gaamra
gaamra
متفائلة2
متفائلة2
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
هلا وغلا بكم أخوتي :26: بعد اجمل تحية ...... اعتذر على التأخر ... وأن كان هناك هدف منه ......

أهلا بك أخيتي gaamra :26: وشكرا لك بعد الله على تكرمك بالمشاركة ....
وسبق ان رد يت على اختـنا عدة الصابرين على ما اقتبستي .... وان كان باختصار

وهذا وصفا لمن اتصفوا بما ذكرتي مختصر

وسأعود للتوضيح وكيف التعامل معهم ولكن بعد ما نقـف مع قول ابو العباس احمد بن عبد الحليم ابن عبد السلام ابن تيمية رحمه الله وما قاله في ( الاعتصام بكتاب الله ووجوب اتباعه وبيان الاهتداء به في كل ما يحتاج إليه الناس من دينهم )
قال شيخ الإسلام والمسلمين أبو العباس أحمد بن عبد الحليم ابن عبد السلام ابن تيمية – رحمه الله - : الحمد لله نستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا من يهد الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله أرسله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله وكفى بالله شهيدا صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا . " أصل جامع " في الاعتصام بكتاب الله ووجوب اتباعه وبيان الاهتداء به في كل ما يحتاج إليه الناس من دينهم وأن النجاة والسعادة في اتباعه والشقاء في مخالفته وما دل عليه من اتباع السنة والجماعة قال الله تعالى : { قال اهبطا منها جميعا بعضكم لبعض عدو فإما يأتينكم مني هدى فمن اتبع هداي فلا يضل ولا يشقى } { ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكا ونحشره يوم القيامة أعمى } { قال رب لم حشرتني أعمى وقد كنت بصيرا } { قال كذلك أتتك آياتنا فنسيتها وكذلك اليوم تنسى } قال ابن عباس : تكفل الله لمن قرأ القرآن وعمل بما فيه أن لا يضل في الدنيا ولا يشقى في الآخرة ثم قرأ هذه الآية . وفي السورة الأخرى : { فمن تبع هداي فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون } { والذين كفروا وكذبوا بآياتنا أولئك أصحاب النار هم فيها خالدون } وقال تعالى : { المص } { كتاب أنزل إليك فلا يكن في صدرك حرج منه لتنذر به وذكرى للمؤمنين } { اتبعوا ما أنزل إليكم من ربكم ولا تتبعوا من دونه أولياء قليلا ما تذكرون } وقال تعالى : { وهذا كتاب أنزلناه مبارك فاتبعوه واتقوا لعلكم ترحمون } { أن تقولوا إنما أنزل الكتاب على طائفتين من قبلنا وإن كنا عن دراستهم لغافلين } { أو تقولوا لو أنا أنزل علينا الكتاب لكنا أهدى منهم فقد جاءكم بينة من ربكم وهدى ورحمة فمن أظلم ممن كذب بآيات الله وصدف عنها سنجزي الذين يصدفون عن آياتنا سوء العذاب بما كانوا يصدفون } . وقال تعالى : { يا بني آدم إما يأتينكم رسل منكم يقصون عليكم آياتي فمن اتقى وأصلح فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون } { والذين كذبوا بآياتنا واستكبروا عنها أولئك أصحاب النار هم فيها خالدون } وقال تعالى : { كلما ألقي فيها فوج سألهم خزنتها ألم يأتكم نذير } { قالوا بلى قد جاءنا نذير فكذبنا وقلنا ما نزل الله من شيء إن أنتم إلا في ضلال كبير } وقال تعالى : { وسيق الذين كفروا إلى جهنم زمرا حتى إذا جاءوها فتحت أبوابها وقال لهم خزنتها ألم يأتكم رسل منكم يتلون عليكم آيات ربكم وينذرونكم لقاء يومكم هذا قالوا بلى ولكن حقت كلمة العذاب على الكافرين } وقال تعالى : { ما يجادل في آيات الله إلا الذين كفروا فلا يغررك تقلبهم في البلاد } إلى قوله : { الذين يجادلون في آيات الله بغير سلطان أتاهم كبر مقتا عند الله وعند الذين آمنوا كذلك يطبع الله على كل قلب متكبر جبار } إلى قوله : { إنا لننصر رسلنا والذين آمنوا في الحياة الدنيا ويوم يقوم الأشهاد } إلى قوله : { ولقد آتينا موسى الهدى وأورثنا بني إسرائيل الكتاب } { هدى وذكرى لأولي الألباب } { فاصبر إن وعد الله حق واستغفر لذنبك وسبح بحمد ربك بالعشي والإبكار } { إن الذين يجادلون في آيات الله بغير سلطان أتاهم إن في صدورهم إلا كبر ما هم ببالغيه فاستعذ بالله إنه هو السميع البصير } وفي قوله : { يجادلون في آيات الله بغير سلطان أتاهم } بيان أنه لا يجوز أن يعارض كتاب الله بغير كتاب الله لا بفعل أحد ولا أمره لا دولة ولا سياسة فإنه حال الذين يجادلون في آيات الله بغير سلطان أتاهم . ولكن يجوز أن يكون في آيات الله ناسخ ومنسوخ فيعارض منسوخه بناسخه كما قال تعالى : { ما ننسخ من آية أو ننسها نأت بخير منها أو مثلها } وكما قال تعالى : { سيقول السفهاء من الناس ما ولاهم عن قبلتهم التي كانوا عليها قل لله المشرق والمغرب يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم } ونظائره متعددة . وقال تعالى : { كان الناس أمة واحدة فبعث الله النبيين مبشرين ومنذرين وأنزل معهم الكتاب بالحق ليحكم بين الناس فيما اختلفوا فيه وما اختلف فيه إلا الذين أوتوه من بعد ما جاءتهم البينات بغيا بينهم فهدى الله الذين آمنوا لما اختلفوا فيه من الحق بإذنه والله يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم } وقال تعالى : { الر } { كتاب أنزلناه إليك لتخرج الناس من الظلمات إلى النور بإذن ربهم إلى صراط العزيز الحميد } وقال تعالى : { هو الذي ينزل على عبده آيات بينات ليخرجكم من الظلمات إلى النور } وقال تعالى : { قد جاءكم من الله نور وكتاب مبين } { يهدي به الله من اتبع رضوانه سبل السلام ويخرجهم من الظلمات إلى النور بإذنه ويهديهم إلى صراط مستقيم } وقال تعالى : { يا أيها الذين آمنوا إن تطيعوا فريقا من الذين أوتوا الكتاب يردوكم بعد إيمانكم كافرين } { وكيف تكفرون وأنتم تتلى عليكم آيات الله وفيكم رسوله ومن يعتصم بالله فقد هدي إلى صراط مستقيم } { يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون } { واعتصموا بحبل الله جميعا } فأمر بالاعتصام بحبل الله وهو كتابه كما قال النبي صلى الله عليه وسلم { إن هذا القرآن حبل ممدود طرفه بيد الله وطرفه بأيديكم فتمسكوا به فإنكم لن تضلوا ما تمسكتم به . } وفي الحديث الآخر : { وهو حبل الله المتين } . ثم قال تعالى : { ولا تفرقوا واذكروا نعمة الله عليكم إذ كنتم أعداء فألف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخوانا } الآيات . وقال تعالى : { ويوم نبعث في كل أمة شهيدا عليهم من أنفسهم وجئنا بك شهيدا على هؤلاء ونزلنا عليك الكتاب تبيانا لكل شيء وهدى ورحمة وبشرى للمسلمين } وقال تعالى : { ما كان حديثا يفترى ولكن تصديق الذي بين يديه وتفصيل كل شيء وهدى ورحمة لقوم يؤمنون } وقال تعالى : { الم } { ذلك الكتاب لا ريب فيه هدى للمتقين } وقال : { هذا بيان للناس وهدى وموعظة للمتقين } وقال : { إن الذين اتقوا إذا مسهم طائف من الشيطان تذكروا فإذا هم مبصرون } { وإخوانهم يمدونهم في الغي ثم لا يقصرون } { وإذا لم تأتهم بآية قالوا لولا اجتبيتها قل إنما أتبع ما يوحى إلي من ربي هذا بصائر من ربكم وهدى ورحمة لقوم يؤمنون } وقال تعالى : { وننزل من القرآن ما هو شفاء ورحمة للمؤمنين ولا يزيد الظالمين إلا خسارا } وقال تعالى : { وإذا ما أنزلت سورة فمنهم من يقول أيكم زادته هذه إيمانا فأما الذين آمنوا فزادتهم إيمانا وهم يستبشرون } { وأما الذين في قلوبهم مرض فزادتهم رجسا إلى رجسهم وماتوا وهم كافرون } وقال تعالى : { يضل به كثيرا ويهدي به كثيرا } وقال تعالى : { قد جاءكم من الله نور وكتاب مبين } { يهدي به الله من اتبع رضوانه سبل السلام ويخرجهم من الظلمات إلى النور بإذنه ويهديهم إلى صراط مستقيم } وقال تعالى : { فالذين آمنوا به وعزروه ونصروه واتبعوا النور الذي أنزل معه أولئك هم المفلحون } وقال تعالى : { وكذلك أوحينا إليك روحا من أمرنا ما كنت تدري ما الكتاب ولا الإيمان ولكن جعلناه نورا نهدي به من نشاء من عبادنا وإنك لتهدي إلى صراط مستقيم } { صراط الله الذي له ما في السماوات وما في الأرض ألا إلى الله تصير الأمور } وقال تعالى : { اتل ما أوحي إليك من الكتاب وأقم الصلاة } وقال تعالى : { الذين آتيناهم الكتاب يتلونه حق تلاوته أولئك يؤمنون به } وقال تعالى : { والذين يمسكون بالكتاب وأقاموا الصلاة إنا لا نضيع أجر المصلحين } وقال تعالى : { واتبع ما يوحى إليك واصبر حتى يحكم الله وهو خير الحاكمين } .

مــــــلاحظة : هذا لا يعني عد م الرجوع الى أهل العلم - واهل السنة والجماعة
ادعي العلي العظيم ان اكون وفـقت بما نـقلت - وا يصاله بالشكل المطلوب .. وان تجدوا به الفائدة وتكون مما يحبه الله ويرضاه .....
واعتذر على الاطالة
........ ولي عودة بعون من الله عز وجل مع لزوم الجماعة ولزوم مذهب أهل الحديث الفرقة الناجية ..... والذي باذن الله سيوضح كيفية التعامل مع - أهل الأحزاب -
وادعوالله لي ولكم الهداية والثبات على كل مايحبه ويرضاه
اللهم ارنا الحق حقا وارزقنا اتباعه وارنا الباطل باطلا وارزقنا اجتـنابه .
سبحانك اللهم وبحمد ك اشهد ان لا اله الا انت استـغـفرك واتوب اليك

وفي امان الله وحفظه
:26::26:
متفائلة2
متفائلة2
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
اهلين اخوتي .. بعد اجمل تحية ايخاء ومودة في الله :26: وفائق الاحترام والتـقد ير
اعود بكل سعادة لأ تـشرف بالمواصلة معكم ... من حيث تو قـفـنا .....

لزوم الجماعة ولزوم مذهب أهل الحديث الفرقة الناجية
بسم الله الرحمن الرحيم
قال الشيخ الحافظ أبو بكر الإسماعيلي -رحمه الله تعالى- في بيان اعتقاد أهل السنة، أثناء كلامه على محاسنهم وفضائلهم:
"مع لزوم الجماعة، والتعـفـف في المأكل والمشرب والملبس، والسعي في عمل الخير، والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، والإعراض عن الجاهلين، حتى يعلموهم، ويبينوا لهم الحق، ثم الإنكار والعقوبة، من بعد البيان، وإقامة العذر بينهم وبينهم.
هذا أصل الدين والمذهب، واعتقاد أئمة أهل الحديث، الذين لم تَـشِنْهُم بدعة، ولم تلبسهم فـتـنة، ولم يخفوا إلى مكروه في دين الله. فـتمسكوا معتصمين بحبل الله جميعًا، ولا تفرقوا عنه. واعلموا أن الله تعالى أوجب محبته ومغفرته لمتبعي رسوله -صلى الله عليه وسلم- في كتابه، وجعلهم الفرقة الناجية، والجماعة المتبعة ، فقال -عز وجل- لمن ادعى أنه يحب الله -عز وجل ( قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ )
نفعنا الله وإياكم بالعلم، وعصمنا بالتقوى من الزيغ والضلال، بمنه ورحمته.
انتهى ما قال رحمه الله.

في هذه الخاتمة وصايا. منها لزوم الجماعة، والمراد بالجماعة هنا: جماعة المسلمين. ويعبر بالجماعة عن أهل الحق، الذين هم على طريقة السلف، وعلى طريقة النبي -صلى الله عليه وسلم- ولو كانوا قلة في بعض الأزمنة، ولو كثر أضدادهم، المخالفين لهم، فإنهم الجماعة، وهم أهل الحق، وهم أهل الصواب. في أبيات لابن القيم، في النونية، لما ذكر إجماع أهل الحق يقول:
هذا وسادس عشرها إجماع أهـ
ل العلـم أعني حجة الأزمان
مـن كل صاحب سنة شهدت له
أهـل الحديث وعسكر القرآن
لا عـبرةً بمخالـف لهمُ ولـو
كانوا عديـد الشاء والبعران
لا عبرة بمن خالفهم، ولو كانوا أكثر من الشاء، وأكثر من الإبل. العبرة بمن كان متمسكًا بالحق، ومن كان على السنة، ومن كان على الطريقة المحمدية. هؤلاء هم أهل الجماعة، ولو قلوا في بعض الأزمنة؛ وذلك لأن قدوتهم سلف الأمة، وصحابة النبي -صلى الله عليه وسلم- .
ورد في تفسيره الفرقة الناجية قوله -صلى الله عليه وسلم- وستـفـترق هذه الأمة على ثلاث وسبعين فرقة، كلها في النار إلا واحدة. قيل: من هم يا رسول الله؟ قال: الجماعة في رواية أنهم الجماعة يعني: جماعة المسلمين وسوادهم. ورد أيضًا في تفسيرهم، في سنن الترمذي وغيره هم من كان على مثل ما أنا عليه اليوم وأصحابي الذين يتمسكون بما كان عليه النبي -صلى الله عليه وسلم- وما كان عليه الصحابة -رضي الله عنهم- .
لا شك أن هؤلاء هم أهل السنة، وهم أهل الجماعة، فهم الذين يلزم أن نتمسك بسيرتهم، وأن نسير على نهجهم. ولا شك أن منهم أئمة الحديث، فإنهم أولى بأن يكونوا هم الجماعة، وهم أهل السنة.
وذلك لأنهم اشتغلوا بسنة النبي -صلى الله عليه وسلم- واشتغلوا بمتابعة أوامره ونواهيه، فكانوا أولى بأن يتمسكوا بهذه السنة، وبهذه الشريعة؛ لذلك أهل الحديث، الذين جعلوه شغلهم، لم يوجد فيهم مبتدع إلا ما ندر؛ وذلك لأن توغلهم في الحديث، وسماعهم له، يحملهم على أن يعملوا به، وعلى أن يتبعوه .
لذلك نقول: الزموا السنة، عليكم بسنة المسلمين، عليكم بجماعة المسلمين. فإذا قيل: إن عندنا مثلًا فرقا، وعندنا أحزابا، فأي الأحزاب أولى بأن يكونوا على الصواب ؟
الجواب: لا تنظروا إلى أولئك الأحزاب، انظروا إلى الأعمال -أعمال هؤلاء الأحزاب- فإذا كانت موافقة للسنة النبوية، وللشريعة الإسلامية، فاعملوا بها، وكونوا معهم. فإذا كان هذا الحزب معه حق وباطل، فخذوا الحق الذي معه، ودعوا الباطل.
معلوم أنه في هذه الأزمنة كثرت الأحزاب، حتى وصلت في بعض الدول إلى مائة حزب، أو عشرين حزبًا، أو أحزاب متعددة، كل حزب يتسمون باسم. فننظر من هم أهل الجماعة، من هم من أولئك الأحزاب، ونتبعهم ونؤيدهم، ونصوب رأيهم، ونأخذ من كل حزب ما معه من الحق، ونصوبه ونقول: أصبتم في هذا، وأخطأتم في هذا، هذا الخطأ عليكم أن تتركوه.
كذلك أيضًا، إذا رأينا أولئك الأحزاب، وعرفنا أن تلك الأهداف ما هي إلا الحق، وقصد الخير، ونصر الدين، حرصنا على أن نجمعهم، وأن نقرب بينهم، وأن نبين أنهم لا خلاف بينهم، ما دام كل منهم قصده الحق والصواب.
فإذا رأينا -مثلًا- حزبًا من الأحزاب يتسمى بأنهم أهل السنة، شجعناهم، ولكن نحثهم على أن يتمسكوا بالسنة. إذا رأينا حزبًا آخر يتسمى بأنهم أهل التوحيد، شجعناهم وقلنا: نعم ما تسميتم به، فتسموا بهذا، وحققوا الاسم، وحدوا الله تعالى وأطيعوه. وإذا رأينا حزبًا آخر يتسمى بأنهم أنصار الدين، قلنا: هذه تسمية جميلة طيبة، فانصروا الدين إذا سميتم ذلك.
وإذا رأينا حزبًا يتسمى بأنهم أهل الإصلاح، قلنا: نعم ما فعلتم، فاحرصوا على الإصلاح، ولكن حققوا دينكم، وأصلحوا بين إخوتكم. وإذا رأينا جماعة يتسمون مثلًا بأهل الدعوة، قلنا نعم ما فعلتم، فأنتم أهل دعوة، ولكن تكون دعوتكم إلى حقيقة الإسلام. وإذا رأينا مثلًا من يتسمى بأنهم أئمة السلف، أو أتباع السلف، قلنا نعم ما فعلتم من هذا، ولكن عليكم أن تحققوا ذلك الاتباع ، وأن تكونوا من السلف حقًا، متبعين لهم. وهكذا بقية الفرق.
ثم -لا شك- أنه قد يحصل بين هذه الأحزاب شيء من التفرق، وشيء من الاختلاف، فنحثهم على أن يتــــقاربوا، وألا يكون بـينهم شيء من الشنآن، ولا من البغضاء، ولا من الأحقاد، حتى يجتمعوا، وتكون كلمتهم واحدة، فإن ذلك أهيب لهم، وأقوى لمعنوياتهم، ويكونون مهيـبـين عند الأعداء، وعند المبتدعة.
المبتدعة إذا رأوا كلمة أهل السنة والجماعة واحدة، واتفاقهم ودعوتهم إلى شيء واحد، هابوهم، ولم يتجرءوا على أن يردوا عليهم، ولا على أن يضللوهم، ولا على أن يبدعوهم. إذن فنحن نقول: هنيئًا لكم أيها الجماعة، أنتم أهل السنة، وأنتم أهل الجماعة، فاجتمعوا حتى تكونوا إخوة، هدفكم واحد.
كلكم طلبتم الحديث والعلم، وكلكم على عقيدة أهل السنة، في الأسماء والصفات، وفي الأفعال، وفي أركان الإسلام، وفي أركان الإيمان، وفي أسماء الإيمان والدين، وفي الصحابة والتابعين وتابعيهم ، وكذلك أيضًا متبعون للحق مع من كان. لا تقولون ببدعة من البدع، تـتبرءون من المبتدعة: من جبرية، ومن قدرية، ومن مرجئة، ومن أشعرية، ومن معتزلة ، وغيرها تـتبرءون منهم جميعًا، وتحقدون عليهم.
إذًا فما الفرق بينكم؟ دعوا هذه الفروق اليسيرة، التي تدّعون أنها مخالفات، وتقاربوا فيما بينكم، واصطلحوا على أن تكون همتكم وأهدافكم واحدة، حتى لا يقع التفرق، الذي هو تحزب يؤدي إلى الاضطراب. الله تعالى يعيب الذين يتحزبون يقول الله تعالى: (وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ ) ويقول تعالى ( مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ ) يعني: ذم لهم على هذه الأفعال. ( مُنِيبِينَ إِلَيْهِ وَاتَّقُوهُ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَلَا تَكُونُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ ) فالحاصل أن لزوم الجماعة، يستلزم التمسك بالسنة حقًا.
الوصية الثانية: التعفف في المأكل والمشرب. في الحقيقة، إن هذه الوصايا، إنها وصايا عظيمة، ولو أعطيناها حقها، لكانت كل وصية تعتبر درسًا؛ وذلك لأنه جمع فيها هذه الإرشادات العظيمة: التعفف في المأكل والمشرب والملبس، يريد به الاقتصار على الحلال، والبعد عن الحرام، وكذلك أيضًا البعد عن المشتبه.
معلوم أن التعفف معناه التورع؛ وذلك لأن الكسب ينقسم إلى ثلاثة أقسام: حلال صريح، وحرام صريح، ومشتبه. ذكر ذلك النبي -صلى الله عليه وسلم- في حديث النعمان المشهور الحلال بين، والحرام بين، وبينهما أمور مشتبهات، لا يعلمهن كثير من الناس. فمن اتقى الشبهات استبرأ لدينه وعرضه، ومن وقع في الشبهات وقع في الحرام لذلك أمرنا بالتعفف في المأكل والمشرب والملبس. أي: أن نتورع، فلا نقدم على الشيء الذي نخشى أن يكون فيه شبهة، وأن يكون من الحرام، بل نبتعد عنه حتى نسلم على ديننا؛ وذلك لأن التغذي بالحرام يكسب البدن سوء تغذية. إذا تغذى بهذا الحرام، أو بهذا المشتبه، تغذى بدنه على شيء محرم، مما يكون سببًا في عدم قبوله للنصائح، وعدم انصياعه للأوامر والإرشادات، وماأشبه ذلك.
يقال: هذا لا تؤثر فيه الموعظة، هذا لا يقبل النصيحة، هذا لا يتأثر بالإرشادات ولا بالنصائح ونحوها، لماذا؟ السبب أن لحمه نبت على سحت، أنه تغذى بحرام؛ فأثر ذلك في قسوة قلبه، وفي صدوده عن الخير. إذًا فالتعفف سبب للين القلب، وكذلك الاقتصار على الحلال سبب لرقته، وسبب لإقباله على الله، وسبب لتقبله للنصائح والعظات.
الوصية الثالثة: السعي في عمل الخير. الخير: كل شيء محبوب عند الله تعالى. ولا شك أيضًا أن النفوس المطمئنة، والنفوس الطيبة، تعرف الخير، وتعرف الشر بطبعها، وإن لم يكن عليه نص. ولكن هناك نفوس منتكسة، بسبب المعاصي، وبسبب الخلافات، انتكست تلك النفوس، فأصبحت ترى أن الشر خير والخير شر، ترى أن الطيب خبيث والخبيث طيب، أما النفوس المطمئنة، النفوس الطيبة، فإنها تعرف عمل الخير. .... لا حاجة إلى التوسع في ذلك، فالخير: هو كل ما يحبه الله تعالى. فالإحسان إلى الناس من الخير، ونصيحتهم من الخير، ودلالتهم على الله تعالى، ودلالتهم وإرشادهم إلى ما ينفعهم، من الخير. وكذلك التوسعة عليهم، ونفعهم وإرشادهم، وإعانة الضعيف منهم، وتجهيز المنقطع، والصدقة عليهم، والتوسعة على الفقير والعاجز ونحوه، والشفاعة لمن يستشفع، أو يطلب شفاعة، وكذلك أيضًا كف الشر عنهم، والذب عنهم بدلالتهم على الشر وتحذيرهم منه، كل هذا داخل في السعي، السعي في عمل الخير. وعبر بالسعي، السعي في الأصل: هو شدة المشي وقوة المسير. ( فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ ) ولكن السعي ها هنا سعي عملي، بمعنى أن الإنسان يسعى في عمل الخير، فإذا سعى في جمع المال الطيب، سعى في تـفرقـته، والتوسعة به على المستحقين، وصرفه في وجوه البر والخير، وإذا سعى في إصلاح المسلمين، سعى في التأليف فيما بينهم، وإزالة ما عندهم وما بينهم من الشحناء والبغضاء، ونحو ذلك، كل ذلك سعي في عمل الخير.
الوصية الرابعة: الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر. وهي أيضًا من واجبات الإسلام، والتوسع فيها لا مناسبة له.
المعروف: هو ما أمر الله به ورسوله، والمنكر: ما نهى الله تعالى عنه ورسوله. وسمى هذا معروفًا؛ لأن النفوس الطيبة تعرفه وتألفه، وسمى هذا منكرًا؛ لأن النفوس الطيبة تنكره وتستقبحه، فكل شيء تستقبحه النفوس الطيبة فإنه من المنكر. فيقال مثلًا: المسكرات من المنكرات، والفواحش من المنكرات، كالزنا ومقدماته، ويقال: التبرج والاختلاط، الذي يؤدي إلى فساد، هذا من المنكرات.
ويقال أيضًا: السباب واللعن والقذف، والعيب والغيبة والنميمة، والتنقص والسخرية والاستهزاء بالمسلمين، وما أشبه ذلك، من المنكرات. كما يقال: إن أضدادها من المعروف، فالإحسان إلى الناس ومدحهم، وكذلك أيضًا إيصال الخير إليهم، والنصيحة لهم، ودعوتهم إلى الله، وترغيبهم في الصلوات، وفي المساجد، وفي عمارتها -مثلًا- كل ذلك من عمل الخير، ومن المعروف.
وكذلك ذكر الله تعالى، وتلاوة كتابه، ودعاؤه، وإخلاص الدين له، وتعلم العلم وتعليمه، والدلالة عليه ونشره، وما أشبه ذلك، كل ذلك من المعروف.
ثم الأمر يستدعي الإلزام، فإنك إذا أمرت فإنك تأمر بإلزام، أو تأمر بإرشاد، فتارة تقول: أيها الإخوة، أيها المسلمون، أدعوكم إلى كل معروف، أدعوكم إلى أن تكونوا متحابين، متوادين في ذات الله تعالى، أدعوكم إلى أن تكثروا من ذكر الله تعالى، وتلاوة كتابه، أنهاكم عن المنكرات، لا تشربوا دخانًا، لا تشربوا مسكرًا، لا تسهروا على لعب، لا تستمعوا غناء وباطلًا، وما أشبه ذلك، كل هذا من المنكر.
أما الخصلة الخامسة: الإعراض عن الجاهلين، حتى يعلموهم ويبينوا لهم الحق. قال الله تعالى ( خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ ) ما دام أنهم جاهلون، فأعرضوا عنهم، حتى يتبين لهم الحق، حتى يتبين لهم أنهم على الحق علموهم، فإذا علمتموهم بعد ذلك فألزموهم، بينوا لهم، ثم الإنكار والعقوبة بعد البيان، وإقامة العذر بينهم ومنهم.
الجهلة الذين يصدر منهم بعض الكلمات، التي تدل على قساوة، وتدل على جفاء، وعلى إعراض، أو نحو ذلك، فهذه الكلمات تدل على أنهم جهلة.
مشهور قصة ذلك الأعرابي -عيينة بن حصن- دخل على عمر -رضي الله عنه- وكان في عهد النبي -صلى الله عليه وسلم- من قادة العرب وأشرافهم، وكان يتألفهم، ويعطيهم من المال يتألفهم، فلما قوي الإسلام في عهد عمر، جعلهم كأفراد الناس.
فجاء ودخل على عمر -رضي الله عنه- وهو خليفة المسلمين، فقال كلمة نابية بقوله: " هِيْ يا ابن الخطاب، فوالله ما تعطينا الجزل، ولا تحكم فينا بالعدل، فعمر -رضي الله عنه- أغضبته هذه الكلمة، وكان عنده الحر بن قيس، وهو ابن أخي عيينة، فقال: يا أمير المؤمنين إن الله قال لنبيه -صلى الله عليه وسلم ( خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ ) وإن هذا من الجاهلين" قال: فولله، ما جاوزها عمر، وكان وقافًا عند كتابه تعالى.
واليكم الاتي من الأسئلة والأجوبة، والله أعلم.
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد.

س: وهذا يقول: فضيلة الشيخ توجد في بلادنا كثير من الأحزاب، ومعلوم الخلاف بينهم، وما هم عليه من التفرق. فهل لا بد لي من الانضمام إلى أحد تلك الأحزاب؟ أو أن أعتزلها جميعًا، وأحاول أن أنهج منهج النبي -صلى الله عليه وسلم- والصحابة ؟
ج: حاول -أنت ومن معك- على أن تزيلوا ما بينهم من الخلاف، وتنظروا في مناهجهم وأعمالهم، فالحزب الذي مثلًا: يزين التوسل بالقبور، والصلاة في المقابر، ونحو ذلك، هذا اجتنبوه. الحزب الذي يدعو مثلا إلى التوراة، وإلى الخروج على المسلمين وتكفيرهم، كما تفعل الخوارج، اجتنبوه أيضا. الحزب الذي يكون من عقيدته ما يعتقده المبتدعة، كإنكار صفات الله تعالى، وصفات الكمال، ووصفه بصفات النقائص ونحوها، اجتنبوه. الحزب الذي ينكر شيئًا من تعاليم الإسلام، إما -مثلًا- ينكر الاجتماع على الحق، ينكر الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، أو يقول بخلق القرآن ، أو ينكر صفة الكلام لله، اجتنبوه إذا لم يرجع. وهكذا بقية بقية الأحزاب الذين عندهم منكر. فإن كانوا كلهم موحدين، وكلهم يعتقدون إثبات صفات الكمال لله، وكلهم مؤمنين باليوم الآخر، وبما يكون فيه، وكلهم ينكرون عبادة الأموات، ودعائهم من دون الله، وكلهم ينكرون على من يقول بخلق القرآن ، أو يقول مثلًا بأن الإيمان مجرد التصديق، أو ما أشبه ذلك، فما بقي بينهم إلا الاختلاف في التسمية، فاحرصوا على أن تجمعوا بينهم، حتى يصيروا جماعة واحدة، ويزول ما بينهم من الخلاف، وأما إذا رأيت أنهم متمسكون بمذاهب باطلة، فالزم الحق، واعمل به، ولو كنت وحدك.

س: وهذا يقول: فضيلة الشيخ هل تنصحنا -حفظك الله- بمناطحة الرافضة، ومجادلتهم، أو تركهم وعدم الالتفات إليهم؟ وجزاكم الله خيرًا.
ج: أما كبارهم والمسنون منهم، فالعادة أنهم متمسكون بمذهبهم، ويصعب ردهم، وأما شبابهم، الذين درسوا في المدارس الحكومية، واختلطوا بالمدرسين، واختلطوا بزملاء من أهل السنة، فهؤلاء يمكن أن يتقبلوا. فلا بأس بعرض الحق عليهم وبيانه، فإن قبلوا وإلا قامت عليهم الحجة. ولو أظهروا القبول ظاهرًا، نكل أمرهم إلى الله، وإن كنا نعتقد أنهم( يَقُولُونَ بِأَفْواهِهِمْ مَا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ ).
نفعنا الله بعلمكم وأثابكم. وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
<<<<< يتبع
متفائلة2
متفائلة2
س: وهذا يقول: ما رأيكم -أدام الله فضلكم- في من يقول: إن الرافضة أكثر وأبلغ شرا وبغضا من اليهود والنصارى؟.
ج: يمكن أن يكون هذا صحيحا، قد قال هذا المتقدمون، فابن القيم يقول في النونية:
إن الروافض شر من وطِئ الحصى
مـن كـل إنسٍ نـاطق أو جـان

ويدل على ذلك أفعالهم، وقد طبع كتاب يوجد مطبوعا في المكتبات، وفيه المقاربة بين اليهود والرافضة، أن الرافضة قالوا: كذا... واليهود سبقوهم، وأن الرافضة قالوا: كذا. .. واليهود سبقوهم، وأن الرافضة واليهود اجتمعوا على مقالة كذا وكذا.
ثم بتتبع التاريخ يُعلم أن كل نكبة حصلت على الإسلام والمسلمين فسببها الرافضة، فمن ذلك: القضاء على الخلافة في العراق، وقتل الخليفة المستعصم الخليفة العباسي، سببها أن الرافضة تمكنوا وكثروا في العراق وبالأخص في بغداد، وكان وزير الخليفة يقال له: ابن العلقمي، رافضي خبيث، كان يحب أن تنتقل الخلافة من آل العباس إلى آل عليّ، فهو الذي مكن لهولاكو رئيس التتار إلى أن استخدع الخليفة وخرج إليهم، فلما خرج إليهم الخليفة قبضوا عليه وجعلوه في كيس وداسوه بالأرجل إلى أن مات، ثم بعد ذلك دخلوا بغداد، وماذا حصل ؟ قتل فيها مئات الألوف أو ألوف الألوف، وسفكت فيها الدماء إلى أن كادوا أن لا يبقوا على أحد، هذه المصيبة كلها بواسطة هذا الخبيث الذي هو ابن العلقمي، وغيره، وغيره.

السلام عليكم ورحمة الله. بسم الله الرحمن الرحيم.
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه.
فى هذه الأمسية المباركة -إن شاء الله- نأتى على ختام هذه الرسالة...، كان آخر ما قرأنا في الوصايا التي ختم بها: الأمر بالإعراض عن الجاهلين، وقلنا: إن المراد بالإعراض عنهم: عدم عتابهم، وعدم الأخذ عليهم ما داموا جاهلين.
ولكن لا بد أن نعلمهم حتى يزول الجهل، لا نتركهم على جهلهم، ولا نعرض عنهم دائما ، بل نبدأ بتعليمهم ونوجههم بالتعليم، ولكن إذا أصروا وعاندوا ولم يقبلوا فإن الإعراض عنهم أولى حتى يشعروا من أنفسهم بالنقص، قال الله تعالى في صفة أوليائه
:( وَإِذَا سَمِعُوا اللَّغْوَ أَعْرَضُوا عَنْهُ وَقَالُوا لَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ لَا نَبْتَغِي الْجَاهِلِينَ ) هكذا حكى الله عن بعض أوليائه، اللغو الذي يسمعونه: هو الكلام الباطل أو الكلام السيئ الذي لا أهمية له، من رفع أصوات، ولفظ، ونحو ذلك.
فأولياء الله الصالحون إذا سمعوا هؤلاء اللاغين أعرضوا عنهم، ثم نصحوهم وقالوا
( لَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ ) أي: نحن بريئون منكم ومن أعمالكم الذي منها هذا اللغو( لَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ لَا نَبْتَغِي الْجَاهِلِينَ . ) وهذا دليل على أن أولئك الذين يخوضون في اللغو جاهلون، وكذلك أمر الله تعالى نبيه -صلى الله عليه وسلم- ثم أمر المؤمنين بالإعراض عن مجالس اللهو، ومجالس الباطل، ومجالس الاستهزاء والسخرية وما أشبهها، فأنزل عليه -صلى الله عليه وسلم ( وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آيَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ ) يعنى: إذا لم تستطع أن تردهم وترشدهم وتهديهم إلى الصراط السوي وتدلهم عليه وتصرف عن هذا الخوض في آيات الله واستهزائهم بها فاجتنبهم، ولا تجلس معهم ( حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ ).
ثم كانت هذه الآية الذي نزلت بمكة خطابا للنبي -صلى الله عليه وسلم- وكان الخطاب -بلا شك- يعم جميع المؤمنين، فكأن المؤمنين لم يعملوا بها أو بعضهم، فعاتبهم الله في سورة مدنية فقال تعالى ( وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلَا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذًا مِثْلُهُمْ إِنَّ اللَّهَ جَامِعُ الْمُنَافِقِينَ وَالْكَافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعًا فعاقبهم أشد من العقاب الأول بقوله: إِنَّكُمْ إِذًا مِثْلُهُمْ ).
يعني: إذا جلستم معهم وهم يخوضون في آيات الله فإنكم تكونون شركاء لهم في هذا الإثم، فهذه الآية عامة، فإذا جلست مع أناس في مجلس ورأيتهم يستهزئون ويسخرون بالمتطوعين وبالملتزمين وبأهل الدين، أو يسخرون ببعض شعائر الإسلام ويلوكون بها ألسنتهم، ويتنقصون بعض الشعائر وبعض أهل الخير، ويعيبونهم بكذا وكذا:
يعيبون أهل الدين من جهلهم بهـم
كما عابت الكفار من جاء مـن مضر
يقولـون: رجـعيون لمـا تمسكوا
بنـص مـن الوحـيين جـاء به أثر

فهؤلاء إن قدرت على أنك ترد عليهم، وتبطل ما يقولونه، وتقنعهم أنهم على شر وأن عملهم عمل سيئ، فإنك تفعل، أما إذا لم تقدر على ذلك فقم عنهم وقل: إني برئ منكم ( لِي عَمَلِي وَلَكُمْ عَمَلُكُمْ أَنْتُمْ بَرِيئُونَ مِمَّا أَعْمَلُ وَأَنَا بَرِيءٌ مِمَّا تَعْمَلُونَ . ) فقم عنهم واترك مجالسهم حتى تسلم من الإثم، حتى لا تعمك هذه الآية ( إِنَّكُمْ إِذًا مِثْلُهُمْ إِنَّ اللَّهَ جَامِعُ الْمُنَافِقِينَ وَالْكَافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعًا ).
فالحاصل أن الله تعالى أمر بالإعراض عن الجاهلين حتى يعلموهم، أعرضوا عنهم حتى يتعلموا وحتى يتبين لهم الحق، فإذا أثروا على جهلهم وعنادهم فيجب الإنكار عليهم، والعقوبة بعد البيان، يجب أن يعاقبوا ؛ وذلك أنهم بعد البيان إذا أصروا على التجاهل فهؤلاء ليسوا جهلة ولكنهم مارقين.
الجهل قسموه إلى أربعة أقسام، أو الناس من حيث العموم أربعة أقسام:
عالم ويدري أنه عالم، ذكروا ذلك عن الخليل بن أحمد أنه كان مرة يقطع أبياتا من الشعر فاستهجنه ابنه، فقال لتلامذته: إن أبي أصابه هوس أو جنون فدخلوا عليه فذكروا ذلك له، فقال الناس أربعة: عالم ويدري أنه عالم، فهذا كامل فسودوه.
والثاني: عالم لا يدري أنه عالم فهذا عاقل فنبهوه.
والثالث: جاهل ويدري أنه جاهل فهذا مسترشد أرشدوه. والرابع: جاهل ولا يدري أنه جاهل فهذا مائق فاتركوه.
وهو شرهم، ويسمى الجاهل المركب، الذي يكون جاهلا ويدعي أنه عالم.
يقول بعضهم في وصفه:
لما جهلتَ جهلتَ أنك جاهل
جهل، وجهل الجهل داء معضل

ويقول الآخر:
ومن أعجب الأشياء أنك لا تدري
وأنـك لا تـدري بـأنك لا تدري


تعتقد أنك عالم وأنت في الحقيقة جاهل، وإنك بين الجاهلين تقلب، فالحاصل: أن نعرض عن الجاهلين حتى يتعلموا، وحتى يبين لهم الحق، فإذا تعلموا وبين لهم الحق، ففي ذلك الوقت لا نتركهم بل ننكر عليهم ونعاقبهم ونقيم العذر بينهم، ونأخذ الحق منهم.
أما ما داموا جاهلين فإننا نرشدهم ونعلمهم. خاتمة الرسالة يقول المؤلف فيها: " هذا أصل الدين والمذهب ".
يعني: جميع ما تقدم في هذه الرسالة جعله أصلا ، وأنت تعرف أن الأصل هو الأساس ؛ لأنه هو الذي يبنى عليه غيره، والأصل ما بني عليه غيره، كأساس هذا الحائط، وأساس هذا العمود، فإنه إذا تأصل وثُبّت تحمّل لما يبنى عليه، وأما إذا كان على شفا جرف هار فإنه يسقط
( أَفَمَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى تَقْوَى مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٍ خَيْرٌ أَمْ مَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى شَفَا جُرُفٍ هَارٍ ).
الجرف: هو ما يحفره السيل، فإذا كان الإنسان مثلا بنى جداره قريبا من مجرى السيل وجعله على وجه الأرض، يجيء السيل فيحفر حتى يحفر عن الجدار، ويحمل التراب الذي تحته لا يبقى الجدار متعلقا يسقط هذا معنى ( أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى شَفَا جُرُفٍ هَارٍ فَانْهَارَ بِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ )وهو مثال.
فيقول: إن هذه القواعد وهذه العقائد هي أصل الدين، يعني أساسه، ولا شك أن الأصل له فروع، فإذا ثبت الأصل واستقر فإن الفروع التي بعده تكون تابعة له، تكون مكملة له، ولا شك أن من حافظ على الأصول وحرص على الفروع. ... فمن عرف الله تعالى حق المعرفة وآمن بقدرته ، وآمن بعلمه، وآمن بسمعه وبصره وآمن بعذابه وثوابه، وآمن بمنعه وعطائه، وكذلك تحقق بأنه قادر على أن يبطش بالعاصي وأن ينزل به عقوبة، وكذلك أيضا تحقيق بأنه بكل شيء عليم، وعلى كل شيء قدير وآمن بالبعث بعد الموت، وبما يكون فيه، ماذا تكون حاله هذا المؤمن ؟ لا شك أنه يبعث خوارجه إلى الطاعات. هذا معنى كونه على أصل وعلى أساس، تنبعث جوارحه، يبادر إلى الصلوات، ويكثر من نوافل العبادات، ويكثر من ذكر الله تعالى في كل الحالات، ويؤدي الصدقات والزكوات وما أشبهها، ويكثر من صيام التطوعات وما أشبهها، ويحج ويعتمر، ويذكر الله ويدعوه، ويتصدق ويدعو إلى الله تعالى، ويتعلم ما ينفعه ويتدبر كتاب الله، لماذا ؟ ؛ لأن هذا الإيمان والأصل الذي امتلأ به قلبه دفعه إلى هذه الأعمال كلها. وكذلك أيضا لا بد أنه يبتعد عن الآثام وأنواع الإجرام، إذا علم وتحقق أن ربه شديد العقاب، وأنه سريع الحساب، وأنه عزيز ذو انتقام، وأنه يغضب على من عصاه، وينتقم منه، حرص على أن يبتعد عن المعاصي.
إذن فالأصل الأصيل هو العقيدة، إذا ثبتت هذه العقيدة فالفروع التي تتنوع عنها تابعة لها مستلزمة لها.
وأما المراد بالمذهب: فالمراد به ما قال به إمام مجتهد، ومات وهو عليه يسمى مذهبا له، ولكن معروف أن أئمة أهل السنة كلهم متـفـقون على العقيدة، ليس بينهم اختلاف في العقيدة، فمذهبهم في العقيدة واحدة، وقد أشرنا إلى ذلك فيما تقدم. " اعتقاد أئمة أهل الحديث ".
يعني: هذا الأصل وهذا المذهب هو معتقد أئمة الحديث، وخص أهل الحديث ؛ لأنهم أولى بالاتباع ، اشتغالهم بالحديث وتكرارهم له وحفظهم وكتابته وانتساخه وسفرهم في طلبه، وحرصهم على جمعه وتبويبه وترتيبه وتنسيقه، وكذلك شروحه وشروح غريبه، وصحيحه من سقيمه ونحو ذلك. هذا الاجتهاد الذي بذلوه في الحديث مكنهم من أن يعتقدوا الاعتقاد الصحيح، فغيرهم ليس مثلهم.
إذا نظرنا في هؤلاء المبتدعة الذين خالفوا في هذه العقيدة وجدنا سبب ذلك عدم اشتغالهم بالحديث، وإذا اشتغلوا به فإنما هو اشتغال مبدئي، مجرد نظر ومجرد سماع دون أن يكون ذلك شغلهم الشاغل.
فأئمة الحديث كالبخاري ومسلم والإمام أحمد وأبي داود والترمزي والنسائي وابن ماجه والدارمي والإمام مالك، ومن قبلهم كشعبة بن الحجاج وسفيان الثوري وسفيان ابن عيينة والليث بن سعد وحماد بن زيد وحماد بن سلمة وعبد الرزاق بن همام ومحمد بن رافع وأشباههم.
هؤلاء جعلوا الحديث شغلهم الشاغل، وصاروا يشتغلون به ليلهم ونهارهم، لا يفترون ولا يملون، يسافرون لأجل أن يتلقوا الأحاديث، ويحرصون على أن يأخذوها عن كبار الأسنان، ويكتبونها ويجمعونها، يألفونها إذن صارت شغلهم. فتقولون: إنهم بذلك أهل أن يكونوا أهل السنة، وأن يكونوا هم الفرقة الناجية، وأن يكونوا على الطريقة المستقيمة، وأن يكونوا على مثل ما عليه السلف والأئمة، والصحابة والتابعون .
" لم تشنهم بدعة، ولم تلبسهم فتنة
". لماذا ؟
البدع غالبا ليست في أهل الحديث، إذا نظرنا في أولئك المبتدعة وجدناهم بعيدون عن الحديث، فمثلا بدعة التكفير التي هي بدعة الخوارج الذين يكفرون...، هؤلاء لا يعترفون بالأحاديث، إنما يعكفون على القرآن ، ومعلوم أن القرآن فيه مجملات، وهذه المجملات تحتاج إلى البيان من النبي -صلى الله عليه وسلم- ؛ لأن الله كلفه بذلك بقوله ( لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ ).
فلما اقتصروا على القرآن وأخذوا بمجمله، وأخذوا بروافضه كفروا بالذنوب، واستباحوا الخروج على المسلمين، وقتلوا الأبرياء، لو كانوا من أهل الحديث لسمعوا حرمة قتل المسلم، والتبديع في ذلك: لا يحل دم امرئ مسلم يشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله إلا بإحدى ثلاث لا ترجعوا بعدي كفارا يضرب بعضكم رقاب بعض إذا التقى المسلمان بسيفيهما فالقاتل والمقتول في النار إن دماءكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام ما سمعوا بهذه، وإذا سمعوا بها فإنهم لم يقبلوها.
كذلك أيضا بدعة القدرية الذين أنكروا علم الله تعالى، ما سمعوا بالأحاديث التي فيها علم الله السابق، مثل حديث: أول ما خلق الله القلم وما أشبهه من الأحاديث، لم يؤموا بذلك: ما منكم من أحد من نفس منفوسةٍ إلا قد علم مقعده من الجنة والنار .
وكذلك الإيمان بقدرة الله تعالى، ما قبلوا ذلك، ولم يشتغلوا به، وكذلك أيضا بدعة المعتزلة الذين أنكروا صفات الله تعالى وسموا ذلك توحيدا، لو أنهم تأملوا في الأحاديث كأحاديث النزول، وأحاديث الرؤية، وأحاديث صفات الأفعال، وأحاديث صفات العلو، وأحاديث ذكر أن الله تعالى في السماء وما أشبه ذلك، لو كانوا يشتغلون بالأحاديث لتقبلوها، كذلك أيضا يقال في الرافضة: إنهم لم يشتغلوا بالأحاديث، تسلطوا على الآيات التي فيها فضل الصحابة، وانشغلوا بها عن الأحاديث، وأعرضوا عن السنة.
إلا فلو تأملوا الأحاديث التي في فضل الشيخين أبي بكر وعمر، وكذلك في فضل عثمان وعلي وطلحة والزبير وما أشبههم، لو تأملوا فيها لما صدوا عنها، ولعرفوا أنها حق يقين، أنها تدل على فضلهم ومزيتهم، ولكن لما لم يشتغلوا بها بقوا على جهلهم، واعتقدوا ما اعتقدوه.
ولو أن متأخيرهم اشتغلوا بها...! ولكن بعد ما وقرت تلك البدعة في قلوبهم. ..، ويقال كذلك في بقية البدع: إن من شانته البدعة ومن لبسته الفتنة فإنه ليس من أهل السنة، وليس من المتمسكين بما كانوا عليه.
البدعة لا شك أنها تشين أهلها والفتنة التي تلبسهم وتعمهم لا شك أنها أيضا تحرفهم وتصرفهم وتصدهم عن الهدى.
يقول: " ولم يخُفّوا إلى مكروه في دين ".
يعني: ما فعلوا المكروه يقال: خفّ فلان إلى الذنب مثلا ، خف فلان إلى الغيبة، وخف فلان إلى النميمة، يعني: أسرع إليها كما يقال: خف إلى سماع الغناء، وخف إلى سماع اللغو والباطل، وخف إلى فعل الفواحش، وخف إلى النظر في المنكرات. فهؤلاء الذين وصفهم ما خفوا إلى المكروهات، بل حجزوا أنفسهم، ولو كانت تلك المكروهات فيها شيء من الدوافع النفسية، ولو كانت تشتهيها الأنفس وتتلذذ بها الأعين.
معلوم أن الله تعالى حف النار بالشهوات، يقول في الحديث: حفت الجنة بالمكاره وحفت النار بالشهوات .
فالذي يندفع من شهوته تدعوه تلك الشهوة إلى أن يكون من أهل النار، الذي يندفع مع شهوته مثلا الزنا المحرم، شهوته الغناء الذي يلتذ به، شهوته النظر إلى الأفلام والصور الفاتنة، شهوته النظر إلى النساء المتبرجات، شهوته الكبر، شهوته الإعجاب، شهوته البطش، شهوته الغطش، شهوته أكل الأموال بغير حق، شهوته السلب والنهب والقتل والاستطالة على الناس، وما أشبه ذلك. إذا عرف أن هذه الشهوات تدفعه إلى مكروه وإلى ما لا يحبه الله تعالى فإنه لا يخُفّ إليها، لا يخف إلى المكروه في الدين، بل يحجز نفسه ويملكها، ويمسك بزمامها ويصرفها إلى الحق والخير، ولو كان الخير ثقيلا على النفس، معلوم أن الطاعات تكون ثقيلة على كثير من النفوس، وإن كانت خفيفة على أهل الخير، فقد ذكر الله تعالى: أن الصلاة ثقيلة في قوله تعالى: واستعينوا بالصبر والصلاة وإنها لكبيرة إلا على الخاشعين يعني: ثقيلة إلا على الخاشعين. بعد ذلك يوصيكم بقوله: " فتمسكوا معتصمين بحبل الله جميعا ولا تفرقوا عنه ".
كأنه يأخذ ذلك من الآية الكريمة في سورة آل عمران ( وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا ) إلى قوله( وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ )التمسك: هو الإمساك القوي بالشيء الذي يكون سببا في نجاته. والحبل في الأصل: هو الخيط الذي يدْلَى به الدلو، يفتل من ليف أو نحوه، يدلَّى في الآبار ويغترف به الماء ونحوه، وقد يكون هذا الحبل سببا في الخروج من الأزمات ومن المهالك ومن الحفر والدركات النازلة ونحو ذلك، فشبه الله تعالى القرآن والسنة والدين بالحبل الذي دلي من السماء. روي في بعض الأحاديث: أن رجلا قال: يا رسول الله، إني رأيت حبلا دلي من السماء فصعدتَ فيه أنت حتى علوت، ثم صعد به رجل بعدك حتى ارتفع عليه، ثم صعد به رجل ثالث فارتفع، ثم صعد به آخر فانقطع، ثم إنه عُقد فصعد به حتى ارتفع فأولوا ذلك بالخلفاء الثلاثة بعده، وأنه في عهد عثمان قطع عليه، حيث إنه عاقه هؤلاء الذين عاقوه وعابوه. فجعل الحبل حبلا واضحا حسيا ، وفي الحقيقة أنه حبل معنوي بمعنى أنه وسيلة إلى الصعود، كأنما دلي حبل من السماء، وأن الذي تمسك به يصعد به، يجر إلى أن يصعد إلى الدرجات العالية. فلذلك قال: تمسكوا به. ( وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا ) فيأمرنا بالتمسك يعني إمساكه باليدين بقوة والاجتماع على هذا الحبل وعدم التفرق، معتصمين بحبل الله جميعا ولا تفرقوا.
ثم بعد ذلك يقول: " واعلموا أن الله تعالى أوجب محبته ومغفرته لمتبعي رسوله -صلى الله عليه وسلم- في كتابه ".
يعني: أوجب لهم محبته، وأوجب لهم مغفرته، يعني إذا اتبعوا رسوله فإنه يحبهم ويغفر لهم، كما ذكر في الآية الآتية.
" وجعلهم الفرقة الناجية والجماعة المتبعة ".
يعني: الذين اتبعوا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- هم الفرقة الناجية، وهم الجماعة المتبعة ، الفرقة الناجية من ثلاث وسبعين فرقة، يقول في وصفهم: من كان على مثل ما أنا عليه اليوم وأصحابي وأتباعي . أصحابه: يعني اتباعه وصحابته فمن كان على مثل ما هو عليه فإنه من الفرقة الناجية، وكذلك الجماعة المتبعة ، قد ثبت في بعض الروايات أنه قال: كلهم في النار إلا واحدة وهي الجماعة . وفسروا الجماعة: بأنهم المجتمعون على الحق، المجتمعون على الخير، وهؤلاء حقا هم جماعة الإسلام وجماعة المسلمين، وقد سبق أن أشرنا إلى الأدلة على ذلك.
" فقال -عز وجل- لمن ادعى أنه يحب الله -عز وجل-: قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ ".
خطاب لمن ادعى أنه يحب الله وليس بصادق. ذكروا أن هذه الآية نزلت ردا على اليهود والنصارى الذين يدعون أنهم أحباب الله، حكى الله تعالى ذلك في سورة المائدة، قال تعالى ( وَقَالَتِ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى نَحْنُ أَبْنَاءُ اللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ ) يعني: الذين نحبه ويحبنا، ( نَحْنُ أَبْنَاءُ اللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ ).
فلما ادعوا هذه الدعوة كان ولا بد من تضليلهم، أو من امتحانهم، فامتحنوا بهذه الآية في سورة آل عمران، وهذه الآية تسمى آية المحنة، هذا هو الصحيح، بعضهم يسميها آية المحبة، والصواب أنها آية المحنة، يعني: أن الله تعالى امتحن بها من ادعى أنه يحبه، فأخبره وجعل لمحبته علامة فقال ( قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ . ) إذا كنتم صادقين في أنكم تحبون الله فإن لمحبة الله تعالى علامة، وهي اتباع رسله وخاتمهم محمد -صلى الله عليه وسلم- ، فحقِّقوا الاتباع حتى تكونوا صادقين في هذا الادعاء. أما مجرد الدعوة أنكم تحبون الله، ومع ذلك لا تتبعون رسله ولا تطيعونهم فإن هذه دعوى، والدعاوى أن لم يقيموا عليها بينات أربابها أدعياء.
فلا بد أن تقيموا عليها البينة، هذه البينة جعلها الله تعالى اتباع رسوله -صلى الله عليه وسلم.
والاتباع ليس هو مجر القول، فإن كثيرا من الناس يقولون: نحن نحب الله، ونحن نحب الرسول
. ثم نقول لهم: لماذا لا تتبعونه ؟ فيقولون: نحن متبعون له، نحن مطيعون له، فيقال: قد نـقصتم في الا تباع وقد قصرتم فيه، وقد فاتكم كذا وكذا، وارتكبتم كذا وكذا، ليس هذا هو - حقا- الاتباع الواجب .
الا تباع الواجب هو أن تـتمسكوا بسنـته، وأن تطيعوه في كل جليل ودقيق حتى تكونوا صادقين في أنكم من اتباعه .
قد رتب الله على اتباعه الهدى، قال الله تعالى ( وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ ) .
فإذا رأيت مثلا الذي يسمع قول النبي -صلى الله عليه وسلم-: اعفوا اللحى ومع ذلك يحلقها فقل له: أين الاتباع ؟ لم تكن من المتبعين حقا. إذا رأيت الذي يطيل اللباس ويجر لباسه خيلاء فقل له: ألم يقل النبي -صلى الله عليه وسلم-: لا ينظر الله إلى من جر ثوبه خيلاء ؟
أين الاتباع ؟ أين الموافقة أين الطاعة ؟ وهكذا إذا رأيت الذي يتكبر ويفتخر بأعماله أو يفتخر بجاهه وبمنصبه قل له: ألست تسمع قول النبي -صلى الله عليه وسلم-: لا يدخل الجنة من في قلبه مثقال ذرة من كبر ؟ أين الطاعة ؟ أين الاتباع ؟ إذن لست حقا من المتبعين له، الأمثلة كثيرة.

نقول كذلك في جميع المعاصي، الذين يعصون الرسول -صلى الله عليه وسلم- ، وكذلك أيضا في جميع ترك الطاعات، الذين يتركون الطاعات، وهم مع ذلك يقولون: نحن نتبع الرسول، ونحن من أمة محمد، ونحن من أهل شريعته، فنقول: لم تحققوا هذا الانتساب والانتماء، ولم تحققوا ما ادعيتم من أنكم تحبون الله ورسوله.
ذكر بعض السلف أنه قال: من ادعى محبة الله ولم يوافقه فدعواه باطلة. متى تكون دعواه صحيحة ؟ إذا وافق أوامر الله وأوامر رسوله وسئل بعضهم. .. سئل ذو النون المصري -من التابعين - فقيل له: متى أحب ربي ؟ فقال: إذا كان ما يبغضه أمرّ عندك من الصبر. الصبر هو هذا المر، مر المذاق، يعني: إذا كانت المعاصي أمرّ عندك من الصبر، ولو كانت مثلا تشتهيها النفوس وتندفع إليها، ولكنك تكرهها ؛ لأن الله تعالى حرمها.
ومعلوم أن الإنسان إذا كانت المعاصي عنده كريهة كانت الطاعات عنده لذيذة وسهلة ومحبوبة يحبها ؛ لأن ربه تعالى أمر بها ؛ ولأنه حببها إلى عباده، الله تعالى حبب إلى عباده الطاعات، وكره إليهم الكفر، كما في قول الله تعالى: ( وَاعْلَمُوا أَنَّ فِيكُمْ رَسُولَ اللَّهِ لَوْ يُطِيعُكُمْ فِي كَثِيرٍ مِنَ الْأَمْرِ لَعَنِتُّمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ ) .
حببه إليهم فصار لذيذا عندهم، ولو كانت ثقيلة تلك العبادات، وقد ثبت أن النبي -صلى الله عليه وسلم- جعل لمحبة الله تعالى علامة، وهي مأخوذة من هذه الآية ( قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ ) .
في الحديث الصحيح يقول: ثلاث من كن فيه وجد بهن حلاوة الإيمان: من كان الله ورسوله أحب إليه مما سواهما، وأن يحب المرء لا يحبه إلا لله، وأن يكره أن يعود في الكفر بعد إذ أنقذه الله منه كما يكره أن يقذف في النار .
فجعل هذه الثلاث علامات على صدق المحبة وعلى صدق الإيمان، وعلى حلاوته، من كن فيه وجد حلاوة الإيمان، أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما .
ومعناه: أنه إذا أحب الله ورسوله فلا بد أن يطيعه ولا بد أن يمتـثل أوامره، فإذا لم يفعل فدعواه كاذبة ؛ ولذلك يقول بعضهم:
تعصي الإله وأنت تزعـم حبـه
هـذا عجيـب في الفعال بديـع
لو كان حبـك صادقـا لأطعتـه
إن المحـب لمـن يحـب مطيع
فالمحبة الصادقة تستلزم طاعة المحبوب وموافقته واتباع ما أتى عنه، هذا -حقا- هو علامة محبة الله، علامة من يحب الله تعالى ويحب رسوله، جعل الله تعالى لاتباع الرسول فائدتين في هذه الآية ( فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ ) ثم قال بعدها ( قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْكَافِرِينَ ) .
فائدتان عظيمتان لمحبة الله تعالى ولمحبة رسوله. هاتان الفائدتان لا يقدر قدرهما إلا الله، الأولى ( يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ ) والثانية ( وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ ) ما أعظمها من فائدة!. كل منا يود أن الله تعالى يحبه، ويود أن الله يغفر له، فما أسهل سبب ذلك! السبب الذي تحصل به على محبة الله تعالى وعلى محبة رسوله يسير، هو في هذه الآية ( فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ ) .
لا شك أن من أحبه الله تعالى فإنه يوفقه لكل خير ويسدد خطاه ويرشده ويثبته، فلا يميل إلى معصية، ولا يفعل ذنبا ، ولا يخل بطاعة، بل تكون أفعاله كلها من الطاعات.
وقد استُدل على ذلك بالحديث القدسي الذي صحح البخاري، وهو قوله -صلى الله عليه وسلم- حكاية عن الله: إن الله قال: من عادى لي وليا فقد آذنته بالحرب، وما تقرب إلي عبدي بشىء أحب إلى مما افترضت عليه، ولا يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ويده التي يبطش بها، ورجله التي يمشي بها في بعض الروايات: فبي يسمع، وبي يبصر، وبي يبطش، وبي يمشي، ولئن سألني لأعطينه، ولئن استعاذني لأعيذنه، وما ترددت عن شيء أنا فاعله كترددي عن قبض نفس عبدي المؤمن، يكره الموت وأكره مساءلته، ولا بد له منه .
فالشاهد أن الله جعل في هذا الحديث التقرب بالنوافل بعد الفرائض سبب لمحبة الله تعالى للعبد، يعني: ما بينك وبين أن تكون من أحباب الله إلا أن تتقرب إليه بالنوافل بعد الفرائض.
المحافظة أولا على الفرائض، يعني على ما فرضه الله تعالى من العبادات كالصلوات والصدقات والزكوات والصوم والحج وما أشبه ذلك، وكذلك التقرب إلى الله بترك المحرمات كلها، والابتعاد عنها، هذا هو الأول، وبعد ذلك تتقرب إلى الله تعالى بالنوافل، بترك المكروهات، وبفعل المستحبات التي رغب الله تعالى فيها وأحبها.
نوافل الصلوات كثيرة: صلاة الليل، وصلاة الضحى، والرواتب وما أشبهها، نوافل الأذكار التي تفعل في خارج الصلاة، الذكر والدعاء والتسبيح والتكبير والتحميد وما أشبه ذلك نوافل. ...
قراءة القرآن ، منها واجب كما في الصلاة، ومنها مسنون وهو القراءة خارج الصلاة. كذلك نوافل الصدقات، ونوافل الصيام، ونوافل الجهاد، ونوافل الحج، ونوافل القربات وما أشبه ذلك، كل هذه تسمى تطوعات، ولا يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه .
ذكر أنه إذا تقرب بهذه القربات فإن الله يحبه، ثم بعد أن يحبه تحصل له هذه الفائدة، وهو أن تكون حركاته كلها فيما يريده الله وفيما يحبه، فلا يتكلم إلا بطاعة، ولا يستمع إلا إلى خير، ولا يمشي إلا في حسنات وفعل طاعات ولا يعمل بيديه إلا بما يرضيه ربه سبحانه، ولا ينظر بعينيه إلا إلى شيء يفيده وينفعه، فيكون الله تعالى قد وفقه لما أنه أحبه.
ومعلوم أن محبة الله تعالى لها أيضا مكملات، فمحبة الله لا شك أنها واجبة ، وكذلك محبة رسوله -عليه الصلاة والسلام- وعلامتها: أن يبغض كل ما يشغله عن طاعة الله، ذكروا ذلك في تفسير الآية في سورة التوبة، قول الله تعالى ( قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا ) .
يعني: إذا أصبتم هذه الأصناف الثمانية وقدمتموها على محبة الله ومحبة رسوله ومحبة الجهاد في سبيله فتربصوا: انتظروا ما يحل بكم، فقد قدمتم ما ليس بمقدم، وقد فضلتم ما ليس بفاضل، وقد أحببتم عرض الدنيا، وقدمتموه على محبة الله تعالى ومحبة رسوله ومحبة ما يحبه الله تعالى.
فعُرف بذلك أن هذه الخصلة التي هي قوله ( يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ تعالى: أن فيها أجر كبير، وأن الذي تحصل له محبة الله يحصل له الخير الكثير.
ذكروا في الحديث الذي في قصة خيبر
لما قال -صلى الله عليه وسلم-: لأعطين الراية غدا رجلا يحب الله ورسوله، ويحبه الله ورسوله، يفتح الله على يديه حرص كل منهم على أن يكون هو الذي يأخذ الراية، كلهم يقولون: نحن نحب الله ورسوله، ولكن نريد الخصلة الثانية: هي أن الله يحبنا وأن رسوله يحبنا، من حصلت له هذه الخصلة فقد حصلت له الرتبة العالية ؛ ولذلك بات الناس يخافون... أيهم يعطاه ؟ يعني: يتمنى كل منهم، حتى قال عمر: ما تمنيت الإمارة إلا يومئذ. أراد بذلك أن يكون من الذين يحبهم الله ورسوله.
فعرفنا بذلك أن من أحبه الله تعالى ورسوله فقد أراد به خيرا، وأما الخصلة الثانية وهي المغفرة ( يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ ) فهي أيضا خصلة عظيمة، خصلة نافعة وما ذاك إلا أن الذي يحصل على مغفرة الله تعالى لذنبه يفوز بالدرجات العلى، أو بالأجر العظيم. وإذا قال قائل: أنا لست مذنبا فكيف تغفر ذنوبي ؟ نقول: كل بني آدم خطاء وخير الخطائين التوابون ليس أحد منا إلا وعليه ذنب أو ذنوب، ليس أحد يأتي يوم القيامة إلا وعليه ذنوب، وقد كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يعد من الذنوب الغفلة عن ذكر الله تعالى، فيبادر بعد ذلك إلى الاستغفار. يقول ابن عمر -رضي الله عنهما-: كنا نعد لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- في المجلس الواحد: ربى اغفر لي وتب علي، إنك أنت التواب الرحيم مائة مرة يقول: ربي اغفر لي والله تعالى قد غفر له، ( لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ ) ولكن يعد الغفلة ذنبا، فيقول في بعض الأحاديث: إنه ليران على قلبي وإني لأستغفر الله وأتوب إليه في اليوم أكثر من سبعين مرة .
ومعنى قوله: يران على قلبي يعني: يأتي لقلبي غفلة شيء من الغفلة عن ذكر الله تعالى، فجعل هذه الغفلة ذنبا فبادر بعدها إلى الاستغفار، فنحن أولى بالاستغفار، ونحن أولى بطلب المغفرة، وبالإتيان بأسبابها، فما أكثر غفلتنا ! وما أكثر سهونا ولهونا ! وما أكثر الخطايا التي نتحملها ! يتحمل الإنسان خطايا بلسانه وخطايا بعينيه وخطايا بسمعه وبصره وبيديه وبرجليه وبفرجه وبمأكله وبمشربه وبأعماله وغيرها.
فهذه الخطايا وهذه الذنوب تحتاج منه إلى طلب المغفرة إلى أن يتوب إلى الله تعالى وهو صادق في أن يغفر له وإلى أن يأتي بالأسباب التي تجعله من أهل المغفرة، ومن جملتها الاتباع ( فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ ) .
والغفر: أصله الستر والمحو، ستر الذنوب وإزالة آثارها، ومنه سمي المغفر الذي يلبس على الرأس في الحرب ؛ لأنه يستر الرأس؛ ولأنه يكون سببا في ستر الذنوب، أي ستر الرأس من السلاح ونحوه.
فالحاصل أنا إذا قرأنا هذه الآية عرفنا أهميتها، وعرفنا أن الإنسان عليه أن يحقق الاتباع للرسول -صلى الله عليه وسلم- حتى يكون من أهلها.
ننصحهم ونقول لهم: إنكم قد حملتم علما جمّا ، وقد حصلتم على خير كثير من هذه العلوم التي تلقيتموها في عشرين يوما أو نحوها، فهذه العلوم التي تحملتموها... كذلك أيضا تحملتم غيرها في سابق أعماركم وإيامكم قد أصبحت أمانة في أعناقكم، حملتم هذا العلم، فعليكم أن تبلغوه إذا رجعتم إلى البلاد التي تقيمون بها، سواء كانت تلك البلاد بحاجة إلى تلك العلوم، بحاجة ماسة أو ليست بحاجة، ولكن قد ثبت أنه -صلى الله عليه وسلم- حرص على البلاغ بقوله: ليبلغ الشاهد منكم الغائب .
وحث على أن يبلغ ما تحمله الإنسان وقال: نضَّر الله امرأ سمع منا حديثا فوعاه وبلغه كما وعاه أو كما في الحديث
.
فنوصيكم بأن تكونوا معلمين ومرشد ين لكل من اتصلتم به واجتمعتم به وعرفتم أنه بحاجة إلى شيء من الفائدة، أو شيء من العلوم، وليس ذلك خاصا بحالة دون حالة.
إذا ركبت مثلا سيارة وتكلمت بفائدة مما استفدته أو مما عرفته فأفدت الحاضرين معك كان ذلك من جملة البيان والتبليغ. إذا جلست في مجلس خاص أو مجلس عام فيه كبار أسنان أو صغارهم أو متوسطهم وابتدأت تحدثهم وتشرح لهم حديثا أو تفسر لهم آية مما قد تحقق معناه وعرفته معرفة جيدة وعرفت مدلوله كان في ذلك بيان وتبليغ لما تحملته ولما علمته.

إذا رأيت أحدا من السفهاء أو من الجهال يفعل منكرا عن جهل فأرشدته وبينت له وأقمت عليه الحجة وذكرت له الدليل ورجع إلى نصيحتك كنت على خير، وكان لك أجر في ذلك.
وهكذا فمذاكرة هذه العلوم وتكرارها وتردادها سبب في بقائها، وسبب أيضا في الا نـتـفاع بها، أما الذي يتعلم هذه المعلومات ثم بعد ذلك ينطلق إلى بلاده ويسكت عما تعلم ولا يكرر شيئا ولا يذكر شيئا من العلوم ولا يدعو إليها ولا يكررها فإنها سرعان ما تذهب من ذاكرته، ويذهب جهده بلا فائدة، جهدك الذي تعلمته وبذلته وأقمت في هذه المدة لتتعلم أو في غيرها سرعان ما يذهب وتنسى ما تعلمته إذا لم تردده ولم تـتذ كره.
وبكل حال فإن العلوم التي يتعلمها الإنسان أمانة في عنقه، عليه أن يعمل بها، وعليه أن يدعو إليها، وعليه أن يزيد في تعلمها وتذكرها؛ فإن ذلك سبب في التوسع، العلم وتعلمه سبب في توسيعه، كما ورد في بعض الآثار: أن من عمل بما علم أورثه الله علم ما لم يعلم، ويقول الشاعر في وصف العلم:
يـزيد بكثـرة الإنفاق منـه
وينقـص إن بـه كفّا شـددت
فاجتهدوا في البيان والتعليم للعلم الذي تحقـقـتموه. أما الشىء الذي أنـتم فيه على شك فلا تـنـشروه إلا بعد أن تــتـثـبـتـوا أنه صحيح، وأنه كما تعلمتم، فإن الإنسان قد يتوهم شيئا فيذكره وينقل عنه ويظهر أنه خطأ، أو فيه شيء من الخلل فيكون قد تكلم بغير علم.
نفعنا الله بعلمكم، وأثابكم، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى صحبه أجمعين.


وعذرا على الاطالة ... وتقبلوا اجمل تحية ايخاء ومودة في الله :26: وفائق الاحترام والتـقدير
وادعوالله لي ولكم الهداية والثبات على كل مايحبه ويرضاه
اللهم ارنا الحق حقا وارزقنا اتباعه وارنا الباطل باطلا وارزقنا اجتـنابه .
سبحانك اللهم وبحمد ك اشهد ان لا اله الا انت استـغـفرك واتوب اليك

وفي امان الله وحفظه
:26::26:
لحظةشروق
لحظةشروق
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

جزاك الله خيرا اختي متفائله

على الموضوع الثري والقيم

وأسأل الله ان ينفع به ويجعله حجة لك لا عليك

وأن يصلح حال امتنا ويكفينا شر الفتن ما ظهر منها وما بطن...

:26: