
ملاحظة : ، لكون قضية ( الوخذه ) أخذت جانب الظاهرة الإجتماعية إلى جانب كونها مخالفة شرعية ، و من الأفضل أثارت هذه القضية و معالجتها و طرح أسبابها و مسبباتها ؛ حتى يعم النفع و تحصل الفائدة )
الوخذه في الميزان الشرعي
توطئة :
إن الحمد لله رب العالمين . حمداً كثيراً طيباً مباركاً يليق بعظمته و جلاله سبحانه و تعالى ، و نستعيذ بالله من شرور أنفسنا و سيئات اعمالنا . من يهده الله فلا مضل له ، و من يضلل فلا هادي له . و الصلاة و السلام على خير الأنام سيدنا و حبيبنا محمد بن عبد الله و على آله و صحبه أفضل الصلاة وأتم التسليم . أما بعد :
فقد لوحظ على الكثيرين من عامة الناس ، ذهابهم إلى بعض الدجلة و المشعوذين و السحرة الضالين عن جادة الحق ؛ بغرض إرجاع شيء مسروق أو مفقود ، عن طريق ما عرف لدى عامة الناس في هذه المنطقة باسم ( الوخذه ) أو ما يوصف بـ ( جلب مفقود ) أو ( إعادة مسروق ) في مناطق و بلدان أخرى . و يدخل تحت دائرة هذا الضرب من السحر رد ضائع أو شارد أو الإخبار عن أمر غائب عن طريق الذهاب إلى مشعوذ يستعين بدوره بالشياطين و يستخدم لذلك طرق معينة مثل الذبح للجن و أنواع من البخور و ممارسات تستخدم فيها النجاسات و الكثير من المخالفات الشركية ، و بما أن هذا الأمر من الكفر وهو غاية في الخطورة و انغماس في الضلالة ، و مخالفة صريحة لشرعنا الإسلامي الحنيف و سنة المصطفى صلى الله عليه و سلم ، فإنه من الواجب علينا كمسلمين محاربة هذه المخالفات الشرعية المحرمة الخطيرة ، و تبيان ما تلحقه من إفساد للعقيدة الصافية للمسلم .
طريقتنا في نقد الوخذه
رأيت أنه من الحسن أن أبدأ هذه الورقة بعد ( التوطئة ) بالتعريف بطريقتي في نقد ( الوخذه ) ، حتى يعلم القارئ الكريم المنهج الذي استند عليه في ما أطرحه من محاور و نقاشات و أدلة . فأقول : إن منهجي في نقد ( الوخذه ) يتضح من العنوان أعلاه ( الوخذه في الميزان الشرعي ) ، فسنعرض ( الوخذه ) على الميزان الشرعي ، مستندين على الكتاب و السنة ثم الإجماع و القياس و ما صار عليه السلف الصالح . فما وافق الكتاب و السنة و الإجماع و منهج السلف قبلناه و رضينا به ، ولا ريب أنه الحق الذي نبحث عنه و نتمسك به ، أما ما خالف ذلك فنركنه جانباً ولا نقر به حتى لو وأفق أهوائنا أو عمل به بعض من نحبهم . أما الهدف من هذا المبحث ، فهو تبيان الحكم الشرعي للوخذه بعرضها على الميزان الشرعي ، ونقدها بطريقة شرعية و علمية ، وتبيان مخالفتها للعقيدة و السنة وأنها ضرب من ضروب السحر ، ولا تمت للعلم الشرعي بصلة ، و الكشف عما لبس على بعض العوام من شبهات حول جواز ( الوخذه ) ، و الرد على هذه الشبهات من منظور علمي و شرعي ، و تقديم مبحث علمي ملتزم بالضوابط الشرعية و مدعوم بالأدلة القرآنية و السنية بالإضافة إلى الإجماع و القياس ، كي يستند و يرجع إليه كل من يبحث عن حقيقة ( الوخذه ) من منظور شرعي ، أو كانت لدية إشكالية في نقطة معينة ، و لكل من يريد التسلح به أو الإفادة منه في محاربة هذه القضية الشركية ، و العمل على محاولة إقصائها ، و استبدالها بتعزيز الإيمان بالله و الحض على التوكل عليه سبحانه وتعالى ، و طرق الأسباب و الوسائل الشرعية عند المصائب لا سيما فقدان بعض الحاجيات و غير ذلك ، وعدم الاكتفاء بمعرفة حقيقة ( الوخذه ) ، بل يلزمنا تحذير الناس منها ، و مجادلة و مناقشة من يقولون بجوازها ، و نصيحة من يعملونها بالتوبة و الرجوع إلى الله ، أو عزلهم و تهميشهم و عدم الرجوع لهم . مع مراعاة التركيز على ( الوخذه ) في هذا المبحث دون غيرها من ضروب السحر ؛ و ذلك لانتشارها في هذه المنطقة ، و جهل البعض من عامة الناس بحقيقة أمرها و حكمها الشرعي ، و لحاجتنا الماسة في الرد و تفنيد الشبهات التي انطلت على بعض العوام من الناس .
تعريف الوخذه :
لغة :
في الحقيقة لم أجد معنى لكلمة ( وخذه ) في معاجم اللغة ، فهذه اللفظة عامية لا أصل لها في اللسان العربي القويم ، و هذا المصطلح بالتعريف ( الوخذه ) أو مجرداً من التعريف ( و خذه ) أو فعلها ( و خذ ) لم ترد إطلاقاً لا في الكتاب ولا في السنة ، ولكن هذا المصطلح قد عرف و أشتهر ( عامياً ) في مناطق معينة محصورة جغرافياً ، و نقل آخرين ذات المسمى عن هذه المناطق . ولا و جود لهذه الكلمة حتى في الأحاديث الضعيفة و الموضوعة . وهذا من البراهين على ألا صلة للوخذه بالعلم الشرعي . وكيف تكون من العلم و مسماها عامي محصور في مناطق جغرافية معينة ؟!! .
اصطلاحا : لجوء الإنسان إلى مشعوذ أو دجال ساحر بغرض إرجاع مفقود أو مسروق أو رد ضائع أو شارد أو الإخبار عن أمر غائب عن طريق الذهاب إلى مشعوذ يستعين بدوره بالشياطين و يستخدم لذلك طرق معينة مثل : الذبح للجن و أنواع من البخور وكتابة بعض الطلاسم وآيات قرآنية مقلوبة وبعض أسماء الشياطين و ممارسات تستخدم فيها النجاسات و الكثير من المخالفات الشركية ، و الاعتقاد بقدرة هذا الساحر أو المشعوذ على إرجاع هذا المفقود أو المسروق أو رد الضائع أو الشارد أو الإخبار عن أمر الغائب ؛ بإمارة الرجوع إليه في هذه الحالة .
يتبـــ ع
في أن ( الوخذه ) من القران
لا ريب أن الأصل في الناس من المسلمين صفاء العقيدة ، و سلامة النية و حب الخير و البعد عن كل ما يغضب الله سبحانه و تعالى . إلا أنه في بعض الأحيان تشكل بعض القضايا في الفهم على بعض الناس من العوام ، فيوقعهم الشيطان ـ عليه لعنة الله ـ في اللبس و يثير لديهم بعض الشبهات . و من أخطر هذه الشبهات و الإشكاليات في فهم بعض العوام من الناس ، اعتقاد الكثيرين من عامة الناس أن ( الوخذه ) جائزة شرعاً ، وأن مادتها و محتواها من القرآن الكريم . و هذا افتراء و تجني على كتاب الله ، و قول باطل روجه هؤلاء المشعوذين و السحرة حتى يجدوا القبول و الإعجاب من الناس ، و تلبسهم بظاهر الصالحين من الأنام . و أصل هذه الشبهة جهل بعض العوام في أصول و أساسيات العلوم الشرعية ، لاسيما علم العقيدة منها ، و سأفند فيما يلي من هذه الورقة ـ بإذن الله ـ هذه الشبهة و أورد الرد الشرعي المدعوم بالأدلة عليها .
و هناك من الناس من يعتقد أن ( الوخذه ) تنقسم إلى قسمين . الأولى : جائزة ـ في اعتقادهم ـ و أصلها من القران . و الثانية : محرمه و هي من السحر و بمساعدة الجن . و الصحيح أن الوخذه ( واحدة ) و هي محرمة شرعاً و ليست من الحق في شيء . و هناك فريق من الناس يعلمون أن ( الوخذه ) من السحر و الدجل ولكنهم ـ هداهم الله ـ يتساهلون في الذهاب إلى هؤلاء السحرة ، لا سيما إذا ظنوا أن الأمر يضيق بهم تجاه فقدهم لغرض مهم بالنسبة لهم ، و هم بذلك يخالفون هدي النبي صلى الله عليه و سلم و يقعون في المحرم للحديث ( من أتى كاهناً فصدقه بما يقول فقد كفر بما أنزل على محمد ) . وهناك فريق يعلمون خطر ( الوخذه ) ولا يذهبون إلى السحرة و العرافين ولكنهم يتساهلون في نصح إخوانهم ممن التبس عليهم أمر ( الوخذه ) ، وابتلوا بالذهاب إلى المشعوذين و السحره .
الرد العلمي الشرعي على هذه
الشبهات
ما يجب أن يعرفه خاصة الناس و عامتهم أن ( المقياس ) الذي نميز به ما هو عمل شرعي أو غير شرعي ، هو عرض هذا العمل على الكتاب و السنة . فنقول :
1- لا يوجد في القران الكريم ولا أية واحدة تتحدث عن ( الوخذه ) سواء باللفظ ( الوخذه ) أو المعنى ( جلب مسروق أو مفقود أو رد ضائع أو شارد أو الإخبار عن أمر غائب ) .
2- و لم يرد عن الرسول صلى الله عليه و سلم أي حديث صحيح بأنه عمل ( الوخذه ) ، أو أمر بها ، أو دل عليها ، سواء بفعل أو تقرير ، و هو صلى الله عليه و سلم الذي يعلمنا أمور ديننا . قال تعالى : ( وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى ) . و قال تعالى : (وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا ) . بل إنه حتى لا يوجد حديث ضعيف أو موضوع يتحدث عن الوخذه كعلم شرعي ، إلا ما ورد عنها ـ ضمناً ـ في التحذير من السحر بشتى أنواعه عموماً . إذاً كيف يزعم هؤلاء الدجالين و المشعوذين من السحرة أن الوخذه ( جائزة ) و هي عمل شرعي و مادتها من القران ؟ . و من أين جاءوا بها طالما أنها لم ترد في الكتاب و السنة ؟ و لما يظل بعضنا تحت تأثير ما تمليه عليه عواطفه و يقع في حبال تصديق هؤلاء المشعوذين ، طالما أن الحق بين أمامه و جلي . و يجب التنبيه و التحذير من ( الوخذه ) التي تعتمد في مادتها على السحر و الجان و تعتمد على المخالفات الشرعية كما سنبين لاحقاً بإذن الله
الأول : أما أنه يدعي أنه وجد سر الوخذه بالقران ، و هذا ما لم يخبرنا عنه الرسول صلى الله عليه و سلم ، و هو بذلك يتهم الدين الإسلامي بعدم الكمال ، ذلك أنه أكتشف أمر الوخذه في القران ، و زعم أنه علم من القران ما لم يعلمه رسول الله صلى الله عليه و سلم ، و هو ( علم الوخذه ) و التي لم يخبرنا الرسول صلى الله عليه و سلم عنها ، و هذا كفر واتهام للدين بالنقص . و الله سبحانه و تعالى يقول في محكم التنزيل ( الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ )
الثاني : إنه يقول إن أمر ( الوخذه ) موجود بالقران ، و لكن الرسول صلى الله عليه و سلم سكت عن أخبارنا بهذا الأمر ، و هذا كفر بالله و اتهام خطير لنبي صلى الله عليه و سلم بالخيانة و التقصير في التبليغ عن الله ـ حاشاه و هو الصادق الأمين ـ حبيبنا و نبينا محمد صلى الله عليه و سلم .
الحالة الثالثة : قول الساحر أن ( الوخذه ) من القران بقصد ( التدليس ) ، و هو يقصد دخول آيات قرآنية تكتب مقلوبة ، أو بماء نجس ، وما إلى ذلك من المخالفات الصريحة ، دون أن يفصح عن الحقيقة كاملة ، و هو يقول ( الوخذه ) من القران بقصد التدليس فقط .
أسئلة و علامات استفهام تحمر منها
وجوه من يقومون بعمل ( الوخذه )
من المفارقات العجيبة أن معظم من يقومون بعمل ( الوخذه ) ، ضعفاء في التحصيل الشرعي و العلمي ، و تجدهم من أقل الناس فهماً للأمور الدينية ، و من السهل على تلميذ المدرسة الابتدائية أن يجادلهم في حقيقة ( الوخذه ) و يحرجهم ، و تجد هؤلاء من أقل الناس حفظاً للقران الكريم و الأحاديث الشريفة و الأدعية و الأذكار ؛ و من هنا و جد الشيطان فيهم البيئة الخصبة للكفر ، و نجح في جرهم إلى عالم السحر و الشعوذة و الدجل . و هذه بعض الأسئلة التي نستطيع طرحها على من يقومون بعمل ( الوخذه ) ، حتى تتقلب و جوههم من الإحراج و الخجل دون أن يستطيعوا الإجابة على سؤال واحد منها فقط :
0 إذا كانت ( الوخذه ) عمل خير و جائزة شرعاً . فأين هي من القران و السنة و سيرة الصحابة و السلف . و لماذا لم ترد ( الوخذه ) في أمهات الكتب الإسلامية أسوة بالرقية الشرعية ؟
0 نعلم أن جميع أمور الدين واضحة ، وإذا كانت الوخذه من أمور العلوم الدينية . فكيف ظل محتواها في طي الكتمان و السر ؟ . و كيف يستطيع طالب العلم أن يتفقه في ( علم شرعي سري ) ؟
0 بما أن ( الوخذه ) عمل شرعي جائز . فمن أبرز من أشتهر بها من الصحابة و التابعين ؟ . و ماذا قال عنها أصحاب المذاهب الفقهية الأربعة ؟ و ما الأقوال التي نقلت في ( الوخذه ) عن أبرز العلماء مثل شيخ الإسلام أحمد بن تيمية وابن القيم الجوزية وغيرهم من العلماء ؟
0 من المعروف أن هيئة كبار العلماء و اللجنة الدائمة للبحوث و الإفتاء هما الهيئتان الرسميتان و اللتان تشكلان مرجعية موثوق بها للفتاوى العلمية التي يدرسها كوكبة من أبرز علماء و مشائخ هذه البلاد ؟ فلماذا لم تصدر هذه الهيئات فتاوى بجواز ( الوخذه ) ؟
0 نعلم أن المشائخ و الدعاة حريصين كل الحرص على تقفي أثر سيرة النبي صلى الله عليه و سلم . فمثلاً في العشر الأواخر من رمضان ، يكثر الحديث في جميع و سائل الإعلام عن فضل هذه الأيام و ما جاء فيها من آيات قرآنية و أحاديث ، و قس على ذلك أيام ستة من شوال و يوم عرفة و أيام التشريق و الأيام البيض و غير ذلك . فلماذا لا نجد شريطاً إسلامياً واحداً أو حلقة تلفزيونية واحدة أو مقال واحد في جريدة يكون الحديث فيها عن الوخذه ، طالما أنها جائزة و من العلوم الشرعية كما تزعم يا من تقوم بعمل الوخذه ؟
0 إذا كانت ( الوخذه ) علم شرعي جائز ، فلماذا لا تحصل على ترخيص من هيئة كبار العلماء أو اللجنة الدائمة للبحوث و الإفتاء لممارسة هذا العلم الجائز أسوة بمن يقومون بالرقية الشرعية في و ضح النهار و بتراخيص رسمية من جهات شرعية ؟
0 إذا كان ما تقوم به عمل شرعي و جائز . فلماذا تمارسه بالخفاء . فالعمل الجائز يمارس في النور . فنحن نصلي في المساجد لا في بيوتنا . و بالتالي هل تمانع من أن انشر أسمك و أدل عليك الناس حتى يقومون بزيارتك بغرض عمل ( الوخذه ) ؟ وهل تستطيع التصريح بممارستك للوخذه أمام رجال هيئة الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر و الدعاة و طلبت العلم و قضاة المحاكم ؟
0 ما رأيك في سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز و الشيخ محمد صالح بن عثيمين ـ رحمهما الله ـ ؟ . و لماذا لا نجد في كتبهم الشرعية و العلمية أي تطرق للوخذه ؟ و هل تتوقع من عالمين جليلين بهذا المستوى أن يفرطا بالوخذه لو كانت من العلم الشرعي ؟
0 بعض القنوات الفضائية تستضيف مشائخ يقومون بعمل الرقية الشرعية و فك السحر ؟ ولكن برأيك لماذا لا تستضيف هذه القنوات من يقومون بعمل ( الوخذه ) أم أنها علم سري ؟!!
0 و أخيراً أسأله هل من توبة و رجوع إلى الله ؟