انتقم ممن أساء إليك
من منا لم يُطعن من عزيز؟ أو لم يخذل في أقرب صديق؟
هذه هي طبيعة الحياة في دنيا الماديات والمصالح، لكن كم مرة كانت ردة أفعالنا أقسى بكثير من قساوة أصل الجُرم أو الخطأ المُرتكب، وكم هي المرات التي ندمنا فيها على ما بدر منا في لحظات غضب وانتقام ولآت ساعة مندم.
من خلال تجاربي المتعددة توصلت لقناعتين، أولاهما أن أكثر الناس إساءة إليك هم أكثر من تفانيت في خدمتهم، وهذه الغرابة لم أجد لها تفسير منطقي حتى الآن، لكنها قد تكون تركيبة معقدة داخل بعض البشر، أرجو أن لا يفهم من ذلك أن يُنتظر رد الجميل، فخير جزاء للمحسن ما سيراه عاجلاً من رب البرية إذا أخلص النية وصدق مع نفسه قبل الآخرين، ومن يفعل الخير لوجه الله لا يندم أبدا مهما تنكر له كل لئيم.
أما القناعة الأخرى فهي أن انتقم ممن أساء إلي وفي نفس الوقت أعفو عنه، بتركيبة فريدة، لأني لست أقدر على العفو المطلق ولا أحبذ الانتقام الخالص، قد يقول قائل كيف يجتمع العفو والانتقام معاً؟
فأقول بالمثال يتضح المقال، لو أن شخصاً ضَرب لك أروع أمثلة الانحطاط ونكران الجميل لمعروف فعلته كأن يفتري عليك افتراءات وأباطيل ويشكك في نواياك التي هو يراها ويقيسها على ذات نفسه الدنيئة وأنت منها براء، فلو أنك غضبت لقوله وتعاملت معه بنفس أسلوبه الساقط ودخلت معه في صراع طويل لدل هذا أولا وقبل أي شيء على خلل في ذاتك وأنك لم تفعل الخير أو المعروف لوجه الله بل فعلته لذات الشخص فلذلك غضبت منه أشد الغضب وندمت على ما فعلت، لكن لو صبرت واحتسبت لكان لكن أجران أجر عمل الخير ابتداءً وأجر الصبر على نكران الجميل وإساءة ذاك الجاحد، وهذا هو أعظم تحدي وأدق ميزان لمعرفة صدق نيتك في ذلك الفعل الذي فعلته، أما الانتقام فيكون بأن تتعامل وترد على خصمك بما تمليه عليك أخلاقك ومبادئك التي ترضاها لنفسك لا بما تراه من ذلك الشخص. قد يتساءل البعض وأين الانتقام في ذلك؟
فأقول أن أكبر انتصار وأكبر انتقام من خصمك هو أن تجعله يشعر باحتقار ذاته ودناءة أخلاقه وسوء ما اكترث في حقك ليصاحبه الندم الدائم والتحسر على ما فعل، كيف ذاك؟
باختصار من خرجت من فمه قاذورات الشتم والسباب لن يكترث أو يهتم لو دخل أذنيه بعض منها، لذلك جرب طريقة أخرى للانتقام من الخصم، فعندما يصرخ في وجهك متنكرا لك قابله بهدوء وابتسامة صفراء تحرق ملامح وجهه، وعندما يفيض فمه بمخلفات السب والشتم ابهره بعبارات تنم على خلقك العالي ورفعة درجاتك ليرى نفسه غارق في قعر مستنقعٍ من القاذورات، وإياك والغضب أو حدة الصوت فهما دليلا الانهزام وانعدام الحجة.
إذا فعلت ذلك فثق ثقة تامة أنك جمعت بين الخير كله، فقد عفوت عنه وهذه من شيم الكرام ولا تزيدك إلا رفعة، وفي نفس الوقت انتقمت منه أشد الانتقام لأنك جعلته لا يقر له قرار ولا يهدأ له بال ليحتقر نفسه ويتفطر ندماً على ما بدر منه ولو لم يخبرك بذالك، بل صار يشعر حقا بدناءة ذاته وعلو شأنك فإذا كان قد قدر على نكران جميلك الأول فلن يقدر على نكران عظيم هذا التصرف منك وسوف يعيش أوقات عصيبة هي أشد عليه من طعنات السيوف وجراح الخناجر، وبهذا ترضي ضميرك ونزعتك البشرية في حب الانتقام ممن أساء إليك وتنام قرير العين مرتاح الفؤاد.
عمر اللعبون.
يلزم عليك تسجيل الدخول أولًا لكتابة تعليق.

ام الغالي وخواته
•
اشكرك اختي على الطرح الرائع جوزيتي الجنه من رب العباد


للاسف الدنيا غااااااااابة والبقاء للاقوى ونصيحتي اذا اعتدى عليك الاغراب اسحقيهم واذا اعتدى الاقارب اسدلي بينك وبينهم ستارة من حديد وانسيهم لان الناس اذافوتي لهم تجراو عليك


الصفحة الأخيرة