ويرجع تاريخها إلى حوالي عام 535.ق.م(1) ، وقد جاء ذكرها في القرآن الكريم في سورة البروج :
(وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الْبُرُوجِ * وَالْيَوْمِ الْمَوْعُودِ * وَشَاهِدٍ وَمَشْهُودٍ * قُتِلَ أَصْحَابُ الأُخْدُودِ * النَّارِ ذَاتِ الْوَقُودِ * إِذْ هُمْ عَلَيْهَا قُعُودٌ * وَهُمْ عَلَى مَا يَفْعَلُونَ بِالْمُؤْمِنِينَ شُهُودٌ * وَمَا نَقَمُوا مِنْهُمْ إِلا أَنْ يُؤْمِنُوا بِاللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ )
تتلخص القصة حول قيام الملك يوسف ذو النواس الحميري بحرق سكان مدينة الأخدود قبل أكثر من 1500 عام عقاباً لهم على إيمانهم بالله ، ولم يعلم عنهم أحد شيئاً حتى ورد ذكرهم في القرآن الكريم .
وتفاصيل تلك القصة يرويها لنا الذي لا ينطق عن الهوى إن هو إلاّ وحي يوحى النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح :
عَنْ صُهَيْبٍ ، أَنّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، قَالَ : " كَانَ مَلِكٌ فِيمَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ ، وَكَانَ لَهُ سَاحِرٌ ، فَلَمَّا كَبِرَ ، قَالَ لِلْمَلِكِ : إِنِّي قَدْ كَبِرْتُ ، فَابْعَثْ إِلَيَّ غُلامًا أُعَلِّمْهُ السِّحْرَ ، فَبَعَثَ إِلَيْهِ غُلامًا يُعَلِّمُهُ ، فَكَانَ فِي طَرِيقِهِ إِذَا سَلَكَ رَاهِبٌ ، فَقَعَدَ إِلَيْهِ وَسَمِعَ كَلامَهُ ، فَأَعْجَبَهُ ، فَكَانَ إِذَا أَتَى السَّاحِرَ مَرَّ بِالرَّاهِبِ ، وَقَعَدَ إِلَيْهِ ، فَإِذَا أَتَى السَّاحِرَ ضَرَبَهُ ، فَشَكَا ذَلِكَ إِلَى الرَّاهِبِ ، فَقَالَ : إِذَا خَشِيتَ السَّاحِرَ ، فَقُلْ حَبَسَنِي أَهْلِي ، وَإِذَا خَشِيتَ أَهْلَكَ ، فَقُلْ حَبَسَنِي السَّاحِرُ ، فَبَيْنَمَا هُوَ كَذَلِكَ إِذْ أَتَى عَلَى دَابَّةٍ عَظِيمَةٍ قَدْ حَبَسَتِ النَّاسَ ، فَقَالَ : الْيَوْمَ أَعْلَمُ السَّاحِرُ أَفْضَلُ أَمْ الرَّاهِبُ أَفْضَلُ ، فَأَخَذَ حَجَراً ، فَقَالَ : اللَّهُمَّ إِنْ كَانَ أَمْرُ الرَّاهِبِ أَحَبَّ إِلَيْكَ مِنْ أَمْرِ السَّاحِرِ ، فَاقْتُلْ هَذِهِ الدَّابَّةَ حَتَّى يَمْضِيَ النَّاسُ ، فَرَمَاهَا فَقَتَلَهَا ، وَمَضَى النَّاسُ ، فَأَتَى الرَّاهِبَ فَأَخْبَرَهُ ، فَقَالَ لَهُ الرَّاهِبُ : أَيْ بُنَيَّ أَنْتَ الْيَوْمَ أَفْضَلُ مِنِّي قَدْ بَلَغَ مِنْ أَمْرِكَ مَا أَرَى ، وَإِنَّكَ سَتُبْتَلَى فَإِنِ ابْتُلِيتَ فَلا تَدُلَّ عَلَيَّ ، وَكَانَ الْغُلامُ يُبْرِئُ الأَكْمَهَ وَالأَبْرَصَ ، وَيُدَاوِي النَّاسَ مِنْ سَائِرِ الأَدْوَاءِ ، فَسَمِعَ جَلِيسٌ لِلْمَلِكِ كَانَ قَدْ عَمِيَ ، فَأَتَاهُ بِهَدَايَا كَثِيرَةٍ ، فَقَالَ : مَا هَاهُنَا لَكَ أَجْمَعُ إِنْ أَنْتَ شَفَيْتَنِي ، فَقَالَ : إِنِّي لا أَشْفِي أَحَدًا إِنَّمَا يَشْفِي اللَّهُ ، فَإِنْ أَنْتَ آمَنْتَ بِاللَّهِ دَعَوْتُ اللَّهَ فَشَفَاكَ ، فَآمَنَ بِاللَّهِ فَشَفَاهُ اللَّهُ ، فَأَتَى الْمَلِكَ فَجَلَسَ إِلَيْهِ كَمَا كَانَ يَجْلِسُ ، فَقَالَ لَهُ الْمَلِكُ : مَنْ رَدَّ عَلَيْكَ بَصَرَكَ ؟ ، قَالَ : رَبِّي ، قَالَ : وَلَكَ رَبٌّ غَيْرِي ؟ ، قَالَ : رَبِّي وَرَبُّكَ اللَّهُ ، فَأَخَذَهُ فَلَمْ يَزَلْ يُعَذِّبُهُ حَتَّى دَلَّ عَلَى الْغُلامِ ، فَجِيءَ بِالْغُلامِ ، فَقَالَ لَهُ الْمَلِكُ : أَيْ بُنَيَّ قَدْ بَلَغَ مِنْ سِحْرِكَ مَا تُبْرِئُ الأَكْمَهَ وَالأَبْرَصَ ، وَتَفْعَلُ وَتَفْعَلُ ، فَقَالَ : إِنِّي لا أَشْفِي أَحَدًا إِنَّمَا يَشْفِي اللَّهُ ، فَأَخَذَهُ فَلَمْ يَزَلْ يُعَذِّبُهُ حَتَّى دَلَّ عَلَى الرَّاهِبِ ، فَجِيءَ بِالرَّاهِبِ ، فَقِيلَ لَهُ : ارْجِعْ عَنْ دِينِكَ ، فَأَبَى فَدَعَا بِالْمِئْشَارِ ، فَوَضَعَ الْمِئْشَارَ فِي مَفْرِقِ رَأْسِهِ ، فَشَقَّهُ حَتَّى وَقَعَ شِقَّاهُ ثُمَّ جِيءَ بِجَلِيسِ الْمَلِكِ ، فَقِيلَ لَهُ : ارْجِعْ عَنْ دِينِكَ ، فَأَبَى فَوَضَعَ الْمِئْشَارَ فِي مَفْرِقِ رَأْسِهِ ، فَشَقَّهُ بِهِ حَتَّى وَقَعَ شِقَّاهُ ، ثُمَّ جِيءَ بِالْغُلامِ ، فَقِيلَ لَهُ : ارْجِعْ عَنْ دِينِكَ ، فَأَبَى فَدَفَعَهُ إِلَى نَفَرٍ مِنْ أَصْحَابِهِ ، فَقَالَ : اذْهَبُوا بِهِ إِلَى جَبَلِ كَذَا وَكَذَا ، فَاصْعَدُوا بِهِ الْجَبَلَ ، فَإِذَا بَلَغْتُمْ ذُرْوَتَهُ ، فَإِنْ رَجَعَ عَنْ دِينِهِ وَإِلا فَاطْرَحُوهُ ، فَذَهَبُوا بِهِ فَصَعِدُوا بِهِ الْجَبَلَ ، فَقَالَ : اللَّهُمَّ اكْفِنِيهِمْ بِمَا شِئْتَ ، فَرَجَفَ بِهِمُ الْجَبَلُ ، فَسَقَطُوا وَجَاءَ يَمْشِي إِلَى الْمَلِكِ ، فَقَالَ لَهُ الْمَلِكُ : مَا فَعَلَ أَصْحَابُكَ ؟ ، قَالَ : كَفَانِيهِمُ اللَّهُ ، فَدَفَعَهُ إِلَى نَفَرٍ مِنْ أَصْحَابِهِ ، فَقَالَ : اذْهَبُوا بِهِ ، فَاحْمِلُوهُ فِي قُرْقُورٍ ، فَتَوَسَّطُوا بِهِ الْبَحْرَ ، فَإِنْ رَجَعَ عَنْ دِينِهِ ، وَإِلا فَاقْذِفُوهُ ، فَذَهَبُوا بِهِ ، فَقَالَ : اللَّهُمَّ اكْفِنِيهِمْ بِمَا شِئْتَ ، فَانْكَفَأَتْ بِهِمُ السَّفِينَةُ ، فَغَرِقُوا وَجَاءَ يَمْشِي إِلَى الْمَلِكِ ، فَقَالَ لَهُ : الْمَلِكُ مَا فَعَلَ أَصْحَابُكَ ؟ ، قَالَ : كَفَانِيهِمُ اللَّهُ ، فَقَالَ لِلْمَلِكِ : إِنَّكَ لَسْتَ بِقَاتِلِي حَتَّى تَفْعَلَ مَا آمُرُكَ بِهِ ، قَالَ : وَمَا هُوَ ؟ ، قَالَ : تَجْمَعُ النَّاسَ فِي صَعِيدٍ وَاحِدٍ ، وَتَصْلُبُنِي عَلَى جِذْعٍ ثُمَّ خُذْ سَهْمًا مِنْ كِنَانَتِي ، ثُمَّ ضَعِ السَّهْمَ فِي كَبِدِ الْقَوْسِ ، ثُمَّ قُلْ : بِاسْمِ اللَّهِ رَبِّ الْغُلامِ ، ثُمَّ ارْمِنِي ، فَإِنَّكَ إِذَا فَعَلْتَ ذَلِكَ قَتَلْتَنِي ، فَجَمَعَ النَّاسَ فِي صَعِيدٍ وَاحِدٍ وَصَلَبَهُ عَلَى جِذْعٍ ، ثُمَّ أَخَذَ سَهْمًا مِنْ كِنَانَتِهِ ، ثُمَّ وَضَعَ السَّهْمَ فِي كَبْدِ الْقَوْسِ ، ثُمَّ قَالَ : بِاسْمِ اللَّهِ رَبِّ الْغُلامِ ثُمَّ رَمَاهُ ، فَوَقَعَ السَّهْمُ فِي صُدْغِهِ ، فَوَضَعَ يَدَهُ فِي صُدْغِهِ فِي مَوْضِعِ السَّهْمِ ، فَمَاتَ ، فَقَالَ : النَّاسُ آمَنَّا بِرَبِّ الْغُلامِ ، آمَنَّا بِرَبِّ الْغُلامِ ، آمَنَّا بِرَبِّ الْغُلامِ ، فَأُتِيَ الْمَلِكُ ، فَقِيلَ لَهُ : أَرَأَيْتَ مَا كُنْتَ تَحْذَرُ ، قَدْ وَاللَّهِ نَزَلَ بِكَ حَذَرُكَ قَدْ آمَنَ النَّاسُ ، فَأَمَرَ بِالأُخْدُودِ فِي أَفْوَاهِ السِّكَكِ ، فَخُدَّتْ وَأَضْرَمَ النِّيرَانَ ، وَقَالَ : مَنْ لَمْ يَرْجِعْ عَنْ دِينِهِ ، فَأَحْمُوهُ فِيهَا أَوْ قِيلَ لَهُ اقْتَحِمْ ، فَفَعَلُوا حَتَّى جَاءَتِ امْرَأَةٌ وَمَعَهَا صَبِيٌّ لَهَا ، فَتَقَاعَسَتْ أَنْ تَقَعَ فِيهَا ، فَقَالَ لَهَا : الْغُلامُ يَا أُمَّهْ اصْبِرِي ، فَإِنَّكِ عَلَى الْحَقِّ "(3) .
ورغم مرور آلاف السنين ، ما زالت العظام الهشة السوداء والرماد الكثيفة شاهدة على الحريق الهائل الذي أصاب أهل مدينة الأخدود بمنطقة نجران في عام 535.ق.م. ، وإلى الآن تَرْوِي تلك الأطلال وبقية المباني الضخمة وبقايا آثار الأخدود من الحجارة الضخمة والنقوش لزائرها قصة أصحاب الأخدود الذين ورد ذكرهم في القرآن الكريم ، وما حصل لهم من العذاب والإحراق لِيُصْرَفُوا عن دينهم .
وقد نُشِرَتْ بعض الصور لعظام بشرية باقية من آثار هذه المحرقة التاريخية القِدَمْ ، وصور أخرى آثار الرماد وآثار العظام الموجودة حتى اليوم .(4)
ويشير علماء الآثار في منطقة نجران إلى أن منطقة الأخدود الأثرية تحتاج إلى ما يقارب 30 سنة لمعرفة جميع أسرارها ، وإن ما تم اكتشافه إلى الآن لا يمثل إلا جزءاً من آثارها ومعالمها ، وما زال يكتنفها الغموض والأسرار رغم عمليات التنقيب والحفر المتواصل لمدة عشر سنوات مضت متتالية .
وتعد مدينة الأخدود في نجران من أغنى المواقع الأثرية في شبه الجزيرة العربية حالياً ، وأهم معلم حضاري ، وسياحي ، وتاريخي لمدينة نجران ، وهي المدينة المذكورة في سورة البروج ، ولما تحتويه من كتابات ونقوش على الأحجار يعود تاريخها إلى أكثر من 1750 سنة تقريباً ، فلا تذكر نجران إلا وتذكر الأخدود وكذلك العكس .(5)
والزائر لهذه القلعة والأثار القديمة التي مرّ عليها آلاف الأعوام يعتبر ويتعظ بما يشاهده ، فقد ضربوا أورع المثل في الصبر على الأذى ، والثبات عند البلاء ، والاستقامة على الدين رغم ما يرونه أمامهم من الأخدود الموقد بالنيران ولهيبها وسعيرها .
وقد قمت برحلة هذه المدينة الأثرية ، رأيت بأم عيني تلك المدينة الأثرية القديمة التي كنت أسمع عنها فقط من الصفوف الأولية عندما حفظت سورة البروج ، وكنت أتمنى رؤيتها والآن تحققت الأمنية ولله الحمد والمنة ، فرأيت العجب في حجارة مبانيها الضخمة ، وكذلك نقوشها بخط المسند ، ورسومها التي لم يمحها مرور الزمن ، وعباراتها التعبدية القديمة ، كذلك رأيت آثار التنقيب على ما تحتضنه هذه القلعة من التراث ، وكذلك قمت بزيارة متحف الأخدود والتقطت بعدستي بعض الصور منها داخل المتحف لبعض الأواني التراثية القديمة التي عثر عليها مدفونة داخل القلعة والمصنوعة من الفخار ، كذلك التقطت عدة صور لقلعة الأخدود التراثية القديمة ، وزودني الإخوان في المتحف وفقهم الله ببعض الكتب والمنشورات عن الآثار ومعالمها بمدينة الأخدود وغيرها من الآثار بمنطقة نجران .
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .
بعض الكتب والمراجع التي تناولت هذه الحضارة العريقة .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــ
(1)ـ كتاب : نجران منطلق القوافل ، تأليف : أ . د . عبدالرحمن الأنصاري .
(2)ـ سورة البروج ، من الآية (1 ـ 8) .
(3)ـ صحيح الإمام مسلم ، رقم الحديث : 5332 ؛ باب قصة أصحاب الأخدود .
(4)ـ كتاب : قصة أصحاب الخدود ، تأليف: د . مسفر اليامي ، أستاذ مشارك بجامعة نجران .
(5) ـ كتاب : نجران ثقافة وتراث ، من إعداد هيئة العامة للسياحة والآثار .


منطقة الاخدود يرتادها شهريا 3000 زائر ، بعد الدخول من البوابة تجد حديقة مزروعة بأشجار الاراك،

وفور الانتهاء منها تجد أمامك قلعة كبيرة مهدمة أجزاؤها ، وتقابلك أثناء الدخول من بابها نقوش ورسوم حيوانية وانسانية
واسماء لاشخاص نقشت على الجدار




بعد ذلك تجد أمامك مكانا مرتفعا، تشاهد أثناء الوقوف عليه كافة المدينة واجزاءها واحياءها
واثناء تنقلك في القلعة المهدمة تجد اماكن للتنقيب والحفريات التي تجري لاكتشاف أثارها



يحاولواأن يكتشفوا الحفرة او الاخدود الذي تم فيه الحرق عبر عمليات التنقيب
والثابت لدينا أن الحريق كان هائلا وقويا جدا حيث انه اشعل المدينه بكاملها
ومازال رماد الحريق موجودا للآن بالاضافة الى عظام للبشر وللحيوانات التي حرقت

يتبع
نقش على شكل ثعبانين ملتفين على بعض
صورة لحجر كبير منقوش عليه ثعبان
صورة لحجر منقوش عليه كتابة بخط المسند على أحد جدران الأخدود
نقش لحصان
نقش وتبدو فيه رسم جمل وكتابات بخط المسند