علامات استفهام حول نتائج المتفوقين في المرحلة الثانوية 2004/06/22 التاريخ: الثلاثاء
لقد صعقت وأنا أقرأ نتائج الطلاب المتفوقين أوائل الثانوية العامة لمدارس البنين لهذا العام عندما وجدت أن 31طالباً من مدرسة أهلية واحدة في مدينة الرياض جاؤوا في قائمة العشرة الأوائل لقسم العلوم الطبيعية على مستوى مدارس المملكة، فهل هذا من الناحية العلمية والمنهجية ممكن بحيث تتمكن مدرسة واحدة مهما كانت امكانياتها وتميزها أن يتجاوز عدد المتفوقين من طلابها نصف الأوائل من بين 2000مدرسة ثانوية أخرى في مختلف مناطق المملكة؟ وهل يعقل أيضاً أن تحوز مدينة الرياض على نسبة 53% من إجمالي أوائل الثانوية العامة في قسم العلوم الطبيعية بينما تحوز مدينة جدة على 6% فقط؟ وهل يعقل حصول ثلاثين طالباً في قسم العلوم الطبيعية على نسبة 100% منهم ستة عشر طالباً من تلك المدرسة الأهلية بينما لم يحصل ولا طالب واحد على نسبة 100% في الأقسام الشرعية والإدارية في جميع مدارس المملكة؟ إن هذه النتائج أصابتني بالذهول.. فهل لدى المسؤولين في وزارة التربية والتعليم تفسير منطقي لها؟لا أريد أن أشكك مباشرة في العملية التعليمية والتربوية وطريقة وأسلوب أداء اختبارات المرحلة الثانوية أو في قدرة بعض المدارس على التفوق والتميز في التدريس والخدمات الأخرى، ولكن تلك النتائج لا تبعث الاطمئنان على سلامة النظام التعليمي بأكمله وبخاصة إذا قرنا ذلك بشواهد واقعية نلمسها في مدارس التعليم العام. ولو كنت مسؤولاً عن اعتماد تلك النتائج لتوقفت كثيراً أمام مدلولاتها ولربما هربت من وضع اسمي على بياناتها.في الدراسات الإحصائية هناك ما يسمى بالتوزيع الطبيعي normal distribution للمجموعات البشرية والتي تؤكد إذا حصلت على سلامة منهج البحث وتعطي الثقة في نتائجه. والوضع الطبيعي المتوقع الذي يقود إلى توزيع طبيعي في نتائج طلاب المرحلة الثانوية يشير إلى عدم وجود فروق جوهرية من مدارس المرحلة الثانوية على مستوى مناطق المملكة فيما يتعلق بالمنهج الدراسي وطرق التدريس ومستوى المعلمين، وإذا وجدت مثل هذه الفروق فهذا يعني أن هناك خللاً ما في النظام التعليمي.. والوضع الطبيعي أيضاً يشير إلى عدم وجود فروق جوهرية بين المدارس الحكومية وبين المدارس الأهلية فيما يتعلق بالمنهج الدراسي وطرق التدريس ومستوى المعلمين، وإذا وجدت مثل هذه الفروق فهذا يعني أيضاً أن هناك خللاً ما في النظام التعليمي.. والوضع الطبيعي أيضاً يشير إلى أن أسئلة الاختبارات واحدة وأنه لا توجد فروق جوهرية بين طريقة إجراء الاختبارات ووسائل ضبط العملية التعليمية بين مختلف المناطق، وإن وجدت مثل هذه الفروق فهذا يعني أيضاً وجود خلل ما في النظام التعليمي.. ومن هنا يتضح أن نتائج طلاب المرحلة الثانوية لهذا العام تؤكد على وجود هذا الخلل الواضح في التوزيع الطبيعي للنتائج مما يستدعي إثارة التساؤلات حول أسباب ظهور النتائج بهذا الشكل، ونتوقع أن تجد هذه التساؤلات صدى لدى الوزارة لإيضاح موقفها من هذه القضية المهمة. إن السكوت على هذه الظاهرة وعدم تفسيرها للناس سيؤدي إلى فقدان الثقة بشكل تام في النظام التعليمي إضافة إلى تكريس ضعف انتماء آلاف الطلاب نحو الوطن وعدم ثقتهم في وجود الفرص العادلة لجميع أبناء المجتمع للتفوق ومن ثمَّ الحصول على نتائج ممتازة ومن ثمَّ الحصول على فرص التعليم العالي الجيدة.إن عدم تفسير هذه النتائج من قبل الوزارة سيعزز فرص انتشار الأقاويل والشائعات حول ممارسات غير نظامية تجري في بعض المدارس الأهلية، بل هي تسيئ إلى النظام التعليمي بأكمله وإلى العاملين المخلصين في المؤسسات التعليمية والتربوية. إن مثل هذه النتائج تعزز قناعة كثير من المسؤولين في مؤسسات التعليم العالي بعدم سلامة اعتماد نسبة الطالب في المرحلة الثانوية كمعيار أساسي للقبول في الجامعات وتعزز شكوكهم في النتائج الصادرة من بعض المدارس الأهلية، وهذه القناعة هي التي أدت إلى البحث عن معايير أخرى لقبول الطلاب في الجامعات والكليات مثل اختبارات القدرات واختبارات التحصيل والمقابلات الشخصية وغيرها.. إن هذه القناعة موجودة بالفعل حينما يجد أعضاء هيئة التدريس أن بعض أصحاب النسب العالية يتعثرون سريعاً في المرحلة الجامعية وفي مقررات أساسية وربما يتسرب في وقت قصير من الجامعة أو الكلية. وفي ظني أن هذه القضية أصبحت ملموسة بشكل كبير في التعليم العالي مما أدى بمجلس التعليم العالي بإصدار قراره في جلسته الثانية والثلاثين بتاريخ 12محرم 1425هـ "بتكليف وزارة التربية والتعليم بإعداد دراسة مفصلة لظاهرة ارتفاع المعدلات الدراسية للكثير من خريجي الثانوية العامة وخاصة خريجي المدارس الأهلية وذلك بعد ملاحظة من أساتذة الجامعات".إن البيانات الإحصائية هي أكثر الوسائل حيادية وعلمية لمعرفة الواقع واستخلاص المؤشرات واستكشاف العيوب وكل التقارير الإنشائية التي تصدر عن إدارات التعليم أو أقسام وزارة التربية والتعليم تنكشف عوارها عند أقل المؤشرات الإحصائية أهمية ومكانة، ولهذا فإن قراءة نتائج المرحلة الثانوية ليس فقط نتائج المتفوقين بل جميع نتائج الطلاب واستخلاص المؤشرات التعليمية والتربوية المهمة وقراءة مدلولاتها بصورة متأنية وناقدة هي عملية ضرورية لمعالجة الأخطاء وتطوير البرامج وإصلاح النظام التعليمي بأكمله لأن في هذا مستقبل أمة ومستقبل أجيال وأحسب أن الوزارة تحتاج إلى تطبيق شعارها الرائع (وراء كل أمة عظيمة تربية عظيمة) على أرض الواقع بحساسية زائدة والتركيز على السياسات والإجراءات التي تضبط العملية التعليمية وتؤسس إلى قيام نظام تعليمي صحي يتسابق فيه الجميع بشكل متساو نحو التفوق، مع معالجة الجوانب السلبية والممارسات غير النظامية مثل سعي بعض المدارس الأهلية للتنافس في حصول طلابها على نتائج ممتازة سعياً وراء الشهرة والربح المادي.إن نتائج الطلاب وتحصيلهم وأداءهم عن طريق إشراكهم في منافسات واختبارات علمية تستخدم اليوم في دراسات مقارنة على المستوى الدولي حول مستوى النظام التعليمي وكفاءته مثل التقارير التي نقرأها في مقارنة نتائج الطلاب في الرياضيات والعلوم على مستوى عدد من دول العالم، والتي - مع الأسف - لا نجد أن المملكة تشترك فيها. إن المشاركة في مثل هذه المسابقات الدولية تمثل مؤشراً مهماً حول مستوى التعليم لدينا مقارنة بالدول الأخرى، وترفع من مستوى العاملين والمخططين للعملية التربوية وتساهم في رفع مستوى العاملين والمخططين للعملية التربوية وتساهم في رفع مستوى المنافسة بين الدول وداخل الدولة الواحدة.إنني أدعو وزير التربية والتعليم وهو التربوي العريق الذي عمل في مؤسسات تربوية عديدة وله خبرة حوالي عشر سنوات في رأس الهرم التربوي في بلادنا أن يتدارك الأمر ويدرس هذه الظاهرة المزعجة وأنا متأكد أن هذه المؤشرات ستقوده لاكتشاف أمور عجيبة وغريبة تحصل في الممارسة التربوية والتعليمية ليس فقط على مستوى تحصيل الطلاب وإنما على مستوى الإدارة التربوية والإشراف وتطبيق المناهج والعلاقة المحترمة بين المعلم والطلاب..إننا يا معالي الوزير نبحث عن نظام تعليمي يتيح لأبنائنا التعلم وليس حصد الدرجات الرفيعة فقط.
أحمد بن محمد العيسى ..
منقول ..
...

وردة الخير @ord_alkhyr
عضوة فعالة
بالله هل هذا يدخل المزاج .. علامات استفهام حول نتائج المتفوقين في المرحلة الثانوية
0
404
يلزم عليك تسجيل الدخول أولًا لكتابة تعليق.
خليك أول من تشارك برأيها 💁🏻♀️