المعاكسات وما أدراك -1-

الأسرة والمجتمع

بداية.. ظللتُ.. أفكر.. كيف ينشأ الشاب المعاكس!! ذلك الشاب الذي لا يهتم كثيراً لشرع الله

الذي أمره بغض البصر, ولا يخاف على محارمه عندما يعتدي على حرمات الناس, خاصة

عندما تتجاوز المعاكسة حدود النظرة والكلمة. لاشك أن الأمر في بدايته يعود إلينا. فنحن نُشكّل

صوراً متباينة تساهم في تكوين مفاهيم الشباب واتجاهاتهم, حيث أن بعضنا أسس وربى

وغرس مقومات الدين الحنيف وأصول التربية السليمة في نفوس أبنائه فكانوا من الناجحين

البررة الذين هداهم الله وأنار بصائرهم ووجّههم بفضله نحو سبل الحق والصواب, ومنا من

أعطى المال ولبّى أدق الاحتياجات والكماليات ثم انصرف في طمأنينة, لم يُوجّه ولم يهتم, كل ما

يعرفه هو أن الشباب بحاجة إلى اللهو والانطلاق وأنهم إن عاجلاً أو آجلاً سيتحملون

مسؤولياتهم ويتعلمون كيفية التعامل معها. هنا.. قد يفلح الكثير من الشباب ويحسن استغلال

الثقة, لكن بعضاً آخر قد يستجيب لهوى النفس أو لأصدقاء السوء أو لحب التقليد مما يدفعه

لإساءة استخدام الثقة أو الانحراف أو عدم التفكير في العواقب. أما النوع الثالث منا كآباء وأمهات فهو ذلك النوع الذي يتبنى مفاهيم لم يأت بها القرآن الكريم ولا السنة المطهرة ولا

العقل أو المنطق لكنه يتعامل مع أبنائه بموجبها في كل الظروف. فهو يربي أبناءه الذكور

استناداً لمقولة (الولد ما يعيبه) فيرى بأم عينه انحراف أبنائه وسوء سلوكهم فلا يُحرك ذلك في

نفسه أي شيء, بل قد يعتبر ذلك من الأمور الطبيعية التي لابد وأن يمر بها الشباب في بداية

حياتهم. لذا فهو يترك الأمور على حالها بالرغم من أنه قد يضيق على بناته ويحرمهن حتى من

حقهن الطبيعي في اللهو البريء. أما النوع الرابع منا فيصنعه أولئك الذين لا يُشكلون قدوة

طيبة لأبنائهم في هذا المجال حيث أنهم من ذلك النوع الذي لا ينفك يتحدث عن النساء ويتغزل

بهن جهراً في حضور أبنائه الشباب دون رادع من دين أو خلق, مما يؤدي في الغالب إلى تعود

أولئك الصغار على هذه الأمور واعتناق المفاهيم نفسها والسير في الطريق الخطأ بكل بساطة

دون أي صعوبة تذكر.

لذا أتصور أن الشباب الذين ينشأون في بيوت تحتوي تلك الأنواع الثلاثة الأخيرة من الآباء

والأمهات هم الذين يشكلون في الغالب الشباب المعاكس. وإلا.. ما هذا الذي نراه حولنا من

مطاردة البنات وملاحقتهن, ونثر أرقام الهواتف عليهن??

كيف يجرؤ الشباب على فتح أبواب السيارات في الشوارع وإعطاء الأرقام رضيت البنات أم لم

يرضين?!

لماذا يفقدون عقولهم وهم يطوقون السيارات التي تركبها البنات أو أي جنس امرأة ويقومون

بحركاتهم السخيفة لدرجة تدخل الرعب إلى القلوب?? كلنا يعرف قصص الحوادث التي أدت إلى

موت بعض الفتيات بسبب الملاحقة السريعة التي أفقدت السائقين قدرتهم على السيطرة على

سياراتهم, وما أكثر الشباب الذين يتجاوزون الإشارات الحمراء ليلحقوا بسيارات البنات

مُعرّضين أرواحهم وأرواحهن بل وحتى أرواح الآخرين لخطر الموت والدمار. تقول إحدى

البنات في ورقة إجابتها: (كنت وأمي في طريقنا إلى المستشفى حين كانت حرارتي عالية جداً

وأخذ ثلاثة شباب يركبون سيارة صغيرة (يسقطون) على سيارتنا من اليمين واليسار حتى كدنا

نتعرض لحادث عدة مرات وكادت أمي تلغي زيارة المستشفى لشدة خوفها), وتقول أخرى:

(كنت وأخواتي في طريقنا إلى السوق ولا يظهر منا أي شيء باعتبار أن السيارة سوداء

ومظللة بالكامل, وفجأة توقفنا في الإشارة, فنزل شاب من سيارته وألطق ورقة بها رقم هاتفه

على الزجاج من الخارج دون أن يعرف حتى إذا كان هناك أحد في السيارة أم لا) فهل يعقل

هذا?! ثم هل يرضى الشاب أن تتعرض أخته مثلا لكل هذه المعاناة من الشباب الآخرين? كتب

أحد الشباب المجيبين على ورقة الاستطلاع قائلاً: (لماذا يحزن الشاب ويكتئب ويغضب حين

يرى أخته مع شاب غريب بينما هو يخرج مع بنات الناس بكل سعادة وانبساط??) ثم ماذا بشأن

المتسكعين الذين يستأجرون النساء الوافدات للدخول إلى الأسواق التي يُمنع دخول الشباب

إليها منفردين فما الذي يريدونه من تلك الأسواق وهم يقطعونها طولاً وعرضاً دون هدف محدد

إلا معاكسة النساء ومضايقتهن?!

ترى, هل فكر الشاب ولو لدقائق, ما الذي يجنيه من كل هذا الذي يفعله!! هل تعادل تلك المتعة

العابرة ما يتحمله من إثم وما يفقده من احترام الآخرين وحتى من احترام نفسه!! لقد كتب أكثر

من شاب في ورقته يبين أنه يدهش اليوم لحال نفسه عندما يفكر فيما كان يفعله في هذا الشأن,

بل إن أحدهم كتب يقول (وأشعر بالخوف من أن تتعرض ابنتي أو زوجتي لبعض ما كنت أفعل)

فكيف لا يُحاسب الشاب نفسه قبل أن يُحاسب??

أعرف أن بعض البنات قد يتبرجن أو يتحرشن بالشباب, ولكن المفروض في الشاب الذي يخاف

الله ويحترم نفسه وثقة من حوله ألا يتجاوب مع تلك الفئة مهما حدث, وما أكثر الشباب الذين

يمثلون فعلاً تلك النوعية المحترمة التي ترفض التجاوب بل وتتجنب تلك المواقف المريبة

وتخشى على نفسها منها, ولا أشك في أن هذه الفئة الصالحة تدرك أن عقاب الله لا يفرق بين

الذكر والأنثى, وأنه وكما كتب بعض الشباب والبنات في أوراقهم فإنه (كما تدين تُدان).. صحيح

أن لأسلوب التربية المتبع كما قلت في البداية تأثيره الكبير على تشكيل شخصية الشاب

وأخلاقياته, لكن المفروض في هذا الزمن الذي أصبح الشاب والفتاة فيه أكثر وعياً وإدراكاً أن

يكون الواحد منهم قادراً على التفكير بنضج وعقلانية حتى يميز بين الصواب والخطأ, لم يعد

(الولد ما يعيبه) في هذا الزمان, فلا أتصور أني وغيري من الأمهات نرضى لبناتنا أزواجاً

مستهترين يتلاعبون بأعراض البنات ويعيشون قصصاً مخجلة قد تنعكس نتائجها على حياتهم

فيما بعد.

بقي أن أقول أنه قد تكون هناك عوامل جانبية تدفع للمعاكسات كما يقول البعض مثل الفراغ

وافتقاد البديل المناسب وما أشبه ذلك, لكنني أعتبر ذلك حجة العاجز لأن المسلم السوي يعرف

كيف يحول السلبيات إلى إيجابيات مهما كانت الظروف.

كتب أحد طلبة رابعة طب بشري في ورقته يقول: (على الشباب غض البصر ومعاملة البنات

كأخواتهم وترك الصحبة السيئة وتذكر قصة يوسف عليه السلام مع زوجة العزيز وقصة

موسى عليه السلام مع الفتاتين, مع أهمية إعطاء فرصة للشباب لاستغلال فراغهم فيما

ينفعهم من الأنشطة المختلفة كإنشاء ما يعرف في أمريكا بـSocial Service حتى يستفيد

الشباب من أوقاتهم مع ضرورة السعودة حيث أن العمل يقضي على الفراغ, وأهمية تذكر أن

ما يفعله الإنسان مع بنات الناس سيحدث لبناته).


___________________________________________
3
666

يلزم عليك تسجيل الدخول أولًا لكتابة تعليق.

تسجيل دخول

ماوية
ماوية
موضوع جيد, واسلوب ممتاز ,,
جزاك الله خير ,,
*بشائر الفجر*
*بشائر الفجر*
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ...
جزاك الله كل الخير على ما خطت يداك ..
موضوع قيم
جعله الله في ميزان حسناتك
وننتظر الحلقات الباقية ..
الزهره الحزينه
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ..

أخي العزيز انا أوافقك الرأي في كل ما قلت عدا أنني أضع الذنب الأول والأخير يعود الى الأب وليس الأم لان الأم حنونه بطبعها ولاتستطيع السيطره على المواقف بشكل جيد لكن الأب يستطيع ان يردع ابنه ويربيه التربيه السليمه ولكن لو نظرنا الى أباء مجتمعنا وأحصينا عدد المطلقات من دون سبب غير ان الزوج أحب ان يذهب الى ملذاته ويترك خلفه أسره لا يهمه أن تشتت ام لا ولا يهمه أبنه ماذا يفعل هل تربى جيدا ام لا وبعض الآباء يقدمون للأبنائهم المال ويظنون بذلك أنهم قد أذوا واجبهم نحو ابنائهم وغيرهم من الآباء الذين يعودون للبيت في وقت متأخر وكأن المنزل فندق للنوم والاكل فقط ولو سألت أحدهم في أي صف يدرس ابنه لما أجابك أبدا وغيرهم وغيرهم من الآباء الذين يطول الحديث عنهم وبعد كل هذا هل نتوقع أن يأتي جيل أو أبناء متمسكين با الدين والأخلاق العاليه من هنا أذن تنشأ المشكله ليأتي الشباب المتهورين ليبيعوا قيم دينهم أمام العبايات السوداء ليس هناك من يوعيهم أو يذكرهم بأخواتهم وأعراضهم ماذا لو حدث لهم مثل ما يحدث مع هؤلاء البنات ..
أخي العزيز ..
كم وكم من الفتيات ضاعت حياتهم ومات شبابهم أمام هؤلاء الوحوش البشريه وكم من فتاة امضت حياتها في السجن دافعه ثمن نزوة شاب لم يعرف أهله كيف يربونه , وماذا عن الفتيات الذين تتشوه سمعاتهن لأنهم قد أطاعوا شيطان الشباب الماكر وخرجن من بيوتهن ليركبن كع شاب لا يعرفونه سيارته الفخمه التي امنها له الأب المستهتر ليعودوا بعد ذلك من دون سمعه فلا يجدن من يتزوجهن ..

واذا تكلمنا في هذا النطاق فسيطول الحديث ولكن لن نجد من يسمعنا أو يصغي الينا ..
( قد أسمعت لو ناديت حيا ولكن لا حياة لمن تنادي )

مع تحياتي ..
الزهره الحزينه ..