nouha161 @nouha161
محررة فضية
الى كل ام
إلى كل أم.... في عنقها أمانة تربية أبنائها وبناتها . وإنها لأمانة.. وأية أمانة .فإن أدّتها كانت خيرا وبركة وسلامة . وبها تمام السعادة.. والكرامة . وإن ضيعتها عادت عليها خزياً وحسرة وندامة . في هذه الدنيا، ويوم القيامة
4
646
يلزم عليك تسجيل الدخول أولًا لكتابة تعليق.
nouha161
•
آداب العالم
العلماء ورثة الأنبياء، والأنبياء لم يورثوا من عرض الدنيا متاعا زائلا، ولا مالا فائنا، وإنما ورّثوا دين الله عز وجل القائم على العلم والحكمة، ومعرفة آيات الله في خلقه، وتزكية النفس وصلتها بخالقها، وتحليتها بمكارم الأخلاق.
العلماء ورثة الأنبياء، ورثوا عن سيدنا نوح صبره على تبليغ رسالة الله، وتحمله إيذاء قومه وإعراضهم عنه في سبيل الله، وهو قائم بالدعوة الى الله مئات السنين دون كلل ولا ملل، ولا ضجر ولا قنوط.
وورثوا عن سيدنا إبراهيم شجاعته وصموده أمام أعداء الله، وتضحيته بالحياة واستهانته بالموت في سبيل إعلاء كلمة الله.
وورثوا عن سيدنا موسى قوته وأمانته، وعفته ونزاهته، ودعوته للإنقاذ قومه من الظلم والاستعباد، ورفقه بهم ليخرجهم من الظلمات الى النور، ومن عبادة الطواغيت الى عبادة الله الواحد القهار.
وورثوا عن سيدنا عيسى روحانيته وقربه من الله، وذكره وصلته الدائمة بالله، وصدقه ورحمته، وسمونفسه ورفعتها ومحبتها لجميع خلق الله.
وورثوا عن خاتم النبيين سيدنا محمد وعليهم أجمعين الخلق العظيم، والرحمة للعالمين، والصفوة من الشرع والدين القويم.
ورثوا عنه صبره وحلمه، وجهاده ونضاله، وعرض نفسه ودعوته على الناس في سبيل نشر دين الله، مقتحما الأخطار، غير مبال بتهديد ولا إيذاء ولا استنكار، غير آبه بإغراء بمنصب أو مال أو جمال، قائلا كلمته المشهورة: والله يا عمّ، لو وضعوا الشمس في يميني، والقمر في شمالي، على أن أرجع عن تبليغ رسالة ربي ما رجعت حتى ينفصل رأسي عن كتفي رواه البيهقي عن ابن اسحاق.
هؤلاء العلماء هم الذين عقلوا عن الله ينه، وفهموا مراده من رسالته الى خلقه وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ وَمَا يَعْقِلُهَا إِلَّا الْعَالِمُونَ (43) العنكبوت، فاستقرّ نور الكتاب بين ثنايا صدورهم، وانطبعت معاني الآيات في أعماق قلوبهم بَلْ هُوَ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ العنكبوت 49. وبذلك ارتقوا في مقامات الصالحين، وارتفعوا الى مصافّ المقربين يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ الذاريات 11، وشتان ما بين هذه المنزلة الرفيعة، ومنزلة الغفل الجاهلين، والمعرضين الزاهدين قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ الزمر 9.
هؤلاء العلماء هم مصابيح الهدى التي تدل الناس على منهج الله، وترشدهم الى دين الله، وهم منابع الخير والسعادة والفلاح، يملؤون العقول بالعلم والحكمة، ويهذبون النفوس ويزكونها بمراقبة الله وذكره على الدوام، وينشؤون الجيل القوي بعقيدته، الكريم بأخلاقه، النافع لأمته، المخلص في بناء وطنه، فهم روح المة وكنزها الأكبر. قال : إن مثل العلماء في الأرض كمثل النجوم في السماء، فإذا انطمست النجوم أوشك أن تضلّ الهداة رواه أحمد عن أنس بن مالك.
وإذا كان العلماء مصادر السعادة لمن لاذ بهم وأخلص في صحبتهم في الدنيا، فهم تمام السعادة في الآخرة، يحشر أتباعهم بمعيتهم، ثم يشفعون بهم، قال : ويشفع يوم القيامة ثلاثة: الأنبياء ثم العلماء ثم الشهداء رواه ابن ماجه عن عثمان بن عفان. وقال عليه السلام: يبعث العالم والعابد فيقال للعابد: ادخل الجنة، ويقال للعالم اثبت حتى تشفع للناس بما أحسنت أدبهم رواه البيهقي عن جابر.
وأي شرف أرفع، وفضل أكبر في تكريم العلماء من عطف شهادتهم في وحدانية الله على شهادة الله وشهادة ملائكته، قال تعالى: شَهِدَ اللّهُ أَنَّهُ لاَ إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ وَالْمَلاَئِكَةُ وَأُوْلُواْ الْعِلْمِ قَآئِمَاً بِالْقِسْطِ آل عمران 18. ومن قول النبي : إن الله وملائكته، وأهل السموات والأرض، حتى النملة في جحرها، وحتى الحوت ليصلون على معلمي الناس خيرا رواه الترمذي. وفي حديث آخر فضل العالم على العابد كفضل القمر ليلة البدر على سائر الكواكب، وإن العلماء ورثة الأنبياء، وإن الأنبياء لم يورّثوا دينارا ولا درهما، وإنما ورّثوا العلم فمن أخذ به أخذ بحظ وافر رواه الترمذي.
هذا وللعلماء الحقيقيين صفات بها يعرفون، وأخلاق عليها مجبولون، وآداب بها متصفون، نذكر منها ما يلي:
1 »» لزوم العلم ومحبته والشغف به، وبذل الوقت للاستزادة منه على الدوام.
قال الله تعالى: وَقُل رَّبِّ زِدْنِي عِلْماً (114) طه.
وعن عائشة ا أن النبي قال: إذا أتى عليّ يوم لا أزداد فيه علما، يقرّبني الى الله عز وجل فلا بورك لي في طلوع شمس ذلك اليوم رواه الطبراني وأبو نعيم في الحلية.
2 »» العمل بالعلم، لأن العالم الحق لا يخالف فعله قوله، ومن كان قدوة للناس بفعله وسلوكه قبل كلامه وتوجيهه، ومن دعاهم الى الله بسيرته وأخلاقه، قبل دروسه وخطبه، ومن علّم الناس بحاله قبل قاله. قال أبو الدرداء: ويل للذي لا يعلم مرة، وويل للذي يعلم ثم لا يعمل سبع مرات. وقال سفيان بن عيينة: ليس العالم الذي يعرف الخير من الشر، إنما العالم الذي يعرف الخير فيتبعه، ويعرف الشر فيجتنبه.
وقال أحد الشعراء:
يا أيها الرجل المعلم غيره ****** هلا لنفسك كان ذا التعليم
ابدأ بنفسك فانهها عن عيّها ****** فإذا انتهت عنه فأنت حكيم
لا تنه عن خلق وتأتي مثلــه ****** عار عليك إذا فعلت عظيم
وعن أسامة بن زيد قال: سمعت رسول الله يقول: يؤتى بالرجل يوم القيامة فيلقى في النار فتندلق أقتاب بطنه فيدور بها كما يدور الحمار في الرحى فيجتمع إليه أهل النار فيقولون: يا فلان مالك ألم تكن تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر، فيقول بلى كنت آمر بالمعروف ولا آتيه، وأنهى عن المنكر وآتيه. متفق عليه.
قال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ (2) كَبُرَ مَقْتاً عِندَ اللَّهِ أَن تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ (3) الصف.
وقال تعالى على لسان نبيه شعيب: وَمَا أُرِيدُ أَنْ أُخَالِفَكُمْ إِلَى مَا أَنْهَاكُمْ عَنْهُ هود 88.
وقال عز وجل: أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنسَوْنَ أَنفُسَكُمْ وَأَنتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ (44) البقرة.
وعن أنس عن النبي قال: من عمل بما علم ورثه الله علم ما لم يعلم رواه أبو نعيم في الحلية.
وعن أبي الدرداء موقوفا: لا يكون المرء عالما حتى يكون بعلمه عاملا . رواه ابن حبان.
وعن أبي هريرة قال: قال رسول الله : مثل الذي يعلم الناس الخير وينسى نفسه مثل الفتيلة تضيء على الناس وتحرق نفسها رواه الطبراني.
3 »» خشية الله تعالى كلما ازداد علما، ومخافته كلما ازداد معرفة بعظمته وقدرته، قال أحدهم:
على قدر علم المرء يعظم خوفه ****** فما عالم إلا من الله خائف
فآمن مكر الله بالله جاهل ****** وخائف مكر الله بالله عارف
قال تعالى: إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاء فاطر 28.
وقال علي :" قصم ظهري رجلان: عالم متهتك، وجاهل متنسّك".
4 »» الترفع عن سفاسف الدنيا، ولغوها ولهوها ولعبها، وبهرجها وزخارفها وشهواتها الرخيصة. روي أن رجلا من بني إسرائيل جمع ثمانون تابوتا من العلم ولم ينتفع به، فأوحى الله الى نبيهم أنه قل لهذا الجامع " لو جمعت كثيرا من العلم لم ينفعك إلا أن تعمل ثلاثة أشياء: لا تحب الدنيا فليست بدار المؤمنين، ولا تصاحب الشيطان فليس برفيق المؤمنين، ولا تؤذ أحدا فليس بحرفة المؤمنين".
قال تعالى: وَلَا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجاً مِّنْهُمْ زَهْرَةَ الْحَيَاةِ الدُّنيَا لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ وَرِزْقُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَأَبْقَى (131) طه.
وعن علي أن رسول الله قال: من ازداد بالله علما ثم ازداد للدنيا حبا، ازداد الله عليه غضبا رواه أبو الفتح الأزدي. وعن الحسن موقوفا: من أراد علما ثم ازداد على الدنيا حرصا لم يزدد من الله إلا بعدا رواه ابن حبان.
5 »» التواضع لعباد الله، والشفقة على المتعلمين، والرفق بهم، والتأني في تعليمهم، ومعاملتهم كأبنائه المحتاجين، واحتمال إعراضهم وجفائهم وجهالتهم، والحرص على إنقاذهم من ظلمات الجهالة الى نور العلم والفقه في الدين. والعمل على إصلاحهم بإنتقاء العلم الذي يعالج أمراضهم، ويصلح أحوالهم وتقديم الأولى في تعليمهم والتدرج في تأديبهم، وتفهم حاجاتهم وتقدير ظروفهم، والرد على أسئلتهم، والبشاشة في وجوههم، وتأليف قلوبهم، وبذل الوقت وإنفاق المال في سبيل إرشادهم، وقد ورد في الأثر ( لينوا لمن تعلمون ولمن تتعلمون منه).
قال تعالى: وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (215) فَإِنْ عَصَوْكَ فَقُلْ إِنِّي بَرِيءٌ مِّمَّا تَعْمَلُونَ (216) الشعراء.
وعن أبي هريرة أن رسول الله قال: إنما أنا لكم مثل الوالد لولده رواه ابو داود وابن ماجه والنسائي وابن حبّان.
وعن أبي هرون العبدي قال: كنا نأتي أبا سعيد الخدري فيقول: مرحبا بوصية رسول الله: إن النبي قال: إن الناس لكم تبع وإن رجالا يأتونكم من أقطار الأرض يتفقهون في الدين، فإذا أتوكم فاستوصوا بهم خيرا رواه الترمذي وابن ماجه.
6 »» الإخلاص في تعليم العلم وبذله للناس، وإرادة وجه الله تعالى به، وطلبا لرضاء الله عز وجل وقربه إليه، فلا يطلب أجرا ولا جزاء ولا ثناء ولا شكورا.
قال الله تعالى: وَيَا قَوْمِ لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مَالاً إِنْ أَجْرِيَ إِلاَّ عَلَى اللّهِ هود 29.
وعن ابن عباس ما قال: قال رسول الله : أي جلسائنا خير؟ قال: من ذكّركم الله رؤيته، وزاد في علمكم منطقه، وذكّكركم بالآخرة عمله رواه أبو يعلى.
وعن أبي هريرة قال: قال رسول الله : من طلب علما يبتغي به وجه الله تعالى ليصيب به عرضا من الدنيا لم يجد عرف الجنة يوم القيامة رواه أبو داود وابن ماجه.
7 »» التثبت من العلم والتوسع في دقائقه، واصابة لبه، وأن يبلغ فيه مداه، فلا يكتفي ببعضه ولا بقشوره، ولا يعلم بعض مسائله ويجهل ما هو من مستلزماتها ومتمماتها.
8 »» الالتزام بالحلم والوقار، والأناة وسعة الصدر، إذا لا يزين العلم إلا الحلم ومكارم الأخلاق، وتجنب الرعونة والحمق والطيش والخفة والغضب والتهور وسرعة الانفعال..
9 »» الصبر على جفاء الجاهلين، وإيذاء الحاسدين، وافتراء الكاذبين وعداوة الجاحدين.
قال الله تعالى: فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُوْلُوا الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ وَلَا تَسْتَعْجِل لَّهُمْ الأحقاف 35.
وعن أبي عبدالرحمن عبدالله بن مسعود قال: كأني أنظر الى رسول الله يحكي نبيا من الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم، ضربه قومه فأدموه وهو يمسح الدم عن وجهه ويقول: اللهم اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون متفق عليه.
10 »» بذل العلم لأهله، وتبيانه وإيضاحه، وتجنب كتمان شيء منه ضنا به أو ترفعا على من يطلبه.
قال تعالى: وَإِذَ أَخَذَ اللّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلاَ تَكْتُمُونَهُ فَنَبَذُوهُ وَرَاء ظُهُورِهِمْ وَاشْتَرَوْاْ بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً فَبِئْسَ مَا يَشْتَرُونَ (187) آل عمران.
وعن أبي هريرة قال: قال رسول الله : من سئل علم فكتمه ألجم يوم القيامة بلجام من نار رواه الترمذي.
وعن ابن مسعود قال: قال رسول الله : ما آتى الله عالما علما إلا وأخذ عليه من الميثاق ما أخذ على النبيين أن يبينوه للناس ولا يكتموه رواه أبو نعيم.
11 »» استماع الحجة والقبول بها، والانصياع للحق وإن كان من الخصم، وتجنب الإصرار على الخطأ. قال الشافعي: وددت أن الناس انتفعوا بهذا العلم وما نسب ألي شيء منه، وما ناظرت أحدا قط فأحببت أن يخطئ.
12 »» الجرأة في الحق، وإظهار عزة العلم، وأن لا يخشى في الله لومة لائم أو غضبة حاقد وإن كان مرا وذلك بالحكمة والعقل والموعظة الحسنة.
قال تعالى: وَتِلْكَ حُجَّتُنَا آتَيْنَاهَا إِبْرَاهِيمَ عَلَى قَوْمِهِ نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مَّن نَّشَاء الأنعام 83.
وعن عائشة ا قالت: قال رسول الله : من أرضى الناس بسخط الله سخط الله عليه وأسخط عليه الناس ومن أرضى الله بسخط الناس رضي الله عليه وأرضى عليه الناس رواه الترمذي.
13 »» إعطاء المتعلم على قدر فهمه، فلا يلقي إليه ما لا يبلغه عقله فينفره، ثم يتدرج به من رتبة الى رتبة. قال الإمام علي: حدثوا الناس بما يعرفون، أتحبون أن يكذب الله ورسوله رواه البخاري.
وقال ابن مسعود : ما أنت بمحدث قوما حديثا لا تبلغه عقولهم إلا إذا كان لبعضهم فتنة. رواه مسلم.
14 »» بذل العلم لمن يقدرونه وينتفعون منه، وإمساكه عمن غيرهم.
عن أنس قال: قال رسول الله : طلب العلم فريضة على كل مسلم، وواضع العلم عند غير أهله كمقلد الخنازير الجوهر واللؤلؤ والذهب رواه ابن ماجه.
15 »» إصلاح ظاهره بالاستقامة على الشريعة المحمدية، وباطنه على التقوى وتزكية النفس ومراقبة الله تعالى، لأن العلم ليس لقلقة باللسان، وكلمات جوفاء لا تتجاوز الآذان، وإنما هو نور القلب بخرج من روح متصلة بالله مستقر في القلوب والأرواح لينقلب الى عمل وسلوك.
قال الله تعالى:وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ (24) السجدة.
وعن جابر قال قال رسول الله : العلم علمان: علم في القلب فذاك العلم النافع، وعلم اللسان فذاك حجة الله على ابن آدم رواه الحافظ وابن عبدالبر.
16 »» تجنب الفتيا بغير علم أو تثبت أو تأكد من المسألة، وإحالة الباب الذي لا يعرفه إلى من هو أعلم منه، وعدم الحرج من قول لا أدري أو الأنفة من ذلك.
قال تعالى: وَمَا أُوتِيتُم مِّن الْعِلْمِ إِلاَّ قَلِيلاً (85) الاسراء.
وعن أبي هريرة أن رسول الله قال: من أفتى بغير علم كان إثمه على من أفتاه. رواه الحاكم وأبو داود.
17 »» تجنب المنة على المتعلمين ورؤية فضله على أحدهم إذا تعلم وتهذب وتزكى، لأن ذلك مما يحبط الأجر والثواب، ولكن يطلب ذخره عند الله، ويرى الفضل للمتعلم الذي كان السبب في رفع درجاته، وزيادة حسناته.
18 »» أن يتبع طريقة النبي في زجر المقصرين، ومحاسبة المذنبين وذلك بالتعريض دون التوبيخ، وبالتلميح دون التصريح.. كأن يقول " ما بال أقوام".
العلماء ورثة الأنبياء، والأنبياء لم يورثوا من عرض الدنيا متاعا زائلا، ولا مالا فائنا، وإنما ورّثوا دين الله عز وجل القائم على العلم والحكمة، ومعرفة آيات الله في خلقه، وتزكية النفس وصلتها بخالقها، وتحليتها بمكارم الأخلاق.
العلماء ورثة الأنبياء، ورثوا عن سيدنا نوح صبره على تبليغ رسالة الله، وتحمله إيذاء قومه وإعراضهم عنه في سبيل الله، وهو قائم بالدعوة الى الله مئات السنين دون كلل ولا ملل، ولا ضجر ولا قنوط.
وورثوا عن سيدنا إبراهيم شجاعته وصموده أمام أعداء الله، وتضحيته بالحياة واستهانته بالموت في سبيل إعلاء كلمة الله.
وورثوا عن سيدنا موسى قوته وأمانته، وعفته ونزاهته، ودعوته للإنقاذ قومه من الظلم والاستعباد، ورفقه بهم ليخرجهم من الظلمات الى النور، ومن عبادة الطواغيت الى عبادة الله الواحد القهار.
وورثوا عن سيدنا عيسى روحانيته وقربه من الله، وذكره وصلته الدائمة بالله، وصدقه ورحمته، وسمونفسه ورفعتها ومحبتها لجميع خلق الله.
وورثوا عن خاتم النبيين سيدنا محمد وعليهم أجمعين الخلق العظيم، والرحمة للعالمين، والصفوة من الشرع والدين القويم.
ورثوا عنه صبره وحلمه، وجهاده ونضاله، وعرض نفسه ودعوته على الناس في سبيل نشر دين الله، مقتحما الأخطار، غير مبال بتهديد ولا إيذاء ولا استنكار، غير آبه بإغراء بمنصب أو مال أو جمال، قائلا كلمته المشهورة: والله يا عمّ، لو وضعوا الشمس في يميني، والقمر في شمالي، على أن أرجع عن تبليغ رسالة ربي ما رجعت حتى ينفصل رأسي عن كتفي رواه البيهقي عن ابن اسحاق.
هؤلاء العلماء هم الذين عقلوا عن الله ينه، وفهموا مراده من رسالته الى خلقه وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ وَمَا يَعْقِلُهَا إِلَّا الْعَالِمُونَ (43) العنكبوت، فاستقرّ نور الكتاب بين ثنايا صدورهم، وانطبعت معاني الآيات في أعماق قلوبهم بَلْ هُوَ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ العنكبوت 49. وبذلك ارتقوا في مقامات الصالحين، وارتفعوا الى مصافّ المقربين يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ الذاريات 11، وشتان ما بين هذه المنزلة الرفيعة، ومنزلة الغفل الجاهلين، والمعرضين الزاهدين قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ الزمر 9.
هؤلاء العلماء هم مصابيح الهدى التي تدل الناس على منهج الله، وترشدهم الى دين الله، وهم منابع الخير والسعادة والفلاح، يملؤون العقول بالعلم والحكمة، ويهذبون النفوس ويزكونها بمراقبة الله وذكره على الدوام، وينشؤون الجيل القوي بعقيدته، الكريم بأخلاقه، النافع لأمته، المخلص في بناء وطنه، فهم روح المة وكنزها الأكبر. قال : إن مثل العلماء في الأرض كمثل النجوم في السماء، فإذا انطمست النجوم أوشك أن تضلّ الهداة رواه أحمد عن أنس بن مالك.
وإذا كان العلماء مصادر السعادة لمن لاذ بهم وأخلص في صحبتهم في الدنيا، فهم تمام السعادة في الآخرة، يحشر أتباعهم بمعيتهم، ثم يشفعون بهم، قال : ويشفع يوم القيامة ثلاثة: الأنبياء ثم العلماء ثم الشهداء رواه ابن ماجه عن عثمان بن عفان. وقال عليه السلام: يبعث العالم والعابد فيقال للعابد: ادخل الجنة، ويقال للعالم اثبت حتى تشفع للناس بما أحسنت أدبهم رواه البيهقي عن جابر.
وأي شرف أرفع، وفضل أكبر في تكريم العلماء من عطف شهادتهم في وحدانية الله على شهادة الله وشهادة ملائكته، قال تعالى: شَهِدَ اللّهُ أَنَّهُ لاَ إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ وَالْمَلاَئِكَةُ وَأُوْلُواْ الْعِلْمِ قَآئِمَاً بِالْقِسْطِ آل عمران 18. ومن قول النبي : إن الله وملائكته، وأهل السموات والأرض، حتى النملة في جحرها، وحتى الحوت ليصلون على معلمي الناس خيرا رواه الترمذي. وفي حديث آخر فضل العالم على العابد كفضل القمر ليلة البدر على سائر الكواكب، وإن العلماء ورثة الأنبياء، وإن الأنبياء لم يورّثوا دينارا ولا درهما، وإنما ورّثوا العلم فمن أخذ به أخذ بحظ وافر رواه الترمذي.
هذا وللعلماء الحقيقيين صفات بها يعرفون، وأخلاق عليها مجبولون، وآداب بها متصفون، نذكر منها ما يلي:
1 »» لزوم العلم ومحبته والشغف به، وبذل الوقت للاستزادة منه على الدوام.
قال الله تعالى: وَقُل رَّبِّ زِدْنِي عِلْماً (114) طه.
وعن عائشة ا أن النبي قال: إذا أتى عليّ يوم لا أزداد فيه علما، يقرّبني الى الله عز وجل فلا بورك لي في طلوع شمس ذلك اليوم رواه الطبراني وأبو نعيم في الحلية.
2 »» العمل بالعلم، لأن العالم الحق لا يخالف فعله قوله، ومن كان قدوة للناس بفعله وسلوكه قبل كلامه وتوجيهه، ومن دعاهم الى الله بسيرته وأخلاقه، قبل دروسه وخطبه، ومن علّم الناس بحاله قبل قاله. قال أبو الدرداء: ويل للذي لا يعلم مرة، وويل للذي يعلم ثم لا يعمل سبع مرات. وقال سفيان بن عيينة: ليس العالم الذي يعرف الخير من الشر، إنما العالم الذي يعرف الخير فيتبعه، ويعرف الشر فيجتنبه.
وقال أحد الشعراء:
يا أيها الرجل المعلم غيره ****** هلا لنفسك كان ذا التعليم
ابدأ بنفسك فانهها عن عيّها ****** فإذا انتهت عنه فأنت حكيم
لا تنه عن خلق وتأتي مثلــه ****** عار عليك إذا فعلت عظيم
وعن أسامة بن زيد قال: سمعت رسول الله يقول: يؤتى بالرجل يوم القيامة فيلقى في النار فتندلق أقتاب بطنه فيدور بها كما يدور الحمار في الرحى فيجتمع إليه أهل النار فيقولون: يا فلان مالك ألم تكن تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر، فيقول بلى كنت آمر بالمعروف ولا آتيه، وأنهى عن المنكر وآتيه. متفق عليه.
قال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ (2) كَبُرَ مَقْتاً عِندَ اللَّهِ أَن تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ (3) الصف.
وقال تعالى على لسان نبيه شعيب: وَمَا أُرِيدُ أَنْ أُخَالِفَكُمْ إِلَى مَا أَنْهَاكُمْ عَنْهُ هود 88.
وقال عز وجل: أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنسَوْنَ أَنفُسَكُمْ وَأَنتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ (44) البقرة.
وعن أنس عن النبي قال: من عمل بما علم ورثه الله علم ما لم يعلم رواه أبو نعيم في الحلية.
وعن أبي الدرداء موقوفا: لا يكون المرء عالما حتى يكون بعلمه عاملا . رواه ابن حبان.
وعن أبي هريرة قال: قال رسول الله : مثل الذي يعلم الناس الخير وينسى نفسه مثل الفتيلة تضيء على الناس وتحرق نفسها رواه الطبراني.
3 »» خشية الله تعالى كلما ازداد علما، ومخافته كلما ازداد معرفة بعظمته وقدرته، قال أحدهم:
على قدر علم المرء يعظم خوفه ****** فما عالم إلا من الله خائف
فآمن مكر الله بالله جاهل ****** وخائف مكر الله بالله عارف
قال تعالى: إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاء فاطر 28.
وقال علي :" قصم ظهري رجلان: عالم متهتك، وجاهل متنسّك".
4 »» الترفع عن سفاسف الدنيا، ولغوها ولهوها ولعبها، وبهرجها وزخارفها وشهواتها الرخيصة. روي أن رجلا من بني إسرائيل جمع ثمانون تابوتا من العلم ولم ينتفع به، فأوحى الله الى نبيهم أنه قل لهذا الجامع " لو جمعت كثيرا من العلم لم ينفعك إلا أن تعمل ثلاثة أشياء: لا تحب الدنيا فليست بدار المؤمنين، ولا تصاحب الشيطان فليس برفيق المؤمنين، ولا تؤذ أحدا فليس بحرفة المؤمنين".
قال تعالى: وَلَا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجاً مِّنْهُمْ زَهْرَةَ الْحَيَاةِ الدُّنيَا لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ وَرِزْقُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَأَبْقَى (131) طه.
وعن علي أن رسول الله قال: من ازداد بالله علما ثم ازداد للدنيا حبا، ازداد الله عليه غضبا رواه أبو الفتح الأزدي. وعن الحسن موقوفا: من أراد علما ثم ازداد على الدنيا حرصا لم يزدد من الله إلا بعدا رواه ابن حبان.
5 »» التواضع لعباد الله، والشفقة على المتعلمين، والرفق بهم، والتأني في تعليمهم، ومعاملتهم كأبنائه المحتاجين، واحتمال إعراضهم وجفائهم وجهالتهم، والحرص على إنقاذهم من ظلمات الجهالة الى نور العلم والفقه في الدين. والعمل على إصلاحهم بإنتقاء العلم الذي يعالج أمراضهم، ويصلح أحوالهم وتقديم الأولى في تعليمهم والتدرج في تأديبهم، وتفهم حاجاتهم وتقدير ظروفهم، والرد على أسئلتهم، والبشاشة في وجوههم، وتأليف قلوبهم، وبذل الوقت وإنفاق المال في سبيل إرشادهم، وقد ورد في الأثر ( لينوا لمن تعلمون ولمن تتعلمون منه).
قال تعالى: وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (215) فَإِنْ عَصَوْكَ فَقُلْ إِنِّي بَرِيءٌ مِّمَّا تَعْمَلُونَ (216) الشعراء.
وعن أبي هريرة أن رسول الله قال: إنما أنا لكم مثل الوالد لولده رواه ابو داود وابن ماجه والنسائي وابن حبّان.
وعن أبي هرون العبدي قال: كنا نأتي أبا سعيد الخدري فيقول: مرحبا بوصية رسول الله: إن النبي قال: إن الناس لكم تبع وإن رجالا يأتونكم من أقطار الأرض يتفقهون في الدين، فإذا أتوكم فاستوصوا بهم خيرا رواه الترمذي وابن ماجه.
6 »» الإخلاص في تعليم العلم وبذله للناس، وإرادة وجه الله تعالى به، وطلبا لرضاء الله عز وجل وقربه إليه، فلا يطلب أجرا ولا جزاء ولا ثناء ولا شكورا.
قال الله تعالى: وَيَا قَوْمِ لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مَالاً إِنْ أَجْرِيَ إِلاَّ عَلَى اللّهِ هود 29.
وعن ابن عباس ما قال: قال رسول الله : أي جلسائنا خير؟ قال: من ذكّركم الله رؤيته، وزاد في علمكم منطقه، وذكّكركم بالآخرة عمله رواه أبو يعلى.
وعن أبي هريرة قال: قال رسول الله : من طلب علما يبتغي به وجه الله تعالى ليصيب به عرضا من الدنيا لم يجد عرف الجنة يوم القيامة رواه أبو داود وابن ماجه.
7 »» التثبت من العلم والتوسع في دقائقه، واصابة لبه، وأن يبلغ فيه مداه، فلا يكتفي ببعضه ولا بقشوره، ولا يعلم بعض مسائله ويجهل ما هو من مستلزماتها ومتمماتها.
8 »» الالتزام بالحلم والوقار، والأناة وسعة الصدر، إذا لا يزين العلم إلا الحلم ومكارم الأخلاق، وتجنب الرعونة والحمق والطيش والخفة والغضب والتهور وسرعة الانفعال..
9 »» الصبر على جفاء الجاهلين، وإيذاء الحاسدين، وافتراء الكاذبين وعداوة الجاحدين.
قال الله تعالى: فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُوْلُوا الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ وَلَا تَسْتَعْجِل لَّهُمْ الأحقاف 35.
وعن أبي عبدالرحمن عبدالله بن مسعود قال: كأني أنظر الى رسول الله يحكي نبيا من الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم، ضربه قومه فأدموه وهو يمسح الدم عن وجهه ويقول: اللهم اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون متفق عليه.
10 »» بذل العلم لأهله، وتبيانه وإيضاحه، وتجنب كتمان شيء منه ضنا به أو ترفعا على من يطلبه.
قال تعالى: وَإِذَ أَخَذَ اللّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلاَ تَكْتُمُونَهُ فَنَبَذُوهُ وَرَاء ظُهُورِهِمْ وَاشْتَرَوْاْ بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً فَبِئْسَ مَا يَشْتَرُونَ (187) آل عمران.
وعن أبي هريرة قال: قال رسول الله : من سئل علم فكتمه ألجم يوم القيامة بلجام من نار رواه الترمذي.
وعن ابن مسعود قال: قال رسول الله : ما آتى الله عالما علما إلا وأخذ عليه من الميثاق ما أخذ على النبيين أن يبينوه للناس ولا يكتموه رواه أبو نعيم.
11 »» استماع الحجة والقبول بها، والانصياع للحق وإن كان من الخصم، وتجنب الإصرار على الخطأ. قال الشافعي: وددت أن الناس انتفعوا بهذا العلم وما نسب ألي شيء منه، وما ناظرت أحدا قط فأحببت أن يخطئ.
12 »» الجرأة في الحق، وإظهار عزة العلم، وأن لا يخشى في الله لومة لائم أو غضبة حاقد وإن كان مرا وذلك بالحكمة والعقل والموعظة الحسنة.
قال تعالى: وَتِلْكَ حُجَّتُنَا آتَيْنَاهَا إِبْرَاهِيمَ عَلَى قَوْمِهِ نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مَّن نَّشَاء الأنعام 83.
وعن عائشة ا قالت: قال رسول الله : من أرضى الناس بسخط الله سخط الله عليه وأسخط عليه الناس ومن أرضى الله بسخط الناس رضي الله عليه وأرضى عليه الناس رواه الترمذي.
13 »» إعطاء المتعلم على قدر فهمه، فلا يلقي إليه ما لا يبلغه عقله فينفره، ثم يتدرج به من رتبة الى رتبة. قال الإمام علي: حدثوا الناس بما يعرفون، أتحبون أن يكذب الله ورسوله رواه البخاري.
وقال ابن مسعود : ما أنت بمحدث قوما حديثا لا تبلغه عقولهم إلا إذا كان لبعضهم فتنة. رواه مسلم.
14 »» بذل العلم لمن يقدرونه وينتفعون منه، وإمساكه عمن غيرهم.
عن أنس قال: قال رسول الله : طلب العلم فريضة على كل مسلم، وواضع العلم عند غير أهله كمقلد الخنازير الجوهر واللؤلؤ والذهب رواه ابن ماجه.
15 »» إصلاح ظاهره بالاستقامة على الشريعة المحمدية، وباطنه على التقوى وتزكية النفس ومراقبة الله تعالى، لأن العلم ليس لقلقة باللسان، وكلمات جوفاء لا تتجاوز الآذان، وإنما هو نور القلب بخرج من روح متصلة بالله مستقر في القلوب والأرواح لينقلب الى عمل وسلوك.
قال الله تعالى:وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ (24) السجدة.
وعن جابر قال قال رسول الله : العلم علمان: علم في القلب فذاك العلم النافع، وعلم اللسان فذاك حجة الله على ابن آدم رواه الحافظ وابن عبدالبر.
16 »» تجنب الفتيا بغير علم أو تثبت أو تأكد من المسألة، وإحالة الباب الذي لا يعرفه إلى من هو أعلم منه، وعدم الحرج من قول لا أدري أو الأنفة من ذلك.
قال تعالى: وَمَا أُوتِيتُم مِّن الْعِلْمِ إِلاَّ قَلِيلاً (85) الاسراء.
وعن أبي هريرة أن رسول الله قال: من أفتى بغير علم كان إثمه على من أفتاه. رواه الحاكم وأبو داود.
17 »» تجنب المنة على المتعلمين ورؤية فضله على أحدهم إذا تعلم وتهذب وتزكى، لأن ذلك مما يحبط الأجر والثواب، ولكن يطلب ذخره عند الله، ويرى الفضل للمتعلم الذي كان السبب في رفع درجاته، وزيادة حسناته.
18 »» أن يتبع طريقة النبي في زجر المقصرين، ومحاسبة المذنبين وذلك بالتعريض دون التوبيخ، وبالتلميح دون التصريح.. كأن يقول " ما بال أقوام".
nouha161
•
آداب تلاوة القرآن الكريم
القرآن الكريم كتاب الله الخالد، وكلامه القديم، ومعجزة نبيه الكبرى، وجامعة الإسلام العظمى، وصفه الذي أنزله بالعلم: لَّـكِنِ اللّهُ يَشْهَدُ بِمَا أَنزَلَ إِلَيْكَ أَنزَلَهُ بِعِلْمِهِ وَالْمَلآئِكَةُ يَشْهَدُونَ وَكَفَى بِاللّهِ شَهِيداً (166) النساء. وبالحكمة: يس (1) وَالْقُرْآنِ الْحَكِيمِ (2) يس. وبالكرم: إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ (77) الواقعة، وبالمجد: ق وَالْقُرْآنِ الْمَجِيدِ (1) ق، وبالعزة: وَإِنَّهُ لَكِتَابٌ عَزِيزٌ (41) فصلت، وبالعظمة: وَلَقَدْ آتَيْنَاكَ سَبْعاً مِّنَ الْمَثَانِي وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ (87) الحجر، وبالبركة: كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ ص 29، وبالتذكير: ص وَالْقُرْآنِ ذِي الذِّكْرِ (1) ص. وبالوضوح والتبيين: حم (1) وَالْكِتَابِ الْمُبِينِ (2) الدخان.
وبين آثاره في الهداية والبشرى إِنَّ هَـذَا الْقُرْآنَ يِهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْراً كَبِيراً (9) الإسراء. وفي الشفاء والرحمة: وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاء وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ الإسراء 82، وفي التذكير والتقوى: وَلَقَدْ ضَرَبْنَا لِلنَّاسِ فِي هَذَا الْقُرْآنِ مِن كُلِّ مَثَلٍ لَّعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ (27) قُرآناً عَرَبِيّاً غَيْرَ ذِي عِوَجٍ لَّعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ (28) الزمر، وفي الثبات على الحق: قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ مِن رَّبِّكَ بِالْحَقِّ لِيُثَبِّتَ الَّذِينَ آمَنُواْ وَهُدًى وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ (102) النحل، وفي زيادة الإيمان: وَإِذَا مَا أُنزِلَتْ سُورَةٌ فَمِنْهُم مَّن يَقُولُ أَيُّكُمْ زَادَتْهُ هَـذِهِ إِيمَاناً فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُواْ فَزَادَتْهُمْ إِيمَاناً وَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ (124) التوبة.
ووصفه الذي أنزل عليه وبيّن آثاره في كثير من أحاديثه الشريفة، منها ما روي عن علي قال: سمعت رسول الله يقول: أما أنها ستكون فتنة. قلت: فما المخرج منها يا رسول الله؟ فقال: كتاب الله تعالى، فيه نبأ ما قبلكم، وخبر ما بعدكم، وحكم ما بينكم، وهو الفصل ليس بالهزل، من تركه من جبار قصمه الله تعالى، ومن ابتغى الهدى في غيره أضله الله تعالى، وهو حبل الله المتين، وهو الذكر الحكيم، وهو الصراط المستقيم، وهو الذي لا تزيغ به الأهواء، ولا تلتبس به الألسنة، ولا يشبع منه العلماء، ولا يخلق على كثرة الرد، ولا تنفضي عجائبه، وهو الذي لم تنته اليه الجن إذ سمعته حتى قالوا: إنا سمعنا قرآنا عجبا يهدي الى الرشد فآمنا به، من قال به صدق، ومن عمل به أجر، ومن حكم به عدل، ومن دعا اليه هدي الى صراط مستقيم. رواه الترمذي.
وعن محمد بن علي ما قال، قال رسول الله :" القرآن أفضل من كل شيء دون الله، وفضل القرآن على سائر الكلام كفضل الله على خلقه، فمن وقّر القرآن فقد وقّر الله، ومن لم يوقّر القرآن لم يوقّر الله، وحرمة القرآن عند الله كحرمة الوالد على ولده، القرآن شافع مشفع، وما حل ـ أي خصم مجادل ـ مصدّق، فمن شفع له القرآن شفع، ومن محل بالقرآن صدق، ومن جعله أمامه قاده الى الجنة، ومن جعله خلفه ساقه الى النار، وحملة القرآن هم المحفوفون برحمة الله، الملبسون نور الله، المعلمون كلام الله، من والاهم فقد والى الله، ومن عاداهم فقد عادى الله. رواه القرطبي في تفسيره.
وقد أمر الله تعالى بتلاوته إِنَّمَا أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ رَبَّ هَذِهِ الْبَلْدَةِ الَّذِي حَرَّمَهَا وَلَهُ كُلُّ شَيْءٍ وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ (91) وَأَنْ أَتْلُوَ الْقُرْآنَ النمل 91 »»92. ووعد عليها الخير الجزيل: إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَنفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرّاً وَعَلَانِيَةً يَرْجُونَ تِجَارَةً لَّن تَبُورَ (29) لِيُوَفِّيَهُمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدَهُم مِّن فَضْلِهِ إِنَّهُ غَفُورٌ شَكُورٌ (30) فاطر. كما أمر النبي بتلاوته وبيّن ما أعد الله سبحانه وتعالى لمن قرأه من أجر عظيم منها شفاعته به فقال اقرأوا القرآن فإنه يأتي يوم القيامة شفيعا لأصحابه رواه مسلم.
ومنها حصوله على ثروة عريضة من الحسنات التي تضاف الى رصيده عند تلاوة كل حرف من الكتاب الكريم، قال عليه الصلاة والسلام: من قرأ حرفا من كتاب الله فله حسنة، والحسنة بعشر أمثالها لا أقول: الم حرف، ولكن: ألف حرف، ولام حرف، وميم حرف رواه الترمذي. ومنها ارتقاؤه الى منزلة لا تنتهي رفعتها إلا عندما ينتهي من تلاوته قال : يقال لصاحب القرآن: اقرأ وارتق كما كنت ترتل في الدنيا، فإن منزلتك عند آخر آية تقرؤها رواه أبو داود والترمذي. ومنها نيله شهادة نبوية بتقليده أعلى وسام إلهي: إن لله أهلين من الناس، قالوا: من هم يا رسول الله؟ قال: أهل القرآن هم أهل الله وخاصته. رواه النسائي وابن ماجه.
إنه كتاب الله تعالى الدستور الجامع لأحكام الإسلام، والمنبع الصافي للعلم والخير والحكمة والنور والوسيلة المختصرة لمعرفة الله تعالى وقربه ورضاه والوصول الى حقائق التقوى ومعادن الإيمان. وفي الحديث الشريف إن هذا القرآن مأدبة الله فاقبلوا مأدبته ما استطعتم، إن هذا القرآن حبل الله والنور المبين، والشفاء النافع، عصمة لمن تمسك به، ونجاة لمن اتبعه، لا يزيغ فيستعتب، ولا يعوج فيقوم ولا تنقضي عجائبه، ولا يخلق على كثرة الرد رواه الحاكم. وفي وصية رسول الله لأبي ذر عليك بتلاوة القرآن فإنه نور لك في الأرض، وذخر لك في السماء.
إنه رسالة الله العلي القدير، لهذا الإنسان الضعيف الجهول الفقير، لتأخذ بيده وتدله على سبيل النجاة، وتهديه الى صراط الله، وتمنحه السعادة في الدنيا والفوز في الآخرة.
عن جبير أن رسول الله قال: أبشروا فإن هذا القرآن طرفه بيد الله وطرفه بأيديكم فتمسكوا به فإنكم لن تهلكوا ولن تضلوا بعده أبدا رواه الطبراني.
ولقد بوأ الله به المسلمين عندما تمسكوا به، وأخلصوا في تطبيق أوامره، وتنفيذ أحكامه ووصاياه، وانتهوا عن كل ما نه عنه، بوأهم مكانة الصدارة بين الأمم، وجعلهم مخلّصي الشعوب ومعلمي الأمم، وناشري الحضارة التي ما عرف التاريخ لها مثيلا، فكانوا بحق خير أمة أخرجت للناس.
وهذا كتاب الله تعالى تكفل بحفظه، وسخر عباده لتوثيقه، ليكون الدستور الخالد الى يوم القيامة إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ (9) الحجر.
وصدق رسول الله إذ يقول: خيركم من تعلّم القرآن وعلّمه رواه البخاري.
قال أحدهم:
قد حوى القرآن نورا وهدى ***** فعصى القرآن من لا يعقل
قل لقوم نبذوا أحكامه ***** ما لكم مما نبذتم بدل
فاسألوا التاريخ عن قرآنكم ***** يوم ضاءت بسناه السبل
فكأن الكون أفق أنتم ***** فيه بدر كامل لا يأفل
أو كأن الكون منكم روضة ***** وعلى الأغصان أنتم بلبل
إنه كتاب الله، منزلته كمنزلة منزله، وتعظيمه من تعظيم قائله، والأدب معه أدب مع الله سبحانه وحري بالمسلم أن يتعلم هذه الآداب ليلتزمها مع كتاب الله الكريم.
1 »» أن يقصد بقراءته وجه الله تعالى، وتعلم أحكام كتابه، وتنيفيذ أمر ربه بتلاوة القرآن الكريم.
قال ابن عباس : (إنما يعطى الرجل على قدر نيته).
قال الله تعالى: وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ البينة 5.
وعن ابن عمران قال: قال رسول الله : من قرأ القرآن فليسأل الله به، فإنه سيجيء أقوام يقرؤون القرآن يسألون به الناس رواه الترمذي.
وعن بريدة أن رسول الله قال: من قرأ القرآن يتأكّل به الناس جاء يوم القيامة ووجه عظم ليس عليه لحم. رواه البيهقي.
2 »» أن يكون على طهارة من الحدثين، فالطهارة من الجنابة والحيض والنفاس فرض لقراءة القرآن أو مس المصحف وحمله.
قال تعالى: إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ (77) فِي كِتَابٍ مَّكْنُونٍ (78) لَّا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ (79) تَنزِيلٌ مِّن رَّبِّ الْعَالَمِينَ (80) الواقعة.
وعن علي أن رسول الله كان لا يحجبه عن القرآن شيء ليس الجنابة. رواه أصحاب السنن.
وعنه قال: رأيت رسول الله توضأ ثم قرأ شيئا من القرآن، ثم قال: هكذا لمن ليس بجنب، فأما الجنب فلا، ولا آية رواه أحمد وأبو يعلى.
3 »» تنظيف الفم بالسواك وغيره، لأنه مجرى كلام الله تبارك وتعالى. قال قتادة ( ما أكلت الثوم منذ قرأت القرآن).
عن علي مرفوعا: إن أفواهكم طرق للقرآن فطيّبوها بالسواك رواه البزار.
4 »» يستحب للقارئ أن يجلس مستقبلا القبلة إذا تمكن من ذلك، لأنه ورد ( خير المجالس ما استقبل به القبلة) رواه الطبراني.
ويجوز أن يقرأ قائما أو ماشيا أو مضجعا أو في فراشه أو في الطريق أو على غير ذلك من الأحوال وله الأجر، وإن كان دون الأول.
5 »» طهارة المكان والثياب ونظافتهما، والتجمل والتطيب استعدادا لمناجاة الله تعالى بتلاوة كلامه.
6 »» التعوذ والبسملة قبل البدء بالتلاوة.
قال تعالى: فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ (98) النحل.
وعن أبي هريرة قال: قال رسول الله : كل أمر ذي بال لا يبدأ ببسم الله فهو أجذم رواه أبو داود وابن ماجه والنسائي.
7 »» المداومة على قراءة القرآن، بالتزام ورد يومي وإن قلّ، وتجنب هجران القرآن ونسيان تلاوته. قال سيدنا عثمان بن عفان : لو أن قلوبنا طهرت ما شبعت من كلام ربنا عز وجل، وإني لأكره أن يأتي عليّ يوم لا أنظر في المصحف.
قال تعالى: وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآنَ مَهْجُوراً (30) الفرقان.
وعن أبي موسى أن النبي قال: تعاهدوا هذا القرآن فوالذي نفس محمد بيده لهو أشدّ تفلتا من الإبل في عقلها متفق عليه.
8 »» الإقبال بشغف وشوق ومحبة على كلام الله تعالى حتى يتملك عليه مشاعره وأحاسيسه، وقلبه وفكره وروحه، ويعين على ذلك طرح كل ما يشغله من أفكار أو كلام أو هموم الحياة الدنيا، وخصوصا في صلاة الليل.
قال تعالى: اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَاباً مُّتَشَابِهاً مَّثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ الزمر 23.
عن ابن مسعود قال: قال رسول الله : من أحبّ أن يحبّه الله ورسوله فلينظر فإن كان يحب القرآن فهو يحب الله ورسوله رواه الطبراني.
9 »» تحسين الصوت وتزيينه عند التلاوة، والتغني بالقرآن ليكون أشد وقعا، وأكبر تأثيرا في القلوب.
عن أبي هريرة قال:" سمعت رسول الله يقول: ما أذن الله لشيء ما أذن لنبي حسن الصوت يتغنى بالقرآن يجهر به متفق عليه.
وعن البراء بن عازب عن النبي قال: زيّنوا القرآن بأصواتكم رواه أبو داود والنسائي.
وعن أبي لبابة أن النبي قال: من لم يتغنّى بالقرآن فليس منا رواه أبو داود.
10 »» قراءة القرآن حسب قواعد التجويد، وترتيله على النحو الذي وضعه علماء القرآن بتأديته حرفا حرفا، من غير استعجال، وكما ورد عن السلسلة المتصلة بالنبي في تلقي القرآن الكريم، قال ابن الجزري:
والأخذ بالتجويد حتم لازم ***** من لم يجوّد القرآن آثم
لأنه به الإله أنزله ***** وهكذا منه إلينا وصله
وقد سئل سيدنا علي عن ترتيل القرآن الكريم فقال: هو تجويد الحروف، ومعرفة الوقوف.
قال تعالى: وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلاً (4) المزمل.
وعن أم سلمة ا أنها نعتت قراءة النبي قراءة مفسرة حرفا حرفا. رواه أبو داود.
وعن عائشة ا قالت: قال رسول الله : الماهر بالقرآن مع السفرة الكرام البررة، والذي يقرأ القرآن ويتعتع فيه وهو عليه شاق له أجران متفق عليه.
11 »» التدبّر:
قال السيوطي: صفة التدبر أن يشغل القارئ قلبه بالتفكر في معنى ما يتلفظ به فيعرف معنى كل آية، ويتأمل الأوامر والنواهي، ويعتقد قبول ذلك، فإن كان قصر عنه فيما مضى من عمره اعتذر واستغفر، وإذا مر بآية عذاب أشفق وتعوّذ، أو تنزيه نزّه وعظّم، أو دعاء تضرع وطلب.
وقال الحسن البصري: إن من كان قبلكم ـ يعني الصحابة ـ رأوا أن هذا القرآن رسائل إليهم من ربهم فكانوا يتدبرونها بالليل وينفذونها في النهار.
وقال علي : لا خير في عبادة لا فقه فيها، ولا في قراءة لا تدبر فيها.
وقال ابن عباس ما: لأن أقرأ إذا زلزلت والقارعة أتدبرهما، أحب إليّ من أقرأ البقرة وآل عمران تهذيرا.
وقال ابن مسعود : من أراد علم الأولين والآخرين، فليتدبر القرآن.
وقد بات الكثير من السلف يتلو أحدهم آية واحدة ليلة كاملة، يرددها ليتدبر ما فيها، وكلما أعادها انكشف له من معانيها، وظهر له من أنوارها، وفاض عليه من علومها وبركاتها.
قال الأحنف بن قيس: عرضت نفسي على القرآن، فلم أجد نفسي بشيء أشبه مني بهذه الآيةوَآخَرُونَ اعْتَرَفُواْ بِذُنُوبِهِمْ خَلَطُواْ عَمَلاً صَالِحاً وَآخَرَ سَيِّئاً عَسَى اللّهُ أَن يَتُوبَ عَلَيْهِمْ التوبة 102.
قال تعالى: كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِّيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُوْلُوا الْأَلْبَابِ (29) ص.
وقال عز وجل: أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا (24) محمد.
وقال سبحانه: وَقُرْآناً فَرَقْنَاهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلَى مُكْثٍ وَنَزَّلْنَاهُ تَنزِيلاً (106) الإسراء.
وقال عز من قائل: وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِن مُّدَّكِرٍ (17).
وعن عوف بن مالك قال: قمت مع النبي ليلة فقرأ سورة البقرة لا يمر بآية رحمة إلا وقف وسأل، ولا يمر بآية عذاب إلا وقف وتعوّذ" رواه النسائي وأبو داود.
وعن أبي ذر قال: قام رسول الله بنا ليلة فقام بآية يرددها وهيإِن تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِن تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (118) المائدة.
12 »» خشوع القلب، وإطراق الرأس، وسكون الجوارح، واستحضار عظمة منزلة القرآن، والبكاء من خشية الله تعالى، فإن لم يبك فليستجلب البكاء وليحاول ذلك عندما يكون خاليا فإنه أبعد من الرياء.. قال الحسن: كان عمر بن الخطاب يمر بالآية من ورده بالليل فيبكي حتى يسقط، ويبقى في البيت حتى يعاد للمرض..
قال تعالى: لَوْ أَنزَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ لَّرَأَيْتَهُ خَاشِعاً مُّتَصَدِّعاً مِّنْ خَشْيَةِ اللَّهِ الحشر 21.
وقال عز وجل: وَإِذَا سَمِعُواْ مَا أُنزِلَ إِلَى الرَّسُولِ تَرَى أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ مِمَّا عَرَفُواْ مِنَ الْحَقِّ المائدة 83.
وقال سبحانه: وَيَخِرُّونَ لِلأَذْقَانِ يَبْكُونَ وَيَزِيدُهُمْ خُشُوعاً (109) الإسراء.
وقال سبحانه: إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُ الرَّحْمَن خَرُّوا سُجَّداً وَبُكِيّاً (58) مريم.
وعن ابن مسعود لما قرأ على رسول الله قال ابن مسعود: فالتفتّ فإذا عينا رسول الله تذرفان. رواه الشيخان.
وعن سعد قال: سمعت رسول الله يقول: إن هذا القرآن نزل بحزن، فإذا قرأتموه فابكوا فإن لم تبكوا فتباكوا وتغنّوا به فمن لم يتغنّ بالقرآن فليس منا رواه ابن ماجه.
وعن أبي هريرة قال: لما نزلت أفمن هذا الحديث تعجبون، وتضحكون ولا تبكون بكى أصحاب الصفة حتى جرت دموعهم على خدودهم. رواه البيهقي.
13 »» العمل بالقرآن، إئتمارا بأمره، وانتهاء عن نواهيه، وتنفيذا لوصاياه، ووقوفا عند حدوده.
قال ابن مسعود : كان الرجل منا إذا تعلم عشر آيات لم يتجاوزهن حتى يعرف معانيهن والعمل بهن.
وقال ابن عمر ما: لقد عشنا برهة من الدهر وإن أحدنا يؤتى الإيمان قبل القرآن، وتنزل السورة فيتعلم حلالها وحرامها، وأوامرها وزواجرها، وما ينبغي أن يقف عنده منها، ولقد رأينا رجالا يؤتى أحدهم القرآن قبل الإيمان، فيقرأ ما بين فاتحة الكتاب الى خاتمته لا يدري ما آمره وما زاجره، وما ينبغي أن يقف عنده، ينثره نثر الدّقل ـ أي رديء التمر ويابسه ـ.
قال تعالى: الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلاَوَتِهِ أُوْلَـئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ البقرة 121.
وعن أبي ذر قال: قال لي رسول الله : يا أبا ذر، لأن تغدو فتتعلم آية من كتاب الله خير من أن تصلي مائة ركعة. رواه ابن ماجه.
وعن عبدالله بن عمرة ما قال: قال رسول الله : اقرأ القرآن ما نهاك، فإن لن ينهك فلست تقرؤه. رواه الطبراني.
وعن صهيب أن رسول الله قال: ما آمن بالقرآن من استحلّ محارمه رواه الترمذي.
14 »» قراءة القرآن مع النظر في المصحف، لتجتمع له عبادتا القراءة والنظر، وقد قال ابن مسعود : أديموا النظر في المصحف.
عن أبي سعيد الخدري أن رسول الله قال: أعطوا أعينكم حظها من العبادة . قالوا: وما حظها من العبادة؟ قال: النظر في المصحف، والتفكر فيه، والاعتبار عند عجائبه رواه البيهقي.
15 »» الإصغاء والإستماع والإنصات عند تلاوة القرآن، لأن ذلك أدنى للفهم والتأمل بما في آيات الله من وعد ووعيد، وتبشير وتهديد، وحكمة وموعظة، وأمر ونهي، وأقرب لإحراز رحمة الله تعالى:
قال تعالى: وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُواْ لَهُ وَأَنصِتُواْ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (204) الأعراف.
وعن أبي هريرة قال: قال رسول الله : من استمع الى آية من كتاب الله كتبت له حسنة مضاعفة، ومن تلا آية من كتاب الله كانت له نورا يوم القيامة رواه أحمد.
16 »» تجنب كل ما يخل بالخشوع مع جلال القرآن أثناء التلاوة أو السماع، كالضحك والتثاؤب والعبث بالثياب أو الأعضاء، وفرقعة الأصابع، والتحدث الى الآخرين دون حاجة.. إلخ ويمسك عن القراءة إذا غلبه التثاؤب لأنه في حضرة الخطاب الإلهي، والتثاؤب من الشيطان.
قال مجاهد: إذا تثاءبت وأنت تقرأ القرآن فأمسك عن القراءة إجلالا للقرآن حتى يذهب تثاؤبك.
17 »» العمل على حفظ القرآن الكريم واستظهاره، وإن من أعظم النعم الإلهية أن جعل الله تعالى قلوب عباده المؤمنين أوعية لكلامه، وصدورهم خزائن لآياته، يتلونها آناء الليل وأطراف النهار.
وقال العلماء إن حفظ ما تجوز به الصلاة فرض عين على كل مكلف، وحفظ فاتحة الكتاب وسورة واجب، وحفظ سائر القرآن فرض كفاية، وسنة عين أفضل من سنة النفل.
قال تعالى: بَلْ هُوَ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ العنكبوت 49.
وعن عليّ أن النبي قال: من قرأ القرآن فاستظهره، فأحلّ حلاله، وحرّم حرامه أدخله الله الجنة وشفعه في عشرة من أهل بيته كلهم قد وجبت لهم النار رواه الترمذي.
وعنه قال: قال النبي : إن الذي ليس في جوفه شيء من القرآن كالبيت الخرب رواه الترمذي.
وعن ابن عباس ما قال: قال رسول الله : أشراف أمتي حملة القرآن وأصحاب الليل رواه البيهقي والطبراني.
18 »» التأدب بآداب الحفظة إذا منّ الله عليه بحفظ كتابه، وإلا سلبت منه هذه الفضيلة العظمى، قال الفضيل بن عياض: حامل القرآن حامل راية الإسلام فلا ينبغي مع من يلهو، ولا يسهو مع من يسهو، ولا يلغو مع من يلغو، تعظيما لحق القرآن.
وقال ابن مسعود: ينبغي لحامل القرآن أن يعرف بليله إذا الناس نائمون، وبنهاره إذا الناس مفطرون، وبحزنه إذا الناس يفرحون، وببكائه إذا الناس يضحكون، وبصمته إذا الناس يخوضون، وبخشوعه إذا الناس يختالون، وينبغي لحامل القرآن أن يكون هينا لينا، ولا ينبغي له أن يكون جافيا ولا مماريا ولا صياحا ولا صخابا.
عن ابن عمر ما أن رسول الله قال: من قرأ القرآن فقد استدرج النبوة بين جنبيه، غير أنه لا يوحى إليه، ولا ينبغي لصاحب القرآن أن يجد مع من وجد، ولا يجهل مع من جهل وفي جوفه كلام الله تعالى . رواه الحاكم.
19 »» إن مما يعين على حفظ القرآن الكريم الابتداء بحفظه منذ الصغر، وتفريغ الذهن له باغتنام الأوقات المباركة في الأسحار، وترتيله والتغني به في صلاة الليل، وسماعه من أفواه المقرئين المجيدين ومحاولة تقليد أحدهم، وتدبر المعنى ومعرفة أسباب النزول، وتجزيء القرآن الى أرباع أحزاب ووضع برنامج محدد للحفظ، والمحافظة على الورد اليومي مهما كانت الأعذار، والتزام معلم للقرآن يسمع منه ما حفظه كل يوم، والتكرار الكثير وعدم الملل أو اليأس إذا صعبت عليه بعض الآيات، والحفظ في مصحف معين والالتزام به ويفضل مصحف الحفاظ، وسؤال الله تعالى بالصدق والعزم أن يكرمه بحفظظ كتابه، والتقوى وتطهير النفس والقلب مما سوى الله.
عن عبيدة المليكي أن رسول الله قال: يا أهل القرآن لا تتوسدوا القرآن، واتلوه حق تلاوته آناء الليل وأطراف النهار، وأفشوه وتغنوا به، وتدبروا ما فيه لعلكم تفلحون، ولا تعجلوا ثوابه فإن له ثوابا رواه البيهقي والطبراني وأبو نعيم.
20 »» الحرص على الحفظ من النسيان، بالتلاوة المستمرة، والتكرار اليومي للمحفوظات من القرآن الكريم، واجتناب الذنوب والمحرمات، لأن القرآن لا يستقر في القلوب الغافلة.
عن أنس قال: قال رسول الله : عرضت عليّ أجور أمتي حتى القذاة يخرجها الرجل من المسجد، وعرضت علي ذنوب أمتي فلم أر ذنبا أعظم من سورة من القرآن أوتيها رجل ثم نسيها رواه الترمذي وأبو داود.
وعن ابن عمر ما أن رسول الله قال: إنما مثل صاحب القرآن كمثل الإبل المعلقة إن عاهد عليها أمسكها، وإن أطلقها ذهبت متفق عليه.
21 »»إجابة بعض الآيات عند سماعها أو تلاوتها ببعض الأكار أو الكلمات الواردة ومنها بعد يا أيها الذين آمنوا..
يقول: لبيك ربي وسعديك
بعد الفاتحة يقول: آمين
بعد البقرة يقول: آمين
بعد كل آية فبأي آلاء ربكما تكذبان من سورة الرحمن يقول:
ولا بشيء من نعمك نكذب فلك الحمد.
بعد القيامة يقول: بلى هو قادر.
بعد الملك يقول: الله رب العالمين.
بعد المرسلات يقول: آمنت بالله.
بعد سبّح اسم ربك الأعلى يسبّح ثلاثا.
بعد فألهمهما فجورها وتقواها يقول: اللهم آت نفسي تقواها وزكها أنت خير من زكاها.
بعد التين يقول: بلى وأنا على ذلك من الشاهدين.
بعد إن الله وملائكته يصلون على النبي.. الآية يصلي على النبي .
بعد آية سجدة يسجد إن كان متوضأ، وإلا قال ( سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله، والله أكبر ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم) ثلاثا.
وبعد آية تنزيه: يسبح، وبعد آية دعاء يدعو وينيب، وبعد آية استغفار يستغفر ويتوب..
22 »»الدعاء بعد كل تلاوة بما يتناسب والآيات التي تلاها، ويتأكد الدعاء بعد ختم القرآن الكريم فهو مظنة الاستجابة، قال مجاهد: كانوا يجتمعون عند ختم القرآن ويقولون: تنزل الرحمة.
عن أنس أنه كان إذا ختم القرآن جمع أهله ودعا. رواه أبو داود.
وعنه مرفوعا: من قرأ القرآن وحمد الرب وصلى على النبي واستغفر ربه فقد طلب الخير مكانه. رواه البيهقي.
23 »» يسن إذا فرغ من الختمة أن يشرع في ختمة جديدة مباشرة ليكون متواصل القراءة دون فترة أو مهلة أو تقاعس بعد الختمة..
قال :" أحب الأعمال الى الله قال الحال المرتحل الذي يضرب من أول القرآن الى آخره كلما ارتحل" رواه الترمذي.
وعن ابن عباس، وأبيّ بن كعب م أن النبي كان إذا قرأ قل أعوذ برب الناس فتح من الحمد، ثم قرأ من البقرة وأولئك هم المفلحون ثم دعا بدعاء الختمة ثم قام" رواه الدارمي.
ادعو لى
القرآن الكريم كتاب الله الخالد، وكلامه القديم، ومعجزة نبيه الكبرى، وجامعة الإسلام العظمى، وصفه الذي أنزله بالعلم: لَّـكِنِ اللّهُ يَشْهَدُ بِمَا أَنزَلَ إِلَيْكَ أَنزَلَهُ بِعِلْمِهِ وَالْمَلآئِكَةُ يَشْهَدُونَ وَكَفَى بِاللّهِ شَهِيداً (166) النساء. وبالحكمة: يس (1) وَالْقُرْآنِ الْحَكِيمِ (2) يس. وبالكرم: إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ (77) الواقعة، وبالمجد: ق وَالْقُرْآنِ الْمَجِيدِ (1) ق، وبالعزة: وَإِنَّهُ لَكِتَابٌ عَزِيزٌ (41) فصلت، وبالعظمة: وَلَقَدْ آتَيْنَاكَ سَبْعاً مِّنَ الْمَثَانِي وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ (87) الحجر، وبالبركة: كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ ص 29، وبالتذكير: ص وَالْقُرْآنِ ذِي الذِّكْرِ (1) ص. وبالوضوح والتبيين: حم (1) وَالْكِتَابِ الْمُبِينِ (2) الدخان.
وبين آثاره في الهداية والبشرى إِنَّ هَـذَا الْقُرْآنَ يِهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْراً كَبِيراً (9) الإسراء. وفي الشفاء والرحمة: وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاء وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ الإسراء 82، وفي التذكير والتقوى: وَلَقَدْ ضَرَبْنَا لِلنَّاسِ فِي هَذَا الْقُرْآنِ مِن كُلِّ مَثَلٍ لَّعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ (27) قُرآناً عَرَبِيّاً غَيْرَ ذِي عِوَجٍ لَّعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ (28) الزمر، وفي الثبات على الحق: قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ مِن رَّبِّكَ بِالْحَقِّ لِيُثَبِّتَ الَّذِينَ آمَنُواْ وَهُدًى وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ (102) النحل، وفي زيادة الإيمان: وَإِذَا مَا أُنزِلَتْ سُورَةٌ فَمِنْهُم مَّن يَقُولُ أَيُّكُمْ زَادَتْهُ هَـذِهِ إِيمَاناً فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُواْ فَزَادَتْهُمْ إِيمَاناً وَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ (124) التوبة.
ووصفه الذي أنزل عليه وبيّن آثاره في كثير من أحاديثه الشريفة، منها ما روي عن علي قال: سمعت رسول الله يقول: أما أنها ستكون فتنة. قلت: فما المخرج منها يا رسول الله؟ فقال: كتاب الله تعالى، فيه نبأ ما قبلكم، وخبر ما بعدكم، وحكم ما بينكم، وهو الفصل ليس بالهزل، من تركه من جبار قصمه الله تعالى، ومن ابتغى الهدى في غيره أضله الله تعالى، وهو حبل الله المتين، وهو الذكر الحكيم، وهو الصراط المستقيم، وهو الذي لا تزيغ به الأهواء، ولا تلتبس به الألسنة، ولا يشبع منه العلماء، ولا يخلق على كثرة الرد، ولا تنفضي عجائبه، وهو الذي لم تنته اليه الجن إذ سمعته حتى قالوا: إنا سمعنا قرآنا عجبا يهدي الى الرشد فآمنا به، من قال به صدق، ومن عمل به أجر، ومن حكم به عدل، ومن دعا اليه هدي الى صراط مستقيم. رواه الترمذي.
وعن محمد بن علي ما قال، قال رسول الله :" القرآن أفضل من كل شيء دون الله، وفضل القرآن على سائر الكلام كفضل الله على خلقه، فمن وقّر القرآن فقد وقّر الله، ومن لم يوقّر القرآن لم يوقّر الله، وحرمة القرآن عند الله كحرمة الوالد على ولده، القرآن شافع مشفع، وما حل ـ أي خصم مجادل ـ مصدّق، فمن شفع له القرآن شفع، ومن محل بالقرآن صدق، ومن جعله أمامه قاده الى الجنة، ومن جعله خلفه ساقه الى النار، وحملة القرآن هم المحفوفون برحمة الله، الملبسون نور الله، المعلمون كلام الله، من والاهم فقد والى الله، ومن عاداهم فقد عادى الله. رواه القرطبي في تفسيره.
وقد أمر الله تعالى بتلاوته إِنَّمَا أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ رَبَّ هَذِهِ الْبَلْدَةِ الَّذِي حَرَّمَهَا وَلَهُ كُلُّ شَيْءٍ وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ (91) وَأَنْ أَتْلُوَ الْقُرْآنَ النمل 91 »»92. ووعد عليها الخير الجزيل: إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَنفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرّاً وَعَلَانِيَةً يَرْجُونَ تِجَارَةً لَّن تَبُورَ (29) لِيُوَفِّيَهُمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدَهُم مِّن فَضْلِهِ إِنَّهُ غَفُورٌ شَكُورٌ (30) فاطر. كما أمر النبي بتلاوته وبيّن ما أعد الله سبحانه وتعالى لمن قرأه من أجر عظيم منها شفاعته به فقال اقرأوا القرآن فإنه يأتي يوم القيامة شفيعا لأصحابه رواه مسلم.
ومنها حصوله على ثروة عريضة من الحسنات التي تضاف الى رصيده عند تلاوة كل حرف من الكتاب الكريم، قال عليه الصلاة والسلام: من قرأ حرفا من كتاب الله فله حسنة، والحسنة بعشر أمثالها لا أقول: الم حرف، ولكن: ألف حرف، ولام حرف، وميم حرف رواه الترمذي. ومنها ارتقاؤه الى منزلة لا تنتهي رفعتها إلا عندما ينتهي من تلاوته قال : يقال لصاحب القرآن: اقرأ وارتق كما كنت ترتل في الدنيا، فإن منزلتك عند آخر آية تقرؤها رواه أبو داود والترمذي. ومنها نيله شهادة نبوية بتقليده أعلى وسام إلهي: إن لله أهلين من الناس، قالوا: من هم يا رسول الله؟ قال: أهل القرآن هم أهل الله وخاصته. رواه النسائي وابن ماجه.
إنه كتاب الله تعالى الدستور الجامع لأحكام الإسلام، والمنبع الصافي للعلم والخير والحكمة والنور والوسيلة المختصرة لمعرفة الله تعالى وقربه ورضاه والوصول الى حقائق التقوى ومعادن الإيمان. وفي الحديث الشريف إن هذا القرآن مأدبة الله فاقبلوا مأدبته ما استطعتم، إن هذا القرآن حبل الله والنور المبين، والشفاء النافع، عصمة لمن تمسك به، ونجاة لمن اتبعه، لا يزيغ فيستعتب، ولا يعوج فيقوم ولا تنقضي عجائبه، ولا يخلق على كثرة الرد رواه الحاكم. وفي وصية رسول الله لأبي ذر عليك بتلاوة القرآن فإنه نور لك في الأرض، وذخر لك في السماء.
إنه رسالة الله العلي القدير، لهذا الإنسان الضعيف الجهول الفقير، لتأخذ بيده وتدله على سبيل النجاة، وتهديه الى صراط الله، وتمنحه السعادة في الدنيا والفوز في الآخرة.
عن جبير أن رسول الله قال: أبشروا فإن هذا القرآن طرفه بيد الله وطرفه بأيديكم فتمسكوا به فإنكم لن تهلكوا ولن تضلوا بعده أبدا رواه الطبراني.
ولقد بوأ الله به المسلمين عندما تمسكوا به، وأخلصوا في تطبيق أوامره، وتنفيذ أحكامه ووصاياه، وانتهوا عن كل ما نه عنه، بوأهم مكانة الصدارة بين الأمم، وجعلهم مخلّصي الشعوب ومعلمي الأمم، وناشري الحضارة التي ما عرف التاريخ لها مثيلا، فكانوا بحق خير أمة أخرجت للناس.
وهذا كتاب الله تعالى تكفل بحفظه، وسخر عباده لتوثيقه، ليكون الدستور الخالد الى يوم القيامة إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ (9) الحجر.
وصدق رسول الله إذ يقول: خيركم من تعلّم القرآن وعلّمه رواه البخاري.
قال أحدهم:
قد حوى القرآن نورا وهدى ***** فعصى القرآن من لا يعقل
قل لقوم نبذوا أحكامه ***** ما لكم مما نبذتم بدل
فاسألوا التاريخ عن قرآنكم ***** يوم ضاءت بسناه السبل
فكأن الكون أفق أنتم ***** فيه بدر كامل لا يأفل
أو كأن الكون منكم روضة ***** وعلى الأغصان أنتم بلبل
إنه كتاب الله، منزلته كمنزلة منزله، وتعظيمه من تعظيم قائله، والأدب معه أدب مع الله سبحانه وحري بالمسلم أن يتعلم هذه الآداب ليلتزمها مع كتاب الله الكريم.
1 »» أن يقصد بقراءته وجه الله تعالى، وتعلم أحكام كتابه، وتنيفيذ أمر ربه بتلاوة القرآن الكريم.
قال ابن عباس : (إنما يعطى الرجل على قدر نيته).
قال الله تعالى: وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ البينة 5.
وعن ابن عمران قال: قال رسول الله : من قرأ القرآن فليسأل الله به، فإنه سيجيء أقوام يقرؤون القرآن يسألون به الناس رواه الترمذي.
وعن بريدة أن رسول الله قال: من قرأ القرآن يتأكّل به الناس جاء يوم القيامة ووجه عظم ليس عليه لحم. رواه البيهقي.
2 »» أن يكون على طهارة من الحدثين، فالطهارة من الجنابة والحيض والنفاس فرض لقراءة القرآن أو مس المصحف وحمله.
قال تعالى: إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ (77) فِي كِتَابٍ مَّكْنُونٍ (78) لَّا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ (79) تَنزِيلٌ مِّن رَّبِّ الْعَالَمِينَ (80) الواقعة.
وعن علي أن رسول الله كان لا يحجبه عن القرآن شيء ليس الجنابة. رواه أصحاب السنن.
وعنه قال: رأيت رسول الله توضأ ثم قرأ شيئا من القرآن، ثم قال: هكذا لمن ليس بجنب، فأما الجنب فلا، ولا آية رواه أحمد وأبو يعلى.
3 »» تنظيف الفم بالسواك وغيره، لأنه مجرى كلام الله تبارك وتعالى. قال قتادة ( ما أكلت الثوم منذ قرأت القرآن).
عن علي مرفوعا: إن أفواهكم طرق للقرآن فطيّبوها بالسواك رواه البزار.
4 »» يستحب للقارئ أن يجلس مستقبلا القبلة إذا تمكن من ذلك، لأنه ورد ( خير المجالس ما استقبل به القبلة) رواه الطبراني.
ويجوز أن يقرأ قائما أو ماشيا أو مضجعا أو في فراشه أو في الطريق أو على غير ذلك من الأحوال وله الأجر، وإن كان دون الأول.
5 »» طهارة المكان والثياب ونظافتهما، والتجمل والتطيب استعدادا لمناجاة الله تعالى بتلاوة كلامه.
6 »» التعوذ والبسملة قبل البدء بالتلاوة.
قال تعالى: فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ (98) النحل.
وعن أبي هريرة قال: قال رسول الله : كل أمر ذي بال لا يبدأ ببسم الله فهو أجذم رواه أبو داود وابن ماجه والنسائي.
7 »» المداومة على قراءة القرآن، بالتزام ورد يومي وإن قلّ، وتجنب هجران القرآن ونسيان تلاوته. قال سيدنا عثمان بن عفان : لو أن قلوبنا طهرت ما شبعت من كلام ربنا عز وجل، وإني لأكره أن يأتي عليّ يوم لا أنظر في المصحف.
قال تعالى: وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآنَ مَهْجُوراً (30) الفرقان.
وعن أبي موسى أن النبي قال: تعاهدوا هذا القرآن فوالذي نفس محمد بيده لهو أشدّ تفلتا من الإبل في عقلها متفق عليه.
8 »» الإقبال بشغف وشوق ومحبة على كلام الله تعالى حتى يتملك عليه مشاعره وأحاسيسه، وقلبه وفكره وروحه، ويعين على ذلك طرح كل ما يشغله من أفكار أو كلام أو هموم الحياة الدنيا، وخصوصا في صلاة الليل.
قال تعالى: اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَاباً مُّتَشَابِهاً مَّثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ الزمر 23.
عن ابن مسعود قال: قال رسول الله : من أحبّ أن يحبّه الله ورسوله فلينظر فإن كان يحب القرآن فهو يحب الله ورسوله رواه الطبراني.
9 »» تحسين الصوت وتزيينه عند التلاوة، والتغني بالقرآن ليكون أشد وقعا، وأكبر تأثيرا في القلوب.
عن أبي هريرة قال:" سمعت رسول الله يقول: ما أذن الله لشيء ما أذن لنبي حسن الصوت يتغنى بالقرآن يجهر به متفق عليه.
وعن البراء بن عازب عن النبي قال: زيّنوا القرآن بأصواتكم رواه أبو داود والنسائي.
وعن أبي لبابة أن النبي قال: من لم يتغنّى بالقرآن فليس منا رواه أبو داود.
10 »» قراءة القرآن حسب قواعد التجويد، وترتيله على النحو الذي وضعه علماء القرآن بتأديته حرفا حرفا، من غير استعجال، وكما ورد عن السلسلة المتصلة بالنبي في تلقي القرآن الكريم، قال ابن الجزري:
والأخذ بالتجويد حتم لازم ***** من لم يجوّد القرآن آثم
لأنه به الإله أنزله ***** وهكذا منه إلينا وصله
وقد سئل سيدنا علي عن ترتيل القرآن الكريم فقال: هو تجويد الحروف، ومعرفة الوقوف.
قال تعالى: وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلاً (4) المزمل.
وعن أم سلمة ا أنها نعتت قراءة النبي قراءة مفسرة حرفا حرفا. رواه أبو داود.
وعن عائشة ا قالت: قال رسول الله : الماهر بالقرآن مع السفرة الكرام البررة، والذي يقرأ القرآن ويتعتع فيه وهو عليه شاق له أجران متفق عليه.
11 »» التدبّر:
قال السيوطي: صفة التدبر أن يشغل القارئ قلبه بالتفكر في معنى ما يتلفظ به فيعرف معنى كل آية، ويتأمل الأوامر والنواهي، ويعتقد قبول ذلك، فإن كان قصر عنه فيما مضى من عمره اعتذر واستغفر، وإذا مر بآية عذاب أشفق وتعوّذ، أو تنزيه نزّه وعظّم، أو دعاء تضرع وطلب.
وقال الحسن البصري: إن من كان قبلكم ـ يعني الصحابة ـ رأوا أن هذا القرآن رسائل إليهم من ربهم فكانوا يتدبرونها بالليل وينفذونها في النهار.
وقال علي : لا خير في عبادة لا فقه فيها، ولا في قراءة لا تدبر فيها.
وقال ابن عباس ما: لأن أقرأ إذا زلزلت والقارعة أتدبرهما، أحب إليّ من أقرأ البقرة وآل عمران تهذيرا.
وقال ابن مسعود : من أراد علم الأولين والآخرين، فليتدبر القرآن.
وقد بات الكثير من السلف يتلو أحدهم آية واحدة ليلة كاملة، يرددها ليتدبر ما فيها، وكلما أعادها انكشف له من معانيها، وظهر له من أنوارها، وفاض عليه من علومها وبركاتها.
قال الأحنف بن قيس: عرضت نفسي على القرآن، فلم أجد نفسي بشيء أشبه مني بهذه الآيةوَآخَرُونَ اعْتَرَفُواْ بِذُنُوبِهِمْ خَلَطُواْ عَمَلاً صَالِحاً وَآخَرَ سَيِّئاً عَسَى اللّهُ أَن يَتُوبَ عَلَيْهِمْ التوبة 102.
قال تعالى: كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِّيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُوْلُوا الْأَلْبَابِ (29) ص.
وقال عز وجل: أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا (24) محمد.
وقال سبحانه: وَقُرْآناً فَرَقْنَاهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلَى مُكْثٍ وَنَزَّلْنَاهُ تَنزِيلاً (106) الإسراء.
وقال عز من قائل: وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِن مُّدَّكِرٍ (17).
وعن عوف بن مالك قال: قمت مع النبي ليلة فقرأ سورة البقرة لا يمر بآية رحمة إلا وقف وسأل، ولا يمر بآية عذاب إلا وقف وتعوّذ" رواه النسائي وأبو داود.
وعن أبي ذر قال: قام رسول الله بنا ليلة فقام بآية يرددها وهيإِن تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِن تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (118) المائدة.
12 »» خشوع القلب، وإطراق الرأس، وسكون الجوارح، واستحضار عظمة منزلة القرآن، والبكاء من خشية الله تعالى، فإن لم يبك فليستجلب البكاء وليحاول ذلك عندما يكون خاليا فإنه أبعد من الرياء.. قال الحسن: كان عمر بن الخطاب يمر بالآية من ورده بالليل فيبكي حتى يسقط، ويبقى في البيت حتى يعاد للمرض..
قال تعالى: لَوْ أَنزَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ لَّرَأَيْتَهُ خَاشِعاً مُّتَصَدِّعاً مِّنْ خَشْيَةِ اللَّهِ الحشر 21.
وقال عز وجل: وَإِذَا سَمِعُواْ مَا أُنزِلَ إِلَى الرَّسُولِ تَرَى أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ مِمَّا عَرَفُواْ مِنَ الْحَقِّ المائدة 83.
وقال سبحانه: وَيَخِرُّونَ لِلأَذْقَانِ يَبْكُونَ وَيَزِيدُهُمْ خُشُوعاً (109) الإسراء.
وقال سبحانه: إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُ الرَّحْمَن خَرُّوا سُجَّداً وَبُكِيّاً (58) مريم.
وعن ابن مسعود لما قرأ على رسول الله قال ابن مسعود: فالتفتّ فإذا عينا رسول الله تذرفان. رواه الشيخان.
وعن سعد قال: سمعت رسول الله يقول: إن هذا القرآن نزل بحزن، فإذا قرأتموه فابكوا فإن لم تبكوا فتباكوا وتغنّوا به فمن لم يتغنّ بالقرآن فليس منا رواه ابن ماجه.
وعن أبي هريرة قال: لما نزلت أفمن هذا الحديث تعجبون، وتضحكون ولا تبكون بكى أصحاب الصفة حتى جرت دموعهم على خدودهم. رواه البيهقي.
13 »» العمل بالقرآن، إئتمارا بأمره، وانتهاء عن نواهيه، وتنفيذا لوصاياه، ووقوفا عند حدوده.
قال ابن مسعود : كان الرجل منا إذا تعلم عشر آيات لم يتجاوزهن حتى يعرف معانيهن والعمل بهن.
وقال ابن عمر ما: لقد عشنا برهة من الدهر وإن أحدنا يؤتى الإيمان قبل القرآن، وتنزل السورة فيتعلم حلالها وحرامها، وأوامرها وزواجرها، وما ينبغي أن يقف عنده منها، ولقد رأينا رجالا يؤتى أحدهم القرآن قبل الإيمان، فيقرأ ما بين فاتحة الكتاب الى خاتمته لا يدري ما آمره وما زاجره، وما ينبغي أن يقف عنده، ينثره نثر الدّقل ـ أي رديء التمر ويابسه ـ.
قال تعالى: الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلاَوَتِهِ أُوْلَـئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ البقرة 121.
وعن أبي ذر قال: قال لي رسول الله : يا أبا ذر، لأن تغدو فتتعلم آية من كتاب الله خير من أن تصلي مائة ركعة. رواه ابن ماجه.
وعن عبدالله بن عمرة ما قال: قال رسول الله : اقرأ القرآن ما نهاك، فإن لن ينهك فلست تقرؤه. رواه الطبراني.
وعن صهيب أن رسول الله قال: ما آمن بالقرآن من استحلّ محارمه رواه الترمذي.
14 »» قراءة القرآن مع النظر في المصحف، لتجتمع له عبادتا القراءة والنظر، وقد قال ابن مسعود : أديموا النظر في المصحف.
عن أبي سعيد الخدري أن رسول الله قال: أعطوا أعينكم حظها من العبادة . قالوا: وما حظها من العبادة؟ قال: النظر في المصحف، والتفكر فيه، والاعتبار عند عجائبه رواه البيهقي.
15 »» الإصغاء والإستماع والإنصات عند تلاوة القرآن، لأن ذلك أدنى للفهم والتأمل بما في آيات الله من وعد ووعيد، وتبشير وتهديد، وحكمة وموعظة، وأمر ونهي، وأقرب لإحراز رحمة الله تعالى:
قال تعالى: وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُواْ لَهُ وَأَنصِتُواْ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (204) الأعراف.
وعن أبي هريرة قال: قال رسول الله : من استمع الى آية من كتاب الله كتبت له حسنة مضاعفة، ومن تلا آية من كتاب الله كانت له نورا يوم القيامة رواه أحمد.
16 »» تجنب كل ما يخل بالخشوع مع جلال القرآن أثناء التلاوة أو السماع، كالضحك والتثاؤب والعبث بالثياب أو الأعضاء، وفرقعة الأصابع، والتحدث الى الآخرين دون حاجة.. إلخ ويمسك عن القراءة إذا غلبه التثاؤب لأنه في حضرة الخطاب الإلهي، والتثاؤب من الشيطان.
قال مجاهد: إذا تثاءبت وأنت تقرأ القرآن فأمسك عن القراءة إجلالا للقرآن حتى يذهب تثاؤبك.
17 »» العمل على حفظ القرآن الكريم واستظهاره، وإن من أعظم النعم الإلهية أن جعل الله تعالى قلوب عباده المؤمنين أوعية لكلامه، وصدورهم خزائن لآياته، يتلونها آناء الليل وأطراف النهار.
وقال العلماء إن حفظ ما تجوز به الصلاة فرض عين على كل مكلف، وحفظ فاتحة الكتاب وسورة واجب، وحفظ سائر القرآن فرض كفاية، وسنة عين أفضل من سنة النفل.
قال تعالى: بَلْ هُوَ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ العنكبوت 49.
وعن عليّ أن النبي قال: من قرأ القرآن فاستظهره، فأحلّ حلاله، وحرّم حرامه أدخله الله الجنة وشفعه في عشرة من أهل بيته كلهم قد وجبت لهم النار رواه الترمذي.
وعنه قال: قال النبي : إن الذي ليس في جوفه شيء من القرآن كالبيت الخرب رواه الترمذي.
وعن ابن عباس ما قال: قال رسول الله : أشراف أمتي حملة القرآن وأصحاب الليل رواه البيهقي والطبراني.
18 »» التأدب بآداب الحفظة إذا منّ الله عليه بحفظ كتابه، وإلا سلبت منه هذه الفضيلة العظمى، قال الفضيل بن عياض: حامل القرآن حامل راية الإسلام فلا ينبغي مع من يلهو، ولا يسهو مع من يسهو، ولا يلغو مع من يلغو، تعظيما لحق القرآن.
وقال ابن مسعود: ينبغي لحامل القرآن أن يعرف بليله إذا الناس نائمون، وبنهاره إذا الناس مفطرون، وبحزنه إذا الناس يفرحون، وببكائه إذا الناس يضحكون، وبصمته إذا الناس يخوضون، وبخشوعه إذا الناس يختالون، وينبغي لحامل القرآن أن يكون هينا لينا، ولا ينبغي له أن يكون جافيا ولا مماريا ولا صياحا ولا صخابا.
عن ابن عمر ما أن رسول الله قال: من قرأ القرآن فقد استدرج النبوة بين جنبيه، غير أنه لا يوحى إليه، ولا ينبغي لصاحب القرآن أن يجد مع من وجد، ولا يجهل مع من جهل وفي جوفه كلام الله تعالى . رواه الحاكم.
19 »» إن مما يعين على حفظ القرآن الكريم الابتداء بحفظه منذ الصغر، وتفريغ الذهن له باغتنام الأوقات المباركة في الأسحار، وترتيله والتغني به في صلاة الليل، وسماعه من أفواه المقرئين المجيدين ومحاولة تقليد أحدهم، وتدبر المعنى ومعرفة أسباب النزول، وتجزيء القرآن الى أرباع أحزاب ووضع برنامج محدد للحفظ، والمحافظة على الورد اليومي مهما كانت الأعذار، والتزام معلم للقرآن يسمع منه ما حفظه كل يوم، والتكرار الكثير وعدم الملل أو اليأس إذا صعبت عليه بعض الآيات، والحفظ في مصحف معين والالتزام به ويفضل مصحف الحفاظ، وسؤال الله تعالى بالصدق والعزم أن يكرمه بحفظظ كتابه، والتقوى وتطهير النفس والقلب مما سوى الله.
عن عبيدة المليكي أن رسول الله قال: يا أهل القرآن لا تتوسدوا القرآن، واتلوه حق تلاوته آناء الليل وأطراف النهار، وأفشوه وتغنوا به، وتدبروا ما فيه لعلكم تفلحون، ولا تعجلوا ثوابه فإن له ثوابا رواه البيهقي والطبراني وأبو نعيم.
20 »» الحرص على الحفظ من النسيان، بالتلاوة المستمرة، والتكرار اليومي للمحفوظات من القرآن الكريم، واجتناب الذنوب والمحرمات، لأن القرآن لا يستقر في القلوب الغافلة.
عن أنس قال: قال رسول الله : عرضت عليّ أجور أمتي حتى القذاة يخرجها الرجل من المسجد، وعرضت علي ذنوب أمتي فلم أر ذنبا أعظم من سورة من القرآن أوتيها رجل ثم نسيها رواه الترمذي وأبو داود.
وعن ابن عمر ما أن رسول الله قال: إنما مثل صاحب القرآن كمثل الإبل المعلقة إن عاهد عليها أمسكها، وإن أطلقها ذهبت متفق عليه.
21 »»إجابة بعض الآيات عند سماعها أو تلاوتها ببعض الأكار أو الكلمات الواردة ومنها بعد يا أيها الذين آمنوا..
يقول: لبيك ربي وسعديك
بعد الفاتحة يقول: آمين
بعد البقرة يقول: آمين
بعد كل آية فبأي آلاء ربكما تكذبان من سورة الرحمن يقول:
ولا بشيء من نعمك نكذب فلك الحمد.
بعد القيامة يقول: بلى هو قادر.
بعد الملك يقول: الله رب العالمين.
بعد المرسلات يقول: آمنت بالله.
بعد سبّح اسم ربك الأعلى يسبّح ثلاثا.
بعد فألهمهما فجورها وتقواها يقول: اللهم آت نفسي تقواها وزكها أنت خير من زكاها.
بعد التين يقول: بلى وأنا على ذلك من الشاهدين.
بعد إن الله وملائكته يصلون على النبي.. الآية يصلي على النبي .
بعد آية سجدة يسجد إن كان متوضأ، وإلا قال ( سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله، والله أكبر ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم) ثلاثا.
وبعد آية تنزيه: يسبح، وبعد آية دعاء يدعو وينيب، وبعد آية استغفار يستغفر ويتوب..
22 »»الدعاء بعد كل تلاوة بما يتناسب والآيات التي تلاها، ويتأكد الدعاء بعد ختم القرآن الكريم فهو مظنة الاستجابة، قال مجاهد: كانوا يجتمعون عند ختم القرآن ويقولون: تنزل الرحمة.
عن أنس أنه كان إذا ختم القرآن جمع أهله ودعا. رواه أبو داود.
وعنه مرفوعا: من قرأ القرآن وحمد الرب وصلى على النبي واستغفر ربه فقد طلب الخير مكانه. رواه البيهقي.
23 »» يسن إذا فرغ من الختمة أن يشرع في ختمة جديدة مباشرة ليكون متواصل القراءة دون فترة أو مهلة أو تقاعس بعد الختمة..
قال :" أحب الأعمال الى الله قال الحال المرتحل الذي يضرب من أول القرآن الى آخره كلما ارتحل" رواه الترمذي.
وعن ابن عباس، وأبيّ بن كعب م أن النبي كان إذا قرأ قل أعوذ برب الناس فتح من الحمد، ثم قرأ من البقرة وأولئك هم المفلحون ثم دعا بدعاء الختمة ثم قام" رواه الدارمي.
ادعو لى
الصفحة الأخيرة
كلنا يعلم أن أول ما نزل من القرآن الكريم أن أمر الله تعالى نبيه بالقراءة: اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ (1) خَلَقَ الْإِنسَانَ مِنْ عَلَقٍ (2) العلق. ومنّ على الإنسان بالإنعام عليه بالعلم: اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ (3) الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ (4) عَلَّمَ الْإِنسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ (5) العلق. ثم أقسم في ثاني سورة بالكتابة وأدواتها ن وَالْقَلَمِ وَمَا يَسْطُرُونَ (1) القلم، ثم تتالت الآيات في بيان فضل العلم كقوله تعالى: هَلْ عِندَكُم مِّنْ عِلْمٍ فَتُخْرِجُوهُ لَنَا الأنعام 148. وفي الحث على التعلم كقوله تعالى: فَلَوْلاَ نَفَرَ مِن كُلِّ فِرْقَةٍ مِّنْهُمْ طَآئِفَةٌ لِّيَتَفَقَّهُواْ فِي الدِّينِ التوبة 122. وفي تكريم العلماء كقوله جلّ وعلا قُلْ كَفَى بِاللّهِ شَهِيداً بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَمَنْ عِندَهُ عِلْمُ الْكِتَابِ (43) الرعد.
وتمت معجزة الدين الجديد بالقضاء على ظلام الجهل والخرافة والأمية، ونشر مشاعل العلم والحكمة والحضارة والمعرفة في أرجاء الأرض.
وليس هناك من دين سماوي أو نظام وضعي حض على العلم وقدسه وأمر بتحصيله وتحكيمه في كل خطوة من خطوات الحياة وفي كل ميادينها كما فعل الإسلام.
ففي وقت كان العلم محظورا على الرعاع من الناس، ومقصورا على طبقة الأشراف والنبلاء، لم يبح الاسلام العلم وإنما جعله فريضة على جميع معتنقيه، قال : طلب العلم فريضة على كل مسلم رواه ابن ماجه وغيره عن أنس. وتبرأ من كل جاهل فقال عليه الصلاة والسلام: ليس مني إلا عالم أو متعلم رواه الديلمي عن ابن عمر. وجعله بمنزلة الحيوان الأعجم فقال: الناس رجلان: عالم أو متعلم، ولا خير فيمن سواهما رواه الطبراني عن ابن مسعود.
وجعل العلم طريقا الى الفوز بالجنة فقال : من سلك طريقا يطلب فيه علما سلك الله به طريقا الى الجنة رواه مسلم، وجعل طالبه حبيب الملائكة الذين يقومون بتأييده ومعونته، قال عليه الصلاة والسلام: إن الملائكة لتضع أجنحتها لطالب العلم رضاء بما يصنع رواه أبو داود عن أبي الدرداء، وبين أن القليل منه، خير من كثير العبادة فقال : لأن تغدو فتتعلم بابا من العلم خير من أن تصلي مائة ركعة رواه ابن عبدالبر عن أبي ذر، وقال: فضل العلم خير من فضل العبادة رواه الطبراني والحاكم. وجعل طلبه جهادا في سبيل الله فقال عليه الصلاة والسلام: من خرج في طلب العلم فهو في سبيل الله حتى يرجع رواه الترمذي عن أنس، وأجره كأجر من ظفر بحجة تامة فقال: من غدا الى المسجد لا يريد إلا أن يتعلم خيرا أو يعلمه كان له كأجر حاجّ تاما حجّته رواه الطبراني عن أبي أمامة. وسببا في مغفرة الذنوب وتكفير الخطايا فقال: ما انتعل عبد قط ولا تخفف ولا لبس ثوبا في طلب علم إلا غفر الله له ذنوبه حيث يخطو عتبة داره رواه الطبراني عن علي، وأمر بطلبه إن فقد في بلده ولو في آخر الدنيا فقال عليه السلام: اطلبوا العلم ولو بالصين رواه ابن عدي والبيهقي عن أنس.
وجعل أثره بعد موت صاحبه عملا مستمرا له وأجرا باقيا وثوابا جاريا في صحيفته فقال : إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية أو علم ينتفع به أو ولد صالح يدعو له رواه مسلم عن أبي هريرة.
ولئلا يفهم الناس أن المقصود من العلم هو علم العبادات والمناسك فقط حث القرآن في آياته على تتبع علوم الكون كله، واستنباط أسراره وتعلم قوانينه والاستفادة من نظامه ودقة نواميسه قال سبحانه: أَوَلَمْ يَنظُرُواْ فِي مَلَكُوتِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا خَلَقَ اللّهُ مِن شَيْءٍ الأعراف 185. وقال تعالى: وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ آل عمران 191. وأشار في محكم تنزيله الى بعض علوم السماء والأرض، والنبات والحيوان، والأجنة والفلك، والسياسة والاجتماع، والمعاملات الاجتماعية والعلاقات الدولية..
ومن وحي هذه التعاليم الاسلامية لم تمض فترة وجيزة إلا وصار كل بيت قبلة، وكل سوق مدرسة، وانقلبت الصحاري والمراعي الى منابع للنور والحكمة وفنون العلم والمعارف، ثم انطلق المسلمون الى أصقاع الأرض ينشرون هذا العلم بين الناس، ويبصرونهم سبل سعادتهم، ويدلونهم على حقيقة إنسانيتهم، وأسرار خلقهم.. ويبثون حضارة ما عرفت الإنسانية أعظم منها هدفا ولا أنبل منها غاية ولا أرحم منها على بني الإنسان.
إنها رسالة الإسلام التي لخصها صاحبها عليه الصلاة والسلام بقوله: إنما بعثت معلما، إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق رواه أحمد والحاكم عن أبي هريرة.
هذا وليحصل طالب العلم على ثمرات عمله على الوجه المطلوبـ،، وليبارك في جهوده، لا بد أن يطلب العلم متأدبا بآدابه التي نقطف منها هذه اللآلئ، وننظمها لكل متعلم:
1 »» آداب المتعلم مع العلم:
1 »» التماس مجالس العلم، وانتقاء اليانع من ثمراتها، والانتفاع بها على الوجه المطلوب.
عن ابن عباس ما قال: قال رسول الله : إذا مررتم برياض الجنة فارتعوا. قالوا: يا رسول الله وما رياض الجنة؟ قال: مجالس العلم. رواه الطبراني.
2 »» الصدق في طلب العلم، وبذل الوقت والجهد في تحصيله، والإعراض عن كل ما يشغل عنه من لغو أو بطالة أو اقتراف لمعصية أو محرم. قال الشافعي رحمه الله:
شكوت الى وكيع سوء حفظي ***** فأرشدني الى ترك المعاصي
وأخبرني بأن العلم نور ***** ونور الله لا يهدى لعاصي
قال : إن موسى قام خطيبا في بني إسرائيل فسئل أي الناس أعلم؟ قال أنا، فعتب الله عليه إذ لم يردّ العلم إليه، فأوحى الله إليه أن لي عبدا بمجمع البحرين هو أعلم منك رواه الشيخان والترمذي.
وقد ذكر القرآن الكريم:
قال تعالى: وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِفَتَاهُ لَا أَبْرَحُ حَتَّى أَبْلُغَ مَجْمَعَ الْبَحْرَيْنِ أَوْ أَمْضِيَ حُقُباً (60) الكهف.
أي مجدا مجتهدا، ومسافرا راحلا في طلب من هو أعلم مني لأزداد علما ولو استدام سفري عشرات السنين والأحقاب مسافرا في طلب العلم.
3 »» الإخلاص في طلب العلم، وإرادة وجه الله تعالى في تحصيله، وامتثال أمر رسوله ، والحذر من أن يكون حظه من العلم طلب عرض من الدنيا قليل.
عن ابن عمر ما عن النبي قال: من تعلم علما لغير الله أو أراد به غير الله فليتبوأ مقعده من النار رواه الترمذي.
وعن أبي هريرة قال: قال رسول الله : من تعلم علما مما يبتغى به وجه الله عز وجل لا يتعلمه إلا ليصيب به عرضا من الدنيا لم يجد عرف الجنة يوم القيامة رواه أبو داود.
4 »» تزكية النفس وتطهيرها من رذائل الأخلاق واتباع الأهواء قبل طلب العلم، لأن العلم إذا نزل على نفس خبيثة زادها خبثا وصار ضررا على صاحبه وبلاء على الناس. قال الشاعر:
لا تحسبنّ العلم ينفع وحده ***** ما لم يتوّج ربّه بخلاق
وقال آخر:
لو كان للعلم من دون التقى شرف ***** لكان أشرف خلق الله إبليس
5 »» الابتعاد عن المراء، وتجنب الجدال بعد ظهور الحق، فإن المراء لا يأتي بخير، لأنه يضيع الوقت، ويقسي القلوب، ويورث الأحقاد، ويسبب البغضاء، وعلى المتعلم أن يبدي رأيه لمحدثه فإن اقتنع وإلا فليتوقف عن النقاش العقيم.
قال الله تعالى: وَلَا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ العنكبوت 46.
وعن ابن عمر ما عن النبي قال: من طلب العلم ليباهي به العلماء، ويماري به السفهاء، أو ليصرف وجوه الناس إليه فهو في النار رواه ابن ماجه.
6 »» المحافظة على السمت الحسن، والاتزان والهدوء، ووقار العلم، وما يطبعه في النفس من خشية لله، ومعرفة بأقدار الناس. والابتعاد عن كل ما يخلّ بشرف العلم ومكانته في النطق والمشي والأمكنة والمعاملات.
عن أبي هريرة قال: قال رسول الله : تعلموا العلم، وتعلموا للعلم السكينة والوقار، تواضعوا لمن تتعلمون منه رواه الطبراني.
7 »» طلب العلم النافع المفيد في دين المسلم أو دنياه أو آخرته، وتجنب العلوم التي انقضى زمانها، أو التي لا طائل منها، أو التي تضر المسلم في دينه، أو توقعه في الشك والإلحاد.
قال تعالى: وَمَا تَفَرَّقُوا إِلَّا مِن بَعْدِ مَا جَاءهُمُ الْعِلْمُ بَغْياً بَيْنَهُمْ الشورى 14.
وعن زيد بن أرقم أن رسول الله كان يقول: اللهم إني أعوذ بك من علم لا ينفع، ومن قلب لا يخشع، ومن نفس لا تشبع، ومن دعوة لا يستجاب لها رواه مسلم.
8 »» تلقي العلم عن أهله الأكفاء، من العلماء الراسخين، والأتقياء الصالحين، وأخذ كل فن من المختصين به، المحسنين له.
عن أنس أن رسول الله قال: إن هذا العلم دين، فانظروا عمن تأخذون دينكم رواه الحاكم.
9 »» الصبر على التعلم والحفظ والمراجعة، واستغلال الوقت واكتساب الفراغ، قبل ذهابهما بما يستطيع من الاستزادة من العلم، قال سيدنا عمر ( تفقهوا قبل أن تسودوا).
10 »» السؤال عن كل ما استعصى عليه فهمه، والبحث في كل مسألة حتى يتقنها، وعدم الحياء في طلب العلم. فقد قيل لابن عباس ما بما نلت هذا العلم؟ فقال: بلسان سؤول، وقلب عقول. وقال مجاهد: لا يتعلم العلم مستح ولا مستكبر.
وعن عائشة ا قالت: نعم النساء نساء الأنصار لم يكن يمنعهنّ الحياء على أن يتفقهن في الدين.
11 »» التبكير الى مجالس العلم، والحرص على كل ما يرد فيها من أفكار ومعان وبركات، وتقييدها بالكتابة، وتصنيفها وتبويبها بعد مراجعتها في البيت.
قال الشافعي:
العلم صيد والكتابة قيد
قيّد صيودك بالحبال الواثقة
12 »» استكمال العدة اللازمة للدخول في عداد طلاب العلم ومنها ثمانية أشياء: الدليل: وهو المعلم الكامل، والزاد: وهو التقوى، والسلاح: وهو الوضوء، والسراج: وهو الذكر، والمنهاج: وهو الشريعة المحمدية، والهمة الصادقة القوية، والأخوة في الله المصاحبين بالصدق، وتجنب اتباع الهوى.
2 »» آداب المتعلم مع المعلم:
1 »» التواضع للمعلم ولو كان أصغر سنا، إذا ليس من الذل المكروه أن يتذل طالب العلم لمعلمه.
قال ابن عباس ما: ذللت طالبا، فعززت مطلوبا. وقال شعبة: كنت إذا سمعت من الرجل الحديث كنت له عبدا ما حييت.
2 »» احترام العالم وتقديره وإكرامه، والنظر اليه بعين الإكبار والإجلال والتعظيم.
قال الشافعي: كنت أصفح الورقة بين يدي مالك صفحا رقيقا هيبة لئلا يسمع وقعها.
وقال الربيع: والله ما اجترأت أن أشرب الماء والشافعي ينظر الي هيبة له.
عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال: قال رسول الله صلى الله علي وسلم:" ليس منا من لم يرحم صغيرنا ويعرف شرف كبيرنا" رواه أبو داود والترمذي.
وعن عائشة ا قالت: أمرنا رسول الله أن ننزل الناس منازلهم. رواه مسلم.
3 »» القيام للعالم عند دخوله، وتقبيل يده احتراما ومحبة وتبركا وتقديرا.
قال الله تعالى: ذَلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى الْقُلُوبِ (32) الحج.
وعن الوازع بن عامر قال: قدمنا، فقيل: ذلك رسول الله : فأخذنا بيده ورجليه نقبلهما. رواه البخاري.
وعن جابر أن عمر قبّل يد النبي . رواه ابن المقري.
وعن ابن عمر ما قصة قال فيها: فدنونا من النبي فقبلنا يده. رواه أبو داود.
وعن ابن جدعان قال ثابت لأنس : أمسست النبي بيدك؟ قال نعم. فقبّلها. رواه البخاري.
وعن صهيب قال: رأيت عليّا يقبّل يد العباس ورجليه. رواه البخاري.
وعن عائشة ا قالت: ما رأيت أحد أشبه سمتا ودلا وهديا برسول الله من فاطمة كرّم الله وجهها فكانت إذا دخلت عليه قام إليها فأخذ بيدها فقبّلها وأجلسها في مجلسه، وكان إذا دخل عليها قامت إليه فأخذت بيده فقبلته وأجلسته مجلسها. رواه أصحاب السنن.
وعن أبي سعيد أن أهل قريظة نزلوا على حكم سعد بن معاذ فأرسل إليه النبي فجاء، فقال: قوموا الى سيدكم وذكر الحديث رواه الشيخان وأبو داود.
4 »» التأدب في مجلس العالم بجلسته وكلامه، وحسن استماعه وسؤاله. قال الحسن لابنه: يا بني إذا جالست العلماء فكن على أن تسمع أحرص منك على أن تقول.
5 »» تجنب الانصراف، ومغادرة مجلس العلم إلا بإذن من المعلم، فإذا أذن له فليستغفر الله لأن الأولى أن لا يغادر مممجلس العلم قبل انتهائه.
قال تعالى: إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِذَا كَانُوا مَعَهُ عَلَى أَمْرٍ جَامِعٍ لَمْ يَذْهَبُوا حَتَّى يَسْتَأْذِنُوهُ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَأْذِنُونَكَ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ فَإِذَا اسْتَأْذَنُوكَ لِبَعْضِ شَأْنِهِمْ فَأْذَن لِّمَن شِئْتَ مِنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمُ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ (62) النور.
6 »» الاستئذان في الصحبة، وطلب العلم من المعلم. وطاعته في كل ما يأمره به.
قال الله تعالى: قَالَ لَهُ مُوسَى هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلَى أَن تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْداً (66) قَالَ إِنَّكَ لَن تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْراً (67) وَكَيْفَ تَصْبِرُ عَلَى مَا لَمْ تُحِطْ بِهِ خُبْراً (68) قَالَ سَتَجِدُنِي إِن شَاء اللَّهُ صَابِراً وَلَا أَعْصِي لَكَ أَمْراً (69) الكهف.
7 »» القيام بحقوق المعلم على أكمل وجه، وقد جمعها الكثير من السلف الصالح نختار منها ما يلي: قال الإمام علي : من حق العالم عليك أن تسلم على القوم عامة وتخصه بالتحية، وأن تجلس أمامه، ولا تشيرن عنده بيديك، ولا تغمز بعينك غيره، ولا تقولن قال فلان خلاف قوله، ولا تغتابن عنده أحدا، ولا تطلبن عثرته، وإن زل قبلت معذرته، وعليك أن توقره لله تعالى وإن كانت له حاجة سبقت القوم الى خدمته، ولا تسارر أحدا في مجلسه، ولا تأخذ بثوبه، ولا تلح عليه إذا ملّ، ولا تشبع من طول صحبته، فإنما هو كالنخلة تنتظر متى يسقط عليك منها شيء.
وقال علي بن الحسن ما: حق أستاذك عليك، التعظيم له، والتوقير لمجلسه وحسن الاستماع إليه، والإقبال عليه، وأن لا ترفع عليه صوتك، ولا تجيب أحدا يسأله عن شيء حتى يكون هو الذي يجيب، ولا تحدث في مجلسه أحدا، وأن تدفع عنه إذا ذكره أحد عندك بسوء وأن تظهر مناقبه، ولا تجالس عدوه، ولا تعادي وليه، فإذا فعلت ذلك شهدت لك ملائكة الله بأنك قصدته وتعلمت علمه لله عز وجل لا للناس.
وقال الإمام الغزالي: آداب المتعلم مع العالم أن يبدأه بالتحية والسلام، وأن يقل بين يديه الكلام، ويقول له إذا قام، ولا يتكلم ما لم يسأل، ولا يسأل أولا ما لم يستأذن، ولا يعارض كلامه، ولا يشير عليه بخلاف رأيه، ولا يشاور جليسه في مجلسه، ولا يضحك عند مخاطبته، ولا يكثر الالتفات بحضرته، بل يجلس مطرقا ساكنا كأنه في الصلاة، ولا يستفهمه عن مسألة في طريقه، ولا يتبعه بكلامه وسؤاله، ولا يسيء الظن في أفعال ظاهرها منكرة له فهو أعلم بأسراره، وليذكر عند ذلك قول موسى للخضر عليهما السلام: ( أخرقتها لتغرق أهلها لقد جئت شيئا أمرا) وكونه مخطئا في إنكاره واعتراضه اعتمادا على ظاهره.
وقال بعض العلماء: من حق أستاذك عليك أن تتواضع له وتحبه حب الفناء، ولا تخرج عن رأيه وتوجيهه، وأن تشاوره فيما تقصده، وتتحرى رضاه فيما يعتمده، وتنظر اليه بعين الإجلال، وتعتقد فيه درجة الكمال، وأن تعرف حقه، ولا تنسى له فضله، وتحضر الى درسه قبل أن يأتي، ولا تتنقل أثناء درسه، ولا تتقدم في السير عليه، وأن تدعو له مدة حياته، وأن تصبر على صحبته، وتجلس بين يديه بسكون وتواضع واحترام، وأن تصغي إليه، وتنظر اليه مقبلا بكليتك عليه، غير ملتفت عنه، وأن لا تعبث بيديك أو رجليك أو أنفك أو دفترك أثناء كلامه، وأن تدفع الضحك والقهقهة والتثاؤب في حضرته، وأن تستأذن للدخول عليه وللانصراف من عنده، وأن تدخل عليه كامل الهيئة، متطهر البدن، نظيف الثياب، فارغا من الشواغل، حاضر القلب بذكر الله عز وجل وإرادة وجهه.
وقال الامام الشافعي:
أهين لهم نفسي فهم يكرمونها ***** ولن تكرم النفس التي لا تهينها
وقال شوقي:
قم للمعلم وفه التبجيلا ***** كاد المعلم أن يكون رسولا
أرأيت أعظم أو أجلّ من الذي ***** يبني وينشئ أنفسا وعقولا
وقال غيره:
أرى فضل أستاذي على فضل والدي وإن ***** نالني من والدي العزّ والتحف
فهذا مربي العقل والعقل جوهر ***** وهذا مربي الجسم والجسم من صدف