بين الكراتين والعلب الفارغة حورية، سمرا، نورا وزينب ينطلقن في العتمة
النابشات يروين حكاياتهن مع النفايات
حسين الحجاجي // صحيفة عكاظ
يلتقطن من الشارع كل شيء.. و كل شيء له ثمن.. نسوة يجبن الطرقات و الأزقة من قبيل الفجر وحتى المساء.. مع العتمة تشاهدهن يحملن أكياسا وربما قطعا من الكراتين.. يتجاوزنك و ربما لا تشعر حتى بمرورهن.. ينقبن النفايات أيا كانت بجوار المنازل أو في الحاويات أو حتى في البيوت المهجورة..
يجمعن ما حصلن عليه ثم يغادرن به حينما يأتي المساء
كل واحدة منهن لها حكاية
وكل واحدة منهن أملها العريض جدا أن تعود بحملها لتحظى بريالات التعب
أغلبهن لا يدرين إلى أين يذهبن و كيف ينظمن أنفسهن و كيف يحصلن على قوتهن
حاولت مرارا أن أدخل عالمهن لكي أرصد الجانب الأنساني في حكاياتهن لكنني فشلت
فشلت حتى الاسبوع الماضي حينما كنت أنقب مثلهن عن تلك الحالات الانسانية في أزقة (الحارات)
عثرت على بعضهن و كن في وضع أفضل ممن إلتقيت بهن خلال محاولاتي الطويلة تلك
نسوة كن أشد شراسة و رفضن بعنف حتى مجرد التحدث معي لكن من التقيت بهن الاسبوع الماضي كن مميزات
وشرعن في التحدث معي بما يلج في قلوبهن من تعب ووجع و شقاء:
* (أنت تبغى تعرف كيف نعيش.. قل والله ما تسوي لينا مشاكل قل والله)
** والله لن أسبب أي مشكلة
وعد كان لابد من قوله والقطع به لهن في حضور تلك الفتاة المتمرسة التي كانت الوسيط بيننا حينما يعجزن عن التفاهم
مع قريباتها
و البداية كانت بشرط ألا تتوجه كاميرا التصوير نحوهن لكن واحدة منهن تنازلت و لم تمانع في حين أصرت الباقيات على تجنب الصورة
فماذا قلن؟
ولماذا جعلنني أجلس منصتا و في داخلي (وجع) على كلماتهن المتأزمة:
ناس كويس.. ناس بطال
الكراتين و العلب الفارغة والجوالين وأكواخ من كرتون كانت مسرح الحديث
هنا تم تقسيم المكان بالاتفاق.. كل أثنتين وربما ثلاث اتخذن لهن موقعا بنين فيه كوخا يضعن فيه كل ما يقمن بجمعه حيث تجمع كل الأغراض التي يأتين بها تمهيدا لنقلها إلى من أتفقن معه على شرائها
(الحجة سمراء) كما وصفت اسمها لديها ستة من ألابناء بعضهم كان مقيما هنا ورحل
وبعضهم لازال يقيم بالقرب منها لكنها كما ادعت تعول نفسها حيث ترافقها (حورية) رفيقة عمرها وقريبتها في نفس الوقت:
والله نخرج من الساعة ثلاثة وفي الظلام لكن ما نخاف فيه ناس كويس ما يكلمنا وفيه ناس بطال إحنا ما نروح بعيد
نشوف فين – فيه قمامة كثير وبس
والقصة كما فهمتها أنها ورفيقتها يتحركن في عتمة الليل وقبل إنبلاج الصباح من أجل أن يجدن رزقهن من تلك النفايات
قبل أن يصل إليها قبلهن أحد وأن هذه النفايات صار يزاحمهن فيها كثير من الناس و خاصة من بعض الجنسيات الآسيوية
بعدما كانت حكرا عليهن وأن تجوالهن خلال تلك الساعات المظلمة يعرضهن للكثير من المشاكل كما قالت (الحجة سمراء):
بأن بعض العمال و خصوصا في الاماكن التي تقع في أطراف جده وذكرت (كيلو 14) والخمرة يحاولون مضايقتهن
لكنهن يهربن منهم وقد وصفتهن (الحجة حورية) بأنهم (ناس بطال)
يذهبن في ذلك الوقت لجمع كل ما يمكن جمعه حيث توصلهن سيارة يقودها قريب لهن؟
(أنا وحورية) يوصلنا ولد أختي.. أما (حجة زينب ومكاوية ونورا) فيوصلهن رجال (حجة زينب)، وهكذا كل مجموعة منهن لها سائقها الذي يذهب بهن ثم يعود لهن بعد الغروب حيث يقوم بتحميل كل الاكياس التي أحضرنها.
فهناك نقطة تجمع لابد أن يكن فيها بعد الغروب ومن لا تتمكن من المجيء في ذلك الوقت تبحث لها عن أي مكان تجلس فيه حتى نهار الغد مثلما فهمت من (الحجة زينب)؟
نحن نجمع كل شيء من أول كان نجمع الحديد لكن الحين نجمع حتى الجوالين البلاستيك وقوارير الماء والكراتين)
هناك في الاماكن البعيدة فيه كثير من هذه الاشياء ( في الحرازات والاجاويد والفاو والعبور والمحاميد )
كمان الناس هناك مرة طيب ما يكلمنا.. لكن بس هذا عمال ( وذكرت الحجة نورا الجنسية البنغالية تحديدا)
ليه أنا أشتغل عشان أنا (الحرمة)!!
(الحجة نورا) أفهمتني أن السبب في أنهن يقمن بكل هذا المجهود لأن لديهن عادة من بلادهن تنحصر في أن العمل واحضار الطعام يقع العبء الأكبر فيه على المرأة وحدها في حين يمكن للرجل أن يبقى في البيت أو لا يقوم بالكثير من العمل؟ (نحن كذا).
ولهذا تقوم (الحجة نورا) منذ صغرها كما قالت بهذه المهمة فقد تزوجت منذ أن كان عمرها التاسعة ولم تنجب منذ ذلك الوقت لكن زوجات زوجها الثلاث الباقيات أنجبن ولعل هذا ما جعل عبء إطعام كل تلك الافواه يقع عليها.
وبالرغم من وفاة زوجها إلا أنها لازالت تنهض بهذا الدور دونما تذمر بل على العكس وجدتها راضية كل الرضى بهذه المهمة وكأنها قد تعايشت معها مؤكدة لي أنها تحب زوجات زوجها وأبناءهن ولا تشعر بأي ضغينة ضدهم، وأنها في اليوم الذي لا تعثر فيه على رزق يكفي لأطعامهم تحزن كثيرا و تضطر إلى درجة أن تحرم نفسها من الطعام لكي يأكلوا هم
في حين لم تكن أحوال (حجة مكاوية) بأسعد حالا فقد قالت:
نورا بنت أختي وأنا خالتها) هي تزوجت في أول السنة وأنا تزوجت في نهايتها في شهر ذي القعدة
زمان زمان
حيث كانت في الرابعة عشرة و كانت الزوجة الرابعة لزوجها الذي لم يأت إلى هنا و إنما يجلس هناك في بلاده؟
(ومكاوية) هي من تعمل لكي ترسل له بين الحين والآخر ما تستطيع من المال واصفة إياه بأنه طيب جدا ولا يطلب منها الكثير لكنها لابد أن ترسل له لكي يطعم أولادة الثمانية عشر بمن فيهم أبناؤها الخمسة
وعن طريقة إرسال هذا المال له تقول:
انها تتحين أي واحد من جماعتها قرر السفر فتعطيه ما لديها ! وربما جلست أربعة أشهر أو سنة أو حتى سنتين إلى أن تجد من سيذهب لبلادها وترسل معه ما تود أن ترسله.
* الا تخافين أن يسرقها؟
** أجابتني بما يؤكد أنها لا تخاف أبدا لأن أقاربها أو أي شخص من جماعتها يحترم الأمانة و يخاف من الله فلا يفكر أبدا في أخذ شيء منها وأن الجميع يفعل مثلما تفعل
طرد من القرية
تدخلت (الحجة زينب) موضحة أنهن لا يرسلن شيئا من ذلك إلا مع من يكون من نفس القرية التي يعشن فيها وفيما لو حاول أحدهم أخذ شيء من تلك الامانة و علم بذلك سكان القرية فسوف يقومون بطرده من القرية نهائيا هكذا عاداتهم هناك حسب وصفها.
و تحكي أنها ذات مرة أرسلت مع (أدريس) وهو معتمر أتى إلى هنا ثم غادر وأعطته 1150 ريالا وقماشاً اشترته من باب مكة
فأوصل النقود كاملة لكنه لم يوصل القماش لأنه فقده، فأجتمع عقلاء قريتها عندما لم يصدقوا أدريس، وقرروا تفتيش منازله الثلاثة، وأحضروا زوجاته الثلاث وجعلوهن يقسمن بالله أن أدريس لم يدخل ذلك القماش عليهن أو في بيوتهن ومع ذلك تركوه فترة من الزمن لا أحد يتكلم معه ولا أحد يدخل أيا من بيوته ولا احد يتحدث حتى مع زوجاته أو أولاده، وفي الفترة التي كانوا يعدون فيها العدة لاصدار قرار طرده جاء ادريس من يقول له أنهم وجدوا (القماش) المفقود فتركوه عندئذ.
عمال النظافة
وحضرت على غير موعد (حجة أم عمر) حيث قالت عنها (حجة حورية) إنها أم لأربعة أطفال بعدما توفي الخامس قبل أشهر وأنها كانت هي نفسها مريضة لمدة سنة ونصف حيث كانت لا تستطيع أن تبقي طعاما في بطنها وكنا نظنها سوف تموت بسبب أنها صارت عاجزة حتى عن القيام أو النهوض لما أصابها من جوع، لكن عندما مات طفلها (انفجعت) و قامت وهي لا تدري شيئا عن نفسها ومن يومها لم تشعر بذلك المرض!
حينما نظرت (للحجة أم عمر) لم يكن فيها ما يشير بأنها كانت مصابة بأي مرض صحتها عال العال!
وتحدثت عندما تم طمأنتها من قبل (الوسيطة المترجمة أحيانا) مبينة أنها لم تكن تتصور أنها ستبقى في هذه الحياة ( انت تموت أنت تحيا كله بأمر الله)
وأن فقد أبنها جعلها تنسي كل ألم أصابها (أبوه ما هو موجود، أبوه رجال كبير يعيش في البلد عندنا مزارع عندنا شجر كتير وأولاد كتير بس قروش مافيه)
وتقول أنها حزينة من أمس حزنا شديدا فقد خرجت لتجمع رزقها وذهبت في طريق مكة -جدة القديم حتى (بحرة) وكلما امتلأ كيس حملته ووضعته في مكان بجوار مسجد وتمكنت من تعبئة سبعة أكياس حينما عادت للموقع لكي تضع الكيس السابع شاهدت من بعيد أحد عمال البلدية يحمل أكياسها واحدا تلو الأخر ويضعه في سيارة ونيت وتقول بأنها ركضت من أجل اللحاق به لكن المسافة و صحتها لم تسعفها
تتدخل (الحجة سمراء) بما يشير بأن هذا ما يحدث لهم دائما متهمة بعض (عمال النظافة بأنهم حرامية)
(هم لا يشيلون قمامة هو يشيل عشان يأخذه و يبيع)
هكذا القضية.. قضية (سرقة تعب) يتركن حتى يجمعن تلك الأغراض ثم يأتي هذا العامل أو ذاك لكي يجد صيدا ثمينا يلتقطه بكل هدوء و بلا تعب ! أليسوا هم من ينافسوهن على هذه البضاعة كما قالت (الحجة حورية) ومن قبل.. حصل (للحجة سمراء) نفس الموقف لكن ذلك كان في (وادي قوز) والذي يقع خلف حي قويزة إلا أن العامل لم يأخذ أكياسها في غيابها و إنما وهي جالسة بجوارها تنتظر السيارة بعد المغرب لكي تحملها وتحمل أغراضها،
فقد جاء ثلاثة من تلك العمالة بعدما أوقفوا سيارتهم وهددها أحدهم بقطعة حديد كانت في يده في حين أنشغل البقية بسحب أكياسها ووضعها في السيارة، ورغم أنها حاولت منعهم إلا أنهم دفعوها بقوة لكي تسقط وكشفت ( الحجة سمراء ) عن ذراعها الأيسر محددة بقايا جرح قالت عنه أنه نتيجة للاعتداء عليها من تلك الحديدة!
* وماذا فعلت يا (حجه سمراء)؟
** أجابتني بابتسامة (خلاص سيبتوه يشيل الأكياس)!
سلمت أمرها وتركت العمال الثلاثة يحملون (غلة) عرق وجهد من الصباح والظهيرة ولغاية المساء ، تركتهم وخرجت بجرح بسيط أظنها قد نسيته لولا أن ذكرها حديثي معها والغريب أنها كانت تتحدث عن ذلك الموقف و كأنها تتحدث عن حكاية قديمة في الوقت الذي لم يمضِ عليها سوى أيام!
(الفتاة المترجمة) فضحت الحجة (سمراء) حينما قالت:
(تعرف ليش حجة سمراء ما حزينة زي حجة أم عمر، علشان الصبح اليوم فيه واحد زيك – تقصد مواطن – أعطاها مية ريال)
أطلقت الحجة (سمراء) ضحكة طبيعية مع الجميع وغادرت في تلك الأكواخ الورقية في محيط النفايات!
http://www.okaz.com.sa/okaz/osf/20081010/Con20081010232971.htm

شمس راكبه جمس @shms_rakbh_gms
كبيرة محررات
يلزم عليك تسجيل الدخول أولًا لكتابة تعليق.

جوهرة مطير
•
الحمد لله والشكر




ضباب من غير مطر :
عشان كذا ياخوات لازم نحمد الله على النعمةعشان كذا ياخوات لازم نحمد الله على النعمة
الخبز حار
الصفحة الأخيرة