المشتاقة الى الجنه
والله تستاهلوووووووووون ومن عيوني بس لاتزعلوا الحين انزل لكم كم جزء علشان خاطركم بس .
المشتاقة الى الجنه
الجزء السادس عشر




لم أكن أتصور أنني سألتقي بسعد بهذه السرعة، وبطريقة لا ترقي إلى أي خيال. بل لم أتصور أن أراه أمامي رؤي العين ولا في أكثر أحلامي تفاؤلا لكنه القدر الذي يرسم لنا ما لا نتخيله ولا يخطر في قلوبنا... بعد خطاب سعد بيومين فقط، وبعد أو أوصلنا أبو راشد إلى المدرسة بساعة واحدة سقط فجأة مغشيا عليه ثم نقله بعض أهل القرية إلى أقرب مستشفى كما أخبرنا الحارس....

دارت مناقشات طويلة بين المعلمات، ثم أعلنت فوزية أنها ستهاتف زوجها ليأخذها، وسألتني إذا ما كنت أرغب في مرافقتها، لأن صباح غائبة، فرفضت بحسم، وأخبرتها بأنني سأحادث أبي بدوري، ثم تناولت عباءتي وارتديتها لأذهب مع زميلاتي إلى حجرة الحارس الخارجية، حيث يوجد بها هاتف لاسلكي. تعاونت المعلمات مع أهل القرية على شرائه ليكون حلقة وصل بين القرية وخارجها إبان الأزمات... أدرت أرقام النداء الآلي الخاص بأبي ثم انتظرت قليلاً. أدرته مرات عدة بعد ذلك وأبلغت الحارس أن يخبر أبي بمرض أبي راشد حال اتصاله وأن يبلغه بضرورة حضوره للعودة بي... ثم عدت إلى المدرسة وانشغلت في حصصي ومشاكل المعلمات التي لا تنتهي وعيني وضحي اللاقطتين. مضى الوقت دون أن أشعر به، لأفاجأ بذهاب كل المعلمات عداي... سألت الحارس، نفى أن يكون أبي قد اتصل... أدرت الأرقام مرة أخري ثم اتصلت بزوجة أبي لتبلغني أن أبي غير موجود، ثم اقترحت علي أن أعود مع أية زميلة لي... ضاقت الدنيا بي ولم أدر ماذا أفعل، فزميلاتي قد رحلن، ولم يتبق غير المديرة التي عرضت استضافتي لديها، وقبل أن أبلغها بردي، سلبا كان أم إيجابا فوجئت بوضحى تقترب مني في خجل وهي تقول:
- نحن سنوصلك يا ابله... فسيارتنا أمام الباب وأنا سأذهب برفقتك...
فغرت فاهي لا أحير جوابا ... فهتفت المديرة:
- هيا يا أحلام لا تضيعي الوقت فأبوك لم يرد عليك... ثم إنهم ناس طيبون فجزاهم الله ألف خير... هيا يا أحلام... هيا...

ثم دفعتني بيدها خارجا وهي تغلق الباب الكبير، ثم تلوح لي بيدها مودعة وكأنها تتخلص من عبء كبير يثقل كاهلها... ومن يولمها، فهي أم وزوجة ووراءها متطلبات لا تنتهي... ثم هي غير مستعدة للانتظار ساعات طويلة حتى يحضر أبي من الرياض... مشيت بلا اختيار ودلفت إلى السيارة كالمسيرة وأنا لا أدري ما حولي...

مشاعر كثيرة تختلط في كياني... خليط من الخجل والغضب والخوف والترقب والمرارة... أفكاري تتري... ما موقف أبي حيال تصرفي هذا؟ إنه ليس لموقفي القديم، فالمسافات شاسعة وسأبرر لأبي موقفي بشتى الطرق. إنني لم أفعل جرما أستحق عليه العقاب... إنني فقط سمحت لتلميذتي... وشقيقها بتوصيلي... يا إلهي... شقيقها... أنه سعد... سعد بشحمه ولحمه وهو السائق، هو من سينقلني هذه المسافة الطويلة إلى بيتنا.... وهو وأنا وشقيقته... لا يفصل بيني وبينه إلا نصف متر أو أقل، رائحته المميزة تقحمني بعنف، تحاصرني من الجهات الأربع، تنتزع سلاحي وتصفعني بوجودها فلا أملك إلا الاستسلام. صوته يخترق أذني رائقا شفافا قريبا تحمله لي ذبذبات الهواء التي نتنفسها جميعا ليصل لي مباشرة دون وسائط، طازجا كأنه رغيف خرج لتوه من الفرن... يداه السمراوان بعروقها النافرة وبساطتهما العجيبة أراهما أمامي على المقود، أكاد ألمسهما بيدي وأري كيف تعبر الدماء وتتدفق إلى هذه اليد السمراء الخشنة... شعره الناعم اللامع الذي تتدلي بعض خصلاته من تحت غطاء الرأس سوداء حالكة متحدية وكأنها تتحدي أصابعي المتجمدة أن تعزف عليها أحلي النغمات...

رباه أن القرب مخيف وممتع... حلو ومغرق في المرارة... كيف يكون فتي أحلامي قاب قوسين أو أدني مني؟ كيف أري خيالي متجسداً أمامي على أرض الواقع مرتديا عباءة الحاضر يلتحف بالممكن والمستحيل... إنني لا أعي قربه، لا أعي غير هذه الجاذبية الشديدة والذبذبات اللأمرئية التي تشدني إلية، وكأن وضحي ليست موجودة، وكأنها تمثال من تماثيل الماضي السحيق، أو قابلة متمرسة تشهد ولادة حب نادر الوجود لا يولد إلا مرة كل مائة عام... ويحي إنه يحادثني فبماذا أرد عليه؟

- فرصة سعيدة أن نري أنا ووضحي منزلكم...
مضيت أرتجف بعنف، فماذا أقول وكيف أتكلم وكيف تخرج الكلمات ولساني ملتصق بسقف حلقي رافضا التحرك... الحب الهادر يلفح أجوائي بنيرانه الحارقة وخوفي من أبي يشلني حتى الصدمة، فأي حمق وأي جرأة وما هذا الذي أفعلة بنفسي؟ أخيرا خرج صوتي مرتجفا مبحوحاً:
- لو علم أبي يا سعد بأن رجلا أوصلني إلى بيتنا سيقتلني حتما...
جاءني صوته حنونا مطمئنا:
- أحلام أنت لم ترتكبي خطأ... لقد علمت من وضحي أنك حاولت الاتصال به مراراً... فماذا تفعلين أكثر من هذا؟ هل مبيتك بالمدرسة أهون ضررا من أن توصلك إحدى زميلاتك إلى البيت؟
- لكنه... أقصد... حصل في وقت سابق أن أوصلتني إحدى زميلاتي مع شقيقها من الجامعة إلى البيت ... فكدت أموت على يديه...
لمجت ابتسامته الجانبية وهو يقول:
- لن تموتي إلا إذا قدر الله لك ذلك...

ثم انسابت الموسيقي الهادئة لتنزع الرعب والهلع من أعماقي وتلقيها بعيداً كزبد البحر.. . ثم تغلغل صوت المطرب العذب إلى كياني ليحلق بي بعيداً بعيداً في جزر لم تلمسها قدم أنسان من قبل وأنهار عذبة وبساط أخضر في كل مكان... أشعر أن الصوت يحتويني، يزلزلني... يخترقني حتى النخاع ( فحبيبة قلبك يا ولدي ساكنة في قصر مرصود... فمها مرسوم كالعنقود... ضحكتها أنغام وورود) أذوب في عوالم وردية لا نهائية ... الصمت هنا له لغة ... لغة تركع أمامها كل اللغات... لم أعد أحس بالطريق ووعورته... بالصحراء المترامية الأطراف التي اعتدت التطلع إليها يوميا عبر النافذة... اللوحات الزرقاء التي حفظتها عن ظهر قلب وأسماء القرى والهجر الغربية التي نمر عليها في رحلة الذهاب والإياب... وهلعا... العبارات التي تصافح أعيننا صباحا وظهرا كل يوم... الحمد لله... مع السلامة.. رافقتكم السلامة... وغيرها من العبارات التي غابت بعض حروفها، فغدت أقرب للملهاة منها لغرضها الأساسي... تلاشى كل هذا ولم أعد أرى سوى شخص واحد يقود أمامي تطالعني تعبيره العاشقة في مرآة السيارة، فتملأ نفسي فرحا وحبوراً... انتهي الوقت بسرعة لا أدريها فلم أدر بنفسي إلا وأنا أصف له الطريق إلى بيتنا متعجبة من السرعة التي وصلنا بها وقد كنا مع أبي راشد نقطع الطريق بأوقات طويلة مملة لا تنتهي. ما إن وقفت السيارة أمام الباب، ووضعت يدي في يد وضحى لأسلم عليها مودعة حتى خرج أبي لا أدري من أين... كمارد خارج لتوه من قمقمه... نظر إلى السيارة ومن بداخلها نظرة صاعقة قاتلة ارتعدت لها فرائصي... تحادث مع سعد بكلمات بسيطة، فهمت منها أن سعد يشرح له كيف عرضت عليه شقيقته أن يوصلاني إلى البيت...

في البيت تلقيت صفعات دار لها رأسي فنسيت كل شئ....



وللقصة بقية:
المشتاقة الى الجنه
وهذا بعد جزء للحلوين بس عااااد لاتطلبون مره ثانيه <<<< يعني ماتنعطون وجه << خربتها خخخخخخخخ.
المشتاقة الى الجنه
الجزء السابع عشر




علمت أن زوجة أخي حمد حامل توأ- نقل شقيقي حمد من القريات إلى الرياض نقلاً تأديبياً!!
جزعت لهذه العبارة ليتابع صالح هامسا:
- قد نقل إلي مستشفى الرياض المركزي وطلب مني أن ابحث له عن سكن بسعر مناسب...
خرج صوتي هزيلا لا يتناسب مع عظم الموقف:
- لكن يا صالح ماذا فعل حمد لينقل بهذه الطريقة التي تسئ إليه؟
قال بتردد :
- إنه لم يشرح لي كل شئ بتفاصيله ...لكنه قادم إن شاء الله خلال أيام ويمكنك حينها أن تسأليه ....

حمد أحد ضحاياك يا أبي وليس آخرها ... ماذا فعل ليستحق هذا المصير البشع المهين لأي إنسان ....نقل تأديبي ... ما معناه ... نقل بالرغم عنه ، نقل للتأديب والتهذيب ، نقل عقاباً لشيء فعله .. شئ كبير ومنذر بالخطر يتكافأ وهذه النهاية السيئة ، ترى هل غش أو سرق أو قتل أم ماذا بال ضبط ؟ منذ غادرنا قبل سنوات وأنا أجهل مصيره ... كل ما عرفته أنه التحق بالمعهد الصحي في تبوك ثم تخرج ممرضاًً ، ليتعين في مستشفى القريات العام ، ثم تزوج من إحدى زميلاته الممرضات التي أحبها قبل الزواج وسكن إلى جوار أهلها ، ثم لا شئ سوى أنه بصحة جيدة ويحيا حياة زوجية طبيعية ... لكن هذا الموقف الأخير زعزع كل أفكاري السابقة وأدركت أنه ربما كان يعيش في محنة ...

منحة قادته إلى المصير المؤسف الذي يرهبه أي إنسان طبيعي... ألا تشعر بالخجل يا أبي ...بالأسف ؟ أي شعور ينتابك وولدك يعود إليك بعد سنوات مبعدا مهانا مطرودا وأصابع خفية تشير إليك بالاتهام بأنك السبب في كل شيء ، خروجه وعودته ، سفره الهارب وعودته الاضطرارية، ابتعاده بحلم وعودته القسرية بحلم مجهض ، تحطم آماله ومستقبله على صخرة قسوتك وظلمك ... أشعر بآلام شديدة تفري عظامي ، ليست هي آلام ضربك المبرح لي ، بل هي معاناة أخوتي سكنت جسدي وأبت أن تفارقه...

تردد صالح قبل أن يقوله وكأنه يقرأ أفكاري أو رأى دلائل الألم على وجهي :
- أما زلت تتألمين لضرب أبي ؟
كفكفت دمعة فرت من عيني ، ومضيت دون أن أجيبه على تساؤله ... فلم يكن يهمني ضرب أبي لي بقدر ما آلمتني الزوبعة والفضيحة التي أثارها دون أي داع، وما زلت أتذكر أصداء الصفعات وهي تتردد في جنبات البيت و هو يصرخ بأعلى صوته :
- الفاجرة ...سأقتلها ولن أرحمها....

تدخلت زوجة أبي دون جدوى، ولما شعرت بأنه سيقضي علي، اتصلت بشقيقي صالح على عجل ويتلقفني منه كجثة هامدة بدون أي روح... وأبي يهدر بكل قاموسه المعروف من الشتائم البذيئة، ثم حلف بأغلظ الأيمان أن يفصلني من عملي ويحسبني في البيت... أغمي علي، ولم أعد أشعر بشيء حتى صباح اليوم التالي...

أفقت بجسد مضعضع متهاو ونفس كسيرة وأنة وروح تمزقها الآهات، لم أستطع تحريك ذراعي أو قدمي، فانسابت دموعي غزيرة لاذعة لتثبت لي بأن الجسد مهما تمزق أو فني، فإن الروح باقية نشطة لا يحدها حد ولا تربطها قيود. وقتها تذكرت أحد حكماء الهند " راجيش" حينما قال: " إذا ربطوا يديك وقدميك بالسلاسل وكبلوك بالأغلال فلا تيأس... فباستطاعتك أن ترقص أليس كذلك، وأن تجعل من رنين أصوات السلاسل نغماً ترقص عليه" وأنا لم أرقص لكنني بكيت، بكيت وجحافل اليأس تدب في أعماقي وطاردة كل أمل لي في حياة باسمة سعيدة، وصورة سعد تغيب شيئا فشيئا عن عالمي مخلفة بؤراً صديدية وحرماناً... وفي ضباب الآمي وأوهامي جاءتني زوجة أبي وشقيقتي بدرية يعلنان لي بأن أبي قد عفا عني وسمح لي بالعودة إلى عملي بشرط الالتزام بكل قوانينه بحرفيتها، ثم حاولت النهوض بكل ما أستطيعه من قوة لأجثو على قدمي أبي أبللهما بدموعي طالبة العفو والمغفرة... ليعفو عني بركلة من قدمه وهو يهتف:
- لو كررت هذا ثانية فلن يمحو عارك إلا القبر...

بكيت على صدر شقيقتي بدرية وصالح يثبت لي بأنه متفهم للأمر، وأنني لم أفعل شيئا يستحق أي عقاب، وأن مرافقة زميلتي وشقيقها ليس عيبا على الإطلاق... ابتلعت غصة ألم وأنا أحاور ذاتي " آه لو تدري يا صالح من هو شقيق زميلتي هذه كما تسميها... آه لو تدري، إنه حياتي التي أعيشها ودنياي التي أحياها".

لكن أحدا لم يعرف ما بداخلي سواي، ومضيت أجتر آلامي في صمت وأنا أترقب عودة شقيقي حمد المحبطة...

حضر حمد وزوجته ذات مساء... هالني الفارق الشديد بينهما، هو بوسامته اللافتة وطوله الفارع وبشرته الوضاءة، وهي بقامتها الضئيلة ودمامتها المنفرة وبشرتها المائلة للاصفرار...

كان هذا أول شئ لفت نظري فيهما، ثم اكتشف أنهما بدون أطفال وأدركت أن هذا الأمر يشكل لهما مشكلة حينما سألت حمد بعفوية:
- أليس لديكما أطفال؟
حينها فقط تجهم وجهه وغابت الإشراقة المميزة عن ملامحه لتعبر سحابة سوداء عينيه، فتمتلئ بالدموع المتجمدة اليائسة...
أجابت زوجته وهي ترتجف:
- بلي.. ليس بعد...

ندمت على سؤالي، وأيقنت حينها أنني قد وضعت ملحا على الجرح ينزف فزدته ألما واشتعالاً... تقلصت عضلاتي ألما وحسرة، فنكست برأسي دون أن أنبس بحرف وكأن شقيقي قد استشعر ندمي وألمي، فهمس لي بأنه سيوصل زوجته إلى البيت ثم يعود ليسهر معي....

وكانت سهرة دامعة دامية أثارت لواعجي وبثت الحزن والألم في نفسي طويلاً. فقد حكى لي قصة حبه وعذابه حيث التقي بزميلته الممرضة في المستشفي نفسه... التقاء روحي ليس أكثر، أعجب بنشاطها وذكائها وكفاءتها.. وبادلته إعجابا بإعجاب، فنما الحب وتطور ونضج، ولم يكن من نهاية ملائمة له سواي الزواج، فتقدم لأهلها خاطباً ورحبوا به أيما ترحيب، ولم يسألوه عن أهله وأبية ولم يشترطوا عليه أي شروط، بل كان كل شئ سهلا ميسرا بشكل يدعو للريبة والخوف من المستقبل، فلا سعادة نقية خالصة بدون شوائب ولا طريق ممهد بدون عراقيل وأسلاك شائكة، فبدأت رحلتهما المرهقة المكلفة بعد شهر واحد فق من زواجها بدون حمل... بدأت الرحلة في المستشفيات والمراكز الصحية المجاورة ثم تجاوزتها إلى المستشفيات الخاصة الباهظة الثمن... لم يكن الموضوع عدم ثقة بالمستشفي الكبير الذي يعملان به سويا لكنه الخوف من انتشار المر بين زملائهما، فيصبحان موضوعاً للحديث ومادة للتندر والسخرية أو على أحسن الفروض تحوطهما نظرات الشفقة والرأفة بحالهما وهما لا يريدان شيئا من هذا... يريدان تعاطفا حقيقيا نابعا من قلب، صادقا مخلصا وبمرور السنوات بدأت مدخراتهما تنفد وديونهما تزداد والأمل يذوي شيئا فشيئا في نفوس متعطشة لطفل واحد فقط يملأ عليهما حياتهما ويسقي بذرة الحب التي بدأت تعاني من جفاف المشاعر وتصحر العواطف. طفل واحد يا أحلام ولا أريد غيره أبدا أبدا....

وأطلق تنهيدة انخلع لها قلبي وارتعدت لها أطرافي، فلم يسعني سوى أن أقول...
- إن الله كريم يا حمد ولن يخذلك أبداً...
نظر لي بدهشة وكأنه في يشك إيماني ثم هتف بمرارة:
- سبع سنوات من الزواج بدون أي ثمار... هل هناك أي أمل؟
قبل أن أتفوه بكلمة تابع بحزن:
- أتدرين... لقد اضطررنا للجوء إلى المستشفى نفسه الذي نعمل به وهو ما حاولنا تحاشيه مراراً... لكن حالتنا المادية المتدهورة وسفرنا المتكرر خارج البلاد أوصلنا إلى طريق مسدود، فلم نجد بدا مما ليس له منه بد فحادثت أفضل طبيب استشاري في المستشفى، وبدأنا نخضع لعلاج مكثف وأدوية باهظة الثمن صرفها لنا الطبيب من صيدلية المستشفى... لقد كان سبب مشتركا بيننا... فأنا أعاني من ضعف في الإخصاب، وهي دورتها الشهرية غير منتظمة والتبويض ليس طبيعياً، ومع هذه الأدوية وعلاج الطبيب المتمكن ارتفعت نسبة الإخصاب لدي وانتظمت الدورة الشهرية لزوجتي...

صمت حمد فجأة فرفعت وجهي إليه لأجده هائما يحدق في الفراغ وكأنه قد نسي وجودي كليا وغرق في عالمة الخاص... ذلك الماضي الذي يحمل بين طياته كما هائلا من الأحزان والمواجع تشي بها عيناه الدامعتان وحركات يديه العصبية. لم أشأ أن أقاطع صمته أو أستحثه على الكلام، فقد توحدت معه في دنيا مضخمة بالحسرات تخلو من صدر الأم الحنون وعطف الأب ومؤازرته وتشتت الأخوة ومعاناة مستمرة مع الحياة...

" خلق الإنسان في كبد" همست بها دون أن أشعر لأنتشل شقيقي من رحلته الداخلية إلى دنيا الواقع... تنهد قائلا:
- نعم ... نعم صدقت الآية الكريمة " خلق الإنسان في كبد" مكابدة مستمرة وصراع من أجل البقاء... لن تصدقي حينما أخبرك بأن زوجتي قد كتب لها الله الحمل على يد هذا الطبيب الشهير لكنه لم يتم، ولا أستطيع أن أصف لك مهما عبرت عن مشاعر الفرحة الزاعقة والسرور الطاغي، ما إن علمت بالخبر ثم التعاسة الخالصة والحزن القاتل اللذين أعقباهما... أتدرين ما معني أن يتعرض إنسان ما لمشاعر متناقضة بل شديدة التناقض في وقت وجيز تماما كما يحدث للجسد حينما يتعرض لحرارة ثم برودة والعكس... إنه يمرض ... ينهار... يفقد صوابه أو يتخبط، وهذا ما حدث لي يا أحلام... لم أتحمل رؤية أحلامي وهي تنهار أمام عيي دفعة واحدة. لم أتحمل الأمل وهو يتحول إلى وهم وسراب، وطفلي المنتظر يتمزق إلى أشلاء يحويها التراب... جننت... افتعلت مشاجرة مع الطبيب واتهمته فيها بتعمده إجهاض زوجتي... حاول أن يفهمني وأن يشرح لي، لكنني صددته... وتطور النقاش إلى أن اتهمه بسرقة الأدوية من صيدلية المستشفي وبيعها... هنا فقد الطبيب هدوءه وصبره فطردني من العيادة ليتطور الأمر بعد ذلك إلى تقديم شكوى ضدي، تلتها شكاوى من زملائي بأنني أهملت عملي في الفترة الأخيرة وأعاملهم بشيء من الحدة والعصبية، ثم شكوى من مديري المباشر بأنني لا أصلح للعمل، ثم تم عمل تحقيق، وأحمد الله على نتيجته فليس النقل التأديبي لمنطقة أخري كمثل الفصل من الوظيفة أو الوقف عن العمل أو أي عقاب آخر...

لا تحزني من أجلي يا أحلام، فصدقيني أنني لست حزينا فليس هناك في تلك المنطقة ما أحزن من أجله حتى ممن ارتبطت معهم بصداقات عميقة ، فقد بينت لي هذه الأزمة أن صداقتي لهم أوهي من خيوط العنكبوت، وأنه لا دائم سوى وجهه سبحانه وتعالى... والأمل في الله كبير...

خرج صوتي مبحوحاً خشناً وأنا أقول:
- إنك لم تفعل شيئا منه يا حمد، فقد كانت مشكلتك مع الطبيب منطقية من وجهة نظرك، لكنها الظروف السيئة التي وضعتك في هذا الموقف... ومن يدري " وعسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم" فربما يكون انتقالك إلى هنا بداية عهد خير ونماء بالنسبة لعملك وحياتك ككل... المهم أن تستقبل حياتك الجديدة يأمل وبنظرة تفاؤل وحب، ولن تخسر بإذن الله...

انسحب حمد لأبقى بعده فترة طويلة عاجزة عن استرداد ذاتي وكأنني أقف على فوهة بئر عميقة أمد يدي بدون طائل جاهدة لانتزاع نفسي المفقودة في قاع البئر. رباه ماذا فعلت بالدنيا وماذا فعلت الدنيا بي؟ تضعني على حافة المآسي... مأساة وكأنني أفتقد التعاسة داخلي لتمتلئ كأسي المترعة بالمزيد حتى الفيضان وتصفعني بالحياة الصفعة تلو الصفعة حتى لم أعد أقوى على تحمل المزيد...

أخوتي ومعاناتهم التي أحملها، هموم تضاف إلى هموم، وعناء يثقل كاهلي، أتألم لألمهم وأعيش حياتهم مرتين، حتى أنني أكاد أنسى حياتي ومستقبلي وشبابي الذي تسرب من بين أصابعي كدفقات الماء....

صفعات أبي لا تزال موسومة على خدي تؤرخ نهاية حريتي وبداية معركتي الخاصة مع العالم وأولهم أبي... لكن الصفعات تلاشت وكأنها رذاذ مطر عابر، ليغرقني طوفان أحزان أخي حمد وأنسي على أثره كل شئ حتى نفسي..

توضأت وتأهبت للصلاة " لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين" وانبثقت الدموع من عيني حارة صادقة وحقيقة ... يا رب... يا ودود ... يا ذا العرش المجيد ... فعال لما تريد أسألك بعزك الذي لا يرام وملكك الذي لا يضام ونورك الذي ملأ أركان عرشك بأن تهب أخي حمد ذرية تحمل اسمه... يا مغيث أغثني... يا مغيث أغثني... يا مغيث أغثني... لم أفاجأ بعد ذلك بشهور حينما علمت أن زوجة أخي حمد حامل توأم....







وللقصة بقية :
MAY.MAY
MAY.MAY
هذا خبرنا فيك كريمة ، أأأأأأأأأأأأأألف شكر لك يا أم الكرم .........تسلم ايدينك.