
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا عبده ورسوله ، اللهم أني أعوذ بك من الشيطان الرجيم. وأعوذ بك من وساوس الصدر ومن عذاب القبر ومن شتات الأمر، أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق. فالوسوسة خطيرة في حياة من يقع فيها فقد تطرق الشيخ فهد العصيمي لخطورتها وحذر من الوقوع فيها :
إن الله سبحانه وتعالىقال:{إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسئولا } وقال النبي صلى الله عليه وسلم (ألا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله). فالقلب بالنسبة للأعضاء كالملك المتصرف في الجنود يستخدمها فيما شاء وتتبعه فيما يعقده من العزم فهو ملكها وهو المسؤول عنها.
ولما علم عدو الله إبليس أن المدار على القلب والاعتماد عليه أجلب عليه بالوساوس والشهوات وزين له ذلك ليصده عن الطريق القويم ونصب له المصائد والحبائل فلا نجاة من مصائده ومكائده إلا بدوام الاستعانة بالله تعالى .
ولما كانت مكائد الشيطان كثيرة لإغواء الناس فإنني سأقتصر في هذا البحث على مكيدة من مكائده لعنه الله ألا وهي الوسوسة في الطهارة والصلاة أو فلنقل الوسوسة في العبادات .
إن الباب الأعظم الذي يدخل منه إبليس على الناس هو الجهل، فمن كيده الذي بلغ به من الجهال ما بلغ الوسواس الذي كادهم به في أمر الطهارة والصلاة .
· أولا: الوسواس في الطهارة :
لا ريب أن الشيطان هو الداعي إلى الوسواس ومن ذلك أنه يأمرهم بطول المكث في الخلاء أو في دورات المياه مبالغة في الاستنجاء ويحسن له الشيطان استعمال الكثير ومنهم من يقوم فيمشي وينخنخ ويرفع قدما ويحط أخرى ظنا منه أن هذا العمل يخرج بقايا البول .
ثانيا الوسوسة في الوضوء والغسل :
قال النبي صلى الله عليه وسلم ((إن للوضوء شيطانا يقال له الولهان فاتقوا وسواس الماء)) رواه احمد وابن خزيمة والترمذي وغيرهم .
إن إبليس يأتي إلى المتوضئ الذي يريد أن يتوضأ فيقول من أين لك أنك طاهر ويقدر له كل احتمال بعيد فمنهم من يلبس عليه بكثرة استعمال الماء وذلك بجمع أربعة أشياء مكروهة الإسراف في الماء وتضييع العمر القيم فيما ليس بواجب ولا مندوب والتعاطي على الشريعة إذ لم يقنع بما قنعت به من استعمال الماء القليل والدخول فيما نهت عنه من الزيادة على ثلاث وربما أطال الوضوء ففات وقت الصلاة أو فات أوله وهو الفضيلة أو فاتته الجماعة ثم إنه يقبل قوله في تعذيب نفسه ويطيعه في الإضرار بجسده تارة بالغوص في الماء البارد وتارة بكثرة استعماله وإطالة العرك وربما فتح عينيه في الماء البارد وغسل داخلهما حتى يضر ببصره وربما صار إلى حال يسخر منه الصبيان ويستهزئ به من يراه .
وقد ذكر أبو الفرج ابن الجوزي عن أبي الوفاء بن عقيل أن رجلا قال له : انغمس في الماء مرارا كثيرا وأشك هل صح لي الغسل أم لا فقال له الشيخ اذهب فقد سقطت عنك الصلاة قال وكيف؟، قال لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: رفع القلم عن ثلاثة المجنون حتى يفيق والنائم حتى يستيقظ والصبي حتى يبلغ رواه أحمد وأبو داود والحاكم ومن ينغمس في الماء مرارا ويشك هل أصابه الماء أم لا فهو مجنون .
وهذا الذي ذكره ابن الجوزي يحدث عند بعض الأشخاص فنجد أحدهم إذا ذهب لدورة المياه ليغتسل من جنابة ونحوه يمكث في الاغتسال نصف ساعة أو أكثر يصب عليه دش الماء صبا ويكرر غسل العضو مرات عديدة وبعد أن يخرج يحصل له شك بأن بقعة من جسمه لم يصلها الماء فيبقى متحيرا شاكا وربما يعيد الغسل مرة أخرى وكذلك في الوضوء إذا غسل أحد الأعضاء وليكن رجليه شك هل مسح رأسه وإذا غسل يديه شك هل تمضمض واستنشق وهكذا يعيد غسل العضو أو الأعضاء وإذا لم يلتفت إلى ذلك فإن إبليس يوسوس له بأنه لم يتم وضوءه أو غسله وأنه بالتالي لا تصح صلاته وعبادته ولا يزال به إبليس يوسوس له حتى يعيد ذلك الغسل أو الوضوء .
ولو تدبر هذا الإنسان أمره لعلم أنه في مخالفة وتفريط، ففي الحديث عن عبد الله في عمرو بن العامر أن النبي صلى الله عليه وسلم مر بسعد وهو يتوضأ فقال ما هذا السرف يا سعد، قال أ في الوضوء سرف قال نعم وإن كنت على نهر جار وفي الحديث عن أبي عن النبي صلى الله عليه وسلم قال للوضوء شيطان يقال له الولهان فاتقوه أو قال فاحذروه وعن الحسن رضي الله عنه قال شيطان الوضوء يدعى الولهان يضحك بالناس في الوضوء و بإسناد مرفوع إلى أبي نعامة أن عبد الله بن مغفل سمع ابنه يقول اللهم إني أسألك الفردوس وأسألك ..... فقال عبد الله سل الله الجنة وتعوذ به من النار فإني سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول ((سيكون في هذه الأمة قوم يعتدون في الدعاء والطهور)) وعن ابن شوذب قال كان الحسن يعرف بابن سيرين يقول يتوضأ أحدهم بقربة ويغتسل بمزادة صباً صبا ودلكاً دلكا تعذيبا لأنفسهم وخلافا لسنة نبيهم صلى الله عليه وسلم وكان أبو الوفاء بن عقيل يقول أجل محصول عند العقلاء الوقت وأقل متعبد به الماء، وروي أن أسود بن سالم وهو من كبار الصالحين يستعمل ماء أكثر في وضوئه ثم ترك ذلك فسأله رجل عن سبب تركه فقال نمت ليلة فإذا بهاتف يهتف لي يا أسود ما هذا يحيى بن سعيد الأنصاري حدثني عن سعيد بن المسيب قال إذا جاوز الوضوء ثلاثا لم يرفع إلى السماء، قال قلت لا أعود لا أعود فأنا اليوم يكفيني كف ماء .
ثالثا: الوسواس في انتقاض الطهارة:
ففي صحيح مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال وسول الله صلى الله عليه وسلم : ((إذا وجد أحدكم في بطنه شيئا فأشكل عليه أخرج منه شيء أم لا فلا يخرج كمن المسجد حتى يسمع صوتا أو يجد ريحا )) وفي الصحيحين عن عبد الله بن زيد قال شكا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم الرجل يخيل إليه أنه يجد الشيء في الصلاة قال ((لا ينصرف حتى يسمع صوتا أو يجد ريحا ))
وفي المسند وسنن أبى داوود عن أبي سعيد الخدري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((إن الشيطان يأتي أحدكم وهو في الصلاة فيأخذ بشعره من دبره فيمدها فيرى أنه قد أحدث فلا ينصرف حتى يسمع صوتا أو يجد ريحا)) ولفظ أبي داود ((إذا أتى الشيطان أحدكم فقال له إنك قد أحدثت فيقل له كذبت إلا ما وجد ريحا بأنفه أو سمع صوتا بأذنه)).
· رابعا: الوسوسة في المبالغة في التشدد في أشياء سهل فيها المبعوث بالحنفية وبيان أن هذا مخالف لما جاءت به الحنفية
يتبع ان شاء الله وسواس الصلاة