النفس والحضارة! إلى أين؟
غالبا ما يكون الإنسان شقيا في بعض أحواله، وسعيدا في أحوال أخرى؛ فما أثر الحضارة على سعادته وشقائه؟
هل رجّحت الحضارة كفة سعادته؛ أم ضربت بها عرض الحائط حين ساهمت بفقدان توازنه الجسدي مع الروحي؟
خلق الله الإنسان مركبا من جسد وروح، وجعل سعادته في سد حاجاتهما معا، على أن تكون للروح اليد الطولى على البدن، وحُقّ لها ذلك؛ بل حُقّ لها أن تتيه بما حباها به خالقها؛ فقد جعلها محلا لمعرفته، وهذا أسمى ما يمكن أن يعاش لأجله،
ثم البدن يترجم هذه المعرفة إلى أعمال وعبادات يصرفها لمن أحبه وعظمه حين عرفه!
وعلى هذا الأساس شرع الله شرعه لعباده، وجعل سعادة الإنسان تنبع من موافقة ما شرعه لما خلقه، فالويل كل الويل لمن يشتري- بحر ماله - شقاءه، وذلك حين يخالف هذا التوازن البديع بين حاجات البدن وحاجات الروح - فضلا عن إهمال الروح بالكلية-؛ فإن معيشة الضنك هي ما ينتظره!
وقد كان هذا فعلا حين سمح الإنسان للحضارة أن تتسلط بكل جبروتها وطغيانها على بديع توازنه،
وإليك الصورة:
يشقى الإنسان حين يكون عبدا لنفسه (والنفس هنا تمثل قناة الشهوات)؛ فالنفس تلح وتلح لتلبية حاجاتها الحسية، وهو يلبيها ويلبيها حتى تصبح هي الآمرة الناهية وهو العبد المطيع!
قد يقال هنا: إذن لم لا ترضى نفسه عنه؟!
هاهو يخدمها بالليل والنهار فما علتها؟!
الجواب هو أن الجزء الحسي من الإنسان فيه مشكلة واضحة، وهي أن اللذات- التي تكون طموحا يلهث الإنسان وراءه - حين يتم تحصيلها ما تلبث أن تفقد طعمها؛ فتعود النفس للمطالبة بشهوات وأهواء أخرى، ويعود هو للهث وراء تحصيلها، وهلم جرا، حتى ينقضي العمر وهي تنادي فارغة فاهها: هل من مزيد !!
على تغذية هذه الصورة ذاتها كان شغل الحضارة، ومع غاية الأسف فقد نجحت نجاحا بعيدا!
أصبح الإنسان خادما لبدنه، والنفس تطاوعه وتيسر حاجاته بالتفكير والتخطيط ليحصل على مايريد:
تجده يريد الشهرة، يريد المال، يريد نظرات الإعجاب،
يريد ويريد ... بدون أي مكدر في الطريق ،وهو في حالة اندفاع ولهفة لتحقيق مراداته؛ فلما يعيقه أدنى عائق يعتل نفسيا؛ فيغضب بسرعة، ويتغير مزاجه بسرعة، ويحزن بسرعة، وهذا الاعتلال النفسي أو المزاجي هو مرحلة تسبق المرض النفسي، لذلك يحتاج صاحب الاعتلال لعلاج وقائي يقيه من التحول إلى مرض.
ولكي تتضح الصورة نقول:
أن الاعتلال النفسي هو حالة من عدم القدرة على ضبط الانفعالات؛ فتجده يتكدر بسرعة إن كان الأمر يستحق الكدر أم لم يكن،
والحضارة أنتجت سرعة في هذا الاعتلال المزاجي -الذي هو مرحلة سابقة للأمراض النفسية-؛ فإن بقي يعتل مزاجه لأدنى المؤثرات قد يدخل في أعراض القلق أو الاكتئاب أو الحزن أو الشك ويتطور فيها.
لذلك لابد من معارف أولية تكون قاعدة معرفية متينة تكسب الإنسان بما يسمى بالمناعة النفسية،
ولاتوجد قاعدة معرفية قوية تؤسس لهذه المناعة إلا أن يعرف الإنسان: هو يعامل من؟!
وحين يحتاج يصمد لمن؟!
وحين يرضى بمايحزنه يرضى عن فعل من؟!
وحين يسخط مما يسوؤه يسخط عن فعل من؟!
وحين يضيق صدره من يشرحه؟!
وحين يزيد صبره من يأجره؟!
وحين يكظم غيظه من يرفعه؟!
وحين يكون في اختبار للتقوى من ينظر إليه؟!
وحين يبذل جهده من يحسب له؟!
هذا كله يجب أن يكوِّن قاعدة معرفية يقينية لوقايته وحمايته،
لا نريده طوال الوقت (لسانه) يردد : أعرف أن الله الشافي و(قلبه) معلق بالأطباء!
لا نريده طوال الوقت لسانه يردد: أعلم أن الله هو الرزاق، ويده أو مشاعره تتكفف الناس!
إذا حصلت هذه القاعدة اليقينية تصبح عنده مناعة نفسية؛ فمهما هاجمته الأمراض ووساوس الشيطان تجده نادرا مايقع، وإن وقع وجد متكأ يتكئ عليه فلا تسقط نفسيته؛ بل عنده ما يدفع به عنها بأمر الله الذي علمه مايقيه ويحميه!
الخطأ الفادح الذي نقع فيه هو:
تأجيل هذه المعارف إلى أن تتشكل شخصية الشاب ويبدأ بمشاكل الحياة -التي زادت الحضارة طينتها بلة - ثم نعطيه المعارف،
والصحيح أن هذه المعارف هي أساس البناء، والقاعدة القوية التي يجب أن تؤسس قبل أي معلومات أُخَر!
في النقاش القادم سيتبين لنا بأمر الله أهم أسباب الاعتلال النفسي ودور الحضارة في تذكيته .
من دورة العلاج الوقائي للأمراض النفسية بمعرفة أسماء الله بالحسنى 💫
أناهيد السميري
يلزم عليك تسجيل الدخول أولًا لكتابة تعليق.
الصفحة الأخيرة
نحن نحتاج العلم يوميا والعلم يحتاج لهمة وأوضاعنا لاتساعدنا على ذلك فماذا نفعل ؟
الجواب :
اجعل علمك الثابت (اليومي) هو وردك من القرآن : اقرأه بصورة من يريد أن يتعلم عن الله ،وعن شرعه الموصل إليه، ثم مايأتي بعد ذلك يكون زيادة .
اقبل الزيادات ،كأن تسجل في دورة علمية، أو رسائل في وسائل التواصل؛ لكن اجعل الأصل والمهم هو الورد اليومي من القرآن ،فلا تفرط في التعلم منه ! .
من دورة العلاج الوقائي .
كيف يزيد حسن ظني بالله ؟
كلما زاد علم العبد (بحكمة الله)
كلما زاد (حسن ظنه بالله)
ومضة من دورة العلاج الوقائي
《 المعاملات الربانية والتشاؤم 》 :
لابد أن تبقى المعرفة الصحيحة برب العالمين تضخ في قلوبنا؛ لنتحصن من تأثير النظرة التشاؤمية التي طغت بطغيان المادة .
أنت مؤمن مصدق بوعود الله تعلم أنه :
إن أحسنت أحسن إليك الله !
وإن أكرمت أكرمك الله !
وإن أنفقت أنفق عليك الله !
وإن تواضعت رفعك الله !
فكيف تسمح لأحد أن يعطيك نظرة تشاؤمية وأنت في حال التعاملات الربانية؟!
إن قيل لك : هذا الذي تكرمه سيخذلك !
قل : أنا لا أعامله بل أعامل رب العالمين !
وإن قيل لك : ألم تتعلم من فلان الذي أكرمته ثم تركك وذهب ؟
قل : هو ذهب ؛ لكن الأجر ماذهب !
وإن قيل لك : إن وقعت لن نعينك !
قل : لايأتي من رب الخير إلا الخير وهو معي أستعين به، وأدفع كل شر بالاستعاذة به والتوكل عليه ،وليس بإساءة الظن بالناس والتحرز من الإحسان إليهم !
الله مطلع على خبايا الصدور ،وخفايا الأمور ؛فلا يخذل سبحانه الصادقين المؤمنين ولا يسلمهم لعدوه !
من دورة العلاج الوقائي بمعرفة أسماء الله الحسنى .
⚡️تتلخص الاضطرابات النفسية في كونها انفعالات يفقد صاحبها معها القدرة على التكيف مع الحياة، بسبب ضغوط حقيقية أو وهمية، ويمكن أن تكون نتيجة هذه الاضطرابات :
* بدنية كالمرض البدني الناتج عن اضطرابات نفسية،
* أو نفسية
* أو سلوكية كأن يصبح عنيفا بعد أن لم يكن .
والعلاج المعرفي لهذه الاضطرابات يتركز على ضخ معارف صحيحة (من مصدر صحيح) مبنية على الغيب ، فلا يكون العلاج المعرفي ذا أثر إلا بذلك ؛لأن الإنسان بحاجة ماسة لتغذية روحه بتصورات صحيحة عن نفسه ، وعن دوره في هذه الحياة، وعن مصيره ، وهذا كله يوجه سلوكه ، ويجعله أكثر تكيفا مع الحياة .
من آثار رحمة الله تعليم هذا الإنسان : {الرحمن}{خلق الإنسان} {علمه البيان}
ومن خلال تعليمه يرقى ويعدل سلوكه :
{اقرأ باسم ربك الذي خلق} ؛
فالمعرفة هي الأداة لتشكيل هذه النفس، وهذا مؤصل في الأمة الإسلامية؛ فالله خلق النفس وهو أعلم بحاجتها، والقرآن مليء بما يسد حاجة الإنسان لمعرفة نفسه، ومايعتريها وعلاجه، بحيث لايصل من اتبعه إلى الأمراض النفسية ، وما كان متبعو القرآن يوما يعرفون هذه الأمراض .
ونظرا إلى أن المؤمنين اليوم وقعوا تحت تأثير الحضارة الحديثة بكل تبعاتها
ونظرا لابتعادهم القليل أو الكثير عن مصدرهم الصحيح للمعرفة ؛
> فقد أصبح يقع لهم مايقع للقوم من اضطرابات، إلا أن مايميزهم أنهم سرعان مايثوبون من قريب، وذلك لقرب عهدهم بمازودهم به ربهم من معارف .
💫وإن أهم هذه المعارف على الإطلاق هي معرفة خالقهم ومربيهم بأسمائه وصفاته ؛ فإن هذه المعرفة هي أعلى المعارف المسببة لتشكيل نفس سوية زكية، بعيدة عن الاضطرابات التي لايستطيع صاحبها ضبطها، المطهرة لها من كل مايمكن أن يشوبها .
✨من دورة العلاج الوقائي بمعرفة أسماء الله الحسنى✨