الموازنه بين الحسنات والسيئات

ملتقى الإيمان

الموازنة بين الحسنات والسيئات



اجاب عليها فضيلة الشيخ سليمان الأصقه
التاريخ 8/8/1429
السؤال
فضيلة الشيخ:
هل يكفي أن تكون حسنات المؤمن أكثر من سيئاته حتى ينجو من النار؟ سبب السؤال شيخي الفاضل هو ما ورد في كتاب الله. بل أقول: كيف نوفق بين هذا وقوله تعالى: "ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره"، وقوله تعالى: "من يعمل سوءا يجزى به". وشكراً.


الجواب
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:
نعم.. يكفي أن تكون حسنات المؤمن أكثر من سيئاته حتى ينجو من النار؛ ولذا كثيراً ما يُقرن في النصوص الشرعية بين الحسنات والسيئات، قال تعالى: (إِنَّ اللَّهَ لا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا وَيُؤْتِ مِنْ لَدُنْهُ أَجْراً عَظِيماً) (النساء:40)، وقال تعالى: (مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا وَمَنْ جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلا يُجْزَى إِلَّا مِثْلَهَا وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ) (الأنعام:160)، وعن ابن عباس رضي الله عنهما عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما يرويه عن ربه تبارك وتعالى قال: "إن الله كتب الحسنات والسيئات ثم بين ذلك، فمن همّ بحسنة فلم يعملها كتبها الله عنده حسنة كاملة وإن هم بها فعملها كتبها الله عنده عشر حسنات إلى سبعمائة ضعف إلى أضعاف كثيرة، وإن هم بسيئة فلم يعملها كتبها الله عنده حسنه كاملة وإن هم بها فعملها كتبة الله سيئة واحدة" أخرجه البخاري برقم 6491، ومسلم برقم 131، وزاد مسلم في رواية "أو محاها الله ولا يهلك على الله إلا هالك" وفي صحيح مسلم برقم 2687 عن أبي ذر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يقول الله عز وجل: من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها وأزيد ومن جاء بالسيئة فجزاء سيئة مثلها أو أغفر" الحديث، وأخرج أحمد برقم 6498، والبخاري في الأدب المفرد برقم 1216، وأبو داود برقم 1502، وأبو داود برقم 3410، وابن ماجه برقم 926، والنسائي 3/74، وفي الكبرى برقم 1272، وصححه الترمذي من حديث عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "خلتان من حافظ عليهما أدخلتاه الجنة وهما يسير ومن يعمل بهما قليل" قالوا: وما هما يا رسول الله؟ قال: "أن تحمد الله وتكبره وتسبحه في دبر كل صلاة مكتوبة عشراً عشراً وإذا أويت إلى مضجعك تسبح الله وتكبره وتحمده مائة فتلك خمسون ومئتان باللسان وألفان وخمس مئة في الميزان فأيكم يعمل في اليوم والليلة ألفين وخمس مئة سيئة؟" قالوا: كيف من يعمل بهما قليل؟ قال: "يجيء أحدكم الشيطان في صلاته فيذكره حاجة كذا وكذا فلا يقولها ويأتيه عند منامه فينومه فلا يقولها" قال: ورأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يعقدهن بيده.
إذن ندرك من خلال النصوص السابقة أن هناك مقارنة وموازنة بين الحسنات والسيئات ومع كرم الله تعالى بمضاعفة الحسنات وتكفير السيئات إلا أن بعض الناس تغلب سيئاته حسناته، قال ابن مسعود رضي الله عنه: ويل لمن غلب وحدانه عشراته، أخرجه ابن جرير في التفسير 10/213، وقد بيّن ربنا عز وجل أن من خفت موازينه خسر ومن ثقلت موازينه أفلح، قال تعالى: (وَالْوَزْنُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ بِمَا كَانُوا بِآياتِنَا يَظْلِمُونَ) (الأعراف:8-9)، وقال تعالى: (فَأَمَّا مَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَاضِيَةٍ وَأَمَّا مَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فَأُمُّهُ هَاوِيَةٌ) (القارعة:6-9)، فالناس قسمان من ثقلت موازينه بالحسنات من الأعمال الصالحات فهو المفلح والناجي من النار، ومن خفت موازينه من الحسنات وثقلت بالسيئات فهو الخاسر ومصيره إلى النار. وهناك قسم ثالث وهم من استوت سيئاتهم وحسناتهم وهؤلاء أصحاب الأعراف، رُوي ذلك عن ابن مسعود وابن عباس وحذيفة رضي الله عنهم وغيرهم من السلف، ويُروى في ذلك أحاديث مرفوعة إلى النبي صلى الله عليه وسلم ولا تصح ومنها حديث جابر بن عبد الله الأنصاري رضي الله عنه مرفوعاً "يوضع الميزان يوم القيامة فتوزن الحسنات والسيئات فمن رجحت حسناته على سيئاته مثقال صُؤَابة دخل الجنة، ومن رجحت سيئاته على حسناته مثقال صُؤَابة دخل النار" قيل: يا رسول الله فمن استوت حسناته وسيئاته؟ قال: "أولئك أصحاب الأعراف لم يدخلوها وهم يطمعون" ا.هـ. صُؤابة: بيضة القمل والبرغوث. أخرج الحديث أبو الشيخ وابن مردويه وابن عساكر – انظر الدر المنثور 6/403.
وقول السائل: كيف نوفق بين هذا وقوله تعالى: (وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرّاً يَرَهُ) (الزلزلة:8)، وقوله تعالى: (مَنْ يَعْمَلْ سُوءاً يُجْزَ بِهِ) (النساء: من الآية123)، فالجواب من أوجه منها:
الأول: أن الإنسان كما أنه يرى ما يعمله من شر ويجازى بما يعمله من سوء فهو أيضاً يرى ما يعمله من خير ويجازى بما يعمله من الصالحات ولذا جاءت الآيات المقارنة لهذه الآيات بذلك، قال تعالى: (فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ) (الزلزلة:7) قبل الآية الأولى، وقال: (وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلا يُظْلَمُونَ نَقِيراً) (النساء:124)، وقد سمى النبي صلى الله عليه وسلم الآيتين في سورة الزلزلة بالآية الجامعة الفاذة. أخرجه البخاري برقم 4962، ومسلم برقم 987، ولما سمعها صعصعة بن معاوية – عم الفرزدق – قال: حسبي لا أبالي أن لا أسمع غيرها. أخرجه أحمد برقم 10650، والنسائي في الكبرى برقم 11694، وقد سبق أن الله يضاعف الحسنات ولا يجازي بالسيئات إلا مثلها أو يعفو وبهذا يعلم أنه لا تعارض بل التوافق.
الثاني: أن الآيات التي ذكرها السائل تدل على أنه لا بد من جزاء على ما يعمله الإنسان من سوء وهذا الجزاء يكون بالمرض وبالهمّ وغيرها من مكفرات السيئات وعليه فتكفر عن المؤمن سيئاته بما يصيبه من مصائب وتوفى له حسناته، وهذا ما بيّنه النبي صلى الله عليه وسلم للصديق لما شق عليه ما تدل عليه الآيتين، أخرج ابن جرير 24/264 وعزاه السيوطي في الدر 15/585 لابن المنذر وابن مردويه عن أنس رضي الله عنه قال: كان أبو بكر رضي الله عنه يأكل مع النبي صلى الله عليه وسلم فنزلت هذه الآية (فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرّاً يَرَهُ)، فرفع أبو بكر يده وقال: يا رسول الله إني أجى بما عملت من مثقال ذرة من شر؟ فقال: "يا أبا بكر ما رأيت في الدنيا مما تكره فبمثاقيل ذر الشر ويدخر الله لك مثاقيل الخير حتى توفاه يوم القيامة" وأخرج مسلم في صحيحه رقم 2574 عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: لما نزلت (مَنْ يَعْمَلْ سُوءاً يُجْزَ بِهِ) بلغت من المسلمين مبلغاً شديداً فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "قاربوا وسددوا ففي كل ما يصاب به المسلم كفارة حتى النكبة ينكبها أو الشوكة يشاكها" وممن شق عليه أبو بكر الصديق رضي الله عنه كما في المسند برقم 68 وغيره.
إذن فالآيات على عمومها ولا يلزم من ذلك أن يكون الجزاء في الآخرة، بل قد يجازى المؤمن على ما يعمله من سيئات بما يصاب به من مصائب في الدنيا وما يلحقه فيها من هموم وغموم، هذا والله أعلم.
وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه.

منقول
6
528

يلزم عليك تسجيل الدخول أولًا لكتابة تعليق.

تسجيل دخول

..ـالمتفائلهـ..
وقال تعالى: (مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا وَمَنْ جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلا يُجْزَى إِلَّا مِثْلَهَا وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ) (الأنعام:160)
مرة عبدالرحمن
جَزآكــ الله خَيرَ آلجَزآءْ ..
وغّسلَ الله قَلْبُكــ بِمآءَ آليَقينْ وَرَزَقَكـ رضآه إلىَ يومْ آلدينْ
وَآدْخَلكــ جَنّة آلخَآلدينْ
..
دُمْت بـِ طَآعَة
الله } ~
..ـالمتفائلهـ..
جَزآكــ الله خَيرَ آلجَزآءْ .. وغّسلَ الله قَلْبُكــ بِمآءَ آليَقينْ وَرَزَقَكـ رضآه إلىَ يومْ آلدينْ وَآدْخَلكــ جَنّة آلخَآلدينْ .. دُمْت بـِ طَآعَة الله } ~
جَزآكــ الله خَيرَ آلجَزآءْ .. وغّسلَ الله قَلْبُكــ بِمآءَ آليَقينْ وَرَزَقَكـ رضآه إلىَ يومْ...
املى الله كفة ميزانك بالحسنات
..ـالمتفائلهـ..
املى الله كفة ميزانك بالحسنات
املى الله كفة ميزانك بالحسنات
قال تعالى: (إِنَّ اللَّهَ لا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا وَيُؤْتِ مِنْ لَدُنْهُ أَجْراً عَظِيماً) (النساء:40)
..ـالمتفائلهـ..
قال تعالى: (إِنَّ اللَّهَ لا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا وَيُؤْتِ مِنْ لَدُنْهُ أَجْراً عَظِيماً) (النساء:40)
قال تعالى: (إِنَّ اللَّهَ لا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا...
قال تعالى: (وَالْوَزْنُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ بِمَا كَانُوا بِآياتِنَا يَظْلِمُونَ) (الأعراف:8-9)