+بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ"
+وَالْفَجْرِ . وَلَيَالٍ عَشْرٍ . وَالشَّفْعِ وَالْوَتْرِ . وَاللَّيْلِ إِذَا يَسْرِ . هَلْ فِي ذَلِكَ قَسَمٌ لِذِي حِجْرٍ . أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ . إِرَمَ ذَاتِ الْعِمَادِ . الَّتِي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُهَا فِي الْبِلادِ . وَثَمُودَ الَّذِينَ جَابُوا الصَّخْرَ بِالْوَادِ . وَفِرْعَوْنَ ذِي الأَوْتَادِ . الَّذِينَ طَغَوْا فِي الْبِلادِ . فَأَكْثَرُوا فِيهَا الْفَسَادَ. فَصَبَّ عَلَيْهِمْ رَبُّكَ سَوْطَ عَذَابٍ . إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ .".
البسملة: تقدم الكلام عليها.
+والفجر.وليال عشر.والشفع والوتر.والليل إذا يسر"
كل هذه إقسامات بالفجر، وليال عشر، والشفع والوتر، والليل إذا يسر،
خمسة أشياء أقسم الله تعالى بها،
الأول: الفجر +والفجر"
هو النـور الساطـع الذي يكون في الأفق الشرقي قرب طلوع الشمس،
وبينـه وبين طلوع الشمس ما بين ساعة واثنتين وثلاثين دقيقة،
إلى ساعة وسبع عشرة دقيقة،
ويختلف باختلاف الفصول،
فأحياناً تطول الحصة ما بين الفجر وطلوع الشمس،
وأحياناً تقصر حسب الفصول،
والفجر فجران:
فجر صادق، وفجر كاذب،
والمقصود بالفجر هنا الفجر الصادق،
والفرق بين الفجر الصادق والكاذب من ثلاثة وجوه:
الفرق الأول:
الفجر الكاذب يكون مستطيلاً في السماء ليس عرضاً ولكنه طولاً،
وأما الفجر الصادق يكون عرضاً يمتد من الشمال إلى الجنوب.
الفرق الثاني:
أن الفجر الصادق لا ظلمة بعده،
بل يزداد الضياء حتى تطلع الشمس،
وأما الفجر الكاذب فإنه يحدث بعده ظلمة بعد أن يكون هذا الضياء،
ولهذا سمي كاذباً؛ لأنه يضمحل ويزول.
الفرق الثالث:
أن الفجر الصادق متصل بالأفق،
أما الفجر الكاذب فبينه وبين الأفق ظلمة،
هذه ثلاثة فروق آفاقية حسية يعرفها الناس إذا كانوا في البر،
أما في المدن فلا يعرفون ذلك، لأن الأنوار تحجب هذه العلامات.
وأقسم الله بالفجر لأنه ابتداء النهار،
وهو انتقال من ظلمة دامسة إلى فجر ساطع،
وأقسم الله به لأنه لا يقدر على الإتيان بهذا الفجر إلا الله عز وجل كما قال الله تبارك وتعالى:
+قل أرأيتم إن جعل الله عليكم الليل سرمداً إلى يوم القيامة من إله غير الله يأتيكم بضياء أفلا تسمعون"
وأقسم الله بالفجر لأنه يترتب عليه أحكام شرعية،
مثل:
إمساك الصائم،
فإنه إذا طلع الفجر وجب على الصائم أن يمسك إذا كان صومه فرضاً أو نفلاً إذا أراد أن يتم صومه،
ويترتب عليه أيضاً:
دخول وقت صلاة الفجر،
وهما حكمان شرعيان عظيمان،
أهمهما دخول وقت الصلاة،
أي أنه يجب أن نراعي الفجر من أجل دخول وقت الصلاة أكثر مما نراعيه من أجل الإمساك في حالة الصوم،
لأننا في الإمساك عن المفطرات في الصيام لو فرضنا أننا أخطأنا فإننا بنينا على أصل وهو بقاء الليل،
لكن في الصلاة لو أخطأنا وصلينا قبل الفجر لم نكن بنينا على أصل،
لأن الأصل بقاء الليل وعدم دخول وقت الصلاة،
ولهذا لو أن الإنسان صلى الفجر قبل دخول وقت الصلاة بدقيقة واحدة فصلاته نفل ولا تبرأ بها ذمته،
ومن ثَمَّ ندعوكم إلى ملاحظة هذه المسألة،
أعني العناية بدخول وقت صلاة الفجر،
لأن كثيراً من المؤذنين يؤذنون قبل الفجر وهذا غلط،
لأن الأذان قبل الوقت ليس بمشروع لقول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم:
«إذا حضرت الصلاة فليؤذن لكم أحدكم»(127)،
ويكون حضور الصلاة إذا دخل وقتها،
فلو أذن الإنسان قبل دخول وقت الصلاة فأذانه غير صحيح يجب عليه الإعادة،
والعناية بدخول الفجر مهمة جداً من أجل مراعاة وقت الصلاة.
وقوله تعالى:
+وليال عشر"
قيل المراد بـ
+ليال عشر" عشر ذي الحجة،
وأطلق على الأيام ليالي،
لأن اللغة العربية واسعة، قد تطلق الليالي ويراد بها الأيام،
والأيام يراد بها الليالي،
وقيل المراد بـ+ليال عشر"
ليال العشر الأخيرة من رمضان،
أما على الأول الذين يقولون المراد بالليال العشر عشر ذي الحجة،
فلأن عشر ذي الحجة أيام فاضلة
قال فيها النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم:
«ما من أيام العمل الصالح فيهن أحب إلى الله من هذه الأيام العشر»
قالوا:
ولا الجهاد في سبيل الله؟ قال: «ولا الجهاد في سبيل الله إلا رجل خرج بنفسه وماله فلم يرجع من ذلك بشيء»(128).
وأما الذين قالوا:
إن المراد بالليال العشر هي ليال عشر رمضان الأخيرة،
فقالوا:
إن الأصل في الليالي أنها الليالي وليست الأيام،
وقالوا:
أن ليال العشر الأخيرة من رمضان فيها ليلة القدر التي قال الله عنها
+خير من ألف شهر"،
وقال:
+إنا أنزلناه في ليلة مباركة إنا كنا منذرين. فيها يفرق كل أمر حكيم"
، وهذا القول أرجح من القول الأول،
وإن كان القول الأول هو قول الجمهور،
لكن اللفظ لا يسعف قول الجمهور،
وإنما يرجح القول الثاني أنها الليالي العشر الأواخر من رمضان،
وأقسم الله بها لشرفها، ولأن فيها ليلة القدر،
ولأن المسلمين يختمون بها شهر رمضان الذي هو وقت فريضة من فرائض الإسلام وأركان الإسلام،
فلذلك أقسم الله بهذه الليالي.
وقوله: +والشفع والوتر"
قيل:
إن المراد به كل الخلق، فالخلق إما شفـع وإما وتر،
والله عز وجل يقول:
+ومن كل شيء خلقنا زوجين".
والعبادات إما شفع وإما وتر،
فيكون المراد بالشفع والوتر كل ما كان مخلوقاً من شفع ووتر،
وكل ما كان مشروعاً من شفع ووتر،
وقيل:
المراد بالشفع الخلق كلهم،
والمراد بالوتر الله عز وجل.
واعلم أن قوله والوتر فيها قراءتان صحيحتان (والوِتر) و(الوَتر)
يعني لو قلت (والشفع والوِتر) صح
ولو قلت (والشفع والوَتْر) صح أيضاً،
فقالوا إن الشفع هو الخلق؛
لأن المخلوقات كلها مكونة من شيئين
+ومن كل شيء خلقنا زوجين"
والوَتْر أو الوِتر هو الله
لقول النبي صلى الله عليه وسلّم:
«إن الله وتر يحب الوتر»(129)،
وإذا كانت الآية تحتمل معنيين ولا منافاة بينهما فلتكن لكل المعاني التي تحتملها الآية، وهذه القاعدة في علم التفسير
أن الآية إذا كانت تحتمل معنيين
وأحدهما لا ينافي الآخر فهي محمولة على المعنيين جميعاً.
قال تعالى:
+والليل إذا يسر"
أقسم الله أيضاً بالليل إذا يسري،
والسري هو السير في الليل،
والليل يسير يبدأ بالمغرب وينتهي بطلوع الفجر فهو يمشي زمناً لا يتوقف، فهو دائماً في سريان،
فأقسم الله به لما في ساعاته من العبادات كصلاة المغرب، والعشاء، وقيام الليل، والوتر وغير ذلك،
ولأن في الليل مناسبة عظيمة وهي أن الله عز وجل ينزل كل ليلة إلى السماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل الآخر
فيقول:
«من يسألني فأعطيه، من يدعوني فأستجيب له، من يستغفرني فأغفر له»(130)
ولهذا نقول:
إن الثلث الآخر من الليل وقت إجابة،
فينبغي أن ينتهز الإنسان هذه الفرصة فيقوم لله عز وجل يتهجد ويدعو الله سبحانه بما شاء من خير الدنيا والآخرة لعله يصادف ساعة إجابة ينتفع بها في دنياه وأخراه.
+هل في ذلك قسم لذي حجر"
لذي عقل،
+ألم تر كيف فعل ربك بعاد. إرم ذات العماد"
الخطاب هنا لكل من يوجه إليه هذا الكتاب العزيز وهم البشر كلهم بل والجن أيضاً ألم تر أيها المخاطب
+كيف فعل ربك بعاد. إرم ذات العماد"
يعني ما الذي فعل بهم؟
وعاد قبيلة معروفة في جنوب الجزيرة العربية،
أرسل الله تعالى إليهم هوداً عليه الصلاة والسلام فبلغهم الرسالة ولكنهم عتوا وبغوا وقالوا من أشد منا قوة
قال الله تعالى:
+أولم يروا أن الله الذي خلقهم هو أشد منهم قوة وكانوا بآياتنا يجحدون" .
فهم افتخروا في قوتهم ولكن الله بين أنهم ضعفاء أمام قوة الله
ولهذا قال:
+أولم يروا أن الله الذي خلقهم"
وعبّر ـ والله أعلم ـ بقوله +الذي خلقهم"
ليبين ضعفهم وأنه جل وعلا أقوى منهم،
لأن الخالق أقوى من المخلوق
+أن الله الذي خلقهم هو أشد منهم قوة وكانوا بآياتنا يجحدون. فأرسلنا عليهم ريحاً صرصراً في أيام نحسات لنذيقهم عذاب الخزي في الحياة الدنيا ولعذاب الآخرة أخزى وهم لا ينصرون". .
والذي فعل الله بعاد أنه أرسل عليهم الريح العقيم سخرها عليهم سبع ليال وثمانية أيام حسوماً،
فترى القوى فيها صرعى كأنهم أعجاز نخل خاوية،
فأصبحوا لا يرى إلا مساكنهم،
وهذا الاستفهام الذي لفت الله فيه النظر إلى ما فعل بهؤلاء يراد به الاعتبار يعني اعتبر أيها المكذب للرسول محمد صلى الله عليه وسلّم بهؤلاء كيف أُذيقوا هذا العذاب،
وقد قال الله تعالى:
+وما هي من الظالمين ببعيد" .
وقوله:
+إرم"
هذه اسم للقبيلة،
وقيل اسم للقرية، وقيل غير ذلك،
فسواء كانت اسماً للقبيلة أو اسماً للقرية فإن الله تعالى نكل بهم نكالاً عظيماً مع أنهم أقوياء.
وقوله:
+ذات العماد التي لم يخلق مثلها في البلاد" يعني أصحاب
+العماد" الأبنية القوية
+التي لم يخلق مثلها في البلاد" أي لم يصنع مثلها في البلاد؛
لأنها قوية ومحكمة،
وهذا هو الذي غرهم وقالوا:
مَن أشد منا قوة؟
وفي قوله:
+التي لم يخلق مثلها في البلاد"
مع أن الذي صنعها الآدمي دليل على أن الآدمي قد يوصف بالخلق فيقال خلق كذا،
ومنه قول النبي عليه الصلاة والسلام في المصورين
«يقال لهم أحيوا ما خلقتم»(131)،
لكن الخلق الذي ينسب للمخلوق ليس هو الخلق المنسوب إلى الله.
الخلق المنسوب إلى الله إيجاد بعد عدم وتحويل وتغيير،
أما الخلق المنسوب لغير الله فهو مجرد تحويل وتغيير،
وأضرب لكم مثلاً:
هذا الباب من خشب، الذي خلق الخشب الله، ولا يمكن للبشر أن يخلقوه،
لكن البشر يستطيع أن يحول جذوع الخشب وأغصان الخشب إلى أبواب وإلى كراسي وما أشبه ذلك،
فالخلق المنسوب للمخلوق ليس هو الخلق المنسوب للخالق؛
لأن الخلق المنسوب للخالق إيجاد من عدم وهذا لا يستطيعه أحد،
والمنسوب للمخلوق تغير وتحويل يحول الشيء من صفة إلى صفة،
أما أن يغير الذوات بمعنى يجعل الذهب فضة،
أو يجعل الفضة حديداً
، أو ما أشبه ذلك فهذا مستحيل لا يمكن إلا لله وحده لا شريك له.
ثم قال:
+وثمود الذين جابوا الصخر بالواد"
ثمود هم قوم صالح ومساكنهم معروفة الآن
كما قال تعالى:
+ولقد كذب أصحاب الحجر المرسلين" .
في سورة (الحجر) ذكر الله أن ثمود كانوا في بلاد الحجر وهي معروفة مر عليها النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم في طريقه إلى تبوك
وأسرع وقنّع رأسه صلى الله عليه وسلّم وقال:
«لا تدخلوا على هؤلاء القوم المعذبين إلا أن تكونوا باكين، فإن لم تكونوا باكين فلا تدخلوا عليهم أن يصيبكم مثل ما أصابهم»(132)،
هؤلاء القوم أعطاهم الله قوة حتى صاروا يخرقون الجبال والصخور العظيمة ويصنعون منها بيوتاً
ولهذا قال:
+جابوا الصخر بالواد" أي: وادي ثمود،
وهو معروف،
هؤلاء أيضاً فعل الله بهم ما فعل من العذاب والنكال حيث قيل لهم تمتعوا في داركم ثلاثة أيام،
ثم بعد الثلاثة الأيام أخذتهم الصيحة والرجفة فأصبحوا في ديارهم جاثمين،
فعلينا أن نعتبر بحال هؤلاء المكذبين الذين صار مآلهم إلى الهلاك والدمار،
وليُعلم أن هذه الأمة لن تُهلك بما أهلكت به الأمم السابقة بهذا العذاب العام،
فإن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم سأل الله تعالى أن لا يهلكهم بسنة بعامة
(133) ولكن قد تهلك هذه الأمة بأن يجعل الله بأسهم بينهم،
فتجري بينهم الحروب والمقاتلة،
ويكون هلاك بعضهم على يد بعض،
لا بشيء ينزل من السماء كما صنع الله تعالى بالأمم السابقة،
ولهذا يجب علينا أن نحذر الفتن ما ظهر منها وما بطن،
وأن نبتعد عن كل ما يثير الناس بعضهم على بعض،
وأن نلزم دائماً الهدوء،
وأن نبتعد عن القيل والقال وكثرة السؤال،
فإ ذلك مما نهى عنه النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم(134)،
وكم من كلمة واحدة صنعت ما تصنعه السيوف الباترة،
فالواجب الحذر من الفتن،
وأن نكون أمة متآلفة متحابة،
يتطلب كل واحد منا العذر لأخيه إذا رأى منه ما يكره.
+وفرعون" فرعون هو الذي أرسل الله إليه موسى عليه الصلاة والسلام،
وكان قد استذل بني إسرائيل في مصر،
يذبح أبنائهم ويستحيي نسائهم،
وقد اختلف العلماء في السبب الذي أدى به إلى هذه الفعلة القبيحة،
لماذا يقتل الأبناء ويبقي النساء؟!
فقال بعض العلماء:
إن كهنته قالوا له إنه سيولد في بني إسرائيل رجل يكون هلاكك على يده فصار يقتل الأبناء ويستبقي النساء.
ومن العلماء من قال:
إنه فعل ذلك من أجل أن يضعف بني إسرائيل؛
لأن الأمة إذا قُتلت رجالها واستبقيت نسائها ذلت بلا شك،
فالأول تعليل أهل الأثر، والثاني تعليل أهل النظر ـ أهل العقل ـ ولا يبعد أن يكون الأمران جميعاً قد صارا علة لهذا الفعل،
ولكن بقدرة الله عز وجل أن هذا الرجل الذي كان هلاك فرعون على يده تربى في نفس بيت فرعون،
فإن امرأة فرعون التقطته وربته في بيت فرعون،
وفرعون استكبر في الأرض وعلا في الأرض
وقال لقومه:
+أنا ربكم الأعلى"
وقال لهم:
+ما علمت لكم من إله غيري"
وقال لهم:
+أم أنا خير من هذا الذي هو مهين"
يعني موسى
+ولا يكاد يبين"
قال الله تعالى:
+فاستخف قومه فأطاعوه".
وقال لقومه مقرراً لهم:
+أليس لي ملك مصر وهذه الأنهار تجري من تحتي أفلا تبصرون" .
افتخر بالأنهار وهي المياه فأغرق بالماء.
+ذي الأوتاد"أي ذي القوة،
لأن جنوده كانوا له بمنزلة الوتد، والوتد تربط به حبال الخيمة فتستقر وتثبت،
فله جنود أمم عظيمة ما بين ساحر وكاهن وغير ذلك
لكن الله سبحانه فوق كل شيء
. +الذين طغوا في البلاد" الطغيان مجاوزة الحد
ومنه قوله تعالى:
+إنا لما طغى الماء حملناكم في الجارية" .
أي
لما زاد الماء حملناكم في الجارية يعني بذلك السفينة التي صنعها نوح عليه الصلاة والسلام، فمعنى
+طغوا في البلاد"
أي: زادوا عن حدهم واعتدوا على عباد الله
. +فأكثروا فيها الفساد" أي: الفساد المعنوي، والفساد المعنوي
يتبعه الفساد الحسي،
ودليل ذلك قول الله تبارك وتعالى:
{ولو أن أهل القرى آمنوا واتقوا لفتحنا عليهم بركات من السماء والأرض ولكن كذبوا فأخذناهم بما كانوا يكسبون" .
ولهذا قال بعض العلماء في قوله تعالى:
+ولا تفسدوا في الأرض بعد إصلاحها" .
قالوا:
لا تفسدوها بالمعاصي،
وعلى هذا فيكون قوله
+فأكثروا فيها الفساد" أي: الفساد المعنوي،
لكن الفساد المعنوي يتبعه الفساد الحسي،
وكان فيما سبق من الأمم أن الله تعالى يدمر هؤلاء المكذبين عن آخرهم،
لكن هذه الأمة رفع الله عنها هذا النوع من العقوبة وجعل عقوبتها أن يكون بأسهم بينهم،
يدمر بعضهم بعضاً،
وعلى هذا فما حصل من المسلمين من اقتتال بعضهم بعضاً،
ومن تدمير بعضهم بعضاً إنما هو بسبب المعاصي والذنوب،
يسلط الله بعضهم على بعض ويكون هذا عقوبة من الله سبحانه وتعالى،
+فصب عليهم ربك"
الصب معروف أنه يكون من فوق،
والعذاب الذي أتى هؤلاء من فوق من عند الله عز وجل
+سوط عذاب" السوط هو العصا الذي يضرب به،
ومعلوم أن الضرب بالعصا نوع عذاب،
لكن هل هذا السوط الذي صبه الله تعالى على عاد،
وثمود، وفرعون،
هل هو العصا المعروف الذي نعرف،
أو أنه عصا عذاب أهلكهم؟
الجواب:
الثاني عصا عذاب أهلكهم وأبادهم.
نسأل الله تعالى أن يجعل لنا فيما سبق من الأمم عبرة نتعظ بها وننتفع بها،
ونكون طائعين لله عز وجل غير طاغين،
إنه على كل شيء قدير.
+إن ربك لبالمرصاد"
الخطاب هنا للنبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم،
أو لكل من يتوجه إليه الخطاب،
يبين الله عز وجل أنه بالمرصاد لكل من طغى واعتدى وتكبر،
فإنه له بالمرصاد سوف يعاقبه ويؤاخذه،
وهذا المعنى له نظائر في القرآن الكريم منها قوله تبارك وتعالى:
+أفلم يسيروا في الأرض فينظروا كيف كان عاقبة الذين من قبلهم دمر الله عليهم وللكافرين أمثالها" .
وكقول شعيب لقومه:
+ويا قوم لا يجرمنكم شقاقي أن يصيبكم مثل ما أصاب قوم نوح أو قوم هود أو قوم صالح وما قوم لوط منكم ببعيد" .
فسنة الله سبحانه وتعالى واحدة في المكذبين لرسله،
المستكبرين عن عبادته هو لهم بالمرصاد،
وهذه الآية تفيد التهديد والوعيد لمن استكبر عن عبادة الله،
أو كذب خبره.
+فَأَمَّا الإِنسَنُ إِذَا مَا ابْتَلهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ فَيَقُولُ رَبِّى أَكْرَمَنِ * وَأَمَّآ إِذَا مَا ابْتَلَـهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ فَيَقُولُ رَبِّى أَهَانَنِ * كَلاَّ بَل لاَّ تُكْرِمُونَ الْيَتِيمَ * وَلاَ تَحَاضُّونَ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ * وَتَأْكُلُونَ التُّرَاثَ أَكْلاً لَّمّاً * وَتُحِبُّونَ الْمَالَ حُبّاً جَمّاً".
ثم قال عز وجل:
+فأما الإنسان إذا ما ابتلاه ربه فأكرمه ونعمه فيقول رب أكرمن. وأما إذا ما ابتلاه فقدر عليه رزقه فيقول ربي أهانن"
الابتلاء من الله عز وجل يكون بالخير وبالشر
كما قال تعالى:
+ونبلوكم بالشر والخير فتنة" .
فيُبتلى الإنسان بالخير ليبلوه الله عز وجل أيشكر أم يكفر،
ويبتلى بالشر ليبلوه أيصبر أم يفجر، وأحوال الإنسان دائرة بين خير وشر، بين خير يلائمه ويسره،
وبين شر لا يلائمه ولا يسره، وكله ابتلاء من الله،
والإنسان بطبيعته الإنسانية المبنية على الظلم والجهل إذا ابتلاه ربه فأكرمه ونعمه يقول +رب أكرمن"
يعني
أنني أهل للإكرام ولا يعترف بفضل الله عز وجل،
وهذا كقوله تعالى:
+قال إنما أوتيته على علم عندي" .
لما ذكر بنعمة الله عليه قال:
+إنما أوتيته على علم عندي" ولم يعترف بفضل الله،
وما أكثر الناس الذين هذه حالهم إذا أكرمهم الله عز وجل ونعمهم،
قالوا:
هذا إكرام من الله لنا؛ لأننا أهل لذلك،
ولو أن الإنسان قال:
إن الله أكرمني بكذا اعترافاً بفضله وتحدثاً بنعمته لم يكن عليه في ذلك بأس،
+وأما إذا ما ابتلاه فقدر عليه رزقه"
يعني ضيق عليه الرزق
+فيقول ربي أهانن"
يعني يقول إن الله تعالى ظلمني فأهانني ولم يرزقني كما رزق فلاناً،
ولم يكرمني كما أكرم فلاناً، فصار عند الرخاء لا يشكر،
يعجب بنفسه ويقول هذا حق لي،
وعند الشدة لا يصبر بل يعترض على ربه ويقول +ربي أهانن"
وهذا حال الإنسان باعتباره إنساناً،
أما المؤمن فليس كذلك، المؤمن إذا أكرمه الله ونعّمه شكر ربه على ذلك،
ورأى أن هذا فضل من الله عز وجل وإحسان،
وليس من باب الإكرام الذي يقدم لصاحبه على أنه مستحق،
وإذا ابتلاه الله عز وجل وقدر عليه رزقه صبر واحتسب،
وقال هذا بذنبي، والرب عز وجل لم يهني ولم يظلمني،
فيكون صابراً عند البلاء، شاكراً عند الرخاء،
وفي الآيتين إشارة إلى أنه يجب على الإنسان أن يتبصر
فيقول مثلاً:
لماذا أعطاني الله المال؟
ماذا يريد مني؟
يريد مني أن أشكر.
لماذا ابتلاني الله بالفقر،
بالمرض وما أشبه ذلك؟
يريد مني أن أصبر.
فليكن محاسباً لنفسه حتى لا يكون مثل حال الإنسان المبنية على الجهل والظلم ولهذا قال تعالى:
+كلا"
يعني
لم يعطك ما أعطاك إكراماً لك لأنك مستحق ولكنه تفضل منه،
ولم يهنك حين قدر عليك رزقه،
بل هذا مقتضى حكمته وعدله.
ثم قال تعالى:
+بل لا تكرمون اليتيم"
يعني أنتم إذا أكرمكم الله عز وجل بالنعم لا تعطفون على المستحقين للإكرام
وهم اليتامى،
فاليتيم هنا اسم جنس
، ليس المراد يتيماً واحداً بل جنس اليتامى،
واليتيم قال العلماء:
هو الذي مات أبوه قبل بلوغه من ذكر أو أنثى،
وأما من ماتت أمه فليس بيتيم،
وقوله تعالى:
+اليتيم" يشمل الفقير من اليتامى،
والغني من اليتامى
لأنه ينبغي الإحسان إليه وإكرامه لأنه انكسر قلبه بفقد أبيه ومن يقوم بمصالحه،
فأوصى الله تعالى به حتى يزول هذا الكسر الذي أصابه.
+ولا تحاضون على طعام المسكين"
يعني لا يحض بعضكم بعضاً على أن يطعم المسكين،
وإذا كان لا يحض غيره فهو أيضاً لا يفعله بنفسه،
فهو لا يطعم المسكين ولا يحض على طعام المسكين،
وفي هذا إشارة إلى أنه ينبغي لنا أن نكرم الأيتام،
وأن يحض بعضنا بعضاً على إطعام المساكين؛
لأنهم في حاجة،
والله تعالى في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه.
+وتأكلون التراث أكلاً لما" +التراث"
ما يورثه الله العبد من المال،
سواء ورثه عن ميت،
أو باع واشترى وكسب،
أو خرج إلى البر وأتى بما يأتي به من عشب وحطب وغير ذلك،
فالتراث ما يرثه الإنسان،
أو ما يورثه الله الإنسان من المال فإن بني آدم يأكلونه أكلاً لما،
وأما المال فقال:
+وتحبون المال حبًّا جًّما"
أي عظيماً، وهذا هو طبيعة الإنسان،
لكن الإيمان له مؤثراته قد يكون الإنسان بإيمانه لا يهتم بالمال وإن جاءه شكر الله عليه، وأدى ما يجب وإن ذهب لا يهتم به،
لكن طبيعة الإنسان من حيث هو كما وصفه الله عز وجل في هاتين الآيتين.
+كَلاَّ إِذَا دُكَّتِ الاَْرْضُ دَكّاً دَكّاً * وَجَآءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفّاً صَفّاً * وَجِىءَ يَوْمَئِذٍ بِجَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ يَتَذَكَّرُ الإِنسَنُ وَأَنَّى لَهُ الذِّكْرَى * يَقُولُ يلَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَيَاتِي * فَيَوْمَئِذٍ لاَّ يُعَذِّبُ عَذَابَهُ أَحَدٌ * وَلاَ يُوثِقُ وَثَاقَهُ أَحَدٌ * يأَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ * ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَّرْضِيَّةً * فَادْخُلِي فِي عِبَادِي * وَادْخُلِي جَنَّتِي".
+كلا إذا دكت الأرض دكًّا دكًّا. وجاء ربك والملك صفًّا صفًّا. وجيء يومئذ بجهنم يومئذٍ يتذكر الإنسان وأنى له الذكرى"
يذكر الله سبحانه وتعالى الناس بيوم القيامة
+إذا دكت الأرض دكًّا دكًّا"
حتى لا ترى فيها عوجاً ولا أمتاً، تُدك الجبال،
ولا بناء، ولا أشجار،
تمد الأرض كمد الأديم، يكون الناس عليها في مكان واحد يُسمعهم الداعي وينفذهم البصر في هذا اليوم
+يتذكر الإنسان وأنى له الذكرى. يقول يا ليتني قدمت لحياتي"
ولكن قد فات الأوان،
لأننا في الدنيا في مجال العمل في زمن المهلة يمكن للإنسان أن يكتسب لمستقره،
كما قال مؤمن آل فرعون
+يا قوم إنما هذه الحياة الدنيا متاع وإن الآخرة هي دار القرار" .
متاع يتمتع به الإنسان كما يتمتع المسافر بمتاع السفر حتى ينتهي سفره،
فهكذا الدنيا،
واعتبر ما يستقبل بما مضى،
كل ما مضى كأنه ساعة من نهار،
كأننا الآن مخلوقون، فكذلك ما يستقبل سوف يمر بنا سريعاً ويمضي جميعاً،
وينتهي السفر إلى مكان آخر ليس مستقرًّا،
إلى الأجداث إلى القبور ومع هذا فإنها ليست محل استقرار لقول الله تعالى:
+ألهاكم التكاثر. حتى زرتم المقابر" .
سمع أعرابي رجلاً يقرأ هذه الآية فقال:
(والله ما الزائر بمقيم ولابد من مفارقة لهذا المكان)،
وهذا استنباط قوي وفهم جيد يؤيده الآيات الكثيرة الصريحة في ذلك كقوله تعالى:
+ثم إنكم بعد ذلك لميتون. ثم إنكم يوم القيامة تبعثون" .
وذكر الله سبحانه وتعالى ما يكون في هذا اليوم فقال:
+وجاء ربك والملك صفًّا صفًّا"
أي: صفًّا بعد صف،
+وجاء ربك"
هذا المجيء هو مجيئه ـ عز وجل ـ
لأن الفعل أسند إلى الله، وكل فعل يسند إلى الله فهو قائم به لا بغيره،
هذه القاعدة في اللغة العربية،
والقاعدة في أسماء الله وصفاته كل ما أسنده الله إلى نفسه فهو له نفسه لا لغيره،
وعلى هذا فالذي يأتي هو الله عز وجل،
وليس كما حرفه أهل التعطيل حيث قالوا إنه جاء أمر الله،
فإن هذا إخراج للكلام عن ظاهره بلا دليل،
فنحن من عقيدتنا أن نجري كلام الله تعالى،
ورسوله صلى الله عليه وسلّم على ظاهره وأن لا نحرف فيه.
ونقول:
إن الله تعالى يجيء يوم القيامة هو نفسه،
ولكن كيف هذا المجيء؟
هذا هو الذي لا علم لنا به لا ندري كيف يجيء؟
والسؤال عن مثل هذا بدعة كما قال الإمام مالك ـ رحمه الله ـ
حين سُئل عن قوله تعالى
: +الرحمن على العرش استوى" .
فأطرق مالك برأسه حتى علاه الرحضاء ـ يعني العرق ـ
لشدة هذا السؤال على قلبه،
لأنه سؤال عظيم سؤال متنطع،
سؤال متعنت أو مبتدع يريد السوء، ثم رفع رأسه وقال:
(الاستواء غير مجهول، والكيف غير معقول، والإيمان به واجب، والسؤال عنه بدعة)، الشاهد الكلمة الأخيرة
ـ السؤال عنه بدعة ـ
واعتبر هذا في جميع صفات الله فلو سألنا سائل قال:
إن الله يقول:
+لما خلقت بيدي" .
يعني آدم، كيف خلقه بيده؟ نقول:
هذا السؤال بدعة، قال: أنا أريد العلم لا أحب أن يخفى علي شيء من صفات ربي فأريد أن أعلم كيف خلقه؟
نقول:
نحن نسألك أسئلة سهلة هل أنت أحرص على العلم من الصحابة رضي الله عنهم؟
إما أن يقول نعم،
وإما أن يقول لا
، والمتوقع أن يقول لا.
هل الذي وجهت إليه السؤال أعلم بكيفية صفات الله عز وجل أم الرسول عليه الصلاة والسلام؟
سيقول: الرسول،
إذاً الصحابة أحرص منك على العلم والمسؤول الذي يوجه إليه السؤال أعلم من الذي تسأله ومع ذلك ما سألوا؛
لأنهم يلتزمون الأدب مع الله عز وجل،
ويقولون بقلوبهم وربما بألسنتهم إن الله أجل وأعظم من أن تحيط أفهامنا
وعقولنا بكيفيات صفاته،
والله عز وجل يقول في كتابه في الأمور المعقولة
+ولا يحيطون به علماً" .
وفي الأمور المحسوسة:
+لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار" .
فنقول:
يا أخي إلزم الأدب،
لا تسأل كيف خلق الله آدم بيده؟ فإن هذا السؤال بدعة،
وكذلك بقية الصفات لو سأل كيف عين الله عز وجل؟
قلنا له:
هذا بدعة، لو سأل كيف يد الله عز وجل
قلنا:
هذا بدعة وعليك أن تلزم الأدب،
وأن لا تسأل عن كيفية صفات الله عز وجل.
لما قال هنا في الآية الكريمة
+وجاء ربك"
وسأل كيف يجيء؟
نقول:
هذا بدعة ـ هذه القاعدة التزموها ـ
وكل إنسان يسأل عن كيفية صفات الله فهو مبتدع متنطع،
سائل عما لا يمكن الوصول إليه،
فموقفنا من مثل هذه الآية +وجاء ربك"
أن نؤمن بأن الله يجيء لكن على أي كيفية ؟
الله أعلم.
والدليل قوله تعالى: +ليس كمثله شيء وهو السميع البصير" .
فنحن نعلم النفي
ولا نعلم الإثبات،
يعني نعلم أنه لا يمكن أن يأتي على كيفية إتيان البشر،
ولكننا لا نثبت كيفيته وهذا هو الواجب علينا،
وقوله: +الملك"
(ال)
هنا للعموم
يعني جميع الملائكة يأتون ينزلون ويحيطون بالخلق،
تنزل ملائكة السماء الدنيا،
ثم ملائكة السماء الثانية وهلم جرا يحيطون بالخلق إظهاراً للعظمة،
وإلا فإن الخلق لا يمكن أن يفروا يميناً ولا شمالاً لكن إظهاراً لعظمة الله وتهويلاً لهذا اليوم العظيم،
تنزل الملائكة يحيطون بالخلق،
وهذا اليوم يوم مشهود يشهده الملائكة والإنس والجن والحشرات وكل شيء
+وإذا الوحوش حشرت" .
فهو يوم عظيم لا ندركه الآن ولا نتصوره لأنه أعظم مما نتصور.
الأمر الثالث مما به الإنذار في هذا اليوم بعد أن عرفنا الأمر الأول وهو مجيء الله،
ثم صفوف الملائكة
قال:+وجيء يومئذ بجهنم" +جيء يومئذٍ"
ولم يذكر الجائي لكن قد دلت السنة أنه يؤتى بالنار تقاد بسبعين ألف زمام كل زمام منها يقوده سبعون ألف ملك(135)،
وما أدراك ما قوة الملائكة؟
قوة ليست كقوة البشر،
ولا كقوة الجن
بل هي أعظم وأعظم بكثير،
ولهذا لما قال عفريت من الجن لسليمان
+أنا آتيك به" بعرش بلقيس +قبل أن تقوم من مقامك وإني عليه لقوي أمين. قال الذي عنده علم من الكتاب أنا آتيك به قبل أن يرتد إليك طرفك فلما رآه مستقرًّا عنده" .
قال العلماء:
لأن الرجل هذا دعا الله،
فحملته الملائكة من اليمن فجاءت به إلى سليمان في الشام،
فقوة الملائكة عظيمة،
وهم يجرون هذه النار بسبعين ألف زمام،
كل زمام يجره سبعون ألف ملك،
إذاً هي عظيمة،
هذه النار إذا رأت أهلها من مكان بعيد،
سمعوا لها تغيظاً وزفيراً،
وليست كزفير الطائرات أو المعدات،
زفير تنخلع منه القلوب،
+كلما ألقي فيها فوج سألهم خزنتها ألم يأتكم نذير" .
وقال الله عز وجل:
+تكاد تميز من الغيظ"
تكاد تقطع من شدة الغيظ على أهلها، فلهذا أنذرنا الله تعالى منها
فهذه ثلاثة أمور كلها إنذار:
مجيء الرب جل جلاله،
صفوف الملائكة،
الثالث: الإتيان بجهنم.
+يومئذ يتذكر الإنسان وأنى له الذكرى"
يعني إذا جاء الله في يوم القيامة، وجاء الملك الملائكة صفوفاً صفوفاً،
وأحاطوا بالخلق،
وحصلت الأهوال والأفزاع يتذكر الإنسان، يتذكر أنه وعد بهذا اليوم،
وأنه أعلم به من قبل الرسل عليهم الصلاة والسلام،
وأنذروا وخوفوا، ولكن من حقت عليه كلمة العذاب فإنه لا يؤمن ولو جاءته كل آية، حينئذ يتذكر لكن يقول الله عز وجل
+وأنى له الذكرى"
أين يكون له الذكرى في هذا اليوم الذي رأى فيه ما أخبر عنه يقيناً؟!
وأنى له الاتعاظ فات الأوان؟!
والإيمان عن مشاهدة لا ينفع لأن كل إنسان يؤمن بما شاهد،
الإيمان النافع هو الإيمان بالغيب
+الذين يؤمنون بالغيب" .
فيصدق بما أخبرت به الرسل عن الله عز وجل وعن اليوم الآخر،
في ذلك اليوم يتذكر الإنسان ولكن قال الله عز وجل:
+أنى له الذكرى"
أي بعيد أن ينتفع بهذه الذكرى التي حصلت منه حين شاهد الحق يقول الإنسان:
+يا ليتني قدمت لحياتي"
يتمنى أنه قدم لحياته وما هي حياته؟ أهي حياة الدنيا؟
لا والله،
الحياة الدنيا انتهت وقضت،
وليست الحياة الدنيا حياة في الواقع،
الواقع أنها هموم وأكدار،
كل صفو يعقبه كدر،
كل عافية يتبعها مرض،
كل اجتماع يعقبه تفرق،
انظروا ما حصل أين الآباء؟
أين الإخوان؟
أين الأبناء؟
أين الأزواج؟
هل هذه حياة؟
ولهذا قال بعض الشعراء الحكماء:
لا طيب للعيش مادامت منغصة لذاته بادكار الموت والهرم
كل إنسان يتذكر أن مآله أحد أمرين:
إما الموت،
وإما الهرم
، نحن نعرف أناساً كانوا شباباً في عنفوان الشباب عُمّروا لكن رجعوا إلى أرذل العمر، يَرقُ لهم الإنسان إذا رآهم في حالة بؤس،
حتى وإن كان عندهم من الأموال ما عندهم
، وعندهم من الأهل ما عندهم،
لكنهم في حالة بؤس،
وهكذا كل إنسان إما أن يموت مبكراً،
وإما أن يُعمّر فيرد إلى أرذل العمر فهل هذه حياة؟
الحياة هي ما بينه الله عز وجل:
+وإن الدار الآخرة لهي الحيوان"
يعني لهي الحياة التامة {لو كانوا يعلمون} .
يقول هذا:
+يا ليتني قدمت لحياتي" يتمني لكن لا يحصل {أنى له الذكرى}.
قال تعالى:
+فيومئذٍ لا يعذِّب عذابه أحد، ولا يُوثَق وثاقه أحد"
فيها قراءتان:
في غربتـــي @fy_ghrbty_1
عضوة مميزة
يلزم عليك تسجيل الدخول أولًا لكتابة تعليق.
جزاك الجناااااااان ومناااااازل الرحمن....والله يبارك لك فى عمرك...وجعله ربى فى موازين حسناتك...
جزآك الله كَل خيرَ وجعلهآ الله في ميزآن حسنآتَك
وجعلك الله من عباده الذين لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ
وجعلك الله من عباده الذين لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ
الصفحة الأخيرة
استغفر الله وآتوب اليه
سبحان الله وبحمده , سبحان ربي العظيم
اللهم صلي وسلم وبارك على سيدنا محمد
لا آله الا الله الواحد الاحد