
نجيب الزامل
أن تصافح المستقبل.. مودعاً!
.. ننام وقلوبنا ترجف أن لا نجد أماكن لأولادنا وبناتنا في الجامعات، ويدركنا الصباح ثم نكتشف أننا لم ننم أصلا.. وقلنا الحمد لله.
أن نلاحظ تراجعا في المستوى التعليمي والتربوي في البلاد، ونبهنا عنه أكثر من مرة كناس عاديين وككتاب وكمختصين ثم لا يتقدم سوى التراجع.. وقلنا الحمدلله.
أن تصلنا عن كل طريق شكاوى داخل النمط الإداري في الجامعات، وسوء اتصال بين رؤساء الجامعات، وعمداء الكليات، ومديري الأقسام، ويغيب تقييم الأساتذة، وتعم ريح من قلة الاكتراث بلا حسيب، فينتهي الطالب متخرجا في الجامعة وخارجا من المعرفة الحقيقية والعملية.. وقلنا الحمدلله.
ثم ننام كعادتنا - مستيقظين- ثم نصحو من الصحو، لنجد العالم يتناقل قائمة بترتيب الجامعات، ونخرج بالرقم 2898 من أصل 3000 جامعة، فهنا نود أن نردد الحمدلله ولكن ينشف الريق من هول المفاجأة. ثم يشتد حنقنا، لا، ليس على القائمين على التعليم العالي وغير العالي - لأن كلمة العالي والتعليم هنا تحتاج تفنيدا وإعادة تفسير- ولكن ينصب جام قهرنا على هاتين الدولتين اللتين حرمتانا من أن نكون في صدر العالمين أو القبر، بوجودهما خلفنا حرمونا من الفضيلة الثانية .. القبر. ثم جاء صوت من داخلي يهدئ روعي ويضمن لي المركز الأخير لأن الصومال وجيبوتي مشطوبتين أصلا من التعليم الجامعي ليس لقلة أهليتهما ولكن للحرب الدائرة في الأولى، والإدقاع المفرط في الثانية فلا أجهزة عاملة من أصله.
على أن الفواجع لا تأتي فرادى. أقرأ عنوان الصفحة الأولى من جريدة (الشرق الأوسط) يوم الأحد 12نوفمير الجاري، وطمأنت نفسي أنني عدت للنوم ورأيت جاثوما (مناما خانقا).. لولا أني أصحو فجرا ولا أنام بعد ذلك.. فركت عيني ووجدت أني في أرض الواقع فعلا ومعالي وزير التعليم العالي يطمئننا أن الجامعات السعودية لم تصنف على أسس أكاديمية لتأتي في ذيل القائمة، (موضحا) أن معايير هذا التصنيف كانت على أساس توضيح الفروق بين الجامعات من حيث كميات المعلومات المنشورة في الانترنت بمواقع الجامعات. ثم يوزع عفوه على كل من فهم القائمة خطأ (لقلة المعرفة، وللأسف أن جمعا كبيرا منا يشمله هذا العفو.) بأن من علق على القائمة إنما بحسن نية.. فجزاه الله خيرا حدد لنا الفهم، وقرأ حسن النية. ونحن نحمد الله، دعوني أطرح التالي:
1- لو خرجت قائمة بأن السعوديين في آخر ذيل القائمة في رشف الشاي لانزعجنا لأن الأخير بأي قائمة غير سيئة .. سيئ بحد ذاته.
2- لو كانت قلة المعلومات في الانترنت من المساوئ الأكاديمية، فستكون القائمة التي خرجت سيئة إذن ونفخر أننا بذيل قائمة سيئة. ولكن العالم يصحو كل يوم على عالم مواز بالوجود والأهمية وهو الانترنت.. فهلا - حتى لا نسئ الفهم والنوايا- أخبرنا معالي الوزير ان كانت قلة المعلومات وعدد المواقع صفة أكاديمية سيئة، ليته قال وسنصدقه، ولا يتركنا معلقين هكذا.
3- إذا فرضنا أن القائمة الإنترنتية لا تتعلق بالمستوى الأكاديمي، ألا يدلنا معاليه على قائمة نعرف بها مستوانا الأكاديمي، وبمعاييره التي يقبلها، لنعرف أين موقع جامعاتنا.. أكاديميا.
4- أليس التبرير قضية غير مفيدة وعديمة الجدوى لأنها لا تضيف شيئا، ألم يكن الأجدر بالمسئول أن يثبت فعلا إما أن القائمة خائبة بالدليل الدامغ، أو أن يأخذها فرصة سانحة ليخرج على الناس ويقول ان القائمة جاءت لتعيد لنا التوازن من جديد، لنخطط من جديد.. وأنها مثل الضربة المؤلمة صحيح، ولكنها تكون موقظة لكل الوعي.. ليعمل الوعي. وهنا نعرف أننا نأخذ المستقبل مأخذا جديا لأمتنا.. ولكن متى ما بلغ بنا الحال إلى قاع قائمة ونحن نبرر بأن لا خطأ هناك، وأن كل شئ على ما يرام، وأننا من حسن نيتنا أسأنا الفهم.. فإذن نحن قانعون بالطريق الذي أخذنا إلى ذيل القائمة.. أي أن نصافح المستقبل مودعين له قبل أن يهل!
5- على فكرة كيف ستساهم الجامعات في تطوير الحكومة الإلكترونية في بلادنا مادام أن مواقعها الإلكترونية .. كما الوزير وأنت وأنا والقائمة نعلم!
6- نريد الآن لجنة محايدة من علماء وخبراء خارج الإطار الرسمي ليحددوا أهمية القائمة من عدمها.. وبالتالي المستوى الحقيقي لجامعاتنا.
7- جاء الوقت لنفتح الأبواب على الجامعات الخارجية، فهاهي تنبت حولنا بالخليج.. ليتوجه لها السعوديون.
.. قد يقود موقعنا على القائمة التي دارت العالم، وتبرير الموقع، إلى ارتفاع ضغط في دم كثيرين.. وهذا تحذير موجه لوزارة الصحة.
والآن.. أين جهاز الضغط؟!