انسة في الاربعين.. قلق واكتئاب

الأسرة والمجتمع

أجمل ما في موقعكم أن الواحد فينا يفتح قلبه وهو مطمئن بأنه بين يدي آمنة وحريصة، تشعر به كما يشعر هو بنفسه؛ فجزاكم الله كل خير على ما تبذلونه من أجلنا.

آنسة في الأربعين.. هذا هو أنا، آلام متجددة، وإحباطات متكررة، وأحزان في القلب توطنت، آمنت بأن ذلك كله قدر، ولا يد لي فيه ولا حيلة، كان نهجي في هذا الأمر البحث عن صاحب الدين والخلق، ولأن هذا في زماننا صار قليلا فقد رضيت حتى بنصف الحال، أما الحيلة فلم أعدم الوسيلة، ولو عرضت نفسي على من توسمت فيه خيرا وإن لم يتحقق منايا فلست بنادمة؛ لأنني فعلت ذلك عن قناعة؛ فلا أخرج وأنا ذليلة بل أخرج ولسان حالي يقول: "اللهم إني قد سعيت فاشهد"، ولم يحدث لي ولو لمرة واحدة أن تغيرت وجهة نظر الطرف الآخر لي؛ فمن حسن حظي أنني أحظى باحترام كبير من كل من حولي وفخر واعتزاز، ولكن كأخت فقط، ويحافظون على علاقتهم بي كأخت ولو بعد حين، غير أني كرهت هذه الكلمة، والحمد لله على كل حال.

أوقعني هذا الحال في مخالب الغيرة والحسد وهذه هي مشكلتي؛ أكره من جذور أعماقي هذه المشاعر المقيتة؛ فهي تقتل صاحبها وتدمره، وهو وحده من يتألم بينما الآخرون يتقلبون في نعيمهم، ما أريد معرفته منكم هو تعريف للغيرة التي تحدث للناس بسبب تفاوتهم؛ هذا الشعور السلبي الذي لا يسلم منه حتى الطفل البريء؛ فما هي حدوده؟ وما مداه؟ وما هو الخط الفاصل بينه وبين الحسد عافاكم الله؟ ومتى يكون طبيعيا ولا حرج فيه؟ وهل يمكن لنا السيطرة عليه، ويا ليت حتى إقلاعه من جذوره؟.
هذه مشكلتي وسأورد لكم أمثلة عليها لتسهل عليكم تشخيص حالتي؛ أنا لا أفرح لفرح الآخرين ما دمت أنا محزونة مغمومة، أما إذا كنت في حالة حسنة وهناك أمل يلوح في سماء الأفق والفرح في داخلي يملأ سمائي ويفيض على من حولي فليفرح الجميع إذن وليهنأ الجميع، والحالة الوحيدة التي أفرح فيها لغيري ولو كنت محزونة إذا كان الفرح لفتاة حالها كحالي، عاشت شبابها تنتظر الفرج، وكابدت من الآلام ما كابدت، هذه أفرح لها، وربما سبب فرحي أن فرحها يعطيني الأمل، ويقول لي: لم يفت القطار، والله كريم؛ هاهي فلانة رغم كبر سنها وذبول جمالها فقد فتح الله عليه بابن الحلال الذي تسكن إليه بعد طول وحدة ووحشة.
ومثال آخر بينما كانت جارتنا التي تصغرني بخمسة عشر عاما تتفاخر بأولادها الثلاثة؛ فولدها لا يغلب وهو بطل بين أقرانه؛ فهو الغالب دائما، فما كان مني إلا أن قلت لها: ليس جيدا أن يكون ولدك كذلك فهو معتدٍ، والذي يضرب الأطفال اليوم يضربكم غدا.. ربما كان كلامي صحيحا، غير أن نيتي كانت أن أكسر الفرح في قلبها وهذا الفخر والإعجاب، مع أنها تحبني وطيبة معي، وهذا ما يؤلمني.
ولي زميلة تزوجت، فأحضرت لي صور زفافها، ولم أكن قد طلبت منها ذلك كما تفعل البنات عادة، فقلبت الصور وقلبي يتمزق ولسان حالي يقول: "لم لا ترحموننا وتراعون مشاعرنا؟"، وما إن غادرت حتى أجهشت بالبكاء وصرت أكره حتى رؤيتها.
هل أنا سيئة أم أن أي أحد في وضعي سيصدر منه ما صدر مني؟.. لست أدري إلا شيئا واحدا؛ أن يرزقني الله ما يكفيني ويغنيني وينجيني من الغيرة ونارها.
ساعدوني وفقكم الله كيف أتجاوز هذه المحنة؛ فأنا أخاف من الحديث الشريف القائل:
"لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه".




اسم الخبير أ.د. وائل أبو هندي, د.نعمت عوض الله
الحل


يقول د.وائل أبو هندي:

الأخت العزيزة، أهلا بك، لا أحسب أن مشكلتك تكمنُ في بروز أفكار ومشاعر الغيرة أو الحسد إلى وعيك تجاه من أخذن زينة الزواج أو الأولاد من حولك وقد بلغت الأربعين بلا زواج؛ فمن الطبيعي عندئذ أن تبرز تلك المشاعر والأفكار إلى وعيك بين الحين والآخر، ليست المشكلة هنا، وإنما المشكلة تكمن في نقطتين:

النقطة الأولى أن مزاجك يميل إلى الاكتئاب، وإلى حد مرضي ربما بين عسر المزاج والاكتئاب؛ وهو ما قد يجعلك عدوانية بعض الشيء مع نفسك أو مع الآخرين.
والنقطة الثانية هي رد فعلك أنت تجاه بروز تلك الأفكار والمشاعر، أو ربما تجاه ما يفلت منك من سلوكيات تنم عنها، من الواضح في حالتك طبعا أن رد فعلك الظاهر هو استهجانك تلك الأفكار والمشاعر، وندمك ظاهر على بعض السلوكيات. إلا أنه من الواضح أيضًا أن الأمر يشغلك أكثر من اللازم؛ ففي الحدود الطبيعية المعقولة يقف أمر مثل تلك الأفكار والمشاعر عند مرتبة الخاطر من وعي الإنسان، ولا يتعدى حدود وسوسة الشيطان العابرة إن أنت استعذت بالله منها، لكنك -كما يفهم من الإفادة- تجاوز أمرها معك تلك الحدود، وأصبحت منشغلة إما بالتفسير أو التبرير، أو لوم ذاتك أو الخوف عليها، وهل هي غيرة محمودة أم مذمومة؟ أم هي الحسد؟ وأحسب أن في الأمر اختلاطا كبيرا لديك ربما وفقنا في إزالته، واقرئي أيضًا عن الغيرة: الغيرة والرياء: وسواس قهري أم خناس؟.



والغيرة في حالتك وما يشبهها بين الأقران هي ليست الرغبة في الحصول على شيء يملكه الشخص الآخر؛ بل هي أن ينتاب المرءَ القلقُ بسبب عدم حصوله على شيء ما.. فإذا كنت تغارين من صديقة تزوجت؛ فليس ذلك فقط لكونك تريدين الزواج، ولكن لشعورك بأنه لا شيء سيوفر لك الحب والطمأنينة غيره، وأحسب أن هذا النوع من التفكير غير صحي رغم أنني أعرف قسوة مشاعر العنوسة، إلا أنني أظن أن في حياتك الاجتماعية كثيرا من الحب والقبول، ولكنك مع الأسف تقللين من قيمته، كما أحسب أن الاطمئنان المستمد من علاقتك مع الله يحتاج إلى تقوية.

وأما الحسد فهو أن تتمني زوال النعمة من غيرك وليس فقط أن يكون لك مثلها، وهذا مذموم في كل أحواله.

وأنت تبدين كذلك في إفادتك كمن تخشى أن يحدث أو أن يكونَ قد حدثَ تغيرٌ سيئ في نفسها ومشاعرها تجاه الأخريات من بني جنسها، وترين في ذلك شرا تحاولين تلافيه إن كان من الممكن تلافيه، وسأبشرك إن شاء الله في تحليلي للمواقف والأمثلة التي أوردتِها لنا:

فكونك تفرحين لفرح الآخرين إذا كنت فرحة، وتعجزين عن ذلك إذا كنت في حالة من الهم أو الحزن؛ فهذا حال كل بني آدم، وكذلك الموقف الذي استكثرت فيه على المرأة غرورها بولدها؛ فكنت عدوانية في تعليقك على مشاعرها وأفكارها؛ فأنت وإن لم يخلُ رأيك من منطقية فإنه كان جارحا وجاء في غير وقته، وتجاه من تعتبر نفسها أختا صغرى لك على أحسن الظن، وهذه فعلة عدوانية من جانبك سببها غالبا هو نفس ما تدورين فيه من الشعور بالحرمان من النعم التي للأخريات.

وأما في موقفك من زميلتك التي أرتك صور زفافها؛ فقد شعرت بمشاعر أسوأ في تقديري الشخصي من كل ما سبق، وحسن أنك لم تظهري لها ذلك، إلا أنك واصلت جلد النفس بينك وبينها، وأجهشت كثيرا بالبكاء، ولم تراجعي نفسك مع الأسف، حتى إنك من طول ما عذبت نفسك بذلك أصبحت تكرهين رؤيتها، مع أنها زميلة (أي غالبا أيضًا تأخرت في زواجها)، وكأن تناقضين نفسك؛ فقد وصفت زواج من تأخر زواجها بأنه من القليل الذي يفرحك؛ فكيف أنت الآن غاضبة وتجهشين بعدها بالبكاء؟؟!

أحسب أن الموقف الأخير قد أوصلك لحافة الانهيار على كلا المستويين: النفسي والإيماني، والحمد لله أنك أرسلت لنا في مشاكل وحلول للشباب، ولكنني لا أستطيعُ أكثر من أن أنصحك بضرورة العرض على أقرب طبيب نفسي، وساعديه على أن يتعمق في مشاعرك وأفكارك؛ فأنت تحتاجين إلى تشخيص ما قد يكون اكتئابا، وقد يكون مصحوبا بوساوس الحقد والغيرة عافاك الله، كما أنك تحتاجين إلى علاج معرفي وتدعيمي وفقك الله إليه، وأترك كثيرا من النقاط لتغطيها الدكتورة نعمت عوض الله.



وتضيف د.نعمت عوض الله:


ابنتي، أوجعتني والله، أوجعتني رغبتك المشروعة والحقيقية في الزواج والاستقرار، ومحاولاتك الشريفة للحصول على ما تريدين، ولا عيب يا ابنتي أن تعرضي نفسك على خاطب، والأجمل أن يحتفظ الجميع لك بكل الود والحب والاحترام.
تسألين عن مشكلة، وسأسألك عن مشكلة: لم تذكري أي سبب لعدم تمام أي ارتباط.. أوضحت ضمنا أنك كنت على استعداد دائم للقبول، ولكن عدم التوفيق المتكرر -طبعا كله بقضاء الله وقدره- لا بد أن تكون معه وقفة صغيرة؛ لتفهمي وتعرفي، ربما يساعد هذا على تلافيه مستقبلا، وهذا أيضا من باب الأخذ بالأسباب.. لو أردت أن نناقش الأسباب معا فأهلا بك.
نأتي لمشكلة الغيرة والحسد: صدقت حين قلت بأنها تنتاب الجميع إلا من رحم ربي.. وجميل أن تخافي آثارها المدمرة على شخصيتك ونفسيتك وعلاقتك بالآخرين، والأجمل أنك تعاتبين نفسك بنفسك على تجاوزك للحدود الطبيعية،
أنت يا ابنتي شخصية شديدة الحساسية وعاقلة، وتتمتعين بكم كبير من الحكمة والفطنة، وهذا أحد أسباب الألم؛ لأن أحيانا البلادة تفيد في بعض المواقف.
ما أشرت إليه من مشاعر طبيعي وأكثر من طبيعي وإن لم يكن هو الأمثل؛ بمعنى أن كل إنسان في حال فرحه وهنئه يسعد بكل شيء.. وأي شيء.. على رأي الأفلام المصرية القديمة حين تدخل الفتاة لتقول: "بحبك ياماما.. بحبك يا بابا.. بحبك يا دادا.. بحب الغُرب والقُرب".. وهذا لسعادتها الشخصية بوصول الحبيب مثلا.
إذن فهذا طبيعي، ولكنه ليس ما يحثنا عليه ديننا الحنيف الذي يربينا على الأخلاق السامية.. فنحن يجب أن نفرح لفرح كل إنسان، ونحزن لحزنه ونشاطره الكل.. فنحب له ما نحب لأنفسنا.
هل تتمنين أن تجدي نفسك وحيدة يوم فرحك ولا يشاركك أحد ذلك؟ لا تقولي: نعم وتتعجلي؛ فالفرحة لا تساوي الكثير إن لم نتشاركها مع الآخرين.. فهم من ينشرونها ويزيدونها ويضيئون العالم حولنا بهجة بابتساماتهم.
هذا بالنسبة للمشاعر.. أم تصرفاتك وردود أفعالك؛ فقد علقت عليها بنفسك ولن أزيد عليك لوما.
لكن ما أتعجب منه أن تحتل الرغبة في الزواج كل هذا الحيز في حياتك مع أنك امرأة عاملة؛ أي لديك ما يشغلك.. ليس معنى ذلك أن العاملة لا تتزوج.. ولكن على الأقل هي تجد ما تفعله طول النهار.
إن كثرة تركيزك في الموضوع ووضعه الدائم في بؤرة اهتمامك الوحيدة، ونصب عينيك هو ما وصل بمشاعرك إلى هذا المنحنى الخطر من كراهية فرحة الناس، والتي قد تتحول إلى كراهية الناس أنفسهم.
وبعد أن كنت تعاتبين نفسك إذا أسأت بكلمة ستؤذين باليد واللسان، ولن تتحرك بداخلك أي وشائج ندم بل سعادة، وهذا سيقتلك أنت أولا؛ فسيهرب منك الجميع.
إن الرضا بالقضاء إذْنٌ برفع البلاء.. وأنت راضية باللسان، ولكن قلبك لا يزال يسأل رب العباد: لماذا؟ وسبحانه لا يُسأل عما يفعل وهم يُسألون.

إذا كرست تفكيرك وتركيزك في مجالات أخرى للخدمة العامة أو رعاية الأسر الفقيرة، أو تعليم الصغار.. فستجدين لديك ألف ساعة مشغولة بأشياء مبهجة ومفيدة.. أطفال كثيرون سيصبحون أبناءك.. وأسر كثيرة ستصبح عائلتك.. امسحي على رؤوس الأيتام، وأفيضي عليهم من حنانك.. وستجدي نفسك تتحدثين عن قوة فلان ومرض علان من أبنائك.

وبالطبع لم يفُت العمر أبدا لترتبطي وتبدئي حياة مع زوج وأولاد من أحشائك.. إنما انتظار الحدث لن يقربه.. فلقد أتى أمر الله فلا تستعجلوه.
أنتظر رسالتك القادمة التي تبشرينني فيها بسعادتك وفرحتك بإذن الله

منقول من احد المواقع
10
1K

يلزم عليك تسجيل الدخول أولًا لكتابة تعليق.

تسجيل دخول

سـ أم ـعود
سـ أم ـعود
يالله هالدنيا فيها بلاوى ..الله يسترنا بسترك وعفوك..يارب كل بنت فى بيت ابوها جعلها تتزوج رجل صالح وترزقهم بالذريه الصالحه ..وكل متزوجه ترزقها بالذريه الصالحه .............الحمد لله على كل حال
(alwan)
(alwan)
يــــــاقلبي قلبهـــا

وش الســـــــــوات :icon33: :icon33: :icon33:

الله يستـــر على بنــــــــــــات المسلمين
خالة الأمورة
خالة الأمورة
21سنة ومش قادرين نستحمل :16: ربنا يكون فى عونها
خوخة المنفوخة
والله المتزوجه موعاجبهاحالها والمطلقه موعاجبها حالها والعانس مو عاجبها حالها والموظفه موعاجبها حالهاوهذي حال الدنيا قال الله تعالى ( خلق الانسان في كبد) وبالله المستعان
حبيبة أبوها
حبيبة أبوها
الله يوفق الجميع

بارك الله فيك عزيزتي