النهضه العمرانيه والعلميه في عهد الفاتح::
لقد قلنا فيها مر ان السلطان الفاتح لم يكن مجرد سلطان عظيم وسياسي بارع بل كان ايضا منشئ حضاره تركيه اسلاميه زاهره ونلقي الان بعض الاضواء على انجازاته
ولا عبرة باقوال المؤرخين المتعصبين القلائل امثال جاك بيرين الذي انكر لجهله وتعصبه البغيض ان يكون للاتراك العثمانيين أي دور في المجال الحضاري او يكون لهم ادب وفن وكانو هم جنودا محاربين والجنود يدمرون الثقافه والحضاره . وليس هناك قول ابعد عن الحقيقة والصواب من هذا . فيا ترى ماذا يقول هذا المؤلف او من كان على شاكلته عن الرومان ؟ نعم كان الاتراك العثمانييون جنودا محاربين ، ولكن ليسوا من طراز القوط او فيكنج البرابرة الاوربيين ، او مثل الهون والتتار الشرقيين . بل هذبت نفوسهم تعاليم الاسلام وشريعة الاسلام , والحضارة الاسلامية التي عاشوا في ظلها لمدة ثلاث هاو اربعة قرون , قبل ان يبرزوا كفاتحين عظام على مسرح اوربا .
فاسهموا بدورهم في بناء تلك الحضارة الاسلامية التي وضعت قواعدها قبل ثمانية قرون في مدينة صغيرة في الجزيرة العربية , مدينة النبي عليه الصلاة والسلام , والتي ازدهرت فيما بعد في العواصم دمشق وبغداد والقاهره وقرطبه وحان الوقت لتزدهر في عاصمه الاسلام الجديده القسطنطينه واثار هذه الحضاره واضحه جليله في الادب والعلم والنظم والقانون لكل باحث نزيه وهي في مجال الفن والبناء مايله للعيان حتى اليوم لكل زائر وسائح
نقل محمد الفاتح عاصمه دولته من ادرنه الى القسطنطينية بعد فتحها بزمن قصير واول عمل قام به الفاتح بعد هذا هو اعاده الامن والنظام في ربوعها فانه لم يكن فتح تلك المدينه ليدمرها ويحطمها بل ليبنيها وينشئها من جديد بعد اضمحلال وخراب من الموروث
وسلك في هذا السبيل سياسة العدل والتسامح سياسه الانسان الباني لا الفاتح المنتقم كان قد هرب كثير من سكان المدينه قبيل سقوطها وبعده مباشره خوفا من نقمة الفاتحين الجدد فاصدر الفاتح بيانا عاما دعا فيه هؤلاء الفارين الى العوده الى وطنهم وامنهم على حياتهم واموالهم ووعدهم بعيشة كريمه في حكمه العادل وكذلك كان هرب كثير من الجنوبيين الذين كانو يسكنون ضاحيه غلطه منذ امد بعيد ويقومون بالاعمال التجاريه في العاصمه البيزنطيه كانو قد هرب والى الجزر اليونانيه المجاوره بعد خيانتهم للعثمانيين اثناء الحصار وخوفا على ارواحم فامرهم السلطان الفاتح عن طريق نداء بالعوده الى دورهم ومزاوله اعمالهم التجاريه في ظرف سته اشهر والا ستصادر اموالهم ودورهم التجاريه فعاد هؤولاء وغيرهم المسيحيين الى المدينه وزاولو مهنهم واعمالهم وكذا عادت حياتهم الى مجراها الطبيعي
كما انه اتى بأسر تركيه وعربيه كثيره من الاناضول واسكنها في العاصمه الجديده لتكون لها جاليات اسلاميه وتساهم في الحياه المدنيه والاقتصاديه فاستقر بها الاف من الاسر الاسلاميه وهكذا بدات سياسه الفاتح في اعمار المدينه وانتعشت فيها حركه البناء وال***** والتجاره والاقتصاد فقد اصلح الفاتح بعض اسوارها المهدمه وشيد فيها عددا من المباني الكبرى من المجامع وقلده في ذلك وزرائه وقواده
وقبل ان نعرض هذه الاثار يجب ان نشير الى نقطه هامه كان لها اثر كبير في عوده الحياه امنه ومطمئنه بالنسبه لجميع سكان المدينه وبصفه خاصه للنصارى والتي كانت بمثابه حجر الزاويه للحياه الاجتماعيه في ظل الحكم الجديد وهي سر بقاء الحكم العثماني لقرون طويله في مناطق اوروبا كان معظم سكانها مسيحيين وهي سياسه التسامح التام في الشوون الدينيه لغير المسلمين او الحريه الدينيه الكامله حسب الشريعه الاسلاميه واشار بهذه السياسه كثير من الغربيين المنصفين وقد بالغ محمد الفاتح بحيث كسب قلوب رعايه من المسيحيين اليونانيين فانه بعد ان انتخب المسيحيون العاصمه جورج جينادوس بطريقا لهم اقره في منصبه الديني الاعلى بجميع مظاهر التكريم التي كانت تجري في مثل هذه المناسبه في عهد البيزنطيين بل زاد عليه اذ استقبله السلطان في موكب الاساقفه وتناول معه الطعام وقدم اليه بيده عصا البطريركيه والبسه التاج بنفسه ووقف له عند مغادرته بلاط السلطان او سار معه خطوات وهذا مالم يعمله اباطره بيزنطيه ثم اصدر فرمانا وجعل البطريرق بموجبه في مرتبه الوزراء ووكل اليه الاشراف على الشوؤن الدينيه والمدنيه لاهل ملته كالزواج والطلاق والميراث واداره اراضي الاوقاف المسيحيه واوجد في ذلك الفاتح مايسمى في الدوله العثمانيه بنظام ملت والذي ظل متبعا حتى الغاه مصطفى كمال اتاتورك في العهد الجمهوري في القرن العشرين
ولقد قال الكاتب الفيلسوف الفرنسي فولتير معقبا على هذه السياسه ( مما يثبت ان السلطان محمد الفاتح كان عاقلا حليما تركه للمسيحيين المقهورين الحريه في انتخاب بطريرق لهم فلما انتخب ثبته هو مع التعقيم عند ذلك انني خجل مما لاقيته من التبجيل والاحتفاء الذي لايعلمه ملوك النصارى اصلا مع اسلافي )
ولقد اعطي الباحث المهندس المعماري اسمه كريستوبول حاره مسيحيه بتمامها لتكون ملكا له ولذريته من بعده ولذلك لما قام به هذا المهندس من بناء بعض الابنيه للسلطان
وقال فولتير الذي ذكر هذا تعقيبا عليه ليست هذه حادثه من حوادث التي تستحق الذكر في التاريخ أي ان مهندسا كان يمتلك حاره باكملها بل القصد ان نبين ان الاتراك لم يعاملو النصارى بقسوه كما نعتقده نحن ولاتجيز امه من امم النصارى ان يكون للمسملمين مسجدا ببلادها اصلا بخلاف الاتراك وكان من نتيجه هذه السياسيه بدا عدد السكان القسطنطينيه التي كان قد تناقص الى 50 الف او 100 الف حسب التقديرات المختلفه بالازدياد بسرعه الى ان بلغ 800 الف نسمه في سنه 1600 ميلادي
وكان هذا العدد اكثر بكثير من عدد سكان أي عاصمه اوروبيه انذاك
ومن اثار الفاتح العمر انيه جامعه الكبير في قلب العاصمه والتي تعرف بجامع الفاتح وتم بناؤه في عام 1470 م وبنى بجانبه مدارس الصحن الكبير العالي كما انه شيد قبل ذلك ضريحا على قبر الصحابي الجليل ابي ايوب الانصاري وجامعه بجانبه في 1458 م ويقول كثير من المؤرخين والاتراك العربي ان موضع هذا المجاهد انكشف في المنام للولي
اق شمس الدين اثناء حصار المدينه والحقيقه ان قبره كان معروفا قبل ذلك في زمن طويل فذكر الرحاله الهروي ابو الحسن علي بن ابي بكر الذي زار القسطنطينيه في القرن الثاني عشر الميلادي في كتابه الاشارات الى معرفه الزيارات قائلا ( في جانب سورها قبر ابي ايوب الانصاري صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم وبها الجامع الذي بناه مسلمه بن عبدالملك والتابعون ولعله كان ذلك بعد القاء السلطان السلجوقي الب ارسلان الهزيمه المنكره على الامير البيزنطي ديوجينوس واسره له على شروط ومن بينها جامع للمسلمين في عاصمته والحفاظ على مافيها من جامع للمسلمين قديم
ومن المصادفات الحسنه على هذه الرحاله دعا بعد وصف القسطنطينيه نسال الله تعالى ان يجعلها دار اسلام بمنه وكرمه ان شاء الله تعالى والله سبحانه تعالى قبل دعوته فاصبحت القسطنطينيه دار اسلام بعد حوالي 300 سنه بعد زيارته
فلعل السلطان الفاتح جدد هذا الجامع الذي ربما يكون قد هدم بعد العداء المتجدد بين البيزنطيين والعثمانيين في الفتره الاخيره
واصبح من التقاليد العثمانيه منذ ذلك الوقت ان احتفال تنصيب السلطان الجديد كان يجري في جامع ابي ايوب الانصاري حتى نهاية الدوله العثمانية
وبنى بعض وزراء الفاتح كمحمود باشا ومراد باشا جوامع اخرى مقلدا الفاتح وهي لاتزال معروفه باسمائهم وسرعان مااضيف الى هذه الجوامع المدارس ودور سكن للطلبه واصبحت القسطنطينيه بعد مده وجيزه مدينه الجوامع الممتازة في العالم الاسلامي اذ حذا حذوه السلاطين العثمانيين ووزرائهم وانشأو فيها عشرات من الجوامع الفخمة
ويقول بروكلمن ان تخطيط اهم مباني المدينه في العاصصمه يرقى الى عهد الفاتح ايضا فقد اعاد الى ***** اسوار حديثه لها والتي كانت قد انهدمت في الحصار كما بنى عند طرفها الجنوبي الغربي الى جانب بحر مرمره قلعة الابراج السبعة ( يدي قوله ) و**** احواضا لبناء السفن وترسانات لانتاج الاسلحه والذخائر
وفي سنه 1454 م بنى قصرا في وسط المدينه والذي اصبح فيما بعد مقرا لوزارة الحربية وبه حاليا جامعة استنبول واستقر به الفاتح بعد عودته من ادرنة واتخاذه القسطنطينية عاصمة جديدة لدولته وبعد احدى عشر سنه أي 1465 م شرع الفاتح في تشييد قصر جديد في مساحه واسعه جدا على اعلى طرف التل المطل على بحر مرمره والقرن الذهبي ليكون مقرا له وللحكومة وتم بناء هذا القصر بعمارته العديده في 1478 م وعرف لدى الاتراك بـ ( سراي طوب قبو )
( قصر باب المدفع ) لكونه بالقرب من باب المدفع بالمدينه وهو بوابه سان رومان قديما اما الغربيوون فعرفوه ب سراجليو وظل هذا القصر الجديد بابنيته المتعدده مقرا للسلاطين ورجال بلاطهم الى القرن التاسع عشر عندما بنو قصورا جديده وانتقلو اليها ومقرا للحكومه في القرن التاسع عشر عندما اعطي السلطان محمد الرابع وزيره درويش باشا بنايه كبيره لتكون مقرا له ولدواوين الدوله والذي عرف بالباب العالي وهكذا كان سراي طوب قبو مدينة القصر كما سماه لين بول وغيره
وطالما استجلب هذا القصر انظار الاوربيين قديما فوصفوه في مؤلفاتهم باسهاب واعجاب واحسن وادق من وصفه اوتافيانو بون سفي البندقيه الى البلاط العثماني وترجم وصفه الى الانجليزيه وينقسم هذا القصر الى اقسام رئيسيه ثلاث لكل منه باب خاص فالاول للحرس والمطابخ والاسطبل والثاني للديوان ( حيث كانت تعقد جلسات الحكومة تحت اشراف السلطان او الوزير الاعظم ), وخزينة الدولة , والثالث الاخير لسكنى السلطان وكبار الخدمه , وفيه قسم مستقل للحريم . وهكذا كان هذا القصر يتسع لعدة الاف من الناس . ويقوم في اجمل بقعة من المدينة القديمة يحيط بها سور عظيم . ولكنه لا يضارع في الفخامة والروعه القصور الجديدة التي انشئت في القرن التاسع عشر , كقصر دولة باغجة , وقصر يلدز على الطراز الاوروبي .
ويلاحظ حرص محمد الفاتح على الاحتفاظ بالروائع الفنية بانه عندما حول كنيسة ايا صوفيا العظيمة الى الجامع حسب المتبع في تلك العصور لدى جميع الامم من تحويل معابد المغلوبين الى معابد الفاتحين لم يمح الصور المرسومة على سقف وجدران هذه الكنيسة , بل اكتفى بتغطيتها بطبقة من الجص , وبناء مأذنة عالية بها , ومحراب في داخلها , كما قوى جدرانها من الخارج ببناء مساند لها في اسفلها
أما الحركة العلمية في العاصمة العثمانية الجديدة فهي من اهم مميزات عصر الفاتح . ولقد عرفنا فيما سبق ان السلطان محمد نشأ نشأة علمية دينية , وولع بالاداب والفنون , ولم يقتصر نشاطه العلمي والثقافي بقراءته الشخصية واقتناء الكتب النادرة ومصاحبة العلماء والادباء والشعراء وتشجيعه لهم في داخل بلاده وخارجها ورعايته لهم , بل يعود اليه الفضل في الحركة التعليمية الكبرى التي قامت في عهده وتحت رعايته الشخصية . كان جده الاعلى اورخان بن عثمان قد اقام معاهد للتعليم الديني العالي في بورصة وازنيق بعد فتحه لهما في النصف الاول من القرن الرابع عشر , ثم رعى مراد الثاني والد الفاتح هذه الحركة العلمية والتعلمية , وبرز خلال هذه المدة عدد كبير من العلماء الاتراك الافذاذ الذين درسوا في مدارس بلادهم وفي الشام ومصر .. وجاء الفاتح لينظم هذه الحركة التعلمية في اعلى المستويات لتخريج العلماء والأستاذة والقضاة والمهندسين والاطباء ف**** بجانب جامعه الكبير جامع الفاتح في 1470 م كليه للتعليم العالي عرفت بمدارس الصحن الثمان وعرفت بهذا الاسم لانها اقيمت في وسط المدينه بجانبي الجامع وكانت تتكون من ثمانيه مباني والحقت بها ثماني مدارس اخرى كانت تسمى بمدارس تتمى وهي بمثابه المعاهد الاعداديه قبل التخصص والمتخرجون منها ان شاءو بمدارس الصحن للتخصص او يعينون للقضاة في مدن صغيره غير استنبول وادرنه وبورصه
وكانت كل وحده من وحدات مدارس الصحن تشمل 19 حجره وقاعه كبيره لالقاء الدروس والمحاضرات وكانت 15 حجره مننها مخصصه لسكني الطلبة وحجرتان للاستاذ والاستاذ المساعد ( العميد ) وحجرتان للفراش والبواب وهكذا فكانت 120 حجره للطلبه يسكن في كل منها طالب واحد يعرف بلقب ( دانشمند ) ويصرف لكل طالب 12 عمله فضيه كمرتب شهري لمصروفات الجيب
وبنى بجوار هذه المدارس مطعما خيريا ومستشفى كامل المعدات وكان الطلبه الذين يدرسون الطب يتمرون في هذا المستشفى وكانت تدرس في مدارس الصحن جميع العلوم المتعارفه من الدين والرياضيات والفلك والهندسه والطب وكانها كليه سكنيه للعلوم والاداب وهكذا
فهذه المدارس العاليه كانت خطوه الى الامام في حركه التعليم العالي في الاسلام التي بدات في جامعه القرويين في فاس ثم الازهر في القاهره فالمدارس النظاميه في بغداد وسينابور وغيرها في عهد السلجوقي العباسي فمدارس الفاتح ثم مدارس سليمان القانوني في استنبول
وكان لهذه المدارس نظام دقيق في الدراسه ونظام القبول ونيل الاجازه وانتساب اليها يعد شرفا والسلطان الفاتح نفسه انتسب اليها وحصل على حجره حصل له خاصه له ولكن كما يروى بعد اداء امتحان القبول حسب لائحه الكليه وكان الفاتح يزورها من حين الى حين اخر حيث يستمع الى الدروس ويحضر بعض الامتحانات ويستقبل زواره في حجرته
وتولى التدريس في مدارس الصحن الاساتذه والاعلام وتخرج منها عدد كبير من العلماء والفقهاء الذين قامو بدورهم الملحوظ في تنشيط الحركه العلميه في ارجاء الدوله
بالاضافه الى هذه الكليه باقسامها المختلفه انشئت مدارس عاليه تعرف باسم مدارس القصر وهي في قصر الفاتح القديم في استنبول وقصر طوب قبو وقصره في ادرنه حيث تخرج عدد كبير من وزراء الدوله وقواد الجيش وكبير الاداريين اذا كانت العنايه موجهة في هذه المدارس الى تعليم لغات والاداب وفنون الاداره والحرب والتربيه العسكريه يضاف الى هذه المدارس المدارس الاهلية الاخرى مع الجوامع الاخرى الكبرى كمدرسه ايا صوفيا ومدرسه زيرك ومدرسه محمود باشا صهر الفاتح ووزيره وكذلك عمت حركه التعليم في المدن العثمانيه الاخرى في الاناظول وروملي القسم الاوربي من الدوله
ونبغ في عهد الفاتح عدد من العلماء والاعلام كالمولى الكوراني والمولى زيرك واخواجه زاده وعلاء الدين الفناري وغيرهم وكان بعضهم اساتذه الفاتح كما ذكرنا فيما مر من الكلام كما نبغ في عهده عدد من الشعراء والادباء بل الشاعرات ايضا في اللغه التركيه التي حلت محل الفارسيه منذ عهد مراد الثاني والد الفاتح
وكان اقدم شعراء الاتراك يونس امره المتوفي 1321 م في عهد عثمان مؤسس الدولة العثمانية وكان شاعرا شعبيا
ولكن الشعر الفني الرصين في هذه اللغه لم يظهر الا في عهد الفاتح واشتهر من الشعراء في عصره علي شيرنواي وحمدي والهي وشهدي وغيرهم ومن الشاعرات زينب ومهري كما كان وزيره احمد باشا كدك شاعرا غزليا وكذلك سته وزراء اخرون كانو ممن يقرضون الشعر وكان الفاتح نفسه شاعرا واتخذ لنفسه لقبا شعريا له وهو ( عوني ) على عاده شعراء الفرس والاتراك وشعراء الهند وباكستان وله ديوان شعر مطبوع اسمه ( ديوان عوني ) ومن ثم ولعه بالشعر والشعراء ولتشجيع ذلك **** في كل من بروسه وقسطموني من مدن الاناظول مدارس لتعليم الغنائي واجرى مرتبا لثلاثين شاعرا في بلاطه
ونسج هؤلاء الشعراء على منوال الشعر الفارسي الصوفي والغزلي والملحمي والذي كان معروفا في اسيا الصغرى منذ عهد سلاجقه الروم والذين ورثت تراثهم الدوله العثمانيه في مجال الادب والفن والاداره والعلوم فنظم حمدي قصتي يوسف وزليخا وليلى ومجنون على غرار مانظمه الشاعران الفارسيان نظامي كنجوى وجامي وبدا شهدي بنظام التاريخ العثماني على نمط الفردوسي في ( شاه نامه ) ولكن عاجلته المنيه فنظم الكلشني نحو عشرين الف بيت في اسلوب مثنوي ومعنوي لجلال الدين الرومي الشهير في ادب التصوف وكذلك الشاعر الهي له ( زاد المشتاقين ) و ( نتائج الارواح)
في الشعر الصوفي مثل شعر ابن العربي وابن الفارض من مشهوري متصوفي العرب ...
وكذلك نضج في عهده النثر العلمي والفني الذي قد بدا بدايته الاولى كالشعر منذ عهد عثمان واورخان بالكتابات الدينيه والصوفيه فألف سنان باشا وزير الفاتح كتابه التضرعات في المناجات الدينيه في النثر المنمق كما الف سكرتيره طرسون بيك تاريخا للدوله العثمانيه يعرف بتاريخ ابي الفاتح اشته باسم المؤلف وهكذا تطورت كتابه التاريخ العثماني في عهده من المؤلفات الاوليه كتواريخ ال عثمان مجهول المؤلف ومناقب ال عثمان وغيرها
وبلغ ذروة الكمال في عهد بايزيد الثاني ابن محمد الفاتح في اواخر القرن الخامس على يد ابن كمال باشا العلامه التركي الفذ ..
كان من اثر تشجيع الفاتح للعلم والعلماء ان توجه الى بلاطه عدد من العلماء والشعراء النوابغ من الاقطار الاسلاميه الاخرى ومن هؤلاء العالم الفلكي الرياضي علاء الدين علي قوشجي الذي جا من بلاد ماوراء النهر مع افراد اسرته بدعوه من الفاتح واصبح من ندماء الفاتح والف رساله في الحساب باسمه وسماها المحمديه وكذلك حسن بك التركمان الذي الف رساله في الهيئه باسمه وسماها بالفتحيه على كنيته ابو الفتح والشاعر العالم الفارسي الشهير عبدالرحمن جامي الذي كان يرسل اليه الفاتح مرتبا سنويا في مدينه هرات في افغانستان حاليا توجه هذا الشاعر الذي الف رساله في سيره الفاتح ومدحه بقصائده الى القسطنطينية ولكنه عند وصوله الى مدينه قونيه في الاناظول عرف نبا وفاة السلطان الفاتح وشعر بالحزن الشديد وعاد الى بلاده واستمرت علاقته مع بايزيد الثاني ابن الفاتح والذي الف له كتابي دفتر العدل وسلسله الذهب
بل دعا الفاتح الى بلاطة اصحاب الفن من غير المسلمين ومن هؤلاء جنتيل بليمي اشهر الرسامين البنادقه في عهده واقام هذا الرسام لمده سنه في استنبول ونال جوائز سنيه من السلطان بالاضافه الى مرتبه وهو الذي رسم صوره السلطان محمد الشهيرة التي هي محفوظه في المتحف الفني القومي في لندن وكذلك ارسل اليه رئيس جمهوريه البندقيه بعد انعقاد الصلح بين الطرفين مهندسا معماريا ومثالا شهيرا هو (بارتولوميو )
وكان الفاتح كالمامون والواثق من خلفاء العباسيين في اقاه مجالس علميه للمناقشه والمجادله بين كبار العلماء في بلاطه وكانت بعض هذه المناقشات تستمر لمده اسبوع كما كان يناظر بنفسه رئيس بطارقه المسيحين الارثوذكس في استنبول جناديوس وطلب اليه ان يؤلف له رساله في الدين المسيحي حسب مذهبه
وكذلك عمت حركه الترجمه النقل من اليونانيه واللاتينية والعربيه الى اللغة التركية في عهده ولقد عثر السلطان على نسخه اصلية من كتاب بطليموس اليوناني في الجغرافيه وخريطه له في قصر الامبراطور فدرسه مع العالم اليوناني جورج امبروتزوس ثم امر بترجمه هذا الكتاب القيم الى اللغه العربية من جديد بعد الترجمه في العصر العباسي واعاده رسم الخريطه مع التحقيق في اسماء البلدان وكتابتها بالعربيه واليونانية وبالفعل ترجمه ابن هذا العالم اليوناني الذي كان يجييد اللغة العربيه ونشر هذه الترجمه الامير المصري المثقف يوسف كمال من العائلة الخديوية في 1929 م في طبعة مصورة كما ترجم كتاب مشهوري الرجال لبلوتارخ من اللاتينية الى التركية وكذلك تم نقل التصريف في الطب لابي القاسم الزهراوي الاندلسي الى هذه اللغات مع زياده في صور الالات الجراحيه واوضاع المرضى اثناء العمليات
وكثيرا ماكان الفاتح يطلب من عدد من علماء الكتابه في موضوع واحد في صوره المسابقات العلميه في العصر الحديث ليدفعهم التنافس الى ابداع وابتكار وانتاج علمي افضل ويمنح المؤلفين البارعين مكافات جزيله فازدهرت الحركة العلمية في عهده وكثرت التآليف العلميه وخاصه في الموضوعات الدينيه
ولقد كون السلطان محمد الفاتح العالم الشاعر مكتبة خاصة في قصره غنية بنوادر الكتب وروائع الاثار فيها 12 الف كتاب في مختلف اللغات العربيه والفارسيه والتركيه واليونانيه واللاتينية بالاضافه الى المكتبات الاخرى الملحقه بمدارس الصحن ومدرسه ايا صوفيا ومدرسه ابي ايوب الانصاري وسار على هذا النهج وزرائه ثم السلاطين الاخرون من بعده حتى اصبحت استنبول اغنى العواصم الاسلاميه بروائع الاثار الاسلاميه لحرص السلاطين والوزراء على اقتناء الكتب القيمه من اطراف العالم الاسلامي وتكوين مكتباتهم الخاصه بجوامع الكبرى ولاتزال هذه المكتبات تحتفظ باكبر قسط من روائع المخطوطات العربيه
..................
تنظيم الدوله في عهد الفاتح ::
بدا تنظيم الدوله في اورخان ثاني سلاطين الدوله تنظيما اوليا وظل هذا التنظيم متبعا ببعض التعديلات البسيطه في جهازها المدني والقضائي والعسكري الى ان جاء عهد الفاتح والذي استقر فيه عهد العثماني على مناطق شاسعه في اوروبا الشرقيه واسيه الصغرى الاناظول سابقا فدعت الحاجه الى تطوير نظم هذه الدول الواسعه ووضع قوانين ولوائح لها وتم ذلك في عهد الفاتح على نطاق واسع وظلت المؤسسات الحكوميه والتشكيلات القضائيه والعسكريه التي انشأت في عهده قامت ببعض التعديلات والاصلاحات الى عهد السلطان محمود الثاني في بدايه القرن التاسع عشر الى ان اجري فيها السلطان تغيرا جذريا و****ها على نظم اوربية
ومن الجدير بالملاحظه ان كيان الدوله العثمانية كانت قائمة كالدول الاسلاميه الاخرى في ذلك العصر على الشريعة الاسلامية يمسك بزمام امور الدوله امير او سلطان مطلق التصرف يهيمن عليه الشرع الاسلامي ويحد من صلاحيته وظل هذا الوضع قائما طوال العهد العثماني ببعض تعديلات شكليه في القرون الاخيره عندما انفصلت الحكومه عن القصر
وعلى هذا فكان السلطان هو رئيس الحكومه وقائد الجيش يساعده في تصريف شئون الدوله المدنيه والعسكريه وزير وقواد الجيش كما يساعده في شئون القضاة وفصل الخصومات قاض يسمى قاضي العسكر وكان اول وزير علاء الدين اخو اورخان واول قاضي عسكر المولى خليل الاسود الجندري في عهد مراد الاول والذي اختير بعد ذلك لمنصب الوزاره وظل هذا المنصب في اعقابه وكان اخر من تولاه منهم خليل باشا الجندري الذي قتل لخيانته بعد فتح القسطنطينية
لم يكن حتى عهد الفاتح نظم ولوائح للتشكيلات العسكريه الجديدة التي انشئت في عهد والده مراد الثاني باتخاذ نظام ديوشيرمه ( جمع الاطفال المسيحيين وادخالهم في جيش الانكشارية ) ويقال ان مراد الثاني في اواخر عهده اهتم لوضع نظام ولوائح لجيشه المكون من عناصر مختلفة ولكن لم يحفظ لنا التاريخ منها الا الخطوط الاساسيه كما كان قد ازداد الوزراء من واحد الا اثنين او اككثر
وجرى في عهد الفاتح تنظيم خاص لاركان الدوله ومؤسساتها وتشيكلات الدوله القضائيه والعسكريه في الاقاليم فكان مركز الحكومة في القصر السلطاني وخصص لها مكان خاص يسمى بالديوان الهمايوني وعلى راس الحكومه الوزير الاعظم يساعده في ذلك اربع وزراء يسمون وزراء القبة
وكانت تعقد جلسات الحكومه في الديوان تحت اشراف السلطان نفسه وكان من اركان الدوله الذين يحضرون مجلس الحكومه بالاضافه الى هؤلاء المذكورين قاضي العسكر والدفتر دار والنشانجي وهو رئيس المكتب السلطاني وعند افتتاح مجلس الديوان الهمايوني كانت فرقه الموسيقى تعزف السلام السلطاني ويسمعه السلطان واعضاء الحكومة واقفين كان السلطان يحضر جلسات الحكومه يوميا ويشرف عليها شخصيا ولكنه امتنع من ذلك في اواخر يومه وذلك باقتراح من وزيره احمد كدك باشا لحادث بسيط وبدا يراقب اعمال مجلس الحكومة ويسمع مناقشات الاعضاء من شباك في الطابق العلوي للديوان وكان للوزير الاعظم سلطة مطلقة في تصريف شؤون الدولة ويسلم اليه خاتم الحكومة عند تعيينه ويسترد منه اذا عزل كما كان الامر في الخلافه العباسية ومعظم هؤلاء الوزراء منذ عهد الفاتح كانو من الذين تربو ونشاؤا في مدارس القصر من الاطفال المسيحيين الذي اسلمو اما في مجال القضاء فقد انشأ الفاتح منصب القاضي عسكر ثاني فاصبح هناك قاضيا عسكر واحد للروملي والاخر للاناظول وكلاهما يحضران جلسات الحكومة وبجانبهما مفتي الدولة الذي كان يعرف بمفتي الانام وكان القضاء مستقلا تمام الاستقلال في الدولة ويشرف على السلطة القضائية قاضيا عسكر وهما يعينان قضاة في المدن المختلفه اما التشكيلات العسكرية فقد تم تصنيفها في هذا العهد في الى قسمين قبوقولي ( عبيد الباب ) والاخر ايالات عسكرية ( جند الولايات ) فالاول هم جنود خاصة وكانو ينقسمون الى قسمين مشاة وفرسان وكان المشاة الخاصة مؤلفه من سبعة اسلحة بسمائهم التركيه مثل سلاح الرماة وسلاح المدفعية وسلاح الهندسة وسلاح العربات وسلاح الالغام وكانو يسكنون في ثكلات في استنبول
اما فرسان الخاصه فكانو مكونين من ست فصائل باسمائهم التركيه وهؤلاء لم يكونو يقيمون في ثكلات استنبول بل في القرى المجاورة لها ولأدرنة وبورصة حيث مراعي خيولهم ومرتبات هؤلاء الفرسان والمشاة كانت تصرف من خزينة الدولة اما جند الاليالات فكان ينقسم الى فرق خاصه من الفرسان والمشاة واسلحة وكان لهم اسماء تركيه غريبه وكان على امراء ولايات بيرلي ان يرسلهم الى الدولة عندما يلزم الامر في حالةحدوث الحرب وتوجيه الحملات ومرتباتهم واجورهم كانت تصرف من ايراد الولايات او يشترك هؤلاء الجنود منهم في المعارك لقاء الاقطاعات التي منحتلهم كبدل للخدمه العسكريه منذ العهود الاولى ومن ثم كانو يسمون بالفرسان الاقطاعية
وفي عهد الفاتح اصبح للاسطول اول مره شان ملحوظ وهو الذي **** منصب امير البحر وكان سليمان باشا بلطه اوغلو اول من تولى هذا المنصب وبعده حمزه باشا وكان سلاح البحرية يتألف من ثلاثه الاف جندي من قواد السفن والضباط والبحاره ويشترك معهم عند نشوب المعارك جنود الانكشارية وجنود الولايات كما ازدادت السفن في دور الصناعة الحكومية في هذا العهد
واما قانون نامه الذي ينسب الى عهد الفاتح والذي يشمل مناصب ووظائف اعضاء الحكومة وموظفي القصر واوضاعهم وصلاحيتهم ومراسم البلاط والعقوبات المالية على الجنايات فلقد قلنا فيما سبق انه مزوز مدسوس واهتم الغربيون وعلى رأسهم المستشرق الالماني هامر مؤلف كتاب الدولة العثمانية بهذا القانون لما ورد من تشريع قتل السلطان اخوته عند توليه الحكم ووقف هامر عند هذه النقطه وقفة طويلة لينال من السلطان لتعصبه الممقوت اذ يتبين من النظر الى هذا القانون انه وضع بعد عصر السلطان بزمن طويل وقد انتقده المؤلف التركي الجديد علي همت ألاقسكي انتقادا منطقيا تاريخيا واثبت بطلانه ومما لم ينتبه اليه المؤلف جيدا انه ورد في خطبه هذا القانون
( خليفة المسلمين ) بالنسبة للسلطان محمد الفاتح ومن المعلوم انه لم يدع هذا اللقب العظيم ولم يرد ذلك في اية وثيقه من الوثائق الرسميه في عهده وبعضها موجوده منشوره كما ود بإسم نجل السلطان اسم السلطان محمود وعائشه بنت محمود هذا ومن المعروف ان الفاتح لم يكن له ابن بهذا الاسم بل ابناؤه هم مصطفى ومات في حياة والده وبايزيد الثاني
اما موضوع تشريع قتل السلطان اخوته عند اعتلاء العرش اتقاء الفتن والتنافس ..
فيقول العلامة المصري أحمد تيمور باشا أن واضع هذا القانون بايزيد الاول أو بايزيد يلدرم ، والمعروفأنه قتل اخاه يعقوب الشاب بمجرد توليه الحكم أثناء معركة قوصوه الاولى .
بينما يقول مؤرخ اخر وهو محمد بيك النقشبندي ان الذي سن هذا التشريع هو بايزيد الثاني بعد الصراع الذي حل بينه وبين اخيه جم والذي دخلت فيه الدول الاجنبية كمصر ورودس والبانيا
وهكذا فلا يمكن البت في هذا الموضوع واغلب الظن انه عمل به عهد بايزيد بسبب فتنة جب او فيما بعد عندما بدا الانكشارية يتدخلون في الشؤون الحكومية ويقتلون السلاطين ويعزلونهم ويجلسون الاخرين من اخوة السلطان المقتول او المعزول على العرش في القرن السابع عشر الميلادي ..
يلزم عليك تسجيل الدخول أولًا لكتابة تعليق.
خليك أول من تشارك برأيها 💁🏻♀️