عن ابن عباس رضي الله عنه : أن رسول الله صلي الله علية وسلم مر بقبرين يعذبان ، فقال : (إنهما يعذبان ، وما يعذبان في كبير بلى إنه كبير : أما أحدهما فكان يمشي بالنميمة ، وأما الأخر فكان لا يستتر من بوله أخي المسلم : في هذا (الحديث ) تحذير شديد من عملين كبيرين تسبب كل واحد منهما في تعذيب صاحبه في قبرة :
الأول :النميمة .
والثاني : عدم الاستتار من البول .
وحديثنا يدور ـ هنا ـ حول (النميمة) ما هي النميمة ؟ وما أدلة تحريمها ؟. وما الأسباب الباعثة عليها ؟. ومتى تجوز ؟. وما موقفنا من أهلها ؟. هذا ما سوف نفصله على السطور القادمة ـ إن شاء الله ـ .
النميمة : هي نقل الحديث بين الناس على جهة الإفساد بينهم .. فالنمام يعمل جاسوسا لحساب الشيطان !!. فإذا كان الشيطان يريد أن يوقع العداوة والبغضاء بين المسلمين .. فصاحب النميمة ذراعه في ذلك .. وسهمه الصائب في هذا المضمار . فكم من دماء سفكت بسبب وشاية كاذبة !. وكم من بيوت انهارت وأرحام قطعت بسبب كلمة فاجرة غادرة . لذا فالنميمة عند الله أشد من قتل النفس !!. قال تعالي : (والفتنه أشد من القتل ).
أدلة تحريمها :
النميمة حرام بإجماع المسلمين ، وقد ظاهرت علي تحريمها الدلائل الشرعية من الكتاب والسنة :
- قال تعالى : (ولا تطع كل حلاف مهين هماز مشاء بنميم مناع للخير معتد أثيم عتل بعد ذلك زنيم ) قال عبد الله بن البارك ـ رحمة الله ـ :الزنيم : ولد الزنا الذي لا يكتم الحديث .
- وقال تعالى : (ويل لكل همزة لمزة ) قيل : الهمزة : النمام .
- وقال تعالى : (وامرأته حمالة الحطب ). قيل : كانت نمامة حمالة للحديث .
- وقال صلى الله علية وسلم ( لا يدخل الجنة نمام ). وفى رواية : (قتات ). قال الحفظ المنذرى : والقتات والنمام بمعنى واحد، وقيل النمام : الذي يكون مع جماعة يتحدثون حديثا فينم عليهم . والقتات : الذي يتسمع عليهم وهم لا يعلمون ثم ينم .
- وعن أبى هريرة قال : كنا نمشى مع رسول الله صلى لله علية وسلم فمررنا على قبرين فقام فقمنا معه ، فجعل لونه يتغير حتى رعد كم قميصه ، فقلنا : ما لك يا رسول الله ؟. فقال : (أما تسمعون ما أسمع ؟ ) . فقلنا : وما ذاك يا نبي الله ؟ قال : ( هذان رجلان يعذبان في قبورهم عذابا شديدا في ذنب هين ). قلنا : فيم ذاك ؟. قال : (كان أحدهما لا يستنزه من البول ، وكان الآخر يؤذى الناس بلسانه ، ويمشى بينهم بالنميمة ). فدعا بجريدتين من جرائد النخل ، فجعل في كل قبر واحدة ، قلنا: وهل ينفعهم ذلك ؟ قال : ( نعم يخفف عنهما ما دامتا رطبين ). قال الإمام المنذرى رحمه الله ـ: ( قوله : في ذنب هين ) أي هين عندهما ، وفي ظنهما ، لا أنه هين في نفس الأمر ، فقد تقدم في حديث ابن عباس قوله صلي الله علية وسلم (بلي إنه كبير )، وقد أجمعت الأمة علي تحريم النميمة ، وأنهما من أعظم الذنوب عند الله تعالي ).
- وقال صلى الله علية وسلم : (خيار عباد الله الذين إذا رؤوا ذكر الله ، وشرار عباد الله المشاءون بالنميمة ، المفرقون بين الأحبة ، الباغون للبراء العنت )
الأسباب الباعثة علي النميمة ، كثيرة نذكر منها سببين :
الأول : فساد القلب وظلمة السر وسوء الطوية .
والثاني : الحقد الدفين .
متى تجوز النميمة ؟ :
تجوز النميمة لمصلحة شرعية .. كأن يكون هناك تأمر ضد الدولة مثلا من جهة معادية ، أو تأمر يستهدف عرض مسلم أو ماله أو أرضه أو دمه وسمعت عن هذا التآمر فواجب عليك (شرعا ) تحذير المستهدف من هذا الخطر . وفي الحديث : (من حمى مؤمنا من منافق بعث الله ملكا يحمى لحمة يوم القيانة من نار جهنم ). وعن زيد بن أرقم رضي الله عنه عبد الله بن أبى يقول : ( لا تنفقوا علي من عند رسول الله حتى ينفضوا من حوله ، ولئن رجعنا من عنده ليخرجن الأعز منها الأذل ). فذكرت ذلك لعمي ـ أو لعمرت ـ فذكره للنبي صلى الله علية وسلم فدعاني فحدثته ، فأرسل رسول الله صلي الله علية وسلم إلى عبد بن أبى وأصحابه فحلفوا ما قالوا ، فكذبني رسول الله صلي الله عليه وسلم وصدقه ، فأصابني هم لم يصبني مثله قط ، فجلست مثله قط ، فجلست في البيت ، فقال لي عمى ما أردت إلى أن كذبك رسول اله صلي الله علية وسلم ومقتك ، فأنزل الله تعالي : (إذا جاءك المنافقون ) فبعث إلى النبي صلي الله علية وسلم فقرا فقال : (إن الله صدقك يا زيد )
كيف نتعامل مع أهل النميمة ؟
قال الأمام الغزالي ـ رحمة الله تعالى ـ ما مختصره : (كل من حملت إليه النميمة ،وقيل له : إن فلانا قال فيك كذا وكذا ، أو فعل في حقك كذا ،أو هو يدبر في إفساد أمرك ، أو في ممالأة عدوك أو تقبيح حالك أو ما يجرى مجراه ، فعليه ستة أمور :
الأول : أن لا يصدقه لأن النمام فاسق ، وهو مردود الشهادة . قال تعالى : ( إن جاءكم فاسق بنا فتبينوا أن تصيبوا قوما بجهالة ....)
والثاني : أن ينهاه عن ذلك وينصح له ويقبح عليه فعله . قال تعالى : ( وأمر بالمعروف وأنه عن المنكر ).
والثالث : أن يبغضه في الله تعالي فإنه بغيض عند الله تعالي ويجب بغض من يبغضه الله تعالي .
الرابع : أن لا تظن بأخيك الغائب السوء لقوله تعالي : (اجتنبوا كثيرا من الظن إن بعض الظن إثم ).
الخامس : أن لا يحملك ما حكى لك علي التجسس والبحث لتتحق ، اتباعا لقوله تعالي : (ولا تجسسوا ) .
السادس : أن لا ترضي لنفسك ما نهيت النمام عليه ، ولا تحكي نميمته فتقول : فلان قد حكى لي كذا وكذا ، فتكون به نماما ومغتابا ، وقد تكون قد أتيت ما عند نهيت .
وقد روى عن عمر بن عبد العزيز أنه دخل عليه رجل فذكر له عمر : إن شئت نظرنا في أمرك فإن كنت كاذبا فأنت من أهل هذه الآية (إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا ) .وإن شئت عفونا عنك ؟
فقال : العفو يا أمير المؤمنين لا أعود إليه أبدا .
وقال الحسن : (من نم إليك ، نم عليك ).
وقال رجل لعمرو بن عبيد : إن الأسوارى ما يزال يذكرك في قصصه بشر ، فقال له عمرو : يا هذا ما رعيت حق مجالسه الرجل حيث نقلت إلينا حديثه ، ولا أديت حقي حين أعلمتني عن أخي ما أكره ، ولكن أعلمه أن يعمنا ، والقبر يضمنا والقيامة تجمعنا والله يحكم بيننا وهو خير الحاكمين . وعلي الجملة : فشر النمام عظيم.
(حكاية) :
قال حماد بن سلمة : ( باع رجل عبدا وقال للمشترى : ما فيه عيب إلا النميمة .
قال : رضيت . فاشتره ، فمكث الغلام أياما ثم قال لزوجة مولاه : إن سيدي لا يحبك وهو يريد إن (يتزوج عليك ) أو يتسرى عليك فخذي الموسى واحلقي من شعر قفاه عند نومة شعرات حتى أسحره عليها فيجبك . ثم قال للزوج : إن امرأتك اتخذت خليلا وتريد أن تقتلك ، فتنام لها حتى تعرف ذلك ، فتناوم لها .. فجاءت المرأة بالموسى ، أنها تريد قتله فقام إليها فقتلها ، فجا أهل المرأة فقتلوا الزوج ، ووقع القتال بين القبلتين !!).
فيها أيها المسلم : إذا عرفت هذا الخطر .. فكن منهم على حذر .. ولا تقعد بعد الذكرى مع القوم الظالمين .
لا اله الا الله محمد رسول الله