السلام عليكم و رحمة الله وبركاته
لكل من تولى امراً من امور المسلمين..ولكل مسؤول.. رجلاً كان او امراة.. (مديرات..معلمات.. اي موضع انت/انتي.. مسؤول/مسؤولة..عنه من الله اقرأوا واعتبروا..واعرفوا..لأي نموذج انت/انتي تنتمي..
من قمة الهرم(هرم المسؤولية..)الى اسفل هذا الهرم..حتى انا انقله لكم ..اوجهه لنفسي اولاً( بما إني أم ..و (مسؤولة امــام الله عز و جل.. عن بيتي وابنائي)..لنراعي الله في اماناتنا ..ايٍ كانت..
فـ إلى أي نمــــــــــوذج ننتــــــمي:
المثــال الأول:
إنه مجدد القرن الأول، إنه الرجل الذي لما مات، أمست مدن الإسلام في مناحة وفي مصيبة وعزاء. والمسلمون مصابهم متفرق في كل بيت رنة وزفير إنه الرجل الذي قال فيه الإمام أحمد : ليس أحد من التابعين قوله حجة إلا عمر بن عبد العزيز .
السلام عليك يا عمر بن عبد العزيز ، وبيننا وبينك أكثر من ثلاثة عشر قرناً، السلام عليك اليوم وغداً وفي المستقبل، وحتى نلقى الله بك، وأنت رمز من رموز العدالة.
* أيها الناس! أنا لن أسرد حياته الشخصية، ولن أقدم ترجمة عن تفصيلات وجزئيات ما مر به لكنني أصل بكم إلى سدة الحكم يوم أن تولى عمر كان شاباً مترفاً من بني مروان، يغير في اليوم الواحد ثيابه أكثر من ثلاث مرات، كان إذا مر بسكة شم الناس طيبه، كان يسكن قصراً في المدينة وعند والده قصر في الشام ، وقصر في مصر ، وقصر في العراق ، وقصر في اليمن ، وأراد الله لأمة محمد عليه الصلاة والسلام، خيراً فتولى الخلافة.
حضر وفاة الخليفة، فرأى كيف يصرع الموت الولاة، وكيف يعقر الموت الملوك، وكيف يشدخ الموت رؤوس العظماء.
رأى سليمان بن عبد الملك وهو منطرح على سرير الملك كالطفل ((وَلَقَدْ جِئْتُمُونَا فُرَادَى كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَتَرَكْتُمْ مَا خَوَّلْنَاكُمْ وَرَاءَ ظُهُورِكُمْ وَمَا نَرَى مَعَكُمْ شُفَعَاءَكُمُ الَّذِينَ زَعَمْتُمْ أَنَّهُمْ فِيكُمْ شُرَكَاءُ)).
كان سليمان يعصره الموت عصراً، وكان منطرحاً بين يدي ربه يقول: يا من لا يزول ملكه ارحم من زال ملكه، وكان يصرخ قائلاً:
أفلح من كان له كبار إن بني فتية صغار
يقول: يا ليت أبنائي كباراً، يتولون الملك بعدي.
فقد أفلح من كان أبناؤه كباراً.
قال عمر بن عبد العزيز أمامه: لا والله ((قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى * وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى))، ومات سليمان ، وكتب الخلافة لرجل في كتاب سري، لم يعلم بعد.
ولما وارى الناس جثمان سليمان ، قام رجاء بن حيوة أحد علماء المسلمين، فأعلن على المنبر أن خليفة المسلمين، وأمير المؤمنين للعالم الإسلامي، عمر بن عبد العزيز .
فلما تلقى عمر بن عبد العزيز خبر توليته، انصدع قلبه من البكاء، وهو في الصف الأول، فأقامه العلماء على المنبر وهو يرتجف، ويرتعد، وأوقفوه أمام الناس، فأتى ليتحدث فما استطاع أن يتكلم من البكاء، قال لهم: بيعتكم بأعناقكم، لا أريد خلافتكم، فبكى الناس وقالوا: لا نريد إلا أنت، فاندفع يتحدث، فذكر الموت، وذكر لقاء الله، وذكر مصارع الغابرين، حتى بكى من بالمسجد.
يقول رجاء بن حيوة : والله لقد كنت أنظر إلى جدران مسجد بني أمية ونحن نبكي، هل تبكي معنا؟
ثم نزل، فقربوا
له المراكب والموكب كما كان يفعل بسلفه، قال: لا، إنما أنا رجل من المسلمين، غير أني أكثر المسلمين حملاً وعبئاً ومسؤولية أمام الله، قربوا لي بغلتي فحسب، فركب بغلته، وانطلق إلى البيت، فنزل من قصره، وتصدق بأثاثه ومتاعه على فقراء المسلمين.
نزل عمر بن عبد العزيز في غرفة في دمشق أمام الناس؟
ليكون قريباً من المساكين والفقراء والأرامل، ثم استدعى زوجته فاطمة، بنت الخلفاء أخت الخلفاء، زوجة الخليفة، فقال لها: يا فاطمة، إني قد وليت أمر أمة محمد صلى الله عليه وسلم.
وتعلمون أن الخارطة التي كان يحكمها عمر، تمتد من السند شرقاً إلى الرباط غرباً، ومن تركستان شمالاً، إلى جنوب إفريقيا جنوباً.
قال: فإن كنت تريدين الله والدار الآخرة، فسلمي حليك وذهبك إلى بيت المال، وإن كنت تريدين الدنيا، فتعالي أمتعك متاعاً حسناً، واذهبي إلى بيت أبيك، قالت: لا والله، والحياة حياتك، والموت موتك، وسلمت متاعها وخليها وذهبها، نرفعه إلى ميزانية المسلمين.
ونام القيلولة في اليوم الأول، فأتاه ابنه الصالح عبد الملك بن عمر بن عبد العزيز ، فقال: يا أبتاه! تنام وقد وليت أمر أمة محمد، فيهم الفقير والجائع والمسكين والأرملة، كلهم يسألونك يوم القيامة، فبكى عمر واستيقظ -وتوفي ابنه هذا قبل أن يكمل العشرين- عاش عمر رضي الله عنه عيشة الفقراء، كان يأتدم خبز الشعير في الزيت، وربما أفطر في الصباح بحفنة من الزبيب، ويقول لأطفاله: هذا خير من نار جهنم.
يذهب فيصلي بالمسلمين، فكان أول مرسوم اتخذه، عزل الوزراء الخونة الظلمة الغشمة، الذين كانوا في عهد سليمان ، استدعاهم أمامه وقال لـشريك بن عرضاء : اغرب عني يا ظالم رأيتك تجلس الناس في الشمس، وتجلد أبشارهم بالسياط، وتجوعهم وأنت في الخيام والإستبرق.
واستدعى الآخر وقال: اغرب عني والله لا تلي لي ولاية، رأيتك تقدم دماء المسلمين لـسليمان بن عبد الملك .
ثم عين وزراءه وأمراءه من علماء وصلحاء المسلمين.
وكتب إلى علماء العالم الإسلامي رسالة، إلى من؟
إلى الحسن البصري ، و مطرف بن عبد الله بن الشخير ، و سالم بن عبد الله بن عمر ؟
أن اكتبوا لي كتباً انصحوني وعظوني، قبل أن ألقى الله ظالماً، فكتبوا له رسائل، تتقطع منها القلوب، وتشيب لها الرؤوس.
كتب له الحسن : يا أمير المؤمنين صم يومك! لتفطر غداً.
وقال سالم : يا أمير المؤمنين! إنك آخر خليفة تولى، وسوف تموت كما مات من قبلك. وخوفوه ووعدوه.
وجعل سماره سبعة من العلماء، يسمرون معه بعد صلاة العشاء، واشترط عليهم ثلاثة شروط: الشرط الأول: ألا يغتاب مسلم.
الشرط الثاني: ألا يقدموا له شكاية في مسلم، أي التقارير المخزية في أعراض المسلمين، وفي كلمات المسلمين، ومجالس المسلمين، أبى أن تعرض عليه أو ترفع إليه.
الشرط الثالث: ألا يمزح في مجلسه، إنما يذكرون الآخرة وما قرب منها، فكان يقوم معهم، وهم يبكون، كأنهم قاموا عن جنازة.
ثم صعد عمر رضي الله عنه المنبر وأعلن سياسة حكومته الجديدة، وأتي بـمزاحم مولاه، وهو مولى أسود، قوي البنية، يخاف الله.
قال: يا مزاحم ، والله إني أحبك في الله، أنت وزيري.
قال: ولم يا أمير المؤمنين؟
قال: رأيتك يوماً من الأيام تصلي وحدك في الصحراء صلاة الضحى، لا يراك إلا الله. ورأيتك يا مزاحم تحب القرآن فكن معي، قال: أنا معك.
فاعتلى عمر بن عبد العزيز المنبر، وكان بيده دفتر، كتب فيه معلومات ضرورية، عن خطوط عريضة لدولته وخلافته، ووقف مزاحم بالسيف، والأمراء والظلمة من بني أمية، الذين أخذوا أراضي الناس، وبيوت الناس، وقصور الناس، وضربوا وجوه الناس، وآذوا الناس، جعلهم في الصف الأول.
قال عمر: أولاً: هذا كتاب عبد الملك بن مروان ، بإقطاعية الأراضي لكم يا بني مروان، وقد صدق الله، وكذب عبد الملك بن مروان ، ثم قطع الصك، ثم قال: ائتني بصكوك بني أمية، فسلم له صكا للعباس بن الوليد بن عبد الملك ، أخذ أرضاً شاسعة، يمكن أن تكون أرض مدينة، فأخذه بالمقص فقصه كله وأتلفه، وقال: لا حق لك في ديار المسلمين، قال: يا أمير المؤمنين أعد لي أرضي وإلا لي ولك شعري -يتهدده- قال: والله إن لم تسكت ليأتيني مزاحم برأسك الآن، فسكت، ثم أتى إلى الصكوك طيلة صلاة الجمعة، يشققها طولاً وعرضاً؟
لأنها صكوك بنيت على الظلم. واستمر به الحال على هذا المستوى، واستدعى مهاجراً أحد الوزراء، وقال: كن بجانبي، فإذا رأيتني ظلمت مسلماً أو انتهكت عرضاً، أو شتمت مؤمناً، فخذ بتلابيب ثوبي وقل: اتق الله يا عمر.
فكان وزيره مهاجراً يهزه دائماً، ويقول: اتق الله يا عمر.
أما حياته الشخصية فحدث ولا حرج، كان إذا صلى العشاء دخل مصلاه، فيستقبل القبلة، ويجلس على البطحاء، يمرغ وجهه في التراب ويبكي حتى الصباح.
قالوا لامرأته فاطمة بعد أن توفي: نسألك بالله، أن تصفي عمر؟
قالت: والله ما كان ينام الليل، والله لقد اقتربت منه ليلة فوجدته يبكي وينتفض كما ينتفض العصفور بلله القطر، قلت: ما لك يا أمير المؤمنين؟
قال: ما لي!! توليت أمر أمة محمد، فيهم الضعيف المجهد، والفقير المنكوب، والمسكين الجائع، والأرملة، ثم لا أبكي، سوف يسألني الله يوم القيامة عنهم جميعاً، فكيف أجيب؟
عليك سلام الله وقفاً فإنني رأيت الكريم الحر ليس له عمر
ثوى طاهر الأردان لم تبق بقعة غداة ثوى إلا اشتهت أنها قبر
أتى إلى بيت المال يزوره، فشم رائحة طيب، فسد أنفه، قالوا: ما لك؟
قال: أخشى أن يسألني الله -عز وجل- يوم القيامة لم شممت طيب المسلمين في بيت المال.
إلى هذه الدرجة، إلى هذا المستوى، إلى هذا العمق.
دخل عليه أضياف في الليل، فانطفأ السراج في غرفته، فقام يصلحه، فقالوا: يا أمير المؤمنين! اجلس، قال: لا، فأصلح السراج، وعاد مكانه، وقال: قمت وأنا عمر بن عبد العزيز وجلست وأنا عمر بن عبد العزيز .
كان عالماً مجتهداً يفتي للمسلمين فتح الله عليه من فتوحاته؛ لأنه يتقي ربه، ويعدل في رعيته.
خرج في نزهة يوماً، فمروا به على حديقة من حدائق دمشق العاصمة، فوقف يبكي على سور الحديقة، قالوا: مالك؟
قال: هذا نعيم منقطع، فكيف بجنة عرضها السموات والأرض؟
أواه، لا حرمنا الجنة.
ومر يوم العيد، بعد أن صلى بالمسلمين، وهو على بغلته، مر بالمقابر، فقال: انتظروني قليلاً-ذكر ذلك ابن كثير - انتظروني قليلاً، فوقف الوزراء، والصلحاء، والأمراء، والناس، ونزل عن بغلته، فوقف على المقبرة التي فيها الخلفاء من بني أمية، والتي فيها الأغنياء، وقال:
أتيت القبور فناديتها أين المعظم والمحتقر
تفانوا جميعاً فما مخبر وماتوا جميعاً ومات الخبر
فيا سائلي عن أناس مضوا أمالك فيما مضى معتبر
ثم وقف على طرف المقبرة وقال: يا موت! ماذا فعلت بالأحبة؟
يا موت ماذا فعلت بالأحبة؟
ثم بكى وجلس ينتحب، حتى كادت أضلاعه أن تختلف، ثم عاد إلى الناس، وقال: أتدرون ماذا قال الموت؟
قالوا: ما ندري؟
قال: يقول: بدأت بالحدقتين، وأكلت العينين، وفصلت الكفين من الساعدين، والساعدين من العضدين، والعضدين من الكتفين، وفصلت القدمين من الساقين، والساقين من الركبتين، والركبتين من الفخذين.
باتوا على قلل الآمال تحرسهم غلب الرجال فما أكنتهم القلل
واستنزلوا بعد عز من مساكنهم إلى مقابرهم يا بئس ما نزلوا
وقف يوماً من الأيام وقال: والله لا أعلم ظالماً إلا أنصفتكم منه، ولا يحول بيني وبين الظالم أحد، حتى آخذ الحق منه، ولو كان ابني. قال الناس: صدقت.
كان يدور في ظلام الليل يسأل: هل من مريض فأعوده؟
هل من أرملة فأقوم عليها؟
هل من جائع فأطعمه؟
يقول أحد ولاته: ذهبت إلى إفريقيا ، أوزع الزكاة، فوالله ما وجدت فقيراً في طريقي، لقد أغنى عمر بن عبد العزيز الفقراء، فما بقي فقير، ولا جائع، ولا مدين، ولا شاب أعزب!!. كان يصلي الجمعة، فيقوم نوابه، معهم دفاتر بأسماء الناس، فيوزع الأعطيات على طلبة العلم، واليتامى، والمساكين، والمرضى، والأرامل، والمحتاجين، والمعوزين، فيهتفون بعد الصلاة: اللهم اسق عمر بن عبد العزيز من سلسبيل الجنة، ونحن نقول: اللهم اسق عمر بن عبد العزيز من سلسبيل الجنة.
ضمر جسمه بعد الخلافة، أصبح وجهه أصفر شاحباً، يقول أحد العلماء: والله لقد رأيت عمر بن عبد العزيز وهو والي على المدينة المنورة ، فرأيته بضا، أبيض سميناً، فلما ولي الخلافة، رأيته يطوف وقد رفع الإحرام عن جنبه، ووالله لقد كنت أعد عظام ساعديه من الضعف والضمور.
دخل عليه زياد المولى أحد العلماء، فرأى وجهه شاحباً باكياً، أثر الدموع في أجفانه، أثر الجوع والفقر على خديه، ثوبه مرقع، قال: يا أمير المؤمنين!
أين القصور التي كنت تسكنها؟
والملابس التي كنت تلبسها؟
والنعيم الذي كنت تعيشه؟
قال: هيهات يا زياد! ذهب ذلك، لعلي تغيرت عليك.
قال: أي والله، قال: كيف بي لو رأيتني بعد ثلاث ليالي، إذا طرحت في القبر، وقطعت أكفاني، وسار الدود على خدي، وأكل عيني، ووقع التراب في أنفي، والله لقد كنت أشد تغيراً مما تراه!!.
وقف في يوم عيد الفطر يستقبل المسلمين، ويرحب بالمؤمنين، وإذا بكوكبة من الشعراء عند باب الغرفة، يريدون الدخول، قال له البواب: شعراء يريدون الدخول عليك على عادتهم السابقة عند الخلفاء -يدخل أحدهم بقصيدة خاطئة كاذبة، يمدح نفاقاً، يثني بكلام مجاملة، فيصف الخليفة بأنه محرر الشعب، وبأنه كافل الأيتام، وبأنه أستاذ المشاريع، وبأنه درة الأفق- فقال للبواب: من بالباب؟
قال: الفرزدق .
قال: والله لا يدخل علي عدو الله وقد سمعته يتغزل في بنات المسلمين.
ومن الآخر؟
قال: الآخر نصيب .
قال: ليس له عندي نصيب ولا يدخل علي؟
سمعته يفتري في شعره.
ثم قال: ومن الثالث؟
قال: الأخطل .
قال: حرام علي ابن النصرانية ، أن يطأ بساطي.
والرابع؟
قال: الرابع عمر بن أبي ربيعة .
قال: أما آن له أن يتوب إلى الله؟
والله لا ترى عيني وجهه.
ومن الخامس؟
قال: جرير . قال: إن كان ولا بد، فأدخل جريراً ، فلما دخل قال له:
فما كعب بن مامة وابن سعدى بأفضل منك يا عمر الجوادا
تعود صالح الأخلاق إني رأيت المرء يلزم ما استعادا
قال عمر: اتق الله يا جرير ، لا تكذب في شعرك، فإن الله سوف يسألك عن هذا.
قال يا أمير المؤمنين: أعطني.
قال: ما وجدت للشعراء في كتاب الله عطاء، إن كنت فقيراً أو مسكيناً أو ابن سبيل أعطيناك.
إنها مدرسة الجدية، والنصح، والعمق، وعدم الضحك على الذقون؟
أعرابي يدخل يمدح، ويأخذ الدنيا بما فيها، ويبقى الفقراء، يموتون جوعاً وعرياً على الأرصفة!!. شاعر كذاب متملق، يمدح بشيء من الهراء يأخذ من المال ما يغطي رأسه، والأطفال في حجور أمهاتهم يتضورون جوعاً، لا يفعل ذلك عمر، إنه عاقل، إنه جهبذ، إنه عبقري.
قال جرير: أنا فقير، قال: خذ مائتي درهم من مالي، ليس من بيت مال المسلمين.
قال جرير :
فوالله لقد كان هذا المال أبرك مال رأيته في الحياة.
وأتت سكرات الموت، أتدرون كم تولى الخلافة؟
سنتين، لكنها عند الله عز وجل أفضل من قرنين، إنني أعرف أناساً في التاريخ، تولى الواحد منهم خمسين سنة، فلما مات لعنه المسلمون، وإن بعضهم تولى أربعين سنة، فلما مات بشر بعض المسلمين بعضهم بموته، فليس العمر بالكثرة، العمر بالبركة، تولى سنتين، فأزال الظلم، فتح بابه، فتح صدره، فتح عينه، فتح قلبه، ففتح الله عليه.
حضرته سكرات الموت، فجمع أبناءه السبعة أو الثمانية، فلما رآهم بكى واستعبر، ودمعت عيناه، ثم قال لأبنائه: والله ما خلفت لكم من الدنيا شيئاً، عنده غرفة واحدة، إن كنتم صالحين فالله يتولى الصالحين وإن كنتم فجرة فلن أعينكم بمالي على الفجور، تعالوا فاقتربوا فقبلهم واحداً واحداً، ودعا لهم، وكأن قلبه يسل من بين جوارحه، وخرج أبناؤه.
قال أهل التاريخ: أغفى التاريخ إغفاءة عن أبناء عمر بن عبد العزيز السبعة أو الثمانية، وقد خلف لكل واحد منهم اثني عشر درهماً فقط، وأما هشام بن عبد الملك الخليفة، فخلف لكل ابن من أبنائه مائة ألف دينار، وبعد عشرين سنة، أصبح أبناء عمر بن عبد العزيز ، يسرجون الخيول في سبيل الله، منفقين متصدقين من كثرة أموالهم، وأبناء هشام بن عبد الملك في عهد أبي جعفر المنصور ، يقفون في مسجد دار السلام، يقولون: من مال الله يا عباد الله!
إن من حفظ الله حفظه الله، ولن ضيع الله ضيعه الله، هذه سنة من سنن الله عز وجل، ثم أمر عمر أبناءه بالخروج فخرج أطفاله أمام عينيه، ينظر إليهم، ومع كل طفل يخرج قطرات من الدموع تسقط، وقال: أدخلوا أمكم علي، فدخلت امرأته، فودعها، وسألها أن تتقي الله، وأن تبقى على الزهد وعلى الفقر، لتكون زوجته في الجنة، ثم قال: يا فاطمة، إني أرى نفراً، ليسوا بإنس ولا جن، أظنهم ملائكة، فاخرجي عني، فخرجت زوجته، وأغلقت الباب، ودخل الملائكة على عمر بن عبد العزيز مباشرة ((إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا الله ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ * نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ * نُزُلًا مِنْ غَفُورٍ رَحِيمٍ))، مات عمر وفتحت زوجته الباب فوجدته في عالم الآخرة، سلام عليك: ((يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ * ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً * فَادْخُلِي فِي عِبَادِي * وَادْخُلِي جَنَّتِي)).
)هكذا فلتكن العدالة).
فهـــــل تجدون في انفسكم لو اقل القليل من هذا النموذج ؟؟
والآن نأتي للمثــــال الثاني:
سيرته تقشعر منها أبدان المؤمنين، تدمع منها عيون الموحدين، سيرة مؤذية، وقبيحة ومنتنة.
ذكره الذهبي في السير فقال: نبغضه ولا نحبه، ونعتقد أن بغضه من أوثق عرى الدين، ثم قال عنه: له حسنات منغمرة في بحار سيئاته.
وذكره ابن كثير فقال: فلان بن فلان، قبحه الله، هكذا يحكم عليه التاريخ، وقد هلك منذ قرون طويلة.
ولكنه سيقدم على الله، وسيحاسب عن كل ما فعل، وعن كل ما قدم، وبما اتخذ من قرار، وبما سلب من أموال، وبما سفك من دماء، وبما أسكت من أصوات. ((وَلا تَحْسَبَنَّ الله غَافِلًا عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ)).
ولماذا نراهم يملئون الدنيا؟
((إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الأَبْصَارُ * مُهْطِعِينَ مُقْنِعِي رُءُوسِهِمْ لا يَرْتَدُّ إِلَيْهِمْ طَرْفُهُمْ وَأَفْئِدَتُهُمْ هَوَاءٌ)).
لقد أخطأ هذا الظالم في حق الأمة الإسلامية، وظن أنه والي في دولة فارس أو الروم ، وظلم نفسه أيضاً، ولكنه لا يستطيع أن يظلم ربه ((وَمَا ظَلَمُونَا وَلَكِنْ كَانُوا أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ)).
سفك هذا الظالم الدماء الزكية، حجر على المفكر فكره، وعلى العالم علمه، وعلى الداعية دعوته، وعلى الأديب أدبه، وعلى المبدع إبداعه، وهذا من أعظم الظلم، الذي إذا وجد في أمة، فهو أعتى ما يمكن أن يواجهها في حياتها.
إن الظلمة قد لا يقتلون الأنفس، وإنما يقتلون المبادئ والطموحات والإبداعات والمواهب، فيستحقون بذلك غضب الله عز وجل وأليم عذابه ((إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ الله وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَيَقْتُلُونَ الَّذِينَ يَأْمُرُونَ بِالْقِسْطِ مِنَ النَّاسِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ)).
قال بعض أهل العلم: يدخل في ذلك من قتل رسالة الناس، ودعوة الناس، وعلم الناس، وإبداع الناس، وحجر على أفكارهم، يستحق هذا العذاب، طالما أن رسالتهم للإسلام، ودعوتهم للإسلام، وعلمهم للإسلام، وإبداعهم للإسلام، وأفكارهم للإسلام.
إن هذا الظالم الذي نتحدث عنه، قطع الأصوات كلها إلا صوتاً واحداً يمدحه، ويثني عليه، ويغني له، ويسبح بحمده صباح مساء.
إن هذا الظالم الذي نتحدث عنه، قطع الأيادي كلها، إلا يداً واحدة تصفق له، أباد المواهب كلها إلا موهبة تقدسه وتعظمه.
والله إن العبد ليندى جبينه خجلاً، ويتفطر قلبه أسى، وهو يطالع ما وصل إليه العالم الإسلامي المعاصر، من تسلط الظلمة وأعداء الأمة.
ووالذي نفسي بيده، للعالم الغربي على كفره، أرحم وأعدل من كثير من هؤلاء.
ونعود إلى أعظم ظالم عرفته الأمة؟
عادى العلماء؟
لأنهم حملة حق، وصاحب السفهاء؟
لأنهم رواد باطل، صادم المربين واللامعين والمصلحين، وقرب المهرجين والمبطلين والفارغين.
مشكلة هذا الظالم أنه لا يستمع إلى نصيحة، ولا يقبل حواراً، ولا يحتمل معارضة.
من هو هذا الظالم؟
هل عرفتموه؟
هل مر بأذهانكم؟
هل سمعتم خبره؟
يقول هذا الظالم عن نفسه، قبل أن يموت بشهر واحد: رأيت في المنام كأن القيامة قامت، وكأن الله برز على عرشه للحساب، فقتلني بكل مسلم قتلته مرة؛ إلا سعيد بن جبير قتلني به على الصراط سبعين مرة.
أتدرون كم قتل من أمة محمد، عليه الصلاة والسلام، لقد قتل منها الآلاف، وسجن الآلاف، ومنع الدعاة من الكلام، وحجر على العلماء، وأظلمت الدنيا في عهده.
خطب في الناس، وصلى بهم الجمعة، ثم مشى بجانب سجنه، فبكى السجناء، ورفعوا أصواتهم بالبكاء، عله أن يسمعهم فيرحمهم، فسمعهم ثم قال لهم: ((اخْسَئُوا فِيهَا وَلا تُكَلِّمُونِ)).
يأتيه الشيخ الكبير، فيلعنه أمام الناس، يقوم الناصح فينصحه فيزجره.
إنه الحجاج بن يوسف الثقفي ، طاغية من أكبر الطغاة في تاريخ الأمة.
أراد الله أن يؤدب هذه الأمة بأمثال هذه القائمة السوداء، بسبب ذنوبها، وعتوها، وبأكلها الربا، وخيانتها لميثاق الله تعالى، فوضع هذه الكوابيس على أكتافها لتعود إلى ربها.
دخل رجل على علي بن أبي طالب رضي الله عنه وهو خليفة فقال: يا أمير المؤمنين، ما بال الناس أطاعوا أبا بكر و عمر ، ولم يطيعوك؟
قال علي : لأن رعية أبي بكر و عمر أنا وأمثالي، ورعيتي أنا، أنت وأمثالك، جزاء وفاقاً ((وَلا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدً)).
كان الحجاج يقرأ القرآن، ويلقي الخطب الرنانة، وكان يتحدث عن العدل ويمدح نفسه بذلك، ولكن كان سيفه مشرعاً في وجه كل من يخالف، وكانت إبادته للحريات ماضية، واستيلاؤه على الحقوق نافذ.
ومع ذلك كان يصفق له المبطلون، ويمدحه المادحون، ويشيد بعدله الشعراء والمنافقون.
* عباد الله:
نحن الآن أمام قصتين غريبتين مذهلتين، بين عبدين صالحين وبين هذا الطاغية.
أتى هذا الطاغية إلى الحرم ليؤدي العمرة، وكثير من الظلمة، يتصور أنه إذا فعل ما فعل، ثم يأتي ويطوف بالبيت سبعاً فقد محا هذا بذاك وانتهت القضية، وهذا تصور ساذج للإسلام.
أما والله إن الظلم شؤم وما زال المسيء هو الظلوم
إلى الديان يوم الحشر نمضي وعند الله تجتمع الخصوم
ذهب الطاغية يعتمر، وأخذ معه حراسة مشددة، لأنه يعلم أنه ظالم، ولما أتى مقام إبراهيم ، وقف يصلي ركعتين، فوضع حرسه وجنوده السلاح والسيوف والرماح والخناجر على الأرض.
والذي يروي هذه القصة طاوس بن كيسان ، أحد العلماء، قال: كنت جالساً عند المقام، فسمعت الجلبة، يعني الصوت والضجة، فالتفت، فرأيت الحجاج وحرسه، فقلت: اللهم لا تمتعه بصحته ولا بشبابه.
لا إله إلا الله، إن بعض العباد، يستولي على قلوب الناس، فيكسب دعاء العجائز في البيوت والأطفال في المهد، وهناك آخرون يكسبون بغض الناس، فيلعنهم الشباب والشيوخ، وتلعنهم الحوامل وما في بطونها، وتلعنهم دواب الأرض، وكان الحجاج من هذا الصنف.
فلما جلس الحجاج بعد أن أدى الركعتين، أتى رجل فقير من أهل اليمن ، وقام يطوف بالبيت، ولم يعلم أن الحجاج بن يوسف عند المقام، وفي أثناء طواف هذا الفقير، نشبت حربة بثوب هذا الفقير اليمني، ثم وقعت على بدن الحجاج ... ففزع الحجاج وقال: خذوه، فأخذه الجنود، ثم قال: قربوه مني، فقربوه منه، فقال الحجاج لهذا الفقير المعتز بالله: أعرفتني؟
قال: ما عرفتك.
قال الحجاج : من واليكم على اليمن ؟
قال الفقير: محمد بن يوسف ، أخو الحجاج ، ظالم مثله!! أو أسوأ منه!!.
قال الحجاج : أما علمت أني أنا أخوه؟
قال الفقير: أنت الحجاج ؟
قال الحجاج : نعم.
قال الفقير: بئس أنت، وبئس أخوك!!.
قال الحجاج : كيف تركت أخي في اليمن ؟
قال الفقير: تركته بطيناً سميناً.
قال الحجاج : ما سألتك عن صحته، إنما سألتك عن عدله.
قال الفقير: تركته غاشماً ظالماً.
قال الحجاج : أما علمت أنه أخي؟
أما تخاف مني؟
قال الفقير: أتظن يا حجاج أن أخاك يعتز بك، أكثر من عزتي بالواحد الأحد؟
قال طاوس الراوي: والله لقد قام شعر رأسي، ثم أطلق الحجاج الرجل، فجعل يطوف بالبيت، لا يخاف إلا الله!!.
ومما زادني شرفاً وتيهاً وكدت بأخمصي أطأ الثريا
دخولي تحت قولك يا عبادي وأن صيرت أحمد لي نبيا
وكان سعيد بن جبير إمام الدنيا في عهد الحجاج ، وكان الإمام أحمد إذا ذكره بكى وقال: والله لقد قتل سعيد بن جبير ، وما أحد على الدنيا من المسلمين، إلا وهو بحاجة إلى علمه.
قتله الحجاج ، قتل ولي الله، الصوام القوام، محدث الإسلام وفقيه الأمة، وافتحوا كتب التفسير والحديث والفقه، فسوف تجدون سعيد بن جبير في كل صفحة من صفحاتها.
كانت جريمة سعيد بن جبير ، أنه عارض الحجاج ، قال له: أخطأت، ظلمت، أسأت، تجاوزت، فما كان من الحجاج إلا أن قرر قتله؟
ليريح نفسه من الصوت الآخر، حتى لا يسمع من يعارض أو ينصح.
أمر الحجاج حراسه بإحضار ذلك الإمام، فذهبوا إلى بيت سعيد في يوم، لا أعاد الله صاحبه على المسلمين، في يوم فجع منه الرجال والنساء والأطفال.
وصل الجنود إلى بيت سعيد ، فطرقوا بابه بقوة، فسمع سعيد ذلك الطرق المخيف، ففتح الباب، فلما رأى وجوههم قال: ((حَسْبُنَا الله وَنِعْمَ الْوَكِيلُ)).
ماذا تريدون؟
قالوا: الحجاج يريدك الآن.
قال: انتظروا قليلاً، فذهب، واغتسل، وتطيب، وتحنط، ولبس أكفانه وقال: اللهم يا ذا الركن الذي لا يضام، والعزة التي لا ترام، اكفني شره.
فأخذه الحرس، وفي الطريق كان يقول: لا حول ولا قوة إلا بالله، خسر المبطلون.
ودخل سعيد على الحجاج ، وقد جلس مغضباً، يكاد الشر يخرج من عينيه.
قال سعيد : السلام على من اتبع الهدى وهي تحية موسى لـفرعون .
قال الحجاج : ما اسمك؟
قال سعيد : اسمي سعيد بن جبير .
قال الحجاج : بل أنت شقي بن كسير.
قال سعيد ؟
أمي أعلم إذ سمتني.
قال الحجاج : شقيت أنت وشقيت أمك.
قال سعيد : الغيب يعلمه الله.
قال الحجاج : ما رأيك في محمد صلى الله عليه وسلم؟
قال سعيد : نبي الهدى، وإمام الرحمة.
قال الحجاج : ما رأيك، في علي ؟
قال سعيد: ذهب إلى الله، إمام هدى.
قال الحجاج : ما رأيك في؟
قال سعيد : ظالم، تلقى الله بدماء المسلمين.
قال الحجاج : علي بالذهب والفضة، فأتوا بكيسين من الذهب والفضة، وأفرغوهما بين يدي سعيد بن جبير رضي الله عنه.
قال سعيد : ما هذا يا حجاج ؟
إن كنت جمعته، لتتقي به من غضب الله، فنعماً صنعت، وإن كنت جمعته من أموال الفقراء كبراً وعتواً، فوالذي نفسي بيده، الفزعة في يوم العرض الأكبر ((تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ)).
قال الحجاج : علي بالعود والجارية.
لا إله إلا الله ليالي حمراء وموسيقى والهه والأمة تتلظى على الأرصفة!!.
فطرقت الجارية على العود وأخذت تغني، فسالت دموع سعيد على لحيته وانتحب.
قال الحجاج : ما لك، أطربت؟
قال سعيد : لا، ولكني رأيت هذه الجارية سخرت في غير ما خلقت له، وعود قطع وجعل في المعصية.
قال الحجاج : لماذا لا تضحك كما نضحك؟
قال سعيد : كلما تذكرت يوم يبعثر ما في القبور، ويحصل ما في الصدور ذهب الضحك.
قال الحجاج : لماذا نضحك نحن إذن؟
قال سعيد : اختلفت القلوب وما استوت.
قال الحجاج : لأبدلنك من الدنيا ناراً تلظى.
قال سعيد : لو كان ذلك إليك لعبدتك من دون الله.
قال الحجاج : لأقتلنك قتلة ما قتلها أحد من الناس، فاختر لنفسك.
قال سعيد : بل اختر لنفسك أنت أي قتلة تشاءها، فوالله لا تقتلني قتلة، إلا قتلك الله بمثلها يوم القيامة.
قال الحجاج : اقتلوه.
قال سعيد : وجهت وجهي للذي فطر السموات والأرض حنيفاً مسلماً وما أنا من المشركين.
قال الحجاج : وجهوه إلى غير القبلة.
قال سعيد : ((فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ الله)).
قال الحجاج : اطرحوه أرضاً.
قال سعيد وهو يتبسم: ((مِنْهَا خَلَقْنَاكُمْ وَفِيهَا نُعِيدُكُمْ وَمِنْهَا نُخْرِجُكُمْ تَارَةً أُخْرَى)).
قال الحجاج : أتضحك؟
قال سعيد : أضحك من حلم الله عليك، وجرأتك على الله!!.
قال الحجاج : اذبحوه.
قال سعيد : اللهم لا تسلط هذا المجرم على أحد بعدي.
وقتل سعيد بن جبير ، واستجاب الله دعاءه، فثارت ثائرة بثرة (1) في جسم الحجاج ، فأخذ يخور كما يخور الثور الهائج، شهراً كاملاً، لا يذوق طعاماً ولا شراباً ولا يهنأ بنوم، وكان يقول: والله ما نمت ليلة إلا ورأيت كأني أسبح في أنهار من الدم، وأخذ يقول: ما لي وسعيد ، ما لي وسعيد ، إلى أن مات.
مات الحجاج ، ولحق سعيد ، وغيره ممن قتل، وسوف يجتمعون أمام الله تعالى يوم القيامة، يوم يأتي سعيد بن جبير ويقول: يا رب سله فيم قتلني؟
يوم يقف الحجاج وحيداً، ذليلاً، لا جنود، ولا حرس، ولا خدم، ولا...، ولا... ((إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمَنِ عَبْدًا * لَقَدْ أَحْصَاهُمْ وَعَدَّهُمْ عَدًّا * وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَرْدًا)).
* عباد الله!
إن نبيكم صلى الله عليه وسلم كأنه علم أن ذلك سيحدث لأمته، ولأتباع ملته، فحذر أشد التحذير من الظلم.
قال صلى الله عليه وسلم: (اللهم من ولي من أمر أمتي شيئاً، فشق عليهم، فاشقق عليه. ومن ولي من أمر أمتي شيئاً، فرفق بهم، فارفق به) (1) .
وقال عليه الصلاة والسلام: (من ولاه الله عز وجل شيئاً من أمر المسلمين، فاحتجب دون حاجتهم وخلتهم وفقرهم، احتجب الله عنه، دون حاجته وخلته وفقره) (1) .
إذا أغلق المسؤولون أبوابهم في وجوه ذوي الحاجات، فمن يحل مشكلة الفقير؟
من يسمع معاناة المسكين؟
من يرفع الجوع عن الجائعين؟
أهو الذي يحتجب عنهم، ويغلق أبوابه دونهم؟
سوف يحتجب الله عنه يوم القيامة.
أيها الناس:
هذه سير فيها عبرة لمن يعتبر ((لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُوْلِي الأَلْبَابِ مَا كَانَ حَدِيثًا يُفْتَرَى))، ((ثُمَّ رُدُّوا إِلَى الله مَوْلاهُمُ الْحَقِّ أَلا لَهُ الْحُكْمُ وَهُوَ أَسْرَعُ الْحَاسِبِينَ))، ((يَوْمَ نَدْعُوا كُلَّ أُنَاسٍ بِإِمَامِهِمْ))، ((إِنَّا كُنَّا نَسْتَنسِخُ مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ))، ((لِكُلِّ نَبَإٍ مُسْتَقَرٌّ وَسَوْفَ تَعْلَمُونَ))، سوف تعلمون عاقبة الظلم والقهر، يوم ينادى رب العزة ويقول: ((لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ))، ثم يجيب نفسه بنفسه: ((لله الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ))
انتهـى.
واعلموا أن العبد مهما صغرت ولايته أو كبرت، فإنه سوف يقف أمام الله عز وجل وسوف يُحاسَب على هذه الولاية، ولو كان يحكم بين اثنين، أو كان مسؤولاً عن مكتب صغير، أو مديراً لمدرسة، أو رئيساً لدائرة.
واجعلوا أمام أعينكم نموذجين اثنين؟
عمـر بن عبدالعـزيز الخليفة العادل و الحجاج بن يوسف الجبّار الظالِم، واسأل نفسك، مع مَن تحب أن تكون يوم القيامة؟؟
وصلوا وسلموا -رحمكم الله تعالى- على مَن أمركم الله بالصلاة والسلام عليه، فقال: ((إِنَّ الله وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا))، ويقول صلى الله عليه وسلم: (مَن صلى علي صلاة، صلى الله عليه بها عشراً) (1) ، اللهمَّ صَلٌ على نبيك وحبيبك محمد صلى الله عليه وسلم وارْضَ اللهم عن الصحابة أجمعين ومَن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
نقلته لكم من خطبتين مع بعض التعديل اسال الله الا يوأخذني عليه..
فالله الله في اماناتنا اخواتي ..الله ينفعنا وياكم به..
سبحانك اللهم وبحمدك اشهد ان لا اله الا انت استغفرك واتوب اليك..

نخيـل الكنـاري @nkhyl_alknary
عضوة جديدة
يلزم عليك تسجيل الدخول أولًا لكتابة تعليق.
خليك أول من تشارك برأيها 💁🏻♀️