الملتزمين كلهم كذا!!!

الأسرة والمجتمع

كثيرا ما يسمع من عوام المسلمين عبارة التشدد والتنطع على من تمسك بدينه،
فما هو ضابط التشدد -حفظكم الله-


من عمل بالكتاب والسنة فليس متشددا، وهذا مما ينبذ به بعض الناس الذين يكرهون أهل الخير فينبذونهم،
يقولون: متشددون، موسوسون، كذا، ينبذونهم بالوسوسة والتشدد والتنطع.
إذا كان الفرد المسلم مستقيما على طاعة الله،
ومؤديا فرائض الله، ثم نبذ بذلك؛ فهذا مثل ماكان ينبذ الكفار النبي ، ويقولون: مجنون، شاعر، كاهن.

أما إذا كان الشخص عنده تشدد مثل ما ذكر النبي، يتشدد في العبادة، يزيد، يتعب نفسه،
فهذا هو مثل ما قال النبي : لن يشاد الدين أحد إلا غلبه  أو مثلا يتجاوز الحد المشروع؛
فهذا قد يقال: إن هذا خالف المشروع،
أما إذا كان مستقيما، يؤدي ما فرضه الله عليه، ينتهي عن ما حرمه الله، عنده ورع عن المعاصي؛
فلا ينبغي لإنسان أن ينبذه بهذا،
ونبذه بهذا من المعصية ومشابهة للمشركين، نعم.

العلامة الدكتور / عبد العزيز بن عبد الله الراجحي



لا شك أن من أعظم النعم الالتزام ( الاستقامة ) بشرع الله والتمسك به , والعض عليه بالنواجذ ,
فمن وفقه الله لذلك فقد وفق لخير عظيم , ومن حُرم من ذلك فقد حُرم من خير عظيم .
ويجب على كل إنسان أن يلتزم بدين الله .
قال تعالى : (( يا أيها الذين آمنوا ادخلوا في السلم كافة ))

وقال أيضًا : (( واعتصموا بحبل الله جميعًا ولا تفرقوا ))

وقال صلى الله عليه وسلم : (( عليكم بسنتي وسنة الخلفاء المهديين الراشدين تمسكوا بها وعضوا عليها بالنواجذ ...))


ولذلك فالانحراف في مفهموم الالتزام أمر خطير , وصد عن دين الله ,
وما أكثر هذه المفاهيم التي تصد عن الالتزام بالدين ,
وهذا بعض البسط لصور من هذه المفاهيم الخاطئة
نقلا من كتاب (( كلمات في الالتزام )) -


(( 1- انحراف مفهوم " التشدد والغلو " عن معناه الشرعي :

فمن الناس من يضن أن التمسك بالسنن, والمحافظة على أوامر الله , وترك ما حرم الله ؛
نوع تشدد وتنطع في الدين ,
ولذا ترى بعض هؤلاء كثيراً ما يستدل بحديث ( هلك المتنطعون ) رواه مسلم .
في غير محله , وقد يتخذه سبباً لتنفير الآخرين من سلوك طريق الصالحين , والثبات على الالتزام بالدين .


ويجاب عليهم :
بأن أهل العلم قد حددوا المعنى الشرعي للغلو والتنطع والتشدد ,
قال شيخ الإسلام ابن تيمية :
" الغلو : مجاوزة الحد بأن يزاد في الشيء , في حمده أو ذمه , على ما يستحق ونحو ذلك .
إذاً الغلو في الدين هو : تجاوز الحد الشرعي بالزيادة ,
فمن صام النهار ولم يفطر , فقد زاد على ما فعله النبي صلى الله عليه وسلم ,
ومن قام الليل ولم ينم , فقد زاد على سنته صلى الله عليه وسلم ,
ومن امتنع عن الزواج , فقد ترك ما شرع الله ورسوله صلى الله عليه وسلم.


أما من التزم الفرائض , وحافظ على الأوامر الشرعية , واجتنب النواهي ؛ فليس ذلك من الغلو بحال ,
بل هو من الدخول في الإسلام كافة الذي أمرنا الله به في كتابه الكريم .
والأولى بهؤلاء أن يتقوا الله , ويعترفوا بتقصيرهم لا أن يرموا المتقين بما هم بعيدون عنه!!.


2- انحراف مفهوم" الوسطية" عن المعنى الشرعي :

فإن من الناس من يظن أن ما هو عليه من ظلم لنفسه , وتقصير مع ربه أنه هو " الوسط "
وأن ما يقوم به أهل الالتزام والاستقامة هو نوع من التشدد والتنطع .


ويجاب عليهم :
أن هذا القول يلزم منه رمى الرسول صلى الله عليه وسلم بأنه كان متشدداً - وحاشاه عن ذلك –
ويلزم منه أن الصحابة رضي الله عنهم وهم خير القرون كانوا أهل تشدد وتنطع,
والحق أن أصحاب هذه المقالة لو أدركوا ما يقولون ؛ لما قالوا بها ,
ولقد قرر العلماء الحد الشرعي للوسطية فقالوا :


الوسطية في الإسلام :
هي لزوم أوامر الشرع , وترك نواهيه بحسب الوسع , وهو فعل الرسول صلى الله عليه وسلم ,
وعليه سبيل السلف رضي الله عنهم ...
والأولى بأصحاب هذا القول أن يعترفوا بتقصيرهم , وأن يشمروا عن ساعد الجد , ويسلكوا سبيل الهداية ؛
ليكونوا أمة وسطا كما أراد الله ,
قال تعالى :** وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا ...}


3- انحراف مفهوم " الدين يسر " عن المراد الشرعي :

فإن من الناس من يبرر تقصيره وإضاعته لكثير من الواجبات الشرعية بأن : " الدين يسر " .
والبعض يتلاعب بالأوامر الشرعية , فيأخذ منها ويدع بحسب هواه ؛ لأن الدين يسر ,
وتراه يردد قول الله : ** وما جعل عليكم في الدين من حرج ...}


ويجاب عليهم :
أن السنة العملية للرسول صلى الله عليه وسلم جرت على وفق اليسر والتيسير
(ما خير النبي صلى الله عليه وسلم بين أمرين إلا اختار أيسرهما ما لم يأثم فإذا كان الإثم كان أبعدهما منه ...)رواه البخاري ومسلم .


إذاً : الضابط لمسألة اختيار الأيسر في العبادات , وكذا في المباحات هو :
عدم الوقوع في الإثم , فالذين يعصون الله ويجاهرون بذلك , ويحتجون بيسر الدين ,
يقال لهم أن أنتم من هذا الحد الشرعي ؟


ولذا الصحيح أن " هذا التيسير هو التيسير الجاري على وفق الشرع لا على وفق الأهواء ؛
إذ لو كان كذلك لما كان ثمة تكليف أصلا , فإن التكليف فيه نوع مشقة "
تكرهها النفوس , وقد قال صلى الله عليه وسلم ( حفت الجنة بالمكاره ... )رواه مسلم .
ولولا وجود المشقة ؛ لما أمرنا الله بالصبر و المصابرة , ولما خفف علنا بالرخص .



4- التوهم بأن الالتزام سبب للوسوسة !!

فتجد أحدهم يسرد لك الوقائع ويضرب لك الأمثلة المختلفة ..
فمرة يقول : فلان التزم فوجده أهله بعد حين يقيس شارعاً طولاً وعرضاً , فلقد اختل عقله بعد تدينه !!

أو يحكي لك فيقول : فلان تدين وصار يلوم نفسه , فوجدوه قد خنق نفسه في بيته وانتحر ليكفر عن سيئاته !!


ولا يشك عاقل أن القصص هذه محض كذب وافتراء على الملتزمين بدين الله .
ويكفي جواباً على هذا الزعم : أن نرى المصابين بالوسوسة هم الذين يقبلون أفواجاً على الملتزمين الصالحين ليجدوا عندهم أسباب الشفاء إما بقراءة القرآن أو بدعوة صالحة .



5- التوهم بأن الالتزام دين جديد لم يكن عند الآباء والأجداد !!

فتجد أحدهم يردد ويقول : إن ما يفعله هؤلاء الملتزمون دين لم يفعله آباؤنا ولا أجدادنا إنا هو دين من عند أنفسهم !

ويجاب على هذا الزعم :
بأن الحكم في مثل هذه الأمور يرجع فيه إلى ما ثبت في الكتاب والسنة ,
وإن قصر الآباء والأجداد أو بعضهم في التمسك ببعض ما شرعه الله فأمرهم إلى الله ,
أما تطبيق من بعدهم للسنن والفرائض بصورة صحيحة فهذا هو المشروع وهم مأجورون بإذن الله .


6- انحرف مفهوم " ساعة وساعة " عن المراد الشرعي :

فمن الناس من يردد كثيرًا : " ساعة لربك وساعة لنفسك "
فيجعل الترويح عن النفس بما حرم الله في الساعة التي يجعلها لنفسه ,
والصلوات وتلاوة القرآن في الساعة التي يجعلها لربه ,
ولذلك أصحاب هذه المقالة يرون ما هم عليه من غفلة وتفريط أنها حالة عادية !


ويجاب عليهم :
بأن الحياة والأوقات كلها لله , قال تعالى :** قل إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين *
لا شريك له وبذلك أمرت وأنا أول المسلمين }




7- انحراف مفهوم قوله تعالى : ** لا يكلف الله نفسًا إلا وسعها } عن المراد الشرعي:

فيحتج بعضهم بهذه الآية على تقصيره وتفريطه ,
وترى أحدهم يقول : أن ما فعله النبي صلى الله عليه وسلم إنما يطيقه الأنبياء وحدهم ,
والصحابة رضي الله عنهم كانوا خير القرون , وهم أعلى الناس منزلة بعد الأنبياء ,
فمن المحال أن نستقيم كما استقاموا !! ولا يكلف الله نفسًا إلا وسعها .. هكذا يقولون !


ويجاب عليهم :
بأن هذا القول يلزم منه : تعطيل اتخاذ النبي صلى الله عليه وسلم أسوة وقدوة ,
وقد قال تعالى :** لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر وذكر الله كثيرًا }
قال ابن كثير في تفسيرها :
" هذه الآية أصل كبير في التأسي برسول الله صلى الله عليه وسلم في أقواله وأفعاله وأحواله "


ويلزم من هذه المقولة أيضاً : تعطيل الأمر الشرعي بسلوك سبيل المؤمنين ,
ومتابعة الخلفاء الراشدين رضي الله عنهم أجمعين ,
وقد قال الله تعالى :** ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى ويتبع غير سبيل المؤمنين نوله ما تولى ونصله جهنم وساءت مصيرًا .
وقال صلى الله عليه وسلم :(...عليكم بسنتي وسنة الخلفاء المهديين الراشدين تمسكوا بها وعضوا عليها بالنواجذ ..)رواه أبو داود وابن ماجة وأحمد والدارمي.



8- انحراف مفهوم قوله صلى الله عليه وسلم : ( ... التقوى ها هنا .) عن المراد الشرعي :

فالبعض يحتج على تفريطه وتقصيره بأن المهم سلامة القلب ووجود التقوى ,
وترى أحدهم يستدل بحديث باطل مشهور وهو : ' نية المؤمن خير من عمله '
أو يستدل بقوله صلى الله عليه وسلم :( إنما الأعمال بالنيات ...) ويقول : ' المهم النية , والنية طيبة والحمد لله ' !!
أو يشير إلى صدره ويقول :' التقوى ها هنا ' كما فعل صلى الله عليه وسلم ,
وبهذا المفهوم الخاطئ للحديث النبوي
يستغني هؤلاء عن التفكير الجاد في العودة إلى الله , والاتلزام بدينه في يوم ما .


ويجاب على هؤلاء :
بأنه لا حجة لكم فيما ذهبتم إليه , فإن الأحاديث بمجموعها تدل بمعانيها الصحيحة على خلاف ما زعمتم ,
ومن ذلك :
أولاً: كيف تستدلون بحديث ( إنما الأعمال بالنيات ...) على التقصير في الأعمال الشرعية, أو تركها بالكلية !!
بينما الحديث ينص على وجود الأعمال , وأن الأجر عليها إذا وجدت مرتبط بالنية ,
ولذلك قال صلى الله عليه وسلم بعدها: (وإنما لكل امرئ ما نوى)


ثانياً : من قال بأن ' الإيمان في القلب ولا يلزم النطق به باللسان والعمل به بالجوارح' فقد شابه جهمية المرجئة.
أما أهل السنة والجماعة , فيعتقدون بأن الإيمان : اعتقاد بالجنان, وقول باللسان , وعمل بالأركان ,
يزيد بالطاعات , وينقص بالعصيان , فهل يجوز للمسلم أن يقول بقول أهل البدع ويخالف سبيل المؤمنين ؟


ثالثاً :
قال ابن أبي العز الحنفي ' شارح العقيدة الطحاوية ' ما نصه "' ولا شك أنه يلزم من عدم طاعة الجوارح عدم طاعة
القلب
إذ لو أطاع القلب وانقاد , لأطاعت الجوارح وانقادت , ويلزم من عدم طاعة القلب وانقياده عدم التصديق المستلزم للطاعة ,
قال صلى الله عليه وسلم : ( إن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله وإذا فسدت فسد الجسد كله ألا وهي القلب) فمن صلح قلبه , صلح جسده قطعًا .


9- الاقتناع بشبهة تقسيم الدين إلى ' أوصول وقشور'

فيجعلون أكثر السنن من قبيل القشور التي لا قيمة لها في الدين إلا كقيمة القشر من الثمرة !
وعلى هذا : فالالتزام عندهم شكليات , ومظاهر ليس بالضرورة التمسك بفروعها .


ويجاب على هؤلاء :
بأن ' تقسيم الدين إلى قشور ولب ' تقسيم خاطئ , وباطل , فالدين كله لب , وكله نافع للعبد ,
وكله يقربه لله عزوجل , ويثاب عليه , وكله ينتفع به المرء بزيادة إيمانه ,
وإخباته لله حتى المسائل المتعلقة باللباس والهيئات , وما أشبهها ..
والقشور – كما نعلم – لا ينتفع بها , بل ترمى , وليس في الدين الإسلامي و الشريعة الإسلامية ما هذا شأنه ,
بل كل الشريعة لب ينتفع به المرء إذا أخلص النية لله , وأحسن في اتباعه رسول الله صلى الله عليه وسلم ,
وعلى الذين يرجون هذه المقالة , أن يفكروا في الأمر تفكيرًا جديًا , حتى يعرفوا الحق , ثم عليهم أن يتبعوه
, وأن يدعوا مثل هذه التعبيرات ... ' ] مجموع فتاوى الشيخ ابن عثيمين .


10- عدم التفريق بين السنة الواجبة والسنة المستحبة :

فإن بعض الناس كثيرًا ما يردد ' هذا العمل سنة لا يضر تركه '
فهؤلاء يفهمون أن كل ما جاء في السنة فهو مما يثاب فاعله , ولا يعاقب تاركه ,
ومن فعله فقد أحسن لنفسه , ومن تركه فقد فاته أجره فحسب .
ولذلك لا يعملون بكثير من السنن الواجبة بسبب هذا الفهم القاصر والجهل المركب .


ويجاب على هؤلاء :
أن هناك فرق بين السنن الثابتة عنه صلى الله عليه وسلم :

فمنها ما هو واجب , كقوله صلى الله عليه وسلم : (صلوا كما رأيتموني أصلي ...)

ومنها ما هو من قبيل المستحب المندوب إليه
كقوله صلى الله عليه وسلم :(ما من عبد مسلم يصلي لله كل يوم ثنتي عشرة ركعة تطوعًا غير فريضة إلا بنى الله له بيتًا في الجنة)

ومن السنة ما هو خاص بالنبي صلى الله عليه وسلم دون أمته
كوجوب التهجد وقيام الليل , وكإباحة الزيادة على أربع نسوة (في النكاح)هذا جانب .


والجانب الآخر هو : أين هؤلاء من قوله تعالى :( فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم

وأين هؤلاء من حرص الصحابة على التزام سنته صلى الله عليه وسلم ,
حتى قال أبو بكر الصديق رضي الله عنه: لستُ تاركًا شيئًا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعمل به إلا عملت به ...
إني أخشى إن تركت شيئًا من أمره أن أزيغ ' انتهى


(( من كتاب كلمات في الالتزام , عادل بن محمد العبد العالي ))
15
1K

يلزم عليك تسجيل الدخول أولًا لكتابة تعليق.

تسجيل دخول

:كلمة طيبة:
:كلمة طيبة:
يعطيك العافية قلوبة
ملح الملامح
ملح الملامح
جزاك الله خير
اسيل88
اسيل88
جزاك الله خير
قرناصة
قرناصة
بارك الله فيك وزادك علما
تاج راسيk
تاج راسيk
مشكوره علي مجهودك الرائع
وجزاك الله الف خير