
إيهاب سليم
هُناكَ حقيقة علمية تقول ان أشكال الحياة القائمة على الكربون في الارض تسير نحو النهاية، وهذا يشملنا جميعًا كأحفاد ادم وحواء عليهما السلام. بغض النظر عن المكان الذي يُعتقد بان الروح سترحل اليه (أو حتى اذا كانَ المرء لا يعتقد أن لديه روح)، الا ان طائرة الرحيل ستترك الجسد وحيدًا ليخضع لبعض التغيرات غير السارة، والتي لن يجدى معها نفعًا لا ادوات التجميل ولا حتى العطور، اذ يبدأ تحلل الجسد بعد توقف عمليات الأيض والدورة الدموية، فتنبعث روائح كريهة، ويقع الجلد بعيدًا، وتتفكك مقل العيون، ويتحول الشعر الى غبار، وفي نهاية المطاف لن يبقى سوى العظام. كُل هذا يحدث بسبب الديدان والبكتيريا التي تتغذى على الجسد، وربما يكون الخبر السار في هذه العملية هو الفائدة التي تنصب لصالح النباتات والطبيعة من اعادة تدوير المواد العضوية في المجال الحيوي البيئي, وذلك بعد تحول المواد العضوية الى مواد أبسط كالاسمدة على أقل تقدير.
لكن وفقًا لتعاليم بعض الاديان، هُناك طريقة واحدة لأحباط عملية التحلل هذه وهي الالتزام بأنقى الإيمان بالله والاستقامة والتواضع والصدق في الحياة. وعلى هذا النحو، هُناك عدد من المُسلمين ومن الأبرشيات الكاثوليكية ممن أحتفظت جثث موتاهم من عملية التحلل بدون اي تدخل بشري، وقد وثقت بعض الحالات التي جرى فيها مُشاهدة جثث اناس وصحابة وقديسين عُرفَ عنهم الصلاح وماتوا او استشهدوا قبل عدة سنوات وقرون ولم يخضعوا لعملية التحلل هذه، ليكونوا بذلك في منزلة الانبياء والرسل المحفوظة جثثهم بارادة الله، وبالتالي اصبحت هذه الجثث مُعجزات إلهية للناس، ولاسيما بعد فشل كِبار العلماء والباحثين في ايجاد تفسير علمي لهذه الحالات، على الرغم من تحلل جثث قديسين اخرين كانوا قد دفنوا بالقرب من جثث قديسين صالحين في نفس البيئة ودرجات الحرارة.
في المقابل أكتشفَ العلماء الكثير من الجثث التي لم تتحلل، وكانَ سبب ذلك اما ان تكون الجثة محفوظة في بيئة جافة بدرجة حرارة كافية كحالة الناشط الحقوقي المدني مدغار إيفرز، والذي استخرجت جثته سليمة من مقبرة أرلينغتون الامريكية بعد ثلاثين عامًا من مقتله، او ان تكون الجثة غارقة في مستنقع بحيث يصبح من الطبيعي ان تكون مُحنطة، او ان تكون الجثة مدفونة في منطقة شديدة البرودة، او المومياوات الفرعونية التي جرى تحنيطها بعد ازالة الاعضاء الداخلية بعناية وملىء تجاويف الجسد بالاعشاب والمواد الطبيعية الاخرى ومن ثمَ غسلها بالزيوت ولفها باحكام بقماش الكتان، في حين تمكنَ العلماء من كشفَ بعض الحالات من (استقامة محتالين) عن طريق تحنيط بعض جثث القديسين، لتدعي الكنيسة فيما بعد باستقامة اصحابها لاهداف دينية ومالية تتعلق بجذب السياح.
وللعودة الى جثث الصالحين التي لم تُحلل، فقد ذكر الدكتور طارق السويدان في سلسلته قصة النهاية نقلا عن الشيخ محمود الصواف، أحد علماء العراق الإسلاميين، قوله: " وقد حدثنا الشيخ محمود الصواف رحمه الله انه دُعي فيمن دُعي من كبار العلماء لاعاده دفن شهداء احد من الصحابه رضي الله عنهم في مقبرة شهداء احد مقبره معروفه اصابها سيل فانكشفت الجثث فدعي مجموعه من كبار العلماء لاعادة دفن هولاء الصحابه، ويحدثنا الشيخ محمود الصواف انه حضر ذلك بنفسه فيقول ممن دفنت دفنت حمزه رضي الله عنه فيقول ضخم الجثه مقطوع الانف والاذنين بطنه مشقوق وقد وضع يده على بطنه فيقول فلما حركناه ورفعنا يده سال الدم ويقول دفنته مع من دفنت من صحابة النبي صلى الله عليه وسلم من شهداء احد".
وقد ذكرت مجلة الكوثر العراقية-العدد 25-ص 11- انه في سنة 1933م وبينما كانت بعض الحفريات تجرى في منطقة المدائن جنوب شرق بغداد،اكتشف العمال الذين يحفرون وجود جثة كاملة وكأنها دفنة منذ لحظات، واكتشفوا بجانبها ايضًا نقش كتب عليه "هذا مرقد صحابي رسول الله حذيفة بن اليمان رضي الله عنه"، كما تم اكتشاف بعض المعالم التي تعود الى زمن سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم حول القبر. قامت حينها السلطات بنقل جثمانه ضمن موكب عسكري واحتفال جماهيري ليشهدوا على الكرامة الالهية لهذا الصحابي الجليل، وقد تم نقله ليدفن بقرب الصحابيين الجليلين سلمان الفارسي وعبد الله بن جابر الأنصاري رضي الله عنهما.
ونقلًا عن صحيفة الحياة في ابريل نيسان سنة 2007م، تفاجأ أهالي قرية الحليفة (140 كيلومتراً جنوب حائل)، عند نبش قبر سيدة، بأن جثتها لم تتحلل أو تتغير ملامحها، على رغم مرور أكثر من 80 عاماً على دفنها، وكانت عملية نبش القبر تمت، في حضور لجنة مكونة من مندوبين من إمارة حائل وبلديتها إلى جانب بعض أقارب السيدة التي توفيت وهي في الثلاثينات، بغرض نقل رفاتها من قبرها الحالي القريب من طريق فرعي إلى مقبرة أنشئت حديثًا. وقد أكد استشاري الطب الشرعي الدكتور جلال عبدالمنعم عيد للحياة أن تحلل وتعفن الجثة أمر نسبي، ويخضع لعوامل عدة، من أهمها نوعية التربة، وعمق القبر، وسبب الوفاة وكبر السن، ودرجة الحرارة والرطوبة. مرجحاً أن تكون نوعية التربة لعبت دوراً في عدم تحلل الجثة، وموضحاً أن ثمة نوعاً من التربة لا تنمو فيها البكتيريا، "وهناك نوع آخر توجد فيه أملاح تسهم في تآكل الجثة وتحللها بسرعة". وعلى رغم الأسباب العلمية التي ساقها استشاري الطب الشرعي لعدم تحلل الجثة، إلا أنه لم يخف استغرابه من الحادثة، متمسكاً "بأننا نبقى بشراً وعلمنا محدود". من جانبه، عزا الداعية خالد العامر للحياة، عدم تحلل جثة السيدة إلى كونها شهيدة، مستشهداً بقول الرسول صلى الله عليه وسلم: "شهداء أمتي إذاً قليل"، ثم قال: "الحريق شهيد، والغريق شهيد، والهدم شهيد، والمبطون شهيد، والنفساء يقتلها ابنها فهي شهيدة"، مضيفاً: "والسيدة كما ذُكر ماتت وهي في النفاس، ونحسبها إن شاء الله شهيدة، والله تعالى أعلم". وأوضح العامر، أن اكتشاف جثث لم تتحلل على رغم مرور أعوام على دفنها أمر ثابت في صحيح السنة والأحاديث النبوية.
وذكرت وكالة الانباء والمعلومات الفلسطينية عصر الخميس الحادي والثلاثين من مايو ايار سنة 2012م، ان العشرات من المُشيعين من أبناء رام الله، ومن شاركهم من شخصيات رسمية خلال مراسم دفن رفات عشرة شهداء في مقبرة رام الله الجديدة، تفاجئوا بجثة شهيد "كأنه استشهد منذ دقائق". وقال مشاركون في عملية الدفن، إنه عند رفع جثة الشهيد التي كانت تحمل الرقم 8 تبين لهم أنها أثقل من غيرها من الجثث، كما ظهر جزءا منها، يميل لونه للبني الغامق، وهو الجزء الأوسط من الجسد، ولم يكن جزءا متيبسا، مما استدعاهم للسؤال عن وقت استشهاده.
والجثة تعود للشهيد شاهب أحمد محمد، الذي لم تجد الوكالة عنه إلا معلومات قليلة، وهي أن تاريخ استشهاده يعود لـ 24/4/1993، حيث استشهد في عملية نفذها بمدينة إيلات، بالتاريخ المذكور. وعن ذلك قال مدير عام الطب العدلي في وزارة العدل زياد الأشهب للوكالة، إن هذا أمر وارد، حيث يعرف الطب العدلي ما يسمى بالتحنيط الطبيعي للجثة، حيث تبقى الجثة بهذه الحالة محافظة على شكلها الخارجي، لكن غالبا تكون الأعضاء الداخلية متحللة. وأضاف الأشهب أن عوامل المنطقة التي تدفن فيها الجثة تؤثر بهذا الشأن، حيث طبيعة المناطق الجافة والحارة، والتربة، وعمق القبر، كلها عوامل تؤثر في بقاء الجثة محافظة على شكلها الخارجي. وعند سؤال الوكالة عددا من المفتين ورجال دين عن هذه الحالة، أجمعوا على أن هناك كرامات للشهداء، وأن لكل إنسان كرامته التي ربما تختلف من إنسان لآخر. من جهته قال رئيس المجلس الأعلى للقضاء الشرعي الشيخ يوسف ادعيس للوكالة إن" من كرامة الله على الشهيد أن لا يبلى جسده"، معتبرا ذلك "علامة من علامات الصلاح وقبول الشهيد". وأكد الشيخ دعيس "أن هذا أمر حقيقي وواقعي، وأمر طبيعي جدا، وهذا أمر وارد ومذكور في الشريعة ولا يشك فيه أي إنسان".
وبحسب الموقع الرسمي لكتائب الشهيد عز الدين القسام في الثاني من يونيو حزيران سنة 2012م، فقد شهدت مدن ومخيمات الضفة كرامات لشهداء فلسطين، والذين مرّ على استشهادهم سنين طويلة، فكان منهم جثماني منفذي عملية الرد الأول على اغتيال المهندس يحي عياش بتاريخ 1996-02-25، وهما الاستشهادي إبراهيم السراحنة والاستشهادي مجدي أبو وردة من الخليل جنوب الضفة قبل 16 عاماً. فيما كشفت عائلة القائد نصر الدين عصيدة من الخليل أن أجزاءً كاملة من جسد ابنهم الشهيد لم تتحلل، ليس هذا وحسب بل أن بعض المواقع من جسده كانت "طرية" وهناك آثار دماء، وهو ذات الشيء الذي حدث مع جثة الإستشهادي خليل إبراهيم الشريف بعد 15 عامًا من استشهاده.
ومن الامثلة الاخرى للجثث التي لم تتحلل، القديس الشاب سيلفان، وهو من اوائل شهداء المسيحية، وقد ذُبحَ على يد الإمبراطور دقلديانوس سنة 350م. ورغم المدة الطويلة الا ان حاجبيه وشعره وجسده في حالة سليمة في كنيسة القديس بليز بمدينة دبروفينيك بكرواتيا. ولعل الاكثر شهرة للاستقامة جثة راعية الغنم الشابة سانت برناديت في دير سانت كيلدارد في نيفر بفرنسا، والتي توفيت في سنة 1879م عن عمر يناهز 35 عامًا قضت معظمه في الصلاح والعبادة، حيث ما تزال جثتها واحشاءها الداخلية سليمة وطرية، بينما جرى تغطيه وجهها ويديها بالشمع كأنما تنبض بالحياة، في حين لم يتمكن العلماء من معرفة السر وراء بقاء جسدها محفوظ بصورة جيدة وبدون مساعدة من الظروف البيئية أو التحنيط.
الغريب والاكثر غرابة في الامر، لم يسمع المرء يومًا عن عدم تحلل جثة يهودي او يشم منها رائحة المسك في الارضي المُقدسة كالحالات التي مع الشهداء المُسلمين هُناك، اذ يقول الله عز وجل في الايات 82-83 في سورة المائدة: {لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِّلَّذِينَ آمَنُواْ الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُواْ وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ مَّوَدَّةً لِّلَّذِينَ آمَنُواْ الَّذِينَ قَالُواْ إِنَّا نَصَارَى ذَلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْبَانًا وَأَنَّهُمْ لاَ يَسْتَكْبِرُونَ، وَإِذَا سَمِعُواْ مَا أُنزِلَ إِلَى الرَّسُولِ تَرَى أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ مِمَّا عَرَفُواْ مِنَ الْحَقِّ يَقُولُونَ رَبَّنَا آمَنَّا فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ}.
بصورة عامة، قوانين الكيمياء والفيزياء أسباب خلقها الله، والأسباب لا تعمل بنفسها، ولكن تعمل بإرادة الله لها أن تعمل، وخير دليل على ذلك النار التي لم تحرق إبراهيم عليه السلام. فالأصل في الجثث التحلل بالسنن العادية، ولكن هذه السنن يعطلها الله كيف يشاء ومع من يشاء من خلقه، بحسب إسلام ويب، أحكام الشهيد 111، رقم الفتوى 111249
الشهيدين أنس مسالمة ووليد عياش في مدينة درعا السورية:
شهيد فلسطيني جثته بقيت على حالها بعد 6 سنوات:
معلمه اماراتيه يفوح من قبرها رائحه:

المشيعون يحملون جثمان الشهيد باسل القواسمي كما هي

الشهيدين أنس مسالمة ووليد عياش في مدينة درعا
