تحت تقاطيع السما .. وفي ظلال الزيزفون ..
مجلس لراحتين .. وزوجين من العيون ..
وطيور العندليب .. تملأ الدنيا باصوات ندية ..
تقف على الغصن شامخة ابية ..
وتغني لورقة خضراء تحمل قطرة ندى صافية بهية ..
تعكس اشعة الشمس الدافئة المختبئة في بقعة من البقاع قصية ..
وتتمايل الشجرة في مكانها وكأنها ترقص على اعزوفة الصباح في مهب رياح قوية ..
لو تقلب الزمان .. او تباعد المصير ..
او تحجر الفؤاد .. او تمرد السرور ..
تلك آيات على الدرب مضيئة ..
تنتشر في كل مكان من فناء الطبيعة ..
وعليها يستريح كل جسد مضطرب ..
كل قلب منثقب ..
كل عقل مرتعب ..
في أكمة الوادي وعلى سفح الجبل ..
في ربوع الرقة وتحت قبضة القسوة ..
تنشأ تلك الحشائش الصغيرة وتترعرع ..
تأبى الا النهوض بقوامها الناعم الملمس ..
حتى ولو حطمت الصخور .. وانبثقت متمايلة .. ضعيفة الشكل .. قوية المنبت ..
فيا حشائش الجبل .. ويا طيور العندليب .. ويا أشجار الزيزفون .. ويا كل ما في الطبيعة من جمال خلاب ..
ما الذي قادك الى ذلك السكون والهدوء والاستقرار .. بعيدا عن الاضطراب والقلق ؟!
كسوة من الأمل .. ترفع الروح الى اسمى معاني .. وتتركها تترنم بأحلى الترانيم .. حتى لو كانت وحيدة متغربة ..
تلك احلام الأمل في ثيابها المخملية .. وطرازها القوي .. تبعث النفس الطاهر لكل لاجيء اليها .. وتسكن الآفاق دوما وابدا .. بعيدا عن الأدنى .. وفي الفضاء الشاسع .. تمرح فوق رؤوس اليائسين ..
... بضعة كلمات تسطرها قطرات الحبر .. لن تؤدي الغرض .. وانما في مخيلتي ومخيلة كل كائن حي يبتغي من حياته نبع السعادة والطمأنينة .. معان عظيمة عن تلك الكلمة المنبثقة بضوئها من قلب ظلام اليأس الأسود ..
ومن جوف القنوط الكئيب ..
من ثقب الباب الذي اغلق واوصد على أفئدة سوداوية قاتمة .. تكره النور وتعيش في سراديب الحياة ..
كما لو كانت ذلك الخلد القبيح .. الذي يبحث في باطن الارض عن مكان مظلم يهرب اليه من ضوء النهار .. فيحرم نفسه من اكثر المناظر متعة وجمالا ..
قال تعالى : ( قل يا عبادي الذين اسرفوا على انفسهم لا تقنطوا من رحمة الله ) .. فرحمن الارض والسماوات .. لم يبتغي من عباده ذلك اليأس والقنوط .. وانما ابتغى منهم الرجاء والامل دون افراط او تفريط ..
ولذلك لن يكون الخلد قدوتنا .. والا صرنا كمن دفنوا احياء وعذبوا في دياجير الظلمة والكآبة ..
لن نكون ذلك الرجل اليائس الذي حرم من بصره يوما فسقط ضحية الحزن والشقاء وفقد كل بصيص من امل في الهناءة والعيش السعيد قائلا :
على الدنيا السلام فما لشيخ
ضرير العين في الدنيا نصيب
يموت المرء وهو يعد حيـــــا
ويخلف ظنه الامـــــل الكذوب
يمنيني الطبيب شفاء عينـي
وما غير الاله لها طبيــــــــب
اذا ما مات بعضك فابك بعضا
فان البعض من بعض قريب
فما كان له ان يقنط ويمل من حياته كل هذا الملل ..
وان كان مصابه جلل ..
الا انه لو فعل ما فعله ابن عباس الذي واجه المصيبة ذاتها بجلد وصبر وايمان راسخ .. لكان خيرا له .. وفي ذلك قال ابن عباس :
ان يأخذ الله من عيني نورهما
ففي لساني وسمعي منهما نور
قلبي ذكي وعقلي غير ذي دخل
وفي فمي صارم كالسيف مأثور
... كلنا نقاسي المحن .. فمنا من يعاينها ويعالجها على الفور .. ومنا من يتركها تنهش جسده وتأكله .. كالدود يأكل اجساد الموتى .. فلماذا ؟!
ما دامت الحياة ممتدة مستمرة .. وفي داخلنا نفس يتردد ورمق من حياة ..فلماذا نصل الى مرحلة .. تختفي فيها الالوان من امامنا .. ولا يبقى سوى اللون الاسود .. نتمنى في تلك اللحظة لو الا نفعل شيئا ..
نعم .. هي مرحلة بسيطة وان طالت .. ذلك مع المقاومة ..
اما مع الاستسلام فلن تكون بسيطة ابدا .. بل ستكبر وتنتشر في كل كياننا ..
.. ان الامل ماء الحياة .. يرد الى الانفس ارواحها التائهة .. وهو نبع الخلود .. من شرب منه فقد خلد في داخله الايمان بالله والصبر على كل شيء .. لأن وراء ذلك جنة رحبة رائعة .. وهي ما يجب ان نعلق كل امالنا عليها .. نستحث خطى الحياة الطيبة اليها ..
رجائي ان تتوقفوا في لحظة من لحظات حياتكم .. لتقرأوا هذه الكلمات .. علها تعيد اليكم بعض الايمان .. وتجعلكم تفكرون بالامر بجدية ..
الجدية التي تقول :
لا حيــــــــاة بلا امـــــــل ...
تــيــمــة @tym_1
عضوة فعالة
يلزم عليك تسجيل الدخول أولًا لكتابة تعليق.
أشكرك أخي الأديب .. وبارك الله فيك أيضا ..
أسعدني توقفك الممتد .. وأرجو أن يدفعك ذلك الى أن تتوقف دائما عند مواضيعي .. شكرا مرة أخرى ..
أسعدني توقفك الممتد .. وأرجو أن يدفعك ذلك الى أن تتوقف دائما عند مواضيعي .. شكرا مرة أخرى ..
الصفحة الأخيرة
لست في حاجة لإضافة ولكني سأعلق على الموضوع تعبيرا عن إعجابي به ..
ـ بدايتك أكثر من جميلة فهي وصف أدبي رائع ومدخل سلس للموضوع ..
ـ لدي سؤال:
كما لو كانت ذلك الخلد القبيح .. الذي يبحث في باطن الارض عن مكان مظلم يهرب اليه من ضوء النهار .. فيحرم نفسه من اكثر المناظر متعة وجمالا ..
ما المقصود بالخلد القبيح؟
ـ أحسنت المقارنة بين الشاعرين فهي مقارنة بين حالين وكلنا يتمنى حال الشاعر الثاني ليس في مصيبته طبعا ولكن في سعادته بأقداره وكثير منا يعيش حالة الشاعر الثاني رغم أن مصيبته أهون بكثير..
ـ كلنا نقاسي المحن .. فمنا من يعاينها ويعالجها على الفور .. ومنا من يتركها تنهش جسده وتأكله .. كالدود يأكل اجساد الموتى .. فلماذا ؟!
هذا التشبيه أحسبه رائعا في التعبير عن المعنى المراد..
ـ شكرا لك كثيرا فقد أمتعتني كثيرا..
وفقك الله