الهذه الدرجه تبلد الاحساس لدينا... قصه مؤلمه

الملتقى العام

بسم الله الرحمن الرحيم

الساعة تقترب من الثامنة حينما استيقظت .. - لقد تأخرت ...

نفضت الشرشف عن جسمي ، وقفزت من فراشي . الربع ساعة التي أمضيها عادة في الاستعداد ، أختصرتها إلى خمس دقائق . ركبت السيارة وأنطلقت ..

السرعة قد تضاعفت . يجب أن أصل ، ولو أدرك نصف الاجتماع . كان ذهني مشغولا عندما دوى إرتطام ، عنيف في الجانب الأيمن من مؤخرة سيارتي .

حينما استعدت توازني ، ولمحت من بعد ، السيارة التي صدمتني تلوذ بالفرار ..


كان مرتبكا ، لذلك لحقته بسرعة ، وبدأت مطاردة غير متكافئة بين سيارته الفارهة ، والـ (نصف) المتبقي من سيارتي . شعر أني مدركة .. لا محاله ..

فأنا صاحب حق .

عند أحد المنعطفات خفض من سرعته كثيرا .. رأيت باب الراكب الذي بجانبه يفتح ، ولاحظت أنه يميل ، ويدفع (شيئا) إلى الخارج ..

- يا إلهى .. إمرأة .. بل فتاة ..

نهضت .. وأخذت تنفض الغبار . حينما اقتربت منها ، أخذت تبكي ، وهي تلملم أطراف (مريولها) الذي تمزق ..

وقفت قريبا منها ، وصرت أسمع بكاءها وهي تقول :

أرجوك .. أستر علي ، الله يخليك ..

قلت لها .. بعد تردد ..

- اركبي .. سأوصلك إلى بيت أهلك ..

صاحت :

لا .. لا أريد بيت أهلي .. ستذبحني أمي .. أرجوك ..

اركبي الآن .. ونتفاهم فيما بعد ..


ركبت ، وحينما أستوت على المقعد ، أخذت تجمع عباءتها ، لتغطي بها (مريولها) الممزق، تدرسين ..؟ - نعم .. - في أي صف ؟ - الثالث متوسط ..

- (وش) إسمك ..؟

- موضي ...

سألتها : - موضي .. من هذا الذي كنت معه ..؟

لم ترد على سؤالي ..

الساعة الآن تجاوزت التاسعة والنصف .. وأمامي أعمال كثيرة .. حين فشلت محاولتي لإستدراجها للكلام ، قلت لها :

- موضي يجب أن تختاري بين أمرين .. أسلمك للهيئة او لأهلك..

أنفجرت باكية ، رفعت غطاء وجها ، وهي تتوسل إلي ، أن لا أفعل ...

- أرجوك ... إذبحني .. لكن لا تسلمني للهيئة .. لا (توديني) لبيتنا .. والله هذي أول مرة أطلع فيها مع رجال .. ضحكت علي البندري ...

اشفقت على ذلك الوجه الطفولي ..

- طيب .. طيب .. خلاص .. لن أسلمك لأحد .. لكن ما العمل ..؟ - إذا جاء وقت طلوع الطالبات .. أنزلني عند المدرسة ..

أطرقت لحظات ، تعاقب خلالها على وجهها إنفعالات من كل نوع .. الرهبة .. القلق .. الخوف

ثم نظرت إلي وقالت :

- نزلني عند المدرسة .. وإذا طلعوا الطالبات .. أروح لبيت أهلي ..

- أنت صاحية .. تقعدين في الشارع ثلاث ساعات ..؟

لم ترد بشئ ، لكن الفضول دفعني لأن أسألها عن مكان مدرستها ، لأستدل من ذلك على اسم الحي الذي يسكنه أهلها ...

- أين مدرستك يا موضي ..؟ - في حي الأمل ..

أفقر أحياء الرياض ..

توصلني قريب من مدرستي .. لو كلفت عليك ..؟

أتى رجاؤها مخنوقا .. ممزوجا بالخوف ..

- لا ... تبقين معي إلى وقت الخروج من المدرسة .. ثم أوصلك ..

كنت أريد حلا لها هي ، حتى لا تعود لنفس الطريق .

أشعر أني غير قادر على الخروج بشيء .. في موضوعها ..

التفت إليها ، كانت قد وضعت وجهها بين كفيها وتنتحب ...

- ما بك يا موضي ..؟

- كيف أشكرك ..

حين أقتربت من مقر عملي ، قلت لها :

- موضي .. سأنزل هنا .. لدى أمور سأنجزها .. سأترك مكيف السيارة مفتوحا . أبق الأبواب والزجاج مغلقة ..

لا تفتحي لأي إنسان ، مهما كانت الاسباب .. ولا تغادري السيارة أبدا

حينما سرت بضع خطوات سمعت نقرا على الزجاج .. التفت ، كانت تلوح بيدها .. تناديني ..

رجعت ، ولما فتحت الباب ، قالت :

- أبغى أطلب منك طلب .. لكني خجلانه ..... أنا جايعة .. من أمس الظهر .. والله ما ذقت شئ ..

خلص الزيت ، وما قدرت أمي تطبخ .. وحنا .. بعد .. يعنى ...

لم تستطع أن تكمل عبارتها ..

كانت تفرك كفيها ببعضهما ، مطأطئة رأسها ..

قالت :

كنت على وشك أن أغلق الباب حين لمحت بقعة دم على ثوبها ، قريبا من موضع الركبة . ، فقلت لها بلهجة جافة .. لا تخلو من إتهام :

- موضي .. من وين الدم هذا ..؟ - انجرحت ركبتي ..

أحست أن إجابتها لم تقنعني ، فأزاحت عباءتها ، ورفعت ثوبها ، دون أن تتكلم ، أو ترفع رأسها .

كان جرحا سطحيا ، تيبس الدم حوله .

أغلقت الباب ، وركبت من الناحية الأخرى . كانت ما تزال مطأطئة راسها ..

اتجهت إلى مطعم قريب ، يقدم وجبات سريعة . في الطريق إليه لمحت صيدلية .. نزلت وأشتريت شاشا ومعقما ولاصقا .

وصلنا المطعم .. قلت لها : - انزلي إلى المطعم .. لتفطري ...

نزلنا وفي قسم العائلات ، أخذنا إحدى المقصورات . كانت تتلفت .. واضح أنها تدخل مطعما لأول مرة .. قالت ببراءة :

- آكل قدام الناس ... ما يشوفوني الرجال ..؟ - لا .. أنت لوحدك هنا ..

تيقنت أنها بريئة .. ولم تتمرس على الانحراف .. تستحي أن يراها الرجال كاشفة وجهها وهي تأكل .. الحياء لا يتكلف ، ولا يصطنع ..

التظاهر في مثل هذه المواقف ، بغير الحقيقة ، يتطلب درجة عالية من الخبث ، والتمرس على المكر .. لا يمكن أن تتقنه طفلة في هذا السن ..

وأوجعني قلبي مرة أخرى .. أن ظننت بها ظن السوء .. ، ، طلبت لها أكلا ، وسألتها إن كانت تريد عصيرا بعينه ، قالت :

- أبغي (كوتيل) .. - تقصدين كوكتيل ...؟ - ما أدري .. أسمع البنات يقولون ، عصير (الكوتيل) حلو ...

مرة أخرى يبرح بي الألم .. تبدو لغة المحرومين .. ساذجة .. بريئة ، لكنها تدمي القلب .

جاء الأكل ، واستلمته من العامل ، ووضعته على الطاولة .. وقلت لها :

- أفطري .. بعد عشر دقائق أرجع لك .. - وين تروح ..؟ - أتركك .. تأخذين راحتك .. ، ، ، - لا .. لا تتركني .. أنا راحتي معك ..

انتفض قلبي لعبارتها .. تملكني براءة الأنقياء .. وصدق المشاعر ..

تذكرت الشاش والمعقم الذي اشتريته ، فأخبرتها أني سأذهب لإحضار بعض الاغراض من السيارة . كنت أريد أن أدعها لوحدها ، حتى تنتهي من إفطارها ، ولأحضر تلك الاغراض لتطهير جرحها ..

رغم أني تعمدت التأخير ، إلا أنني حينما عدت ، كانت ما تزال في بداية وجبتها . شعرت بحرج ، لكنها نظرت إلى بعينين ساكنتين ، وقالت :

- خفت .. لما تأخرت علي ..

جلست أرقبها تتناول الطعام . تتصرف بهدوء وعفوية ، دون إحساس بالمكان حولها ..

كانت جائعة فعلا ... طريقة إلتهامها للطعام .. تلقائيتها في التصرف .. حينما نزعت غطاء وجهها ، الذي كان يتدلى على كتفيها ، ووضعته على الكرسي بجانبها .. تنقلها بين صنف وآخر من الطعام بدون أي (إتيكيت) .. كأنما تتذوق (العالم) لأول مرة ..

بل هي كذلك .. إنها الدهشة التي تصيبنا ، حينما نصادف الاشياء للمرة الأولى ، فنتصرف مثل الاطفال ... "أوووه أيها المترف" ..

شعرت بفيض من الحب يغمر قلبي تجاهها .. براءتها .. عفويتها .. تلقائيتها .. والشعور بالامان الذي هبط عليها ، وهي معي .. فنسيت العالم من حولها .

حينما يسكن إنسان إليك ، تعتريك حالة من الاستسلام .. والحب اللانهائي .. تذكرت صاحب السيارة الذي قذفها ، فتداعى إلى ذهني مخزون هائل من اللعنات ...

أي نفس سويه يسوغ لها أن تفتك ببراءة مثل هذه ..؟

أي توحش قادر على أن يغرس خنجر الغدر في هذا الطهر الفطري ...؟

قالت ، وهي ترفع خصلة شعر سقطت على وجهها : - كثر الله خيرك ..

دبت الحياة في محياها ، بعد الجوع والعطش .. وجهها عاد أكثر بشاشة .. جبينها العريض صار أكثر ضياء .. عيناها ، كأنما أوقدت فيهما قناديل فـرح .. امتد وهجها إلى ثناياها ، فازدادت ألقا .. لتصنع لها إبتسامة آسرة .. كلما افتر ثغرها ..

عندما أنهت ترتيب عباءتها ، وشرعت تضع غطاء رأسها ، ووجهها في مكانه ، قلت لها :

- لابد أن أعقم الجرح ، حتى لا يلتهب ...

هزت رأسها موافقة . رفعت ثوبها إلى حدود الجزء الممزق ، ليظهر الجرح ، ولأتمكن من تنظيفه . أخبرتها أن المادة المعقمة تحتوي على مادة قلوية ، وستشعر نتيجة لذلك بألم ، وعليها أن تتحمل . ، ، كنت قد أنهيت تنظيف الجرح ، ووضعت الشاش واللاصق عليه ، وأتهيأ للنهوض ، حين شعـرت بكفيها تطبقان على جانبي رأسي ، وتأخذه إليها ، ثم تنحني وتطبع قبلة على جبيني ، وتقول :

- يا ليتك (أخوي) ... يا ليتك ...

وسكتت ..

رفعت رأسي ، ونظرت إلى وجهها ..

اعتبريني أخا لك ...

قلتها وأنا أنهض ، وهي تتبعني بنظراتها .. وتغالب دمعتين ..

عقربا الساعة في سباق ، الصغير يؤشر على الرقم 11 ، والكبير إلتحم بالرقم 2 .. لا أدري أيهما سبق . لم يعد لتقسيم الفراغات في تلك الدائرة التي يسمونها (ساعة) ، أي معنى لدي ...

الساعة الآن هي الحادية عشرة وعشر دقائق ..

عند الساعة الواحدة .. حينما تدلف موضي ، بخطوات متوجسة إلى بيت أهلها ..؟

وصلت إلى مقر عملي .. ونزلت ..

لم يتبق وقت للعمل اليوم . تركتها في السيارة ، وذهبت لإنجاز بعض الأعمال المعلقة ، ولأعتذر عن التأخير .. وعن بقية اليوم .

بدوت أمام الزملاء متوترا .. شارد البال .. غير قادر على التركيز ..

وقعت اسمى في المكان غير الصحيح أكثر من مرة .. وأختلف توقيعي عن الآخر أكثر من مرة .. ناديت أحد الموظفين بغير اسمه ..

ظروف عائلية ...

كان هذا هو التبرير .. وانسحبت ..

جزء من الشرود والتوتر الذي انتابني في العمل ، كان بسبب الضغط النفسي الذي فرضه التفكير المتواصل في أمرها ..

لقد قررت أن لا أنزلها عند المدرسة ..

سيطر علي هم واحد : هـل أتركهــا تذهب بهذه البساطة .. دون أن تتعلم درسا ، يمنعها من العودة لنفس السلوك ..؟

هل أدعها تعود لبيت أهلها .. لتعود بعد ذلك لنفس الطريق ..

عدت إلى السيارة بغير الوجه الذي ذهبت به ..

مهمومـا .. متجهما .. ومتوترا .. ضاقت على الأرض بمارحبت .. ركبت ، وسحبت الباب خلفي بقوة .. ولم أكلمها ..

كنت ، حينما خرجنا من المطعم ، قد ألنت لها القول ، ولاطفتها ، وحدثتها حديث القلب للقلب عن خوفي عليها .. وقلقي على مستقبلها ، ورجوتها أن تنتبه لنفسها .. وختمت ذلك بمزحة ، فقلت :

- إن عاهدتني أن تلتزمي بما قلت لك اشتريت لك أسكريم (كون زون) أو (باسكن روبنز) ، لكن باسكن روبنز أمريكي ، وأنا مقاطع البضائع الأمريكية ..

ضحكت ببراءة الآمن في سرية ، وقالت بعفوية أخذت قلبي :

- أبغى اكتب اسم الاسكريم .. حتى إذا رحت للمدرسة أقول للبنات إني أكلته ..

ثم أضافت :

- أبلا نوره .. دائما تنهي الحصة بتذكيرنا بمقاطعة البضائع الأمريكيــة .. لكن .. ثم سكتت قليلا .. لتقول :

.. البنات في الفسحة يعلقون على (أبلا) نورة ، ويقولون :

"الأبلا ساكنة في شمال الرياض .. وتحسب الناس كلهم مثلها ، يستطيعون أن يشتروا بضائع أمريكية" . أندفع الدم إلى وجهي ، وشعرت كأنما لفحتني موجة حارة .. إنها فوقية المترفين ..

إنها (ماري أنطوانيت) ، التي تطالب الجائعين ، الذين يتظاهرون من أجل الخبز .. أن يأكلوا (بسكويت) .. أوهي (أبلا نورة) .. التي تطالب الجوعى والعراة .. أن لا يشتروا من (مكس) ، أو (نكست) ، أو (فرساتشي) ..

،حينما استقريت على المعقد ، بتلك الحالة المتوترة ، تطلب الأمر مني وقتا ، لأخرج المفتاح من جيبي .. ولاحظت ذلك ..

عندما بدأت أدير المفتاح ، لتشغيل السيارة ، صدحت اغنية من (الراديو) ، الذي يبدو أنها قد عبثت به أثناء غيابي ..

كان المغني يردد :

"زمانك لو صفا لك يوم ... زمانك ما صفا لك دوم

وعينك لو أهتنت بالنوم ... ترى الأيام دواره

ترى الايام دواره .."

للحظـة .. استسلمت لكلمات الأغنية ، التي فتقت جرحا جديدا .. ثم أقفلت الراديو .. بانفعال . قالت ، وكأنها تريد أن تخفف من حدة التوتر ، الذي لاحظته على ، حينما عدت :

- الاغنية كلماتها حلوة .. صح ..؟

لم أرد عليها .... - ما تسمع أغاني ..؟ - لا .. - حرام ..؟ - نعم .. - أنت كنت تسمع قبل (شوي) .. - أنت تحققين معي ..؟ - أنت زعلان .. أنا سألتك .. لأن فيه معلمة عندنا تقول ، الذي يسمع أغاني كافر .. - لا .. ليس كفر .. لكن حرام .. - ما فهمت .. - سماع الأغاني معصية .. ويفسد الأخلاق .. وأنت ما أفسدك إلا سماع الأغاني . - يعني أنا فاسدة ..؟ ، ، ، - هذا الذي قمت به .. ماذا تسمينه ..؟ - ...... ران الصمت بيننا ..

بدأ الندم يأكل نفسي .. لقد هدمت كل ما بنيت هذا الصباح .. بلحظة غضب .

أشعر أني انتقم لنفسي منها .. أن تورطت بها ..

أضاعت وقتي .. وأوقعتني في حيرة .. وحملتني مسئولية الحفاظ عليها .. لنفسي فقط ..

كيف أريد علاجها ، وأنا قد شرعت بإدانتها .. وتجريمها ..؟

قلت ، بعد أن أستعدت هدوئي ، وبلهجة بالغت بأن أشعرها من خلالها بالمحبة والحنان :

- موضي حبيبتي .. أليس هذا الذي فعلتيه خطأ ..؟

- صح .. لكن خلني أسألك سؤال .. أعطني فرصة .. أقول لك شيء ..

- أنا الذي أريد أن أسألك سؤالا ..

.. من هو الشخص الذي كنت معه الصباح ..؟

- لا أعرفه ..

- تركبين مع شخص لا تعرفينه ..؟

- والله العظيم لا أعرفه .. أصل الموضوع .. البندري ..

وأخذت تبكي .. وتوقفت عن الكلام ..

- تكلمي يا موضي .. أرجوك ..

- "أنا شفت إكسسوارات حلوة على زميلتي البندري .. أعجبتني ..

قالت لي : أعجبتك ..؟ قلت لها نعم .. قالت قولي لأبوك يشتري لك مثلها .."

هي تعرف أن الوالد غير موجود .. لكنها ..

وانخرطت بنوبة بكاء أشد مما سبق ..

تركتها حتى سكنت ، وأنا أكثر فضولا لمعرفة التفاصيل .

شعرت أن المسألة أكبر من طيش مراهقة ، إلا أنـي لم أجرؤ أن أطلب منها مواصلة الحديـث . لكنها ، حينما ألتفتت تطلب مني منديلا تمسح به دموعها ، رأت اللهفة في وجهي ، لمعرفة تفاصيل الموضوع ، ورأيت أنا في عينيها انكسارا يذيب الحجر الأصم ..

استأنفت الحديث :

- البندري تعرف أن الوالد غير موجود .. لذلك ، قالت لي :

"وإذا ما عندك أب .. لازم يكون لك (صاحب) .. تطلعين معه .. يشتري لك اللي تبين .. ويؤكلك في المطاعم" ..

قلت للبندري : أنا ما أعرف أحد ، قالت : "ما يهمك .. أنا أعطيك رقم واحد .. عنده سيارة (كشخه) .. تكلمينه ..

"فعلا .. كلمته أكثر من مره .. وسمعني كلام حلو .."

أمس قال لي ..

الصباح لا تمشين للمدرسة .. روحي للشارع العام .. وأجـيء أخذك من هناك الساعة 7 " ..

فعلا .. رحت للشارع العام .. وجاء الشخص الذي رأيتني معه ، وركبت ..

كان أول شيء قال لي : "أنا أحبك يا موضي .. البندري كلمتني كثيرا عنك .. أنت تستأهلين كل خير .. أنت بس تدللي .." .

بعد ما مشينا بفترة بسيطة ، قال إن فيه (جمس) ، مثل سيارة الهيئة يمشي خلفنا .. ثم أسرع .. وصدمنا فيك ..

كنت أستمع إليها مذهولا .. أحاول أن أكذب سمعي ..

- ومصدقة انه يحبك ..؟

- لا .. طبعا .. كلام فاضي ..

- وأنت صدقتي البندري .. يمكن الذي اشترى لها الاكسسوارات أبوها .. ؟

- لا .. أبوها غير موجود .. أمها مطلقة .. وهي ساكنة مع أمها .. وأبوها ساكن في مدينة ثانية .. ولا يعترف فيهم ...

شعرت برغبة حقيقية بالبكاء .. البندري أيضا ضحية ..

وأنت .. الوالد أين هو ..؟

ترددت برهة من الوقت .. ثم قالت :

مسجون ...

ثم أضافت :

ولا عندنا أحد يصرف علينا ..

في هذه اللحظة لم أملك أن أمنع نفسي عن البكاء .. أوقفت السيارة على جانب الطريق ، وبدأت أبكي بكاء صامتا ..

كنت منغمسا في لحظة وجع حقيقي .. أغلق الدمع عيني ، فلم أعد أرى شيئا ، عندما سحبت يدي وقبلتها ، وهي تقول بعينين دامعتين ، ووجه صار مرتعا للألم فقط :

- تبكي من أجلي ..

ثم خنقتها العبرة ..

كنت قد عزمت على أمر بخصوصها .. وأنا أعود إلى السيارة ، بعد أن تركتها لأصلـي الظهر ، في مسجد على الطريق ..

بعد خروجي من المسجد ، فوجئت بعدم وجودها في السيارة .. شعرت كأنما يد قد اخترقت صدري .. وانتزعت قلبي منه ..

تساءلت ..:

أين تكون ذهبت ..؟ .. هل هربت ..؟

انتابني شعور مزيج من القلق والسخط .. أشد شيء آلمني .. إحساسي أنني بعد كل الذي صنعته من أجلها .. لم تثق بي .

ليس أقسى من أن تفقد الثقة .. أو لا تكون محل ثقة .. لإنسان تحبه .

كنت على هذه الحال ، إذ رأيتها تخرج من مصلى النساء .. فأشرق وجهي .. وأحسست قلبي يعود إلى مكانه .. صرت أخاف عليها ..

وفرحت أنها حريصة على الصلاة ..

أحس أن الصلاة هي العتبة الأخيرة .. التي يقف الإنسان عليها ، قبل أن يهوي .. إذا ما تركها ، إلى درك .. يكون فيه ، هو والحيوان سواء ..

قالت وهي تفتح الباب لتركب :

- خفت تطلع من المسجد .. ولا تلقاني .. ثم تروح وتتركني .. فاستعجلت بصلاتي .. تنهدت ، وقلت في سري :

- "أنا الذي خفت .. أنك رحتي وتركتيني .."

صارت بالنسبة لي ، حبلي الوحيد إلى الحياة (الحقيقية) ...

في الطريق إلى المدرسة قلت لها :

- قبل أن أنزلك عند المدرسة أريد أن نمر من عند بيتكم ، حتى أعرف مكانه ..

ردت بتوجس ، وكأنها شكت أني سأذهب بها إلى أهلها :

- لماذا ...؟ - يمكن أزوركم الليلة .. - والله ..؟ - إحتمال ..

تعرفت على موقع البيت ، ثم توجهت بها إلى المدرسة .. لم تكـن الطالبـات قد خرجن بعد .. فانتظرنا في السيارة في شارع مجاور ..

كانت أسراب الطالبات قد بدأت بالخروج من بوابة المدرسة عندما بادرتني قائلة :

- ما قلت لي إسمك .. - محمد ..

نزلت .. وأغلقت الباب .. وبعد بضع خطوات ألتفتت نحوي ولوحت بأطراف أنا ملها .. خرجت من حي (الأمل) .. أحمل قلبا .. و(أملا) .. وإنسانية مستعادة ..

عند إحدى الاشارات ، نبهني سائق السيارة الذي بجواري ، إلى أن الباب لم يغلق جيدا .. التفت لأغلقة ، فوجدت قصاصة ورقة .. كانت قد كتبتها .. وتعمدت أن تتركها لأجدها.. قرأتها .. ثم دسستها في جيبي .. وتأكدت مرة أخرى أن البراءة لو تمثلت إنسانا ، وسارت على الأرض ، ومشت بين الناس .. لكانت هي ..

صليت العشاء في نفس المسجد .. ثم أنطلقت باتجاه بيتهم .. كنت قد عرفت منها عدد إخوانها وأخواتها ، واتفقت معها أن تذكر لأمها أن إحدى المعلمات تجمع معلومات عن الأسر المحتاجة ، وأنها قد استدعتها وطلبت منها معلومات عن بيتهم وأسرتهم ..

وصلت .. وقرعت الباب .. كنت مرتبكا قليلا . أخذت ، وأنا انتظر الرد ، أقلب طرفي فيما حولي .. لفت نظري أن كل بيت لا يكاد يخلو من طبق من أطباق الاستقبال الفضائية التلفزيونية (الدش) ..

أي واقع إجتماعي سيتشكل ، عندما يجتمع في هذه البيوت .. الفقر .. والظلم الاجتماعي والمشاكل الأسرية .. وإنخفاض مستوى التعليم .. وفضائيات تصب العنف ، والجنس ، والرذيلة .. في عقول ساكنيها ..؟

هل يمكن أن يستغرب المرء سلوكا مثل الذي وقع من البندري .. وموضي ..؟

فتح الباب ، وأطل طفل لا يتجاوز التاسعة . حسب توصيف موضي ، هذا شقيقها محمد . هناك بنت تكبره .. نوف ، أصغر من موضي ، في الصف السادس الابتدائي .. وأصغر منه بنت في الصف الأول .. أظن أن إسمها إبتسام ، ثم عبد الاله في حدود الخامسة .

سألته : - اين الوالدة ..؟ - من أنت ؟ - مشرف إجتماعي .. من الجمعية الخيرية ..

غاب قليلا ثم عاد .. وسحب الباب خلفه ، وأبقاه نصف مفتوح ، ثم قال :

- الوالدة خلف الباب ..

ألقيت عليها السلام ، وذكرت لها أنني عضو في مجموعة خيرية ، تقوم بحصر الأسر المحتاجة ، من خلال التعاون مع بعض المعلمات ، ليتم ترتيب شيئا لها ، يساعدها في مواجهة تكاليف الحياة ..

كان يوم سبت ، أخبرتها أن هذه الزيارة استقصائية ، لمعرفة أوضاع الأسرة بالتفصيل ، وأنه سيعقبها زيارات أخرى ..

طلبت مني الدخول إلى غرفة تفتح على الممر المؤدي إلى داخل المنزل ، يبدو أنها (المجلس) المعد لإستقبال الضيوف.

جلست على فرش (موكيت) متآكل .. قد ذهب لونه . كان هناك مسندتان للظهر .. أو ثلاث .. ولا شئ غير ذلك ..

في السقف يوجد مروحة عتيقة ، ولمبة (فلورسنت) 2. شمعة ، أطرافها معتمة لطول الاستخدام . على الجدران المدهونة ، بلون أبيض مطفي ، يوجد خربشات أطفال .. لفت نظري أحدها ، يقول : "الدهر يومان .. يوم لك ، ويوم عليك" ..

ثم رسمة لقلب ، قد إخترقه سهم ، وينزف ، وقد كتب تحته :

" أحبك لو تكون ظالم" ..

لاحظت أن مثل هذه (الشعارات) مشترك (ثقافي) ، بين الاغنياء والفقراء ..

لكن .. كيف يفهم كل فريق (اليومين) .. اليوم الذي له .. واليوم الذي عليه ..؟

ما هو مفهوم كل طرف للحب .. وكيف هو مفهوم الظلم في الحب .. وفي غيره ، عند كل منهما ..؟

كيف فهمت موضي (الحب) .. لما سألتني إن كنت افعل الذي أفعله من أجلها .. لأني أحبها ..

وتبرعت بالتفسير ، على ضوء ما تعتقد أنه القانون السائد ، الذي يحكم العلاقات بين الناس

.. فقالت :

"الشخص لا يخدم شخصا آخر إلا إذا كان يحبه .. أو ينتظر منه شيئا .. مقابل ما يقدمه له" ..

موضي علمت يقينا أنني لا أنتظر منها (شيئا) .. مثل ذلك الذي كان يريده منها صاحب السيارة ..

وهي غير متأكدة أنني أحبها .. لروحها .. وذاتها .. إذ هي .. رغم صغر سنها ، تدرك ، أن حبا من هذا النوع ، لا يمكن أن يتخلق في إتصال هاتفي .. أو لقاء عابر ..

لذلك .. هي عاجزة أن تفسر موقفي منها .. لأنها غير قادرة على أن تبني علاقة بين متغيرين ...

عندما أخذت مكاني في المجلس ، جلست هي خارجة ، في الممر ، عند الباب ، تسمعني ، ولا أراها . سألتها بالتفصيل عن أحوالهم المادية ومصاريفهم اليومية والشهرية ..

عرفت منها أن زوجها مسجون في قضية مخدرات ، وأن محكوميته طويلة ، وأنهم منذ سنتين تقريبا لم يروه .. لأسباب لم تذكرها .

لا أقارب لصيقين لهم في الرياض .. أهلها .. وأهل زوجها يعيشون في مناطق بعيدة .. وليسوا بأحسن حال منهم ..

أنتهى اللقاء .. ووعدتها بزيارة قريبة ..

كنت قبل أن آتيهم ، مررت على محل لبيع الوجبات السريعة ، وأشتريت لهم فطائر (هامبورقر) ومشروبات غازية .. وتعمدت أن يكون عدد الفطائر غير مطابق لعددهم .. حتى لا تشك بأن لدي معلومات سابقة عنهم .

كانت فرحة الأطفال لا توصف .. بكيت في داخلي ، وأنا أراهم يتقافزون فرحا .. ويردد عبدالإلة الصغير : "زي اللي في التلفزيون" ..

مررت مساء الاثنين في زيارة سريعة ، وأنزلت اغراضا ، استشفيت من لقائي الأول أن هناك حاجة ماسة لها .. اشتريت كذلك وجبات (هامبرقر) ..

في هذه المرة لفت نظري شيئا ..

عندمـا كانت تساعد في إدخال الاغراض لاحظت أنها شابة .. كانت أصغر مما توقعت بكثير . كنت أظن أنها على مشارف الاربعين .. ظننت ذلك بناء على عملية حسابية ، أضفت فيها عمر موضي ، إلى سن الزواج المعتاد للنساء .. وتأخر في الحمل ، سنة أو سنتين ، إضافة إلى أشهر الحمل ..

هي في أول ثلاثينياتها قطعا .. وربما لا تزيد على الثلاث والثلاثين . تألمت أن تواجه إمرأة شابة ، في قمة نضجها البدني والعقلي ..

ذكرت لها أني سآتي عصر الخميس ، لآخذ الاطفال إلى مركز ترفيهي ، ليتسلوا ببعض الالعاب . حينما جئت يوم الخميس ، كانـوا بانتظاري .. محمد وإبتسام وعبدالالة . سألتهم عن نوف ، فقالوا إن والدتهم لم تسمح لها ، وقالت لها ، أنت كبيرة .. لا يجوز أن تخالطي الرجال . بقدر ما أسفت أنها لن تفرح مثل بقية الاطفال ، في سنها ، إلا أنني ثمنت الموقف التربوي لوالدتها .

أخذتهم إلى مركز ألعاب ، وأطلقتهم يلعبون كما يشاؤون .. كنت أطرب حينما يأتي أحدهم ،

ويقول : "عمي لو سمحت .. خلني ألعب في هذي اللعبة .." ..

كان قلبي يرقص معهم .. وفرحت كما لم أفرح من قبل في حياتي .. وحينما ركبت معهم في إحدى الالعاب ، ومالت بنا .. وظنوا أنهم سيسقطون ، ألتصقوا بي كالافراخ ، إذ تلوذ بأمها ..

خرجنا من مركز الالعاب ، وكان قد بقى على صلاة المغرب ما يقرب من ساعة ..

أقترحت عليهم أن نأكل شيئا .. فضجوا ، فرحا وابتهاجا . دخلنا مطعم وجبات سريعة ، وأكلنا ، وطلبت أكلا للذين بقوا في البيت .

كان وقت صلاة المغرب قد حـان ، عندما غادرنا المطعم . صليت أنا ومحمد في مسجد قريب ، ثم أنطلقنا إلى البيت .

فتح الباب بعد طرق لم يتعد ثواني .. من خلف الباب سمعتها تلهج لي بالدعاء ..

طلبت مني أن أدخل لأتناول كأسة شاهي .. فاعتذرت لإنشغالي بارتباط .. جاء صوتها ترجوني :

- لن نؤخرك .. إشرب شاهينا .. حتى لو إنه .. (ماهو قد المقام) ..

- أشرب شاهيكم يا أم محمد .. ولا تقولي هذا الكلام مرة أخرى .. فإنه يؤذيني ..

جلست في نفس المكان ، وبعد لحظات جاء الشاهي في صينية معدن متثلمة ، وعليها ثلاث كأسات شاهي ، كل واحدة من صنف مختلف .

جلست أمامي القرفصاء ملتفة بعباءتها .. وبجانبها عبدالاله . وصبت كأسة شاي وناولتني إياها ، بأطراف أصابعها ، وكفها مازالت ممسكة بعباءتها ..

قالت :

- كلفنا عليك .. في ميزانك .. إن شاء الله .

- ليس أجمل من ضحكة طفل .. إلا شعوره بالامتنان تجاهك .. لقد ضمتني إبتسام .. دون أن تتكلم .. لو تدرين يا أم محمد .. تطحننا الحياة أحيانا .. بلا رفق ، بإيقاعها السريع .. ونحتاج إلى ضمة كهذه .. لتبتل قلوبنا التي قتلها العطش ..

خرجت من عندهم ، ووعدت بزيارة في مطلع الاسبوع القادم دون أن أحدد وقتا معينا ..

انشغلت يوم السبت ، لكنني جئت في الموعد نفسه مساء الأحد . طرقت الباب وأنا أحمل طعاما ، وبعض الحلويات ..

تأخر الرد هذه المرة .. ثم حينما فتح الباب ، ظهر محمد مترددا .. ناولته الأغراض ، بعد أن سلمت عليه ، وداعبته .. لكنه لم يستجب لدعابتي ..

وقال ، وهو يشرع في إغلاق الباب :

- أمي تقول .. لا نريد منك شيئا .. ولا نريد أن نراك ثانية

ما الذي حدث .. خاطبت نفسي ..؟

تركت الأغراض في مكانها ، وعدت إلى سيارتي أجر خطواتي جرا ..

ركبت سيارتي ، لكني عجزت عن تشغيلها ..

عدت إلى الباب ثانية وطرقته .. وألححت في الطرق .. فجاءني صوتها من وراء الباب:

- أرجوك أن تدعنا وشأننا ..

- لن تريني ثانية .. خذي الأغراض التي عند الباب .. إنها للأطفال .. أرجوك ..

لم أنم تلك الليلة ..

سيطر علي إحساس أن الأمر له علاقة بموضي .. في الصباح الباكر إنطلقت ، قبل أن يبدأ الطلاب والطالبات الخروج إلى المدارس ..

جلست أرقب البيت من بعيد .. كلهم خرجوا إلا هي ..

من الغد .. صباح الثلاثاء ، فعلت الشئ نفسه .. لم تخرج موضي ..

بعد المغرب كنت عند الباب . طرقت .. جاء الرد بأسرع مما توقعت ..

كانت إبتسام هي التي فتحت ، يضيء وجهها بابتسامة ..

- ماما .. محمد عند الباب ...

الصوت يأتي من الداخل ...

- أغلقي الباب ... يا بنت ..

كان معي حلاوة ، فأخرجتها ، ولوحت بها لإبتسام ..

فجاءت تركض نحوي ..

طبعـت على جبينها قبلة ، وأعطيتها الحلاوة .. وأخذت أمازحها .. استبطأت أمها عودتها ، فجاءت إلى حيث الباب ، فرأتها معي .. صرخت :

- تعالي يا بنت ..

ثم وجهت الكلام لي :

- لم لا تكفينا شرك ..؟

- أم محمد .. أنا سأذهب .. لكن ، ليس قبل أن أعرف السبب ..

- أما تخاف الله .. تستغل حاجتنا .. وضعفنا .. وقلة حيلتنا لتخدع فتاة بريئة ..

خانني الدمع .. فتفجرت عيناي ..

رفعت وجهي إليها ، الذي غدا ، والدمع يملؤه ، كغدير ماء ضحل خاضت فيه السنابك ..

- إتق الله .. فأنا لا أتحمل مثل هذا الكلام .. ولن أغادر عتبة بابك حتى أعرف القصة كاملة ..

كأنما شكت فيما لديها ، مما تعتقد أنه (حقائق) ، وهي ترى الألم .. والذهول .. والصدمة .. تتصبب من قسمات وجهي صبا ..

- تفضل ..

دخلت وأخذت مكاني المعتاد في المجلس .غابت عني دقائق ثم عادت ومعها موضي .. ووقفت أمامي .. ثم قالت ، وهي تشير إلى موضي بصوت مملوء بالغضب ..

- ما قصة هذه الملعونة ..؟

ثم لطمتها لطمة أطارت غطاء وجهها ..

كان مشهدا صدع قلبي .. ذلك الوجه اللؤلؤي البديع غدا كقطعة كهرمان .. من الكدمات السود التي انتشرت فيه ، نتيجة لتعرضه لضرب قاس وعنيف ..

إلتقطت موضي غطاء وجهها ، ثم قبعت عند الباب .. كما أمرتها أمها ..

حكيت لها قصتي مع موضي كلها .. ثم قلت :

- أريد أن أحدثك حديثا خاصا .. قبل أن أمشي ..

أشارت إلى موضي بالانصراف ..

- البنت طفلة بريئة .. ضحية ظروف كثيرة ، لا تستحق هذه القسوة

هي قد ارتكبت خطأ .. نعم .. لكن تم تداركه والحمد لله ..

- محمد ..

هكذا نادتني .. باسمي مجردا .. والبكاء يغلبها ..

- أنت لا تعرف أي شئ مثلت لي خلال هذا الأسبوع ، قبل أن أكتشف قصة موضي..

زوجي مات في السجن .. وهو قبل أن يموت فعلا .. كان بالنسبة لنا ، فـي عداد الاموات ..

تورط في تعاطي المخدرات ، ثم ترويجها .. وانتهى النهاية المتوقعة لسلوك مثل هذا ..

وأنا إمرأة ضعيفة .. أم بنات .. مشلولة الارادة .. مستهدفة .. أعيش حالة من الذل مستمرة .. إن ذهبت للبقالة .. لا يخلو خطاب العامل الهندي لي من تلميحات .. إن سرت في الشارع .. كل الرجال يعتقدون أني مستعدة لتقديم شيء ..

قبل أن أتوقف عن الذهاب إلى (الذل الجماعي) الذي يسمونه (الضمان الاجتماعي) .. كنت أعاني العذابين ..

في ذلك البناء المتهالك في (الغرابي) .. حيث طوابير العمال .. نظراتهم الجائعة .. تنهش جسدي .. أعود بفتات تافه حقير .. لا يكفي دفاتر ، ومراسم لهؤلاء الاطفال ..

قالت ، وهى تنتزع آهة من أعماقها ..

- لا يمر أسبوع إلا وتمر علي (أم سعد) .. تغريني كثيرا .. وتهددني بخطـف بناتي أحيانا ..

- من هي أم سعد ..؟

- قواده ..

غلبها البكاء .. وأخذت تنشج

استأنفت الحديث ، بعد أن تمالكت نفسها :

- قواده ..

تقول لي .. مـرة في الاسبـوع .. أربعـة ألاف ريال في الشهر .. ومصروف جيب للأولاد .. و "تحبين يدك مقلوبة" ..

بسرعة ترى شبابك ينقص كل شهر .. وليس كل سنة ..

حقيقة .. لم استطع أن أتكلم .. أو أعقب ..

- في كل مرة تجيء بسيارة أحسن من التي قبلها .. آخر مره قالت لي :

"إسمعي نصيحتي يا ساره ، إذا أنت مبسوطة من عيشة النكد والفقر التي أنت فيها .. (حرام) تحرمين موضي من فرصتها .. موضي بنية حلوة .. وكثيرون سوف يدفعون ..

لقد كاد أن يصيبني الجنون ، عندما اكتشفت قصة موضي بالصدفة .. قلت .. أكيد صادتها (أم سعد) .. أنا أعيش كابوس اسمه (أم سعد) .. الله يلعن القوادات ..

تلومني يا محمد إذا طردتك ..؟

تلومني إذا (كفرت) بالبنت .. وضربتها بهذا الشكل ..؟

في البداية .. قلت ، أنت نازل علي من السماء .. ثم لما غلطت موضي ، وقالت لإخوانها أنها أكلت في

مطعم .. حسبت أنك .. حاشاك .. من (كلاب) أم سعد ..

استمرت تتكلم وأنا مطرق رأسي ..

لا أستطيع أن أتحمل معاناتها ..

كيف استطيع أن أقف معها ..؟ وإلى متى ..؟

بين كل عبارة وأخرى تكرر ..

"حنا محتاجينك" ..

قلت .. وأنا أنهض :

- أستأذن يا أم محمد ..

- ستتركنا ..؟

- سأسعى لوضع ترتيب لكم مع إحدى الجمعيات الخيرية ..

- نحن لا نحتاج خبزا وزيتا ..

ثم أضافت والعبرة تخنقها ..

نحتاج إنسانا يقف بجانبنا ، ويحمينا ... نحتاجك ..

وأجهشت بالبكاء ..

- أنا شخص مشغول .. وأنتم بحاجة إلى جهة تلتزم تجاهكم بكل شئ ..

- ستتركنا ..؟

انتزعت الكلمة هذه المرة ، من أعماقها ، والدمع يكاد يشرقها ..

- من الأفضل لك أن أبتعد .. ترددي عليكم قد يثير حولك أقوال .. أنت بغنى عنها ..

قلتها ، وأنا قد امتلأت بالدمع حتى فاض ..

- لكننا نريدك ..

ثم أضافت .. :

- كل الناس حولي هنا لا يسلمون من كلام مثل هذا ..

كنت ما أزال واقفا .. حينما ألقت علي عرضا مثل القنبلة :

- أزوجك موضي ..

فاجأني كلامها .. فلم أدر ما أقول .. فأضافت :

- أنا أعرف ماذا يدور في ذهنك .. صحيح نحن لسنا (قبائل) .. كما يقولون .. لكن الحمد لله .. محافظون على أخلاقنا .. وديننا ..

ثم .. إذا لم نكن (قبائل) .. وهذا قدرنا .. ماذا نفعل ..؟

ونحن .. كذلك .. لم ننزل من القمر ..

أحسست بالدوار ..

وأستدرت خارجا ..

قبل أن أصل الباب الخارجي سمعت صوت عبدالإله خلفي .. يناديني :

- محمد .. محمد .. ألتفت إليه ..

قال :

- صحيح .. أنت قلت أنك سوف تخرج بنا إلى البر .. نلعب كوره ..؟

- صحيح يا حبيبي ..

- متى .. قلت له :

- الآن يا حبيبي ..

كانت إبتسام واقفة قريبا منا ، في عينيها دمعتان .. وألقيت نظرة على وجه عبدالاله .. كان الوجه الصغـير مخضلا بالدموع ..

من داخل البيت كان صوت جهاز التسجيل يأتي ، محملا بكلمات أغنية .. تقول :

أحبك .. لو تكون ظالم ...

أحبك .. لو تكون هاجر ... أحبك .. لو تكون غادر ..

وأمشي معاك .. للأخر ... أنا أمشي معاك .. للآخر ..

لم يكن قلبي بحاجة لمثل هذا الكلام .. كان ينزف ..

قلت لإبتسام :

- من الذي يشغل المسجل ..؟

- موضي ..

عرفت أنها توجه لي رسالة ..

- قولي لها تغلقه .. أنا لا أحب سماع الأغاني ..

قبل أن أنهي عبارتي كانت قد انطلقت إلى داخل البيت .. تصرخ في موضي ، تطلب منها إغلاق المسجل .. لأنني "ما أحب سماع الأغاني" .. ثم أضافت من عندها ..:

" وإلا ترى ما نأخذك معنا للبر .." .

ركبنا السيارة جميعنا .. ومررت على أحد المطاعم ، وطلبت لنا عشاء .. ثم توجهت إلى الدائري الشرقي .. في منطقة بين مخرج (9) و .. وأخذنا مكانا منعزلا ..

أخرجت بساطا ، أحمله معي في السيارة ، وفرشته لهم .. وأعطيتهم الأكل ، بعد أن أخذت نصيبي ..

مشيت مبتعدا .. وأنا أسمع ضحكاتهم تدوي في أذني ..

كنت قد ابتعدت ، غابت الأصوات .. ولم يبق إلا كلمات الأغنية .. تتردد في ذهني ..

منقوووووووووووووووووووووووووووووووووووووووووووووول

لا تنسون تخبروني عن رايكم ........
3
967

يلزم عليك تسجيل الدخول أولًا لكتابة تعليق.

تسجيل دخول

لازورد
لازورد
لاااااا



طيب القصه انتهت؟؟


هي قصه حقيقيه؟؟؟


تراني تحمست مررررررررره
ينت الامارات
ينت الامارات
مرحبا اخت لازورد
القصه واقعيه و بصراحه انا وايد تحمست لها يوم قريتها لأول مره
القمورة أمورة
لاحول ولا قوة إلا بالله...

فيه زي موضي كثيير....

والله ماني عارفة ايش اكتب.....

الحمدلله على كل حال....

مشكورة بنت الامارات..
:(:(:(