تــيــمــة

تــيــمــة @tym_1

عضوة فعالة

الموت هلعًا

الأدب النبطي والفصيح

كنت في الثامنة من عمري عندما حصل ذلك لي .. كان الرعب يقتلني كل يوم عندما توقظني أمي لآداء صلاة الفجر في المسجد .. كنت ألتصق بثوب أبي طلبًا للاطمئنان فيظن أنني بردان ويوبخني لأنني لم أرتد الكنزة الصوفية ..

ورغم تكرار ذلك يوميًًا إلا أنني لم أفلح في تجاوز مشاعر الرهبة من هذه اللحظة ..

كان صوت المؤذن يملأني غمًا .. فهو يؤذن بطريقة جنائزية وكأنه يشيع ميتًا .. لذلك كنت أتكاسل عن الخروج حتى ينتهي .. لأنني إن خرجت أثناء أذانه تبدت لي الجنازة البيضاء المحمولة على الأكتاف في كل مدخل شارع أو منحنى زقاق ..

ومما يزيد المشهد هولاً ذلك الصوت الرهيب الذي أسمعه بعد فترة وجيزة من انتهاء الأذان .. كنت أحسب أنه لا يسمعه غيري .. لأن أبي لا تظهر عليه أي ملامح تدل على سماعه له .. ولم أجرؤ يومًا على سؤاله عنه .. فقد خشيت أن ينعتني بالجنون ..

ما أقبحه من صوت .. كأنه صوت مارد يتردى من حالق .. أو صوت ابليس معذب ينادي بالثبور ..

لا يمكنني أن أصف الصوت .. فقد كان يثير في مخيلتي الكثير من الصور المرعبة .. لدرجة أني أغلق أذني كلما بدأ صداه يتردد في جو الفجر المعبق ..

ذات يوم مرض أبي ولم يستطع الذهاب إلى المسجد .. لكن أمي أصرت علي أن أذهب وحدي زاعمة أنني صرت رجلاً ..
ارتعت لمجرد تخيلي أسير وحدي في تلك الظلمة وأسمع نداء الجني .. لربما كان ينادي علي كل يوم آملاً أن أزوره ..
هددتني أمي أن تعاقبني .. فخفت وارتديت ملابسي وخرجت .. كنت أرتجف كعصفور مريض .. أحطت جسدي بيدي الصغيرتين .. ومشيت بسرعة ..



الآن بدأ الصوت يطرق مسامعي بقوة .. ياله من صوت كئيب .. ماذا أفعل ؟؟



أخذت أركض باحثًا عن شخص .. أي شخص ذاهب إلى المسجد مثلي .. لكن لا أحد .. من سوء حظي أن يختفي كل المصلون في ذلك اليوم ..


تأملت البيوت من حولي فإذا بها موحشة مخيفة .. وكأن ساكنيها هجروها .. ظلال الحمائم النائمة تبدو الآن وكأنها غربان تنذر بالشؤم .. والقطط المستلقية بجوار النفايات أصبحت جميعها سوداء تنظر إلي بعين مشقوقة عرضًا تتطاير شررًا ..


والصوت .. لا زال يشق الصمت الرهيب .. كيف خطرت ببالي تلك الفكرة المجنونة .. وأي شجاعة هبطت علي لأفكر بأن أنهي الأمر اليوم وأوقف هذا السيل العارم من الخوف والقلق .. لقد قررت في تلك اللحظة القاتلة أن أتبع الصوت وأشبع فضولي .. فإن كان بالفعل جنيًا يناديني فلأذهب وأرى ماذا يريد .. عله أن يريحني من صوته في الأيام المقبلة ..



كان الصوت يأتي من خلف أرض خواء يليها بيت مهجور منذ أن فتحت عيني على الدنيا ..



لم يكن ثمة شخص يقترب منه .. ولا أدري لماذا .. تصورت أنه مليء بالأشباح .. لكنني مضيت قدمًا ..


صوت خشخشة حذائي على الرمل تضفي على قلبي المزيد والمزيد من الكآبة .. لكن.. أليست هذه خشخشة أقدام أخرى ؟؟


لا .. لن ألتفت .. إنها تهيؤات .. وإن كانت حقيقية فلن أسمح لها بأن توقفني ..


البيت المهجور يتراءى الآن لي .. بدى ظلي عليه طويلاً ..



في تلك اللحظة وقف شعر رأسي .. لقد رأيت بأم عيني ظلاً آخر أطول من ظلي بمراحل .. يلاحق ظلي بهدوء .. زحفت البرودة إلى جميع أطرافي .. أتساءل كيف لم أمت هلعًا .. اقتربت أكثر من الصوت الذي بدأت كلماته تتضح .. كأنه يقول صاااااااااا .. صااااااااااااا ..
ماذا يمكن أن يعني ذلك ؟؟ كنت أهون على نفسي بأنني سأعرف كل شيء بمجرد دخولي إلى ذلك المنعطف .. بضعة خطوات فقط .. لكن .. ماذا عن ذلك الظل وتلك الخشخشة ؟؟ ماذا عن الرجوع ؟؟



ها أنا الآن أدخل المنعطف .. أغمضت عيني استعدادًا لرؤية شبح هائل .. لكنني عندما فتحتها .. انقضت على كتفي يد قوية .. فصرخت صرخة عظيمة .. ورحت أرتعش ..




















نظرت .. فاذا هو أبي .. يتبعني ليرى إلى أين أتوجه .. ونظرت أمامي فاذا هو رجل عادي .. ينادي : الصلالالالاة .... الصلالالالالالاة .. وهو متوجه إلى المسجد ليصلي ..
9
1K

يلزم عليك تسجيل الدخول أولًا لكتابة تعليق.

تسجيل دخول

عصفورة الربيع
استمتعت كالعادة ..
رغم أني لم أقرأ بتأن .. إلا أني أردت أن أكون أول من يرد ....
لا أصبر عند رؤية اسمك ....!

~~~~~~~~~

بدا تكتب بالألف ... وليس بالألف المقصورة ..

~~~~~~~~~~

بارك الله في قلمك ..
قد تكون لي عودة ..... بإذن الله ..
دونا
دونا
نعم..................










تلك هي الأجواء التي أردت أن أكتب عنها و لكنني كنت أفكر بها على نحو رواية طويلة..



















بالنسبة للموت هلعاً..
الطابع الذي غلفها راق لي خصوصاً لأنني كنت أفكر به..
حتى الفكرة..
راقت لي كثيراً..
و الأهم أن النهاية فاجئتني..
فلم أتوقعها على الإطلاق..
أتعلمين؟!
ذكرتني بنفسي..
فلقد كنت بطلة قصة مشابهة في العام الماضي..
و لكن على أرض الواقع..
ففي الفصل الماضي كانت إحدى المواد تثير رعبي..
و لعل السبب هو أصوات البنات التي أخذت تتسلل عبر أذني إلى عقلي قائلة..
المادة صعبة..
لا مجال للنجاح..
الأسئلة تعجيزية..
و لكنني عندما جلست مع نفسي..
و فكرت ملياً عرفت أن هذا هو رأيهم و ليس رأيي
و أن علي أن لا أسمح لأي صوت بأن يقرر بشأنها بدلاً مني..
و هكذا اجتزت خوفي..
و حققت شيئاً مما أريد فيها..
أي..
من ثرثرتي السابقة..
أحببت أن أقول لك أنه راق لي أن تربطي الرعب الخيالي بالواقع..
--------------
لي ملاحظات صغيرة..
كنت أفضل لو أنك زدت جرعة الخوف أكثر لكان الأمر ممتعاً بشكل أكبر..
و أيضاً..
( كيف خطرت ببالي تلك الفكرة المجنونة )
شعرت بأنها جاءت فجأة..
كنت أحبذ لو أنك مهدت لها قليلاً..









لك تحياتي..
في أمان الله
تــيــمــة
تــيــمــة
عصفورة : يعجبني فيك أنك لا تتغافلين عندما ترين خطأ .. شكرًا للملاحظة .. وللحضور ..


دونا : هلا والله .. تطبيق عملي على ساحة الواقع .. لكن لا أظن أن رعبك وصل الى رعب هذا الطفل المسكين .. فرعب الأطفال ( شي ثاني )

بالنسبة لزيادة الجرعة .. لا أستطيع .. ليس تخصصي .. لا تنسي أنك أنت من كان يثير هذه الأجواء في قصتنا .. ما رأيك باغعادة صياغة القصة أو اضافة بعض الجمل ؟؟

وكذلك بالنسبة للملاحظة الثانية .. لن أفهم قصدك من التمهيد الا بمثال ( كما ترين فاني بليدة أمام المعلومات النظرية وأحتاج دائما الى مثال ) :17:
{ سمو }
{ سمو }
هي الهواجس حين تتلاعب بخيال المرء ..

تستحيل الحياةُ كوابيسَ رعب ..

وتشهق الروحُ شهقةَ الموتِ هلعاً ..

فقط لحظة شجاعة تلون الحياة من جديد ..

تعيدها ورودا زاهيات .. واشجارا وارفات ..

::

تيمة ..

اسجل اعجابي الشديـــــــــــد بالفكرة والأسلوب ..

زادك الله من فضله ..

اجمل تحية :26:
التي أحبتكم
التي أحبتكم
ماشاء الله لا قووووة إلا بالله ,,,

دااائماً مبدعة ,,,


:26: