بسم الله الرحمن الرحيم
في ليلة انطفأت فيها الأنوار وأظلم البيت
في ليلة اسودَّ ليلها وغابت نجومها
في ليلة حرك رعبها قلبي وهزبردها جسمي
لا أرى مد يدي ظلام حالك وجو مرعب
أغلقت شباك غرفتي لأقلل وحشتي أنفاسي تتقطع في صدري لا
أحد حولي لا أمي ولا أبي ولا أختي ولا أخي وحيداً خائفاً
فجأة وإذا بخفقات قلبي تزيد ونبض دمي يعلو فما شعرت إلا وشيء
يكتم أنفاسي صحت بأعلى صوتي ضاق نَفَسي بردت أطرافي
ناديت يا إخوتي ياأصدقائي أغيثوني ما هذا الذي داهمني آتوني
بطبيبي بل بصديقي وأخي وحبيبي لكن واحسرتاه
أصيح بأعلى صوتي فلا أسمع سوى صدى ندائي يتردد في أرجاء غرفتي
المظلمة قلبي يخفق بأعجوبة كأني أتنفس من خرم إبرة أيقنت عندها
أنه جاءيطلبني توسلت إليه ليمهلني ولو ساعة لكن دون
جدوى كان شديداً غاضباً مني رفض توسلي إليه
قال بأعلى صوته ألم تعرفني ألم تسمع بي قلت بلى
أنتَ من جاء ليغمض عيني ويلفني بأكفاني بل ويبعدني عن أهلي
وأحبابي أنت من جاء ليخطفني من بين أشرطتي وقنواتي ويدمر
تسليتي بألعابي
ردَّ بصوت مخيف إنك راحل وإلى مطار تعرفه مسافر
زادت آلامي وحُبست في جوفي أحرفي قبل كلماتي
انتهرني قائلاً لِمَ تنساني
ارتجفت كلماتي وخانني لساني ما فكرت يوماً أنك تطلبني
ما فكرت يوماً تغلق صفحة حياتي وتقطع استمتاعي بشبابي
عندها تذكرت أنها صيحات فراق وآلام وسأودع الدنيا راحلاً إلى
مطار أرضه غير مرصوفة وسادته التراب ومستقبلوه الدود وغطاؤه
اللحود برده شديد يفتك العظام يقطع الأوصال يمحو الملامح
والشباب وتسيل منه العينان على الخدان ويتدلى منه اللسان ،
نداؤه لا يُسمع وتوسله لا يُجاب إذاً قد أصبح بينه وبين الدنيا
حجاب
صحتُ بأعلى صوتي
آهٍ لو أعود
سحبت جسمي وأسندت ظهري على جدار غرفتي وأنا أشعر بالوهن
والمرض يدبُّ إلي
هل هو الموت
هل انتهت أيامي وجاء لقائي بربي
حزنت ... بكيت ... رفعت صوتي
أيقنت أن لا أحد يسمعني
شبح الموت يتراءي أمام ناظري
تدحرجت دموعي على خدي خوفاً وهلعاً أن أفارق الحياة وأنا في ريعان
الشباب
آهات وآلام تحفز دموع الندم لتقول لي:كم من متعة استمتعتها وشريط
غناء سمعته وصلاة تكاسلت عنها ارتعش لساني وخرجت كلماتي بأي
وجه أقابل ربِّي
كيف أعتذر وقد خنته
هل سيعفو عني أم سيلقي بي غير مبالٍ إلى النار
الأسئلة الملحة تطاردني
والحسرة والندم ينهشان قلبي سأهرب ولكن إلى أين
الدنيا كلها لن تخفيني ممن يطاردني لساني يلهث يردد
رحماك ربِّي إلهي أتوسل إليك أمهلني لازلت في ريعان شبابي
سفينة حياتي تتحطم على صخرة النهاية .
الموت يدكها يحطمها
رحماك ربي
وما هي إلا لحظات وإذا بباب البيت يفتح مبشراً بوصول أهلي فرحت
فرحاً لا يوصف استجمعت أنفاسي ودَّبت الحياة لأعضائي تحرك لساني
ناديتهم بأعلى صوتي أمي الحبيبة
أدركيني حبيبك يغادر الدنيا تودع آخر أنفاسه الحياة أمي
الحبيبة أدركيني حبيبك أنفاسه محجوزة ومن الموت مفزوعة
أمي الحنون أين أنتِ عني
أين حنانك مني
بل أين حبٌّك لي
أمي امنعيني ومن الموت أجيريني حبيبك يموت أمي مُدِّي لي يدك
اعلق فيها آخر أنفاس الحياة أمي مُدِّي لي يدك أقبِّلها
أودعها أمي الحبيبة سامحيني كم تطاولت يوماً عليك
أمي إنها لحظات الوداع وزفرات الفراق
دنت مني أمي ودموعها تكادتغرقني
نادتني حبيبي حياتي ,أفديك بنفسي وضعتْ رأسي علي حجرها
وأمسكت يدي بيدها بكاؤها يقطع قلبي ويزيدني ألماً فوق ألمي
صحت آه آه يا أمي من شيء يقطع قلبي يمزق أعضائي يجري
مع دمي بل يا أماه يكسر عظامي
آه لو تعلمين إنه ألم شديد
وفراق إلى مدى بعيد زاد بكاؤها ورفعت يديها إلى السماء تدعو
إلهي أمهل حبيبي ليتوب ليعود إلهي لا تخيب رجائي فيك
مددت يدي لأختي ... لأخي ... لأبي ... تعلقتُ بهم .. وداعاً أحبَّتي.. علا
بكاؤهم وزاد أساهم يرون آلامي لا تُوصف
جبال على صدري وهموم تثقلني .. إلهي
من يفرِّج همي وينفِّس كربتي .. اشتد نزعي ضاق والله بها صدري
ينادونني قل لا إله إلا الله وذاك يقول احملوه للمستشفى لازال فيه
حياة حُملت للمستشفى واستقبلت بحفاوة ووضعت بين الأجهزة في غرفة
الإنعاش هذا بإبرة وذاك بأكسوجين وآخر ينعش بضربات القلب
حاولوا ثم حاولوا
لكن لم يستطيعوا انتشالي من بين فكي الموت
وبعد ساعات حار الطبيب بعلمه وانثنى منكساً رأسه معلناً أمام الموت
فشله خرج لأهلي دموعه على خده قابضاً يده
تعالوا لتحضروا وفاته
دخلوا الغرفة كلهم ولساني يهذي بأمور لا أشعر بها حكيت
لهم قصة حياتي بشريط مسجل على لساني كنتُ مظهراً التزامي
وإذا بهم يتفاجئون بالحقيقةالمُرة
وكذبة كبيرة عشت فيها سنين تذكرت عندها كلاماً لسفيان الثوري
أكبر خيانة أن يخونك لسانك عند الموت فلا ينطق بها أتعرف ما هي ؟
إنهاالشهادة , وفجأة تجمع الأطباء حولي واشتد نزعي وصِحْتُ بأعلى
صوتي آه لو أعود
من منكم يزيدني من عمره ساعة .. دقيقة .. ثانية ؟
وفجأة وإذا بأجهزة الأطباء تضطرب فدقت أجراسها خطراً وعلا صوتها
نذراً
وانطفأت كلها وفاضت معها روحي ورأى الكل مصرعي بل نهاية حياتي
وبداية قيامتي خرج الجميع من الغرفة وتركوني وحيداً في
غرفة باردة تركوني مع أيدٍ غريبة تقلبني وتلفني بأثواب ربطوا
بها يدي وشدوا بها رأسي تركوني أهلي كأنهم خائفون مني مستوحشون
من حالي لا جرأ أحد منهم على لمسي أدخلت الثلاجة وفتحت لي
أبوابها حملني اثنان وعن العربة أنزلوني وفي الدرج الأول
تركوني مكان ضيق كأنه لحد أغلقوا علي إغلاقاً محكماً ثم أقفلوها
خارجين و إلي أعمالهم عائدين أطفئوا الأنوار زاد برد الثلاجة
كل ما فيها أناس صامتون
كنت أمر بقرب هذا المكان لا أستطيع النظر إليه خوفاً منه وها
أنا اليوم أودع فيها وما هي إلا لحظات وإذا
بأبواب تُفتح
أخرجوني ووضعوني على مكان غسلي صبوا الماء فوق رأسي وغسلوني
قرَّبوا الأكفان ونشروها ثم طيَّبوها حملت بين أيديهم ألقوني بينها
بدأوا بتغطية وجهي أوثقوني بالأربطة ما أشده وأظلمه من غطاء
قبَّلني أبي وأخي واستدعيت أمي فلم تتمالك نفسها حنت رأسها عليَّ
وقبَّلتني
تركوني في ناحية المسجد وحيداً انتهت الصلاة حُملت بين الأيدي
وتتبعني الدعوات : اللهم ثبَّته عند السؤال
أين أحبابي
قد كنت لكم أخاً صادقاً أفي حفرة تودعونني ؟
دعوني ... دعوني ... أعرف ما أمامي إنها أشرطتي
وأفلامي
أنزلوني ... أنزلوني
أما تسمعون ندائي ... لا أحد يبالي ... وضعوني على شفير القبر
أرى قبري يُحفر أمامي يا أبي أتحفر لي لتواريني أنظر
إلي قبري كأني أعرفه موحش مظلم
آه ... يا إلهي ما أوحشه
طين وتراب صخور تكتم الأنفاس هاهم انتهوا نادوا إلينا
بالجنازة حملها الأقربون مسرعين ينتحبون
بكاؤهم يزيد يعلمون أني مغيب إلى مدى بعيد أنزلوني استقبلني
أبي وأخي الأكبر وسدُّوا لي التراب وضعوا جنبي بين اللحود
عندها ودَّعت الدنيا
وداعاً أيتها الشمس
آه ... أيها الظلام
حلوا رباط أكفاني قبَّلني أبي ودعا لي
أصيح فلا مجيب أيها الناس أغلقتم منافذ الهواء فإذا بالنداء لا
يقرع إلا آذاناً صماء زادوا علي التراب
تراب فوق تراب
الكل يحثو حتى ردموا الحفرة
ذهبوا وأبقوني وحيداً
ذهبوا وتركوني أسامر الدود
استقبلني القبر بضمته واللحد بغمته
رد القبر بصوت مرعب
أما سمعت
في الدنيا ندائي « ما من يوم يطلع فجره إلا وينادي القبر : أنا بيت
الظلمة أنا بيت الوحشة أنا بيت الدود اسمع إلى ترحيبي إذا
وُضع العبد الفاجر في جوفي قلت له : لا أهلاً ولا مرحباً أما والله قد
كنت أبغض من يمشي على ظهري إلي فقد وليتك اليوم فسترى صنيعي
بك فأضمه ضمة حتى تختلف أضلاعه ثم يوكل به سبعون تنيناً ينهشونه
ويخدشونه حتى يفضى به إلى الحساب »
هذا هو ندائي أما سمعت به ؟
نعم قد سمعته وطرق أذني
ولكني تباعدت اللقاء بل تناسيته
أمهلني أيها القبر لأعود انتهرني
قائلاً : تعود كلا قد فات الأوان
عندها دبَّ الدود على وجهي وبدأ يأكل أكفاني صحت بأعلى صوتي : آه
آه لو أعود
آه آه لو أعود
استيقظ أبي وفتح باب غرفتي : بُنيّ ما بك ؟
أبي ... أمي ... آه لوأعود
بنيَّ من أين تعود ؟
أنت في البيت تعلقت به يا أبي أنقذني أبعد
الدود عن وجهي بنيَّ لا تخف أنت في بيتك
تجمع إخواني… أنا في صيحة واحدة : آه لو أعود
أضاءوا الأنوار وإذا بي بينهم
تلمست أيديهم عندها أدركت أنني لازلت على قيد الحياة
آه يا الله
يا له من حلم ... ما أبشعه بل وأوحشه قد هزَّ كياني
أرعبني ومن الآخرة أدناني
جلست على فراشي
ها أنت يا عبدالله في مهله إذاً فاعمل
عرفت أنه لا طريق للنجاة إلا طريق الاستقامة
كسرت أشرطتي وحرقت مجلاتي جددت استقامتي البالية
قطعت حبل كل ودٍّ بزملائي القدامى واتجهت إلى ربي إليك ربي
فكلما نويت بمعصية تذكرت تلك الرحلة التي رحلتها فوالله بعدها ما
هممت بمعصية
هذا حلم فكيف ستكون الحقيقه
منقول مع التعديل
بنت آدم وحوا @bnt_adm_ohoa
محررة فضية
يلزم عليك تسجيل الدخول أولًا لكتابة تعليق.
الصفحة الأخيرة
الله يحسن خاتمتنا يا رب