الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى
آله وصحبه ومَن اهتدى بهداه إلى يوم الدين، وبعد:
فإن من علامات آخر الزمان كثرة الفتن؛
فقد ثبت في الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
«يتقارب الزمان, وينقص العمل, ويلقى الشح, وتظهر الفتن، ويكثر الهرج»
قالوا: وما الهرج، قال: «القتل، القتل»،
وللحروب آثار مدمرة قد تخرج عن ميادينها إلى الميادين المجاورة،
لذا يلزم المبادرة باتخاذ إجراءات وقائية لهذه الآثار المحتملة
أو التقليل من أضرارها،
والله سبحانه يقول:
(وَاتَّقُوا فِتْنَةً لا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ العقاب) (الأنفال: 25).
وقد صدق شاعر العرب حين أنشد
الْحَرْبُ أَوَّلُ مَا تَكُونُ فَتِيَّةً~
~تَسْعَى بِزِينَتِهَا لِكُلِّ جَهُولِ
حَتَّى إِذَا اشْتَعَلَتْ وَشَبَّ ضِرَامُهَا~
~ وَلَّتْ عَجُوزًا غَيْرَ ذَاتِ حَلِيلِ
شَمْطَاءَ يُنْكَرُ لَوْنُهَا وَتَغَيَّرَتْ ~
~مَكْرُوهَةً لِلشَّمِّ وَالتَّقْبِيلِ
لذا تجب الاستعانة بالله وصدق التوكل عليه ثم أخذ
الاحتياطيات الوقائية والأسباب العلاجية في حالة حصول شيء
من ذلك، وأن يقوم المجتمع بدوره في مساعدة الدولة
بتيسير هذه الأسباب والوسائل.
فهذه وقفات تتضمن توجيه أفراد المجتمع بالدور الذي يمكن
أن يقوموا به عند حدوث الفتن والأزمات لسواء المواقف الشرعية أو العملية
الوقفة الأولى: ماذا نفعل في وقت الفتن؟
- التعوّذ بالله جلَّ وعلا من الفتن, فإن النبي صلى الله عليه وسلم
كان يتعوَّذ بالله من الفتن, ويحذَّر المسلمين منها،
كما جاء في صحيح مسلم من حديث زيد بن ثابت
عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (تعوذوا بالله من الفتن ما ظهر منها وما بطن).
- الإلحاح على الله بدعاء المسألة والإكثار من دعاء
العبادة فهما الوقاية والعلاج في الفتن قال الله تعالى:
(وَاسْتَعِينُواْ بِالصَّبْرِ وَالصَّلاَةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلاَّ عَلَى الْخَاشِعِينَ) (البقرة: 45)،
وثبت في صحيح مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم
قال: (العبادة في الهرج كهجرة إلىّ). وقد كان ذلك
هو سلوك النبي صلى الله عليه وسلم في الشدائد كما فعل في يوم بدر.
- الاعتصام بكتاب الله وسنة رسوله عليه الصلاة والسلام،
قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ
وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ
وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا) (النساء:59)
ويقول صلى الله عليه وسلم: (إنه من يعش منكم؛ فسيرى
اختلافا كثير، فعليكم بستَّني وسنًّة الخلفاء الراشدين
المهديِّين, عضُّوا عليها بالنواجذ، وإياكم ومحدثات الأمور،
فإن كل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة)
أخرجه أحمد وأبو داود والترمذي.
فلا تخلص من الفتن ولا نجاة منها إلا بالتأصيل العلمي
القائم على منهج شرعي. فالرايات والشعارات والأفكار
التي ترفع في الفتنة والرموز المتبعون فيها يعرضون
على كتاب الله وسنة رسوله، فما أقره الله ورسوله أقررناه وما سواه فمردود.
- الرجوع إلى أهل العلم العاملين الصادقين،
والدعاة المخلصين لمعرفة المواقف الشرعية الصحيحة.
- الوحدة والائتلاف وترك التنازع والاختلاف
لقوله جلَّ وعلا وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا) (آل عمران: 103).
- لزوم الرفقة الصالحة الناضجة سلوكياً و فكرياً.
- حسن التأمل للواقع والوعي بالحال، والبعد عن العاطفة الزائدة التي تؤدي إلى الغفلة والسذاجة.
- التحلي بالصبر وعدم اليأس والاستعجال،
قال الله تعالى: (وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ
مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ الَّذِينَ
إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ.
أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ) (البقرة: 155-157).
- التحلي بالحلم والأناة, فبهما يمكن للمسلم أن يرى
الأمور بعين الحكمة، ويقف على خفايا الأمور وأبعادها وعواقبها,
فقد ثبت في صحيح مسلم أن المستورد القرشي قال
عند عمرو بن العاص رضي الله عنهما:
سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:
(تقوم الساعة والروم أكثر الناس).
فقال له عمرو: أبصر ما تقول، قال: أقول ما سمعت
من رسول الله صلى الله عليه وسلم،
قال: (لئن قلت ذلك، إن فيهم لخصالاً أربعاً:
إنهم لأحلم الناس عند فتنة، وأسرعهم إفاقة بعد
مصيبة، وأوشكهم كرة بعد فرة، وخيرهم لمسكين
ويتيم وضعيف وخامسة حسنة جميلة، وأمنعهم من ظلم الملوك)،
فالمسلمون أولى بأن يأخذوا بهذه الخصال التي حمد بها عمرو بن العاص الروم.
- الحذر من السير في ركاب المنكر لأن الكبراء رضوا به،
فقد روى مسلم في صحيحه عن أم سلمة رضي الله عنها،
أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (ستكون أمراء فتعرفون
وتنكرون، فمن عرف فقد برئ ومن أنكر سلم، ولكن من رضي وتابع)
قالوا: أفلا نقاتلهم؟ قال: (لا ما صلوا).
قال النووي: (من عرف وبرئ) معناه مالله أعلم فمن عرف
المنكر ولم يشتبه عليه، فقد صارت له طريق إلى البراءة
من إثمه وعقوبته بأن يغيره بيديه أو بلسانه
فإن عجز فليكره بقلبه، وقوله: (ولكن من رضي وتابع)
معناه: لكن الإثم والعقوبة على من رضي وتابع.
- الحذر من الشائعات المغرضة والروايات الواهية
والأخبار المكذوبة، قال تعالى:
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ
تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ) (الحجرات: 6).
- عدم تطبيق ما ورد في الفتن من نصوص على الواقع،
فهذا هو منهج أهل السنة والجماعة، وإنما يتبين
صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم بما أنبأ وحدث به
أمته من حدوث الفتن عقب حدوثها واندثارها.
-----------------------------------------------------
الوقفة الثانية: توجيهات مهمة:
- السبب الحقيقي لضعف الأمة واستهانة أعدائها بها هو بعدها
عن دينها وسكوتها عن تحكيم غير شرع ربها وقبولها به.
قال الله تعالى: (وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ) (الشورى: 30)
، وقال سبحانه: (أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا
قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) (آل عمران: 165).
وحب الدنيا وكراهية الموت وترك الجهاد سبب تسلط الأعداء عليها،
فقد أخرج أبو داود من حديث ثوبان رضي الله عنه قال:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
(يوشك الأمم أن تداعى عليكم كما تداعى الأكلة إلى قصعتها)،
فقال قائل: ومن قلة نحن يومئذ، قال:
(بل أنتم يومئذ كثير ولكنكم غثاء كغثاء السيل ولينزعن الله
من صدور عدوكم المهابة منكم وليقذفن الله في قلوبكم الوهن
فقال قائل يا رسول الله وما الوهن قال حب الدنيا وكراهية الموت)،
فقوام الأمة وغذاءها بالأيمان ودواءها بالقرآن.
فالداء والدواء معروفان فلا يفتش عنهما في مكان آخر.
- إن ما يحصل لنا من فتن وأزمات هو بسبب ذنوبنا،
وآثار لمعاصينا، فما نزلت عقوبة إلا بذنب ولا رفعت إلا بتوبة
فلا بد من مراجعة النفس والتوبة النصوح والإنابة لله تعالى،
والرجوع إليه بالتزام أوامره وترك ما نهى عنه، وتحقيق العبودية له سبحانه.
- إذا علمنا خطر المعاصي والذنوب والمنكرات على الفرد
والمجتمع فإن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من أهم
الوسائل الشرعية في دفع البلاء والعقوبات عن الأمة،
والله تعالى يقول: (وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ) (هود: 117)
ولم يقل صالحون،
وقال صلى الله عليه وسلم: (إن الناس إذا رأوا المنكر
فلم يغيروه، أوشك أن يعمهم الله بعقابه) أخرجه أحمد وصححه الألباني.
- الاعتماد علي الله والتوكل عليه، والاستعانة به سبحانه،
قال تعالى: (وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ) (الطلاق: 3)
، وذلك مع فعل الأسباب الشرعية، فالتوكل عمل القلب والأسباب عمل الجوارح.
- الثقة بنصر الله وأن المستقبل للإسلام،
وما يواجهه المسلمون من قبل أعدائهم هو من نوع الأذى
الذي ذكره الله سبحانه وتعالى في قوله: (لَن يَضُرُّوكُمْ إِلاَّ أَذًى) (آل عمران: 111)،
وإلا فإن العاقبة للتقوى وهم أهل الإسلام الصادقين،
وأن العدوان الصارخ والظلم الجارح الواقع على المسلمين
سيكون بإذن الله سببا في إيقاظ الأمة من سباتها وانتشالها من غفوتها.
- الإكثر من الاستغفار لأن الله سبحانه يقول
: (وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ) (الأنفال: 33).
- حفظ الأذكار المتعلقة بالفتن، ونشرها، كحديث:
أن نبي الله صلى الله عليه وسلم كان إذا خاف قوما قال:
(اللهم إنا نجعلك في نحورهم ونعوذ بك من شرورهم)
أخرجه أحمد وأبو داود وصححه الألباني،
وعن ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم
كان يقول عند الكرب: (لا إله إلا الله العظيم الحليم، لا إله إلا الله رب العرش العظيم، لا إله إلا الله رب السماوات ورب الأرض ورب العرش الكريم) أخرجه البخاري ومسلم وغيرها.
- ينبغي الحرص على تعلم المسائل العقدية الهامة،
والتي يخشى من الوقوع فيها بالخطأ في وقت الفتن،
مثل بعض مسائل الولاء والبراء ونواقض الإسلام ونحوها من المسائل.
- الثبات على الأصول العقدية والشرعية المتعلقة بالأحداث:
مثل أصول الإسلام وثوابته، ومفهوم الجهاد، والولاء والبراء،
وعداوة اليهود والنصارى للمسلمين، وعدم الإلتفات لما يثار
حول ذلك من شبه. والحذر من الهزيمة النفسية والمعنوية،
ومن محاولات عرض أحكام الشريعة عرضا اعتذاريا منهزما،
ومكافحة محاولات البعض للتنازل والمداهنة باسم المصلحة أو الضرورة أو الحالة الراهنة.
وأن ندرك أن النصر الحقيقي هو في الثبات على الدين
خاصة أوقات الفتن والمحن، والحذر من الوقوع فريسة
للحرب الإعلامية والنفسية الضخمة التي تدور رحاها هذه الأيام.
- تذكر فضل بذل الخير في سبيل الله، وتفريج الكرب
وإطعام الطعام والتعاون على البر والتقوى.
- استحضر حرمة الاحتكار واستغلال حاجة الناس وخطورة هذا المسلك.
- إدراك حرمة الدماء والأعراض والأموال والضرر الديني
والمادي على الفرد والمجتمع المترتب على عدم احترامها
ففي الصحيحين عن أبي بكرة رضي الله عنه أن النبي
صلى الله عليه وسلم قال في يوم النحر في مكة:
(إن دماءكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام كحرمة يومكم
هذا في بلدكم هذا في شهركم هذا وستلقون ربكم
فيسألكم عن أعمالكم ألا فلا ترجعوا بعدي ضلالا
يضرب بعضكم رقاب بعض).
ويجب البعد عن الظلم والعدوان وخاصة عند الفتن،
وعدم استغلال حال الفتن والاضطراب في تصفية الحسابات والانتقام والتشفي.
- اعلم أن ما أصابك لم يكن ليخطئك، وما أخطئك لم يكن ليصيبك،
واعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيء
لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك، ولو اجتمعت
أن يضروك لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك،
كما قال النبي صلى الله عليه وسلم.
- كن متفائلا ومبشر للناس بالخير، لأن ذلك من هدي
النبي صلى الله عليه وسلم وقت الأزمات، كما حصل منه
عند قدوم الأحزاب إلى المدينة، فقد بشر أصحابه
بكنوز كسرى وقيصر وقصور صنعاء.
--------------------------------------------------------
الوقفة الثالثة: الحذر من الأعداء في وقت الفتن:
- يجب إدراك طبيعة الغرب الصليبي، وأنه مهما تحالف
معه المسلمون وقدموا له تنازلات فلن يرضوا، كما قال الله تعالى
: (وَلَن تَرْضَى عَنكَ الْيَهُودُ وَلاَ النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ) (البقرة:120)
وقال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا بِطَانَةً مِنْ دُونِكُمْ
لَا يَأْلُونَكُمْ خَبَالًا وَدُّوا مَا عَنِتُّمْ قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ
وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الْآيَاتِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ) (آل عمران: 118).
- فهم دور المنافقين (من علمانيين وحداثيين ونحوهم) وأساليبهم
في خذلان الأمة والحذر منها. فكم جروا على المسلمين من ويلات،
وكم كانوا في خندق الأعداء ضد خندق الدين لابسين لباس
الناصحين المشفقين. كم كانوا سببا في دمار بلاد المسلمين
وتفريق صفهم وتوهين شأنهم وتسليم البلاد للعدو
البغي والتعاون معه على المسلمين.
وهذا ما تيسر لي نقله من عدة مواقع مع تصرف يسير
وفي الأخير
اسأل الله تعالى ان يعيذنا من الفتن ما ظهر منها وما بطن
وان يُرينا الحق حقا ويرزقنا اتباعه ويرينا الباطل ويجنبنا اتباعه
كما لا أنسى اخواننا المستضعفين في شتى بقاع الارض ان ينزل
بهم فرجا عاجلا غير اجل وينصرهم على عدوهم نصرا عزيزا
~ كـنــوووزة ~ @knoooz_2
عضوة شرف في عالم حواء
يلزم عليك تسجيل الدخول أولًا لكتابة تعليق.
Qatari Girl
•
جزاك الله كل خير
الصفحة الأخيرة