الهروب إلى السمنة
جلست السيدة التي تعاني من السمنة أمام الطبيب و أخبرته أنها جربت كل الوسائل لكي تفقد الوزن الزائد لديها ، فاتبعت أنواع من الريجيم القاسي ومارست الرياضة ، بل وفعلت كل شيء لكي تعود الى الرشاقة المفقودة ، حتى أنها أجرت عدة عمليات في جهازها الهضمي لتقليل امتصاص نواتج هضم الطعام ، و مع ذلك فهي غير سعيدة بالمرة من النتائج ، اذ ما زالت زائدة الوزن . و رغم عصبيتها و انفعالها ، فقد كانت مصممة على فقد الوزن الزائد . قالت السيدة للطبيب : "لا تحدثني عن العوامل النفسية التي تؤدي للسمنة ، فأنا لا أعاني من أية أمراض نفسية و مشاعري بخير ، لكن فمي هو المشكلة" . و في الاسبوع التالي كانت السيدة تستسلم لعملية تثبيت أسلاك من الصلب في أسنانها لمنعها من تناول الطعام . و اليوم و بعد مرور الشهور ما زالت هذه السيدة تعاني من السمنة .
يعتقد الكثيرون أن السمنة مرض ينتج عن الشهية المفتوحة و الأكل الزائد عن الحد فقط ، و لا ينبتهون لتأثير العوامل النفسية و المشاعر و العواطف في احداث هذا المرض . فقد تكون السمنة عرض لعدم التوازن النفسي و العاطفي للشخص السمين .
كيف تحدث السمنة ؟ .. ان الطعام ضرورة حيوية ، و استهلاك الطعام هو غريزة طبيعية مقصود بها اطالة الحياة و استمرارها . و من خلال التكرار و الترابط تكتسب بعض الأغذية قيم عاطفية خاصة ، مثل منتجات الألبان التي ترتبط بالطفولة المبكرة و العلاقة مع الأم ، كما أن الحلوى ترتبط بالمكافأة و الرضا ، فيما ترتبط الأغذية البروتينية و اللحوم بالقوة و الرجولة . و يرتبط الأشخاص من مجموعة عرقية معينة بأغذية لها علاقة ببلادهم الأصلية ، فيرتبط الهنود بالكاري و المأكولات الحريفة ، و يرتبط المصريون بالفول و الطعمية و الكشري ، و يظل هذا الارتباط موجودا جتى لو هاجر هؤلاء الأشخاص لبلاد تبعد عن بلادهم الأصلية بألاف الكيلومترات ، ذلك أن تجاربهم العاطفية في الطفولة ترتبط بهذه الأغذية ارتباطا وثيقا .
و يشيع القول بين الناس ان هناك طعام جيد و آخر سيء من حيث القدرة على زيادة الوزن، فنجدهم يعتقدون انهم قد أخطأوا خطأ شنيعا اذا أكلوا نوع ما من الأغذية، و لكن الواقع يقول انه ليس هناك طعام جيد و آخر سيء . فالجزر مثلا ليس أفضل من قرع العسل أو الأيس كريم ، لكن الناس يضعون قيما عاطفية لكل نوع من الطعام ، فيعتقد البعض أن تناول طعام مما يطلق عليه سيء يمكن أن يجعله شخصا سيئا أو مهملا للنظام الغذائي الجيد ، كما أنه ليس هناك أغذية يمكن أن تسبب بذاتها زيادة الوزن . ان تناول كمية كبيرة من أي غذاء بما في ذلك عيدان الكرفس قد يشارك في حالة زيادة الوزن ، كما ان تناول الحلويات و الكيك لا يعد مسئولا عن زيادة الوزن اذا كانت الكميات مناسبة . و من المعروف أن ملايين من الايطاليين يأكلون المكرونة و لا يصبحون سمناء ، كما أن اليابانيين يأكلون أطنانا من الأرز ولا يشتهرون كشعب من ذوي الأوزان الثقيلة .
حقيقة الأمر أن الشخص زائد الوزن يأكل أكثر مما ينبغي ، و يستهلك طعاما أكثر من حاجة الحسم أو من قدرة الجسم على الاستهلاك ، مما يستدعي تخزين الزائد في حالة دهون . في هذه الحالة لا تعد الشهية عاملا مهما حيث أن الشخص السمين قد يأكل حتى و هو غير جائع ، و أيضا و هو ممتلئ المعدة . و من المعروف أن الشخص السمين يأكل في معظم الأحيان لكي يشبع احتياجا عاطفيا مثل الملل و الاحساس بالوحدة ، و ايضا عدم الاشباع الجنسي أو العاطفي ، و لكل شخص احتياجاته التي يأكل من أجلها . و لكن كيف يمكن للاحتياجات العاطفية أن ترتبط و تختلط مع الجوع ، و مع الرغبة في تناول الطعام ؟ من المهم أن نلاحظ أن السمين العادي يكون بعيدا عن التواصل مع أجهزة جسده . و لاسباب مختلفة فانه قد يدرب نفسه ألا يختبر عديدا من المشاعر مثل الغضب وخيبة الأمل وضعف الميل الجنسي و التعب و الألم ، و احيانا يكون الشخص السمين اختياريا في عدم الاحساس ببعض المشاعر ، فيرفض أن يتعامل مع هذه المشاعر بعقله الواعي فيما يتعامل عقله الباطن معها و يصدر لها ردود أفعال معينة .
ولأن الجوع هو شعور مقبول و ضروري للاستمرار في الحياة ، فالشخص السمين قد يكون جائعا بصفة دائمة ، أو قد يشعر بهذا الاحساس بديلا عن أي شعور آخر . و بمعنى آخر فان الشخص السمين قد يشعر بالجوع بحيث لا يضطر أن يواجه غضبه ، فيصبح الجوع هو البديل الشرعي لهذا الغضب و هو شعور سلبي . عندئذ بدلا من أن " ينهش جسد رئيسه في العمل " فانه ينهش شطيرتين من الهامبورجر . وفي هذه الحالة لا يعتبر الشخص السمين الأكل متعة ، بل يعتبره نوع من تجاوب المشاعر و العواطف . لذلك يجب أن نعرف أنه عندما يحكم على الشخص السمين بالامتناع الحاد عن الطعام - في حالة اتباع ريجيم غذائي مثلا - بدلا من الامتناع عن مشاعر سلبية معينة ، فانه يكره ذلك في عقله الباطن كما يكره أي شخص آخر حكما بالسجن، لأن ذلك سوف يحرمه من القنوات البديلة للتنفيس عن مشاعره السلبية التي لا يمكنه - و لا يعرف - أن يعبر عنها . و لهذا السبب فان عملية تنظيم الغذاء بالرجيم لا تكون فعالة في هذه الحالة ، ذلك أن الريجيم بالنسبة للسمين هو عقاب جسدي لاحتياج عاطفي قد لا يكون مقبولا من عقله الباطن . حقيقة أنه في مثل هذه الحالات قد ينجح الريجيم الغذائي مؤقتا ، اذ يستعمل الشخص السمين بعض التحكم في النفس أو قوة الارادة ، لكن ذلك كله يتداعى و يتلاشى بمجرد تصاعد المشاعر السلبية مرة أخرى . و كما هو الحال في معظم المشاكل المرتبطة بالمشاعر ، فان الوزن الزائد لا يعني فقط الأكل النهم ، ذلك أن دهون الجسم المتراكمة هي مجرد عرض و علامة لشيء أعمق و أكثر ايلاما لدرجة أن الشخص السمين ببساطة لا يستطيع التعامل معه بعقله الواعي ، اذ يشعر عندئذ بالقلق و الخوف .
من ناحية أخرى ، فان النسيج الدهني الزائد هو طبقة للحماية ، و درع للوقاية من الاخطار ، و الشخص السمين يحمي نفسه من مواجهة شيء ضار ، قد يكون هذا الشيء هو نقص في الثقة بالنفس ، و هو ما يظهر في عدة أشياء مثل خلل في العلاقة الزوجية ، أو في المشاركة و الارتباط ، أو في التحصيل ، أو في مهارات التواصل مع الآخرين ، أو في الاحساس بالضعف . و في مواجهة ذلك قد يلجأ الشخص السمين للعب دور الفتوة أو دور المسيطر في محاولة لتعويض ما يشعر به من نقص ، كما قد يقوم بالسخرية من وزنه الزائد ، علما بأن سخرية الآخرين من سمنته تسبب له ألما نفسيا شديدا .
و يشعر الشخص السمين في أعماقه أنه غير قادر على تحقيق ما يأمله في بعض نواحي الحياة ، و قد يعتقد أنه لا يستحق الحب أو المشاعر الطيبة أو الصحة أو اهتمام الآخرين به ، و قد يعتقد أنه أضعف من أن يحقق نجاحا ، فيشعر بالأسف لنفسه ، و هو نوع من المشاعر تعود أن يتجاهله ، حيث أنه قد أقام جدارا سميكا حول نفسه . و في شعوره بالأمن داخل قلعته الجسدية ، لا يحاول أن يتخلى بسهولة عن هذه الحماية المقامة حوله . و اذا حدث و انهارت جدران الحماية هذه ، فانه يبدأ في الشعور بالضعف و الهشاشة و قلة الحيلة ، فيلجأ الى عرض جديد يحتمي فيه بديلا عن السمنة .
يتبع
الملكة الباكية @almlk_albaky
كبيرة محررات
يلزم عليك تسجيل الدخول أولًا لكتابة تعليق.
ليمونة صفرة :مشكورررررررررررة علي هالموضوع الحلو الله يعطيج الف عافيةمشكورررررررررررة علي هالموضوع الحلو الله يعطيج الف عافية
الصفحة الأخيرة
ان الحل الحقيقي للسمنة و الوزن الزائد يكمن في حل مشاكل الشخص السمين و التعامل مع الارتباكات الداخلية التي قادته الى هذه الزيادة في الوزن . و بداية يجب على الطبيب الذي بتعامل مع الشخص السمين أن يبتعد عن الكلمات التي تحتوي على معني "الفقد" مثل فقد الوزن وغير ذلك من المعاني ، ذلك أن فقد الوزن يعني للشخص السمين ما يقابل فقد ذراع أو عضو هام من الجسم . ان كلمة "فقد " لها وقع سلبي لدي الشخص السمين ، لذا يفضل استعمال كلمات مثل سوف "تكسب" جسدا رشيقا و شكلا أفضل . كما يجب ان يستعمل الطبيب كلمات ايجابية فلا يصف الشخص السمين بكلمات تجرح مشاعره . و لقد قابلت مرضى شعروا بمرارة شديدة من أطبائهم بل و انقطعوا عن زيارتهم لمجرد أن الطبيب علق بلا مبالاة على سمنتهم ، أو سخر من كيلوجرامات نححوا في التخلص منها بكلمات مثل " اثنين كيلو جرام ها يبانوا في ايه و لا ايه " ، أو " انتي لسه قدامك كتير يا مدام" ، أو "جهاز ضغط الدم مش ها يلف على دراعك ، انتي محتاجة جهاز حجم كبير" ، أو عاوز أغطيكي بملاية على سرير الكشف بس مفيش ملاية على مقاسك" ، و غير ذلك من الكلمات التي قد يرددها المعالج بدون انتباه لتأثيرها المدمر على نفسية الشخص السمين .
و اذ نتطرق الى مناقشة الغذاء و الأنظمة الغذائية المختلفة ، يجب مراعاة ان التركيز على الغذاء فقط لا يحقق الفائدة المرجوة ، اذ أن الغذاء ليس هو جوهر المشكلة ، بل هو عرض لمشكلة أعمق لا تحل بمجرد اتباع نظام غذائي أو تقييد سلوك معين . و من المهم أن يعرف المريض أنه يتعامل مع الطعام على أنه غذاء مقبول ، اذ لا يوجد طعام جيد و طعام سيء و انما هو طعام فحسب . صحيح أن الشخص السمين سوف يصاب بالذعر و الصدمة اذا ما قيل له أن يأكل أي شيء يريده ، و سيعرب الكثيرون عن خوفهم من أن يأكلوا كل ما يرونه متخوفين بذلك من زيادة وزنهم زيادة هائلة مما يعرضهم للانهيار النفسي ، لكن هؤلاء الأشخاص سوف يدركون أنه اذا كانت كل أنواع الطعام مسموح بها فان الضغط الذي يستشعرونه لأكل الطعام الممنوع سوف يزول ، و بالتالي سوف تزول الرغبة الجارفة في التهام كميات كبيرة من الطعام ، اذ لن يكون هناك استمتاع في حشو نفسك من طعام كنت تريده لمجرد انك ممنوع من تناوله .
يلي ذلك التركيز على ما يتخيله المريض عن نفسه ، و كيف يرى نفسه كانسان ، و هنا نحاول أن نوضح له الصورة الايجابية الجديدة التي يريد أن يرى نفسه فيها بعد أن يتخلص من الكيلوجرامات الزائدة . هنا يجب على الشخص أن يختار بنفسه بين الرشاقة و صعوبة الحركة ، بين الصحة و المرض ، بين صورة الشخص الضعيف الذي يختبيء خلف قلعته الدهنية و بين صورته و هو في جسد فارع سهل الحركة . و من المهم هنا التركيز مرة أخرى على أن المشكلة ليست في الطعام ، بل في مشاعرنا التي تدفعنا الى تناول طعام لا نحتاجه الا لمجرد التعبير عن مشاعر سلبية لا نستطيع التعبير عنها في قنواتها الصحيحة . و سنجد مع الوقت أن فقد بعض الكيلوجرامات سيساعد الشخص السمين على زيادة تقديره لنفسه و على احساسه القوي بذاته ، و هذا سيساعده على الاستمرار في فقد مزيد من الكيلوجرامات بمضي الوقت ، و من ثم الحفاظ على الوزن الجديد دون مجهود يذكر .
من هنا تبدو أهمية استعمال الابر الصينية في مساعدة الساعي لانقاص وزنه . فقد أثبتت الدراسات المعملية على حيوانات التجارب أن فئران التجارب السمينة تعاني من انخفاض في مادة السيروتونين ، و بعد تثبيت بعض الابر في نقاط معينة في الأذن يلاحظ أن مادة السيروتونين قد عادت لمعدلاتها الطبيعية مقارنة بالفئران التي لا تعاني من السمنة ، و في نفس الوقت يلاحظ انخفاض وزن الفئران السمينة حتي مع تركها لتأكل بحرية ، مما يعود بها لمعدلات الوزن الطبيعية مقارنة بمثيلاتها من الفئران غير السمينة . و من المعروف أن مادة السيروتونين تتدخل في عملية حدوث الاكتئاب لدى البشر ، فانخفاضها يحدث الاكتئاب ، كما أن وجودها بنسب طبيعية يعالج الاكتئاب ، ويقلل من الشره للأكل ، و ينشط مركز الشبع في المخ ، كما يزيد من الطاقة المنصرفة من الجسم . و من المعروف أن مضادات الاكتئاب الشهيرة تعمل من خلال زيادة مادة السيروتونين في المخ . و هناك نقطة طريفة أخرى تتعلق بالابر الصينية ، ذلك أن العلماء الذين درسوا تأثيرات الطب البديل و منها الابر الصينية في علاج الامراض المختلفة لاحظوا أن المريض يستفيد من الوقت و الرعاية الخاصة التي يمنحها الطبيب للمريض عند العلاج بالوخز بالابر ، حيث يستغرق العلاج فترة تصل الى عشرين دقيقة تتستخدم في تواصل محبب بين الطبيب و المريض ، مما يساعد المريض في الانتصار على مشاكله النفسية ، و التي تكثر في حالة الاصابة بالسمنة . و من المهم أن يحصل مريض السمنة على تعاون الأسرة و المجتمع المحيط به و مساندته نفسيا و عاطفيا ، بل وعدم تحطيم رغبته في استعادة الرشاقة و الحيوية و الصحة ، و أيضا مساندته بعدم الضغط عليه للتنازل عن عادات غذائية جديدة قرر تبنيها في اطار جهده للعودة للرشاقة .
و في حالة واقعية ، هربت الزوجة من مشاكلها مع زوجها ومن عدم شعورها بالاستقرار و السلام النفسي الى السمنة ، و زاد وزنها زيادة هائلة ، و تقول الزوجه ان زوجها كان يبدو مبتهجا بسمنتها ، خاصة ان اصدقائهما كانوا يثنون على رشاقة الزوجة و جمالها قبل الزيادة . و لأن الزوج هو الآخر ممتلء الوزن فقد كان يشعر بالغيرة من رشاقة زوجته . و ارتاح الزوج عندما وقعت الزوجة في مستنقع السمنة و لم يخف مشاعره تلك عن زوجته . و عندما استعادت الزوجة توازنها النفسي و قررت أن تستعيد رشاقتها وقف لها الزوج بالمرصاد بل وراح يحبط من حالتها النفسية باقوال مثل " تزيدين بالكيلوجرامات و تفقدين بالجرامات .. لن تنجحي أبدا و لن تعودي لرشاقة زمان " .. في هذه الحالة فان علاج المشاكل الزوجية سيلغي المشاكل النفسية التي تقود الي السمنة كمتنفس بديل ، و أيضا سيساعد الطرفين على الحصول على دعم كل منهما نفسيا للآخر
منقول من موقع الدكتور عماد صبحي:)