رذاذ وبس

رذاذ وبس @rthath_obs

عضوة نشيطة

انظر لكل انثى بعين الاب وستتغير نظرتك

الملتقى العام

انظر لكل انثى بعين الاب وستتغير نظرتك





مقال رائع جداااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااا اتمنى من الكل قرائته








:أشرف احسان فقيه





في روايته الغير رهيبة جداً (القرن الأول بعد بياتريس) يتكلم أمين معلوف عن أب وابنته تمثل علاقتهما المدهشة حلاً لإشكالية كادت أن تفني البشرية. أعتقد أن ذلك التصوير قد داعب مخيلتي حينذاك وأعجبني أن أكون أباً لبنت. لكن هذا الخيال القديم لاشك تبخر سريعاً لتبقى رغبتي الأكيدة في إنجاب الذكور. أنا لا أحب الأطفال عموماً. لكني أفضّل التعامل مع الأولاد دون البنات. والذين يعرفونني جيداً يعرفون أني أستثقل دم البنات الصغيرات. لا أحب “المجاغة” ولا أساطير الأميرات والعوالم الغارقة في البمبي والدانتيلا. مع الأولاد فإن التعامل يكون واضحاً “تو ذا بوينت”، وإذا لم ينفع الكلام فيسعك بتأنيب ضمير أقل أن تستخدم وسائل إقناع أكثر.. فاعلية
!

طبعاً فكل -وأعني كُلّ- أصدقائي الذين رزقهم الله ببنات قد سخروا من وجهة نظري هذه وقاتلوها باستماتة. وطبعاً كلهم أكد لي بأني لن أعرف معنى الأبوة الحقيقية ما لم أنجب بنتاً.. وأن البنت ستغمرني بالحنان وتعتني بكبرتي في حين لن ينفعني الولد ولن يتذكرني إلا إذا أراد سيارة جديدة.. إلخ إلخ إلخ.



أمس وُلدت ابنتي لِينة. ومنذ ذلك الحين فقد تنبهت لنفسي أكثر من مرة وأنا أحملق بها في صمت وتأمل.

لن أقول أني أسعد إنسان في العالم أو أني قد غيّرت رأيي تماماً واقتنعت أن إنجاب البنات هو أحسن شيء في العالم. لا شيء من هذا حدث بالطبع. ولا أنا طائر من الفرح. أعتقد أني مصاب بنوع من الصدمة.. صدمة أن تستوعب أنك مسؤول عن إضافة إنسان جديد لهذا العالم. أن الله تعالى قد جعلك سبباً لكينونة واحد نفر جديد! وأن هذا النفر سيخوض حياة كاملة بكل مافيها.. بسببك أنت!



أعتقد أن مشاعر الخوف والقلق تتغلب على مشاعر الفرح عندي.. الفرح قادم بإذن الله. ستأتي به أول ضحكة وأول خطوة وأول سن لبني وأول كلمة “بابا”. لكني الآن إذ أكتب هذه الكلمات وعُمر ابنتي يقاس بالساعات، فإني مقبل أكثر على التأمل الفلسفي في هذا الحدث: أن تولد لك ابنة.



وهنا سأفرّق مجدداً بين البنت والولد. حين وُلد لي فيصل، لم أستشعر هذه المخاوف. وقتها كنت سعيداً جداً لأني أصلاً أردتُ ولداً. وأنا الآن أقل سعادة. لكن لا تفهموني غلط! أنا لست أقل سعادة لأني قد رزقت ببنت -معاذ الله- لكن أنا أكثر خوفاً على هذه البنت.



خائف على هذه البنت من تصاريف الدهر ومطبات الحياة. والولد أيضاً يستحق أن أخاف عليه بالتأكيد. لكن الخبرة الأولى التي اكتسبتها في الثانية الأولى لأبوتي لبنت هي: كم هو هش هذا الكائن البنّاتي. كيف تترجم كلمة Vulnerable الانگليزية؟ هذا بالضبط ما أحسست به وأنا أحمل ابنتي بين ذراعيّ. طبعاً أنا عندي أم وأخوات وزوجة.. لكني لم أنظر للأنثى من قبل بعين الأب
.

خائف على البنت من ملاعين البشر. الذين سيحاولون استغلالها واستهبالها والاستحواذ عليها بأي شكل كان. هل أعاني من إشكالية نفسية لأني أنظر للأنثى كمحض “مُكتَسب”؟ ربما.. وإذا تعالجت أنا من هذا العيب، فماذا عن باقي العالم؟!



ماذا عن باقي المجتمع؟ أنا خائف على هذه البنت من مجتمع لن يرحمها وسيدوّل كل قضاياها ومشاكلها الشخصية. مجتمع سيتنازع حقوقها بدون أن يعطيها هي أي منها! مجتمع Judgmental ذو رأي مسبق وعين حارة ناقدة على طول الخط سيحاكمها ويدينها مها فعلت: سيحاكمها لو تحجبت وتبرقعت، وسيحاكمها لو لم تتحجب وفتشت. سيحاكمها لو لبست بنطلون كاپري، أو لو ظهرت شعرتان سهواً من تحت طرحتها. سيحاكمها لو أكملت تعليمها وحصلت على الدكتوراه.. ولو قررت أن تجلس بالبيت بعد الثانوية وتتفرغ للخلفة. سيحاكمها لو كانت قبيحة غير رياضية ولا مثقفة، وسيطين عيشتها لو كانت جميلة رشيقة ذكية! بغتة وخلال ثوان استوعبت أن ابنتي هذه التي بين ذراعيّ ستكون هدفاً لكل الناس. حتى أولئك الذين لا يمتون لها بأدنى صِلة وبالكاد تتقاطع حيواتهم مع حياتها. واستوعبت -برعب أكبر- أن مقاومتها لهؤلاء وتصديها لهم ستجعلها عرضة للمزيد، وستكشف المزيد من جوانب هشاشتها وتستجلب المزيد من هؤلاء الأوباش عليها!!



حين تأملتُ في ابنتي واستعرضت أهم محطات مسيرة حياتها التي لم تبدأ بعد . أحسست فجأة بغلٍ شديد نحو الرجل الذي سيتزوجها. فكرت أنه قد يكون أكبر عدو لها. أكبر خطر قد يهدد سعادتها. اليوم.. في أحد البيوت السعودية.. ثمة وغد صغير يتسلى بتكسير ألعابه إلى أن يكبر يوماً ويطلب يد ابنتي مني.

ثم ماذا؟ كيف سيعاملها؟ هل سيصرخ في وجهها؟ هل سيجعلها تبكي لأنها قدمت له شاياً بارداً؟ أو لأن الشماغ غير مكوي؟ أو لأنها لطعته ربع ساعة في السيارة بينما هي تصلح زينتها؟! وهل تسوى ربع ساعة من حياتك دمعة من عين ابنتي يا ابن الـ… ؟!



بغتة وأنا جالس وحدي بالبيت بينما ابنتي وأمها نائمتان في المستشفى، أحسست أن ابنتي مولودة في عالم معادٍ لها جداً: فالغرب “يسلعها” ويعاملها كمحض جسد أو مانيكان . والشرق أيضاً يعاملها كمحض جسد تجب حمايته، ويستكثر عليها أن تستقل بشغلها أو بطموحها. إنها لن يكون لها وجود حقيقي بدوني أو بدون أخيها أو زوجها وموافقته ورضاه. إنها، ابنتي هذه التي تغفو بسلام كامل وتبتسم للملائكة، هي كائن ناقص الأهلية إلى أن يعقد عليها رجل ما وتصبح على عصمته ليصير لها صوت! إنها لن تستطيع أن تعمل موظفة -لو أرادت أو حدّتها الظروف- ولن تستطيع أن تسوق سيارة.. أيضاً لو أرادت أو حدّتها الظروف.. لأنها “بنت”! لأنها لن تضمن أن يتحرش بها أحد، أو يسقط عليها أحد، أو لا يهب لنجدتها أحد.. رجل.. في الوقت المناسب!

بغتة أدركت أن السر كله يكمن في هذه الكلمة: رجل. أنا خائف على ابنتي.. بل وأنا متخوف منذ الأزل من أن أنجب بنتاً.. واقنعني عقلي الباطن بأن الأولاد أحسن.. بسبب هذا الرجل.. بسبب وجوده.. أو عدم وجوده بالأصح.



ليس هناك رجال. هناك أزمة رجال.. رجولة حقيقية أصيلة. لذا فإننا خائفون على نسائنا وبناتنا ونتمنى لو لم يكنّ خلقن. هناك أزمة رجال ولا أستثني أحداً ولا حتى نفسي. لو كان مجتمعنا يعج بالرجال الحقيقيين لما خاف أحد من أن يعطي لابنته سيارة تمشي بها في الشارع تحت سماء الله وفوق أرضه دون أن يتعرض لها أحد. لو كان السوق والشارع فيه رجال، لما خاف أحد من أن تعمل ابنته بائعة أو محاسبة تحت شمس الله وأمام عيون خلقه دون أن “يخشى الفضيحة”. لو كان ثمة رجال لطبقنا حديث “من ترضون دينه وخلقه” وفي بطوننا كل بطيخ الصيف. إلا قُللي يا مولانا بما أنك صاحب دين وخلق: ما رأيك في المسيار؟ وفي الزواج بنية الطلاق؟



بغتة أدركت أن ابنتي قد تكبر لتكون فتاة حمقاء عينها فارغة. منتهى همها شنطة (كوتش) وشهر عسل في پاريس أو لندن. قد تكبر لتصير امرأة سطحية ضحلة كل شغلها النميمة والمظاهر والفلوس. لكن هذه غالباً ستكون غلطتي أنا: الرجل الذي تولى تربيتها.. والذي هو زوج أمها التي ربتها أيضاً.

يجب أن تتعلم هذه البنت كيف تأخذ حقها بنفسها وبيدها، بدون وصاية ولا منّة من أي مخلوق كان.. رجل أو سواه!


يقولون أن حواء قد أخرجت آدم من الجنة. لكن الذي وسوس لحواء كان إبليساً مُذكرّاً. أتأمل في ابنتي وأخاف عليها من كل الرجال في العالم. أحوّطها بالمعوذات وبآية الكرسي. وأسأل الله ألا يؤاخذها بذنوبي أنا!






0
486

يلزم عليك تسجيل الدخول أولًا لكتابة تعليق.

تسجيل دخول

خليك أول من تشارك برأيها   💁🏻‍♀️