أخي.. مريض بالوهم!
لا أعرف ماذا أفعل في مشكلتي مع أخي الكبير، انه مازال أعزب ولم يتزوج حتى اليوم، ويعيش معي في بيتي، وهو انسان طيب وهادئ، لكنه مريض بالوهم، ومنذ فترة يشكو من آلام متعددة، ويؤكد انه مصاب بأمراض معينة، رغم انني أثبت انه ليس مريضا بأي مرض معروف، فقد عرضناه على كثير من الأطباء في تخصصات مختلفة، وكلهم أكدوا عدم إصابته بأي مرض من الأمراض التي يشكو من أعراضها!
هل هناك مرض.. اسمه «الأوهام»؟
المعذبة (ل.ن)
٭ شقيقك ـ شفاه الله ـ لا يكذب، وقد يكون يتألم فعلا من أعراض مثل القرحة أو آلام المعدة، أو القلب، رغم ان التحاليل والفحوصات تثبت خلوه من هذه الأمراض.
والمشكلة كلها نفسية، ان عقله يصور له انه مريض، وهذه الفكرة هي التي تسيطر عليه، وأطباء علم النفس يعتبرون الوهم مرضا مستقلا، وقد يكون الوهم المرضي عرضا لمرض القلق النفسي، او الوسواس القهري.
ومثل هذه الحالات يسميها أطباء النفس باسم «استجابة الخوف» التي يأخذ فيها هذا المرض شكل الخوف من الأمراض، والشعور فعلا ببعض الأعراض في الجسد. إن المريض بهذا النوع من المرض إذا سمع عن مريض أصيب بمرض معين أو قرأ في الجريدة عن أعراض هذا المرض يقع بسهولة تحت تأثير الإيحاء، ويشعر فعلا بهذه الأعراض، ويظن انه مصاب بتلك الأعراض.
و«مريض الوهم» يصدق نفسه، ويظل يتردد على الأطباء والمستشفيات ويؤكد انه مصاب بمرض معين، بينما الفحص والتحاليل والإشاعات تؤكد انه سليم!
لكنه بالفعل يتعذب، ولا أحد يصدقه، والحقيقة انه غير مصاب بأي مرض، ومصدر الشكوى الأصلي في المخ، الذي يصور له انه مريض ويعطي المخ أوامر للجسم بأن يتألم وكأنه مريض فعلا.
وعلاج مريض الوهم بالعقاقير غير مؤكد لأنه مريض نفسي وعلاجه لابد ان يكون عند الطبيب النفسي.
وبعض الناس قد يصابون بحالة التوهم المرضي، بعد ان يكونوا قد تعرضوا فعلا لأزمة صحية شديدة، فالرجل الذي يصاب بأزمة قلبية وحتى بعد ان يشفى منها يظل دائم القلق والوهم على قلبه.
وإذا تعرض لأي أعراض طفيفة فقد يصاب بخوف وهلع شديدين، وتسيطر عليه الأوهام ان مرض القلب قد عاد اليه، مع انه سليم فعلا.
وأيضا المرأة التي تصاب بورم في الثدي، وحتى بعد إزالته بالجراحة، تظل في حالة قلق وخوف من ان يعود اليها الورم من جديد.
إن نفس الإنسان وجسده شيء واحد، إذا أصيب عضد تداعى له سائر الأعضاء.. والنفس قد تمرض.. كما يمرض الجسد.
وكما ان أمراض الجسد لها علاج.. فإن أمراض النفس لها علاج
والله الشافي أولا وأخيرا!
الأحلام شيء.. والواقع شيء آخر!
لا أحد يستطيع ان يرسم مسيرة حياته!
مهما خطط الإنسان، مهما كانت أحلامه، لا يستطيع أي إنسان ان يرسم سيناريو مستقبله، كنت وأنا فتاة صغيرة أعتقد انني أعرف ما أريده لنفسي وحياتي ومستقبلي، مثل أي فتاة في عمري كنت أحلم بالحب، بفارس الأحلام الذي سيأتيني على ظهر حصان أبيض، ويخطفني إلى عالم كله حب وسعادة، وكنت أتمناه شخصا ثريا يوفر لي حياة مرفهة ويجعلني أعيش في دنيا غير التي كنت أعيشها في بيت أهلي، نشأت في أسرة متوسطة الحال، لم تكن تملك سوى سيرة الأجداد الذين كانوا أغنياء يوما من الأيام، لكنهم ماتوا فقراء، ولم يتركوا لأهلي غير حكايات الماضي، وأغلبها أكاذيب ومبالغات!
كانت أحلامي وتطلعاتي كبيرة، أليس هذا من حق أي إنسان؟ لكن الأحلام شيء، والواقع شيء آخر، أنت تريد وأنا أريد، والله يفعل ما يريد، ولم أكن أملك شيئا أكثر من جمالي وهو واضح، ومنذ كنت فتاة صغيرة والرجال يتحلقون حولي، أغلبهم استهواه جمالي، وقلة منهم كانوا يريدون الزواج.
وفي فترة من فترات اضطراب تفكيري، ودون تفكر أو وعي، بدأت حكاية مع الواقع، تعرفت الى رجل يكبرني بنحو عشرين عاما، بهره جمالي منذ اللحظة الأولى، واعترف لي مباشرة بأنه أحبني وانه يريد الزواج مني، ورغم انه قال لي انه أرمل توفيت زوجته وتركت له ولدا وبنتا، إلا انه قال انه متيسر الحال، وانه ورث أموالا كثيرة عن والده، وفي الحقيقة كان مظهره أيضا يقول ذلك، فقد كان يعيش حياة مرفهة، ويقود سيارة فاخرة، وكان يحيطني بالهدايا الغالية كل يوم، ورغم ان أمي حذرتني منه لكنها لم تقدم لي أسبابا مقنعة تجعلني أعدل عن موافقتي على الارتباط به، نعم وافقت على الزواج منه، بل انني رأيته بخيالي فارس الأحلام الذي كنت أنتظره!
لكن الدنيا علمتني ان الأحلام شيء، والواقع شيء آخر!
منذ الأيام الأولى لزواجنا، بدأت أرى الوجه الحقيقي لفارس أحلامي.
رغم حبه لي، ورغم شخصيته الجذابة، إلا انني فوجئت به مدمنا على الخمور والمخدرات، ورأيته رجلا سفيها لا يتردد عن الانفاق على ملذاته وسهراته، وكان يصر على اصطحابي معه الى هذه السهرات، وكان نجومها من الأغنياء وبعض المشاهير.
وفي البداية أعجبني هذا الجو الغريب!
لكن سرعان ما بدأت أتأفف من هذا الجو، خاصة بعد ان لاحظت انه يتبلد ولا يبالي، اذا شاهد أو سمع أحدا من أصدقائه هؤلاء يبدي اعجابه علانية بجمالي، فيما يشبه الغزل الواضح، الذي أسميه تحرشا!
ومع بداية تبخر المال من بين يديه، وكان يتبخر بسرعة، بدأت أرى طبيعته المنفرة، وجدته سليط اللسان، متحجر المشاعر، أناني لا يهتم إلا بنفسه ورغباته، اما مشاعري كإنسانة فكان يتجاهلها، بل وبدأ يسيء معاملتي، بدأ بالسباب القذر وانتهى بالاعتداء علي بالضرب وبقسوة.
وفي اليوم الذي فكرت فيه بإعلان رغبتي في الطلاق، تلقيت أكبر صدمة في حياتي، عندما أخبرني الطبيب انني حامل، وأن مولودا سوف يأتي ليربطني بهذا الرجل الى الأبد!
ووسط حالتي النفسية المتدهورة، أنجبت طفلتي الوحيدة، وكانت جميلة، وحمدت الله على انها لم تكن تشبه أبيها.
لم يكن قد مضى سوى عام أو أكثر قليلا، عندما وجدت نفسي أعيش في جهنم، المشاكل تزيد، والخناقات أصبحت مستمرة ووصلت الى حد الفضائح بعد ان بدأ الأصدقاء والأهل يعلمون بخلافاتنا ويتدخلون ولم يكن تدخل معظمهم بريئا!
وكان يهجر البيت ويتركني وحيدة مع طفلتي الرضيعة دون ان يسأل عنا أو يترك لنا احتياجاتنا، وتعرضت الى مواقف سخيفة لم أكن أتمناها أو أتوقعها، عندما كان بعض أصدقائه يرسلون لي نقودا لأنهم يعرفون انه تخلى عني وعن الطفلة.
ومرت أيام وسنوات صعبة.. وسمعت انه أصيب بأكثر من أزمة صحية خطيرة، بسبب ادمانه على الخمور والمخدرات، تهاوى جسده ومناعته بسرعة شديدة، وأسرعت الى المستشفى لأقف معه في تلك اللحظات الصعبة، ثم كانت النهاية بسرعة، مات في المستشفى وتركني أرملة وحيدة في هذه الحياة القاسية.
لم يترك لي شيئا ولا لطفلتي الصغيرة سوى البيت.
واكتشفت انه ترك لابنه وابنته من زوجته الأولى الراحلة كل ما تبقى لديه من أموال، ولم تكن كثيرة!
ودارت بي الدنيا!
شعرت انني خسرت كل شيء، وأولها أحلامي القديمة، واكتشفت كيف ان الواقع شيء قاس.
الحياة لا تستمر بالأحلام وحدها، وبدأت أبحث عن عمل يوفر لي ولطفلتي حياة كريمة، وتعرضت الى مواقف صعبة، كل ما كنت أريده عملا شريفا، وكل الرجال الذين كنت أبحث لديهم عن عمل كانوا يريدون شيئا آخر، لكنني في النهاية عثرت على عمل محترم في شركة يمتلكها رجل محترم وبدأت الحياة تمضي في هدوء.. وانا الآن أقترب من الخامسة والأربعين من عمري.. وابنتي بارك الله فيها على أبواب الجامعة، لا نعيش حياة مرفهة، لكنها مستورة والحمد لله، لا شيء تحقق من أحلام الصبا، لا مال ولا ثروة، لا فارس أحلام ولا سعادة، وكل ما خططته لنفسي من طموحات أصبح مجرد ذكريات!
إنسانة
٭ هذه هي الحياة سيدتي..
نحن لا نملك من أمر أنفسنا شيئا، نحن بشر، قد نتمنى وقد نحلم، لكننا نخطئ الاختيار كثيرا، ونخطئ عندما تعمينا الأهداف عن الوسائل التي نتصور انها ستحقق لنا ما نتمناه.
وأغلبنا يخطئ عندما نبتعد عن طريق الله، لكن الأهم ان نتعلم من دروس الحياة الصعبة.
أتمنى لك التوفيق، وان يكون هدفك الأول الآن رعاية ابنتك، وان تعلميها انه لا أحلام دون عمل، وكما يقولون «لا حلاوة بدون نار»، علميها ايضا الاعتماد على نفسها، وان ترضي الله في أفكارها وتصرفاتها وسلوكها.. والله يسترها معك، ومعها!
ماذا في عقلي الباطن؟
اريد ان اعرف.. ماذا في عقلي الباطن؟
ماذا يدور داخل سرادبيب هذا العقل الذي لا اراه ولا يراه احد؟
ما الاشياء المخفية في ثنايا هذا العقل الذي قد يحكم تصرفاتي في لحظة من اللحظات.. ضد ادراكي ووعيي؟!
(بدون توقيع)
٭ يا أخي.. احمد الله انك بعيد عن عقلك الباطن!
أنت تسأل عن شيء قد يبدى لك فلا يعجبك.. اترك عقلك الباطن في حاله. انت تذكرني بحكاية الرجل الذي ادخلوه قصرا فيه اربعون حجرة. وقالوا له انت حر تتجول في القصر، لكن في تسع وثلاثين حجرة فقط، اما الحجرة الاربعين فلا تتقرب منها ابدا، وبدأ الرجل يفتح الحجرات واحدة تلو الاخرى. وكلما فتح واحدة وجد فيها كنوزا لم ترها عين من قبل، لكنه في النهاية وقف والفضول يتملكه امام الحجرة الاربعين.
وظل فضوله يسأله: ماذا في هذه الحجرة.. ولماذا لا افتحها؟!
وأخيراً تجرأ وفتح الحجرة الممنوعة.. ففوجئ بأنها مليئة بالثعابين والوحوش الكاسرة تحيط به وتريد ان تفترسه!
عقلك الباطن يا اخي.. قد يكون ضد هذه الحجرة الممنوعة!
في هذا العقل الباطن قد تجد أسوأ ما فيك من رغبات ونزوات رخيصة، وقد يكون افضل معاملة لها ان تحبسها في زنزانة هذا العقل، وان يغلق عليها حتى لا تخرج وتنغص عليه حياته!
دع الملك للمالك.. واهتم بعقلك الواعي، فكر بطريقة صحيحة، وتصرف بطريقة صحيحة!

ال هنوف ال سلمان @al_hnof_al_slman
عضوة جديدة
يلزم عليك تسجيل الدخول أولًا لكتابة تعليق.
خليك أول من تشارك برأيها 💁🏻♀️