المفاتيح الصغيره

الملتقى العام

حكي لي ذات مرة عن شخص كان مهتماً بقراءة الكتب التي تتحدث عن عالم الطفولة: سماتها وخصائصها، أسسها ومبادئها، وفنون التعامل مع المنتمين إلى هذا العالم، وأهمية "النزول" لمستويات إدراكهم لتحقيق التفاهم المشترك، وإيصال الرسائل إليهم من خلال ما يطيقون فهمه ويجدون فيه رغبتهم واهتمامهم..

إلى الآن يبدو الأمر اعتيادياً ومفهوماً، فربما كان لهذا الشخص تعلق خاص بالطفولة، وربما لأنه أب مهتم أو أخ حريص.. أو يجد في مثل هذه الموضوعات متعة ثقافية أو تربوية.. ومثل ذلك.

ولكن بالنسبة إلى ذلك الشخص بالذات، فإن الدافع الحقيقي وراء هذا الإقبال على كتب الأطفال، كان -عندما سمعت عنه - غريباً جداً..

كان غريباً للدرجة التي تجعلك تفقد القدرة على إيجاد التعليق المناسب لتصف غرابته.. وكأن محرك البحث عن الأفكار يأخذ وقتاً أطول من المعتاد ليبحث عن معنى مناسب لما تود قوله للحظات..

كان يقرأ كتب الأطفال، ليتعلم منها كيفية التعامل مع الكبار.. هكذا ببساطة.

واليوم، وبعد مرور أكثر من 10 سنوات على سماعي لهذه الحكاية، أدركت أن للأمر سر لطيف، ووراءه حكمة عجيبة.. تمنيت لو أنني لم أتركها تمر علي مر السحاب، ولصارت عندي اليوم واحدة من أضخم مكتبات "كتب الأطفال" على الإطلاق!

لقد أقنعتني خبرتي في الحياة الشخصية والعملية، أن المفاتيح (الصغيرة) هي التي يمكنك الدخول بها إلى عالم الكبار، والوصول إلى نفوسهم من أقصر طريق، ومن ثم أخذ ما تريد بسرعة، والخروج بنفس الطريقة.. بينما تتكسر المفاتيح الكبيرة بسهولة من المحاولة الأولى، ولا يمكن الاعتماد عليها للدخول إلى نفس العالم.. عالم الكبار.

وحتى لا نضيع في الكلام المشفر.. تأمل هذه الأمثلة:
اعتادت بنت صغيرة أن تذهب إلى المدرسة كل صباح ويداها متسختان…
رأت مدرِّستها أن وسخ يديها يبقى على حاله كلَّ يوم. ولم ترد المدرّسة اللطيفة أن تجرح شعور البنت، و قد أحسّت أنها لا تحظى في بيتها بالعناية اللازمة من أبويها، وهكذا حاولت تدارك الأمر بنفسها…
في أحد الأيام توجهت المدرسة إلى تلميذتها و قالت: ما أجمل يديك! لماذا لا تذهبين وتغسلينهما لكي يرى الجميع جمالهما؟
ذهبت الصغيرة مبتهجة وغسلت يديها وعادت مشرقة الوجه، ثم مدت يديها أمام المدرسة مفاخرة.. ضمتها المعلمة بذراعيها وقالت: صحيح ما أجملهما! أرأيت الفرق الذي نتج باستعمال قليل من الماء والصابون؟
بعد ذلك صارت الفتاة تأتي إلى المدرسة كل يوم أنظف مما قبله حتى أصبحت من أكثر التلميذات نظافة وترتيباً.

يقول المختصون:
إن الطفل كلما سمع المدح والثناء لفت انتباهه هذا المديح، وبعث في نفسه الفخر والاعتزاز والدافعية للعمل والإنجاز والقوة لبذل المزيد في كل ما يحقق له مدحاً أو رضاً من الآخرين.

وأقول: لقد كانت هذه الطريقة – ولا زالت – من أقوى المحفزات على العمل والانجاز.

ولكن هنا لفتة مهمة..

نحن نعلم أن الحاجة لسماع الثناء من حين لآخر يعد استجابة لرغبات نفسية موجودة لدى الصغار والكبار.. ولكن هناك اختلاف بسيط في آلية المدح عند الحديث عن الصغار بالذات..

مدح الكبار دائماً مكشوف ومشكوك في أسبابه.. وعندما يمدحك شخص (وأنت كبير) قد تشعر بانقباض بسيط في حجابك الحاجز، وتبدأ في أخذ وضعية (الله يستر..المدح هذا وراه شي).. لأنه مدح مباشر وقد يبدو أنه من غير مناسبة..

لكن مدح الصغار ساذج وعفوي، وغير مباشر، ويرسم في مخيلة الطفل المكان الذي تود وضعه فيه دون أن يشعر بنواياك المخفية.. وهذه هي الطريقة التي تصنع فرقاً في عالم الكبار بلا شك..
جرّب هذه الطريقة مع زوجتك وسوف تقوم بعمل ما تريده وهي في قمة السعادة والرضى.

مثلاً.. لا تقل: إن كعكة الليمون التي صنعتيها بالأمس لذيذة ورائعة.. (كلام جميل.. لكنه مباشر: أسلوب كبار)، وقل: لقد سألني أصدقائي عن اسم ومكان محل الحلويات الذي اشتريت منه كعكة الليمون، ولم يصدقوني عندنا أخبرتهم أنها من صنع زوجتي الرائعة.. (أسلوب غير مباشر: أسلوب مدح الصغار).

وهكذا أقول..
جربي – أيتها الزوجة - هذه الطريقة مع زوجك وسوف يلبي رغباتك وهو في نفس القمة: سعيداً راضياً.
وجرب – أيها الموظف - هذه الطريقة مع رئيسك في العمل وسوف تصبح بيئة عملك مريحة وممتعة، وستحصل على حقوقك الوظيفية بدون خصومات ومعارك.. (مجربة وناااااااجحة جداً).
وجرب هذه الطريقة مع موظفيك وسترى منهم أداءاً يفوق المتوقع (عن تجربة شخصية).. وهكذا..


مما راق لي
4
407

يلزم عليك تسجيل الدخول أولًا لكتابة تعليق.

تسجيل دخول

الباريسيـه
الباريسيـه
حركتات
مسك الطائف
مسك الطائف
رفع
زهورملونة
زهورملونة
تسلمى طرح جميل
ام أياااد
ام أياااد
اختيار موفق لموضوع رائع