انتبه أيها الغافل
نبذة :
فيا من شغلت قلبك بغير الله أتدري ماذا حصدت؟! لقد حصدت الغفلة.. وبئس ما حصدت! ورجعت بالخيبة والحرمان.. وبئست الصفقة!
نص المطوية :
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمدلله تعالى أكرم فأحسن التقويم، وهدى عباده إلى صراطه المستقيم، والصلاة والسلام على المبعوث بالنور الأنور، وعلى آله وأصحابه أرباب الشرف الأكبر
وبعد: الذنوب ما أسوأ طريقها؟
وما أخسر ربحها!!
صاحبها في عناء! وطالبها في تعب!!
راحتها سراب كاذب! وشقاؤها يقين صادق!!
وهذه أيها المذنب لافتات تمر بها وأنت في طريق المعاصي!!
نعم.. إنها لافتات قد لا تراها.. ولكنها في طريقك تمر عليها في صباحك والمساء!!
فهل وقفت يوماً لتنظر فيها.. وتقرأ حروفها؟!
فتنبه أيها المذنب!!
واقرأ معي هذه اللافتات واحدة.. واحدة!!
{فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِن تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ}
انتبه أيها الغافل!!
قلوب أعمتها الدنيا بالزخرف الكاذب.. وتربع في شغافها حبها الأنكد!
لا تعرف السرور إلا عن طريقها.. ولا تهتدي إلى اللذاذة إلا من بابها!
ركدت خلف سرابها الخادع.. وتجافت عن سرورها الضائع!
ساعات تمضي بغير حساب.. وأعمار تنقضي إلى خراب!
تُسرُّ بما يبلى ونفرح بالمُنـى *** كما اغترَّ باللذات في النوم حالم
نهارك يا مغرور سهوٌ وغفلــــة *** وليلــــك نـومٌ والــــردى لـــك لازم
وسعيك فيما سوف تكره غبة *** كـذلك في الـدنيا تعيـش البهائم
أيها المذنب! سكون قلبك إلى غير مولاك عقاب من الله تعالى
قال أبو محمد المرتعش: "سكون القلب إلى غير المولى تعجيل عقوبة من الله في الدنيا"
وقال سهل بن عبدالله: "حرام على قلب أن يشم رائحة اليقين، وفيه سكون إلى غير الله!
وحرام على قلب أن يدخله النور وفيه شيء مما يكره الله عز وجل"
أيها المذنب! بئست الخصلة الغفلة عن أمر الله تعالى!
أيها المذنب! بئس ما تسربلت به! لقد اخترت صفة وصف الله بها أعداؤه.. وذمهم عليها أيما ذم، قال الله تعالى: {وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيراً مِّنَ الْجِنِّ وَالإِنسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لاَّ يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لاَّ يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لاَّ يَسْمَعُونَ بِهَا أُوْلَـئِكَ كَالأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُوْلَـئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ}
قال القرطبي: "لأنهم لا يهتدون إلى ثواب فهم كالأنعام، أي همتهم الأكل والشرب، وهم أضل لأن الأنعام تبصر منافعها ومضارها، وتتبع مالكها، وهم بخلاف ذلك!"
وقال عطاء: "الأنعام تعرف الله، والكافر لا يعرفه!"
وقيل: "الأنعام مطيعة لله تعالى، والكافر غير مطيع!"
{أُوْلَـئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ}
أي: تركوا التدبر، وأعرضوا عن الجنة والنار
فيا من شغلت قلبك بغير الله أتدري ماذا حصدت؟!
لقد حصدت الغفلة.. وبئس ما حصدت! ورجعت بالخيبة والحرمان.. وبئست الصفقة!
قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه: "إن أخوف ما أخاف عليكم، اتباع الهوى، وطول الأمل، فأما اتباع الهوى، فيصد عن الحق، وأما طول الأمل فيُنسي الآخرة"
أيها المذنب! ألهاك طول الأمل عن سعادتك الحقيقية!
داء تغلغل في القلوب.. وتمكن من سويدائها!
وصاحب الذنب من أطول الناس أملاً.. وأكسلهم عن الطاعات!
فطول الأمل يورث الغفلة.. والغفلة تورث التهاون في الطاعات، والوقوع في المعاصي.. ويزداد طول الأمل عند المعاصي، لأن حب الشهوات يزيد من تعلقه بالدنيا، وحب البقاء!
قال الحسن البصري: "ما أطال عبد الأمل إلا أساء العمل"
وقال القرطبي: "فالأمل يكسل عن العمل، ويورث التراخي والتواني، ويعقب التشاغل والتقاعس، ويخلد إلى الأرض، ويميل إلى الهوى.. كما أن قصر الأمل يبعث على العمل، ويحيل على المبادرة، ويحث على المسابقة"
أيها المذنب! لا تغفلن عن صلاح قلبك!
اعلم أيها المسكين أن صلاح أمرك كله مرهون بصلاح قلبك.. فإذا صلح، صلحت دنياك وآخرتك.. وإذا فسد، فسد ذلك كله!
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ألا وإن في الجسد مضغة، إذا صلحت صلح الجسد كله، وإذا فسدت فسد الجسد كله، ألا وهي القلب»
قال بعض الحكماء: "إذا لم يُستعمل القلب فيما خُلق له من الفكر في اجتلاب المصالح في الدين والدنيا، واجتناب المفاسد تعطل، فاستترت جوهريته، فإذا أضيف إلى ذلك فعل ما يزيده ظلمة، كشرب الخمر، وطول النوم، وكثرة الغفلة، صار كالحديد يغشاه الصدأ فيفسده"
يا من وقفت نفسك عند الشهوة الفانية!!
يا أيها الغافل عن سعادته الحقيقية.. واللاهي عن النعيم الباقي! هل فكرت بأي ربح رجعت؟!
{وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلاَّ لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَلَلدَّارُ الآخِرَةُ خَيْرٌ لِّلَّذِينَ يَتَّقُونَ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ}
دخل ابن السماك على هارون الرشيد، فقال: عظني وأوجز
قال: ما أعجب يا أمير المؤمنين ما نحن فيه! كيف غلب علينا حب الدنيا؟! وأعجب لما نصير إليه! غفلتنا عنه عجبٌ، لصغير حقير إلى فناء يصير، غلب على كثير طويل دائم غير زائل!
ويا من اخترت الذنب على الطاعة أتدري ولاية من اخترت؟
لقد اخترت ولاية عدو إبليس.. الذي أغوى من قبل أبويك، وأخرجهما من الجنة.. فكم يسره أن يراك على المعصية!!
{وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ كَانَ مِنَ الْجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِيَاء مِن دُونِي وَهُمْ لَكُمْ عَدُوٌّ بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلاً}
فإنك إذا تفوهت بكلمة لم يكن لله فيها نصيب، كانت للشيطان!
وإذا أمضيت بعضاً من وقتك في حاجة لم يكن لله فيها نصيب، كانت للشيطان!
وإذا جلست مجلساً لم يكن لله فيه نصيب، كان مجلساً من مجالس الشيطان!
قال ابن القيم: "إن مجالس الذكر، مجالس الملائكة، ومجالس اللغو مجالس الشياطين، فليختر العبد أعجبهما إليه، وأولهما به، فهو مع أهله في الدنيا والآخرة"
فتأمل في حالك أيها المغبون.. واختر ولاية الله تعالى، شقي.. ستحشر مع الأشقياء!
الدنيا بضاعة المفاليس!!
أيها المذنب! غرتك الحياة الدنيا بزهرتها.. وسبتك بزخرفها الخادع، فعكفت ملازماً ساحتها.. وأنخت رحلك بعرصتها!
وقد حذَّرك الله تعالى من زهرتها الكاذبة.. ونعيمها الآفل.. وذمها لك في كتابه العزيز ذماً يزهد العاقل عن صفوها المكدور!
قال الله تعالى: {إِنَّمَا مَثَلُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاء أَنزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الأَرْضِ مِمَّا يَأْكُلُ النَّاسُ وَالأَنْعَامُ حَتَّىَ إِذَا أَخَذَتِ الأَرْضُ زُخْرُفَهَا وَازَّيَّنَتْ وَظَنَّ أَهْلُهَا أَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَيْهَا أَتَاهَا أَمْرُنَا لَيْلاً أَوْ نَهَاراً فَجَعَلْنَاهَا حَصِيداً كَأَن لَّمْ تَغْنَ بِالأَمْسِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ}
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «فوالله ما الفقر أخشى عليكم، ولكني أخشى عليكم أن تُبسط عليكم كما بُسطت على من كان قبلكم، فتنافسوها كما تنافسوها، وتهلككم كما أهلكتهم»
أيها المذنب! إنها الدنيا! إذا أضحكت.. لطالما أبكت! وإن حلت.. لطالما أهلكت! نجا منها الهارب.. وهلك بواديها الراغب! الحكيم من أحكمته مصائبها.. والغافل من خدعته رغائبها!
أيها الغافل! هل تذكرت الموت؟!
يا من عبثت.. وأضعفت العمر مع اللاهين.. هل تذكرت الرحيل؟!
الرحيل إلى دار ويل من رحل إليها ولم يقدم صالح الأعمال!
أيها المذنب! ما ترى الخلق في كل يوم يرحلون إلى تلك الدار؟!
فهل سألت نفسك يوماً: بأي زاد سترحل؟!
أيها المسكين! ما أطول سفرك!
قال الحسن البصري: "عجباً لقوم أذنوا بالرحيل وترحل أوائلهم وهم يلعبون"
وقال عبدالله بن ثعلبة: "يا ابن آدم، تضحك ولعل أكفانك قد خرجت من القصار"
وكتب بعض الزهاد إلى أخ له: "كثر تعجبي من قلب يألف الذنب، ونفس تطمئن إلى البقاء، والساعة تتلقاها، والأيام تطوي أعمارنا، فكيف يألف قلب ما لا ثبات له في الدنيا؟!
وكيف تنام عين لا تدري لعلها لا تطرف بعد رقدتها إلا بين يدي الله عز وجل؟!"
وعن ضمرة بن ربيعة قال: "رأيت عابداً من العباد، وقد اجتمع عليه الناس، أنهم ينظرون إلى الموتى في كل يوم يُنقلون، وهم في الدنيا في غفلة يلعبون! فهبك يا ابن آدم تصحُّ من الأسقام، وتبرأ من الأمراض، هل تقدر أن تنجو من الموت؟
قال: فارتج المسجد بالبكاء، ثم غُشي عليه
أيها المذنب! إياك أن يبادرك الموت وأنت في غفلتك من اللاهين!
فيومها ستطول الحسرات.. وتتضاعف المصيبات!
قال رجل لزهير البابي: ألا توصي لي بشيء
فقال: احذر لا يأخذك الله وأنت في غفلة
فتدارك أمرك أيها المذنب! ولا تغرنك صحة، ولا شباب، ولا جاه.. فما أسرع أن تتقلب الأحوال!
قال حاتم الزاهد: "أربعة لا يعرف قدرها إلا أربعة، قدر العافية إلا أهل البلاء، ولا قدر الصحة إلا المرضى، ولا قدر الحياة إلا الموتى"
أيها المذنب! تذكر وقوفك بين يدي من لا يغفل ولا ينام!!
أيها المطيل حبله في غير الذنوب.. أنسيت أنك تحت سمع وبصر من لا يغفل ولا ينام!
فاذكر أيها المسكين وقوفك بين يديه يوم التغابن.. {يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ}
قال أبو الدرداء رضي الله عنه: "أضحكني ثلاث، وأبكاني ثلاث:
أضحكني مؤمل الدنيا والموت يطلبه، وغافل ليس بمغفول عنه، وضاحك وليس يدري أراضي الله عنه، أم ساخط عليه
وأبكاني: فراق الأحبة محمد وحزبه، وهول المطلع، والوقوف بين يدي الله عز وجل يوم تبدو السرائر، ثم لا أدري إلى جنة أم إلى نار"
وتذكر أيها المسكين لقاء ربك تعالى!!
عن مجاهد قال: "قال لي عبدالله بن عمر: يا مجاهد إذا أصبحت فلا تحدث نفسك بالمساء، وإذا أمسيت فلا تحدث نفسك بالصباح، وخذ من حياتك قبل مماتك، ومن صحتك قبل سقمك، فإنك لا تدري ما اسمك غداً"
وقال ابن القيم: "للعبد رب هو ملاقيه، وبيت هو ساكنه، فيبنغي له أن يسترضي ربه قبل لقائه، ويعمر بيته قبل انتقاله إليه"
أيها المذنب! داو قلبك من غفلته!!
لكل داء دواء.. وإن أولى ما دواى المرء منه نفسه، أمراض القلوب.. ودخن النفس..
أيها المذنب! ما أحوجك إلى مداواة ران القلب.. ونزغات الشيطان..
فأكثر من ذكر الموت.. فإن ذكر الموت دواء عجيب لقسوة القلوب!
وأكثر من ذكر الله تعالى، وتلاوة كتابه.. ففي ذلك شفاء ورحمة {يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءتْكُم مَّوْعِظَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَشِفَاء لِّمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ}
وقال رجل للحسن البصري: "يا أبا سعيد أشكو إليك قسوة قلبي: قال: أدبه بالذكر"
وزر المقابر: فإنها تذكرك الآخرة. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «زوروا القبور، فإنها تذكركم الآخرة»
وسأل رجل عائشة رضي الله عنها: "ما دواء قسوة القلب؟ فأمرته بعيادة المرضى، وتشييع الجنائز، وتوقع الموت"
وصاحب الأخيار، الذين يذكرونك بالله تعالى.. وينصحونك إذا غفلت.. وإياك وصحبة أصدقاء السوء.. فإن صحبتهم خلف كل بلية!
وأكثر من سماع المواعظ التي ترقق القلب..
وابتعد عن مجالس السوء.. ومواطن الشبهات..
وأكثر من دعاء الله تعالى أن يهدي قلبك.. ويعينك على هوى النفس والشيطان.. وأن يثبتك على ذلك..
وجاهد نفسك.. واعص هواها.. ولا تتبع شهواتها..
وأكثر من التأمل في سير الصالحين.. فإن في سيرهم من الهدى والمواعظ ما يرقق القلوب.. وينشط على الطاعة..
ثم أيها المذنب! احرص على عقد النية الصادقة للمراجعة والتوبة.. ثم أتبع ذلك يصدق التوجه إلى الله تعالى.. يصلح حالك إن شاءالله تعالى..
والحمدلله تعالى.. والصلاة والسلام على النبي وآله والأصحاب..
دلع الكووون @dlaa_alkooon
محررة برونزية
يلزم عليك تسجيل الدخول أولًا لكتابة تعليق.
الاناقه فن
•
زهرة سرف
•
شقـــــاوة طفلة :لاإله إلا الله جزاك الله خير وبارك الله فيكلاإله إلا الله جزاك الله خير وبارك الله فيك
جزاك الله خير ونفع بك الجميع امين
الصفحة الأخيرة