حتى إذا أصبحت زوجاً لغيره أحبها . إن هذا لهو الافتراء حقاً ، ومن ذلك زعم رؤية الرسول لها وإعاجبه بها بل وحبه لها وولهه بها صلى الله عليه وسلم كيف يستسيغ عاقل أن ينسب للرسول صلى الله عليه وسلم مثل هذا الأمر ، وهل مسؤوليات النبوة والقيادة والقدوة كانت تترك الرسول صلى الله عليه وسلم لينظر إلى جمال امرأة وهو الذي تزوج الأرامل والمسنات لإكرامهن وتكريمهن ألم يكن لبشريته صلى الله عليه وسلم أن تظهر إلا في هذا الأمر .
ونذكر من زوجات الرسول صلى الله عليه وسلم جويرية بنت الحارث التي كان المسلمون في حرب مع قومها فوقعت في الأسر وكانت من نصيب أحد المسلمين وجاءت إلى الرسول صلى الله عليه وسلم تستعين به لفك أسرها فخيرها بين العتق أو أن يتزوجها الرسول صلى الله عليه وسلم وقبلت بالزواج من الرسول صلى الله عليه وسلم ، وهنا تسابق المسلمون لعتق أسراهم فكانت بركة على قومها أي بركة .
وتزوج الرسول صلى الله عليه وسلم صفية بنت حيي بن أخطب اليهودي بعد مقتل زوجها وكان أقاربها من أعداء رسول الله صلى الله عليه وسلم وأعداء الإسلام ولكنها اختارت الإسلام فتزوجها الرسول صلى الله عليه وسلم رحمة بها .
ومن أزواج الرسول صلى الله عليه وسلم أم حبيبة بنت أبي سفيان قائد معسكر الكفر قبل إسلامه ، وقد تزوجها وهي في الحبشة بعد أن ارتد زوجها عن الإسلام ، وحرصاً من النبي صلى الله عليه وسلم أن لا تضيع هذه المرأة المسلمة في أرض الغربة وكل النجاشي أن يعقد له عليها فكانت بذلك محل إكرام من المسلمين ومن النجاشي .
فماذا في هذه التعدد ؟ إن من أجمل ما قرأت قول الشيخ محمد علي الصابوين في رد الشبهات حول مسألة تعدد الزوجات حيث يقول :
" مال الذي يفعله الرجل الشهوان الغارق في لذات الجسد إذا بلغ في المكانة والسلطان ما بلغه محمد بين قومه ؟ لم يكن عسيراً عليه أن يجمع إليه بنات العرب وأفتن جواري الفرس والروم على تخوم الجزيرة العربية ، ولم يكن عسيراً عليه أن يوفر لنفسه ولأهله من الطعام والكساء والزينة مالم يتوفر لسيد من سادات الجزيرة في زمانه ، فهل فعل محمد ذلك بعد نجاحه؟ هل فعل محمد ذلك في مطلع حياته ؟ كلا لم يفعله قط ، بل فعل نقيضه وكاد أن يفقد زوجاته لشكايتهن من شظف العيش في داره" ( ).
فهل في مثل هذا التعدد ما يشين ؟ كلا والله بل إنه لفخر وأي فخر للإسلام والمسلمين .
7) الأسباب الداعية إلى الزواج مثنى وثلاث ورباع :
وإتماماً للحديث عن هذه القضية نورد فيما يأتي الأسباب الداعية للزواج بأكثر من زوجة كما أوردها بعض من سبق إلى درساة هذا الموضوع ، هناك أسباب عامة وأخرى خاصة ، ولنبدأ بالأسباب العامة .
أولاً : زيادة عدد العوانس والمطلقات ( ):
يزداد عدد العوانس في أي مجتمع يعزف الشباب فيه عن الزواج لأسباب عديدة قد يكون منها توفر الفرص للالتقاء بالنساء خارج إطار الزواج ومسؤولياته ، أو قد تكون مسؤوليات الزواج وتكاليفه مما تنوء به ظهور الشباب عندما لايجد المسكن المناسب ، وإن وجده لاي جد ما يدفع مهراً ، إلى غير ذلك من تكاليف تجعله يعزف عن الزواج . وقد يزداد عدد العوانس لأسباب اجتماعية كأن لا يقبل الأب زوجاً لابنته إلا من طبقة اجتماعية أو انتماء قبلي معين .
أما زيادة الأرامل والمطلقات فيمكن أن تحدث لأسباب منها : أن مؤسسة الزواج أو الأسرة لم تعد لها احترامها ومكانتها فيكثر الطلاق ، أما الترمل فهو نتيجة الأحداث والحوادث من حروب وغيرها ، ويتعجب المرء حين يقرأ في تاريخنا الإسلامي أن امرأة مات زوجها فتزوجها آخر بسرعة ، أ إن طلقها أحدهم تزوجها الآخر . هل كانت النساء قلة أو أن المرأة كانت شخصيتها في ذلك الزمن أكثر جاذبية وأوقى مما وصلنا إليه في هذا الزمن . لا شك أن في هذا الأمر بعض الصحة . ومن أسباب الترمل أيضاً أن النساء يعشن في المتوسط أكثر من الرجل لما يتعرض له الرجل من مخاطر في حياته .
ثانياً : نقص عدد الرجال نقصاً كبيراً نتيجة الحروب :
من الأمثلة الحديثة على هذا الأمر ما وقع في أوروبا من حربين عالميتين قضت على الملايين من الرجال مما دعا بعض المفكرين الغربيين أن ينصحوا بإقرار تعدد الزوجات ، ولكن أوروبا أصمت سمعها عن النصيحة مضحية بالقيم والأخلاق .
الأسباب الخاصة للتعدد( ) .. :
1) العقم :
من أبرز أهداف الزواج الذرية ، فلو ثبت أن المرأة لا تجنب وعاش الرجل معها أعواماً أينكر العشرة والمودة بينهما فيطلقها ويتزوج أخرى أم يبقيها معززة مكرمة ؟ إن الأطفال الذين قد تنجبهم المرأة الأخرى سيصبحون كأنهم أطفالها لصلتها بوالدهم ، والواقع يصدق ذلك كثيراً ، كذلك سيكون بيت المرأة التي ليس عندها أطفال مكانا لراحته وهدوئه فتكسبه مرتين . أما إذا كان الرجل عقيماً فمن حق المرأة أن تطلب الطلاق .
2) العجز عن القيام بالواجبات الزوجية لمرض أو سواه
وهذا إكرام آخر للمرأة فإن قعد بها المرض عن أداء واجباتها الزوجية فمن الوفاء لها إبقاؤها على ذمة الزوج والزواج بامرأة أخرى .
3) رغبة الرجل في الاقتران بامرأة أحبها
ثمة مناسبات تجعل الرجل يتعرف إلى امرأة ما وبخاصة المجتمعات التي فيها قدر من الاختلاط أو سمع بمزاياها وقد لا تكون لزوجته مثل هذه المزايا فيرغب في الزواج منها . فحرصاً على عفافه والتزامه الطريق السليم يتقدم للأخرى . فهل يكون من الإنصاف للأولى أن يطلقها أو أن يحاول الوصول إلى المرأة الأخرى خارج نطاق الزواج .
4) كره الرجل لزوجته
(القلوب بين أصبعين من أصابع الرحمن يقلبها كيف يشاء) ( )، فمن كان حبيب اليوم لقد تغير نحوه غداً وقد تشتد الكراهية وتكثر الخصومات فبدلاً من التفريق بين الزوجين ، وبخاصة إذا كان عندهما أطفال فلا بأس أن يتزوج بأخرى ، الأمر الذي قد يؤدي إلى هدوء العش الزوجي بل وربما عودة الحب من جديد ، وكم من رجل كره زوجته وتزوج بأخرى فعاد إلى الأولى أشد حباً وتقديراً فتكون قد كسبت مرتين ، انتهاء الكراهية بينهما وازدياد حبه لها من جهة أخرى .
5) كثرة أسفار الزوج وإقامته في بلد آخر قد تطول فهل يتخذ زوجة يعيش معها بطريقة مشروعة أو يترك الرجل ليقع في الخطأ ؟ إن بعض الرجال ينتقل عمله من بلد إلى آخر فتأبى زوجته الانتقال معه وهو لا يريد مفارقتها فهل يتركها وأطفالها بالطلاق أو تبقى على ذمته يزورها ويؤدي واجبه نحوها.
6) الدافع الجنسي
سبق أن أوردنا الآية زين للناس حب الشهوات ( ) وبعض الرجال أصحاب طاقة تفوق المعدل بل إن طاقة الرجل حتى في الأحوال العادية تستطيع أن توفي بحق أكثر من زوجة والدليل على ذلك أن المجتمعات الغربية (أو الشرقية) المنفتحة جداً قليلاً ما تجد رجلاً يكتفي بزوجته الوحيدة ، ويمكن أن نضيف أن العلاقة بين الرجل والمرأة ليست دائماً على نموذج قيس وليلى أو روميو وجوليت أي رومانس (غرام) لامرأة واحدة .
7) نظرة المرأة إلى الرجل
قد يكون الرجل من أهل الصلاح والورع أو صاحب شخصية جذابة وذا مكانة اجتماعية مرموقة فترى كثير من النساء أنه مما يشرفهن الارتباط بمثل هذا الرجل والمثل الأعلى للمسلمين هو رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي وهبت بعض النساء أنفسهن له وقد كان معروفاً عن الحسن بن علي رضي الله عنهما أنه خير من تزوج وخير من طلق .
8) زوجة واحدة أم تعدد ؟
يقول مصطفى السباعي ـ رحمه الله تعالى ـ : (فما من شك أن وحدة الزوجة أولى وأقرب للفطرة وأحق للأسرة وأدعى لتماسكها وتحاب أفرادها ، ومن أجل ذلك كان هذا النظام الطبيعي الذي لا يفكر الإنسان المتزوج العاقل في العدول عنه إلا عند الضرورات وهي التي تسبغ عليه وصف الحسن وتضفي عليه الحسنات) ( ).
ويقول محمد قطب : "أما تعدد الزوجات فتشريع للطوارئ وليس هو الأصل في الإسلام" ( ).
والحقيقة أ، تشريع التعدد يستجيب للفطرة ويحقق العفة للرجل والمرأة على السواء ، لذا بدأ القرآن بالتعدد وجعل الإفراد هو الاستثناء فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع فإن خفتم ألا تعدلوا فواحدة ( )، والقول بأن الخوف من عدم العدل متحقق دائماً يتعارض مع شرع التعدد مما لايتصور فيه أن الشارع الحكيم قصد إليه ومن ثم فالأولى هو القول بأن الخوف من عدم العدل هو الاستثناء وهو ما نتبينه من صياغة الآية الكريمة ، أما الاحتجاج بالآية الأخرى ولن تستطيعوا أن تعدلوا بين النساء ولو حرصتم ( )، فمردود بأن العدل المقصود هنا هو العدل القلبي وهو غير مطلوب في القسمة بين النساء لأنه غير مقدور عليه ، أما العدل المقصود فهو العدل الظاهر في القسمة بين النساء وهو عدل ممكن إذا تمسك الرجال بمبادئ الإسلام وأخلاقه ( ).
الضوابط :
ونأتي هنا للضوابط التي وضعها الإسلام للزواج مثنى وثلاث ورباع ولعل أبرز هذه الضوابط أن لايتجاوز عدد النساء أربعة والعدل بينهن ، ويضيف بعض الكتاب مسألة القدرة على الإنفاق ، ولكن الحقيقة أنه لا يمكن للإنسان أن يضمن ذلك ولو كان عنده زوجة واحدة فقط ، وفي الغالب أن الرجل لا يقدم على الزواج إلا وهو يأنس من نفسه القدرة على الإنفاق ، أما اشتراط امتلاك الرجل للمال الوفير للزوج فلم يجعله الإسلام شرطاً ، وإلا كيف تفسر تزويج الرسول صلى الله عليه وسلم لرجل بأن قال له : (التمس ولو خاتماً من حديد) ( )، وزوج الرجل نفسه بما معه من القرآن الكريم أن يحفظ تلك السور زوجته ( )، والزوجة الأولى أو غيرها هي من عباد الله الذين تكفل الله لهم برزقهم كما جاء في الآية الكريمة وفي السماء رزقكم وما توعدون ( ) وورد في الحديث الشريف أيضاً أن كل نفس يكتب رزقها وأجلها قبل أن تولد .
أما ضابط العدد فقد وردت الأحاديث الشريفة أو السنة الفعلية للرسول صلى الله عليه وسلم كما يأتي :
1) روى البخاري أن غيلان بن سلمة الثقفي أسلم وتحته عشرة نسوة ، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم : (اختر منهن أربعاً) ( ).
ومسألة العدل مسألة جوهرية في تربية المسلم وقد جاءت الآيات القرآنية الكثيرة التي تأمر بالعدل إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلكم تذكرون ( )، ومن أروع الآيات التي تأمر بالعدل وإن كان معناها جاء حول البيع ويل للمطففين الذين إذا اكتالوا على الناس يستوفون وإذا كالوهم أو وزنوهم يخسرون ( )، وجاءت التوجيهات النبوية الكريمة تأمر بالعدل كما في حديث الرسول صلى الله عليه وسلم : (إذا كان عند الرجل امرأتان فلم يعدل بينهما جاء يوم القيامة وشقه ساقط) ( )، ومن صور العدل "المساواة بين الزوجات في المعاملة" وذلك في نفقتها الخاصة بمأكلها وملبسها بحيث لا تزيد واحدة عن أخرى ، وكذلك العدل في المسكن حيث يكون لكل زوجة مسكن مستقل ، ومنذ لك أيضاً المساواة في المبيت ، أما الجانب الذي يصعب العدل فيه فيكفينا حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي روته عائشة وهو قوله صلى الله عليه وسلم : (اللهم هذا قسمي فيما أملك فلا تلمني فيما تملك ولا أملك) ( ).
وكان قدوتنا صلى الله عليه وسلم يضرب المثل في العدل حتى لما كان في مرضه الذي مات فيه كان يسأل أين أنا غداً ؟ يريد يوم عائشة فأذن له أزواجه أن يكون حيث يشاء فكان في بيت عائشة حتى مات عندها ( ).
ومن عدله صلى الله عليه وسلم أنه كان إذا أراد سفراً أقرع بين نسائه ( ) وكيف لا يكون المسلم عادلاً ؟ وإن لم يكون المسلم عادلاً فمن يكون ؟ وفي هذا يقول مصطفى السباعي (رحمه الله تعالى): (وكان من إصلاح الإسلام في هذا الأمر أن ربى ضمير الزوج على خوف الله ومراقبته ورغبته إن نفذ أوامره وخشيته من عذابه إن خالفها)( )
وثمة قيد آخر هو تحريم الجمع بين الأختين أو بين المرأة وعمتها أو ابنتها والعلة واضحة في ذلك وهي الحفاظ على المجتمع الإسلامي من التمزق بسبب الغيرة التي يمكن أن تحدث بين الضرائر.
الخاتمة
الزواج بأكثر من زوجة واحدة حتى أربع رخصة أو أمر أباحه الإسلام للرجل الذي تربى عقدياً وأخلاقياً على مائدة القرآن ، يعيش بضمير حي يراقب الله عز وجل فيما يفعل أو يترك . هذا المسلم يعتقد أن "النساء شقائق الرجال" وأنهن كيان مستقل يتحملن التكليف ويترقين في درجات التقوى حتى كانت منهن مثلين للذين آمنوا كما جاء عن امرأة فرعون ومريم عليها السلام والمرأة المسلمة تعتقد بقوامة الرجل عليها لأنه مكلف بالإنفاق عليها زوجاً أو أماً أو أختاً ، ومن تكاليف الرجل أن أوصي بإكرام المرأة أماً و زوجة (أمك ثم أمك ثم أمك تم أبوك)و(خيركم خيركم لأهله وأنا خيركم لأهلي)وبنتاً وأختاً (من كان عنده أختان أو ابنتان …..)
من هذه المنطلقات تبنى الأسرة المسلمة : اختيار للمرأة ذات الدين، وللرجل المرضى في دينه وخلقه وبعد ذلك حدد الشرع الكريم حقوق كل طرف.
وتناول البحث بإيجاز تعدد الزوجات تجنبنا فيه الخوض في القضايا الفقهية التي لها أهلها ولكنت أوضحنا أن المجتمع المسلم حين لم تكن قضية الزواج بأكثر من واحدة سوى مسألة فرعية كان مشتغلاً بالدعوة إلى الله وكان همه إنقاذ البشرية مما وصلت إليه من انحراف وفساد وزيغ وضلال، كانت قضية المسلمين الأولى أن يحكم شرع الله وهنا ساد أبناء الرجال الذين تزوجوا بأكثر من واحدة ، وساروا على نهج آبائهم .
ويهدف هذا الكتاب إلى وضع مسألة التعدد في وضعها الصحيح بأن نخرج من دائرة النفوذ التغريبي الذي يستهجن الزواج بأكثر من واحدة ، وليؤكد على أ، القضية الأكبر هي طهارة المجتمع المسلم أولاً ثم المجتمع الإنساني ثانياً من العقائد الفاسدة والأخلاق المنحرفة وأن مسؤولية المسلمين في هذا الزمن أكبر وأشد إلحاحاً لتقدم وسائل المواصلات والاتصالات فلم يعد ما يحدث في أي بلد بعيد عنا مهما كانت المسافات .
وقد أوضح هذا البحث كيف عانى الغرب ويعاني من منع التعدد ومن غير ذلك من مثل التحلل من المثل والقيم ، وتجدر الإشارة إلى أ، هؤلاء سرعان ما ينتقدون التعدد في الإسلام رغم ماتعج به مجتمعاتهم من مشكلات ونحن في هذا نلتزم بالمنهج القرآني في دعوة الكفار حيث يوضح القرآن الكريم عيوب مجتمعاتهم وعيوب نظمهم بدلاً من الوقوف موقف الدفاع .
والحقيقة أن تكون المرأة زوجة ثانية أو ثالثة أو رابعة خير بألف مرة من أن تكون زوجة وحيدة عند أوروبي أو غيره بنى بها نتيجة قصة غرام فما هو إلا عنصر لوقت وتنطفئ شعلة الحب ثم لا تجد منه المعروف والإحسان وأنى له ذلك وهو لا يرجو الله ولا اليوم الآخر . نرجوا الله أن يبصرنا بطريق الحق وأن يردنا إلى الإسلام رداً جميلاً ، ونسأله سبحانه أن يغفر زلاتنا إنه سميع مجيب .
والحمدلله رب العالمين .
المـراجـع
1) القرآن الكريم .
2) السنة المطهرة .
3) ابن كثير ، السيرة النبوية .
4) أمين ، قاسم ، تحرير المرأة ، الجزائر ، موفم للنشر 1988 .
5) البار ، محمد علي ، عمل المرأة في الميزان ، جدة ، الدار السعودية للنشر ـ 1401/1981.
6) جاويش ، عبدالعزيز ، الإسلام دين الفطرة ، الجزائر ، دار الكتب الجزائرية 1988م.
7) الجبري ، عبدالمتعال محمد، المرأة في التصور الإسلام ، القاهرة، مكتبة وهبي، ط2، 1396/1976
8) الخولي ، البهي ، الإسلام والمرأة المعاصرة، الكويت، الدار القلم، ط3، (بدون تاريخ) .
9) الدراسات الاجتماعية عن المرأة في العالم العربي ، بيروت، المؤسسة العربية للدراسات والنشر ، ط1، 1984م (تأليف مجموعة من المؤلفين باللغة الإنجليزية ونشرته اليونسكوومولت ترجمته أيضاً).
10) الذهبي، محمد بن أحمد بن عثمان، السيرة النبوية، تحقيق حسام الدين القدسي، بيروت، دار الكتب العلمية 1401/1981/.
11) ريان، أحمد علي طه، تعدد الزوجات ومعيار تحقيق العدالة بينهن في الشريعة الإسلامية ، القاهرة ، دار الاعتصام ، (بدون تاريخ) .
12) مصطفى، السباعي ، المرأة بين الفقه والقانون، بيروت، المكب الإسلامي ومؤسسة الرسالة، ط3، (بدون تاريخ) .
13) شلبي، أحمد ، مقارنة الأديان ـ اليهودية، القاهرة: مكتبة النهضة المصرية، ط8، 1988.
14) الشرفى، عبدالمجيد، الفكر الإسلامي في الرد على النصارى إلى نهاية القرن الرابع ، تونس: الدار التونسية للنشر، والجزائر: المؤسسة الوطنية للكتاب، 1986.
15) الصابوني، محمد علي، شبهات وأباطيل حول: تعدد زوجات الرسول صلى الله عليه وسلم . (بدون ناشر) ، 1400/1980 .
16) صالح ، سعاد إبراهيم ، أضواء على نظام الأسرة في الإسلام ، جدة: تهامة (الكتاب الجامعي) 1403/1982 .
17) صبري، مصطفى، قولي في المرأة ومقارنته بأقوال مقلدة الغرب، بيروت: دار الرائد العربي، ط2، 1402/1982.
18) عبدالوهاب، أحمد، تعدد نساء الأنبياء ومكانة المرأة في اليهويدة والمسيحية والإسلام ، القاهرة، مكتبة وهبة 1409/1989.
19) العسال، أحمد محمد ، الإسلام وبناء المجتمع، الكويت، دار القليم، ط5، 1402/1982.
20) عسيري، جابر بن علي بن عبدالله، تعدد الزوجات والاحتساب فيه، بحث تكميلي لنيل درجة الماجستير في قسم الدعوة والاحتساب بالمعهد العالي للدعوة الإسلامية بالمدينة المنورة ، 1405/1406.
21) العطار، عبدالناصر توفيق، تعدد الزوجات من النواحي الدينية والاجتماعية والقانونية ، بيروت: مؤسسة الرسالة، ودار الشروق ، 1396/1976.
22) العقاد، عباس محمود، المرأة في القرآن، بيروت: دار الكتاب العربي ،ط3، 1969.
23) غاوجي، وهبي سليمان، المرأة المسلمة، بيروت: دار القلم ومؤسسة الرسالة، ط5، 1402/1982.
24) فائز، أحمد ، دستور الأسرة في ظلال القرآن، بيروت: مؤسسة الرسالة 1400/1980.
25) قطب، سيد، في ظلال القرآن ، بيروت: دار الشروق، 1393/1973.
26) قطب، محمد، شبهات حول الإسلام، بيروت: دار الشروق، ط16، 1403/1983.
27) لطيف، شكري، الإسلاميون والمرأة، تونس، بيرم للنشر ،ط2، 1988 .
28) المودودي، أبوالأعلى، الحجاب، بيروت: دار الرسالة، 1401/1981.
***************************************
اللهم اني اردت بعملي هذا النفع والفائدة فتقبله مني يارب
وفي البداية هذا البحث عن تعدد الزوجات مؤلف الكتاب واسم الكتاب
الزواج
مثنى وثلاث ورباع:
الأسباب والضوابط
الدكتور مازن صلاح مطبقاني
وهذا البحث
الزواج مثنى وثلاث ورباع
مقدمة :
إن بناء الأسرة يستغرق جهوداً عظيمة ابتداء بالبناء العقدي والأخلاقي ، ومن المعروف أن موقف الإسلام من المرأة يعد رائداً متميزاً مقارنة بالأمم الأخرى قديماً وحديثاً ، ومن الواضح أن الأسرة المسلمة يتربى أفرادها أولاً تربية عقدية أخلاقية ، ثم لا يكون تأسيسها لأسرة جديدة عشوائياً بل يخض لاختبارات من قبل أهل الفتاة ، وكذلك عند أهل الزوج حتى إذا تكونت الأسرة واكبها الإسلام بالتوجيهات والنصح وأحاطها بالأهداف السامية العظيمة .
لهذا كله لما جاء الإسلام ووجد أن التعدد موجد ولكن لاينتظمه نظام ولا حدود ولا قيود ما كان منه إلا أن وضع له نظاماً تشريعياً . ونود أن نشير هنا إلى أن الكتابة عن التعدد لم تكن تحتل مستحة كبيرة في تراثنا الإسلامي أيام عظمة المسلمين وحضاراتهم ، فما كان الأمر يتعدى كتاب النكاح والعدل بين الزوجات دون إطالة زائدة أو حديث حول الأصل في الزواج هل هو التعدد أو الزوج الواحدة ، وما أجمل ما قاله سيد قطب رحمه الله : (أن الإسلام لم ينشئ التعدد بل حدده ، ولم يامر بالتعدد بل رخص فيه وقيده وأنه رخص فيه لمواجهة واقعيات الحياة البشرية ، وضرورات الفطر الإنسانية … فالحكمة والمصلحة مفترضتان وواقعتنا في ك لتشريع إلهي سواء أدركها البشر أم لم يدركوها في فترة من فترات التاريخ الإنساني القصير عن طريق الإدراك البشري المحدود) ( ).
وفي هذا الفصل نتناول الزواج بأكثر من زوجة بالحديث أولاً عن التعدد عند اليهود وعند النصارى وفي الواقع الأليم ثم نتناول حكمة الزواج بأكثر من زوجة في الإسلام ونحاول بعد ذلك التعرف على حكم هذا الزواج ، هل هو للضرورة أو للحاجة أو هل هو مباح وغير ذلك من المصطلحات الفقهية ، ويكون خاتمة البحث الحديث عن ضوابط الزواج بأكثر من زوجة .
1) : التعدد عند اليهود :
هل تعدد الزوجات نظام جديد على البشرية ؟! الحقيقة أنه نظام قديم جداً لكنه لم يعرف التنظيم والضوابط إلا في التشريع الإسلامي ؛ فاليهود عرفوا تعدد الزوجات وكان لهم أمراً طبيعياً فقد كثر ذكر زوجات الأنبياء من بني إسرائيل كما وردت عبارات في كتابهم (المحرف) حول مسائل التعدد من مثل "إذا كان لرجل امرأتان إحداهما محبوبة والأخرى مكروهة فولدتا له بنين المحبوبة والمكروهة الخ"( ).
ومن الدواعي للتعدد عند اليهود دعوة كتابهم (المقدس) لهم أن يكثروا من التناسل ليملؤا الأرض "خلق الله الإنسان ذكراً وأنثى وخلقهم وباركهم الله وقال لهم أثمروا وأكثروا واملؤا الأرض واخضعوها" ( )، وقد دعا هذا علماء اليهود أن يسنوا القوانين الداعية للزواج كما جاء في كتاب الأحكام العبرية :
"النكاح بنية التناسل ودوام حفظ النوع الإنساني فرض على كل يهودي ، ومن تأخر عن أداء هذا الفرض وعاش عزباً بدون زواج كان سبباً في غضب الله على بني إسرائيل" ( ).
ولما كان دأب اليهود والنصارى أن يخضعوا لأحبارهم ورهبانهم فيما يشرعون من دون الله فقد رأى هؤلاء الزعماء الدينيين أن يحدثوا تغييرات في شرع تعدد الزوجات ، فقد ذكر عبدالناصر العطار بعد استقرائه لتشريعات اليهود أن "أحبارهم كرهوا تعدد الزوجات فحاولوا التضييق منه وذلك لتحديد عدد الزوجات بأربع واشتراط وجود مبرر شرعي عند الزواج بأخرى واشتراط قدرة الرجل على الإنفاق على زوجاته واستطاعته العدل بينهن" ( ).
2) التعدد عند النصارى :
من المعلوم أن عيسى عليه السلام صرح لأتباعه وفقاً لما جاء في الإنجيل أنه لم يأت بتشريع جديد "لا تظنوا أني جئت لأنقص الناموس أو الأنبياء ، ما جئت لأنقص بل لأكمل" ( ).
ومن أبرز النصوص التي زعم النصارى أنها تمنع تعدد الزوجات ما جاء على لسان المسيح عند سؤاله عن الطلاق قوله : "من بدأ الخليقة ذكراً وأنثى خلقهما الله ، من أجل هذا يترك الرجل أباه وأمه ويلتصق (ويلزم) بامرأته ويكون الاثنان جسداً واحداً إذ ليسا بعد اثنين بل جسد واحد ، فالذي جمعه الله لايفرقه الإنسان" ( ).
وقد وردت تفسيرات عديدة لهذه العبارة أبرزها أنه لمنع الطلاق منعاً باتاً وليس لمنع التعدد ، ذلك أ، التعدد كان شائعاً عند اليهود ولم يأت المسيح عليه السلام إلا مكملاً وليس ناقضاً ، وفي ذلك يقول أحمد عبدالوهاب : (إن الحديث عن الرجل والمرأة كجسد واحد ليس إذن حديثاً عن نظام الزوجة الوحدة لكنه حديث عن استمرارية العلاقة بينهما ومن ثم فهو حديث يتعلق بالطلاق وليس بتعدد الزوجات) ( ).
لكن هذا الموقف لم يتبناه جميع النصارى فقد ظهر منهم رجال دين يبيحون الزواج مرة ثانية وثالثة ورابعة ، بل ويبيحون الجمع بين أكثر من زوجة ، ومن هؤلاء فرقة الان نابتست Ananabaptistes، والمورمون Mormons ، وهؤلاء الأخيرون ظلوا يمارسون التعدد حتى أوائل القرن التاسع عشر ( )، بل ظهرت دعوات من مفكرين وعلمائهم تدعو إلى إباحة التعدد الزوجات وبخاصة بعد أن عانت أوروبا من نقص شديد في عدد الرجال نتيجة للحربين العالميتين التي قتل فيهما أكثر من ثمانية وأربعين مليون رجل ( )، وكذلك لانتشار الفواحش والزنا وزيادة عدد اللقطاء ومن هؤلاء بول بيرو Boul Bureou ، وفردينا ند دريفوس Ferdinand Dryfus ، و بن لندسي Ben Lindsey ، وغيرهم .
3) التعدد الأثيم في الواقع الأليم :
ظن اليهود والنصارى أنهم بإصرارهم على منع التعدد وإجبار الرجل على الزواج بزوجة واحدة قد بلغوا قمة العقل والرشد في التشريع . مع أن حقيقة دينهم وكتبهم ـ مهما دخلها من تحريف ـ لا تمنع التعدد مطلقاً وإلا كيف ينظرون إلى أنبيائهم الذين تزوجوا العديد من النساء وكان لبعضهم السراري الكثر ؟ أليس النبي قدوة لمن آمن به ، لكنهم قوم يجهلون .
ظل الطلاق محرماً في ظل الكنيسة زمناً طويلاً حتى حدث الانفصام بين الكنيسة والدولة فأباحت التشريعات الوضعية الطلاق ثم تبعتها بعض الطوائف المسيحية ، أما تعدد النساء فإنه مازال محرماً وإن نظرت إليه طائفة أو طائفتان على أنه مباح وما زالوا يمارسونه بشكل سري في بعض الولايات الإمريكية .
هل انتهى التعدد بمجرد وجود هذه التشريعات الجاهلة ؟ الحق أنه موجود لكنه تعدد إباحي فاسق فاجر ، وإليك صورة موجزة عن أحوال المرأة في المجتمعات الغربية وغيرها من المجتمعات التي أخذت بقانون منع الزواج بأكثر من زوجة .
قد تبدو الأرقام التي سنوردها عن الخيانة الزوجية مبالغاً فيها ، ولكن المصدر الذي أورد هذه الإحصائية وهي جريدة عربية يومية تصدر في لندن وليس بقصد انتقاد الغرب أو إظهار محاسن الإسلام بل لكونها مجرد خبر صحفي ، فقد جاء في هذه الإحصائية (29/5/1980) أن 75% من الأزواج يخونون زوجاتهم في أوروبا ، وأن نسبة أقل من المتزوجات يفعلن الشئ ذاته ( ).
وينقل المودودي رحمه الله تعالى عن بول بيورد عن انتشار الزنى بين المتزوجين والمتزوجات قوله: "وإن زنا المحصنين والمحصنات لا يعد من العيب أو اللوم في فرنسا ، فإذا كان أحد من المحصنين متخذاً خليلة دون زوجته فلا يرى لإخفاء الأمر لزوم ويعد المجتمع فعله ذلك شيئاً عادياً طبيعياً في الرجال" ( ).
أما عن نتائج هذه الإباحية ومنع التعدد فمنها ازدياد الأطفال غير الشرعيين زيادة كبيرة جداً ، ففي إحدى الإحصائيات أن عدد هؤلاء الأطفال يفوق المليون سنوياً في أمريكا وحدها وقد كان هذا عام 1979م ، أما الآن فقد يكون الرقم أكثر من هذا ( ).
ولن تكون هذه النتائج السيئة قاصرة على المجتمعات الغربية ، فإن البلاد الإسلامية التي تأثرت بالغرب ابتداء من إخراج المرأة وسفورها ، واختلاطها بالرجال بالإضافة إلى دفعها للعمل تحت شتى المبررات ومن التشريعات المختلفة للحد من الزواج بأكثر من زوجة أو تحريمه مطلقاً ، فلا بد أن تكون قد جنت الثمار الخبيثة لذلك كله .
4) الزواج مثنى وثلاث ورباع :
لا شك أن الذين كتبوا عن المرأة وأفردوا فصولاً للحديث عن تعدد الزوجات قد تناولوا أسباب الزواج بأكثر من واحدة ، ولكن هل يحتاج الأمر حقاً إلى إجهاد الفكر للبحث عن أسباب التعدد وحكمته؟ هل التعدد قضية ينبغي أن تنفرد بالكتابة حولها ؟ يبدو أن احتكاك العالم الإسلامي بالغرب الأوروبي النصراني واليهودي والملحد زمناً طويلاً وتحول المسلمون من وضع الأمة الغالبة إلى وضع المغلوب (المولع دائماً بتقليد الغالب) قد فرض على الكتاب الإسلاميين والكتاب المتغربين أن يتناولوا هذه المسألة كل من وجهة النظر التي يعتنقها .
فالإسلاميون يرون أن الإسلام وحده هو الذي أعطى المرأة حريتها وكرامتها واعترف بها إنساناً كامل الإنسانية ونظر إلى طبيعتها وطبيعة الرجل فحدد نظاماً اجتماعياً يكفل مشاركة الجميع مشاركة فعالة، بينما يرى المتغربون ـ المغلوبون حقاً ـ أن الإسلام لم يعترف للمرأة بكيان مستقل وأنها في وضع أدنى من الرجل وحرمها من المساواة التي يتطلع إليها هؤلاء .
ومن اللافت للانتباه أن الدراسات الغربية (باللغات الأوروبية المختلفة) حول المرأة في العالم الإسلامي تفوق بوضوح حجم الكتابات التي كتبها الإسلاميون ، كما تفوقها في الانتشار ، ولعل من أبرز الدلائل على هذا العدد الكبير من المجلات الأسوعية النسائية وغير النسائية المنتشرة بلغات المسلمين وهي تحمل الفكر المتغرب بصراحة ( ).
وما زالت الكتب الداعية إلى خروج المرأة وسفورها تصدر تباعاً منذ كتاب قاسم أمين "تحرير المرأة" وكتاب الطاهر الحداد "امرأتنا في المجتمع والشريعة" حيث دعا كلاهما إلى خروج المرأة وسفورها وحارب الزواج بأكثر من زوجة . وبين يدي كتاب تولت اليونسكو نشره باللغة الإنجليزية أولاً ثم مولت ترجمته ونشره إلى اللغة العربية بعنوان "الدراسات الاجتماعية عن المرأة في العالم العربي" وفي هذا الكتاب تكرار لدعوة قاسم أمين ولكن بأسلوب أكثر تطوراً باستخدام معطيات عن الاجتماع ومصطلحاته .
لهذا يبدوا أن لابد من الاستمرار في الكتابة في هذا الموضوع وإجراء البحوث والدراسات الاجتماعية حول قضايا الأمة المختلفة وبخاصة موضوع المرأة ، ولابد من أخذ زمام المبادرة من دعاة التغريب ، ولقد أصبح القارئ من كثرة ما يجد من هذه الدراسات التي تزعم لنفسها العلمية والمنهجية أن يقع فريسة لطروحاتها .
أما الحكمة من إباحة الإسلام لتعدد الزوجات فيمكن أن نجدها في معرفة البناء العقدي والأخلاقي للإسلام ، فهل يرضى أحد من المسلمين لأمه أو أخته أو ابنته أو عمته أو خالته أن تكون زانية ؟ هل يرضى مسلم أن تصبح مهنة الخنا والفجورمهنة رسمية تصرح بها الحكومات وتفرض عليها الضرائب؟ هل يرضى مسلم لابنه أن يكون من رواد مثل هذه الأماكن القذرة؟ هل ترضى مسلمة أن تعيش هانئة سعيدة وترى حولها نساء لا يجدن فرصة لدخول أبواب الحياة الزوجية؟ ألا يخالف موقف المرأة الرافضة لمشاركة أخرى لها حديث الرسول صلى الله عليه وسلم ( لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه)( )
لا شك أن التربية العقدية والأخلاقية للمسلم تجعله ينفر من الزنا والخنا والفجور لأنه يسأل ربه دائماً أن يرزقه العفاف والغنى، كما أن التربية العقدية في الإسلام لا تركز على الجانب الفردي على حساب الجماعة بل المسلم بطبيعته صاحب نظرة شاملة يهمه دائماً أمر الإسلام والمسلمين. بالرغم من هذا الوضوح في تشريعات الإسلام العقدية والأخلاقية إلاّ أنه ظهر من المسلمين وغير المسلمين من أثار الشبهات حول إباحة التعدد ، وفيما يأتي بعض هذه ان تلك الأحكام التي أمر بعض البشر أن تكون كلمتهم هي النافذة فيها ، وهي مسألة إن لم تكن أخطر المسائل فإنها من أخطرها. وليس الزواج بأكثر من واحدة مسألة جديدة فقد حاربته أوروبا في عصر "النهضة الحديثة" حينما اتفق رجال الدين عندهم مع رجال القانون المدني الوضعي على إلغاء حق الرجل في الزواج بأكثر من واحدة مهما كانت الأسباب والدوافع خرجت أوروبا من نطاق حدودها الجغرافية لتهيمن رجاء العالم الإسلامي مبتدئة بالسيطرة العسكرية والسياسية والاقتصادية ، حيث سلبت الشعوب الإسلامية قدرتها على حكم نفسها واستغلال ثرواتها . وتحول الاستعمار فيما بعد إلى سيطرة على شؤون الحياة حينما استسلم العالم الإسلامي لحالة التبعية المطلقة ورضي أن يكون في وضع ((المغلوب المغرم دائماً بتقليد الغالب)) . وهذه هي المرحلة التي تكون فيها الأمة مغزوة في عقيدتها وفكرها .وكان مما تأثرنا به أن أصبحنا نستهجن تعدد الزوجات كم يستهجنونه ، وأن نأكل الربا كما يأكلونه ، وأن نستخف بالزنى والخنا كما يفعلون إلا من رحم الله . اعلم أن موضوع تعدد الزوجات ليس جديداً في تناوله من وجهة النظر الإسلامية ، فثمة عشرات الكتب التي تناولته ، لمنها اختلفت مس بالإنفاق على العديد من أولاده وزوجاته في الوقت الذي ازدادت فيه مطالب كل فرد وقلت الموارد المالية ( ).
5) الرد على هذه الشبهات :
إن معرفة الإسلام صحيحة كفيلة بالرد على هذه الشبهات فالزعم بأن التعدد كان في بداية الإسلام منتشر في العالم حيث كان ينظر إلى المرأة نظرة دونية . فإذا كان الإسلام قد جاء في القرن السادس الميلادي فلماذا استمر نظام التعدد معمولاً به في جميع أنحاء العالم حتى القرن السادس عشر ؟ فأي مغالطة هذه ؟ أما المغالطة الثانية فهي ربط التعدد باحتقار المرأة ، ألا يكفيه أن يعرف حديث المصطفى صلى الله عليه وسلم (النساء شقائق الرجال) ( )، وحديث (إن الله يوصيكم بأمهاتكم ثلاثاً …) ( )، أو حديث (من كان عنده ثلاث بنات أو ثلاث أخوات أو ابنتان أو أختان فأحسن صحبتهن واتقى الله فيهن فله الجنة) ( )، بالإضافة إلى التشريعات الإسلامية كلها التي تساوي بين المرأة والرجل في التكاليف والأجر والثواب إلا ما كان من اختلاف في الخلقة والتكوين بين المرأة والرجل لا شك أن إباحة الزواج بأكثر من زوجة سيعطي الفرصة للكثير من النساء للنجاة من براثن العنوسة بل ولعله يعطيهن الفرصة ليصبحن أمهات ويجدن من يبرهن حين نعلم توجيه رسولنا صلى الله عليه وسلم لمن سأله : أي الناس أحق بحسن صحابتي ؟ فقال له : (أمك ثم أمك ثم أمك ثم أباك ..) ( ).
أما الإدعاء بالمحافظة على شعور المرأة من أن تشاركها زوجة أخرى في زوجها فأمر نرد عليه بأن نسأل هؤلاء : هل الأولى أن تشاركها امرأة أخرى شريفة عفيفة ذات خلق إسلامي أو ترضى لنفسها أن تستقبل زوجاً يعاشر الساقطات ؟ إن المرأة تقبل راضية أو كارهة أن ينشغل عنها زوجها بأعماله الكثيرة وسفره المتواصل والتقائه مع النساء سواء في محيط عمله أو خارجه ولا ترضى أن يكون لها ضرة . ويبدو لي أن كثيراً من النساء يفضلن زوجة أخرى على مثل هذا العمل الذي يساوي أكثر من عشرات النساء ! .
وحين يزعمون بوجود الخصومة والشقاق بين أبناء الرجل من زوجات مختلفات ، فنذكر هؤلاء بأن الإسلام حريص جداً على تماسك المجتمع الإسلامي الأباعد منهم والأقارب ، وفيما ياتي بعض التوجيهات القرآنية التي تؤكد ذلك إنما المؤمنون اخوة ( ) ، وقوله تعالى واعتصموا بحبل الله جميعاً ولاتفرقوا ( )، ويقول الرسول صلى الله عليه وسلم (لايؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه ( )وقوله صلى الله عليه وسلم (المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده) ( )، هذا بين من تجمعهم كذلك أخوة النسب بانتمائهم إلى أب واحد . إن المغالاة في تصوير النزاعات المتوهمة بين أبناء العلات قد سيقت للتشكيك في إباحة تعدد الزوجات ، بل جعلهم ذلك يركبون الصعب للعبث بالشريعة الإسلامية . فماذا عليهم لو حكموا عقولهم ونظروا في أحوال البلاد التي قيدت الزواج وقيدت الطلاق كيف أصبح حال شبابها ونسائها ، إن الدعاة قد أصبحت في هذه البلاد مؤسسة ضخمة تدر مئات الملايين من الدولارات شهرياً أو سنوياً ، وأصبح عدد اللقطاء قريباً من عدد الأبناء الشرعيين ، بل إن الأبناء الشرعيين توشك شرعيتهم أن تضيع لما أصاب النساء والرجال من الانحراف والفساد .
ويمكن أن نضيف التساؤل حول الأرامل والمطلقات ولا سيما ذوات الأبناء هل يحرمون من الزواج من رجل متزوج من أجل هذه النزاعات والشقاقات المتوهمة أو المتوقعة ؟ أما التاريخ فيقول عن أبناء الرجال الذين تزوجوا زوجتين وأكثر هؤلاء هم الذين فتحوا الدنيا وأناروها بالإسلام فلو كانوا حقاً في شقاق ونزاع لما خرجوا من جزيرة العرب بل هم لم يخرجوا من الجزيرة حينما كانوا يعددون الزوجات بلا حدود ولا قيود وكانوا لايقيمون للمرأة وزنا .
وللرد على مسألة الاحتياجات الاقتصادية فنقول بأن الأرض لم تضق يوماً برزق من عليها والله عز وجل يقول : وفي السماء رزقكم وما توعدون ( ) ويقول سبحانه وما من دابة إلا على الله رزقها( ) وقد قسمت الكرة الأرضية بعد سيطرة الغرب وهيمنته إلى قسمين ؛ مجتمعات الوفرة والفائض التي تحارب التعدد ، ومجتمعات الجوع والفقر ، وليس سبب هذا التقسيم أن الفقراء لا يملكون بل هم يملكون ولا يعرفون كيف يستغلون ما عندهم فيقعون ضحية لقوة الغرب الذي يأخذ ما عندهم، ألا ترى الدول الصناعية تأخذ الخامات من الدول الفقيرة لتصنيعها فإذا ما صنعتها أعدتها منتجات (أوهموا العالم بأنها ضرورية) وبيعت بأسعار تفوق قيمتها الحقيقة عشرات المرات بل بلغ من جشع هذه الدول أنها تلقي بفائض إنتاجها في البحر أو تحرقه أو تتلفه بأي وسيلة حتى لايتدنى سعره في الأسواق فأي حضارة هذه تموت فيها الملايين من أجل ترف المترفين . ولابد أن نذكر أن المرأة حين تتزوج بصفتها ثانية أو ثالثة فهي تأتي برزقها ذلك أن كل مولود يكتب رزقه وأجله وشقي أو سعيد قبل أن يولد . فهي من مخلوقات الله التي تكفل برزقها كما أن هذه المرأة قد تكون صاحبة فكر وتدبير أو صنعة أو مهن قد تعين الرجل في عمله فينتقل من حالة الفقر والعوز إلى الغنى .
ويزعمون أيضاً أن التعدد برهان على تمكن الغريزة البهيمية من الرجل ، فهل يقولون هذا من علم وبينة ؟ قل هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين ( )، هل الدين الذي يأمر بالعفة وغض البصر وحفظ الفرج ويعاقب على الزنا ـ متى توفرت شروط العقوبة ـ بالجلد أو الرجم هل مثل هذا الدين يسمح بالبهيمية ؟ أم أن البهيمية تتمثل في الاختلاط والتبرج والسفور ووسائل الفن الداعية إلى الرذيلة بما تعرضه من مفاتن المرأة ؟ .
ولكن لنرد بأسلوب آخر فالمسلم يتحمل أضخم مسؤولية عرفها الإنسان لأن أمته هي الأمة الوسط وهو المسؤول عن دعوة البشرية جمعا إلى الدين الحق وإقامة شرع الله فيها فالرسل قبل سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم كانوا يبعثون إلى أقوامهم خاصة وهم يتحملون مسؤولية الدعوة جميعها ، أما أتباع سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم فقد أمروا أن يبلغوا فيشاركوا الرسول في مهمته قل هذه سبيلي أدعو إلى الله على بصيرة أنا ومن اتبعني ( )، وجاء عن سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم قوله (نضر الله امرءاً سمع مقالتي فوعاها فأداها كما وعاها فرب مبلغ أوعى من سامع ورب حامل فقه إلى من هو أفقه منه) ( )، فكيف لمن حمل هذه الدعوة والمسؤولية أن يكون بهيمياً ؟ كيف لمن حثه الإسلام على قيام الليل والغزو في سبيل الله ، ولمن دعاه الإسلام إلى التقلل من متع الدنيا (كن في الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل)( ) أن يكون بهيميناً ؟ كيف لمن يؤمن بالإسلام الذي جاء من عند الله عز وجل القائل في كتابه زين للناس حب الشهوات من النساء والبنين والقناطير المقنطرة من الذهب والفضة والخيل المسومة والأنعام والحرث ذلك متاع الحياة الدنيا والله عنده حسن المآب ( ) كيف لهذا أن يكون بهيميناً ؟ المسلم الحق لا تسيطر عليه الشهوانية والبهيمية إن سيطرت على غيره ، فهذه الصفة لو لم تكن حقاً مسيطرة على المجتمعات الغربية لما امتهنت المرأة هناك امتهاناً مزرياً بها وأصبحت تمتهن البغاء أو تمارسه دون أن تمتهن غيره من عشرات المجالات . ثم متى كانت المرأة محترمة إذا أوقفت في شباك زجاجي لتتلوى كالثعبان تعرض الأزياء ؟ أو تظهر في شتى الصور المثيرة التي تعرض فيها منتجات هذه الحضارة من الأحذية إلى الإطارات إلى الخطوط الجوية إلى أغلفة المجلات والكتب وغيرها .
وثمة جانب آخر فالإسلام حين أباح التعدد راعى أن للمرأة غريزة مثل الرجل ، وفي ذلك يقول محمد قطب : "ولكن حاجتها الطبيعية كيف تقضيها ؟ ومالم تكن معصومة فهل أمامها سبيل إلا الارتماء في أحضان الرجال لحظات خاطفة في ليل أو نهار ؟ ثم حاجتها إلى الأولاد … كيف تشبعها ؟ والنسل رغبة لا ينجو منها أحد" ( )، ولكنها لدى المرأة أعمق بكثير من الرجل ، إلى أن يقول : "فهل من سبيل إلى قضاء تلك الحاجات بالنسبة للمرأة بصرف النظر عن حاجة المجتمع إلى أخلاق نظيفة تحفظه من التحلل الذي أصاب دولاً كثيرة فأزالها من قائمة الدول التي كان لها دور في التاريخ ـ هل من سبيل إلى ذلك غير اشتراك أكثر من امرأة في رجل واحد علانية وبتصريح من الشرع) ( ).
إن شرع الله لا يسأل فيه البشر أيرضونه أ/ لا ؟ أيحبونه أم لا ؟ ولكن متى كان دعاة ما يسمى بتحرير المرأة والنساء القاصرات النظر اللاتي تطغى عليهن غريزة حب التملك أو المتغربون الذين باعوا عقولهم للغرب يسألون عن شرع الله ؟ إن الغرب نفسه كما ذكرنا يشكو من مشكلة اللقطاء والبغا وبيع الأطفال وقتل الأطفال المتسكعين بلا مأوى ، هذا الغرب لا يمكن أن ينظر إلى رأيه ، ثم هل درسنا التاريخ الإسلامي دراسة اجتماعية ؟ هل سألنا النساء اللاتي شاركن غيرهن في رجل يلتزم بقيم الإسلام وأخلاق ؟ لا شك أننا لو استقرأنا التاريخ استقراء صادقا ولو التزم المسلمون بالاسلام لما ظهرت مشكلة يطلق عليها تعدد الزوجات .
6) زواج الرسول صلى الله عليه وسلم ( ):
وإن من أبلغ ما يمكن الرد به على من يثير قضية تعدد الزوجات أن نعرض موجزاً حول تعدد زوجات الرسول صلى الله عليه وسلم فإن فيها النور والهداية والحكمة والعقل .
عرف الرسول صلى الله عليه وسلم في مكة قبل البعثة بالصدق والأمانة والعفة واستقامة الخلق فلم يعرف عنه مطلقاً أن شارك في أي
الزواج بها كبار أشراف قريش وكانت قد بلغت الأربعين من العمر ، تزوجها محمد صلى الله عليه وسلم وعاش معها في وئام زوجي وتفاهم وود حتى توفاها الله بعد ان بلغ الخمسين من العمر .
وظل يتذكر هذه الزوجة بكل الوفاء والمحبة لأنها ىمنت برسالته وكانت قد جعلت مالها في سبيل الدعوة إلى الله ، وأنجبت له الذرية التي حرمها من غيرها من زوجاته . وكان زواج النبي صلى الله عليه وسلم بعد خديجة من امرأة أرملة مسنة هي سودة بنت زمعة رضي الله عنها ، مات عنها زوجها وهي في الحبشة التي هاجرت إليها فراراً بدينها ، فما كان من النبي إلا أن تزوجها إكراما لها على تضحيتها في سبيل هذا الدين وخوفاً عليها من العودة إلى والدها المشرك ، ولكونها امرأة كبيرة في السن تستطيع أن ترعى شؤون أبنائه من خديجة رضي الله عنها التي توفيت منذ وقت قصير .
وبعد سودة بنت زمعة التي شرفها الرسول صلى الله عليه وسلم بزواجه منها ولم تكن تملك مؤهلات الزوجة من الجمال والشباب تزوج الرسول صلى الله عليه وسلم من عائشة بنت أبي بكر الصديق رضي الله عنها وعن أبيها رفيق دعوته وخليله . إن زواجه صلى الله عليه وسلم من عائشة الشابة الجميلة كان زيادة في القربى من أبي بكر الصديق ، ولأن الصديقة رضي الله عنها كانت ذات ذكاء وفهم وفطنة فهي التي ستنقل عن رسول الله صلى الله عليه وسلم كثيراً من العلم لهذه الأمة ، ولو كان تزوجها للمتعة لما تزوج بعدها ، ولكن عائشة رضي الله عنها قد جاء بعدها نساء ينافسها في الجمال والشباب . أما زواج الرسول صلى الله عليه وسلم الرابع فكان من حفصة بنت عمر بن الخطاب رضي الله عنهما ، تلك المرأة التي بدأت تتخطى سن الشباب فقد كانت من الذين هاجروا إلى الحبشة وكانت متزوجة وتوفي زوجها بعد أن شهد بدراً وأحداً فتأيمت فما كان من أبيها إلا أن عرض تزويجها على أبي بكر وعثمان رضي الله عنهما ، ولكن رسول الله صلى الله عليه وسلم تزوجها إكراماً لها ولأبيها .
وتزوج الرسول صلى الله عليه وسلم بعد ذلك زينب بنت خزيمة (أم المساكين) وكانت متزوجة قبله ولم تمكث طويلاً حيث عاشت معه عدة أشهر وتوفاها الله .
وكان زواج رسول الله صلى الله عليه وسلم من أم سلمة هند بنت أمية التي هاجرت مع زوجها إلى الحبشة ولما هاجرت مرة أخرى مع زوجها إلى المدينة استشهد زوجها يوم أحد كانت قد كبرت في السن ولها أطفال ولكن الرسول صلى الله عليه وسلم يريد أن يعلم أمته الرحمة والرأفة فضمها إلى زوجاته .
وتزوج الرسول صلى الله عليه وسلم زينب بنت جحش بعد أن طلقها زيد بن حارثة وكان زيد رضي الله عنه يدعى في الناس بيزد بن محمد ولكن الله عز وجل أراد أن يبطل التبني فلا يدعي أحد نسباً لأحد ما هو شرعي وكذلك أن المولى أو من كان في حكم المتبنى يحق للولي أن يتزوج امرأته إذا طلقها . إنه درس عظيم أراد الله عز وجل أن يتعلمه المسلمون فاختار رسول الله صلى الله عليه وسلم ليكون القدوة . والرسول صلى الله عليه وسلم هو الذي زوج زيداً بزينب ولم تكن زينب بعيدة عنه لا يعرفها حتى إذا أصبحت زوجاً لغيره أحبها . إن هذا لهو الافتراء حقاً ، ومن ذلك زعم رؤية الرسول لها وإعاجبه بها بل وحبه لها وولهه بها صلى الله عليه وسلم كيف يستسيغ عاقل أن ينسب للرسول صلى الله عليه وسلم مثل هذا الأمر ، وهل مسؤوليات النبوة والقيادة والقدوة كانت تترك الرسول صلى الله عليه وسلم لينظر إلى جمال امرأة وهو الذي تزوج الأرامل والمسنات لإكرامهن وتكريمهن ألم يكن لبشريته صلى الله عليه وسلم أن تظهر إلا في هذا الأمر .
ونذكر من زوجات الرسول صلى الله عليه وسلم جويرية بنت الحارث التي كان المسلمون في حرب مع قومها فوقعت في الأسر وكانت من نصيب أحد المسلمين وجاءت إلى الرسول صلى الله عليه وسلم تستعين به لفك أسرها فخيرها بين العتق أو أن يتزوجها الرسول صلى الله عليه وسلم وقبلت بالزواج من الرسول صلى الله عليه وسلم ، وهنا تسابق المسلمون لعتق أسراهم فكانت بركة على قومها أي بركة .
وتزوج الرسول صلى الله عليه وسلم صفية بنت حيي بن أخطب اليهودي بعد مقتل زوجها وكان أقاربها من أعداء رسول الله صلى الله عليه وسلم وأعداء الإسلام ولكنها اختارت الإسلام فتزوجها الرسول صلى الله عليه وسلم رحمة بها .
ومن أزواج الرسول صلى الله عليه وسلم أم حبيبة بنت أبي سفيان قائد معسكر الكفر قبل إسلامه ، وقد تزوجها وهي في الحبشة بعد أن ارتد زوجها عن الإسلام ، وحرصاً من النبي صلى الله عليه وسلم أن لا تضيع هذه المرأة المسلمة في أرض الغربة وكل النجاشي أن يعقد له عليها فكانت بذلك محل إكرام من المسلمين ومن النجاشي .
فماذا في هذه التعدد ؟ إن من أجمل ما قرأت قول الشيخ محمد علي الصابوين في رد الشبهات حول مسألة تعدد الزوجات حيث يقول :
" مال الذي يفعله الرجل الشهوان الغارق في لذات الجسد إذا بلغ في المكانة والسلطان ما بلغه محمد بين قومه ؟ لم يكن عسيراً عليه أن يجمع إليه بنات العرب وأفتن جواري الفرس والروم على تخوم الجزيرة العربية ، ولم يكن عسيراً عليه أن يوفر لنفسه ولأهله من الطعام والكساء والزينة مالم يتوفر لسيد من سادات الجزيرة في زمانه ، فهل فعل محمد ذلك بعد نجاحه؟ هل فعل محمد ذلك في مطلع حياته ؟ كلا لم يفعله قط ، بل فعل نقيضه وكاد أن يفقد زوجاته لشكايتهن من شظف العيش في داره" ( ).
فهل في مثل هذا التعدد ما يشين ؟ كلا والله بل إنه لفخر وأي فخر للإسلام والمسلمين .
7) الأسباب الداعية إلى الزواج مثنى وثلاث ورباع :
وإتماماً للحديث عن هذه القضية نورد فيما يأتي الأسباب الداعية للزواج بأكثر من زوجة كما أوردها بعض من سبق إلى درساة هذا الموضوع ، هناك أسباب عامة وأخرى خاصة ، ولنبدأ بالأسباب العامة .
أولاً : زيادة عدد العوانس والمطلقات ( ):
يزداد عدد العوانس في أي مجتمع يعزف الشباب فيه عن الزواج لأسباب عديدة قد يكون منها توفر الفرص للالتقاء بالنساء خارج إطار الزواج ومسؤولياته ، أو قد تكون مسؤوليات الزواج وتكاليفه مما تنوء به ظهور الشباب عندما لايجد المسكن المناسب ، وإن وجده لاي جد ما يدفع مهراً ، إلى غير ذلك من تكاليف تجعله يعزف عن الزواج . وقد يزداد عدد العوانس لأسباب اجتماعية كأن لا يقبل الأب زوجاً لابنته إلا من طبقة اجتماعية أو انتماء قبلي معين .
أما زيادة الأرامل والمطلقات فيمكن أن تحدث لأسباب منها : أن مؤسسة الزواج أو الأسرة لم تعد لها احترامها ومكانتها فيكثر الطلاق ، أما الترمل فهو نتيجة الأحداث والحوادث من حروب وغيرها ، ويتعجب المرء حين يقرأ في تاريخنا الإسلامي أن امرأة مات زوجها فتزوجها آخر بسرعة ، أ إن طلقها أحدهم تزوجها الآخر . هل كانت النساء قلة أو أن المرأة كانت شخصيتها في ذلك الزمن أكثر جاذبية وأوقى مما وصلنا إليه في هذا الزمن . لا شك أن في هذا الأمر بعض الصحة . ومن أسباب الترمل أيضاً أن النساء يعشن في المتوسط أكثر من الرجل لما يتعرض له الرجل من مخاطر في حياته .
ثانياً : نقص عدد الرجال نقصاً كبيراً نتيجة الحروب :
من الأمثلة الحديثة على هذا الأمر ما وقع في أوروبا من حربين عالميتين قضت على الملايين من الرجال مما دعا بعض المفكرين الغربيين أن ينصحوا بإقرار تعدد الزوجات ، ولكن أوروبا أصمت سمعها عن النصيحة مضحية بالقيم والأخلاق .
الأسباب الخاصة للتعدد( ) .. :
1) العقم :
من أبرز أهداف الزواج الذرية ، فلو ثبت أن المرأة لا تجنب وعاش الرجل معها أعواماً أينكر العشرة والمودة بينهما فيطلقها ويتزوج أخرى أم يبقيها معززة مكرمة ؟ إن الأطفال الذين قد تنجبهم المرأة الأخرى سيصبحون كأنهم أطفالها لصلتها بوالدهم ، والواقع يصدق ذلك كثيراً ، كذلك سيكون بيت المرأة التي ليس عندها أطفال مكانا لراحته وهدوئه فتكسبه مرتين . أما إذا كان الرجل عقيماً فمن حق المرأة أن تطلب الطلاق .
2) العجز عن القيام بالواجبات الزوجية لمرض أو سواه
وهذا إكرام آخر للمرأة فإن قعد بها المرض عن أداء واجباتها الزوجية فمن الوفاء لها إبقاؤها على ذمة الزوج والزواج بامرأة أخرى .
3) رغبة الرجل في الاقتران بامرأة أحبها
ثمة مناسبات تجعل الرجل يتعرف إلى امرأة ما وبخاصة المجتمعات التي فيها قدر من الاختلاط أو سمع بمزاياها وقد لا تكون لزوجته مثل هذه المزايا فيرغب في الزواج منها . فحرصاً على عفافه والتزامه الطريق السليم يتقدم للأخرى . فهل يكون من الإنصاف للأولى أن يطلقها أو أن يحاول الوصول إلى المرأة الأخرى خارج نطاق الزواج .
4) كره الرجل لزوجته
(القلوب بين أصبعين من أصابع الرحمن يقلبها كيف يشاء) ( )، فمن كان حبيب اليوم لقد تغير نحوه غداً وقد تشتد الكراهية وتكثر الخصومات فبدلاً من التفريق بين الزوجين ، وبخاصة إذا كان عندهما أطفال فلا بأس أن يتزوج بأخرى ، الأمر الذي قد يؤدي إلى هدوء العش الزوجي بل وربما عودة الحب من جديد ، وكم من رجل كره زوجته وتزوج بأخرى فعاد إلى الأولى أشد حباً وتقديراً فتكون قد كسبت مرتين ، انتهاء الكراهية بينهما وازدياد حبه لها من جهة أخرى .
5) كثرة أسفار الزوج وإقامته في بلد آخر قد تطول فهل يتخذ زوجة يعيش معها بطريقة مشروعة أو يترك الرجل ليقع في الخطأ ؟ إن بعض الرجال ينتقل عمله من بلد إلى آخر فتأبى زوجته الانتقال معه وهو لا يريد مفارقتها فهل يتركها وأطفالها بالطلاق أو تبقى على ذمته يزورها ويؤدي واجبه نحوها.
6) الدافع الجنسي
سبق أن أوردنا الآية زين للناس حب الشهوات ( ) وبعض الرجال أصحاب طاقة تفوق المعدل بل إن طاقة الرجل حتى في الأحوال العادية تستطيع أن توفي بحق أكثر من زوجة والدليل على ذلك أن المجتمعات الغربية (أو الشرقية) المنفتحة جداً قليلاً ما تجد رجلاً يكتفي بزوجته الوحيدة ، ويمكن أن نضيف أن العلاقة بين الرجل والمرأة ليست دائماً على نموذج قيس وليلى أو روميو وجوليت أي رومانس (غرام) لامرأة واحدة .
7) نظرة المرأة إلى الرجل
قد يكون الرجل من أهل الصلاح والورع أو صاحب شخصية جذابة وذا مكانة اجتماعية مرموقة فترى كثير من النساء أنه مما يشرفهن الارتباط بمثل هذا الرجل والمثل الأعلى للمسلمين هو رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي وهبت بعض النساء أنفسهن له وقد كان معروفاً عن الحسن بن علي رضي الله عنهما أنه خير من تزوج وخير من طلق .
8) زوجة واحدة أم تعدد ؟
يقول مصطفى السباعي ـ رحمه الله تعالى ـ : (فما من شك أن وحدة الزوجة أولى وأقرب للفطرة وأحق للأسرة وأدعى لتماسكها وتحاب أفرادها ، ومن أجل ذلك كان هذا النظام الطبيعي الذي لا يفكر الإنسان المتزوج العاقل في العدول عنه إلا عند الضرورات وهي التي تسبغ عليه وصف الحسن وتضفي عليه الحسنات) ( ).
ويقول محمد قطب : "أما تعدد الزوجات فتشريع للطوارئ وليس هو الأصل في الإسلام" ( ).
والحقيقة أ، تشريع التعدد يستجيب للفطرة ويحقق العفة للرجل والمرأة على السواء ، لذا بدأ القرآن بالتعدد وجعل الإفراد هو الاستثناء فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع فإن خفتم ألا تعدلوا فواحدة ( )، والقول بأن الخوف من عدم العدل متحقق دائماً يتعارض مع شرع التعدد مما لايتصور فيه أن الشارع الحكيم قصد إليه ومن ثم فالأولى هو القول بأن الخوف من عدم العدل هو الاستثناء وهو ما نتبينه من صياغة الآية الكريمة ، أما الاحتجاج بالآية الأخرى ولن تستطيعوا أن تعدلوا بين النساء ولو حرصتم ( )، فمردود بأن العدل المقصود هنا هو العدل القلبي وهو غير مطلوب في القسمة بين النساء لأنه غير مقدور عليه ، أما العدل المقصود فهو العدل الظاهر في القسمة بين النساء وهو عدل ممكن إذا تمسك الرجال بمبادئ الإسلام وأخلاقه ( ).
الضوابط :
ونأتي هنا للضوابط التي وضعها الإسلام للزواج مثنى وثلاث ورباع ولعل أبرز هذه الضوابط أن لايتجاوز عدد النساء أربعة والعدل بينهن ، ويضيف بعض الكتاب مسألة القدرة على الإنفاق ، ولكن الحقيقة أنه لا يمكن للإنسان أن يضمن ذلك ولو كان عنده زوجة واحدة فقط ، وفي الغالب أن الرجل لا يقدم على الزواج إلا وهو يأنس من نفسه القدرة على الإنفاق ، أما اشتراط امتلاك الرجل للمال الوفير للزوج فلم يجعله الإسلام شرطاً ، وإلا كيف تفسر تزويج الرسول صلى الله عليه وسلم لرجل بأن قال له : (التمس ولو خاتماً من حديد) ( )، وزوج الرجل نفسه بما معه من القرآن الكريم أن يحفظ تلك السور زوجته ( )، والزوجة الأولى أو غيرها هي من عباد الله الذين تكفل الله لهم برزقهم كما جاء في الآية الكريمة وفي السماء رزقكم وما توعدون ( ) وورد في الحديث الشريف أيضاً أن كل نفس يكتب رزقها وأجلها قبل أن تولد .
أما ضابط العدد فقد وردت الأحاديث الشريفة أو السنة الفعلية للرسول صلى الله عليه وسلم كما يأتي :
1) روى البخاري أن غيلان بن سلمة الثقفي أسلم وتحته عشرة نسوة ، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم : (اختر منهن أربعاً) ( ).
ومسألة العدل مسألة جوهرية في تربية المسلم وقد جاءت الآيات القرآنية الكثيرة التي تأمر بالعدل إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلكم تذكرون ( )، ومن أروع الآيات التي تأمر بالعدل وإن كان معناها جاء حول البيع ويل للمطففين الذين إذا اكتالوا على الناس يستوفون وإذا كالوهم أو وزنوهم يخسرون ( )، وجاءت التوجيهات النبوية الكريمة تأمر بالعدل كما في حديث الرسول صلى الله عليه وسلم : (إذا كان عند الرجل امرأتان فلم يعدل بينهما جاء يوم القيامة وشقه ساقط) ( )، ومن صور العدل "المساواة بين الزوجات في المعاملة" وذلك في نفقتها الخاصة بمأكلها وملبسها بحيث لا تزيد واحدة عن أخرى ، وكذلك العدل في المسكن حيث يكون لكل زوجة مسكن مستقل ، ومنذ لك أيضاً المساواة في المبيت ، أما الجانب الذي يصعب العدل فيه فيكفينا حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي روته عائشة وهو قوله صلى الله عليه وسلم : (اللهم هذا قسمي فيما أملك فلا تلمني فيما تملك ولا أملك) ( ).
وكان قدوتنا صلى الله عليه وسلم يضرب المثل في العدل حتى لما كان في مرضه الذي مات فيه كان يسأل أين أنا غداً ؟ يريد يوم عائشة فأذن له أزواجه أن يكون حيث يشاء فكان في بيت عائشة حتى مات عندها ( ).
ومن عدله صلى الله عليه وسلم أنه كان إذا أراد سفراً أقرع بين نسائه ( ) وكيف لا يكون المسلم عادلاً ؟ وإن لم يكون المسلم عادلاً فمن يكون ؟ وفي هذا يقول مصطفى السباعي (رحمه الله تعالى): (وكان من إصلاح الإسلام في هذا الأمر أن ربى ضمير الزوج على خوف الله ومراقبته ورغبته إن نفذ أوامره وخشيته من عذابه إن خالفها)( )
وثمة قيد آخر هو تحريم الجمع بين الأختين أو بين المرأة وعمتها أو ابنتها والعلة واضحة في ذلك وهي الحفاظ على المجتمع الإسلامي من التمزق بسبب الغيرة التي يمكن أن تحدث بين الضرائر.
الخاتمة
الزواج بأكثر من زوجة واحدة حتى أربع رخصة أو أمر أباحه الإسلام للرجل الذي تربى عقدياً وأخلاقياً على مائدة القرآن ، يعيش بضمير حي يراقب الله عز وجل فيما يفعل أو يترك . هذا المسلم يعتقد أن "النساء شقائق الرجال" وأنهن كيان مستقل يتحملن التكليف ويترقين في درجات التقوى حتى كانت منهن مثلين للذين آمنوا كما جاء عن امرأة فرعون ومريم عليها السلام والمرأة المسلمة تعتقد بقوامة الرجل عليها لأنه مكلف بالإنفاق عليها زوجاً أو أماً أو أختاً ، ومن تكاليف الرجل أن أوصي بإكرام المرأة أماً و زوجة (أمك ثم أمك ثم أمك تم أبوك)و(خيركم خيركم لأهله وأنا خيركم لأهلي)وبنتاً وأختاً (من كان عنده أختان أو ابنتان …..)
من هذه المنطلقات تبنى الأسرة المسلمة : اختيار للمرأة ذات الدين، وللرجل المرضى في دينه وخلقه وبعد ذلك حدد الشرع الكريم حقوق كل طرف.
وتناول البحث بإيجاز تعدد الزوجات تجنبنا فيه الخوض في القضايا الفقهية التي لها أهلها ولكنت أوضحنا أن المجتمع المسلم حين لم تكن قضية الزواج بأكثر من واحدة سوى مسألة فرعية كان مشتغلاً بالدعوة إلى الله وكان همه إنقاذ البشرية مما وصلت إليه من انحراف وفساد وزيغ وضلال، كانت قضية المسلمين الأولى أن يحكم شرع الله وهنا ساد أبناء الرجال الذين تزوجوا بأكثر من واحدة ، وساروا على نهج آبائهم .
ويهدف هذا الكتاب إلى وضع مسألة التعدد في وضعها الصحيح بأن نخرج من دائرة النفوذ التغريبي الذي يستهجن الزواج بأكثر من واحدة ، وليؤكد على أ، القضية الأكبر هي طهارة المجتمع المسلم أولاً ثم المجتمع الإنساني ثانياً من العقائد الفاسدة والأخلاق المنحرفة وأن مسؤولية المسلمين في هذا الزمن أكبر وأشد إلحاحاً لتقدم وسائل المواصلات والاتصالات فلم يعد ما يحدث في أي بلد بعيد عنا مهما كانت المسافات .
وقد أوضح هذا البحث كيف عانى الغرب ويعاني من منع التعدد ومن غير ذلك من مثل التحلل من المثل والقيم ، وتجدر الإشارة إلى أ، هؤلاء سرعان ما ينتقدون التعدد في الإسلام رغم ماتعج به مجتمعاتهم من مشكلات ونحن في هذا نلتزم بالمنهج القرآني في دعوة الكفار حيث يوضح القرآن الكريم عيوب مجتمعاتهم وعيوب نظمهم بدلاً من الوقوف موقف الدفاع .
والحقيقة أن تكون المرأة زوجة ثانية أو ثالثة أو رابعة خير بألف مرة من أن تكون زوجة وحيدة عند أوروبي أو غيره بنى بها نتيجة قصة غرام فما هو إلا عنصر لوقت وتنطفئ شعلة الحب ثم لا تجد منه المعروف والإحسان وأنى له ذلك وهو لا يرجو الله ولا اليوم الآخر . نرجوا الله أن يبصرنا بطريق الحق وأن يردنا إلى الإسلام رداً جميلاً ، ونسأله سبحانه أن يغفر زلاتنا إنه سميع مجيب .
والحمدلله رب العالمين .
المـراجـع
1) القرآن الكريم .
2) السنة المطهرة .
3) ابن كثير ، السيرة النبوية .
4) أمين ، قاسم ، تحرير المرأة ، الجزائر ، موفم للنشر 1988 .
5) البار ، محمد علي ، عمل المرأة في الميزان ، جدة ، الدار السعودية للنشر ـ 1401/1981.
6) جاويش ، عبدالعزيز ، الإسلام دين الفطرة ، الجزائر ، دار الكتب الجزائرية 1988م.
7) الجبري ، عبدالمتعال محمد، المرأة في التصور الإسلام ، القاهرة، مكتبة وهبي، ط2، 1396/1976
8) الخولي ، البهي ، الإسلام والمرأة المعاصرة، الكويت، الدار القلم، ط3، (بدون تاريخ) .
9) الدراسات الاجتماعية عن المرأة في العالم العربي ، بيروت، المؤسسة العربية للدراسات والنشر ، ط1، 1984م (تأليف مجموعة من المؤلفين باللغة الإنجليزية ونشرته اليونسكوومولت ترجمته أيضاً).
10) الذهبي، محمد بن أحمد بن عثمان، السيرة النبوية، تحقيق حسام الدين القدسي، بيروت، دار الكتب العلمية 1401/1981/.
11) ريان، أحمد علي طه، تعدد الزوجات ومعيار تحقيق العدالة بينهن في الشريعة الإسلامية ، القاهرة ، دار الاعتصام ، (بدون تاريخ) .
12) مصطفى، السباعي ، المرأة بين الفقه والقانون، بيروت، المكب الإسلامي ومؤسسة الرسالة، ط3، (بدون تاريخ) .
13) شلبي، أحمد ، مقارنة الأديان ـ اليهودية، القاهرة: مكتبة النهضة المصرية، ط8، 1988.
14) الشرفى، عبدالمجيد، الفكر الإسلامي في الرد على النصارى إلى نهاية القرن الرابع ، تونس: الدار التونسية للنشر، والجزائر: المؤسسة الوطنية للكتاب، 1986.
15) الصابوني، محمد علي، شبهات وأباطيل حول: تعدد زوجات الرسول صلى الله عليه وسلم . (بدون ناشر) ، 1400/1980 .
16) صالح ، سعاد إبراهيم ، أضواء على نظام الأسرة في الإسلام ، جدة: تهامة (الكتاب الجامعي) 1403/1982 .
17) صبري، مصطفى، قولي في المرأة ومقارنته بأقوال مقلدة الغرب، بيروت: دار الرائد العربي، ط2، 1402/1982.
18) عبدالوهاب، أحمد، تعدد نساء الأنبياء ومكانة المرأة في اليهويدة والمسيحية والإسلام ، القاهرة، مكتبة وهبة 1409/1989.
19) العسال، أحمد محمد ، الإسلام وبناء المجتمع، الكويت، دار القليم، ط5، 1402/1982.
20) عسيري، جابر بن علي بن عبدالله، تعدد الزوجات والاحتساب فيه، بحث تكميلي لنيل درجة الماجستير في قسم الدعوة والاحتساب بالمعهد العالي للدعوة الإسلامية بالمدينة المنورة ، 1405/1406.
21) العطار، عبدالناصر توفيق، تعدد الزوجات من النواحي الدينية والاجتماعية والقانونية ، بيروت: مؤسسة الرسالة، ودار الشروق ، 1396/1976.
22) العقاد، عباس محمود، المرأة في القرآن، بيروت: دار الكتاب العربي ،ط3، 1969.
23) غاوجي، وهبي سليمان، المرأة المسلمة، بيروت: دار القلم ومؤسسة الرسالة، ط5، 1402/1982.
24) فائز، أحمد ، دستور الأسرة في ظلال القرآن، بيروت: مؤسسة الرسالة 1400/1980.
25) قطب، سيد، في ظلال القرآن ، بيروت: دار الشروق، 1393/1973.
26) قطب، محمد، شبهات حول الإسلام، بيروت: دار الشروق، ط16، 1403/1983.
27) لطيف، شكري، الإسلاميون والمرأة، تونس، بيرم للنشر ،ط2، 1988 .
28) المودودي، أبوالأعلى، الحجاب، بيروت: دار الرسالة، 1401/1981.
***************************************
اللهم اني اردت بعملي هذا النفع والفائدة فتقبله مني يارب
وهذا يااختى موضوع اخر عن الزواج
اسم الكتاب ومؤلف الكتاب
وصايا وإتحاف قبل ليلـة الزفـاف
قصص. عادات. أوصاف . شمائل . أمثال . أقوال . أخبار . أراء
طرائف. نوادر . مواقف . عبر . حكم . أحكام . نصائح . آداب
سليمان بن عبدالكريم المفرج
الطبعة الثانية 1422 هـ
وهذا البحث
معنى الزواج
في اللغة: الجمع والضم ومنه قول الشاعر
أيها المنكح الثريا سهيلاً عمرك الله كيف يجتمعانِ
هي شامية إذا ما استقلت وسهيل إذا ما استقل يمانِ
أي أيها المحاول أن يجمع بين الثريا وسهيل لقد حاولت أمراً غير ممكن ويكون بمعنى ((عقد التزويج)) ويكون بمعنى ((وطء الزوجة)) كما ذكر الفقهاء قال أبو علي القالي: ((فرقت العرب فرقاً لطيفاً يعرف به موضع العقد من الوطء فإذا قالوا: نكح فلانة أرادوا عقد التزويج وإذا قالوا: نكح زوجته لم يريدوا إلا الجماع والوطء)).
أما في الشرع : فهو تعاقد بين رجل وامرأة يقصد به استمتاع كل منهما بالآخر وتكوين أسرة صالحة ومجتمع سليم قال الفقهاء هو: عقد يعتبر فيه لفظ أنكاح أو تزويج في الجملة، وعلى كل حال فهو عقد تزويج كما قال ابن قدامة.
حكم الزواج
الأصل في مشروعيته الكتاب والسنة والإجماع وذكر غير واحد من العلماء أنهم اتفقوا على أنه من العقود المسنونة بأصل الشرع قال تعالى:{فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ}(سورة النساء 3) وقال صلى الله عليه وسلم"تزوجوا فإني مكاثر بكم الأمم" (رواه أبو داوود وأحمد والنسائي وابن ماجه وابن حبان وصححه) وغير ذلك، وهو مستحب على الجملة وهو المشهور من قول فقهاء الأمصار، والخلاصة من كلام أهل العلم أن النكاح مندوب إليه وقد يختلف حكمه باختلاف الأحوال فيجب تارة في حق من لديه شهوة ويخاف أن يقع في الزنا.
قال ابن قدامه: اتفقوا على أن من تاقت نفسه للنكاح وخاف العنت فإنه يتأكد في حقه وهو أفضل من الحج التطوع والصلاة والصوم التطوع.
ويستحب تارة في حق من لديه شهوة ولا يخشى على نفسه الوقوع في الزنا قال عياض: أما في كل من يرى منه النسل ولا يخشى العنت على نفسه فهو في حقه مندوب.
ويحرم تارة في حق من كان بدار حرب كما ذكر بعض أهل العلم كتاجر دخل دار حرب بأمان إلا إن كان لضرورة.
ويكره تارة في حق من كان لديه شهوة ولكنه إذا تزوج انقطع عن العبادات والقربات.
ويباح تارة في حق من لا ينسل ولا رغبة له في النساء وقد قال الفقهاء: يباح لمن لا شهوة له.
وأخيراً يقال: إن النكاح مع الشهوة أفضل من نوافل العبادات كما ذكر الفقهاء رحمهم الله سابقاً.
شروط الزواج
من حكمة الله تعالى ودقته في شرعه أن جعل للعقود شروطا تنضبط بها وتتحدد فيها صلاحيتها للنفوذ والاستمرار وعدم الفوضى، ومن تلك العقود عقد النكاح فله شروط ينبغي معرفتها ومنها:
الأول : وهو أهمها رضا الزوجين فلا يجوز إجبار الزوج على نكاح امرأة لا يريدها وكذلك لا يجوز إجبار الزوجة على ذلك قال تعالى: { أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَرِثُوا النِّسَاءَ كَرْهاً} (سورة النساء19) وقال عليه الصلاة والسلام: "لا تنكح الأيم حتى تستأمر ولا تنكح البكر حتى تستأذن، قالوا: يا رسول الله، وكيف إذنها؟ قال: أن تسكت" (رواه البخاري ومسلم والترمذي وقال حسن صحيح، وابن ماجه والنسائي وأبو داوود وأحمد والدارمي)
فيحرم تزويج المرأة دون رضاها سواء أكانت بكرا أو ثيبا وجاء في رواية أخرى عند مسلم (والبكر يستأذنها أبوها).
وكم نسمع من القصص المؤلمة والنتائج القاسية فيمن أجبر على نكاح من لا يريدها وامرأة أجبرت على نكاح من لا تريده وقد يكون ذلك مجاراة للعادات السيئة التي لا تمت إلى الإسلام بصلة فيجبرون الزوجة على الزواج من ابن عمها أو الولد على زواج ابنة عمه، وإنه خطأ كبير وقد يحصل من جرائه نكد وهم ومشاكل وطلاق وأولاد ضحية. وعن خنساء بنت جذام: أن أباها زوجها بدون إذنها- وهي ثيب- فأتت رسول الله صلى الله عليه وسلم فرد نكاحها (رواه ابن ماجة).
وكم أغفل الآباء الأمر النبوي في وجوب استئذان الفتاة قبل الزواج فإن له نتائج سيئة وعواقب مدمرة. والأمثلة على ذلك كثيرة لا تخفى على أحد. ونذكر على سبيل الطرافة والعبرة قصة هند لما تزوجت الحجاج بن يوسف الثقفي أحد ولاة الخليفة عبد الملك بن مروان، فوقفت يوماً تتأمل حسنها أمام المرآة وأنشدت تقول:
وما هند إلا مهرة عربية سليلة أفراس تحللها بغل!
فإن ولدت مهراً فلله درها وإن ولدت بغلاً فجاء به بغل
وكان الحجاج عندئذ آتياً من وراء حجاب، وصك أذنيه، ما سمعه من هند، فقال غاضباً:
((يا هنداً لقد كنت فبنت!))، وطلقها
وسرعان ما أجابته: ((لقد كنا فما فرحنا، وبنا فما ندمنا!))
يقول ابن مفلح المقدسي رحمه الله: قال الشيخ تقي الدين: إنه ليس لأحد الأبوين أن يلزم الولد بنكاح من لا يريد، وأنه إذا امتنع لا يكون عاقاً.
وعلى كل حال إن كان هناك عدم رضا من أحد الزوجين فالزواج فاسد لا صحة له.
الثاني : الولي أي يشترط أن يزوج المرأة وليها لقوله عليه الصلاة والسلام: "لا نكاح إلا بولي" ( رواه الترمذي وأبو داوود وابن ماجه والدارمي وصححه الألباني) فلو زوجت المرأة نفسها فالنكاح باطل ولقوله تعالى: { وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ} (سورة النور 32) والشاهد أنه قال: (أنكحوا) وهو خطاب موجه إلى الأولياء وقال أيضاً: { َلا تُنْكِحُوا الْمُشْرِكِينَ حَتَّى يُؤْمِنُوا} (سورة البقرة 221) والشاهد أيضاً أن الخطاب موجه للأولياء وقال : { فَلا تَعْضُلُوهُنَّ أَنْ يَنْكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ } (البقرة 232) والشاهد كالسابق.
والولي : هو كل ذكر بالغ عاقل رشيد وأن يكون مسلماً إذا كانت المرأة مسلمة وأن يكون من عصبة المرأة كالأب والجد من قبل الأب والابن وابن الابن وإن نزل والأخ الشقيق والأخ من الأب والعم الشقيق والعم من الأب وأبنائهم الأقرب فالأقرب.
ولا ولاية للإخوة من الأم ولا لأبنائهم ولا لأبي الأم والأخوال لأنهم غير عصبة فإن لم يوجد ولي من عصبة المرأة فإن القاضي يتولى العقد للمرأة.
ويجب على الولي أن يختار لها الكفء من الرجال ويتحرى الأصلح لها.
الثالث : التعيين أي أن تعين المرأة التي سيتزوجها الرجل، باسمها الخاص أو وصفها الذي لا يشارك فيه أحد من أخواتها فيقول الأب مثلاً: زوجتك ابنتي فلانة أو ابنتي الكبيرة أو الصغيرة أو الوسطى أو غير ذلك حتى تتعين الزوجة وتتميز، فلو قال الأب: زوجتك إحدى بناتي فقط فإن النكاح باطل لعدم التعيين.
الرابع : الشهادة أي حضور شاهدين حين العقد وأن يكونا عدلين مقبولين يرضاهما الناس، قال الحنابلة: ويشترط أن لا يكون الشاهدين من أصول الزوج ولا فروعه ولا من أصول الزوجة ولا من فروعها ولا من أصول الولي ولا من فروعه، والأصول هم الأجداد وإن علو والفروع هم الأبناء وإن نزلوا. هذا هو المشهور عند فقهاء الحنابلة، ولكن القول الراجح أنه لا بأس أن يكون الشاهدين من الأصول أو الفروع سواء للزوج أو الزوجة أو الولي، والأولى الحيطة على كل حال.
والكفاءة معتبرة في النكاح وهي المماثلة بين الزوجين والمساواة، والمالكية يرون ذلك في الدين والحال، أي السلامة من العيوب التي توجب لها الخيار، أما جمهور أهل العلم فيرونها في الدين والنسب والحرية والحرفة ((أي الصناعة))، والحنابلة والحنفية زادوا اليسار أي المال.
وعلى هذا فالكفاءة في الدين مما اتفقوا عليه فلا تحل المرأة المسلمة للرجل الكافر.
والأدلة على اعتبار الكفاءة كثيرة منها قوله تعالى: {وَلا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ وَلَأَمَةٌ مُؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكَةٍ وَلَوْ أَعْجَبَتْكُمْ وَلا تُنْكِحُوا الْمُشْرِكِينَ حَتَّى يُؤْمِنُوا وَلَعَبْدٌ مُؤْمِنٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكٍ وَلَوْ أَعْجَبَكُمْ } (سورة البقرة 221) وقوله: {إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ } (سورة الحجرات 13).
وقوله عليه الصلاة والسلام:"إذا جاءكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه إلا تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد كبير" (رواه الترمذي وابن ماجه).
والكفاءة ليست من شروط صحة النكاح، فإن النكاح صحيح ولو لم يكن هناك تكافؤ بين الرجل والمرأة والمسألة تتوقف على رضا المرأة والأولياء في الحسب والنسب والمال وغيره.
وسئل شيخ الإسلام ابن تيمية عن رجل زوج ابنة أخيه من ابنه، والزوج فاسق لا يصلي، وخوفوها حتى أذنت في النكاح، وقالوا: لا بد أن تأذني وإلا زوجك الشرع بغير اختيارك، وهو الآن يأخذ مالها، ويمنع من يدخل عليها لكشف حالها: كأمها، وغيرها؟
فأجاب: ((الحمد لله، ليس للعم ولا غيره من الأولياء أن يزوج موليته بغير كفء إذا لم تكن راضية بذلك باتفاق الأئمة، وإذا فعل ذلك استحق العقوبة الشرعية التي تردعه وأمثاله عن مثل ذلك، بل لو رضيت هي بغير كفء كان لولي آخر غير المزوج أن يفسخ النكاح، وليس للعم أن يكره المرأة البالغة على النكاح، بكفء فكيف إذا أكرهها على التزويج بغير كفء، بل لا يزوجها إلا بمن ترضاه باتفاق المسلمين.
وإذا قال لها: لا بد أن تأذني وإلا زوجك الشرع بغير اختيارك. فأذنت لذلك لم يصح هذا الإذن، ولا النكاح المترتب عليه، فإن الشرع لا يمكن غير الأب والجد من إجبار الصغيرة باتفاق الأئمة، وإنما تنازع العلماء في الأب والجد في الكبيرة، وفي الصغيرة مطلقا))انتهى.
وأما الشروط في النكاح فهي مختلفة عن شروط النكاح، فشروط النكاح لا يصح النكاح إلا بتوفرها كلها وإذا فقد واحد منها بطل النكاح.
أما الشروط في النكاح فهي ما يشترطه أولياء الزوجة على الزوج وإذا أخل بواحد منها ولم يف به فإن النكاح لا يبطل ولكن يحق للزوجة المطالبة بفسخ العقد.
ويجب على الزوج الالتزام بالشروط والوفاء بها ما دام قد رضي واستعد للوفاء بها عند العقد وقد جاء في الشريعة ما يدل على ذلك، كقوله صلى الله عليه وسلم:"أحق الشروط أن توفوا بها ما استحللتم به الفروج". (رواه البخاري من حديث عقبة بن عامر)
فهذا دليل خاص وأما الدليل العام فهو قوله عليه الصلاة والسلام:"المسلمون على شروطهم إلا شرطا أحل حراما أو حرم حلالا" (رواه البخاري).
وللعلم فإن الشروط التي يجب على الزوج الوفاء بها هي الشروط المباحة والجائزة شرعا الغير منافية لمقتضى النكاح ومقصده، كاشتراط العشرة بالمعروف والإنفاق عليها وأداء حقوقها وغير ذلك من الشروط حتى ولو كانت من أمور الدنيا فالمهم عدم مخالفتها للشرع واشتراط مواصلة الزوجة للدراسة...
الحث على الزواج والترغيب فيه
لقد حث الإسلام على الزواج ورغب فيه وندب إليه فقال تعالى:{وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ } (سورة النور 32) وقال سبحانه: { فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلاثَ وَرُبَاعَ } (سورة النساء3) وقال: {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً } (سورة الروم 21) وقال: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا} (سورة الحجرات 13).
وأوصى به عليه الصلاة والسلام ودعا إليه الشباب وخصهم بالخطاب لا سيما إذا وجدت القدرة على مؤونته ونفقاته.
والدافع الغريزي نحوه حتى لا تزل القدم في مهاوي الردى فقال عليه الصلاة والسلام: "يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء" (متفق عليه).
وقال : " تزوجوا الودود الولود فإني مكاثر بكم الأمم يوم القيامة ".
والزواج هو أهم مقومات الحياة والمتمم للوظائف الحيوية والحافظ للجامعة البشرية من الانقراض والزوال بإذن الله وأساس لتقدير المرء في الهيئة الاجتماعية وفي الحديث "حبب إلي من دنياكم الطيب والنساء وجعلت قرة عيني في الصلاة" (رواه أحمد والنسائي والحاكم وسنده جيد).
الإنكار على من ترك الزواج
إن ترك الزواج مع القدرة عليه وتوفر دواعيه مخالفة للشرع ومجانبة للصواب، وقد ركب الله سبحانه البشر على الزواج وجبلهم عليه، ولا يقاس على من تركه فهو ناد عن الفطرة السليمة ولكل قاعدة شواذ.
يقول سفيان بن عيينة، حدثنا ابن عجلان قال: قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه حول قوله تعالى: {وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَى مِنْكُمْ... الآية} (سورة النور:32) إني لأعجب ممن يدع النكاح بعد سماعه لهذه الآية.
فإن كان الذي رد الرجل عن الزواج هو الفقر فالله تعالى سيجعل الزواج يسرا إذا قارنه نية صالحة، يقول قتادة رضي الله عنه: ذكر لنا أن عمر بن الخطاب قال: ما رأيت كرجل لم يلتمس الغنى في الزواج وقد وعده الله به فقال: {وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ} (النور:32) وفي لفظ: اطلبوا الفضل في الباءة وفي الحديث "ثلاثة حق على الله عونهم: المجاهد في سبيل الله والمكاتب يريد الأداء والناكح يريد العفاف" (رواه الترمذي والنسائي).
وقال تعالى: {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً} (سورة الطلاق:2).
وعلى الرجل أن يسعى ولا يكسل بل يفعل السبب.
توكل على الرحمن في كل حاجة ولا تؤثرن العجز يوما على الطلب
ألـم تر أن الله قال لـمريـم إليك فهزي الجذع يساقط الرطب
ولو شاء أن تجنيه من غير هزها جنته ولـكن كل شيء له سبب
وأما إن كان الذي يمنع من الزواج هو دعوى الزهد في الدنيا فإن من اعتقد ذلك فقد أبعد النجعة، فالزهد الحقيقي باتباع شرع رسول الله وليس هناك أزهد منه عليه الصلاة والسلام والله يقول: {وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ وَلا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا} (سورة القصص:77).
وإن من أعظم النصيب في الدنيا الزواج، وقد قال عليه الصلاة والسلام: "الدنيا متاع وخير متاعها المرأة الصالحة" (رواه مسلم).
وعن سعيد بن هشام أنه دخل على عائشة رضي الله عنها فقال لها: إني أريد أن أسألك عن التبتل فما ترين فيه فقالت: لا تفعل أما سمعت الله يقول:{وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلاً مِنْ قَبْلِكَ وَجَعَلْنَا لَهُمْ أَزْوَاجاً وَذُرِّيَّةً}(سورة الرعد:38)فلا تبتل مع هذا (أخرجه النسائي والترمذي وابن ماجه وصححه الألباني).
وقال عليه الصلاة والسلام: "أفضل هذه الأمة أكثرها نساء" (رواه البخاري) قال محمد بن كثر: وحب النساء ليس من حب الدنيا المذموم ولذلك قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "حبب إلي من دنياكم ثلاث. ذكر منها النساء".
ويروى عن عمر أنه قال: "ليس في النساء سرف ولا في تركهن عبادة ولا زهد" ويروي الزبير بسنده إلى سفيان قال: "كان عند علي بن أبي طالب أربع زوجات وتسعة عشر وليدة وكان يقول: إني لمشتاق إلى العروس".
ولقد تزوج النبي عليه الصلاة والسلام وحث عليه كما سبق وعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: جاء ثلاثة رهط إلى بيوت أزواج النبي صلى الله عليه وسلم يسألون عن عبادة رسول الله فلما أخبروا كأنهم تقالوها فقالوا: وأين نحن من رسول الله قد غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر فقال أحدهم: أما أنا فأصلي الليل أبدا وقال آخر: وأنا أصوم الدهر ولا أفطر وقال آخر: وأنا لا آكل اللحم وقال آخر: وأنا أعتزل النساء فلا أتزوج أبدا، فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فقال لهم: أنتم الذين قلتم كذا وكذا أما والله إني لأخشاكم لله وأتقاكم له، ولكني أصوم وأفطر وأصلي وأنام وآكل اللحم وأتزوج النساء فمن رغب عن سنتي فليس مني" (روا ه البخاري ومسلم).
والانقطاع عن الزواج يسمى ((التبتل)) ومنه قولهم ((مريم البتول))، وجاء في الحديث عن سعد بن أبي وقاص قال: أراد عثمان بن مضعون التبتل فنهاه رسول الله عن ذلك، ولو أجاز له ذلك لاختصينا. (رواه مسلم).
ولقد آخى النبي صلى الله عليه وسلم بين سلمان وأبي الدرداء فجاءه سلمان يزوره فإذا أم الدرداء متبذلة فقال: ما شأنك يا أم الدرداء ؟ قالت: إن أخاك أبا الدرداء يقوم الليل ويصوم النهار وليس له في شيء من الدنيا حاجة فجاء أبو الدرداء فرحب به وقرب إليه طعاما فقال له سلمان: أطعم قال إني صائم، قال أقسمت عليك لتفطرن ما أنا بآكل حتى تأكل، فأكل معه ثم بات عنده، فلما كان الليل أراد أبو الدرداء يقوم يصلي فمنعه سلمان وقال: يا أبا الدرداء إن لجسدك عليك حقاً وإن لأهلك عليك حقاً صم وافطر، وصل وأت أهلك وأعط كل ذي حق حقه، فلما كان في وجه الصبح قال: قم الآن إن شئت وصل، فقام فتوضأ ثم ركعا ثم خرجا إلى الصلاة فدنا أبو الدرداء ليخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالذي أمره سلمان فقال له رسول الله: يا أبا الدرداء إن لجسدك عليك حقا مثل ما قال سلمان وفي رواية صدق سلمان.
وأما إذا كان المقصد من ترك النكاح هو الحرية وعدم التقيد والمسئولية وملاحقة النساء والغزل ونحوه فهذا شر مقصد وإنه والله مما يؤسف له أشد الأسف وإنه لضياع وسيسأل الله هؤلاء الشباب عن شبابهم وأموالهم وأوقاتهم التي ذهبت في الحرام هدرا، يقول أحدهم: إذا أردت أن تبيع حريتك تزوج، وهذا الكلام مردود على صاحبه ومثله قول بعضهم: (الزواج حقل أشواك) وقول آخرين: (الزواج مقبرة الحب).
وأما إن كان العائق هو إكمال الدراسة فهذا في الحقيقة من تسويل الشيطان وإلا فالدراسة ليست عائقا أبدا بل على العكس، الزواج عامل أساسي في النشاط والحيوية ونضج القلب والعقل والاتزان الشخصي والملكة والحزم والحكمة والفهم والإدراك والعلم، وكثر ممن جعلوا هذا عائقا أخذوه عن بعضهم وتناقلوه ولم يأخذوه عن متزوج، مجرب والتجربة أكبر برهان ومن كان لديه عقل متزن لا ينصح أحدا بعدم الزواج بحجة إكمال الدراسة.
ومما يؤسف له أيضا: أن يكون المانع من الزواج عند بعض الشباب هو التلذذ بحياة العزوبة وهنائها كما يزعمون، ويتعللون فهم مخطئون في ذلك شاذون عن طريق الحق تائهون عن جادة الصواب لأنهم خالفوا سنة المرسلين، ومن احتج من طلاب العلم بأن ابن تيمية لم يتزوج (إن صح ذلك) فنقول لهم: إن ابن تيمية بشر يخطئ ويصيب ((لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة)). وكان ابن تيمية كما يذكر عنه أنه يقول: ليس لدي وقت لأتزوج، لأنه منشغل بالرد على أهل الكلام والبدع، فيا ليت من يجعلون ابن تيمية قدوتهم أن يقتدوا به في طلبه العلم واحتراقه ليظهر الضوء في الأفق وينير الطريق.
قيل لأحمد: ترك الزواج أفضل، قال: لا، الزواج أفضل فقيل له: فلان لم يتزوج فقال:أوه، ولكن رسول الله تزوج.
يقول الإمام أحمد رحمه الله: من دعاك إلى العزوبة فقد دعاك إلى غرو الإسلام.
والإبطاء عن الزواج حتى يتقدم الرجل في العمر مثلب عظيم ومزلق خطير لا يتجرع مرارته إلا من جربه.
يقول ابن عباس لرجل: تزوج فإن خير هذه الأمة أكثرها نساء ولو لم يكن في الحث على الزواج والنهي عن العزوبة إلا قوله تعالى:{وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلاً مِنْ قَبْلِكَ وَجَعَلْنَا لَهُمْ أَزْوَاجاً وَذُرِّيَّةً} لكفى وشفى.
وقد جاء في الحديث: (من تزوج فقد استكمل نصف دينه فليتق الله في النصف الباقي) (رواه الطبراني وحسنه الألباني).
وقال عليه الصلاة والسلام لعكاف بن وداعة الهلالي: ألك زوجة يا عكاف، قال: لا، قال: ولا جارية؟ قال: ولا جارية، قال: وأنت موسر؟ قال: وأنا موسر بخير، قال: أنت إذا من إخوان الشياطين ولو كنت من النصارى كنت من رهبانهم، إن سنتنا شراركم عزابكم وأراذل موتاكم عزابكم ما للشياطين سلاح أبلغ في الصالحين من النساء إلا المتزوجين أولئك المطهرون المبرؤون من الخنا ويحك يا عكاف إنهن صواحب أيوب وداوود ويوسف وكرفس، قال له بشر بن عطية: من كرفس يا رسول الله؟ قال: رجل كان يعبد الله بساحل من سواحل البحر ثلاثمائة عام يصوم النهار ويقوم الليل ثم إنه كفر بالله بسبب امرأة عشقها وترك ما كان عليه من عبادة ثم استدركه الله ببعض ما كان منه فتاب عليه، ويحك يا عكاف تزوج وإلا فأنت من المدبرين قال: زوجني يا رسول الله، قال زوجتك كريمة بنت كلثوم الحميري.
ويذكر أن رجلا كان مؤذناً في أحد المساجد عليه علامات الصلاح، وذات يوم صعد المنارة ليؤذن فرأى نصرانية فافتتن بها فذهب إليها فامتنعت أن تجيبه إلى ريبة وشبهة فقال لها: أتزوجك فقالت: أنت مسلم وأنا نصرانية فلا يرضى أبي قال: أتنصر فقالت: الآن يجيبك ويرضى بك فتنصر الرجل وحددوا موعد الزفاف وفي أثناء يوم الزفاف صعد سطحاً لحاجة فزلت قدمه فوقع ميتاً، فلا هو ظفر بها ولا هو ظفر بدينه نعوذ بالله من سوء الخاتمة.
وأما إن كان العائق والمانع هو ثقل المهر فأنا معك وبضوابط وسيأتي الكلام عن ذلك قريباً، وعموماً فإن ترك الزواج أمر خطير وكبح جماح الشهوة أمر عظيم والرجل إن لم يتزوج فهو في دوامة وتواجهه زوابغ من الفتن قال بعضهم: لا شيء أشد من ترك الشهوة لأن تحريك الساكن أيسر من تسكين المتحرك.
قال ابن الحاج: قال صاحب الأنوار: احذروا الاغترار بالنساء وإن كن نساكاً عباداً فإنهن يركن إلى كل بلية ولا يستوحشن من كل فتنة قال بعض العارفين: ما أيس الشيطان من إنسان قط إلا أتاه من قبل النساء لأن حبس النفس ممكن لأهل الكمال إلا عن النساء.
إن العيون التـي في طرفها حور قتلننا ثم لـم يـحيين قتلانا
يصرعن ذا اللب حتى لا حراك به وهن أضعف خلق الله إنسانا
نظرة الإسلام للزواج
قد نظر الإسلام إلى الزواج نظرة اتزان، وجعله من أهم مقومات الحياة وأنزله أعظم المنزلة، ونظمه تنظيما عادلا، لكي يتحقق مقصوده منه، وليكون رحمة ومودة وهناء وأنسا ولا أريد أن أعدد محاسن الإسلام في موضوع الزواج فهذا يطول ولكن لك أن تعرف ذلك من خلال ما تقرأ وتسمع وتشاهد من تصرفات الكفرة وطرق زواجهم وعاداتهم التي يتزه عنها بعض البهائم، وقد قالوا: (وبضدها تتميز الأشياء) وسيتبين لك من مواقف أسوقها مدى انحطاط مجتمع الغرب، الذي لا زال بعض الناس يصفق لحضارته بل حضيرته، رغم ما حققه من إنجاز واكتشاف واختراع، و والله إذا لاحظت قيمهم وأخلاقهم وتفحصت واقعهم لاستحقرت كل ما يفتخرون به من هذا التقدم والمدنية فهم وإن عاشوا بعقل كبير كما يزعمون إلا أن قلوبهم خاوية فارغة كالحيوانات أو أشد قبحاً.
وصدق الله: { إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلاً } (سورة الفرقان 44) وكل ما توصلوا إليه دنيوي بحت لا تطلع له في عالم الآخرة. {يَعْلَمُونَ ظَاهِراً مِنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ عَنِ الْآخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ} (سورة الررم 7).
وهذه المواقف التي سأذكرها مما تناقلته وسائل إعلامهم ووكالات أنبائهم، منها ما يستثر البكاء ومنها ما يستدعي الضحك ومنها ما يجمع بينهما.
وكلها تنطق بالغواية والضلال وتشهد لسقوطهم وانحلال أخلاقهم وسقط متاع من يطبلون لحضيرتهم.
* هذا رجل تبلغ به البشاعة حد أن يرتكب الفاحشة في ابنته، ويستمر على ذلك أعواماً، ثم يصب الماء الحار على الجزء الأسفل منها لإخفاء آثار جرمه، ويقطع جزءاً من لسانها لكيلا تكشف أمره، ويزهق روح ولده لكونه علم به!!.
* وهذا رجل يدفع ما يساوي 700 دولار مهراً لفتاة متوفاة بهدف تزويجها -في العالم الآخر- لابنه الذي مات وعمره 5 سنوات!!.
* وهذه امرأة تنتحر بإلقاء نفسها من قمة عالية هدف أن تتحول إلى شبح يراقب ويعاقب زوجها الذي كانت تعتقد فيه خيانتها!!.
* وهذا رجل ينام مدة ثلاثة أشهر بجوار جثة زوجته الميتة المتعفنة، ويقدم لها وجبات الطعام اليومية، ويصر على أنها ستعود للدنيا، لأنها أخبرته بذلك في أحلامه!!.
* وهذا رجل ثري يقيم حفل زفاف باذخ جداً، يأتي فيه أحد العروسين على طائرة هيلوكبتر ويأتي الآخر على سيارة روزلويس فاخرة، ثم يسير العروسان اللذان لم يكونا سوى قط وقطة، إلى قاعة الاحتفال الفخمة، وسط دقات الطبول، وقرع الأجراس وقد كانت تكلفة الحفل 120 ألف دولار!!.
إلى غير ذلك من الأخبار العجيبة المدهشة، والتي تجعلنا نحمد الله تعالى على ما نحن فيه من نعمة الإسلام، والتي تجعلنا نزهد بالتطور المادي إن كنا لن نحصل عليه إلا بالهبوط إلى ما دون حياة الأنعام.
وإليك شيئا من عاداتهم في الزواج
في جزر كوك تسير العروس على بساط من الآدميين.. إذ يستلقي الشباب على وجوههم إلى الأرض وتعبر العروس ماشية فوقهم حتى تصل إلى مكان الاحتفال.
وفي الأقاليم الريفية من غرينلاند يقوم العريس بشد عروسه من شعرها ويسحبها من بيتها إلى بيته.
وبعض القبائل الأفريقية يحتفلون بزفاف العريس محمولا على الأكتاف كما لو كانوا يحملون نعش ميت يشيعونه ليدفنوه في المقبرة بينما تحمل العروس بالأيدي وعلى الرؤوس.
وفي بورما يطرحون العروس أيضاً، ثم يقوم رجل مسن بثقب أذنيها لكنها حين تصرخ من الألم وتتوجع تعزف الموسيقى الصاخبة حتى لا يسمع أحد استغاثاتها.
وفي مقاطعة هونان بالصين إذا أراد أحدهم خطبة فتاة ما فإنه يرسل لوالدها رسالة بداخلها إبرة فإذا أرجعت إليه الإبرة وفيها خيط كان معنى ذلك الموافقة على الزواج وان أرجعت الإبرة بدون خيط فذلك يعني عدم الموافقة على ذلك.
ولقبائل الهند التي تعيش على ضفاف "نهر الأمازون" عادات غريبة وتقاليد عجيبة في حفلات الزواج فالشباب المنتمي إلى تلك القبائل عندما يفكر في الزواج ويختار عروسه يعرض الأمر على زعيم القبيلة ويسترضيه بمختلف الهدايا ليحصل على موافقته وعندما يأذن له الزعيم تسرع أسرته في إعداد حفل العرس، ولإتمام مراسم الزواج يذهب العريس ويأتي بعروسه إلى الغابة قبل غروب الشمس ثم يتقدم بصحبة شاهدين وعندئذ يشد الفتاة إلى جذع شجرة ويتناول سوكا ويلهب به بدن الفتاة فتصرخ وتئن من فرط الألم وعندئذ يسرع أهالي العروسين يحيطون بالفتاة ويرقصون رقصاً وحشيا يتخلله هتاف مزعج يصم الآذان وفي خلال ذلك يسرع أحد الشهود ويشعل النار عند قدمي الفتاة في كومة من الحشائش والحطب فتتلوى عروس المستقبل وتصيح وتضرب الهواء بقبضتها ولكن الشاهد الثاني لا يحل وثاقها إلا بعد أن تكون قد فقدت رشدها وأصيبت بشبه إغماء. وعند هذا الحد يقوم الزوج بحمل العروس إلى كوخه مما يعني أن مراسم الزواج قد انتهت وأن الزواج قد حدث بالفعل.
ولا يقف الأمر عند ذلك ففي كثير من بلدان المسلمين يرتبط الزواج بعادات وتقاليد يشيب لها الولدان، فهيا بنا إلى جولة نستكشف فيها كم بعد المسلمون عن دينهم في زواجهم وكم بعد غرهم عن الفطرة.
والأمر في أغلب بلداننا العربية يدعو إلى إعادة النظر بشدة حيث تكثر التعقيدات وتتعدد الإجراءات التي تستترف أموال الشاب مما يجعله يفكر مراراً وتكراراً في موضوع الزواج في أن يقدم عليه، ففي إحدى الدول على سبيل المثال حينما يذهب الشاب إلى بيت الفتاة التي يريد أن يتعرف عليها ويراها الرؤية الشرعية لابد أن يحمل معه هدية سواء أعجبته الفتاة أم لم تعجبه وهذه الهدية تكلف مبلغاً كبيراً إذا ما قيس بمستوى دخل الفرد، وإذا ما تمت الخطبة فعلى الشاب أن يحمل إلى عروسه هدية المواسم. في العيدين موسم والمولد النبوي موسم والإسراء والمعراج موسم والبهجة- منتصف شعبان موسم كذلك. وحينما تجيء لحظة عقد القران على العريس أن يحضر "متر" أي سلسلة ذهبية طويلة وحزاماً من الذهب إضافة إلى الأسورة والحلقان وفي مجلس الرجال يقف العريس أمامهم ويوجه كلامه إلى أهل العروس ويقول: هذا مهر ابنتكم ويذكر مقداره، وبعدها يعقد المأذون قرانه وإن أخر العريس زفافه عليه أن يرسل لعروسه مصروفها اليومي حتى تدخل بيته. وفي ليلة الزفاف نظراً لكثرة الخضرة
التي يلقونها فوق العريس حتى تحجب الشمس عنه يذبح العريس على الأقل عشرة كباش وهناك من يذبح خمسين أما الطبقة الغنية فتذبح مائة كبش، ويشتري العريس نبات مخدر للمضغ حتى "يتكيف" المعازيم، بحسب استطاعته، وفي المجلس نفسه يعطي العريس مبلغ من المال يخرجه العريس لوالد العروس ولوالدتها ولعمها ولخالها ولخالتها وعمتها وللخادمة إن كانت في البيت خادمة ولا بد أن يكون في جيبه مبلغاً كبيراً يسلمه للعروس قبل أن تسمح له بكشف طرحتها البيضاء وإن لم يكن مع العريس في تلك اللحظة هذا المبلغ لا تمكنه من نفسها حتى وإن استدعى هذا الأمر عدة أيام، وفي مناطق أخرى بعد إطلاق النار في الهواء سواء من قبل أهل العروس أو العريس والمعازيم يعلو صوت الطلقات النارية على صوت الأناشيد، وبعد حفل ليلة الزفاف يمشي العريس وخال العروس وخلفهما تمشي العروس ومن ورائهم بقية المعازيم حتى يوصلوا العروس إلى بيت العريس وما إن تطأ العروس عتبة البيت بقدمها اليمنى حتى يسارع العريس بوضع قدمه على قدمها وهذا معناه في العرف أن الكلمة في البيت ستكون للرجل أما إذا سارعت العروس بسحب قدمها قبل أن يتمكن العريس من وطئها فذلك يعني أن الأمر في تسيير شؤون البيت سيكون للعروس، وفي بعض القرى تأتي المرأة التي زينت العروس لتكشف لها طرحتها قبل أن يدخل عليها العريس نظير مبلغ من المال.
وفي بعض المناطق الساحلية يزف العريس إلى البحر ويرميه الحاضرون بعجينة الحناء أثناء مروره في شوارع المدينة حتى إذا وصل إلى البحر حملوه وألقوه في البحر ليغتسل ثم يزف وهو مبلل الثياب إلى بيته لكي يغتسل ثانية ويبدل ثيابه. وفي بعض القرى الجبلية يوخز العريس بإبرة خياطة ثلاث مرات من بعض أصدقائه أثناء زفه إلى غرفته فإن توجع ضحك عليه الحاضرون. أما في المناطق الوسطى فما إن يتم الإعلان عن إقامة عرس لأحد شباب القرية يأخذ آخر عريس في القرية راية خضراء ويسلمها إلى العريس الجديد.
وفي إحدى الدول العربية يميز فيها الناس بين حفلتي الخطوبة وعقد القران بلون الخاتم المقدم، ففي الخطوبة يقدم العريس خاتماً أبيض أما في عقد القران فيكون أصفر والعادة الأشد غرابة هي ذهاب المعازيم آخر الليل بعد انتهاء الحفلة من بيت العروس إلى بيت العريس فينامون حتى الصباح وبعد تناول طعام الإفطار والغداء ينعقد السمر لليوم الثاني حتى منتصف الليل ولا ينصرف المعازيم كما هو المعتاد وإنما ينتظرون ظهور "العلامة" وهي خروج الزوج عليهم بمنديل أبيض عقب دخوله على زوجته، هذا المنديل الأبيض تظهر عليه آثار دم نتيجة فض غشاء البكارة، وما إن تراه النساء حتى ترتفع زغاريدهن ويطلق الرجال النار من أسلحتهم في الهواء.
ومن شمال إفريقيا إلى جنوبها وبالتحديد إلى الكاميرون حيث يدفع الشباب مهراً للبكر حوالي 35 ألف فرنك كاميروني ولا مهر لغير البكر.
وعند الزفاف تأتي العروس عقب عقد قرانها إلى بيت العريس وتوزع الأطعمة الكاميرونية المصنوعة في الغالب من البطاطس بأشكال وألوان مختلفة ويعرض العريس "الآية" وهي منديل أبيض عليه دماء دليل فض بكارة العروس فتزغرد النساء ولا سيما إذا كانت الإشاعات كثيرة حول البنت، ويعطيها العريس حينئذ هدية في الغالب عبارة عن مذياع.
والعجيب في الأعراس الطاجيكية أن العروس لا تحب الذهب وإن أرادت إحداهن ذهبا فخاتماً واحداً فقط أما بداية الخطبة فبعد أن يحدد الشاب البيت الذي يريد أن يتزوج منه يذهب مع أمه ويراها في حضرة العائلة فإن أعجبته العروس يلقي عليها موعظة دينية يحفظ معظم الشباب كلمانها وتقول: " عليك أن تكوني امرأة صالحة تصلي وتصومي وتقرئي القرآن، وعليك أن تحترمي عائلتي وتجيدي الطهو وأعمال المنزل" وهنا يعرف الجميع أن الموافقة تمت ومن ثم تبدأ مراسم عقد القران وليلة الزفاف.
والمهر وتكاليف الزواج، والمسألة في طاجيكستان غاية في البساطة حيث يشترط والد العروس كمية معينة من القطن تكفي لتجهيز 20 وسادة و 30 فراشاً بأحجام مختلفة ويتم التفاوض على المهر الذي يتراوح بين 160 إلى 320 روبلاً طاجيكيا أي حوالي من 100 إلى 200 دولار أمريكي، أما بقية الشروط فمتعلقة بتفاصيل الطعام والشراب الذي سيقدم للمعازيم فيقول والد العروس للعريس: عليك أن تحضر إلى بيتنا بقرة كبيرة وخمس أكياس من الأرز و100 كيلو من الجزر و50 لتراً من الزيت و20 كيلو من البصل ومثلهم من الزبيب، وهذه الأشياء كلها لزوم عمل الأرز البخاري المشهور في طاجيكستان. وبعد أن يفرغ والد العروس من طلباته يأتي دور أم العروس وتخرج من جيبها ورقة بها قائمة من الأقمشة والملبوسات التي يجب على العريس شراؤها. هنا يكون الاتفاق قد تم على كل شيء تقريبا. بعد ذلك يأتي بالزوجة أو العروس إلى مائدة فتغسل يديها بالحليب والدقيق والزيت وتعد خميرة للخبز كناية عن أنها أصبحت ربة منزل، وينثر فوق رأسها المال ويلعب الغلمان والفتيات ويأخذون من هذه الأموال.
وفي أندونيسيا، بعد السؤال عن الفتاة التي يريد الشاب أن يتزوجها يذهب مع أحد العلماء ليخطبها له ويبدأ العالم في الحديث وليس والد العريس كما هي العادة في بلداننا العربية، وترتفع أسهم الشباب إذا كان من طلاب العلم الشرعي ويتساهل معه والد العروس. أحد الشباب طلبت منه خطيبته أن يكون مهرها تسميع سورة الأنفال ففعل، وفي ليلة الخطبة قدم إليها هدية عبارة عن "موكانا ومهري" أي مصحف وملابس للصلاة، وبعد ذلك قدم جاموسة كبيرة لزوم الحفل وجهز غرفة عبارة عن سرير ودولاب وأدوات الطبخ، وقبل الحفل بيومين يدعو أهالي العريس الناس لدفع ما عليهم من "نقوط"- وهو عبارة عن مساعدة مالية تقدم على شكل هدية- حيث تجلس امرأة أمام المنزل ومعها دفتر تقيد فيه كل ما يقدمه المدعوون.
وفي إقليم فطاني المسلم في تايلاند يكاد الأمر يتشابه مع عادات الإندونيسيين فشهر العسل مدته تسعون يوما يقضيها العريس في بيت والد العروس لا يفعل خلالها شيئا. لكن الأعجب من ذلك أن العروس هي التي تتحمل تكاليف الزواج فتشتري لنفسها ولعريسها الملابس الجديدة ووالدها هو الذي يجهز للعريس غرفة نوم متواضعة بحسب المهر الذي يدفع الذي لا يتجاوز 25 ألف بات أي ما يعادل 500 دولار، وقد نزل إلى 500 بات فقط أي حوالي 20 دولار إذا كان العريس يحفظ القرآن، وفي ليلة الزفاف التي تستمر يومين يدعى الجميع بما فيهم الجيران البوذيون. إذ إنه من المعروف أن تعداد المسلمين في تايلاند يقارب ال15 مليونا من إجمالي تعداد السكان البالغ 65 مليونا معظمهم يتركز في فطاني بجنوب البلاد.
أما في هرر وبالي وجيمة وهي مناطق تجمع المسلمين في إثيوبيا، فبعد الإعلان عن الخطبة يرسل الخاطب بقرة حلوباً إلى بيت مخطوبته فتجمع والدتها لبن تلك البقرة وتصنع منه كميات من السمن تقدم للعريس كهدية ليلة زفافه.
وفي إحدى الدول ثمة قانون ينص على ضرورة أن يتقدم رجلان لخطبة الفتاة، فإذا ما اجتمع الاثنان على هذا الأمر، فعليهما أن يتصارعا صراعاً مميتاً أحياناً، ويفوز المنتصر منهما بالزواج من الفتاة المرشحة.
وفي مناطق أخرى ينبغي على الزوج أن يضرب عروسه في ليلة الزفاف وفي أثناء الاحتفال بالزواج وذلك حتى تعلم بادئ ذي بدء أنه هو الرجل صاحب الكلمة المسموعة في حياتهما الزوجية، وفي إقليم بوندايورجاس الواقع جنوب الهند ينبغي أن يخضع الشاب المتقدم للزواج لاختبار تقوم الفتاة بإعداد قوانينه، وغالباً ما يتجسد في أن يجتمع الشاب بفتاته بالإضافة إلى بعض من أقاربها في مكان محدد في إحدى الغابات، حيث تقوم الفتاة هناك بإشعال النار ثم تضع فيها أعداداً من الأخشاب والأسياخ لتقوم بكوي ظهر الشاب بها، فإذا صمد الخاطب أمام هذه اللسعات الحارقة والمؤلمة فقد فاز بها وأصبحت زوجته وقرة عينه، وإذا لم يستطع الصمود، فغالباً ما يكون هذا الأمر وبالاً عليه حيث سيفتضح أمره في البلدة ويصبح شاباً منبوذاً لا يمكن لأي فتاة أخرى أن تقبل به زوجا لها لأنه وصم بالجبن والضعف.
وعلى النقيض من ذلك وفي قبيلة "تودا" التي تقطن في الهند أيضاً، تقوم مراسم الاحتفال بالزواج بضرورة أن تزتحف العروس على يديها وركبتيها في ليلة الزفاف حتى تقترب من عريسها الذي يجب أن يضع قدمه على رأسها وذلك دلالة على امتلاكه لها.
وفي مناطق من الهند الصينية، تتقدم هي لخطبة الشاب الذي تراه مناسباً لها وتكون صاحبة القرار الأول بحيث تصبح العصمة في يدها مما يمكنها من تطليقه إذا ما نفرت أو فكرت بالارتباط بغيره، هذا بالإضافة إلى حقها في الاستيلاء على المنزل ومحتوياته إلى جانب حقها في الاحتفاظ بالأولاد رغما عن أنف الزوج الذي يراقب كل ما يحدث عادة دون أن يعترض أو يرفض.
وفي الأسكيمو إذا أقدم شاب على خطبة فتاة فعليه أن يشم فتاته أولا وذلك حتى يضمن رائحتها الزكية فإذا ما تبين له عكس ذلك، فعليه بالهروب وذلك من خلال الخروج من الباب دون أن يلوي على شيء ودون أن يعلم أهل الفتاة بقراره النهائي.
ولعل أغرب عادات الزواج ما يحدث في اليابان فاليابانيون غالبا ما يبدأون الاحتفال بمراسم الزفاف بواسطة رفع الرايات الحمراء التي يعتقدون أنها تبعد الشر عن الزوجين، وبعد انتهاء حفل الزفاف يحتفظون لفستان الزفاف لاستخدامه كفناً للعروس عند وفاتها!.
ومن أقبح العادات التي تنزعج الأذن عند سماعها إزالة البكارة بالإصبع بحالة تقشعر من هولها الأبدان وتهتز من فظاعتها المشاعر لما يترتب عليها من ضرر بالغ، وهو الجناية على العرض وهتك المستور، وفضيحة البريء إذا تولى هذه العملية الوحشية غير زوجها من نساء جاهلات يؤتى بهن لهذا الغرض، والضرر البالغ إذا تولاها زوجها الغر الجاهل فيسد إصبعه ليهتك به ذلك الغشاء الرقيق، وهناك حدث ولا حرج عن الأثر الذي يتركه في نفس العروس المسكينة وقد علاها الوجل وتملكها الخوف وتمكن منها الرعب من شدة الصدمة وفظاعة الجرم، يرتكبون هذه الجريمة النكراء لا من أجل إزالة البكارة التي لا صعوبة فيها، ولكن ليحصلوا من وراء هذه العملية على دم البكارة التي لبسها عليهم إبليس وأعوانه من شياطين الإنس فيظهرون هذا الشرف المزعوم أمام أعدائهم ومن يتربصون بهم الدوائر.
هذه هي عاداتهم، ونحمد الله الذي أعزنا بالإسلام وأكرمنا بالقرآن.
أهداف الزواج وفوائده
الإسلام لا يشرع شيئا إلا لأهداف سامية ومعان، نبيلة والزواج له أهداف عظيمة جليلة منها على سبيل المثال:
أنه عبادة وقربة إلى الله تعالى وطاعة له ولرسوله عليه الصلاة والسلام إذا أحسن الزوج المقصد وكان خالصاً لوجه الله، يقول عليه الصلاة والسلام:"إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل إمرىء ما نوى" (متفق عليه).
والآيات والأحاديث السابقة تؤيد ذلك وتبين أن الله ورسوله أمرا بالزواج.
ومنها أن في الزواج عفاف وإحصان من الوقوع في الحرام، والمباضعة والنكاح صدقة، قال عليه الصلاة والسلام: (وفي بضع أحدكم صدقة قالوا: يا رسول الله أيأتي أحدنا شهوته ويكون له فيها أجر؟ قال: أرأيتم لو وضعها في حرام أكان عليه فيها وزر؟ قالوا: بلى، قال: فكذلك إن وضعها في الحلال كان له فيها أجر) (رواه مسلم والنسائي).
وقد سبق في الحديث أن "ثلاثة حق على الله عونهم منهم الناكح يريد العفاف" وجاء في فضل العفاف حديث "السبعة الذين يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله ومنهم رجل دعته امرأة ذات منصب وجمال فقال: إني أخاف الله" (رواه البخاري ومسلم) وخوف الفتنة على المتزوج أهون من غير المتزوج فإنه معرض للافتتان في أي منظر يراه أو حديث يسمعه أو هاجس يفكر به لذلك ولغيره كان يقول عليه الصلاة والسلام: "يا مقلب القلوب ثبت قلبي على طاعتك قالت عائشة رضي الله عنها: يا رسول الله، إنك تكثر أن تدعو بهذا الدعاء فهل تخشى: فقال: وما يؤمنني يا عائشة وقلوب العباد بين إصبعين من أصابع الرحمن فإذا أراد أن يقلب قلبه" وقلب السبابة والوسطى (أخرجه ابن أبي عاصم).
والزواج يكسر النظر إلى غير الزوجة وفي هذا يقول عليه الصلاة والسلام: "النظر إلى المرأة سهم من سهام إبليس فمن تركه خوفا لله أثابه الله إيمانا يجد حلاوته في قلبه" (رواه أبو داود والترمذي).
ومنها أن الزواج من الودود الولود فخر للزوج يوم القيامة لحديث معقل بن يسار قال: جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: إني أصبت امرأة وفي رواية "ذات حسب وجمال" وإنها لا تلد أفأتزوجها؟ قال: لا، ثم أتاه الثانية فنهاه رسول الله، ثم أتاه الثالثة: فقال: "تزوجو ا الودود الولود فإني مكاثر بكم الأمم" وسبقت الإشارة إلى مثل هذا.
ومنها أن الزواج استكمال للدين والفضيلة لما ورد عن أنس رضي الله عنه قال:" إذا تزوج العبد فقد استكمل نصف الدين فليتق الله فيما بقي".
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من وقاه الله شر اثنين ولج الجنة: ما بين لحييه وما بين رجليه" (رواه الترمذي والحاكم وصححه الألباني).
ومنها أن الزواج من سنن المرسلين قال صلى الله عليه وسلم: ((أربع من سنن المرسلين: الحياء والتعطر والسواك و النكاح" (رواه الترمذي وقال: حسن صحيح).
ومنها أن بعض الأبناء قد يشفعون لآبائهم وأمهاتهم بدخول الجنة، ورد عن بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم: أنه سمع النبي يقول: يقال للوالدين يوم القيامة: ادخلوا الجنة قال: فيقولون: يا رب حتى يدخل آباؤنا وأمهاتنا قال: فيأتون. قال: فيقول الله عز وجل: ما لي أراهم محبنطئين ((أي ممتنعين))، ادخلوا الجنة، قال: فيقولون: يا رب، آباؤنا وأمهاتنا قال: فيقول: ادخلوا الجنة أنت وآباؤكم (رواه أحمد في مسنده).
ومنها حفظ المجتمع من الشر وتحلل الأخلاق وانتشار الزنا والفجور والرذائل والمنكر.
ومنها استمتاع كلا الزوجين بالآخر وقيام الرجل برعاية المرأة والنفقة عليها وتمامها بخدمة زوجها.
ومنها إحكام الصلة بين القبائل والأسر فتقوى الشوكة وتتكاتف القوة.
ومنها أن فيه تعارف وتآلف قال تعالى: {إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا } .
ومنها أنه سكن للزوجين وراحة واطمئنان ومحبة قال تعالى: {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً} .
ومنها أنه سبب لتكوين أسرة مسلمة تذكر الله وتطيع الله وتتربى على تعاليم الإسلام وقد يخرج منها من يرفع كلمة الله .
ومنها الاطلاع على بعض اللذات الأخروية كما قال بعض الفقهاء، قال الغزالي:
لعمر الله ما قالوه لصحيح، وإن هذه اللذة هي أفضل لذة لو دامت فهي منبهة على اللذات الموعودة في الجنان.
ومنها أن الزواج آية من آيات الله الدالة على عظمته فبينما نجد الزوج والزوجة وهما غريبان عن بعضهما إذ بالصلة تقوى بينهما فيكونان ألصق اثنين ببعضهما.
ومنها تكثر نسل الأمة وعمارة الأرض ببقاء الجنس البشري عن طريق التناسل يقول عليه الصلاة والسلام: "تزوجو ا الودود الولود فإني مباه بكم الأمم يوم القيامة" وطلب الولد مستحب قال تعالى {فَالْآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ } .
روي عن شعبة عن الحكم عن مجاهد قال:هو الولد على أحد الأقوال في قوله{وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ}
يقول الغزالي رحمه الله: في الزواج خمسة فوائد: الولد وكسر الشهوة وتدبير المنزل وكثرة العشرة ومجاهدة النفس بالقيام بهن، ثم ذكر أنه إذا قصد بالزواج التناسل كان قربة يؤجر عليها
من حسنت نيته وبين ذلك بوجوه:
أولا : موافقة محبة الله في تحصيل الولد لإبقاء جنس الإنسان.
ثانياً : طلب محبة رسول الله في تكثير من به مباهاة.
ثالثاً : طلب البركة وكثرة الأجر ومغفرة الذنب بدعاء الولد الصالح له بعده.
يروى عن عمر أنه يقول: إني لأتزوج المرأة ومالي بها من حاجة، وأطؤها ومالي فيها من شهوة، قيل : فما يحملك على ذلك يا أمير المؤمنين؟ قال: أحب أن يخرج مني من يكاثر به النبي صلى الله عليه وسلم يوم القيامة.
ويقول الإمام أحمد: والله لبكاء الطفل يطلب الخبز أفضل عندي من عبادة سنة.
وعن سعيد بن جبير قال: قال لي ابن عباس: هل تزوجت؟ قلت: لا، قال: فتزوج فإن خير هذه الأمة أكثرها نساء (رواه البخاري).
وعن ابن مسعود قال: لو علمت أنه لم يبق من أجلي ((أي عمري)) إلا عشر ليال لأحببت أن لا يفارقني فيهن امرأة (أخرجه عبد الرزاق في مصنه وكذلك ابن أبي شيبة).
وسئل أحمد: يؤجر الرجل أن يأتي أهله وليس له شهوة؟، قال: إي والله يحتسب الولد، وإن لم يرد الولد يقول: هذه امرأة شابة لم لا يؤجر؟ وعن ميسرة قال: قال لي طاووس لتنكحن أو لأقولن لك ما قال عمر لأبي الزوائد: ما يمنعك من النكاح إلا عجز أو فجور " وقصد عمر أن يحثه على الزواج خاصة إذا رأى أبا الزوائد الكبير في السن الذي لم يتزوج".
وقال وهب بن منبه: مثل الأعزب مثل شجرة في فلاة يقلبها هكذا وهكذا.
تأمل قول ذي نصح وود وبادر بالزواج تنل فخارك
وخذ من منبت حر أصيل وعمر بالتقى والخير دارك
ولا تغتر بالحسناء تزهو بأخبث منبت تجلو بوارك
وتقوى الله خير الزاد فاعمر بذكر الله ليلك أو نهارك
والأنبياء طلبوا الولد، يقول الله تعالى عن زكريا عليه السلام:{رَبِّ هَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعَاءِ} . وقال أيضا: {وَزَكَرِيَّا إِذْ نَادَى رَبَّهُ رَبِّ لا تَذَرْنِي فَرْداً وَأَنْتَ خَيْرُ الْوَارِثِينَ} .
وقال عن إبراهيم عليه السلام: {رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلاةِ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي رَبَّنَا وَتَقَبَّلْ دُعَاءِ} .
وقال أيضا: {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلاً مِنْ قَبْلِكَ وَجَعَلْنَا لَهُمْ أَزْوَاجاً وَذُرِّيَّةً} .
وعلى هذا فاحذر من الاستجابة للدعوات المضللة التي ينادي بها أعداء الإسلام وهي الدعوة إلى تحديد النسل لإضعاف المسلمين وكسر شوكتهم وتقليل عددهم على المدى البعيد ليسهل القضاء عليهم...
ومنها أن المبادرة تدعو إلى العفة وغض البصر عن المحرمات، أضف إلى ذلك أن المبادرة في الزواج تمكن الرجل بإذن الله إذا رزقه الله أولادا من تربيتهم والقيام بشؤونهم وإعدادهم لمستقبل حياتهم وجعلهم رجالا صالحين مصلحين ينفعون أنفسهم وأمتهم ويجعل منهم عماداً لها وقوة يرهب بهم أعداءها وتقوى شوكتها وتحفظ هيبتها وكرامتها ويدفع من يريد إذلالها واستعبادها.
ومنها خدمة الزوج والقيام بحقوقه، وتأمل في حياة المتزوج عندما يفاجئه مرض أو تنتابه نائبة وعنده زوجة صالحة وكيف يكون محاطا بعطفها وقيامها بنهدمته نائما على فراش الراحة وتسليه وتؤنسه وتقوم بخدمته وتضمر الخير له.
وارجع بنظرك إلى العزب في حالة مرض أو حاجة شديدة للخدمة فإنه يفتقر إلى الزوجة الحنونة والعطف والرأفة والقيام بتمريضه في أشد الأوقات وأحرجها وأضيق الساعات ويرى نفسه محزونا كالغريب النائي عن وطنه وأقربائه وأصدقائه ويتلهف على أحد يظل بجواره لاسيما إذا كان في غير بلده.
فالزوجة هي الأم حينما يحتاج إلى حنان الأم.
وهي الأخت حينما يحتاج إلى مودة الأخت.
وهي الابنة حينما يحتاج إلى بر الابنة.
وهي الزوجة حينما يحتاج إلى عطف الزوجة.
وهي الخليلة حينما يحتاج إلى مرح الخليلة.
وهي كل شيء.
ومنها أيضا أن الزواج يكسب الرحمة، لذلك فإن المتزوج الذي له أطفال أرحم من المتزوج الذي ليس له أطفال أو غير المتزوج، ولهذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أرحم الناس فها هو يصلي العصر بالمسلمين وإمامة بنت زينب على كتفه وكان عمرها سنتين فإذا سجد وضعها وإذا قام رفعها.
وصلى أيضا الظهر بالناس فارتقى الحسن أو الحسين ابن بنته فاطمة الزهراء على ظهره صلى الله عليه وسلم وهو ساجد فأطال السجود فلما سلم قال: لعلي أطلت عليكم؟ ثم قال: إن ابني ارتحلني حتى رقى على ظهري فخشيت أن أقوم فأؤذيه (رواه النسائي). وكان يقول لأصحابه: (والله إني لأدخل في الصلاة وأريد أن أطيل فأسمع بكاء الطفل فأخفف لما أجد من وجد أمه عليه) (متفق عليه).
وقبل الإقدام على الزواج لا بد أن تعرف أخي الزوج أن الحياة الزوجية ليست متعة فحسب، إنما هي مسؤولية كبيرة، ولا بد أن يكون لك بعد أفق وتفكر ثاقب قبل خوض هذه الحياة، لذا أضع بين يديك وصايا مهمة كي تبني حياتك الزوجية على أساس متين.
وصايا للزوج قبل عقد الزواج
الاستخارة :
وهي طلب خير الأمرين من الله تعالى، فإذا هممت بأمر ما فعليك بصلاة الاستخارة واللجوء إلى الله كي يختار لك ما هو أصلح، ولك في رسولك أسوة، ومثال ينبغي أن تحتذى به فقد استخار الله وبين لصحابته كيف يستخيرون، فقد ورد عن جابر عبد الله أنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعلمنا الاستخارة في الأمور كلها كما يعلمنا السورة من القرآن، يقول: إذا هم أحدكم بالأمر فليركع ركعتين من غير الفريضة ثم ليقل اللهم إني أستخيرك بعلمك وأستقدرك بقدرتك وأسألك من فضلك العظيم فإنك تقدر ولا أقدر وتعلم ولا أعلم وأنت علام الغيوب، اللهم إن كنت تعلم أن هذا الأمر ((ويسمي حاجته)) خير لي في ديني ومعاشي وعاقبة أمري فاقدره لي ويسره لي ثم بارك لي فيه، وإن كنت تعلم أن هذا الأمر شر لي في ديني ومعاشي وعاقبة أمري فاصرفه عني واصرفني عنه واقدر لي الخير حيث كان ثم أرضني به (رواه البخاري).
ولكن متى تقول هذا الدعاء؟
الجواب: ذكر شيخ الإسلام ابن تيمية أن هذا الدعاء يقال في آخر الصلاة سواء بعد التشهد الثاني أو بعد السلام.
والاستخارة لا ترجع إلى الزواج ذاته فهو خير محض ولكن ترجع وتعود إلى أمور منها وقت الزوج والزوجة التي اخترتها ومكان الزواج وما يفعل فيه وينفق عليه وغير ذلك مما يطلب فيه من الله الخير.
والله تعالى سيختار لك ما تحب، سواء رأيت ذلك بعينك أم لم تره.
والاستخارة سنة هجرها أكثر خلق الله اليوم ولا تكاد تعرف إلا حروفاً في كتب المتقدمين أو بعض كتب المتأخرين وتوشك أن تنقرض من كتب المعاصرين.
الاستشارة :
وهي طلب المشورة والرأي السديد، فيا أخي يا من تريد الزواج عليك باستشارة من تثق بعلمه وأمانته في كل ما تحتاجه في هذا المشروع الطيب ولك في رسولك قدوة حسنة فالله يقول له: {وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ } .
وقال تعالى: {وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ } .
ومما قيل :
حسن المشورة من المشير قضاء حق النعمة.
وقيل: الاعتصام بالمشورة نجاة.
وقيل: إذا استشرت الناس شاركتهم في عقولهم.
وقيل: نصف عقلك مع أخيك فاستشره.
فالمشورة ليست عيباً ولا ضعفاً بل تفتح لك أبواباً لم تكن تدري كيف تفتح، وهي من شيم العقلاء، ومن جانبها فقد استبد برأيه وقد قيل إذا أراد الله لعبدٍ هلاكاً أهلكه برأيه.
وقيل: المشورة تقوم اعوجاج الرأي.
وقيل: من استشار ذوي الألباب سلك سبيل الرشاد.
وقيل: شاور في أمرك الذين يخشون الله.
وقيل :
إذا كنت في حاجة مرسل فأرسل حكيماً ولا توصه
وإن باب أمر عليك التوى فشاور لبيباً ولا تعصه
والاستشارة والاستخارة ينبغي أن تجعلهما نصب عينيك دائماً حتى تكون خطاك مسددة بإذن الله تعالى وهما مما هجره أكثر الناس، يقول ابن تيمية رحمه الله: ما ندم من استشار وما خاب من استخار ويقول أحدهم: ما خاب من استخار الخالق وشاور المخلوقين.
والخلاصة : إذا استخار الرجل ربه واستشار نصيحه واجتهد فقد قضى ما عليه ويقضي الله عنه في أمره ما يحب.
الدعاء : لا تغفل أخي جانب الدعاء فهو خير ما يوصى به مع الاستخارة والاستشارة، والإلحاح فيه من أعظم العبادات، لذلك ورد عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال: " الدعاء هو العبادة" (رواه الترمذي).
(فارفع يديك إلى من يستحي أن يرد يدي عبده صفرا إذا سأله) (رواه أبو داوود والترمذي وابن ماجه وحسنه الألباني) وهو الذي يقول: {وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ } ويقول:{فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ } .
وتحين مواطن الإجابة وهي كثيرة أسرد لك بعضها بإيجاز:
1- جوف الليل الآخر ووقت السحر.
2- دبر الصلوات المفروضة.
3- بين الأذان والإقامة.
4- عند نزول المطر.
5- آخر ساعة من عصر يوم الجمعة قبل الغروب.
6- عند شرب ماء زمزم.
7- في السجود في الصلاة.
8- الدعاء عند المرض.
9- بعد التشهد الأخير في الصلاة.
10- دعاء يوم عرفة في عرفة.
11- شهر رمضان والليالي التي ترجى فيها ليلة القدر.
12- عند السفر.
وبعد ذلك لا بد أن تعرف أنه:
لا يجوز للرجل أن ينافس رجلاً آخر في الخطبة بمعنى أنك إذا علمت أن هذا الرجل تقدم لخطبة فلانة فلا يجوز أن تذهب لخطبتها لأن ذلك يقطع الأواصر ويورث العداوة والشحناء.
يقول صلى الله عليه وسلم: "لا يخطب الرجل على خطبة أخيه حتى ينكح أو يترك" (متفق عليه).
فإن تركها الأول أو علم يقيناً أن أهلها لم يوافقوا عليه فعندئذ يجوز للثاني التقدم لخطبتها.
وذهب بعض أهل العلم إلى جواز تقدم الثاني لخطبتها إذا علم أن المتقدم الأول كافر أو فاسق حتى ينقذها من عصمة من لا دين له.
اختيار الزوجة
هذا علم لوحده، فالعلاقة الزوجية هي شركة فإما أن تربح وتكسب أو تخسر وتفشل لذا كان الإسلام مهتماً بهذا الموضوع وينبغي لمن يريد الزوج أن يوليه اهتمامه، فالحياة الزوجية ليست ميدان تجارب ولا حقل تذوق. ولا يلام الرجل إذا أخذ يبحث عن شريكة حياته، وإذا قلبت بصرك وجدت أن من أعظم مشكلات الزواج وصعوباته وانحلاله ناجم عن التسرع في اختيار الزوجة دون بحث وتدقيق، فبعضهم يختار زوجته بمجرد نظرة جمال ساحرة، أو طمعاً في مالها أو غير ذلك والعلاقة التي يكون المقصد منها ذلك توشك أن تزول وتنتهي.
ولديمومة الزواج والتآلف وعدم الفشل وضع الإسلام معاير لاختيار الزوجة ألخصها لك فيما يلي:
الصفات الحسنة في المرأة:
إن أول ما يتبادر إلى الذهن عند طرق هذا الموضوع هو حديثه عليه الصلاة والسلام: "تنكح المرأة لأربع لمالها ولحسبها ولجمالها ولدينها فاظفر بذات الدين تربت يداك" (رواه البخاري ومسلم وأبو داوود والنسائي وابن ماجه وأحمد) فبين عليه الصلاة والسلام صفات المرأة التي ينبغي للرجل أن يبحث عنها، وقد يقال إن هذا الحديث فيه جمال حسي ومعنوي فأما الحسي فهو كمال الخلقة لأن المرأة كلما كانت جميلة المنظر عذبة المنطق قرت العين بالنظر إليها وأصغت الأذن إلى نطقها فينفتح لها القلب وينشرح لها الصدر وتسكن إليها النفس ويتحقق فيها قوله تعالى: {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً} .
ثم ذيل الحديث بأفضل صفة وهي صفة الدين وهي الجمال المعنوي فكلما كانت المرأة ذات دين وخلق كانت أحب إلى النفس وأسلم عاقبة، فهي قائمة بأمر الله حافظة لحقوق زوجها وفراشه وأولاده وماله معينة له على العبادة، إن نسي ذكرته وإن تثاقل نشطته وإن غضب أرضته وقد سئل عليه الصلاة والسلام أي النساء خير قال: "التي تسره إذا نظر وتطيعه إذا أمر ولا تخالفه في نفسها ولا ماله بما يكره"(رواه النسائي )
وقد قيل أربع من السعادة: المرأة الصالحة والمسكن الواسع والجار الصالح والمركب الهنيء.
وكان ابن مسعود يقرأ القرآن فإذا فرغ قال: أين العزاب؟ فيقول ادنوا مني ثم يقول لكل واحد: قل: اللهم ارزقني امرأة إذا نظرت إليها سرتني وإذا أمرتها أطاعتني وإذا غبت عنها حفظتني.
وورد أيضاً "لا تنكحوا النساء لحسنهن فعسى حسنهن أن يرديهن ولا تنكحوا النساء لأموالهن فعسى أموالهن أن تطغيهن وانكحهوهن على الدين فلأمة سوداء خرقاء ذات دين أفضل" (رواه ابن ماجه).
يقول الإمام الغزالي: آداب الرجل إذا أراد النكاح: يطلب الدين ثم بعده الجمال والمال والحسب وفي الحديث:"الدنيا متاع وخير متاعها المرأة الصالحة".
يقول أحدهم: النساء أنواع :
واحدة كالغل في العنق، وأخرى وعاء للولد وثالثة لا نفع ولا ضرر ورابعة تعين زوجها على الدين فهي خير للمرء من عينيه ويديه.
وقال غيره: المرأة التقية الصالحة هناء للنفس وراحة للفكر ومتعة للحياة.
وقال آخر: اعلم أن العيش كله مقصور على الحليلة الصالحة، والبلاء كله موكل بالقرينة السوء التي لا تسكن النفس إلى عشرتها ولا تقر العيون برؤيتها وفي حكمة سليمان بن داوود: المرأة العاقلة تعمر بيت زوجها والمرأة السفيهة تهدمه.
يقول الغزالي: وليس أمره صلى الله عليه وسلم بمراعاة الدين نهيا عن مراعاة الجمال، ولا أمرا بالإضراب عنه، وإنما هو نهي عن مراعاته مجردا عن الدين، فإن الجمال في غالب الأمر يرغب الجاهل في النكاح دون الالتفات إلى الدين فوقع في النهي عن هذا.
ومعنى كلام الغزالي أنه ليس المقصود في الأحاديث أن مطلب الجمال مذموم إنما المراد أن لا يقتصر عليه في طلب الزواج وإلا فإن للجمال اعتباره فقد حث عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال:"انظر إليها فإنه أحرى أن يؤدم بينكما"(رواه الخمسة إلا أبا داود)، (( وهذا النظر قبل عقد النكاح وسيأتي بيانه بإذن الله)).
والأحاديث فيها حث على طلب الجمال والتمتع بالحلال لأن جمال المرأة يعود فضله على زوجها حيث تنكسر شهوته عن غير زوجته الجميلة وفيه فوز بالآخرة.
فهذا هو المقصود ولكن كما سلف لا يجعل الجمال هو الأساس.
ومما قالوا: المرأة الجميلة تملك القلوب لكن المرأة الفاضلة تسرق العقول، فالأولى: ملكت ما سمي ((قلبا)) لكثرة تقلباته والثانية: اقتنت كنز ((الحكمة)) ومركز حقيقة الإنسان.
ورب جميلة بدون دين يصونها جرت على أسرتها الويلات.
لا تركنن إلى ذي منظر حسن فرب رائقة قد ساء مخبرها
ما كل صفر دينار لصفرته صفر العفارب أرداها وأنكرها
ومما قيل:
جمال الوجه مع قبح النفوس كقنديل على قبر المجوسي!
واعلم أخي أن الجمال ليس في العيون الزرقاء ولا الخضراء ولا السوداء ولا العسلية ولا الكبيرة أو الصغيرة ولا ذات الرموش الطويلة أو القصيرة إنما الجمال في العيون التي إذا ما نظرت إليك وأنت غاضب لم تعد غاضبا.
واعلم أيضاً أن الجمال لا يدوم والمرأة الجميلة والدميمة تتساويان متى أطفئت الأنوار.
وإليك هذه القصة المعاصرة:-
يرويها صاحبها ويقول: أنا شاب أردت الزواج وكان شرطي في شريكة حياتي أن تكون جميلة فقط ولم ألتفت إلى غير ذلك وفي ليلة الزفاف لم تقع من نفسي موقعا حسنا ولم تعجبني فأصابني إحباط بل حتى أبي أخذ ينظر إلي وكأني أقرأ في عينيه أنه يقول: لو فارقتها لكان أفضل ولكني صبرت قليلا إلى أن يقضي الله أمرا كان مفعولا ولم أرد إحداث فتنة من أول ليلة، ولكن أحسست أني مخدوع بهذه المرأة الغير جميلة ولم يتحقق شرطي الذي كنت أسعى إليه.
ومرت أيام قليلة فتغيرت نظرتي لها، مما رأيته من جمال روحها وحشمتها وكلامها ومعاملتها مما جعلني لا أرضى بها بديلا، وصارت في عيني أفضل من فتيات الدنيا كلها، فلقد قام جمال خلقها مقام جمال خلقها
وقيل: عرضت على المأمون جارية بارعة الجمال فائقة الكمال غير أنها كانت تعرج برجلها، فقال لمولاها: خذ بيدها وارجع، فلولا عرج بها لاشتريتها فقالت الجارية: يا أمير المؤمنين إنه في وقت حاجتك لن تنظر إلى العرج فأعجبه سرعة جوابها وأمر بشرائها وصدقت والله...
ومن الصفات أن تكون الزوجة بكراً .
ولقد حث الإسلام على البكر وهي التي لم توطئ بعد لأن البكر تحب الزوج وتألفه أكثر من الثيب وهذه طبيعة جبل الإنسان عليها (أعني الأنس بأول مألوف)، وفي الحديث عن جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"عليكم بالأبكار فإنهن أنتق أرحاما وأعذب أفواها وأقل خبا وأرضى باليسير" (رواه ابن ماجه والطبراني). وتزوج جابر ثيبا فقال له رسول الله: "هلا بكرا تلاعبها وتلاعبك".
وقد قيل:
نقل فؤادك حيث شئت من الهوى ما الحب إلا للحبيب الأول
كم منزل في الأرض يألفه الفتى وحنينه أبدا لأول منـزل
ولهذا قال بعضهم: النساء ثلاثة واحدة لك وواحدة عليك وواحدة لا لك ولا عليك.
فأما التي لك فهي البكر التي لم تر غيرك، إن رأت خيرا حمدت الله، وإن رأت غير ذلك قالت: هكذا الرجال أجمع، وأما التي عليك فهي من كان لها ولد من زوج قبلك فهي تجمع له وتلحق بك الخسارة لأجله وإرضاء رغبته.
وأما التي لا لك ولا عليك غالبا هي الثيب إن رأت خيرا قالت: هكذا يجمل بي وإن رأت شرا حنت إلى زوجها الأول، ولو كان مسيء إليها وهذا إذا كنت أنت وزوجها الأول متقاربان في السن والكرم والغنى والعفاف وإن كنت دونه سمعت ما يسوؤك ويؤلمك ورأيت ما يحزنك ويقلقك من ذكر زوجها الأول وأفعاله لمزا وهزبا ولهذا قال بعضهم محذرا عنها:
ولا تنحكن الدهر ما عشت أيما مجربة قد مل منها وملت
وقيل لبعضهم: قد كرهت امرأتك شيبتك فقال: إنما مالت إلى الإبدال لقلة المال، وإنه لو كنت في سن نوح وشيبة إبليس وخلقة منكر ونكير ومعي مال لكنت أحب إليها من مقتر في جمال يوسف وخلق داوود وسن عيسى وجود حاتم وحلم أحنف.
**********************************
النكاح بنية الطلاق
هذه المسألة خاض فيها الناس بين مجيزين ومانعين وقد تتحقق غالبا في الذين يغتربون عن أوطانهم إما لجهاد أو طلب علم أو علاج أو دراسة ونحوها. فهل يجوز لهم أن يتزوجوا وفي نيتهم الطلاق عندما يرجعون إلى بلادهم؟!
وقد يكون بعضهم يرغب في ذلك لصون عفته وعدم وقوعه في المنكر.
وقبل الإجابة : لا بد أن نتصور المسألة لأن الحكم على الشيء فرع عن تصوره كما قال علماء أصول الفقه.
وعند التصور لا بد أن نحرر محل الخلاف والنزاع ويدور خلافهم على كونه نكاح متعة أو، لا ولذلك لا بد من أخذ تصور عن نكاح المتعة فالقائلين بأنه متعة حرموه لأجل ذلك وأما القائلين بأنه ليس متعة اختلفوا في جوازه ومنعه فمنهم من كرهه ومنهم من حرمه قياسا على نكاح التحليل ومنهم من أجازه والتفصيل في المسألة أن نقول إن النكح بنية الطلاق لا يخلو من حالين:
الأولى : إما أن يشترط الرجل في العقد بأنه يتزوجها لمدة معينة إما شهر أو سنة أو إلى أن تنتهي الدراسة أو المهمة التي سافر لأجلها أو غير ذلك فهذا لا خلاف في تحريمه وهو داخل في نكاح المتعة لأن الزوج يتمتع بها إذا انتهت المدة المشروطة ينفسخ العقد بينهما تلقائيا وبدون طلاق.
الثانية : أن ينوي الرجل عند الزواج أنه سيطلقها بعد مدة عينها في نفسه ولكن دون أن يكون هناك اشتراط حين العقد ودون علم المرأة فقيل هو (مكروه) وهو رواية في مذهب أحمد وهذا هو القول الأول وقيل (حرام) وهو المشهور عند الحنابلة وأن العقد فاسد وغير صحيح وهو القول الثاني وعللوا ذلك من وجهين الوجه الأول : أن المنوي كالمشروط وهذا الرجل الذي نوى أن يطلقها بعد انتهاء الغرض كأنه اشترط هذه المدة ولو لم يذكرها حين العقد فهو متعة وقد قال عليه الصلاة والسلام: "إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى".
والوجه الثاني:
قياساً على نكاح التحليل والذي هو نكاح الرجل للمرأة لأجل أن يحللها لزوجها الأول الذي طلقها ثلاثاً فقالوا: لو أن رجلاً تزوج امرأة مطلقة ثلاثاً وهو ينوي بنكاحه لها أن يطلقها ليحللها لزوجها الأول فإن النكاح فاسد ولو لم يشترط هذا الرجل أن يطلقها لتحل لزوجها الأول لأن المنوي كالمشروط فإذا كانت نية التحليل تفسد العقد فكذلك نية المتعة تفسد العقد هذا هو قول الحنابلة وهو رواية في مذهب أحمد ومروي عن الأوزاعي وقيل أنه (يصح) أن يتزوج الرجل المرأة وفي نيته أن يطلقها إذا انتهت المدة المحددة في نفسه كرجوعه من الغربة أو الدراسة في الخارج ونحو ذلك. وهذا هو القول الثالث.
لأن هذا الرجل لم يشترط في العقد أن يتمتع بها إلى وقت معين فلا يصير ذلك نكاح متعة. وقالوا: يوجد فرق بين نكاح المتعة والنكاح بنية الطلاق وهو أن نكاح المتعة إذا تم الأجل والوقت المحدد المشروط حصل الفراق بينهما وانفسخ العقد شاء الزوج أو أبى أما النكاح بنية الطلاق فإنه لا ينفسخ بنهاية المدة، ولأنه يمكن أن يرغب فيها الزوج وتبقى عنده ولا يطلقها وهذا حاصل- والواقع يشهد له- وإذا كانت كتابية ربما أسلمت وحصل لها خير كبير.
وهذا القول هو قول الجمهور وأحد القولين لشيخ الإسلام ابن تيمية وهو رواية في مذهب أحمد والخلاصة: أن يقال (الصحيح) أن النكاح بنية الطلاق نكاح صحيح وجائز وليس نكاح متعة لأنه لا ينطبق عليه تعريف المتعة وإن كان هناك حرمة فإنها لا ترجع للعقد إذ هو صحيح ولكن ترجع إلى شيء آخر وهو من جهة أنه غش للزوجة وأهلها وقد حرم النبي صلى الله عليه وسلم الغش والخداع لأن الزوجة لو علمت بأن الرجل لا يريد أن يتزوجها ويبقي معها إلا لهذه المدة ما تزوجته ولا رضيت لا هي ولا أهلها وقد يجر ذلك عليها مشاكل أخلاقية بعد مفارقته لها أو أنه لا يتزوجها أحد فيكون هذا الرجل قد ظلمها وكذب عليها إضافة إلى أنه لو جاءهما أولاد لكانوا هم الضحية وقد تصرفهم أمهم عن الإسلام إن كانت كتابية ويحصل هذا فساد كبير.
وكذلك فإن هذا الرجل لا يرضى أن يتزوج شخص ابنته وهو في نيته أن يطلقها إذا انتهت حاجته منها فكيف يرضى لنفسه أن يعامل غيره بمثل ما لا يرضاه لنفسه وهذا خلاف الإيمان لقوله عليه الصلاة والسلام: "لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه". (متفق عليه) وهذا هو الأحوط والذي تسد به الذريعة وإنه لو أبيح ذلك لذهب الكثيرين وخاصة الشباب إلى الخارج للزواج والتمتع فقط ثم الرجوع ولا يخفى على عاقل ما يحدث ذلك من المفاسد من ضياع الشباب وضياع أموالهم وجفاء زوجاتهم وعنوسة الفتيات وغير ذلك ودرء المفاسد مقدم على جلب المصالح ولو أردنا ضبط ذلك وأنه لا يحل النكاح بنية الطلاق إلا لمن كان له حاجة في غير بلاده ويريد العفة وعدم الوقوع في المحرم لصعب علينا مثل هذا وما أكثر الناس الذين يحاولون العثور على أي رخصةٍ أو طريق إلى إشباع رغباتهم وقد يصوغون أسئلتهم بصياغة فيه لبس على المفتي ليقولون: أفتانا هذا فلان وهو في الحقيقة أفتاهم على حسب سؤالهم ولكنه لا يعلم عن خبث نواياهم. فسد هذا الباب أولى وأفضل وبعض الناس فيهم جهل وقد لا يمنعهم شيء في تعدي محارم الله. وعلى كل حال فإن كل هذه السلبيات لا تجعل النكاح باطلاً بل هو كما أسلفت صحيح وأرجو أن يكون فيما قلت بياناً مختصراً شافياً لهذه المسألة.
نكاح المسيار
وقد شاع لدى الناس وصار حديث المجالس وأخذ الناس يخوضون في حكمه.
ويقصد الناس به هو: أن يعقد الرجل على امرأة ويتزوجها بشروط يذكرونها ومنها على سبيل المثال:
أن الزوج لا ينفق عليها أو لا يوفر لها سكنا فتسكن مع أهلها أو في مكان آخر أو أن لا يعدل بينها وبين زوجته الأخرى، أو أن يأتيها نهارا دون الليل أو لا قسم لها في المبيت أو لا مهر لها عند العقد أو لا ترثه إذا مات أو غير ذلك من الشروط.
ويطلقون عليه زواج ((المسيار)) أو ((السيار)) أو نحوه وهو في الحقيقة إلغاء لجميع مقومات النكاح فالمقصد من هذا الزواج هو الاستمتاع فقط.
وللأسف الشديد أن الناس اليوم يأخذون الأحكام الشرعية من المجالس والقنوات الفضائية، فيقول أحدهم للآخر مثلا: هل سمعت عن زواج المسيار لقد حللوه في التلفاز أو في المجلس الفلاني أو...
ويا ليتهم يرجعون في ذلك لأهل العلم ولا يخوضون ويفتون ويتقولون على الشريعة فهذا من المحرمات بل قرنه الله بالشرك فقال: {قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْأِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَاناً وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ } ولك أن تعجب حينما ترى مجموعة من الرجال والنساء يناقشون قضية عبر أستديوهات وتلفاز وحضور من بعض الناس فيجتمع طبيب ورجل يدعي العلم ويرى أنه شيخ وامرأة كاشفة ماجنة يحوارهم ثم يخرجون بنتيجة وفتوى عن موضوع زواج المسيار أو غيره ولا حول ولا قوة إلا بالله يفتون بلا علم فيضلون ويضلون.
لا أدري هل خلا المجتمع من الرجال حتى يجلسون امرأة متبرجة وبجوار الشيخ المزعوم (للسخرية والنيل من أهل الدين).
وإن هذا الشيخ الذي يجلس ويناقش امرأة بهذه الطريقة فإنه مزور كاذب غشاش، ولو أفتى وقال: عندي الحكم كذا وكذا فأحسن ما يقال له:
يقولون هذا شيء عادي عندنا قلت ومن أنتم حتى يكون لكم عند
ونبقى الآن مع حكم "نكاح المسيار".
قبل الشروع في ذلك لا بد من تصوره واستعراض ماله وما عليه والحكم على الشيء فرع عن تصوره كما سبق
ولا بد من الوقوف على الشروط في النكاح عموما لنعرف بعد ذلك حكم هذا النكاح ومدى موافقته للشريعة، فبقال : إن الشروط في النكاح نوعان:
أولا : شروط شرعية وهي رضا الزوجين وحضور الولي للزوجة والشاهدين والتعيين وقد سبق الكلام عنها في أول الكتاب.
فهذه اشترطها الشارع في صحة النكاح فإذا فقد واحد منها فالنكاح باطل من أصله.
ثانيا : شروط جعلية:
وهي ما تشترطه المرأة وأولياؤها عند العقد أو الزوج ويكون فيها منفعة لأحدهما.
وهذه الشروط معتبرة وملزمة إذا كانت لا تخالف الشريعة لقوله تعالى: {وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا } وقوله صلى الله عليه وسلم: "إن أحق الشروط أن توفوا بما استحللتم به الفروج".
وقوله: "المسلمون على شروطهم إلا شرطا أحل حراما أو حرم حلالا".
ومثال ذلك: أن تشترط الزوجة عدم منعها من إكمال الدراسة فإذا رضي الزوج به فيجب عليه الوفاء وإذا لم يوف جاز للمرأة طلب فسخ النكاح وإن تنازلت أو سكتت فالنكاح باق على صحته. وقد يرد الشرط صريحا منصوصا عليه في العقد فيجب العمل به.
وقد لا يرد الشرط منصوصا عليه ولكن العقد يتضمنه العقد أو العرف يدل عليه فيجب العمل به.
ومثال النصوص عليه: لو اشترطوا على الزوج أن لا يسافر بها لمكان معين ومثال غير المنصوص عليه لكن يتضمنه العقد أو العرف يدل عليه.
زف العروسة إلى العريس هل في بيته أو بيت أهلها.؟
والعرف الذي يعمل به هو الموافق للشريعة.
أما الأعراف المخالفة للشرع فلا يجوز العمل بها.
والشروط التي في النكاح تنقسم إلى قسمين:
الأول : شروط صحيحة وهي نوعان:
1. شروط يقتضيها العقد كتسليم المرأة للزوج وتمكينه من الاستمتاع بها فلا يحتاج إلى شرطه لأن الشارع شرطه.
ولو ترافعا إلى القاضي سيلزمها على تسليم نفسها وإن لم يكن مشروطاً في العقد.
2. شروط نفع معينة يشترطها أحد الطرفين على الآخر وهي شروط جعلية ملزمة للآخر إذا رضي بها ولم تكن مخالفة للشرع مثل لو شرط عليها عدم إكمال دراستها أو وظيفتها.
أو هي شرطت عليه أن تكمل دراستها أو وظيفتها فيجب الوفاء بها.
الثاني: شروط فاسدة وهي نوعان:
1. شروط فاسدة بنفسها مع بقاء العقد صحيحا كأن يشترط أن لا مهر لها أو لا نفقة لها وغير ذلك، فالعقد صحيح والشروط باطلة لا يعمل بها.
2. شروط فاسدة بنفسها مفسدة للعقد مثل اشترط الزوج أن يتزوجها مدة معينة فهذا زواج متعة فالزواج باطل كله، أو أن يشترط عليها أن يتزوجها ليحللها لزوجها الأول أو هي شرطت ذلك فهذا نكاح التحليل وهو محرم باطل أو أن يشترط الولي على الزوج أن يزوجه أخته أو بنته فهذا نكاح الشغار وهو محرم وهكذا...
والآن بعد استعراض الشروط والأمثلة نقف عند زواج المسيار ونرى الشروط في عقده هل هي شرعية أو جعلية؟ وهل هي منصوص عليها أو لا؟ وهل هي داخلة في عرف مقبول شرعا أو لا، وهل هي صحيحة أو فاسدة؟ وإن كانت فاسدة فهل تفسد النكاح كله أو هي فاسدة بنفسها مع بقاء العقد على صحته؟!
فإذا استعرضنا كيفية زواج المسيار وشروطه التي ذكرناها قبل قليل وجدتها أنها شروط فاسدة بنفسها فقط مع بقاء العقد والنكاح صحيحا وعلى هذا نقول: الخلاصة أن نكاح المسيار- كما يسمونه- عقده صحيح.
ولكن شروطه التي ذكرناها فاسدة باطلة لاغية، وعليه فإذا اشترط الزوج مثل هذه الشروط فإن المرأة ليست ملزمة بالوفاء بها بعد العقد لمخالفتها الشريعة ولفسادها في نفسها ولها الحق أن تطالبه بعكس كل شرط منها فتأخذ المهر إذا أرادت وتلزمه بالنفقة عليها والسكنى والعدل والإرث سواء رضي أو لم يرض لأن ذلك مما أوجبه الشارع لها فإن أبى فلها طلب فسخ عقد النكاح والقاضي يقف معها في كل ما تطلبه بعد العقد، إلا إن تنازلت عن حقها أو سكتت عنه فلها ذلك والعقد صحيح.
وفي التنازل ورد حديث صحيح وهو أن سودة بنت زمعة زوج النبي صلى الله عليه وسلم " أراد رسول الله أن يطلقها أو خافت ذلك قالت: يا رسول الله: أمسكني وأهب يومي لعائشة، فصار رسول الله إذا جاءت ليلة سودة ذهب إلى عائشة (رواه البخاري وأبو داوود)، وأرادت سودة أن تحوز على الفضل ببقائها عند رسول الله وتحت ذمته وتكون زوجة له في الدنيا والآخرة.
وأضع بين يديك أنكحة أخرى تصادم ديننا الحنيف
والواجب عليك أن تحذرها لأنها محرمة منهي عنها فاجتنبها حفاظ على دينك وأخلاقك وحرمتها ترجع لأصلها أو وقتها أو مكانها أو مقصدها.
أذكرها لك من باب معرفة الشر لاجتنابه وعدم الوقوع فيه والوقاية خير من العلاج كما سلف يقول حذيفة بن اليمان رضي الله عنه:
كان الناس يسألون رسول الله عن الخير وكنت أسأله عن الشر مخافة أن يدركني (رواه الشيخان).
عرفت الشر لا للشر ولكن لتوقيه ومن لم يعرف الخير من الشر يقع فيه
ومنها:
نكاح الرهط
وهو وطء الجماعة للمرأة أي أن يجتمع رجال عدة فيجامعون امرأة واحدة ثم تحمل وإذا أنجبت تختار بنفسها رجلا منهم ليكون أبا لهذا المولود وهذا الرجل الذي وقع عليه الاختيار لا يستطيع رد ذلك، فيكون أبا له طوعا أو كرها، وهذا النكاح كان معروفا في الجاهلية، وقد أخبرت عنه عائشة رضي الله عنها حيث قالت: كان الرهط دون العشرة يدخلون على المرأة فيصيبونها فإذا اجتمعوا عندها تقول لهم: قد عرفتم الذي كان من أمركم، وقد ولدت فهو ابنك يا فلان تسمي من أحبت باسمه فيلحق به ولدها لا يستطيع أن يمتنع عنه الرجل (رواه البخاري).
لعمر الله إن في ذلك امتهان للمرأة في الجاهلية إلى أبعد الحدود فلله الحمد والمنة فلقد أكرم الإسلام المرأة وجعلها تسمو وترتفع عن مثل هذه الدناءة والفجور.
نكاح الاستبضاع
وهو أحد الأنكحة الجاهلية، وصورته أن يأخذ الرجل زوجته ويبحث عن رجل معين فيه صفات عالية كأن يكون رئيسا أو شجاعا أو كريما ونحو ذلك فيجعله يجامعها لكي تحمل منه فتنجب ولداً يحمل صفات عالية كصفات الرجل الذي جامعها.
وتحدث عنه عاثشة أيضاً بقولها: كان الرجل يقول لامرأته إذا طهرت من طمثها أرسلي إلى فلان فاستبضعي منه ويعتزلها زوجها ولا يمسها أبدا حتى تتبين حملها من ذلك الرجل الذي تستبضع منه فإذا تبين حملها أصابها زوجها إذا أحب، وإنما يفعل ذلك رغبة في نجابة الولد (رواه البخاري).
نعوذ بالله من الدياثة والخزي، وإن هذا الفعل القبيح لتتنزه منه بعض الحيوانات فضلا عن بني الإنسان وصدق الله { إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلاً} .
نكاح الخدن
وهو النكاح السري، وقد كان في الجاهلية معروفا وكانوا يقولون: ما استتر فلا بأس، وما ظهر فهو لوم. وقد قال الله فيه: {وَلا مُتَّخِذَاتِ أَخْدَانٍ } .
نكاح البدل
وهو أن يقول الرجل للرجل: اترك لي زوجتك أي تنازل عنها وأتنازل لك عن امرأتي مدة محددة وهذا محرم وهو من الدياثة.
النكاح بالشراء
وهو أن يشتري الرجل الفتاة من أبيها كالسلعة تماما وهو بيع محرم ونكاح قبيح.
النكاح بالوراثة
كان الرجل إذا مات وتحته امرأة أستبق إليها ورثته فأيهم وضع عليها ثوبه فهي له ويتصرف فيه كيف يشاء وقد قال الله فيه: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَرِثُوا النِّسَاءَ كَرْهاً } .
نكاح السفاح والبغاء علنا
وهو أحد صور الفساد الظاهري الذي يجهر فيه أمام الناس دون حياء ولا شرف ولا غيرة كما تفعل البهائم في تلقيحها لبعضها، وهو شبيه بنكاح الرهط إلا أنه أخلع منه فنكاح الرهط يجتمع فيه رجال أقل من العشرة فيجامعون المرأة وقد يكون سرا أما نكاح السفاح والبغي فليس للرجال الذين يزنون بالمرأة حدود فهي قابلة وراضية أن ينكحها عشرات من الرجال بل تدعوهم إلى ذلك أمام الناس وهذا النكاح من أنكحة الجاهلية والذي يوجد في هذه الزمان بعض آثاره ولكن مع التخفي والاستتار غالباً، ويوجد في بعض الأماكن ما هو علني كبيوت الدعارة والفنادق التي تجلب العاهرات والسافرات في تلك الليالى الحمراء كما يسمونها والتي يحلو لهم فيها جمع الراقصات وشرب الخمور ولا حول ولا قوة إلا بالله.
وتحدث عائشة أيضاً عن هذا فتقول: ونكاح يجتمع الناس الكثير فيه فيدخلون على المرأة لا تمنع من جاءها وهن البغايا، كن ينصبن على أبواهن رايات تكون علماً، فمن أرادهن دخل عليهن، وإذا حملت إحداهن ووضعت حملها جمعوا لها، ودعوا لهم القافة ثم ألحقوا ولدها بالذي يرون فالتاطته به.
لا يمتنع من ذلك فلما بعث محمد صلى الله عليه وسلم بالحق هدم نكاح الجاهلية كله إلا نكاح الناس اليوم.
نكاح المتعة :
نكاح المتعة من الأنكحة المحرمة، سمي بذلك لأن قصد الرجل من الزواج التمتع بالمرأة فقط، إلى وقت محدد في العقد فإذا انتهى هذا الوقت المحدد طلقت المرأة منه. وبما أن هذا النوع من الأنكحة شاع جوازه عند بعض الفرق كفرقة الأمامية وهي من فرق الشيعة أو عند الإفرنج والذين يسمونه نكاح التجربة أو عند غيرهم ممن يسمونه النكاح العرفي فرأيت الاستطراد فيه وذكر الأدلة الشافية والوافية لتحريمه والرد على المبيحين له ودحض حججهم الواهية.
فمن أدلة تحريمه قول علي بن أبي طالب رضي الله عنه: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن متعة النساء وعن لحوم الحمر الأهلية زمن خيبر (رواه البخاري ومسلم والترمذي وابن ماجة).
وقول سبرة: أمرنا رسول الله بالمتعة عام الفتح حين دخلنا مكة ثم لم نخرج حتى نهانا عنه (رواه مسلم).
وقد يشكل على البعض وقت تحريم نكاح المتعة لاختلاف الزمن في هذين الحديثين وللعلماء كلام وخلاف وحاول بعضهم الجمع فقال: إن النبي صلى الله عليه وسلم حرم المتعة يوم خيبر ثم رخص فيها بعد ذلك ثم حرمها عام الفتح مرة أخرى ولم يبلغ الترخيص فيها راوي الحديث الأول وهو علي رضي الله عنه قال ابن القيم رحمه الله: وفي حديث سبرة روايات أخرى بأن النهي كان في حجة الوداع وفي روايات شاذة والراجح رواية عام الفتح ومما يدل على ذلك أن إياس بن سلمة قال: قال لأبيه رضي الله عنه رخص رسول الله عام أوطاس في المتعة ثلاثا ثم نهى عنه (رواه مسلم).
وهذا تصريح بأن المتعة أبيحت يوم فتح مكة ثم حرمت.
وقد تكلم أهل العلم في معنى هذا النكاح وبيان حكمه، وقال ابن قدامة:
معنى نكاح المتعة أن يتزوج المرأة مدة مثل أن يقول: زوجتك ابنتي شهرا أو سنة أو إلى انقضاء الموسم... ثم قال: وهذا نكاح باطل نص عليه أحمد فقال: نكاح المتعة حرام.
قال الشافعي رحمه الله: وجماع نكاح المتعة المنهي عنه: كل نكاح كان إلى أجل من الآجال، قرب أو بعد، وذلك أن يقول الرجل للمرأة: نكحتك يوما أو عشراً أو شهراً... ثم قال: وكذلك أي نكاح إلى وقت معلوم أو مجهول، فالنكاح مفسوخ. وقال ابن حزم رحمه الله: ولا يجوز نكاح المتعة وهو النكاح إلى أجل، وكان حلالاً على عهد رسول الله ثم نسخها الله على لسان رسوله نسخاً باتاً إلى يوم القيامة وقال الحافظ بن حجر رحمه الله: قول ((باب نهي رسول الله عن نكاح المتعة أخير)).
تزويج المرأة إلى أجل فإذا انقضى وقعت الفرقة.
وقد ذكر بعض أهل العلم الإجماع تحريمه وبطلانه.
قال الخطابي رحمه الله: تحريم نكاح المتعة كالإجماع بين المسلمين وقد كان ذلك مباحاً في صدر الإسلام ثم حرمه.. إلى أن قال: فلم يبق اليوم فيه خلاف بين الأئمة إلا شيئاً ذهب إليه الروافض.
ونظم في تحريم المتعة أبو الغنائم محمد بن علي الندسي الكوفي فقال:
فهي من كل إنسان
ومن قال حلال هي
كذبتم لا يحب الله
زوجان في طهر
إذا فارقها هذا
ألا يا صاح فأخبرني
بما قد قيل في المتعة
كمن قد قال في الرجعة
شيئاً يشبه الخدعة
وفي طهر لها سبعةِ
أخذها ذلك بالشفعة
لها في رحمها متعةِ
حجج المبيحين لنكاح المتعة
احتجوا بحديث جابر بن عبد الله وسلمة بن الأكوع كما جاء عن البخاري أيضا قالا: كنا في جيش فأتانا رسول الله فقال: إنه قد أذن لكم أن تستمعوا فاستمتعوا (رواه البخاري) والرد عليه:
أن جابر ومن تمتع في عهد أبي بكر وعمر من الصحابة لم يبلغهم التحريم الوارد في حديث علي أو حديث سبرة المتقدمين.
وأيضا كان عمر نهى عن المتعة عن لسان جابر كما عند مسلم، وعمر خليفة راشد فنحن مأمورين باتباع سنته.
واحتجوا أيضا بأن ابن عباس أباح نكاح المتعة، والرد عليه :
هذا الكلام صحيح فإن ابن عباس رضي الله عنه أفتى بجواز المتعة ولكن لم يفتي بالجواز على الإطلاق وإنما قيد ذلك بالضرورة كأن يكون الشخص يخشى على نفسه الوقوع في المحرم ثم أنكر الصحابة عليه إذ هو بشر يصيب ويخطئ فتراجع عن قوله وإليك ما قاله ابن القيم قال: وأما ابن عباس فإنه سلك هذا المسلك في إباحته عند الحاجة والضرورة و
اسم الكتاب ومؤلف الكتاب
وصايا وإتحاف قبل ليلـة الزفـاف
قصص. عادات. أوصاف . شمائل . أمثال . أقوال . أخبار . أراء
طرائف. نوادر . مواقف . عبر . حكم . أحكام . نصائح . آداب
سليمان بن عبدالكريم المفرج
الطبعة الثانية 1422 هـ
وهذا البحث
معنى الزواج
في اللغة: الجمع والضم ومنه قول الشاعر
أيها المنكح الثريا سهيلاً عمرك الله كيف يجتمعانِ
هي شامية إذا ما استقلت وسهيل إذا ما استقل يمانِ
أي أيها المحاول أن يجمع بين الثريا وسهيل لقد حاولت أمراً غير ممكن ويكون بمعنى ((عقد التزويج)) ويكون بمعنى ((وطء الزوجة)) كما ذكر الفقهاء قال أبو علي القالي: ((فرقت العرب فرقاً لطيفاً يعرف به موضع العقد من الوطء فإذا قالوا: نكح فلانة أرادوا عقد التزويج وإذا قالوا: نكح زوجته لم يريدوا إلا الجماع والوطء)).
أما في الشرع : فهو تعاقد بين رجل وامرأة يقصد به استمتاع كل منهما بالآخر وتكوين أسرة صالحة ومجتمع سليم قال الفقهاء هو: عقد يعتبر فيه لفظ أنكاح أو تزويج في الجملة، وعلى كل حال فهو عقد تزويج كما قال ابن قدامة.
حكم الزواج
الأصل في مشروعيته الكتاب والسنة والإجماع وذكر غير واحد من العلماء أنهم اتفقوا على أنه من العقود المسنونة بأصل الشرع قال تعالى:{فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ}(سورة النساء 3) وقال صلى الله عليه وسلم"تزوجوا فإني مكاثر بكم الأمم" (رواه أبو داوود وأحمد والنسائي وابن ماجه وابن حبان وصححه) وغير ذلك، وهو مستحب على الجملة وهو المشهور من قول فقهاء الأمصار، والخلاصة من كلام أهل العلم أن النكاح مندوب إليه وقد يختلف حكمه باختلاف الأحوال فيجب تارة في حق من لديه شهوة ويخاف أن يقع في الزنا.
قال ابن قدامه: اتفقوا على أن من تاقت نفسه للنكاح وخاف العنت فإنه يتأكد في حقه وهو أفضل من الحج التطوع والصلاة والصوم التطوع.
ويستحب تارة في حق من لديه شهوة ولا يخشى على نفسه الوقوع في الزنا قال عياض: أما في كل من يرى منه النسل ولا يخشى العنت على نفسه فهو في حقه مندوب.
ويحرم تارة في حق من كان بدار حرب كما ذكر بعض أهل العلم كتاجر دخل دار حرب بأمان إلا إن كان لضرورة.
ويكره تارة في حق من كان لديه شهوة ولكنه إذا تزوج انقطع عن العبادات والقربات.
ويباح تارة في حق من لا ينسل ولا رغبة له في النساء وقد قال الفقهاء: يباح لمن لا شهوة له.
وأخيراً يقال: إن النكاح مع الشهوة أفضل من نوافل العبادات كما ذكر الفقهاء رحمهم الله سابقاً.
شروط الزواج
من حكمة الله تعالى ودقته في شرعه أن جعل للعقود شروطا تنضبط بها وتتحدد فيها صلاحيتها للنفوذ والاستمرار وعدم الفوضى، ومن تلك العقود عقد النكاح فله شروط ينبغي معرفتها ومنها:
الأول : وهو أهمها رضا الزوجين فلا يجوز إجبار الزوج على نكاح امرأة لا يريدها وكذلك لا يجوز إجبار الزوجة على ذلك قال تعالى: { أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَرِثُوا النِّسَاءَ كَرْهاً} (سورة النساء19) وقال عليه الصلاة والسلام: "لا تنكح الأيم حتى تستأمر ولا تنكح البكر حتى تستأذن، قالوا: يا رسول الله، وكيف إذنها؟ قال: أن تسكت" (رواه البخاري ومسلم والترمذي وقال حسن صحيح، وابن ماجه والنسائي وأبو داوود وأحمد والدارمي)
فيحرم تزويج المرأة دون رضاها سواء أكانت بكرا أو ثيبا وجاء في رواية أخرى عند مسلم (والبكر يستأذنها أبوها).
وكم نسمع من القصص المؤلمة والنتائج القاسية فيمن أجبر على نكاح من لا يريدها وامرأة أجبرت على نكاح من لا تريده وقد يكون ذلك مجاراة للعادات السيئة التي لا تمت إلى الإسلام بصلة فيجبرون الزوجة على الزواج من ابن عمها أو الولد على زواج ابنة عمه، وإنه خطأ كبير وقد يحصل من جرائه نكد وهم ومشاكل وطلاق وأولاد ضحية. وعن خنساء بنت جذام: أن أباها زوجها بدون إذنها- وهي ثيب- فأتت رسول الله صلى الله عليه وسلم فرد نكاحها (رواه ابن ماجة).
وكم أغفل الآباء الأمر النبوي في وجوب استئذان الفتاة قبل الزواج فإن له نتائج سيئة وعواقب مدمرة. والأمثلة على ذلك كثيرة لا تخفى على أحد. ونذكر على سبيل الطرافة والعبرة قصة هند لما تزوجت الحجاج بن يوسف الثقفي أحد ولاة الخليفة عبد الملك بن مروان، فوقفت يوماً تتأمل حسنها أمام المرآة وأنشدت تقول:
وما هند إلا مهرة عربية سليلة أفراس تحللها بغل!
فإن ولدت مهراً فلله درها وإن ولدت بغلاً فجاء به بغل
وكان الحجاج عندئذ آتياً من وراء حجاب، وصك أذنيه، ما سمعه من هند، فقال غاضباً:
((يا هنداً لقد كنت فبنت!))، وطلقها
وسرعان ما أجابته: ((لقد كنا فما فرحنا، وبنا فما ندمنا!))
يقول ابن مفلح المقدسي رحمه الله: قال الشيخ تقي الدين: إنه ليس لأحد الأبوين أن يلزم الولد بنكاح من لا يريد، وأنه إذا امتنع لا يكون عاقاً.
وعلى كل حال إن كان هناك عدم رضا من أحد الزوجين فالزواج فاسد لا صحة له.
الثاني : الولي أي يشترط أن يزوج المرأة وليها لقوله عليه الصلاة والسلام: "لا نكاح إلا بولي" ( رواه الترمذي وأبو داوود وابن ماجه والدارمي وصححه الألباني) فلو زوجت المرأة نفسها فالنكاح باطل ولقوله تعالى: { وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ} (سورة النور 32) والشاهد أنه قال: (أنكحوا) وهو خطاب موجه إلى الأولياء وقال أيضاً: { َلا تُنْكِحُوا الْمُشْرِكِينَ حَتَّى يُؤْمِنُوا} (سورة البقرة 221) والشاهد أيضاً أن الخطاب موجه للأولياء وقال : { فَلا تَعْضُلُوهُنَّ أَنْ يَنْكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ } (البقرة 232) والشاهد كالسابق.
والولي : هو كل ذكر بالغ عاقل رشيد وأن يكون مسلماً إذا كانت المرأة مسلمة وأن يكون من عصبة المرأة كالأب والجد من قبل الأب والابن وابن الابن وإن نزل والأخ الشقيق والأخ من الأب والعم الشقيق والعم من الأب وأبنائهم الأقرب فالأقرب.
ولا ولاية للإخوة من الأم ولا لأبنائهم ولا لأبي الأم والأخوال لأنهم غير عصبة فإن لم يوجد ولي من عصبة المرأة فإن القاضي يتولى العقد للمرأة.
ويجب على الولي أن يختار لها الكفء من الرجال ويتحرى الأصلح لها.
الثالث : التعيين أي أن تعين المرأة التي سيتزوجها الرجل، باسمها الخاص أو وصفها الذي لا يشارك فيه أحد من أخواتها فيقول الأب مثلاً: زوجتك ابنتي فلانة أو ابنتي الكبيرة أو الصغيرة أو الوسطى أو غير ذلك حتى تتعين الزوجة وتتميز، فلو قال الأب: زوجتك إحدى بناتي فقط فإن النكاح باطل لعدم التعيين.
الرابع : الشهادة أي حضور شاهدين حين العقد وأن يكونا عدلين مقبولين يرضاهما الناس، قال الحنابلة: ويشترط أن لا يكون الشاهدين من أصول الزوج ولا فروعه ولا من أصول الزوجة ولا من فروعها ولا من أصول الولي ولا من فروعه، والأصول هم الأجداد وإن علو والفروع هم الأبناء وإن نزلوا. هذا هو المشهور عند فقهاء الحنابلة، ولكن القول الراجح أنه لا بأس أن يكون الشاهدين من الأصول أو الفروع سواء للزوج أو الزوجة أو الولي، والأولى الحيطة على كل حال.
والكفاءة معتبرة في النكاح وهي المماثلة بين الزوجين والمساواة، والمالكية يرون ذلك في الدين والحال، أي السلامة من العيوب التي توجب لها الخيار، أما جمهور أهل العلم فيرونها في الدين والنسب والحرية والحرفة ((أي الصناعة))، والحنابلة والحنفية زادوا اليسار أي المال.
وعلى هذا فالكفاءة في الدين مما اتفقوا عليه فلا تحل المرأة المسلمة للرجل الكافر.
والأدلة على اعتبار الكفاءة كثيرة منها قوله تعالى: {وَلا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ وَلَأَمَةٌ مُؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكَةٍ وَلَوْ أَعْجَبَتْكُمْ وَلا تُنْكِحُوا الْمُشْرِكِينَ حَتَّى يُؤْمِنُوا وَلَعَبْدٌ مُؤْمِنٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكٍ وَلَوْ أَعْجَبَكُمْ } (سورة البقرة 221) وقوله: {إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ } (سورة الحجرات 13).
وقوله عليه الصلاة والسلام:"إذا جاءكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه إلا تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد كبير" (رواه الترمذي وابن ماجه).
والكفاءة ليست من شروط صحة النكاح، فإن النكاح صحيح ولو لم يكن هناك تكافؤ بين الرجل والمرأة والمسألة تتوقف على رضا المرأة والأولياء في الحسب والنسب والمال وغيره.
وسئل شيخ الإسلام ابن تيمية عن رجل زوج ابنة أخيه من ابنه، والزوج فاسق لا يصلي، وخوفوها حتى أذنت في النكاح، وقالوا: لا بد أن تأذني وإلا زوجك الشرع بغير اختيارك، وهو الآن يأخذ مالها، ويمنع من يدخل عليها لكشف حالها: كأمها، وغيرها؟
فأجاب: ((الحمد لله، ليس للعم ولا غيره من الأولياء أن يزوج موليته بغير كفء إذا لم تكن راضية بذلك باتفاق الأئمة، وإذا فعل ذلك استحق العقوبة الشرعية التي تردعه وأمثاله عن مثل ذلك، بل لو رضيت هي بغير كفء كان لولي آخر غير المزوج أن يفسخ النكاح، وليس للعم أن يكره المرأة البالغة على النكاح، بكفء فكيف إذا أكرهها على التزويج بغير كفء، بل لا يزوجها إلا بمن ترضاه باتفاق المسلمين.
وإذا قال لها: لا بد أن تأذني وإلا زوجك الشرع بغير اختيارك. فأذنت لذلك لم يصح هذا الإذن، ولا النكاح المترتب عليه، فإن الشرع لا يمكن غير الأب والجد من إجبار الصغيرة باتفاق الأئمة، وإنما تنازع العلماء في الأب والجد في الكبيرة، وفي الصغيرة مطلقا))انتهى.
وأما الشروط في النكاح فهي مختلفة عن شروط النكاح، فشروط النكاح لا يصح النكاح إلا بتوفرها كلها وإذا فقد واحد منها بطل النكاح.
أما الشروط في النكاح فهي ما يشترطه أولياء الزوجة على الزوج وإذا أخل بواحد منها ولم يف به فإن النكاح لا يبطل ولكن يحق للزوجة المطالبة بفسخ العقد.
ويجب على الزوج الالتزام بالشروط والوفاء بها ما دام قد رضي واستعد للوفاء بها عند العقد وقد جاء في الشريعة ما يدل على ذلك، كقوله صلى الله عليه وسلم:"أحق الشروط أن توفوا بها ما استحللتم به الفروج". (رواه البخاري من حديث عقبة بن عامر)
فهذا دليل خاص وأما الدليل العام فهو قوله عليه الصلاة والسلام:"المسلمون على شروطهم إلا شرطا أحل حراما أو حرم حلالا" (رواه البخاري).
وللعلم فإن الشروط التي يجب على الزوج الوفاء بها هي الشروط المباحة والجائزة شرعا الغير منافية لمقتضى النكاح ومقصده، كاشتراط العشرة بالمعروف والإنفاق عليها وأداء حقوقها وغير ذلك من الشروط حتى ولو كانت من أمور الدنيا فالمهم عدم مخالفتها للشرع واشتراط مواصلة الزوجة للدراسة...
الحث على الزواج والترغيب فيه
لقد حث الإسلام على الزواج ورغب فيه وندب إليه فقال تعالى:{وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ } (سورة النور 32) وقال سبحانه: { فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلاثَ وَرُبَاعَ } (سورة النساء3) وقال: {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً } (سورة الروم 21) وقال: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا} (سورة الحجرات 13).
وأوصى به عليه الصلاة والسلام ودعا إليه الشباب وخصهم بالخطاب لا سيما إذا وجدت القدرة على مؤونته ونفقاته.
والدافع الغريزي نحوه حتى لا تزل القدم في مهاوي الردى فقال عليه الصلاة والسلام: "يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء" (متفق عليه).
وقال : " تزوجوا الودود الولود فإني مكاثر بكم الأمم يوم القيامة ".
والزواج هو أهم مقومات الحياة والمتمم للوظائف الحيوية والحافظ للجامعة البشرية من الانقراض والزوال بإذن الله وأساس لتقدير المرء في الهيئة الاجتماعية وفي الحديث "حبب إلي من دنياكم الطيب والنساء وجعلت قرة عيني في الصلاة" (رواه أحمد والنسائي والحاكم وسنده جيد).
الإنكار على من ترك الزواج
إن ترك الزواج مع القدرة عليه وتوفر دواعيه مخالفة للشرع ومجانبة للصواب، وقد ركب الله سبحانه البشر على الزواج وجبلهم عليه، ولا يقاس على من تركه فهو ناد عن الفطرة السليمة ولكل قاعدة شواذ.
يقول سفيان بن عيينة، حدثنا ابن عجلان قال: قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه حول قوله تعالى: {وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَى مِنْكُمْ... الآية} (سورة النور:32) إني لأعجب ممن يدع النكاح بعد سماعه لهذه الآية.
فإن كان الذي رد الرجل عن الزواج هو الفقر فالله تعالى سيجعل الزواج يسرا إذا قارنه نية صالحة، يقول قتادة رضي الله عنه: ذكر لنا أن عمر بن الخطاب قال: ما رأيت كرجل لم يلتمس الغنى في الزواج وقد وعده الله به فقال: {وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ} (النور:32) وفي لفظ: اطلبوا الفضل في الباءة وفي الحديث "ثلاثة حق على الله عونهم: المجاهد في سبيل الله والمكاتب يريد الأداء والناكح يريد العفاف" (رواه الترمذي والنسائي).
وقال تعالى: {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً} (سورة الطلاق:2).
وعلى الرجل أن يسعى ولا يكسل بل يفعل السبب.
توكل على الرحمن في كل حاجة ولا تؤثرن العجز يوما على الطلب
ألـم تر أن الله قال لـمريـم إليك فهزي الجذع يساقط الرطب
ولو شاء أن تجنيه من غير هزها جنته ولـكن كل شيء له سبب
وأما إن كان الذي يمنع من الزواج هو دعوى الزهد في الدنيا فإن من اعتقد ذلك فقد أبعد النجعة، فالزهد الحقيقي باتباع شرع رسول الله وليس هناك أزهد منه عليه الصلاة والسلام والله يقول: {وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ وَلا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا} (سورة القصص:77).
وإن من أعظم النصيب في الدنيا الزواج، وقد قال عليه الصلاة والسلام: "الدنيا متاع وخير متاعها المرأة الصالحة" (رواه مسلم).
وعن سعيد بن هشام أنه دخل على عائشة رضي الله عنها فقال لها: إني أريد أن أسألك عن التبتل فما ترين فيه فقالت: لا تفعل أما سمعت الله يقول:{وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلاً مِنْ قَبْلِكَ وَجَعَلْنَا لَهُمْ أَزْوَاجاً وَذُرِّيَّةً}(سورة الرعد:38)فلا تبتل مع هذا (أخرجه النسائي والترمذي وابن ماجه وصححه الألباني).
وقال عليه الصلاة والسلام: "أفضل هذه الأمة أكثرها نساء" (رواه البخاري) قال محمد بن كثر: وحب النساء ليس من حب الدنيا المذموم ولذلك قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "حبب إلي من دنياكم ثلاث. ذكر منها النساء".
ويروى عن عمر أنه قال: "ليس في النساء سرف ولا في تركهن عبادة ولا زهد" ويروي الزبير بسنده إلى سفيان قال: "كان عند علي بن أبي طالب أربع زوجات وتسعة عشر وليدة وكان يقول: إني لمشتاق إلى العروس".
ولقد تزوج النبي عليه الصلاة والسلام وحث عليه كما سبق وعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: جاء ثلاثة رهط إلى بيوت أزواج النبي صلى الله عليه وسلم يسألون عن عبادة رسول الله فلما أخبروا كأنهم تقالوها فقالوا: وأين نحن من رسول الله قد غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر فقال أحدهم: أما أنا فأصلي الليل أبدا وقال آخر: وأنا أصوم الدهر ولا أفطر وقال آخر: وأنا لا آكل اللحم وقال آخر: وأنا أعتزل النساء فلا أتزوج أبدا، فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فقال لهم: أنتم الذين قلتم كذا وكذا أما والله إني لأخشاكم لله وأتقاكم له، ولكني أصوم وأفطر وأصلي وأنام وآكل اللحم وأتزوج النساء فمن رغب عن سنتي فليس مني" (روا ه البخاري ومسلم).
والانقطاع عن الزواج يسمى ((التبتل)) ومنه قولهم ((مريم البتول))، وجاء في الحديث عن سعد بن أبي وقاص قال: أراد عثمان بن مضعون التبتل فنهاه رسول الله عن ذلك، ولو أجاز له ذلك لاختصينا. (رواه مسلم).
ولقد آخى النبي صلى الله عليه وسلم بين سلمان وأبي الدرداء فجاءه سلمان يزوره فإذا أم الدرداء متبذلة فقال: ما شأنك يا أم الدرداء ؟ قالت: إن أخاك أبا الدرداء يقوم الليل ويصوم النهار وليس له في شيء من الدنيا حاجة فجاء أبو الدرداء فرحب به وقرب إليه طعاما فقال له سلمان: أطعم قال إني صائم، قال أقسمت عليك لتفطرن ما أنا بآكل حتى تأكل، فأكل معه ثم بات عنده، فلما كان الليل أراد أبو الدرداء يقوم يصلي فمنعه سلمان وقال: يا أبا الدرداء إن لجسدك عليك حقاً وإن لأهلك عليك حقاً صم وافطر، وصل وأت أهلك وأعط كل ذي حق حقه، فلما كان في وجه الصبح قال: قم الآن إن شئت وصل، فقام فتوضأ ثم ركعا ثم خرجا إلى الصلاة فدنا أبو الدرداء ليخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالذي أمره سلمان فقال له رسول الله: يا أبا الدرداء إن لجسدك عليك حقا مثل ما قال سلمان وفي رواية صدق سلمان.
وأما إذا كان المقصد من ترك النكاح هو الحرية وعدم التقيد والمسئولية وملاحقة النساء والغزل ونحوه فهذا شر مقصد وإنه والله مما يؤسف له أشد الأسف وإنه لضياع وسيسأل الله هؤلاء الشباب عن شبابهم وأموالهم وأوقاتهم التي ذهبت في الحرام هدرا، يقول أحدهم: إذا أردت أن تبيع حريتك تزوج، وهذا الكلام مردود على صاحبه ومثله قول بعضهم: (الزواج حقل أشواك) وقول آخرين: (الزواج مقبرة الحب).
وأما إن كان العائق هو إكمال الدراسة فهذا في الحقيقة من تسويل الشيطان وإلا فالدراسة ليست عائقا أبدا بل على العكس، الزواج عامل أساسي في النشاط والحيوية ونضج القلب والعقل والاتزان الشخصي والملكة والحزم والحكمة والفهم والإدراك والعلم، وكثر ممن جعلوا هذا عائقا أخذوه عن بعضهم وتناقلوه ولم يأخذوه عن متزوج، مجرب والتجربة أكبر برهان ومن كان لديه عقل متزن لا ينصح أحدا بعدم الزواج بحجة إكمال الدراسة.
ومما يؤسف له أيضا: أن يكون المانع من الزواج عند بعض الشباب هو التلذذ بحياة العزوبة وهنائها كما يزعمون، ويتعللون فهم مخطئون في ذلك شاذون عن طريق الحق تائهون عن جادة الصواب لأنهم خالفوا سنة المرسلين، ومن احتج من طلاب العلم بأن ابن تيمية لم يتزوج (إن صح ذلك) فنقول لهم: إن ابن تيمية بشر يخطئ ويصيب ((لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة)). وكان ابن تيمية كما يذكر عنه أنه يقول: ليس لدي وقت لأتزوج، لأنه منشغل بالرد على أهل الكلام والبدع، فيا ليت من يجعلون ابن تيمية قدوتهم أن يقتدوا به في طلبه العلم واحتراقه ليظهر الضوء في الأفق وينير الطريق.
قيل لأحمد: ترك الزواج أفضل، قال: لا، الزواج أفضل فقيل له: فلان لم يتزوج فقال:أوه، ولكن رسول الله تزوج.
يقول الإمام أحمد رحمه الله: من دعاك إلى العزوبة فقد دعاك إلى غرو الإسلام.
والإبطاء عن الزواج حتى يتقدم الرجل في العمر مثلب عظيم ومزلق خطير لا يتجرع مرارته إلا من جربه.
يقول ابن عباس لرجل: تزوج فإن خير هذه الأمة أكثرها نساء ولو لم يكن في الحث على الزواج والنهي عن العزوبة إلا قوله تعالى:{وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلاً مِنْ قَبْلِكَ وَجَعَلْنَا لَهُمْ أَزْوَاجاً وَذُرِّيَّةً} لكفى وشفى.
وقد جاء في الحديث: (من تزوج فقد استكمل نصف دينه فليتق الله في النصف الباقي) (رواه الطبراني وحسنه الألباني).
وقال عليه الصلاة والسلام لعكاف بن وداعة الهلالي: ألك زوجة يا عكاف، قال: لا، قال: ولا جارية؟ قال: ولا جارية، قال: وأنت موسر؟ قال: وأنا موسر بخير، قال: أنت إذا من إخوان الشياطين ولو كنت من النصارى كنت من رهبانهم، إن سنتنا شراركم عزابكم وأراذل موتاكم عزابكم ما للشياطين سلاح أبلغ في الصالحين من النساء إلا المتزوجين أولئك المطهرون المبرؤون من الخنا ويحك يا عكاف إنهن صواحب أيوب وداوود ويوسف وكرفس، قال له بشر بن عطية: من كرفس يا رسول الله؟ قال: رجل كان يعبد الله بساحل من سواحل البحر ثلاثمائة عام يصوم النهار ويقوم الليل ثم إنه كفر بالله بسبب امرأة عشقها وترك ما كان عليه من عبادة ثم استدركه الله ببعض ما كان منه فتاب عليه، ويحك يا عكاف تزوج وإلا فأنت من المدبرين قال: زوجني يا رسول الله، قال زوجتك كريمة بنت كلثوم الحميري.
ويذكر أن رجلا كان مؤذناً في أحد المساجد عليه علامات الصلاح، وذات يوم صعد المنارة ليؤذن فرأى نصرانية فافتتن بها فذهب إليها فامتنعت أن تجيبه إلى ريبة وشبهة فقال لها: أتزوجك فقالت: أنت مسلم وأنا نصرانية فلا يرضى أبي قال: أتنصر فقالت: الآن يجيبك ويرضى بك فتنصر الرجل وحددوا موعد الزفاف وفي أثناء يوم الزفاف صعد سطحاً لحاجة فزلت قدمه فوقع ميتاً، فلا هو ظفر بها ولا هو ظفر بدينه نعوذ بالله من سوء الخاتمة.
وأما إن كان العائق والمانع هو ثقل المهر فأنا معك وبضوابط وسيأتي الكلام عن ذلك قريباً، وعموماً فإن ترك الزواج أمر خطير وكبح جماح الشهوة أمر عظيم والرجل إن لم يتزوج فهو في دوامة وتواجهه زوابغ من الفتن قال بعضهم: لا شيء أشد من ترك الشهوة لأن تحريك الساكن أيسر من تسكين المتحرك.
قال ابن الحاج: قال صاحب الأنوار: احذروا الاغترار بالنساء وإن كن نساكاً عباداً فإنهن يركن إلى كل بلية ولا يستوحشن من كل فتنة قال بعض العارفين: ما أيس الشيطان من إنسان قط إلا أتاه من قبل النساء لأن حبس النفس ممكن لأهل الكمال إلا عن النساء.
إن العيون التـي في طرفها حور قتلننا ثم لـم يـحيين قتلانا
يصرعن ذا اللب حتى لا حراك به وهن أضعف خلق الله إنسانا
نظرة الإسلام للزواج
قد نظر الإسلام إلى الزواج نظرة اتزان، وجعله من أهم مقومات الحياة وأنزله أعظم المنزلة، ونظمه تنظيما عادلا، لكي يتحقق مقصوده منه، وليكون رحمة ومودة وهناء وأنسا ولا أريد أن أعدد محاسن الإسلام في موضوع الزواج فهذا يطول ولكن لك أن تعرف ذلك من خلال ما تقرأ وتسمع وتشاهد من تصرفات الكفرة وطرق زواجهم وعاداتهم التي يتزه عنها بعض البهائم، وقد قالوا: (وبضدها تتميز الأشياء) وسيتبين لك من مواقف أسوقها مدى انحطاط مجتمع الغرب، الذي لا زال بعض الناس يصفق لحضارته بل حضيرته، رغم ما حققه من إنجاز واكتشاف واختراع، و والله إذا لاحظت قيمهم وأخلاقهم وتفحصت واقعهم لاستحقرت كل ما يفتخرون به من هذا التقدم والمدنية فهم وإن عاشوا بعقل كبير كما يزعمون إلا أن قلوبهم خاوية فارغة كالحيوانات أو أشد قبحاً.
وصدق الله: { إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلاً } (سورة الفرقان 44) وكل ما توصلوا إليه دنيوي بحت لا تطلع له في عالم الآخرة. {يَعْلَمُونَ ظَاهِراً مِنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ عَنِ الْآخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ} (سورة الررم 7).
وهذه المواقف التي سأذكرها مما تناقلته وسائل إعلامهم ووكالات أنبائهم، منها ما يستثر البكاء ومنها ما يستدعي الضحك ومنها ما يجمع بينهما.
وكلها تنطق بالغواية والضلال وتشهد لسقوطهم وانحلال أخلاقهم وسقط متاع من يطبلون لحضيرتهم.
* هذا رجل تبلغ به البشاعة حد أن يرتكب الفاحشة في ابنته، ويستمر على ذلك أعواماً، ثم يصب الماء الحار على الجزء الأسفل منها لإخفاء آثار جرمه، ويقطع جزءاً من لسانها لكيلا تكشف أمره، ويزهق روح ولده لكونه علم به!!.
* وهذا رجل يدفع ما يساوي 700 دولار مهراً لفتاة متوفاة بهدف تزويجها -في العالم الآخر- لابنه الذي مات وعمره 5 سنوات!!.
* وهذه امرأة تنتحر بإلقاء نفسها من قمة عالية هدف أن تتحول إلى شبح يراقب ويعاقب زوجها الذي كانت تعتقد فيه خيانتها!!.
* وهذا رجل ينام مدة ثلاثة أشهر بجوار جثة زوجته الميتة المتعفنة، ويقدم لها وجبات الطعام اليومية، ويصر على أنها ستعود للدنيا، لأنها أخبرته بذلك في أحلامه!!.
* وهذا رجل ثري يقيم حفل زفاف باذخ جداً، يأتي فيه أحد العروسين على طائرة هيلوكبتر ويأتي الآخر على سيارة روزلويس فاخرة، ثم يسير العروسان اللذان لم يكونا سوى قط وقطة، إلى قاعة الاحتفال الفخمة، وسط دقات الطبول، وقرع الأجراس وقد كانت تكلفة الحفل 120 ألف دولار!!.
إلى غير ذلك من الأخبار العجيبة المدهشة، والتي تجعلنا نحمد الله تعالى على ما نحن فيه من نعمة الإسلام، والتي تجعلنا نزهد بالتطور المادي إن كنا لن نحصل عليه إلا بالهبوط إلى ما دون حياة الأنعام.
وإليك شيئا من عاداتهم في الزواج
في جزر كوك تسير العروس على بساط من الآدميين.. إذ يستلقي الشباب على وجوههم إلى الأرض وتعبر العروس ماشية فوقهم حتى تصل إلى مكان الاحتفال.
وفي الأقاليم الريفية من غرينلاند يقوم العريس بشد عروسه من شعرها ويسحبها من بيتها إلى بيته.
وبعض القبائل الأفريقية يحتفلون بزفاف العريس محمولا على الأكتاف كما لو كانوا يحملون نعش ميت يشيعونه ليدفنوه في المقبرة بينما تحمل العروس بالأيدي وعلى الرؤوس.
وفي بورما يطرحون العروس أيضاً، ثم يقوم رجل مسن بثقب أذنيها لكنها حين تصرخ من الألم وتتوجع تعزف الموسيقى الصاخبة حتى لا يسمع أحد استغاثاتها.
وفي مقاطعة هونان بالصين إذا أراد أحدهم خطبة فتاة ما فإنه يرسل لوالدها رسالة بداخلها إبرة فإذا أرجعت إليه الإبرة وفيها خيط كان معنى ذلك الموافقة على الزواج وان أرجعت الإبرة بدون خيط فذلك يعني عدم الموافقة على ذلك.
ولقبائل الهند التي تعيش على ضفاف "نهر الأمازون" عادات غريبة وتقاليد عجيبة في حفلات الزواج فالشباب المنتمي إلى تلك القبائل عندما يفكر في الزواج ويختار عروسه يعرض الأمر على زعيم القبيلة ويسترضيه بمختلف الهدايا ليحصل على موافقته وعندما يأذن له الزعيم تسرع أسرته في إعداد حفل العرس، ولإتمام مراسم الزواج يذهب العريس ويأتي بعروسه إلى الغابة قبل غروب الشمس ثم يتقدم بصحبة شاهدين وعندئذ يشد الفتاة إلى جذع شجرة ويتناول سوكا ويلهب به بدن الفتاة فتصرخ وتئن من فرط الألم وعندئذ يسرع أهالي العروسين يحيطون بالفتاة ويرقصون رقصاً وحشيا يتخلله هتاف مزعج يصم الآذان وفي خلال ذلك يسرع أحد الشهود ويشعل النار عند قدمي الفتاة في كومة من الحشائش والحطب فتتلوى عروس المستقبل وتصيح وتضرب الهواء بقبضتها ولكن الشاهد الثاني لا يحل وثاقها إلا بعد أن تكون قد فقدت رشدها وأصيبت بشبه إغماء. وعند هذا الحد يقوم الزوج بحمل العروس إلى كوخه مما يعني أن مراسم الزواج قد انتهت وأن الزواج قد حدث بالفعل.
ولا يقف الأمر عند ذلك ففي كثير من بلدان المسلمين يرتبط الزواج بعادات وتقاليد يشيب لها الولدان، فهيا بنا إلى جولة نستكشف فيها كم بعد المسلمون عن دينهم في زواجهم وكم بعد غرهم عن الفطرة.
والأمر في أغلب بلداننا العربية يدعو إلى إعادة النظر بشدة حيث تكثر التعقيدات وتتعدد الإجراءات التي تستترف أموال الشاب مما يجعله يفكر مراراً وتكراراً في موضوع الزواج في أن يقدم عليه، ففي إحدى الدول على سبيل المثال حينما يذهب الشاب إلى بيت الفتاة التي يريد أن يتعرف عليها ويراها الرؤية الشرعية لابد أن يحمل معه هدية سواء أعجبته الفتاة أم لم تعجبه وهذه الهدية تكلف مبلغاً كبيراً إذا ما قيس بمستوى دخل الفرد، وإذا ما تمت الخطبة فعلى الشاب أن يحمل إلى عروسه هدية المواسم. في العيدين موسم والمولد النبوي موسم والإسراء والمعراج موسم والبهجة- منتصف شعبان موسم كذلك. وحينما تجيء لحظة عقد القران على العريس أن يحضر "متر" أي سلسلة ذهبية طويلة وحزاماً من الذهب إضافة إلى الأسورة والحلقان وفي مجلس الرجال يقف العريس أمامهم ويوجه كلامه إلى أهل العروس ويقول: هذا مهر ابنتكم ويذكر مقداره، وبعدها يعقد المأذون قرانه وإن أخر العريس زفافه عليه أن يرسل لعروسه مصروفها اليومي حتى تدخل بيته. وفي ليلة الزفاف نظراً لكثرة الخضرة
التي يلقونها فوق العريس حتى تحجب الشمس عنه يذبح العريس على الأقل عشرة كباش وهناك من يذبح خمسين أما الطبقة الغنية فتذبح مائة كبش، ويشتري العريس نبات مخدر للمضغ حتى "يتكيف" المعازيم، بحسب استطاعته، وفي المجلس نفسه يعطي العريس مبلغ من المال يخرجه العريس لوالد العروس ولوالدتها ولعمها ولخالها ولخالتها وعمتها وللخادمة إن كانت في البيت خادمة ولا بد أن يكون في جيبه مبلغاً كبيراً يسلمه للعروس قبل أن تسمح له بكشف طرحتها البيضاء وإن لم يكن مع العريس في تلك اللحظة هذا المبلغ لا تمكنه من نفسها حتى وإن استدعى هذا الأمر عدة أيام، وفي مناطق أخرى بعد إطلاق النار في الهواء سواء من قبل أهل العروس أو العريس والمعازيم يعلو صوت الطلقات النارية على صوت الأناشيد، وبعد حفل ليلة الزفاف يمشي العريس وخال العروس وخلفهما تمشي العروس ومن ورائهم بقية المعازيم حتى يوصلوا العروس إلى بيت العريس وما إن تطأ العروس عتبة البيت بقدمها اليمنى حتى يسارع العريس بوضع قدمه على قدمها وهذا معناه في العرف أن الكلمة في البيت ستكون للرجل أما إذا سارعت العروس بسحب قدمها قبل أن يتمكن العريس من وطئها فذلك يعني أن الأمر في تسيير شؤون البيت سيكون للعروس، وفي بعض القرى تأتي المرأة التي زينت العروس لتكشف لها طرحتها قبل أن يدخل عليها العريس نظير مبلغ من المال.
وفي بعض المناطق الساحلية يزف العريس إلى البحر ويرميه الحاضرون بعجينة الحناء أثناء مروره في شوارع المدينة حتى إذا وصل إلى البحر حملوه وألقوه في البحر ليغتسل ثم يزف وهو مبلل الثياب إلى بيته لكي يغتسل ثانية ويبدل ثيابه. وفي بعض القرى الجبلية يوخز العريس بإبرة خياطة ثلاث مرات من بعض أصدقائه أثناء زفه إلى غرفته فإن توجع ضحك عليه الحاضرون. أما في المناطق الوسطى فما إن يتم الإعلان عن إقامة عرس لأحد شباب القرية يأخذ آخر عريس في القرية راية خضراء ويسلمها إلى العريس الجديد.
وفي إحدى الدول العربية يميز فيها الناس بين حفلتي الخطوبة وعقد القران بلون الخاتم المقدم، ففي الخطوبة يقدم العريس خاتماً أبيض أما في عقد القران فيكون أصفر والعادة الأشد غرابة هي ذهاب المعازيم آخر الليل بعد انتهاء الحفلة من بيت العروس إلى بيت العريس فينامون حتى الصباح وبعد تناول طعام الإفطار والغداء ينعقد السمر لليوم الثاني حتى منتصف الليل ولا ينصرف المعازيم كما هو المعتاد وإنما ينتظرون ظهور "العلامة" وهي خروج الزوج عليهم بمنديل أبيض عقب دخوله على زوجته، هذا المنديل الأبيض تظهر عليه آثار دم نتيجة فض غشاء البكارة، وما إن تراه النساء حتى ترتفع زغاريدهن ويطلق الرجال النار من أسلحتهم في الهواء.
ومن شمال إفريقيا إلى جنوبها وبالتحديد إلى الكاميرون حيث يدفع الشباب مهراً للبكر حوالي 35 ألف فرنك كاميروني ولا مهر لغير البكر.
وعند الزفاف تأتي العروس عقب عقد قرانها إلى بيت العريس وتوزع الأطعمة الكاميرونية المصنوعة في الغالب من البطاطس بأشكال وألوان مختلفة ويعرض العريس "الآية" وهي منديل أبيض عليه دماء دليل فض بكارة العروس فتزغرد النساء ولا سيما إذا كانت الإشاعات كثيرة حول البنت، ويعطيها العريس حينئذ هدية في الغالب عبارة عن مذياع.
والعجيب في الأعراس الطاجيكية أن العروس لا تحب الذهب وإن أرادت إحداهن ذهبا فخاتماً واحداً فقط أما بداية الخطبة فبعد أن يحدد الشاب البيت الذي يريد أن يتزوج منه يذهب مع أمه ويراها في حضرة العائلة فإن أعجبته العروس يلقي عليها موعظة دينية يحفظ معظم الشباب كلمانها وتقول: " عليك أن تكوني امرأة صالحة تصلي وتصومي وتقرئي القرآن، وعليك أن تحترمي عائلتي وتجيدي الطهو وأعمال المنزل" وهنا يعرف الجميع أن الموافقة تمت ومن ثم تبدأ مراسم عقد القران وليلة الزفاف.
والمهر وتكاليف الزواج، والمسألة في طاجيكستان غاية في البساطة حيث يشترط والد العروس كمية معينة من القطن تكفي لتجهيز 20 وسادة و 30 فراشاً بأحجام مختلفة ويتم التفاوض على المهر الذي يتراوح بين 160 إلى 320 روبلاً طاجيكيا أي حوالي من 100 إلى 200 دولار أمريكي، أما بقية الشروط فمتعلقة بتفاصيل الطعام والشراب الذي سيقدم للمعازيم فيقول والد العروس للعريس: عليك أن تحضر إلى بيتنا بقرة كبيرة وخمس أكياس من الأرز و100 كيلو من الجزر و50 لتراً من الزيت و20 كيلو من البصل ومثلهم من الزبيب، وهذه الأشياء كلها لزوم عمل الأرز البخاري المشهور في طاجيكستان. وبعد أن يفرغ والد العروس من طلباته يأتي دور أم العروس وتخرج من جيبها ورقة بها قائمة من الأقمشة والملبوسات التي يجب على العريس شراؤها. هنا يكون الاتفاق قد تم على كل شيء تقريبا. بعد ذلك يأتي بالزوجة أو العروس إلى مائدة فتغسل يديها بالحليب والدقيق والزيت وتعد خميرة للخبز كناية عن أنها أصبحت ربة منزل، وينثر فوق رأسها المال ويلعب الغلمان والفتيات ويأخذون من هذه الأموال.
وفي أندونيسيا، بعد السؤال عن الفتاة التي يريد الشاب أن يتزوجها يذهب مع أحد العلماء ليخطبها له ويبدأ العالم في الحديث وليس والد العريس كما هي العادة في بلداننا العربية، وترتفع أسهم الشباب إذا كان من طلاب العلم الشرعي ويتساهل معه والد العروس. أحد الشباب طلبت منه خطيبته أن يكون مهرها تسميع سورة الأنفال ففعل، وفي ليلة الخطبة قدم إليها هدية عبارة عن "موكانا ومهري" أي مصحف وملابس للصلاة، وبعد ذلك قدم جاموسة كبيرة لزوم الحفل وجهز غرفة عبارة عن سرير ودولاب وأدوات الطبخ، وقبل الحفل بيومين يدعو أهالي العريس الناس لدفع ما عليهم من "نقوط"- وهو عبارة عن مساعدة مالية تقدم على شكل هدية- حيث تجلس امرأة أمام المنزل ومعها دفتر تقيد فيه كل ما يقدمه المدعوون.
وفي إقليم فطاني المسلم في تايلاند يكاد الأمر يتشابه مع عادات الإندونيسيين فشهر العسل مدته تسعون يوما يقضيها العريس في بيت والد العروس لا يفعل خلالها شيئا. لكن الأعجب من ذلك أن العروس هي التي تتحمل تكاليف الزواج فتشتري لنفسها ولعريسها الملابس الجديدة ووالدها هو الذي يجهز للعريس غرفة نوم متواضعة بحسب المهر الذي يدفع الذي لا يتجاوز 25 ألف بات أي ما يعادل 500 دولار، وقد نزل إلى 500 بات فقط أي حوالي 20 دولار إذا كان العريس يحفظ القرآن، وفي ليلة الزفاف التي تستمر يومين يدعى الجميع بما فيهم الجيران البوذيون. إذ إنه من المعروف أن تعداد المسلمين في تايلاند يقارب ال15 مليونا من إجمالي تعداد السكان البالغ 65 مليونا معظمهم يتركز في فطاني بجنوب البلاد.
أما في هرر وبالي وجيمة وهي مناطق تجمع المسلمين في إثيوبيا، فبعد الإعلان عن الخطبة يرسل الخاطب بقرة حلوباً إلى بيت مخطوبته فتجمع والدتها لبن تلك البقرة وتصنع منه كميات من السمن تقدم للعريس كهدية ليلة زفافه.
وفي إحدى الدول ثمة قانون ينص على ضرورة أن يتقدم رجلان لخطبة الفتاة، فإذا ما اجتمع الاثنان على هذا الأمر، فعليهما أن يتصارعا صراعاً مميتاً أحياناً، ويفوز المنتصر منهما بالزواج من الفتاة المرشحة.
وفي مناطق أخرى ينبغي على الزوج أن يضرب عروسه في ليلة الزفاف وفي أثناء الاحتفال بالزواج وذلك حتى تعلم بادئ ذي بدء أنه هو الرجل صاحب الكلمة المسموعة في حياتهما الزوجية، وفي إقليم بوندايورجاس الواقع جنوب الهند ينبغي أن يخضع الشاب المتقدم للزواج لاختبار تقوم الفتاة بإعداد قوانينه، وغالباً ما يتجسد في أن يجتمع الشاب بفتاته بالإضافة إلى بعض من أقاربها في مكان محدد في إحدى الغابات، حيث تقوم الفتاة هناك بإشعال النار ثم تضع فيها أعداداً من الأخشاب والأسياخ لتقوم بكوي ظهر الشاب بها، فإذا صمد الخاطب أمام هذه اللسعات الحارقة والمؤلمة فقد فاز بها وأصبحت زوجته وقرة عينه، وإذا لم يستطع الصمود، فغالباً ما يكون هذا الأمر وبالاً عليه حيث سيفتضح أمره في البلدة ويصبح شاباً منبوذاً لا يمكن لأي فتاة أخرى أن تقبل به زوجا لها لأنه وصم بالجبن والضعف.
وعلى النقيض من ذلك وفي قبيلة "تودا" التي تقطن في الهند أيضاً، تقوم مراسم الاحتفال بالزواج بضرورة أن تزتحف العروس على يديها وركبتيها في ليلة الزفاف حتى تقترب من عريسها الذي يجب أن يضع قدمه على رأسها وذلك دلالة على امتلاكه لها.
وفي مناطق من الهند الصينية، تتقدم هي لخطبة الشاب الذي تراه مناسباً لها وتكون صاحبة القرار الأول بحيث تصبح العصمة في يدها مما يمكنها من تطليقه إذا ما نفرت أو فكرت بالارتباط بغيره، هذا بالإضافة إلى حقها في الاستيلاء على المنزل ومحتوياته إلى جانب حقها في الاحتفاظ بالأولاد رغما عن أنف الزوج الذي يراقب كل ما يحدث عادة دون أن يعترض أو يرفض.
وفي الأسكيمو إذا أقدم شاب على خطبة فتاة فعليه أن يشم فتاته أولا وذلك حتى يضمن رائحتها الزكية فإذا ما تبين له عكس ذلك، فعليه بالهروب وذلك من خلال الخروج من الباب دون أن يلوي على شيء ودون أن يعلم أهل الفتاة بقراره النهائي.
ولعل أغرب عادات الزواج ما يحدث في اليابان فاليابانيون غالبا ما يبدأون الاحتفال بمراسم الزفاف بواسطة رفع الرايات الحمراء التي يعتقدون أنها تبعد الشر عن الزوجين، وبعد انتهاء حفل الزفاف يحتفظون لفستان الزفاف لاستخدامه كفناً للعروس عند وفاتها!.
ومن أقبح العادات التي تنزعج الأذن عند سماعها إزالة البكارة بالإصبع بحالة تقشعر من هولها الأبدان وتهتز من فظاعتها المشاعر لما يترتب عليها من ضرر بالغ، وهو الجناية على العرض وهتك المستور، وفضيحة البريء إذا تولى هذه العملية الوحشية غير زوجها من نساء جاهلات يؤتى بهن لهذا الغرض، والضرر البالغ إذا تولاها زوجها الغر الجاهل فيسد إصبعه ليهتك به ذلك الغشاء الرقيق، وهناك حدث ولا حرج عن الأثر الذي يتركه في نفس العروس المسكينة وقد علاها الوجل وتملكها الخوف وتمكن منها الرعب من شدة الصدمة وفظاعة الجرم، يرتكبون هذه الجريمة النكراء لا من أجل إزالة البكارة التي لا صعوبة فيها، ولكن ليحصلوا من وراء هذه العملية على دم البكارة التي لبسها عليهم إبليس وأعوانه من شياطين الإنس فيظهرون هذا الشرف المزعوم أمام أعدائهم ومن يتربصون بهم الدوائر.
هذه هي عاداتهم، ونحمد الله الذي أعزنا بالإسلام وأكرمنا بالقرآن.
أهداف الزواج وفوائده
الإسلام لا يشرع شيئا إلا لأهداف سامية ومعان، نبيلة والزواج له أهداف عظيمة جليلة منها على سبيل المثال:
أنه عبادة وقربة إلى الله تعالى وطاعة له ولرسوله عليه الصلاة والسلام إذا أحسن الزوج المقصد وكان خالصاً لوجه الله، يقول عليه الصلاة والسلام:"إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل إمرىء ما نوى" (متفق عليه).
والآيات والأحاديث السابقة تؤيد ذلك وتبين أن الله ورسوله أمرا بالزواج.
ومنها أن في الزواج عفاف وإحصان من الوقوع في الحرام، والمباضعة والنكاح صدقة، قال عليه الصلاة والسلام: (وفي بضع أحدكم صدقة قالوا: يا رسول الله أيأتي أحدنا شهوته ويكون له فيها أجر؟ قال: أرأيتم لو وضعها في حرام أكان عليه فيها وزر؟ قالوا: بلى، قال: فكذلك إن وضعها في الحلال كان له فيها أجر) (رواه مسلم والنسائي).
وقد سبق في الحديث أن "ثلاثة حق على الله عونهم منهم الناكح يريد العفاف" وجاء في فضل العفاف حديث "السبعة الذين يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله ومنهم رجل دعته امرأة ذات منصب وجمال فقال: إني أخاف الله" (رواه البخاري ومسلم) وخوف الفتنة على المتزوج أهون من غير المتزوج فإنه معرض للافتتان في أي منظر يراه أو حديث يسمعه أو هاجس يفكر به لذلك ولغيره كان يقول عليه الصلاة والسلام: "يا مقلب القلوب ثبت قلبي على طاعتك قالت عائشة رضي الله عنها: يا رسول الله، إنك تكثر أن تدعو بهذا الدعاء فهل تخشى: فقال: وما يؤمنني يا عائشة وقلوب العباد بين إصبعين من أصابع الرحمن فإذا أراد أن يقلب قلبه" وقلب السبابة والوسطى (أخرجه ابن أبي عاصم).
والزواج يكسر النظر إلى غير الزوجة وفي هذا يقول عليه الصلاة والسلام: "النظر إلى المرأة سهم من سهام إبليس فمن تركه خوفا لله أثابه الله إيمانا يجد حلاوته في قلبه" (رواه أبو داود والترمذي).
ومنها أن الزواج من الودود الولود فخر للزوج يوم القيامة لحديث معقل بن يسار قال: جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: إني أصبت امرأة وفي رواية "ذات حسب وجمال" وإنها لا تلد أفأتزوجها؟ قال: لا، ثم أتاه الثانية فنهاه رسول الله، ثم أتاه الثالثة: فقال: "تزوجو ا الودود الولود فإني مكاثر بكم الأمم" وسبقت الإشارة إلى مثل هذا.
ومنها أن الزواج استكمال للدين والفضيلة لما ورد عن أنس رضي الله عنه قال:" إذا تزوج العبد فقد استكمل نصف الدين فليتق الله فيما بقي".
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من وقاه الله شر اثنين ولج الجنة: ما بين لحييه وما بين رجليه" (رواه الترمذي والحاكم وصححه الألباني).
ومنها أن الزواج من سنن المرسلين قال صلى الله عليه وسلم: ((أربع من سنن المرسلين: الحياء والتعطر والسواك و النكاح" (رواه الترمذي وقال: حسن صحيح).
ومنها أن بعض الأبناء قد يشفعون لآبائهم وأمهاتهم بدخول الجنة، ورد عن بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم: أنه سمع النبي يقول: يقال للوالدين يوم القيامة: ادخلوا الجنة قال: فيقولون: يا رب حتى يدخل آباؤنا وأمهاتنا قال: فيأتون. قال: فيقول الله عز وجل: ما لي أراهم محبنطئين ((أي ممتنعين))، ادخلوا الجنة، قال: فيقولون: يا رب، آباؤنا وأمهاتنا قال: فيقول: ادخلوا الجنة أنت وآباؤكم (رواه أحمد في مسنده).
ومنها حفظ المجتمع من الشر وتحلل الأخلاق وانتشار الزنا والفجور والرذائل والمنكر.
ومنها استمتاع كلا الزوجين بالآخر وقيام الرجل برعاية المرأة والنفقة عليها وتمامها بخدمة زوجها.
ومنها إحكام الصلة بين القبائل والأسر فتقوى الشوكة وتتكاتف القوة.
ومنها أن فيه تعارف وتآلف قال تعالى: {إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا } .
ومنها أنه سكن للزوجين وراحة واطمئنان ومحبة قال تعالى: {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً} .
ومنها أنه سبب لتكوين أسرة مسلمة تذكر الله وتطيع الله وتتربى على تعاليم الإسلام وقد يخرج منها من يرفع كلمة الله .
ومنها الاطلاع على بعض اللذات الأخروية كما قال بعض الفقهاء، قال الغزالي:
لعمر الله ما قالوه لصحيح، وإن هذه اللذة هي أفضل لذة لو دامت فهي منبهة على اللذات الموعودة في الجنان.
ومنها أن الزواج آية من آيات الله الدالة على عظمته فبينما نجد الزوج والزوجة وهما غريبان عن بعضهما إذ بالصلة تقوى بينهما فيكونان ألصق اثنين ببعضهما.
ومنها تكثر نسل الأمة وعمارة الأرض ببقاء الجنس البشري عن طريق التناسل يقول عليه الصلاة والسلام: "تزوجو ا الودود الولود فإني مباه بكم الأمم يوم القيامة" وطلب الولد مستحب قال تعالى {فَالْآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ } .
روي عن شعبة عن الحكم عن مجاهد قال:هو الولد على أحد الأقوال في قوله{وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ}
يقول الغزالي رحمه الله: في الزواج خمسة فوائد: الولد وكسر الشهوة وتدبير المنزل وكثرة العشرة ومجاهدة النفس بالقيام بهن، ثم ذكر أنه إذا قصد بالزواج التناسل كان قربة يؤجر عليها
من حسنت نيته وبين ذلك بوجوه:
أولا : موافقة محبة الله في تحصيل الولد لإبقاء جنس الإنسان.
ثانياً : طلب محبة رسول الله في تكثير من به مباهاة.
ثالثاً : طلب البركة وكثرة الأجر ومغفرة الذنب بدعاء الولد الصالح له بعده.
يروى عن عمر أنه يقول: إني لأتزوج المرأة ومالي بها من حاجة، وأطؤها ومالي فيها من شهوة، قيل : فما يحملك على ذلك يا أمير المؤمنين؟ قال: أحب أن يخرج مني من يكاثر به النبي صلى الله عليه وسلم يوم القيامة.
ويقول الإمام أحمد: والله لبكاء الطفل يطلب الخبز أفضل عندي من عبادة سنة.
وعن سعيد بن جبير قال: قال لي ابن عباس: هل تزوجت؟ قلت: لا، قال: فتزوج فإن خير هذه الأمة أكثرها نساء (رواه البخاري).
وعن ابن مسعود قال: لو علمت أنه لم يبق من أجلي ((أي عمري)) إلا عشر ليال لأحببت أن لا يفارقني فيهن امرأة (أخرجه عبد الرزاق في مصنه وكذلك ابن أبي شيبة).
وسئل أحمد: يؤجر الرجل أن يأتي أهله وليس له شهوة؟، قال: إي والله يحتسب الولد، وإن لم يرد الولد يقول: هذه امرأة شابة لم لا يؤجر؟ وعن ميسرة قال: قال لي طاووس لتنكحن أو لأقولن لك ما قال عمر لأبي الزوائد: ما يمنعك من النكاح إلا عجز أو فجور " وقصد عمر أن يحثه على الزواج خاصة إذا رأى أبا الزوائد الكبير في السن الذي لم يتزوج".
وقال وهب بن منبه: مثل الأعزب مثل شجرة في فلاة يقلبها هكذا وهكذا.
تأمل قول ذي نصح وود وبادر بالزواج تنل فخارك
وخذ من منبت حر أصيل وعمر بالتقى والخير دارك
ولا تغتر بالحسناء تزهو بأخبث منبت تجلو بوارك
وتقوى الله خير الزاد فاعمر بذكر الله ليلك أو نهارك
والأنبياء طلبوا الولد، يقول الله تعالى عن زكريا عليه السلام:{رَبِّ هَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعَاءِ} . وقال أيضا: {وَزَكَرِيَّا إِذْ نَادَى رَبَّهُ رَبِّ لا تَذَرْنِي فَرْداً وَأَنْتَ خَيْرُ الْوَارِثِينَ} .
وقال عن إبراهيم عليه السلام: {رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلاةِ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي رَبَّنَا وَتَقَبَّلْ دُعَاءِ} .
وقال أيضا: {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلاً مِنْ قَبْلِكَ وَجَعَلْنَا لَهُمْ أَزْوَاجاً وَذُرِّيَّةً} .
وعلى هذا فاحذر من الاستجابة للدعوات المضللة التي ينادي بها أعداء الإسلام وهي الدعوة إلى تحديد النسل لإضعاف المسلمين وكسر شوكتهم وتقليل عددهم على المدى البعيد ليسهل القضاء عليهم...
ومنها أن المبادرة تدعو إلى العفة وغض البصر عن المحرمات، أضف إلى ذلك أن المبادرة في الزواج تمكن الرجل بإذن الله إذا رزقه الله أولادا من تربيتهم والقيام بشؤونهم وإعدادهم لمستقبل حياتهم وجعلهم رجالا صالحين مصلحين ينفعون أنفسهم وأمتهم ويجعل منهم عماداً لها وقوة يرهب بهم أعداءها وتقوى شوكتها وتحفظ هيبتها وكرامتها ويدفع من يريد إذلالها واستعبادها.
ومنها خدمة الزوج والقيام بحقوقه، وتأمل في حياة المتزوج عندما يفاجئه مرض أو تنتابه نائبة وعنده زوجة صالحة وكيف يكون محاطا بعطفها وقيامها بنهدمته نائما على فراش الراحة وتسليه وتؤنسه وتقوم بخدمته وتضمر الخير له.
وارجع بنظرك إلى العزب في حالة مرض أو حاجة شديدة للخدمة فإنه يفتقر إلى الزوجة الحنونة والعطف والرأفة والقيام بتمريضه في أشد الأوقات وأحرجها وأضيق الساعات ويرى نفسه محزونا كالغريب النائي عن وطنه وأقربائه وأصدقائه ويتلهف على أحد يظل بجواره لاسيما إذا كان في غير بلده.
فالزوجة هي الأم حينما يحتاج إلى حنان الأم.
وهي الأخت حينما يحتاج إلى مودة الأخت.
وهي الابنة حينما يحتاج إلى بر الابنة.
وهي الزوجة حينما يحتاج إلى عطف الزوجة.
وهي الخليلة حينما يحتاج إلى مرح الخليلة.
وهي كل شيء.
ومنها أيضا أن الزواج يكسب الرحمة، لذلك فإن المتزوج الذي له أطفال أرحم من المتزوج الذي ليس له أطفال أو غير المتزوج، ولهذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أرحم الناس فها هو يصلي العصر بالمسلمين وإمامة بنت زينب على كتفه وكان عمرها سنتين فإذا سجد وضعها وإذا قام رفعها.
وصلى أيضا الظهر بالناس فارتقى الحسن أو الحسين ابن بنته فاطمة الزهراء على ظهره صلى الله عليه وسلم وهو ساجد فأطال السجود فلما سلم قال: لعلي أطلت عليكم؟ ثم قال: إن ابني ارتحلني حتى رقى على ظهري فخشيت أن أقوم فأؤذيه (رواه النسائي). وكان يقول لأصحابه: (والله إني لأدخل في الصلاة وأريد أن أطيل فأسمع بكاء الطفل فأخفف لما أجد من وجد أمه عليه) (متفق عليه).
وقبل الإقدام على الزواج لا بد أن تعرف أخي الزوج أن الحياة الزوجية ليست متعة فحسب، إنما هي مسؤولية كبيرة، ولا بد أن يكون لك بعد أفق وتفكر ثاقب قبل خوض هذه الحياة، لذا أضع بين يديك وصايا مهمة كي تبني حياتك الزوجية على أساس متين.
وصايا للزوج قبل عقد الزواج
الاستخارة :
وهي طلب خير الأمرين من الله تعالى، فإذا هممت بأمر ما فعليك بصلاة الاستخارة واللجوء إلى الله كي يختار لك ما هو أصلح، ولك في رسولك أسوة، ومثال ينبغي أن تحتذى به فقد استخار الله وبين لصحابته كيف يستخيرون، فقد ورد عن جابر عبد الله أنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعلمنا الاستخارة في الأمور كلها كما يعلمنا السورة من القرآن، يقول: إذا هم أحدكم بالأمر فليركع ركعتين من غير الفريضة ثم ليقل اللهم إني أستخيرك بعلمك وأستقدرك بقدرتك وأسألك من فضلك العظيم فإنك تقدر ولا أقدر وتعلم ولا أعلم وأنت علام الغيوب، اللهم إن كنت تعلم أن هذا الأمر ((ويسمي حاجته)) خير لي في ديني ومعاشي وعاقبة أمري فاقدره لي ويسره لي ثم بارك لي فيه، وإن كنت تعلم أن هذا الأمر شر لي في ديني ومعاشي وعاقبة أمري فاصرفه عني واصرفني عنه واقدر لي الخير حيث كان ثم أرضني به (رواه البخاري).
ولكن متى تقول هذا الدعاء؟
الجواب: ذكر شيخ الإسلام ابن تيمية أن هذا الدعاء يقال في آخر الصلاة سواء بعد التشهد الثاني أو بعد السلام.
والاستخارة لا ترجع إلى الزواج ذاته فهو خير محض ولكن ترجع وتعود إلى أمور منها وقت الزوج والزوجة التي اخترتها ومكان الزواج وما يفعل فيه وينفق عليه وغير ذلك مما يطلب فيه من الله الخير.
والله تعالى سيختار لك ما تحب، سواء رأيت ذلك بعينك أم لم تره.
والاستخارة سنة هجرها أكثر خلق الله اليوم ولا تكاد تعرف إلا حروفاً في كتب المتقدمين أو بعض كتب المتأخرين وتوشك أن تنقرض من كتب المعاصرين.
الاستشارة :
وهي طلب المشورة والرأي السديد، فيا أخي يا من تريد الزواج عليك باستشارة من تثق بعلمه وأمانته في كل ما تحتاجه في هذا المشروع الطيب ولك في رسولك قدوة حسنة فالله يقول له: {وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ } .
وقال تعالى: {وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ } .
ومما قيل :
حسن المشورة من المشير قضاء حق النعمة.
وقيل: الاعتصام بالمشورة نجاة.
وقيل: إذا استشرت الناس شاركتهم في عقولهم.
وقيل: نصف عقلك مع أخيك فاستشره.
فالمشورة ليست عيباً ولا ضعفاً بل تفتح لك أبواباً لم تكن تدري كيف تفتح، وهي من شيم العقلاء، ومن جانبها فقد استبد برأيه وقد قيل إذا أراد الله لعبدٍ هلاكاً أهلكه برأيه.
وقيل: المشورة تقوم اعوجاج الرأي.
وقيل: من استشار ذوي الألباب سلك سبيل الرشاد.
وقيل: شاور في أمرك الذين يخشون الله.
وقيل :
إذا كنت في حاجة مرسل فأرسل حكيماً ولا توصه
وإن باب أمر عليك التوى فشاور لبيباً ولا تعصه
والاستشارة والاستخارة ينبغي أن تجعلهما نصب عينيك دائماً حتى تكون خطاك مسددة بإذن الله تعالى وهما مما هجره أكثر الناس، يقول ابن تيمية رحمه الله: ما ندم من استشار وما خاب من استخار ويقول أحدهم: ما خاب من استخار الخالق وشاور المخلوقين.
والخلاصة : إذا استخار الرجل ربه واستشار نصيحه واجتهد فقد قضى ما عليه ويقضي الله عنه في أمره ما يحب.
الدعاء : لا تغفل أخي جانب الدعاء فهو خير ما يوصى به مع الاستخارة والاستشارة، والإلحاح فيه من أعظم العبادات، لذلك ورد عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال: " الدعاء هو العبادة" (رواه الترمذي).
(فارفع يديك إلى من يستحي أن يرد يدي عبده صفرا إذا سأله) (رواه أبو داوود والترمذي وابن ماجه وحسنه الألباني) وهو الذي يقول: {وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ } ويقول:{فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ } .
وتحين مواطن الإجابة وهي كثيرة أسرد لك بعضها بإيجاز:
1- جوف الليل الآخر ووقت السحر.
2- دبر الصلوات المفروضة.
3- بين الأذان والإقامة.
4- عند نزول المطر.
5- آخر ساعة من عصر يوم الجمعة قبل الغروب.
6- عند شرب ماء زمزم.
7- في السجود في الصلاة.
8- الدعاء عند المرض.
9- بعد التشهد الأخير في الصلاة.
10- دعاء يوم عرفة في عرفة.
11- شهر رمضان والليالي التي ترجى فيها ليلة القدر.
12- عند السفر.
وبعد ذلك لا بد أن تعرف أنه:
لا يجوز للرجل أن ينافس رجلاً آخر في الخطبة بمعنى أنك إذا علمت أن هذا الرجل تقدم لخطبة فلانة فلا يجوز أن تذهب لخطبتها لأن ذلك يقطع الأواصر ويورث العداوة والشحناء.
يقول صلى الله عليه وسلم: "لا يخطب الرجل على خطبة أخيه حتى ينكح أو يترك" (متفق عليه).
فإن تركها الأول أو علم يقيناً أن أهلها لم يوافقوا عليه فعندئذ يجوز للثاني التقدم لخطبتها.
وذهب بعض أهل العلم إلى جواز تقدم الثاني لخطبتها إذا علم أن المتقدم الأول كافر أو فاسق حتى ينقذها من عصمة من لا دين له.
اختيار الزوجة
هذا علم لوحده، فالعلاقة الزوجية هي شركة فإما أن تربح وتكسب أو تخسر وتفشل لذا كان الإسلام مهتماً بهذا الموضوع وينبغي لمن يريد الزوج أن يوليه اهتمامه، فالحياة الزوجية ليست ميدان تجارب ولا حقل تذوق. ولا يلام الرجل إذا أخذ يبحث عن شريكة حياته، وإذا قلبت بصرك وجدت أن من أعظم مشكلات الزواج وصعوباته وانحلاله ناجم عن التسرع في اختيار الزوجة دون بحث وتدقيق، فبعضهم يختار زوجته بمجرد نظرة جمال ساحرة، أو طمعاً في مالها أو غير ذلك والعلاقة التي يكون المقصد منها ذلك توشك أن تزول وتنتهي.
ولديمومة الزواج والتآلف وعدم الفشل وضع الإسلام معاير لاختيار الزوجة ألخصها لك فيما يلي:
الصفات الحسنة في المرأة:
إن أول ما يتبادر إلى الذهن عند طرق هذا الموضوع هو حديثه عليه الصلاة والسلام: "تنكح المرأة لأربع لمالها ولحسبها ولجمالها ولدينها فاظفر بذات الدين تربت يداك" (رواه البخاري ومسلم وأبو داوود والنسائي وابن ماجه وأحمد) فبين عليه الصلاة والسلام صفات المرأة التي ينبغي للرجل أن يبحث عنها، وقد يقال إن هذا الحديث فيه جمال حسي ومعنوي فأما الحسي فهو كمال الخلقة لأن المرأة كلما كانت جميلة المنظر عذبة المنطق قرت العين بالنظر إليها وأصغت الأذن إلى نطقها فينفتح لها القلب وينشرح لها الصدر وتسكن إليها النفس ويتحقق فيها قوله تعالى: {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً} .
ثم ذيل الحديث بأفضل صفة وهي صفة الدين وهي الجمال المعنوي فكلما كانت المرأة ذات دين وخلق كانت أحب إلى النفس وأسلم عاقبة، فهي قائمة بأمر الله حافظة لحقوق زوجها وفراشه وأولاده وماله معينة له على العبادة، إن نسي ذكرته وإن تثاقل نشطته وإن غضب أرضته وقد سئل عليه الصلاة والسلام أي النساء خير قال: "التي تسره إذا نظر وتطيعه إذا أمر ولا تخالفه في نفسها ولا ماله بما يكره"(رواه النسائي )
وقد قيل أربع من السعادة: المرأة الصالحة والمسكن الواسع والجار الصالح والمركب الهنيء.
وكان ابن مسعود يقرأ القرآن فإذا فرغ قال: أين العزاب؟ فيقول ادنوا مني ثم يقول لكل واحد: قل: اللهم ارزقني امرأة إذا نظرت إليها سرتني وإذا أمرتها أطاعتني وإذا غبت عنها حفظتني.
وورد أيضاً "لا تنكحوا النساء لحسنهن فعسى حسنهن أن يرديهن ولا تنكحوا النساء لأموالهن فعسى أموالهن أن تطغيهن وانكحهوهن على الدين فلأمة سوداء خرقاء ذات دين أفضل" (رواه ابن ماجه).
يقول الإمام الغزالي: آداب الرجل إذا أراد النكاح: يطلب الدين ثم بعده الجمال والمال والحسب وفي الحديث:"الدنيا متاع وخير متاعها المرأة الصالحة".
يقول أحدهم: النساء أنواع :
واحدة كالغل في العنق، وأخرى وعاء للولد وثالثة لا نفع ولا ضرر ورابعة تعين زوجها على الدين فهي خير للمرء من عينيه ويديه.
وقال غيره: المرأة التقية الصالحة هناء للنفس وراحة للفكر ومتعة للحياة.
وقال آخر: اعلم أن العيش كله مقصور على الحليلة الصالحة، والبلاء كله موكل بالقرينة السوء التي لا تسكن النفس إلى عشرتها ولا تقر العيون برؤيتها وفي حكمة سليمان بن داوود: المرأة العاقلة تعمر بيت زوجها والمرأة السفيهة تهدمه.
يقول الغزالي: وليس أمره صلى الله عليه وسلم بمراعاة الدين نهيا عن مراعاة الجمال، ولا أمرا بالإضراب عنه، وإنما هو نهي عن مراعاته مجردا عن الدين، فإن الجمال في غالب الأمر يرغب الجاهل في النكاح دون الالتفات إلى الدين فوقع في النهي عن هذا.
ومعنى كلام الغزالي أنه ليس المقصود في الأحاديث أن مطلب الجمال مذموم إنما المراد أن لا يقتصر عليه في طلب الزواج وإلا فإن للجمال اعتباره فقد حث عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال:"انظر إليها فإنه أحرى أن يؤدم بينكما"(رواه الخمسة إلا أبا داود)، (( وهذا النظر قبل عقد النكاح وسيأتي بيانه بإذن الله)).
والأحاديث فيها حث على طلب الجمال والتمتع بالحلال لأن جمال المرأة يعود فضله على زوجها حيث تنكسر شهوته عن غير زوجته الجميلة وفيه فوز بالآخرة.
فهذا هو المقصود ولكن كما سلف لا يجعل الجمال هو الأساس.
ومما قالوا: المرأة الجميلة تملك القلوب لكن المرأة الفاضلة تسرق العقول، فالأولى: ملكت ما سمي ((قلبا)) لكثرة تقلباته والثانية: اقتنت كنز ((الحكمة)) ومركز حقيقة الإنسان.
ورب جميلة بدون دين يصونها جرت على أسرتها الويلات.
لا تركنن إلى ذي منظر حسن فرب رائقة قد ساء مخبرها
ما كل صفر دينار لصفرته صفر العفارب أرداها وأنكرها
ومما قيل:
جمال الوجه مع قبح النفوس كقنديل على قبر المجوسي!
واعلم أخي أن الجمال ليس في العيون الزرقاء ولا الخضراء ولا السوداء ولا العسلية ولا الكبيرة أو الصغيرة ولا ذات الرموش الطويلة أو القصيرة إنما الجمال في العيون التي إذا ما نظرت إليك وأنت غاضب لم تعد غاضبا.
واعلم أيضاً أن الجمال لا يدوم والمرأة الجميلة والدميمة تتساويان متى أطفئت الأنوار.
وإليك هذه القصة المعاصرة:-
يرويها صاحبها ويقول: أنا شاب أردت الزواج وكان شرطي في شريكة حياتي أن تكون جميلة فقط ولم ألتفت إلى غير ذلك وفي ليلة الزفاف لم تقع من نفسي موقعا حسنا ولم تعجبني فأصابني إحباط بل حتى أبي أخذ ينظر إلي وكأني أقرأ في عينيه أنه يقول: لو فارقتها لكان أفضل ولكني صبرت قليلا إلى أن يقضي الله أمرا كان مفعولا ولم أرد إحداث فتنة من أول ليلة، ولكن أحسست أني مخدوع بهذه المرأة الغير جميلة ولم يتحقق شرطي الذي كنت أسعى إليه.
ومرت أيام قليلة فتغيرت نظرتي لها، مما رأيته من جمال روحها وحشمتها وكلامها ومعاملتها مما جعلني لا أرضى بها بديلا، وصارت في عيني أفضل من فتيات الدنيا كلها، فلقد قام جمال خلقها مقام جمال خلقها
وقيل: عرضت على المأمون جارية بارعة الجمال فائقة الكمال غير أنها كانت تعرج برجلها، فقال لمولاها: خذ بيدها وارجع، فلولا عرج بها لاشتريتها فقالت الجارية: يا أمير المؤمنين إنه في وقت حاجتك لن تنظر إلى العرج فأعجبه سرعة جوابها وأمر بشرائها وصدقت والله...
ومن الصفات أن تكون الزوجة بكراً .
ولقد حث الإسلام على البكر وهي التي لم توطئ بعد لأن البكر تحب الزوج وتألفه أكثر من الثيب وهذه طبيعة جبل الإنسان عليها (أعني الأنس بأول مألوف)، وفي الحديث عن جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"عليكم بالأبكار فإنهن أنتق أرحاما وأعذب أفواها وأقل خبا وأرضى باليسير" (رواه ابن ماجه والطبراني). وتزوج جابر ثيبا فقال له رسول الله: "هلا بكرا تلاعبها وتلاعبك".
وقد قيل:
نقل فؤادك حيث شئت من الهوى ما الحب إلا للحبيب الأول
كم منزل في الأرض يألفه الفتى وحنينه أبدا لأول منـزل
ولهذا قال بعضهم: النساء ثلاثة واحدة لك وواحدة عليك وواحدة لا لك ولا عليك.
فأما التي لك فهي البكر التي لم تر غيرك، إن رأت خيرا حمدت الله، وإن رأت غير ذلك قالت: هكذا الرجال أجمع، وأما التي عليك فهي من كان لها ولد من زوج قبلك فهي تجمع له وتلحق بك الخسارة لأجله وإرضاء رغبته.
وأما التي لا لك ولا عليك غالبا هي الثيب إن رأت خيرا قالت: هكذا يجمل بي وإن رأت شرا حنت إلى زوجها الأول، ولو كان مسيء إليها وهذا إذا كنت أنت وزوجها الأول متقاربان في السن والكرم والغنى والعفاف وإن كنت دونه سمعت ما يسوؤك ويؤلمك ورأيت ما يحزنك ويقلقك من ذكر زوجها الأول وأفعاله لمزا وهزبا ولهذا قال بعضهم محذرا عنها:
ولا تنحكن الدهر ما عشت أيما مجربة قد مل منها وملت
وقيل لبعضهم: قد كرهت امرأتك شيبتك فقال: إنما مالت إلى الإبدال لقلة المال، وإنه لو كنت في سن نوح وشيبة إبليس وخلقة منكر ونكير ومعي مال لكنت أحب إليها من مقتر في جمال يوسف وخلق داوود وسن عيسى وجود حاتم وحلم أحنف.
**********************************
النكاح بنية الطلاق
هذه المسألة خاض فيها الناس بين مجيزين ومانعين وقد تتحقق غالبا في الذين يغتربون عن أوطانهم إما لجهاد أو طلب علم أو علاج أو دراسة ونحوها. فهل يجوز لهم أن يتزوجوا وفي نيتهم الطلاق عندما يرجعون إلى بلادهم؟!
وقد يكون بعضهم يرغب في ذلك لصون عفته وعدم وقوعه في المنكر.
وقبل الإجابة : لا بد أن نتصور المسألة لأن الحكم على الشيء فرع عن تصوره كما قال علماء أصول الفقه.
وعند التصور لا بد أن نحرر محل الخلاف والنزاع ويدور خلافهم على كونه نكاح متعة أو، لا ولذلك لا بد من أخذ تصور عن نكاح المتعة فالقائلين بأنه متعة حرموه لأجل ذلك وأما القائلين بأنه ليس متعة اختلفوا في جوازه ومنعه فمنهم من كرهه ومنهم من حرمه قياسا على نكاح التحليل ومنهم من أجازه والتفصيل في المسألة أن نقول إن النكح بنية الطلاق لا يخلو من حالين:
الأولى : إما أن يشترط الرجل في العقد بأنه يتزوجها لمدة معينة إما شهر أو سنة أو إلى أن تنتهي الدراسة أو المهمة التي سافر لأجلها أو غير ذلك فهذا لا خلاف في تحريمه وهو داخل في نكاح المتعة لأن الزوج يتمتع بها إذا انتهت المدة المشروطة ينفسخ العقد بينهما تلقائيا وبدون طلاق.
الثانية : أن ينوي الرجل عند الزواج أنه سيطلقها بعد مدة عينها في نفسه ولكن دون أن يكون هناك اشتراط حين العقد ودون علم المرأة فقيل هو (مكروه) وهو رواية في مذهب أحمد وهذا هو القول الأول وقيل (حرام) وهو المشهور عند الحنابلة وأن العقد فاسد وغير صحيح وهو القول الثاني وعللوا ذلك من وجهين الوجه الأول : أن المنوي كالمشروط وهذا الرجل الذي نوى أن يطلقها بعد انتهاء الغرض كأنه اشترط هذه المدة ولو لم يذكرها حين العقد فهو متعة وقد قال عليه الصلاة والسلام: "إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى".
والوجه الثاني:
قياساً على نكاح التحليل والذي هو نكاح الرجل للمرأة لأجل أن يحللها لزوجها الأول الذي طلقها ثلاثاً فقالوا: لو أن رجلاً تزوج امرأة مطلقة ثلاثاً وهو ينوي بنكاحه لها أن يطلقها ليحللها لزوجها الأول فإن النكاح فاسد ولو لم يشترط هذا الرجل أن يطلقها لتحل لزوجها الأول لأن المنوي كالمشروط فإذا كانت نية التحليل تفسد العقد فكذلك نية المتعة تفسد العقد هذا هو قول الحنابلة وهو رواية في مذهب أحمد ومروي عن الأوزاعي وقيل أنه (يصح) أن يتزوج الرجل المرأة وفي نيته أن يطلقها إذا انتهت المدة المحددة في نفسه كرجوعه من الغربة أو الدراسة في الخارج ونحو ذلك. وهذا هو القول الثالث.
لأن هذا الرجل لم يشترط في العقد أن يتمتع بها إلى وقت معين فلا يصير ذلك نكاح متعة. وقالوا: يوجد فرق بين نكاح المتعة والنكاح بنية الطلاق وهو أن نكاح المتعة إذا تم الأجل والوقت المحدد المشروط حصل الفراق بينهما وانفسخ العقد شاء الزوج أو أبى أما النكاح بنية الطلاق فإنه لا ينفسخ بنهاية المدة، ولأنه يمكن أن يرغب فيها الزوج وتبقى عنده ولا يطلقها وهذا حاصل- والواقع يشهد له- وإذا كانت كتابية ربما أسلمت وحصل لها خير كبير.
وهذا القول هو قول الجمهور وأحد القولين لشيخ الإسلام ابن تيمية وهو رواية في مذهب أحمد والخلاصة: أن يقال (الصحيح) أن النكاح بنية الطلاق نكاح صحيح وجائز وليس نكاح متعة لأنه لا ينطبق عليه تعريف المتعة وإن كان هناك حرمة فإنها لا ترجع للعقد إذ هو صحيح ولكن ترجع إلى شيء آخر وهو من جهة أنه غش للزوجة وأهلها وقد حرم النبي صلى الله عليه وسلم الغش والخداع لأن الزوجة لو علمت بأن الرجل لا يريد أن يتزوجها ويبقي معها إلا لهذه المدة ما تزوجته ولا رضيت لا هي ولا أهلها وقد يجر ذلك عليها مشاكل أخلاقية بعد مفارقته لها أو أنه لا يتزوجها أحد فيكون هذا الرجل قد ظلمها وكذب عليها إضافة إلى أنه لو جاءهما أولاد لكانوا هم الضحية وقد تصرفهم أمهم عن الإسلام إن كانت كتابية ويحصل هذا فساد كبير.
وكذلك فإن هذا الرجل لا يرضى أن يتزوج شخص ابنته وهو في نيته أن يطلقها إذا انتهت حاجته منها فكيف يرضى لنفسه أن يعامل غيره بمثل ما لا يرضاه لنفسه وهذا خلاف الإيمان لقوله عليه الصلاة والسلام: "لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه". (متفق عليه) وهذا هو الأحوط والذي تسد به الذريعة وإنه لو أبيح ذلك لذهب الكثيرين وخاصة الشباب إلى الخارج للزواج والتمتع فقط ثم الرجوع ولا يخفى على عاقل ما يحدث ذلك من المفاسد من ضياع الشباب وضياع أموالهم وجفاء زوجاتهم وعنوسة الفتيات وغير ذلك ودرء المفاسد مقدم على جلب المصالح ولو أردنا ضبط ذلك وأنه لا يحل النكاح بنية الطلاق إلا لمن كان له حاجة في غير بلاده ويريد العفة وعدم الوقوع في المحرم لصعب علينا مثل هذا وما أكثر الناس الذين يحاولون العثور على أي رخصةٍ أو طريق إلى إشباع رغباتهم وقد يصوغون أسئلتهم بصياغة فيه لبس على المفتي ليقولون: أفتانا هذا فلان وهو في الحقيقة أفتاهم على حسب سؤالهم ولكنه لا يعلم عن خبث نواياهم. فسد هذا الباب أولى وأفضل وبعض الناس فيهم جهل وقد لا يمنعهم شيء في تعدي محارم الله. وعلى كل حال فإن كل هذه السلبيات لا تجعل النكاح باطلاً بل هو كما أسلفت صحيح وأرجو أن يكون فيما قلت بياناً مختصراً شافياً لهذه المسألة.
نكاح المسيار
وقد شاع لدى الناس وصار حديث المجالس وأخذ الناس يخوضون في حكمه.
ويقصد الناس به هو: أن يعقد الرجل على امرأة ويتزوجها بشروط يذكرونها ومنها على سبيل المثال:
أن الزوج لا ينفق عليها أو لا يوفر لها سكنا فتسكن مع أهلها أو في مكان آخر أو أن لا يعدل بينها وبين زوجته الأخرى، أو أن يأتيها نهارا دون الليل أو لا قسم لها في المبيت أو لا مهر لها عند العقد أو لا ترثه إذا مات أو غير ذلك من الشروط.
ويطلقون عليه زواج ((المسيار)) أو ((السيار)) أو نحوه وهو في الحقيقة إلغاء لجميع مقومات النكاح فالمقصد من هذا الزواج هو الاستمتاع فقط.
وللأسف الشديد أن الناس اليوم يأخذون الأحكام الشرعية من المجالس والقنوات الفضائية، فيقول أحدهم للآخر مثلا: هل سمعت عن زواج المسيار لقد حللوه في التلفاز أو في المجلس الفلاني أو...
ويا ليتهم يرجعون في ذلك لأهل العلم ولا يخوضون ويفتون ويتقولون على الشريعة فهذا من المحرمات بل قرنه الله بالشرك فقال: {قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْأِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَاناً وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ } ولك أن تعجب حينما ترى مجموعة من الرجال والنساء يناقشون قضية عبر أستديوهات وتلفاز وحضور من بعض الناس فيجتمع طبيب ورجل يدعي العلم ويرى أنه شيخ وامرأة كاشفة ماجنة يحوارهم ثم يخرجون بنتيجة وفتوى عن موضوع زواج المسيار أو غيره ولا حول ولا قوة إلا بالله يفتون بلا علم فيضلون ويضلون.
لا أدري هل خلا المجتمع من الرجال حتى يجلسون امرأة متبرجة وبجوار الشيخ المزعوم (للسخرية والنيل من أهل الدين).
وإن هذا الشيخ الذي يجلس ويناقش امرأة بهذه الطريقة فإنه مزور كاذب غشاش، ولو أفتى وقال: عندي الحكم كذا وكذا فأحسن ما يقال له:
يقولون هذا شيء عادي عندنا قلت ومن أنتم حتى يكون لكم عند
ونبقى الآن مع حكم "نكاح المسيار".
قبل الشروع في ذلك لا بد من تصوره واستعراض ماله وما عليه والحكم على الشيء فرع عن تصوره كما سبق
ولا بد من الوقوف على الشروط في النكاح عموما لنعرف بعد ذلك حكم هذا النكاح ومدى موافقته للشريعة، فبقال : إن الشروط في النكاح نوعان:
أولا : شروط شرعية وهي رضا الزوجين وحضور الولي للزوجة والشاهدين والتعيين وقد سبق الكلام عنها في أول الكتاب.
فهذه اشترطها الشارع في صحة النكاح فإذا فقد واحد منها فالنكاح باطل من أصله.
ثانيا : شروط جعلية:
وهي ما تشترطه المرأة وأولياؤها عند العقد أو الزوج ويكون فيها منفعة لأحدهما.
وهذه الشروط معتبرة وملزمة إذا كانت لا تخالف الشريعة لقوله تعالى: {وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا } وقوله صلى الله عليه وسلم: "إن أحق الشروط أن توفوا بما استحللتم به الفروج".
وقوله: "المسلمون على شروطهم إلا شرطا أحل حراما أو حرم حلالا".
ومثال ذلك: أن تشترط الزوجة عدم منعها من إكمال الدراسة فإذا رضي الزوج به فيجب عليه الوفاء وإذا لم يوف جاز للمرأة طلب فسخ النكاح وإن تنازلت أو سكتت فالنكاح باق على صحته. وقد يرد الشرط صريحا منصوصا عليه في العقد فيجب العمل به.
وقد لا يرد الشرط منصوصا عليه ولكن العقد يتضمنه العقد أو العرف يدل عليه فيجب العمل به.
ومثال النصوص عليه: لو اشترطوا على الزوج أن لا يسافر بها لمكان معين ومثال غير المنصوص عليه لكن يتضمنه العقد أو العرف يدل عليه.
زف العروسة إلى العريس هل في بيته أو بيت أهلها.؟
والعرف الذي يعمل به هو الموافق للشريعة.
أما الأعراف المخالفة للشرع فلا يجوز العمل بها.
والشروط التي في النكاح تنقسم إلى قسمين:
الأول : شروط صحيحة وهي نوعان:
1. شروط يقتضيها العقد كتسليم المرأة للزوج وتمكينه من الاستمتاع بها فلا يحتاج إلى شرطه لأن الشارع شرطه.
ولو ترافعا إلى القاضي سيلزمها على تسليم نفسها وإن لم يكن مشروطاً في العقد.
2. شروط نفع معينة يشترطها أحد الطرفين على الآخر وهي شروط جعلية ملزمة للآخر إذا رضي بها ولم تكن مخالفة للشرع مثل لو شرط عليها عدم إكمال دراستها أو وظيفتها.
أو هي شرطت عليه أن تكمل دراستها أو وظيفتها فيجب الوفاء بها.
الثاني: شروط فاسدة وهي نوعان:
1. شروط فاسدة بنفسها مع بقاء العقد صحيحا كأن يشترط أن لا مهر لها أو لا نفقة لها وغير ذلك، فالعقد صحيح والشروط باطلة لا يعمل بها.
2. شروط فاسدة بنفسها مفسدة للعقد مثل اشترط الزوج أن يتزوجها مدة معينة فهذا زواج متعة فالزواج باطل كله، أو أن يشترط عليها أن يتزوجها ليحللها لزوجها الأول أو هي شرطت ذلك فهذا نكاح التحليل وهو محرم باطل أو أن يشترط الولي على الزوج أن يزوجه أخته أو بنته فهذا نكاح الشغار وهو محرم وهكذا...
والآن بعد استعراض الشروط والأمثلة نقف عند زواج المسيار ونرى الشروط في عقده هل هي شرعية أو جعلية؟ وهل هي منصوص عليها أو لا؟ وهل هي داخلة في عرف مقبول شرعا أو لا، وهل هي صحيحة أو فاسدة؟ وإن كانت فاسدة فهل تفسد النكاح كله أو هي فاسدة بنفسها مع بقاء العقد على صحته؟!
فإذا استعرضنا كيفية زواج المسيار وشروطه التي ذكرناها قبل قليل وجدتها أنها شروط فاسدة بنفسها فقط مع بقاء العقد والنكاح صحيحا وعلى هذا نقول: الخلاصة أن نكاح المسيار- كما يسمونه- عقده صحيح.
ولكن شروطه التي ذكرناها فاسدة باطلة لاغية، وعليه فإذا اشترط الزوج مثل هذه الشروط فإن المرأة ليست ملزمة بالوفاء بها بعد العقد لمخالفتها الشريعة ولفسادها في نفسها ولها الحق أن تطالبه بعكس كل شرط منها فتأخذ المهر إذا أرادت وتلزمه بالنفقة عليها والسكنى والعدل والإرث سواء رضي أو لم يرض لأن ذلك مما أوجبه الشارع لها فإن أبى فلها طلب فسخ عقد النكاح والقاضي يقف معها في كل ما تطلبه بعد العقد، إلا إن تنازلت عن حقها أو سكتت عنه فلها ذلك والعقد صحيح.
وفي التنازل ورد حديث صحيح وهو أن سودة بنت زمعة زوج النبي صلى الله عليه وسلم " أراد رسول الله أن يطلقها أو خافت ذلك قالت: يا رسول الله: أمسكني وأهب يومي لعائشة، فصار رسول الله إذا جاءت ليلة سودة ذهب إلى عائشة (رواه البخاري وأبو داوود)، وأرادت سودة أن تحوز على الفضل ببقائها عند رسول الله وتحت ذمته وتكون زوجة له في الدنيا والآخرة.
وأضع بين يديك أنكحة أخرى تصادم ديننا الحنيف
والواجب عليك أن تحذرها لأنها محرمة منهي عنها فاجتنبها حفاظ على دينك وأخلاقك وحرمتها ترجع لأصلها أو وقتها أو مكانها أو مقصدها.
أذكرها لك من باب معرفة الشر لاجتنابه وعدم الوقوع فيه والوقاية خير من العلاج كما سلف يقول حذيفة بن اليمان رضي الله عنه:
كان الناس يسألون رسول الله عن الخير وكنت أسأله عن الشر مخافة أن يدركني (رواه الشيخان).
عرفت الشر لا للشر ولكن لتوقيه ومن لم يعرف الخير من الشر يقع فيه
ومنها:
نكاح الرهط
وهو وطء الجماعة للمرأة أي أن يجتمع رجال عدة فيجامعون امرأة واحدة ثم تحمل وإذا أنجبت تختار بنفسها رجلا منهم ليكون أبا لهذا المولود وهذا الرجل الذي وقع عليه الاختيار لا يستطيع رد ذلك، فيكون أبا له طوعا أو كرها، وهذا النكاح كان معروفا في الجاهلية، وقد أخبرت عنه عائشة رضي الله عنها حيث قالت: كان الرهط دون العشرة يدخلون على المرأة فيصيبونها فإذا اجتمعوا عندها تقول لهم: قد عرفتم الذي كان من أمركم، وقد ولدت فهو ابنك يا فلان تسمي من أحبت باسمه فيلحق به ولدها لا يستطيع أن يمتنع عنه الرجل (رواه البخاري).
لعمر الله إن في ذلك امتهان للمرأة في الجاهلية إلى أبعد الحدود فلله الحمد والمنة فلقد أكرم الإسلام المرأة وجعلها تسمو وترتفع عن مثل هذه الدناءة والفجور.
نكاح الاستبضاع
وهو أحد الأنكحة الجاهلية، وصورته أن يأخذ الرجل زوجته ويبحث عن رجل معين فيه صفات عالية كأن يكون رئيسا أو شجاعا أو كريما ونحو ذلك فيجعله يجامعها لكي تحمل منه فتنجب ولداً يحمل صفات عالية كصفات الرجل الذي جامعها.
وتحدث عنه عاثشة أيضاً بقولها: كان الرجل يقول لامرأته إذا طهرت من طمثها أرسلي إلى فلان فاستبضعي منه ويعتزلها زوجها ولا يمسها أبدا حتى تتبين حملها من ذلك الرجل الذي تستبضع منه فإذا تبين حملها أصابها زوجها إذا أحب، وإنما يفعل ذلك رغبة في نجابة الولد (رواه البخاري).
نعوذ بالله من الدياثة والخزي، وإن هذا الفعل القبيح لتتنزه منه بعض الحيوانات فضلا عن بني الإنسان وصدق الله { إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلاً} .
نكاح الخدن
وهو النكاح السري، وقد كان في الجاهلية معروفا وكانوا يقولون: ما استتر فلا بأس، وما ظهر فهو لوم. وقد قال الله فيه: {وَلا مُتَّخِذَاتِ أَخْدَانٍ } .
نكاح البدل
وهو أن يقول الرجل للرجل: اترك لي زوجتك أي تنازل عنها وأتنازل لك عن امرأتي مدة محددة وهذا محرم وهو من الدياثة.
النكاح بالشراء
وهو أن يشتري الرجل الفتاة من أبيها كالسلعة تماما وهو بيع محرم ونكاح قبيح.
النكاح بالوراثة
كان الرجل إذا مات وتحته امرأة أستبق إليها ورثته فأيهم وضع عليها ثوبه فهي له ويتصرف فيه كيف يشاء وقد قال الله فيه: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَرِثُوا النِّسَاءَ كَرْهاً } .
نكاح السفاح والبغاء علنا
وهو أحد صور الفساد الظاهري الذي يجهر فيه أمام الناس دون حياء ولا شرف ولا غيرة كما تفعل البهائم في تلقيحها لبعضها، وهو شبيه بنكاح الرهط إلا أنه أخلع منه فنكاح الرهط يجتمع فيه رجال أقل من العشرة فيجامعون المرأة وقد يكون سرا أما نكاح السفاح والبغي فليس للرجال الذين يزنون بالمرأة حدود فهي قابلة وراضية أن ينكحها عشرات من الرجال بل تدعوهم إلى ذلك أمام الناس وهذا النكاح من أنكحة الجاهلية والذي يوجد في هذه الزمان بعض آثاره ولكن مع التخفي والاستتار غالباً، ويوجد في بعض الأماكن ما هو علني كبيوت الدعارة والفنادق التي تجلب العاهرات والسافرات في تلك الليالى الحمراء كما يسمونها والتي يحلو لهم فيها جمع الراقصات وشرب الخمور ولا حول ولا قوة إلا بالله.
وتحدث عائشة أيضاً عن هذا فتقول: ونكاح يجتمع الناس الكثير فيه فيدخلون على المرأة لا تمنع من جاءها وهن البغايا، كن ينصبن على أبواهن رايات تكون علماً، فمن أرادهن دخل عليهن، وإذا حملت إحداهن ووضعت حملها جمعوا لها، ودعوا لهم القافة ثم ألحقوا ولدها بالذي يرون فالتاطته به.
لا يمتنع من ذلك فلما بعث محمد صلى الله عليه وسلم بالحق هدم نكاح الجاهلية كله إلا نكاح الناس اليوم.
نكاح المتعة :
نكاح المتعة من الأنكحة المحرمة، سمي بذلك لأن قصد الرجل من الزواج التمتع بالمرأة فقط، إلى وقت محدد في العقد فإذا انتهى هذا الوقت المحدد طلقت المرأة منه. وبما أن هذا النوع من الأنكحة شاع جوازه عند بعض الفرق كفرقة الأمامية وهي من فرق الشيعة أو عند الإفرنج والذين يسمونه نكاح التجربة أو عند غيرهم ممن يسمونه النكاح العرفي فرأيت الاستطراد فيه وذكر الأدلة الشافية والوافية لتحريمه والرد على المبيحين له ودحض حججهم الواهية.
فمن أدلة تحريمه قول علي بن أبي طالب رضي الله عنه: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن متعة النساء وعن لحوم الحمر الأهلية زمن خيبر (رواه البخاري ومسلم والترمذي وابن ماجة).
وقول سبرة: أمرنا رسول الله بالمتعة عام الفتح حين دخلنا مكة ثم لم نخرج حتى نهانا عنه (رواه مسلم).
وقد يشكل على البعض وقت تحريم نكاح المتعة لاختلاف الزمن في هذين الحديثين وللعلماء كلام وخلاف وحاول بعضهم الجمع فقال: إن النبي صلى الله عليه وسلم حرم المتعة يوم خيبر ثم رخص فيها بعد ذلك ثم حرمها عام الفتح مرة أخرى ولم يبلغ الترخيص فيها راوي الحديث الأول وهو علي رضي الله عنه قال ابن القيم رحمه الله: وفي حديث سبرة روايات أخرى بأن النهي كان في حجة الوداع وفي روايات شاذة والراجح رواية عام الفتح ومما يدل على ذلك أن إياس بن سلمة قال: قال لأبيه رضي الله عنه رخص رسول الله عام أوطاس في المتعة ثلاثا ثم نهى عنه (رواه مسلم).
وهذا تصريح بأن المتعة أبيحت يوم فتح مكة ثم حرمت.
وقد تكلم أهل العلم في معنى هذا النكاح وبيان حكمه، وقال ابن قدامة:
معنى نكاح المتعة أن يتزوج المرأة مدة مثل أن يقول: زوجتك ابنتي شهرا أو سنة أو إلى انقضاء الموسم... ثم قال: وهذا نكاح باطل نص عليه أحمد فقال: نكاح المتعة حرام.
قال الشافعي رحمه الله: وجماع نكاح المتعة المنهي عنه: كل نكاح كان إلى أجل من الآجال، قرب أو بعد، وذلك أن يقول الرجل للمرأة: نكحتك يوما أو عشراً أو شهراً... ثم قال: وكذلك أي نكاح إلى وقت معلوم أو مجهول، فالنكاح مفسوخ. وقال ابن حزم رحمه الله: ولا يجوز نكاح المتعة وهو النكاح إلى أجل، وكان حلالاً على عهد رسول الله ثم نسخها الله على لسان رسوله نسخاً باتاً إلى يوم القيامة وقال الحافظ بن حجر رحمه الله: قول ((باب نهي رسول الله عن نكاح المتعة أخير)).
تزويج المرأة إلى أجل فإذا انقضى وقعت الفرقة.
وقد ذكر بعض أهل العلم الإجماع تحريمه وبطلانه.
قال الخطابي رحمه الله: تحريم نكاح المتعة كالإجماع بين المسلمين وقد كان ذلك مباحاً في صدر الإسلام ثم حرمه.. إلى أن قال: فلم يبق اليوم فيه خلاف بين الأئمة إلا شيئاً ذهب إليه الروافض.
ونظم في تحريم المتعة أبو الغنائم محمد بن علي الندسي الكوفي فقال:
فهي من كل إنسان
ومن قال حلال هي
كذبتم لا يحب الله
زوجان في طهر
إذا فارقها هذا
ألا يا صاح فأخبرني
بما قد قيل في المتعة
كمن قد قال في الرجعة
شيئاً يشبه الخدعة
وفي طهر لها سبعةِ
أخذها ذلك بالشفعة
لها في رحمها متعةِ
حجج المبيحين لنكاح المتعة
احتجوا بحديث جابر بن عبد الله وسلمة بن الأكوع كما جاء عن البخاري أيضا قالا: كنا في جيش فأتانا رسول الله فقال: إنه قد أذن لكم أن تستمعوا فاستمتعوا (رواه البخاري) والرد عليه:
أن جابر ومن تمتع في عهد أبي بكر وعمر من الصحابة لم يبلغهم التحريم الوارد في حديث علي أو حديث سبرة المتقدمين.
وأيضا كان عمر نهى عن المتعة عن لسان جابر كما عند مسلم، وعمر خليفة راشد فنحن مأمورين باتباع سنته.
واحتجوا أيضا بأن ابن عباس أباح نكاح المتعة، والرد عليه :
هذا الكلام صحيح فإن ابن عباس رضي الله عنه أفتى بجواز المتعة ولكن لم يفتي بالجواز على الإطلاق وإنما قيد ذلك بالضرورة كأن يكون الشخص يخشى على نفسه الوقوع في المحرم ثم أنكر الصحابة عليه إذ هو بشر يصيب ويخطئ فتراجع عن قوله وإليك ما قاله ابن القيم قال: وأما ابن عباس فإنه سلك هذا المسلك في إباحته عند الحاجة والضرورة و
الصفحة الأخيرة