مازالت الخلطات الطبيعية ذات الطابع الطبي أو ما يسمى بالأدوية العشبية تجد إقبالاً كبيراً من مختلف طبقات المجتمع بالرغم من تحذيرات عدد من الجهات المسؤولة في وزارة الصحة ووزارة التجارة وأمانة وبلديات المدن إلاّ ان هذه التحذيرات لم تمنع أصحاب العطارة لاسيما الجائلين منهم من ممارسة بيع هذه المستحضرات وبأسعار باهظة!!ليس ذلك فقط بل أصبحت تجارة واستثمارا مربحا في وقت قياسي في ظل وجود عدد كبير من الموزعين عبر الصيدليات والمندوبين الذين يستطيعون الوصول لزبائنهم في عقر دارهم بمجرد مهاتفتهم عبر أرقام هواتفهم التي ينشرونها في كل مكان، ولعل منطقة مكة المكرمة أرض خصبة أكثر من غيرها من مناطق المملكة لنشر وترويج هذه المستحضرات خاصة إذا ارتبط اسمها بأشياء مقدسة لتجد إقبالاً كبيراً من كل زائر للأراضي المقدسة لاسيما الجهلاء الذين يقعون تحت وطأة البدع والخزعبلات.ونخص حديثنا هنا بخلطة جديدة عبارة عن معجون وأخرى توصي بوجود مواد طبيعية حيث تجد هاتان الخلطتان رواجاً لا نظير له بالرغم من تسببهما بحدوث متاعب صحية أوصلت بعض المرضى لحالات خطيرة وبخاصة مرضى الفشل الكلوي، فلماذا يعمل هؤلاء البائعون بحرية تامة بالرغم من كل تلك التحذيرات؟! وهل هي مجرد تحذيرات شفهية أو خطية؟!ومن المسؤول عن ترويج هذه الخلطات؟ وهل المغفلون أو المرضى من الناس يتحملون وحدهم النتائج؟!مجهول المصدرالدكتور جابر موسى القحطاني أستاذ ورئيس قسم العقاقير بكلية الصيدلية - جامعة الملك سعود يقول "فيما يتعلق بمعجون العسل والحبة السوداء وأعشاب أخرى وفيتامينات ومعادن وخلاف ذلك.. هذا المعجون ومع الأسف غير مقنن والجهة التي أحضرته ليس لها علاقة بعلم الأدوية وإذا دققنا النظر في المحتويات لوجدنا العسل الذي يحتوي على نسبة معينة من الماء وأنزيمات وكذلك الحبة السوداء تحتوي على زيوت ثابتة وزيوت طيارة وهذان النوعان من الزيوت يحتويان على مئات من المركبات الكيميائية، أما الأعشاب الأخرى التي لم تحدد أسماؤها والفيتامينات والمعادن هذه كلها تحتوي على مركبات كيميائية وعند سحق هذه المكونات ثم خلطها بالعسل فإنه يحدث تفاعل بين الانزيمات والماء الموجود في العسل وبعض المجاميع الكيميائية في المكونات الأخرى وبالتالي قد ينتج مركب جديد في هذه الخلطة ليس موجوداً أساساً في المحتويات وإنما يكون نتيجة للتفاعل الذي حدث وربما هذا المركب سبب سرطنة وربما يسبب تلفاً للكبد أو فشلاً كلوياً أو تدميرا لصفيحات الدم.. وهكذا.. كما ان الأعشاب الأخرى المضافة لم يحدد نوعها أو كمياتها بالإضافة إلى عدم تحديد كمية الحبة السوداء التي إذا زادت على نسبة معينة قد تكون خطيرة.. كذلك الفيتامينات والمعادن الموجودة بكميات عشوائية هي خطيرة جداً..".المهم هو المالوختم الدكتور القحطاني حديثة عن هذا المعجون قائلاً: "إن هذا المعجون فيه من الخطورة الشيء الكثير ولا يجب استعماله إطلاقاً لأنه غير مقنن ولأن الجهة التي قامت بتحضيره لا تعرف عن المجاميع الكيميائية وتداخلاتها شيئاً وأكبرها تلك الجهة هو تجميع الأموال من ترويج هذا المعجون دون مراعاة صحة المريض ويعد هذا المعجون ليس وحده الموجود في الأسواق السعودية فالصيدليات ومحلات العطارة تعج بأنواع المعاجين المماثلة ويجب على وزارة الصحة سحب هذه الخلطات من الصيدليات باعتبارها خاضعة لإشراف وزارة الصحة وعلى وزارة التجارة ووزارة الشؤون البلدية والقروية سحب هذه المستحضرات من محلات العطارة لأن هذه المحلات تقع تحت إشراف تلك الجهتين وعلى البلدية متابعة أولئك الذين يبيعون ويروجون لمثل هذه الخلطات والمعاجين عند أبواب المساجد والمحلات الكبيرة وإشارات المرور!خطر كبيرأما فيما يتعلق بالمستحضر الثاني فهذا المستحضر مكون من خليط من الأعشاب لا حصر لها وقد يكون أكثر خطورة من المعجون السابق نظراً لأن كمية المجاميع الكيميائية فيه كبيرة وعند خلط تلك النباتات بعضها ببعض فإن التدخالات الكيميائية نتيجة هذا الخلط تشكل خطراً كبيراً على المستهلك والتي قد لا تظهر خطورته إلاّ بعد شهور من تناوله التي تنتهي بتكون سرطان في أحد أعضاء الجسم أو تلف للكبد أو فشل كلوي أو تدمير الدم أو عقم أو بعض المشاكل في الاخصاب!!ويهيب الدكتور القحطاني بالمواطنين عدم استعمال مثل تلك الخلطات المجهولة المصدر العشوائية التركيب وعدها من أخطر المستحضرات على المستهلك وان ما يدعيه مروجو هذه الأدوية ادعاءات كاذبة وأنه يروج على أنه غذاء بينما هو يستعمل في الحقيقة كدواء.واستطرد قائلاً: " ناهيك عن ان هذا المستحضر لم يختبر بعد تجهيزه على المرضى قبل صدور استعماله أو بيعه وفيما يتعلق بالتصريح الموجود على المستحضر وهو تصريح مختبر الجودة والنوعية فعلها وزارة التجارة متابعة مصدر ذلك الرقم لأن مختبر الجودة والنوعية حسب معرفتي لا يستطيع ان يحلل ذلك المستحضر بعد خلطه وإذا كان هناك تحليل فعليهم إبرازه للمواطنين من خلال الصحف المحلية"!!غياب المرجعية العلمية"الرياض" توجهت للدكتور الصيدلي عبدالغفور تركستاني لسؤاله عن رأيه في ظاهرة بيع المستحضرات العشبية على شكل غذاء أو دواء، فقال: إن حاجة الإنسان، وخاصة الإنسان المريض إلى الدواء أو الغذاء الشافي، هي من الأمور المسلم بها منذ ان عرف الإنسان اعتلال الصحة (المرض، العجز.. إلخ) وستستمر هذه الحاجة إلى ان يرث الله الأرض ومن عليها في محاولات جادة ومستمرة في البحث عن ماء الحياة أو اكسير الحياة، ولقد أوصى عليه الصلاة والسلام بالتداوي، ففي صحيح مسلم يقول المصطفى عليه الصلاة والسلام: "لكل داء دواء، فإذا أصيب دواء الداء، برأ بإذن الله" وقوله صلى الله عليه وسلم: "إن الله لم ينزل داء إلاّ انزل له شفاء، علمه من علمه، وجهله من جهله". ومن أقواله صلى الله عليه وسلم يلاحظ ترادف المصطلحات، فمثلاً داء + دواء = شفاء.ويعرف الداء بالمرض، وهو ضرر يلحق بالبدن أو النفس (الروح)، ويخرجه عن الاعتدال، وقد يكون من فساد العضو أو من ضعف القوى أو الأرواح الحاملة لها.ويعرف الدواء: بأنه المواد التي يتداوى بها، والمستخلصة من النبات أو الحيوان أو الطبيعة أو المصنعة في معامل أبحاث وتصنيع الدواء، والتي تؤثر بحكم طبيعتها الكيميائية في بنية الكائن الحي أو وظيفته.ويعرف الشفاء: بمصادفة الدواء للداء، فمتى ما وقع المداوي (الصيدلي) على الدواء، ومتى تمت المصادفة، حصل البرء ولابد، ومتى لم يقع المداوي (الصيدلي) على الدواء، لم يحصل الشفاء. ومتى لم يكن الزمن صالحاً لذلك الدواء، لم ينفع. ومتى كان البدن غير قابل له، أو القوة عاجزة عن حمله، أو ثمة مانع يمنع من تأثيره، لم يحصل البرء، لعدم المصادفة.غير ان الدواء - الغذاء، بقصد التداوي، وخاصة في العصور الحديثة، ينطوي في كثير الأحيان مع خطورة جانبية بالغة على حياة المريض وعلى صحته، وبسبب ذلك أعدت المجتمعات الحديثة متخصصين في علم الدواء للتعامل مع هذه الأدوية الخطرة وتعزيز الصحة في مجتمعاتهم. وأسندت الدول إلى هؤلاء المتخصصين (المداوي أو الصيدلي)، دون غيرهم، الاختصاص بدراسة أو إنتاج أو تخزين أو توزيع أو الاتجار أو تقديم الاستشارة أو المعلومة الدوائية أو الغذائية أو صرفها مع المرضى بعد التأكد من مشتملات التذكرة العلاجية، دون خطأ أو إساءة استخدام متعمد لتحقيق نتائج محددة ومأمونة.وعليه يلاحظ ان هناك خطورة كبيرة تكمن في تداول مثل هذه المستحضرات العشبية غير المعروفة المصدر (على الأقل اسم الطبيب المداوي "الصيدلي")، وليس لها أي مرجعية علمية بحثية لتوثيق دواعي وموانع استخدامها أو تناولها وتحضيرها بشكل مهني واحترافي حسب ما هو منصوص عليه في الدساتير الدوائية، الأمر الذي يفقد مصداقية هذه المستحضرات العشبية وان احتوت على عناصر علاجية معروفة منذ القدم.فتركيب المستحضرات العلاجية علم وفن ومهارة وطلب مستمر للبحث عن ذلك الدواء الوارد في قوله صلى الله عليه وسلم (لكل داء دواء)، عرفه من عرفه، وجهله من جهله، والتفتيش عليه، ومعرفة طبيعته وحكمته وخواصه الفيزيائية والكيميائية، وثباته، وحركيته في البدن فالأبحاث والخبرات المتراكمة تؤكد ان الدواء إذا لم يجد في البدن داء يحلله أو وجد داء لا يوافقه، أو وجد ما يوافقه فزادت كميته، تشبث بالصحة وعبت فيها.فالمداوي أو الطبيب الصيدلي ملزم، وفي جميع الأحوال والأوقات، دينياً ومهنياً وأدبياً وتشريعياً بتقديم دواء مفيد معروف، ومؤكدين مقولة: الدواء من عندنا والشفاء من عند الله. وما يمكننا الخروج منه استناداً على ذلك، التوصيات التالية:تفعيل دور المداواة (الصيدلية) وإعطاؤها جانب كبير من الأهمية لتحريك عملية البحث العلمي ولفرض رقابة على مثل هذه الأنشطة وتقنينها وتوثيقها بما فيه مصلحة المريض والمعرفة البشرية، استغلال قدرات المداوي - الصيدلي، المهنية والاحترافية في رسم السياسة العلاجية وذلك لتمكينه من التدرج وظيفياً لمراتب عليا، فلائحة الوظائف الصحية، ذات المراتب (13-15) مقتصرة على مجموعة الأطباء البشريين وأطباء الأسنان فقط، ولا يتعدى المداوي أو الطبيب الصيدلي بأي حال من الأحوال المرتبة الثانية عشرة، الأمر الذي أدى إلى رسم سياسات صحية بنظرة أحادية الجانب، العمل على إزالة أسباب ظهور مثل هذه الظواهر بتقديم رعاية صحية متميزة ورفيعة المستوى، تفعيل دور أجهزة الإعلام في التثقيف الصحي، مراجعة وتحديث نظام مزاولة مهنة الصيدلة (المداواة - التداوي) والاتجار بالأدوية، والمدرجة في المرسوم الملكي الكريم م/ 18في 1393/3/18ه ، إنشاء هيئة وطنية تعنى بأمور الغذاء والدواء ومتابعتها بعد التسويق، تفعيل نظام الفهرسة السعودي لتصنيف الأصناف المستعملة في المملكة العربية السعودية، وإعطاء رقم مخزون سعودي لكل صنف، تبنى التقارير والملاحظات على أساسها للاطلاع.
الرياض
سيدة الوسط @syd_alost
عضوة شرف في عالم حواء
هذا الموضوع مغلق.
الصفحة الأخيرة
بارك الله فيك