السلام عليكم ورحمة الله مبركاته
"رسالتي أمام الله, أني قد أبرأت ذمتي بدرس عمري , لعله ينير الطريق لمن هم غارقون في ملذاتهم وشهواتهم , غافلون عن أن عين الله العادل لا تنام"
هذه القصة حقيقية وحدثت في إحدى الدول العربية المنفتحة نقلتها ليستفيد منها الجميع.
ملاحظة : القصة منقولة عن زاوية بريد الجمعة في إحدى الجرائد الرسمية.
يقول صاحب القصة:
هذه الرسالة كتبتها بعد أن صفيت الكثير من حساباتي مع نفسي ومع الآخرين, فوجدت فرضا علي أن أكتبها حتى يستريح ضميري, هذا إذا كتب الله له الراحة!
أنا رجل في نهاية الأربعينات, نشأت في أسرة متوسطة, مستورة, كان أبي وأمي صالحين, تعبا في تربيتي وأشقائي كثيرا, وأصرا علينا جميعا أن نحصل على مؤهل عالٍ, ونجحا في ذلك.
منذ طفولتي وأنا متمرد, طموح, أحلم بالثروة والوجاهة, لذا التحقت بكلية تؤهلني للعمل الخاص, وما أن تخرجت حتى التحقت بمكتب لأحد رجال الأعمال الكبار, وبدأت في تحقيق حلمي الكبير.
لم أكن متدينا على الرغم من بيئتي الدينية. لا أحرص على أداء الصلوات, وإن كنت حريصا على صلاة الجمعة لأنه لم يكن مقبولا من والدي أن أجلس في البيت وقت الصلاة. لم أجد غضاضة يوما في الجلوس في البارات أو الملاهي الليلية، وكنت أتعامل مع شرب الخمور على أنها وجاهة اجتماعية, تضعني في طبقة أخرى, وتتيح لي الجلوس مع شخصيات لم أكن أحلم بالجلوس معها, بل وأصادقها, فالسكر يزيل الفوارق ويقرب المسافات, بل يسقطها تماما.
لذا فقد نجحت في مصادقة رئيسي في العمل, ووصلت إلى رئيس المؤسسة, ووصلت إلى مرتبة رائعة في سنوات قصيرة.
كان لدي نهم شديد للخطيئة, أبحث عنها إن لم تأت إلي, بدون أي تأنيب للضمير! لم يكن يؤلمني إلا وجه أمي الذي يصادفني عند عودتي إلى البيت وقت صلاة الفجر, فتقبلني وهي تدعو لي: "ربنا يهديك يا بني وينور طريقك ويحبب فيك خلقه ويبعد عنك أولاد الحرام" ثم تختم دعاءها بسؤالها التقليدي: مش هتصلي الفجر يا بني؟! صل واشكر ربنا على نعمه عليك, فأرد عليها: طبعا هصلي دلوقتي, ثم أهرب منها وأنا نصف واع, ونصف متألم. فأستسلم للنوم, لأصحو وأواصل زحفي!!
في سني عمري المبكرة أدمنت أيضا العلاقات النسائية, لم أفرق يوما بين زوجة صديق, ابنة جار, قريبة, أو حتى صاحبة مصلحة أو حاجة.
استمرت حياتي هكذا, حتى اهتزت حياتي بوفاة والدي وعمري يلامس الثلاثين. توقفت مع نفسي بعد أن واريت جثمانه الثرى ورأيت المقر الذي سأذهب إليه, فعدت إلى الله وتبت على ما فعلت, واصطحبت والدتي وذهبنا إلى الحج، ومع الحزن الذي كانت تعيش فيه أمي, إلا أنها كانت سعيدة بهدايتي, ففاتحتني في أمر الزواج, فرحبت على الفور, ووجدتها فرصة, للخلاص نهائيا من الوقوع في الخطيئة.
وخلال شهور قليلة, اشتريت شقة جديدة, ورشحت لي والدتي فتاة من العائلة, على خلق وجمال, فسعدت بها, وأتممنا زواجنا بسرعة شديدة. كان الله كريما معي إلى أقصى حد. فقررت أن أبتعد عن الأجواء التي كنت أعيشها. تركت العمل وأسست مكتبا خاصا, وكأن زوجتي هي مفتاح الخير, رزقني الله من حيث لا أحتسب, فانتعشت أحوالنا, وانتقلنا خلال عام واحد إلى شقة أوسع في منطقة أرقي. كنت راضيا, سعيدا بحياتي, خاصة بعد أن رزقني الله بطفلة مثل البدر. لن أستطيع أن أصف كيف كانت تسير أيامي! نجاح يلاحق نجاحا, ومع هدوء واستقرار في البيت, حتى كنا محط حسد وغبطة كل من حولنا.
خمس سنوات مرت على زواجي واستقراري, حتى حدث الانقلاب الكبير. ذات يوم زارتني في مكتبي سيدة, شديدة الجمال, جاءت لي كي أتولي بعض قضاياها. في اللحظة الأولى التي رأيتها, حدث لي اضطراب شديد. تمنيتها, اشتهيتها. وجدت نفسا أخرى غير التي كنتها, تلك النفس الفاجرة التي عايشتها سنوات. لا أخفيك, هي الأخرى, كانت ماكرة, لعوبا. حديثها لين, مراوغ. فوجدتني أتحول إلي ذاك القناص القديم, فألقيت عليها بكل شباكي. فتوطدت علاقتنا, بدأت أسهر معها, وأتأخر عن مواعيد عودتي إلى البيت, متحججا بكثرة العمل. وبعد أسابيع قليلة سقطت في الوحل مرة أخرى، ولكن هذه المرة أصابني غم ونكد وندم, دامت أياما, ثم تلاشت كل هذه الأحاسيس بعد أيام.
وفوجئت بأن غطاء الخطيئة انفتح مرة أخرى، فتكررت لقاءاتنا, وبعد فترة مللتها فابتعدت عنها, وإن لم أبتعد عن هذا الطريق.
وعدت إلى سيرتي الأولى, كل يوم سهر وخمور ونساء، وكل يوم المسافة تبتعد بيني وبين زوجتي التي أنجبت لي طفلة ثانية, فانشغلت بتربية الطفلتين, وإن لم تنشغل عني, بل كانت تعبر عن اندهاشها من تغيري! من انقطاعي عن الصلاة! وسهري للصباح! فكنت أقول لها كلاما غير مقنع عن توتري الشديد بسبب مشكلات في العمل, وأنها فترة قصيرة وسأعود إلى ماكنت عليه، فكانت تقبل كلامي مجبرة, حريصة على عدم الصدام معي.
ولكن لم يكن هناك مفر من هذا الصدام, عندما بدأت أشرب الخمور في البيت, فاعترضت بعنف, وقالت لي إنها لن تقبل أن تعيش وابنتيها في بيت لا تدخله الملائكة, وهددتني بترك البيت, فوعدتها والتزمت بعدم شرب الخمور في البيت, وإن ابتعدت عنها أكثر, وحدث شرخ كبير في علاقتنا, حتى شحبت وأصبحت أشاهدها كثيرا تبكي, ولكني لم أتوقف عن طريقي.
كنت كل ما أخشاه أن تعرف أمي ما صرت إليه, فتغضب مني وتتوقف عن دعائها لي، فقد كنت أستشعر أن ستر ربي لي وعدم عقابه لي, بسبب دعواتها. كما أني كنت أكثر من فعل الخير, أتصدق على الفقراء, وأرعي الأيتام, وأتبرع للأعمال الخيرية, مؤمنا بأن الحسنات يذهبن السيئات, مرددا ـ مثل كل العاصين ـ هذه نقرة وتلك نقرة أخريى, مكتفيا عقب كل معصية, بترديد التوبة, وكأني أخدع الله سبحانه وتعالى فيما كنت أخدع نفسي, مستسلما لوسواس الشيطان.
أعوام تلحق بأعوام, أحوالي المالية جيدة, علاقتي بأسرتي فاترة, وعلاقتي بالله مخدرة, غارق حتى أذني في الخطيئة, واثقا ـ ولا أدري مصدر هذه الثقة ـ في عفو الله وكرمه ورحمته, بدون أن أفعل ما أستحق عنه كل هذا.
كان من الممكن أن تستمر حياتي هكذا, لولا ذلك الموقف القاسي ـ على المذنبين مثلي ـ الذي تعرضت له منذ عامين.
كنت في أحد الأماكن مع بعض الأصدقاء, ومن بينهم فتاة شديدة الجاذبية, متحدثة, لبقة, واثقة من نفسها, ويبدو من مظهرها أنها تنتمي إلي أسرة ثرية، فتألقت نفسي الأمارة بالسوء, وبدأت في إرسال ذبذبات الإعجاب, فتلقفتها, وبادلتني إياها. تبادلنا أرقام الهواتف, وكلانا يعرف النهاية مقدما, وإن كانت تلك الفتاة, شديدة الذكاء, عصية, فلم تلن بسهولة, بل أرهقتني أسابيع طويلة حتى قبلت أن تأتي لي في شقتي الخاصة التي استأجرتها في إحدى المدن الجديدة, بعيدا عن العيون, لهذا الهدف الحقير.
حددنا الموعد, وذهبت في هذا اليوم مبكرا إلى الشقة, أعددت كل شيء في انتظار الغنيمة. كان الوقت يمر بطيئا مملا حتي جاءني تليفونها قبل الموعد بربع ساعة, تخبرني أنها في الطريق, فتهلل وجهي وجلست على نار مترقبا صوت جرس الباب مرة, وأخرى راصدا الطريق من شرفة الشقة. مر الوقت, نصف ساعة, ساعة, لم تأت!
أصابني القلق والتوتر, اتصلت بها فلم ترد. فاتصلت مرة أخرى, ففوجئت بصوت رجل يرد علي, فقلت له يبدو إني أخطأت في الرقم, فاستمهلني الحديث, وسألني هل تعرف السيدة صاحبة هذا التليفون, فأجبته بتردد: نعم. فقال لي: بكل أسف, السيدة أصيبت في حادث إصابات بالغة, ونقلناها أنا وبعض المارة إلى المستشفى. فأصبت بانهيار, ولم أصدق ما أسمعه, فسألته عن اسم المستشفى, فأخبرني, وهرولت مرتبكا إلى هناك.
وصلت وكانت الفتاة قد دخلت إلى غرفة العمليات, فحاولت الاطمئنان على حالتها, خاصة أني شاهدت ارتباكا وحركة غير طبيعية وهمهمات بين الأطباء والممرضين, فسألت عن المدير المسئول وذهبت إليه, وفهم إني أحد أقربائها خاصة بعد أن عرضت دفع مبلغ تحت الحساب. بعد فترة صمت مريبة من الطبيب، قال لي: قبل أن أشرح لك حالة قريبتك, لابد أن أخبرك بشيء مهم. قريبتك في حالة سيئة, ولديها كسور متعددة, ونزفت كثيرا, لذا فإنها ستحتاج إلى نقل دم, وفي هذه الحالات لابد أن نجري تحليلا لدمها, ليس فقط لأسباب طبية, ولكن للتأكد من أنها ليست مصابة بأي فيروس معدي, ونُتّهَم بعدها بأنها نقلت لها مع الدم، والكارثة أننا اكتشفنا أنها حاملة لفيروس الإيدز!!
إيدز!! كيف؟ زمن أين؟ أنت تمزح! إيدز! هكذا كنت أردد وأنا مذهول غير مصدق! لم أنشغل بإصابتها, ولا بإذا كانت ستعيش أو تموت. كل ما فكرت فيه أني كنت على مسافة ربع ساعة فقط من إصابتي بالإيدز!
لا أتذكر ماذا حدث, ولا كيف دفعت أموالا في المستشفى, أو اتصلت بالأصدقاء كي يخبروا أهلها للحضور إلى المستشفى.
كل ما أتذكره أني خرجت أكلم نفسي وأنا في صورة مفزعة, لم تفارق خيالي لحظة. عدت إلى نفس الشقة, وكر الشيطان, وكري والشاهد على خطيئتي ونجاتي.
دقائق فقط فصلتني عن الإصابة بالإيدز لو كان الله نجاها ووصلت إلى الشقة لـ ..!!
من المؤكد أنها لا تعرف بأمر إصابتها. ليس مهما هي إن كانت تعرف أو لا تعرف تلك قضيتها وقضيتي, هل كنت سأعرف أني سأحمل هذا الفيروس القاتل؟! يا إلهي زوجتي ما ذنبها؟! كنت سأنقل اليها الإيدز! نموت معا بفضيحة!!! وأنا, بناتي وأخوتي!! سترك يا رب! عفوك يا رب!
لن أصف لكم انهياري, وبكائي, وخجلي من ربي. ما كل هذا الكرم, عصيتك فسترتني ورزقتني, فلم أبال, تحديت عفوك ورحمتك بمعصيتي! وها أنا ذا قد أوشكت على السقوط في وحل أعمالي بلا خروج, ولكنه برحمته الواسعة, وبلطف قضائه, انتشلني وأنقذ أسرتي من الضياع والفضيحة.
سجدت على الأرض, باكيا, مستغفرا. تطهرت وقضيت يومي مصليا, تائبا, قارئا للقرآن. لملمت نفسي, وعدت إلى بيتي. أغلقت غرفتي علي وعلى زوجتي, قبلت يديها وأنا أبكي, طلبت منها أن تسامحني وتعفو عني, وعدتها بأن أكون كما تحب وكما كنت, فاحتضنتني وهي تبكي وترتجف, بدون أن تسألني عما حدث لي. كانت رائعة كعادتها دوما, بعدها استدعيت ابنتاي, احتضنتهما في صدري, وكأني أبحث عن أمان وطمأنينة لا أعرف الطريق إليهما, فطلبت منهن أن يتوضأن لنصلي جماعة, ثم سارعت بالذهاب إلى أمي, جلست تحت قدميها, ورجوتها أن تقرأ علي القرآن, وتدعو لي. ففعلت وابتسامة الرضا وهالة النور تكسوان وجهها الآمن.
لم أنم تلك الليلة, عاهدت الله ألا أعصيه أبدا, وأن استرضي كل من أخطأت في حقه ما حييت, وبدأت رحلة جديدة في الحياة.
لقد مددت يدي بالخير لكل من آذيته, طلبت منهم السماح عن أي شيء بدر مني تجاههم, لم أفصح عما ارتكبت فقد سترني الله, فلماذا أهتك الأستار؟! ليس في حياتي الآن إلا أسرتي وعملي وفعل الخير. بت أنتهز أي فرصة لمد يد المساعدة لمن يحتاج, لا أترك فرضا من فروضي. ذهبت العام الماضي إلى الحج, ودعوت الله كثيرا أن يغفر لي ويهدي كل العاصين.
ستسألوني عن تلك الفتاة, وأقول لكم بدون الخوض في التفاصيل إني ذهبت إليها مرة واحدة, بعد خروجها من العناية المركزة, ولم تكن تعلم وقتها بحقيقة مرضها بالإيدز، ولكني رجوتها أن تسامحني وتتجاوز عن خطئي ودعوت لها بالهداية, وعلمت من الأصدقاء بعد ذلك أنها أصيبت بالشلل وانهارت بعد معرفتها بما ألم بها, وقرر أهلها أن تسافر إلى الخارج لتعيش في مصحة لتبتعد عن الأجواء القاسية التي تعيش فيها. هداها الله وشفاها وغفر لنا ولها ورفع عنها مصابها, اللهم آمين.
لم أكتب لأتطهر من خطاياي, فهذا أمر بيني وبين ربي, ولا أريد أن أسألكم عونا خاصا بالرأي أو بالنصيحة, وإن كنت لا أستغني عنها, ولكني وجدت إني ملزم من خلال حكايتي, بتحذير كل شاب وفتاة من نهاية طريق المعصية, والتي لا يعرف أحد متى تأتي هذه النهاية المؤلمة؟! وكيف تكون؟!
اختـــــــــــ:26:ــــــــــــكم:
ساكنة بالجوار
يلزم عليك تسجيل الدخول أولًا لكتابة تعليق.
الصفحة الأخيرة
والله بكيت من لطف الله سبحانه علي هذا الرجل نسأل الله له ولنا الثبات وللمسلمين أجمعين وجزاك الله ألف خير ((آآآآآآآآآآآآآآآآآمين ))