اليهود والجزبره العربيه

الملتقى العام

اليهود في الجزيرة العربية



كان المسلمون وما زالوا في تعاملهم مع اليهود يبتعدون عن إثارة النزعة العدائية وروح الكراهية ، معبّرين بذلك عن صدق نواياهم ومواقفهم السليمة تجاه اليهود . بينما نجد في المقابل أن اليهود كانوا يعبّرون عمّا يختلج في صدورهم من كيد وبغي وسفك دماء إزاء المسلمين وغيرهم وفي مختلف أدوار حياتهم القديمة والمعاصرة . كما أعلنوا جهاراً عن نظراتهم التوسعية ، يقول اليهودي اللندني (د. أوسكار ليفي) Oscarlevy :

« نحن معشر اليهود صنعنا الحرب العالمية ، نحن اليهود لسنا إلّا مضلّلي العالم وحارقيه وقاتليه ، وإنّ ثورتنا الأخيرة لم تقُمْ بعد . ونحن وضعنا اسطورة (الشعب المختار) »1 .

هذا في الوقت الذي يحاول فيه الإعلام الاستكباري إظهار اليهود في هذه الأيام . يمظهر الحمْل الوديع ، وكأنهم المسالمون الذين يوفون بالعهد ; ليخلط في ذلك الحقائق بالأوهام .

يتضمن البحث المطالب التالية :

1 ـ خصائص النفسية اليهودية .

2 ـ علاقة اليهود بالجزيرة العربية .

3 ـ الأوضاع الاقتصادية لليهود .

4 ـ التجمع اليهودي في عصر البعثة المحمّديّة .

1 ـ خصائص النفسية اليهوديّة :

ظهرت تسمية اليهود بعد السبي ، لأنّ كلمة (يهودي) تعني بالأصل أفراد قبيلة أو مملكة (يهودا) ، أُطلقت بعد ذلك على أيّ فرد من أفراد اليهود ، وشملت أخيراً كل أفراد اليهود في العالم2 .

ولفظة « يهود » مشتقة من (هادوا) ، أي : (تابوا ، والهود : التوبة ، هاد يهود هوداً ، أو تهوّد : أي تاب ورجع إلى الحق ، وفي القرآن الكريم : { إنّا هُدنا اِليكَ } أي : تبنا إليك ، وهاد وتهوّد : إذا صار يهودياً)3 .

وعلى أي حال ، فإنّ اليهود يدّعون أنّ نسبهم يرقى إلى النبيِّ إبراهيم الخليل (عليه السلام) ، الذي نزح من «أور» في بلاد (الكلدانيين) جنوبي العراق ، حوالي سنة 1800 (ق.م) ، وعبر نهر الفرات إلى أرض كنعان ، حيث قومُه ونسلُه من زوجه (سارة) ، وسمّوا فيما بعد بـ (العبرانيين) ، وهو مشتق ـ على الرأي الأرجح ـ من الجذر (عابَر) المعروف في كلّ اللغات الساميّة بمعنى «اجتاز من جهة إلى أخرى» ، ومنه اشتقاق العِبْر «بكسر العين وتسكين الباء» أي الضفة الأخرى4 .

ولكنّ الاستعمال الحديث لكلمة «عبري» أصبح يرتبط بالمقدّسات التراثية القديمة ، والجوانب الثقافية لليهود . فيقولون مثلا «اللغة العبريّة» و «الأدب العبريّ» و «الجامعة العبريّة» ... الخ5 .

ومما يجدر ذكره هنا : أن اليهود عرفوا خلال تاريخهم الطويل بأسماء أخرى منها (الإسرائيليون) نسبة إلى (إسرائيل) ، وهو لقب للنبيِّ يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم الخليل (عليه السلام) . وقد اختلفت الروايات في أصل كلمة «إسرائيل» ، وهو على الأصح اسم مركب من لفظتين ساميتين قديمتين هما (أسر) بمعنى القوة والغلبة و (ايل) أي الله ، فيكون معنى الكلمة « قوة الله »6 .

وقد اقترنت لفظة (اليهود) دائماً بذكر الجوانب السيئة في خُلُق «بني إسرائيل) نحو قوله تعالى : { وقالت اليهود يد الله مغلولة غلّت أيديهم ولُعنوا بما قالوا ... } 7 .

ويحمل اليهود في أعماقهم خصائص نفسية بالغة التعقيد ، وتنطوي على أخلاق غاية في العوج والالتواء ; ولذلك تموج صدورهم بحقد طافح على الناس جميعاً ، فيسعون في الأرض فساداً ، ولا يرون لأنفسهم راحةً أو سعادةً إلّا على أنقاض الآخرين ، ولا يستريحون إلا بالدّسِّ والكيد والتآمر والبغي ، والتخريب والانتقام .

ويكاد العقل ينكر ـ للوهلة الأولى ـ وجود سلسلة واحدة عبر الأزمنة والأمكنة ، تتأصّل في أجيالها جميعاً كلّ أخلاق السوء الى هذا الحدّ الرهيب ! ولا يصدق استمرار هذا السُّعار النفسي في الجيل بعد الجيل ، على امتداد أكثر من ثلاثة آلاف سنة ، ولكنّ هذا هو واقع اليهود وديدنهم ، بل هو دينهم الذي صنعوه لأنفسهم ، وأشربته قلوبهم على تعاقب القرون والأجيال . فالحقد اليهودي موجّه الى الناس جميعاً من قديم ، ولم تفلت منه أمّة قط ، وهذه حقيقة تأريخية معروفة ومؤكدة .

ويمكن القول : إن تعاليم «التلمود»* تُعدّ أوفق صورة لنفسية اليهود ، فهي ترجمة صريحة لهذه الشخصية الموغلة في الخبث والأحقاد . بل (التلمود) تجسيد مكتوب لأخبث ما في النفسية اليهودية من ضلال وكيد !

* التلمود : كتاب عقدي يفسّر ويبسّط كل معارف اليهود وتعاليمهم ، وينقسم الى جزأين رئيسين : 1 ـ المِشْناه ، وهو الأصل (المتن) ، ويعد أول لائحة قانونية وضعها اليهود لأنفسهم بعد التوراة ، جمعها (يهوذا هاناسي) فيما بين 190 و200م ، أي بعد قرن تقريباً من تدمير تيطس الروماني الهيكل . 2 ـ جِمارا ، شرح للمِشناه كتاب التلمود بكامله .

فقد وضعت تعاليم (التلمود) في عصور الشتات ، والقومُ سمّاعون للكذب وخاصة إذا صدر من أحبار السوء . أضف الى ذلك أنّ هذه التعاليم جاءت بعد انقطاع النبوّة من بني اسرائيل وتحويلها عنهم لمّا كفروا بآخر أنبيائهم ، وقالوا فيه وفي أُمّه بهتاناً عظيماً .

ومن هنا نفهم كيف امتزجت هذه التعاليم بالكيان اليهودي ، وسرت فيه مسرى الدماء في العروق ; ولذلك آمنت الجمهرة الكبرى من اليهود بهذه التعاليم الفاحشة ، وقدّستها وأطاعتها عن رضا ، وفضلتها على «التوراة» ، والتزمت بها فوق التزامها بسائر ما لديها من وصايا وأسفار8 . ولا تزال كذلك الى يومنا هذا ، وهي صاحبة الكلمة والسلطان على اليهود جميعاً ، ومن يعارض «التلمود» منهم ـ على قلته ـ تعدّه ضالا ، ولا تأثير له .

فالشخصية الصهيونية المتولّدة من تعاليم «التلمود» شخصية شيطانية بكل معنى الكلمة : منشأً ، ومنزعاً ، وفكراً ، وسلوكاً ، وإلحاداً ، وعناداً ، واحترافاً للتضليل والإفساد .

2 ـ علاقة اليهود بالجزيرة العربية :

انتشر اليهود ـ على إثر خراب «الهيكل» ـ في البلاد الواقعة بين آسيا الصغرى ومصر ، والبعض منهم كان موجوداً في هذه المناطق قبل خراب الهيكل أيضاً9 .

وقد توزعوا أواخر القرن الأوّل الميلادي في أرجاء شبه الجزيرة ، وفي اليمن والعراق والشام ومصر وتركيا ، ويبدو أنهم لاقوا الاضطهاد في المناطق التي كانت تخضع لحكم المسيحيين في هذه البلدان ، مثل : سوريا وتركيا ومصر .

يقول الدكتور (إسرائيل ولفنسون) : « بعد حرب اليهود والرومان سنة (70م) ، التي انتهت بخراب فلسطين ، وتدمير (هيكل بيت المقدس) ، وتشتّت اليهود في أصقاع العالم ، قصدت جموعٌ غفيرة من اليهود بلادَ العرب ، كما حدّثنا عن ذلك المؤرخ اليهودي (يوسيفوس) ، الذي شهد تلك الحروب ، وكان قائداً لبعض وحداتها .

أما اليهود الذين توجّهوا إلى المناطق التي تسكنها قبائل وثنية ، مثل : الحجاز ، فقد تمتعوا بحريتهم الكاملة ، وإن كانوا قد واجهوا معاناة في بعض الأحيان .

وبشكل عام فإنّ يهود الحجاز تمتعوا بحرية دينية كاملة قبل ظهور الإسلام ; لأن القبائل العربية التي جاوروها في تلك المنطقة كانت وثنية في معظمها . لذا فإنّ الجزيرة العربية تمثّل المحطة الأولى لهجرة اليهود بعد فتك الرومانيين بهم ، حيث انتشروا جماعات جماعات ، استقرت في مواضع المياه والعيون من وادي القرى ، وتَيماء ، وفدك ، وخيبر الى يثرب ، وبنوا فيها الآطام لحماية أنفسهم وأرضهم وزرعهم من اعتداء الأعراب عليهم .

كما انتشرت اليهودية في جنوبي الجزيرة العربية حيث اعتنقها كثير من القبائل في اليمن . ومن أشهر المتهودين (ذونواس) ملك اليمن ، الذي عرف عنه اضطهاده لنصارى (نجران) .

وقد عمل اليهود على نشر تعاليم «التوراة» ، وتفسيراتها في مناطق سكناهم في شبه جزيرة العرب10 .

وتجدر الإشارة ـ هنا ـ إلى أن هجرة المسلمين من مكّة الى يثرب سنة 620م تعتبر بداية تحوّل كبير في مسار الدعوة الإسلاميّة ، لأنّها كانت ـ في الوقت نفسه ـ بداية صراع من نوع آخر ، غير الصراع مع مشركي قريش ، أعني بذلك صراعهم مع القبائل اليهودية ، التي كانت قد توطّنت يثرب ; وما حولها منذ زمن بعيد ، ومكّنت لنفسها في الأرض .

وكانت (يثرب) في أيدي اليهود قبل هجرة (الأوس والخزرج) إليها11 . ويبدو أن هاتين القبيلتين قدمتا من الجنوب ، إذ يرجع نسب (الأوس والخزرج) الى قبيلة (الأزد) اليمنيّة ، التي تفرّعت عن (شعب كهلان) ، وهو من نسل (قحطان) أبي اليمنيين جميعاً12 .

ولقد وجد اليهود أنفسهم مضطرين للتعايش مع (الأوس والخزرج) ; فأنشأوا معهم علاقات سياسيّة على قدم المساواة13 ، وجمعت بينهم مصالح الجوار ، مع رجحان المصالح الاقتصاديّة اليهوديّة في المنطقة بشكل ملحوظ ، ولم يكن ذلك كافياً للهدوء والسلام بين القبيلتين القادمتين من الجنوب ، بل كان الصراع سمة دائمة بينهما اصطبغ بلون الدم ، وسجّل التاريخ مواقع كثيرة سفكت فيها الدماء من الفريقين ، وأدّى بهما هذا النزاع الى فتنة مستمرة قسمت يثرب الى معسكرين متنابذين .

وفيما عاش يهود (بني النضير) ، و (بني قريظة) مع الأوس . نرى (بني قينقاع) يحتفظون بمساكنهم المجتمعة المنعزلة14 .

ولم يكن يهود الحجاز بعيدين عن مسببات الصراع بين الأوس والخزرج، ففي وقت من الأوقات خضع (الأوس) للخزرج ، وخسروا أرضهم . بَيْد أن (الأوس) ما لبثوا أن تحالفوا مع يهود (بني قريظة) و (بني النضير) ، ومن ثمّ تغلبوا على (الخزرج) في معركة كبيرة حاسمة جرت في (بعاث) ، ولم يعرف الفريقان السلام بينهما بعد هذه المعركة ، بل استمرّ النزاع عنيفاً مميتاً15 .

ويتمثل يهود الحجاز بالقبائل والعشائر والبطون التالية :

بنو النضير ، وبنو قريظة ، وبنو قينقاع ، وبنو عكرمة ، وبنو عمر ، وبنو زعورا ، وبنو زيد ، وبنو جشم ، وبنو بهدل ، وبنو عوف ، وبنو العصيص ، وبنو ثعلبة وغيرهم16 .

غير أنهم لم يكونوا أعراباً ، أي بدواً يتنقلون من مكان الى مكان ، بل كانوا حضراً استقروا في الأماكن التي نزلوا فيها .

والمستشرق (أوليري) كغيره من المستشرقين يرجع أصل (بني قريظة) ، و (بني النضير) إلى اليهود ، ويرى أنهم غادروا ديارهم ، وجاءوا الى هذه المنطقة في الفترة الواقعة ما بين خراب الهيكل في عام (70م) وتنكيل (هدريان) باليهود في عام (132م) .

وتتضح خارطة التوزيع الاستراتيجي لليهود في شبه الجزيرة على النحو التالي :

1 ـ يثرب (المدينة) :

سكن اليهود يثرب ، وكان يسكن معهم من غير «بني اسرائيل» بطون من العرب ، وظل اليهود أصحاب يثرب حتى جاء (الأوس والخزرج) ، فنزلوها واستغلوا الخلافات التي كانت قد وقعت بين اليهود فتغلّبوا عليهم ، وسيطروا على يثرب ، وقسموها فيما بينهم فلم يبق لليهود أيّ سلطان عل
منقول
0
413

يلزم عليك تسجيل الدخول أولًا لكتابة تعليق.

تسجيل دخول

خليك أول من تشارك برأيها   💁🏻‍♀️